الرئيسية / سلسلة ينابيع الآبار في تخريج الآثار / جزء فيه: تخريج حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم)؛ وهو حديث شاذ
جزء فيه: تخريج حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم)؛ وهو حديث شاذ
|
||||
جزء فيه:
تخريج حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم)؛ وهو حديث شاذ
تخريج:
العلامة المحدث الفقيه فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه، وجعل الجنة مثواه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد،
هذا جزء حديثي في بيان حال حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم)، وأنه غير محفوظ.
جمعت فيه طرق، وروايات هذا الحديث، مع الكلام عليها جرحا وتعديلا، وبيان عللها والحكم عليها، وذلك لما كان كثير من الناس اليوم لا يعرفون صحيح الحديث من ضعيفه.
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الجزء جميع الأمة، وأن يتقبل مني هذا الجهد، ويجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن يتولانا بعونه، ورعايته إنه نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
أبو عبدالرحمن
فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر، وأعن، واختم بخير وعافية
ذكر الدليل
على أن المحرم لا يجوز له أن يتزوج، أو يزوج، وبيان علة حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم)، وأنه شاذ لا يحتج به في الشريعة المطهرة
عن ابن عباس t: «أن النبي r تزوج ميمونة وهو محرم».
حديث معلول
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج9 ص165)، ومسلم في «صحيحه» (1410)، والترمذي في «سننه» (844)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5386)، وفي «المجتبى» (ج5 ص191)، وابن ماجه في «سننه» (1965)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص337)، والدارقطني في «السنن» (ج3 ص363)، وأبو يعلى في «المسند» (ج4 ص280)، والحميدي في «المسند» (503)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص368)، وابن حبان في «صحيحه» (4131)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج3 ص228)، والقطيعي في «جزء الألف دينار» (ص302)، والرافقي في «جزئه» (ص99)، والإسماعيلي في «معجم الشيوخ» (301)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص396)، والحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص391)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص66)، وفي «معرفة السنن» (ج7 ص517)، وفي «دلائل النبوة» (ج4 ص331)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص269)، وفي «مشكل الآثار»([1]) (ج14 ص509)، وابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» (518)، والطيالسي في «المسند» (2611)، وابن الجارود في «المنتقى» (423) من طريق عمرو بن دينار قال حدثنا أبو الشعثاء جابر بن زيد قال: أنبأنا ابن عباس رضي الله عنهما قال: «تزوج النبي r ميمونة وهو محرم».
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج7 ص509)، وأبو داود في «سننه» (1844)، والترمذي في «سننه» (842)، و(843)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3809)، و(5389)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص336 و346)، والدارقطني في «السنن» (ج3 ص263)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج4 ص280)، وفي «أخبار أصبهان» (ج2 ص260)، وابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» (515)، و(516)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج4 ص334)، و(ج5 ص121)، و(ج11 ص21 و22)، وابن الجوزي في «التحقيق» (ج6 ص142)، وفي «جامع المسانيد» (ج4 ص111)، وفي «ناسخ الحديث» (ص345)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج2 ص269)، وتمام الرازي في «الفوائد» (ج2 ص233)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج2 ص594)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج11 ص275)، وفي «المعجم الأوسط» (ج3 ص125)، وابن راهويه في «المسند» (950)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج4 ص331) من طرق عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «تزوج النبي r ميمونة وهو محرم، وبنى بها وهو حلال، وماتت بسرف».
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (1837)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3189)، و(3808)، و(3810)، و(5385)، وفي «المجتبى» (ج5 ص191 و192)، والترمذي في «سننه» (ج2 ص169)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص330 و362)، والطيالسي في «المسند» (2656)، وأبو يعلى في «المسند» (ج5 ص112)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج1 ص349) ، وابن هشام في «السيرة النبوية» (ج3 ص426)، والطبراني في «المعجم الكبير» (11297)، وفي «المعجم الأوسط» (ج2 ص487)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج2 ص269)، وابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» (517)، وابن الجوزي في «التحقيق» (ج6 ص141)، وفي «جامع المسانيد» (ج4 ص111)، وفي «ناسخ الحديث» (ص346)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (584)، والطيوري في «الطيوريات» (ج3 ص1203)، والحنائي في «الحنائيات» (ج1 ص165)، والرافقي في «جزئه» (ص99)، وابن المأمون في «الفوائد المنتقاة عن الشيوخ العوالي» (19)، والبزار في «المسند» (5202)، والدارمي في «المسند» (1822)، وأبو عوانة في «المستخرج» (3086)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (543)، والإسماعيلي في «معجم الشيوخ» (301)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص225)، والأبرقوهي في «معجم الشيوخ» (ص385)، وتمام الرازي في «الفوائد» (ج2 ص232)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج36 ص427)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص212)، وفي «دلائل النبوة» (ج4 ص332)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص50)، وابن حبان في «صحيحه» (ج9 ص441)، والسبكي في «معجم الشيوخ» (ص392)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج3 ص158)، وفي «الاستذكار» (ج11 ص265)، وخيثمة بن سليمان القرشي في «الرقائق والحكايات» (ص196)، والبحيري في «الفوائد» (ق/28/ط)، والذهبي في «المعجم الكبير» (ج1 ص293)، والنقاش في «فوائد العراقيين» (ص61)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج7 ص177 و178)، وابن الشرقي في «أحاديث من المسند الصحيح» (ص135)، وسفيان الثوري في «حديثه» (ص50)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج8 ص136)، والخلدي في «الفوائد» (ص159 و184)، وابن منده في «الأمالي» (93)، وابن راهويه في «المسند» (805)، والبغوي في «شرح السنة» (ج7 ص256)، وفي «مصابيح السنة» (ج2 ص281) من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: فهذا الحديث مع كونه في «الصحيحين» فقد عده العلماء بأنه غلط على رسول الله r، ولم يأخذوا به، لأن ابن عباس رضي الله عنهما أخطأ فيه على رسول الله r، ورجحوا عليه حديث ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها، لأنها صاحبة القصة، ويؤيده: حديث عثمان بن عفان t في أن المحرم لا يجوز له أن يتزوج. ([2])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج3 ص432): (وهذه الرواية مقدمة على رواية ابن عباس رضي الله عنهما، لأنها هي المنكوحة، وهي أعلم بالحال التي تزوجها رسول الله r فيها من ابن عباس رضي الله عنهما).اهـ
فعن سعيد بن المسيب / قال: «وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم».
أثر حسن
أخرجه أبو داود في «سننه» (1845)، ومن طريقه: البيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص212) من طريق سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن رجل عن سعيد بن المسيب به.
قلت: وهذا سنده لا بأس به، وقد كان السلف يخطئون ابن عباس رضي الله عنهما في هذا الحديث، وقد احتج به الإمام أحمد. ([3]) وقد روي من وجوه.
وقال الشيخ الألباني / في «صحيح سنن أبي داود» (ج6 ص109): (حديث مقطوع صحيح). اهـ
وذكره ابن الجوزي في «التحقيق» (ج6 ص145)، وفي «ناسخ الحديث» (ص347)، والذهبي في «تنقيح التحقيق» (ج6 ص144).
وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (ج3 ص1315)، والشافعي في «اختلاف الحديث» (ص145) من طريق سعيد بن مسلمة ثنا إسماعيل بن أمية عن سعيد بن المسيب به.
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه سعيد بن مسلمة الأموي، وهو ضعيف، كما في «التقريب» لابن حجر (ص388).
وأخرجهالخلدي في «الفوائد» (ص195) من طريق أبي حماد عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن المسيب قال: «أوهم ابن عباس في ميمونة؛ أن رسول الله ﷺ تزوجها وهو محرم».
وقال الحافظ الحاكم / في «معرفة علوم الحديث» (ص392): «وكان سعيد بن المسيب ينكر هذا الحديث». يعني: حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وروى الأوزاعي قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ «أن النبي r تزوج ميمونة، وهو محرم». قال سعيد بن المسيب: (وهم ابن عباس، وإن كانت خالته، ما تزوجها إلا بعد ما أحل). وفي رواية: (إنما تزوجها حلالا).
أثر صحيح
أخرجه هكذا: ابن عبد البر في «التمهيد» (ج3 ص158)، وفي «الاستذكار» (ج11 ص265)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج26 ص427) و(ج54 ص123)، والحنائي في «الحنائيات» (ج1 ص165)، وخيثمة بن سليمان القرشي في «الرقائق والحكايات» (ص196)، والطيوري في «الطيوريات» (ج3 ص1203 و1204)، وتمام الرازي في «الفوائد» (ج2 ص233)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج4 ص332)، وفي «السنن الكبرى» (ج7 ص212)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ج1 ص286)، والذهبي في «المعجم الكبير» (ج1 ص393) كلهم مع قول سعيد بن المسيب أيضا.
وإسناده صحيح.
قال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج3 ص158): (هكذا في الحديث قال سعيد بن المسيب فلا أدري أكان الأوزاعي يقوله أو عطاء بن أبي رباح).
وقال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج11 ص265): (أظن القائل قال سعيد: عطاء، أو الأوزاعي).
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج4 ص635).
وأخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (ج4 ص336) من طريق ابن إسحاق حدثني ثقة عن ابن المسيب / أنه قال: «هذا عبد الله بن عباس يزعم أن رسول الله r نكح ميمونة وهو محرم، وكذب، وإنما قدم رسول الله r مكة فكان الحل والنكاح جميعا، فشبه ذلك على الناس».
وإسناده لا بأس به.
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج4 ص636)، وابن كثير في «البداية والنهاية» (ج6 ص390).
والحديث أنكره سعيد بن المسيب على ابن عباس رضي الله عنهما؛ من رواية عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب به.
أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج8 ص135).
وإسناده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (ج6 ص110).
قلت: ومقصود ابن المسيب بقوله: «كذب»؛ أي: أخطأ ابن عباس، وهو لغة أهل الحجاز.
والأثر صححه الإمام أحمد، كما في رواية الأثرم (ج9 ص166 – فتح الباري)، ورواية المروذي (ج1 ص474 – التعليقة الكبيرة)، وابن تيمية في «شرح العمدة» (ج4 ص630)، وابن عبد البر في «الاستذكار» (ج11 ص265)، وفي «التمهيد» (ج3 ص158)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج9 ص166).
قال الإمام الأثرم في «المسائل» (ج9 ص165- فتح الباري)؛ قلت: لأحمد أن أبا ثور يقول: بأي شيء يدفع حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ أي: مع صحته، فقال أحمد: (الله المستعان، وابن المسيب يقول: وهم ابن عباس رضي الله عنهما، وميمونة تقول: تزوجني وهو حلال).
وقال الإمام المروذي في «المسائل» (ج1 ص474 – التعليقة الكبيرة): (أذهب إلى حديث نبيه بن وهب، فقال له المروذي: أن أبا ثور قال لي: بأي شيء يدفع حديث ابن عباس رضي الله عنهما؟، فقال أبو عبدالله: (الله المستعان، قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس رضي الله عنهما، وميمونة رضي الله عنها تقول: تزوجها وهو حلال).
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص146): (وكان ابن المسيب يقول: نكحها حلالا، ذهبت العلة في أن يثبت من قال نكحها وهو محرم بسبب القرابة). اهـ
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج1 ص533): (وقد ذكر سعيد بن المسيب أن ما حكاه ابن عباس من ذلك وهم، وحديث يزيد بن الأصم وهو ابن أخي ميمونة يؤكد ذلك). اهـ
وقال العلامة الشيخ الألباني / في «صحيح سنن أبي داود» (ج6 ص108): (وقد صرح بتوهيمه سعيد ابن المسيب، وهو قول جمهور أهل النقل، كما قال ابن القيم؛ وذلك لأن ميمونة صاحبة القصة أعلم بشأنها من غيرها، وقد أخبرت بحالها وبكيفية الأمر في ذلك العقد). اهـ
وقال الإمام أحمد في رواية أبي الحارث (ج1 ص474 – التعليقة الكبيرة)، وقد سئل عن حديث ابن عباس: (هذا الحديث خطأ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص630): (السلف طعنوا في رواية ابن عباس رضي الله عنهما هذه). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «ناسخ الحديث» (346): (وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ فإنما قاله بظنه، ووهم في ذلك). اهـ
قلت: فمن روى أنه r تزوجها حلالا، فقد اطلع على حقيقة الأمر، وأخبر به، لأنه معه مزيد علم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص632): (الصواب رواية من روى أنه تزوجها حلالا). اهـ
قلت: فالذي اطلع على هذا الأمر، فإنه معه مزيد علم خفي على غيره.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج4ص153): (وما أعلم أحدا من الصحابة y روى أن رسول الله r نكح ميمونة، وهو محرم إلا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.([4])
ورواية من ذكرنا معارضة لروايته، والقلب إلى رواية الجماعة أميل، لأن الواحد أقرب إلى الغلط.
وأكثر أحوال حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن يجعل متعارضا مع رواية من ذكرنا، فإذا كان كذلك سقط الاحتجاج بجميعها، ووجب طلب الدليل على هذه المسألة من غيرها.
فوجدنا عثمان بن عفان t قد روى عن النبي r: أنه نهى عن نكاح المحرم، وقال r: «لا ينكح المحرم ولا ينكح»، فوجب المصير إلى هذه الرواية التي لا معارض لها، لأنه يستحيل أن ينهى عن شيء ويفعله، مع عمل الخلفاء الراشدين لها، وهم: «عمر»، و«عثمان»، و«علي» y، وهو قول «ابن عمر»، وأكثر أهل المدينة).اهـ
قلت: فبين الإمام ابن عبد البر / أن الوهم إلى الواحد أقرب من الجماعة، وأقل أحوال الآثار أن تتعارض فيما بينها، فتطلب الحجة في ذلك.
قال الإمام ابن عبد الهادي / في «تنقيح التحقيق» (ج3 ص312 - المغني)؛ بعد ما ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (وقد عد هذا من الغلطات التي وقعت في «الصحيح»، وميمونة رضي الله عنها أخبرت أن هذا ما وقع؛ فالإنسان أعرف بحال نفسه، فقالت: «تزوجني رسول الله ﷺ وأنا حلال، بعدما رجعنا من مكة»). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «التحقيق» (ج6 ص142): (ميمونة أخبرت بضد هذا، والإنسان أخبر بحال نفسه من غيره). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «تنقيح التحقيق» (ج6 ص142): (ميمونة قد أخبرت بضد هذا، وهي أخبر بحال نفسها). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص259): (وما أعلم أحدا من الصحابة روي عنه أنه عليه السلام نكح ميمونة وهو محرم، إلا ابن عباس رضي الله عنهما). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «التحقيق» (ج6 ص145): (روى أبو داود؛ أن سعيد بن المسيب قال: «وهم ابن عباس في قوله: تزوج ميمونة وهو محرم).اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج9 ص166): (قال سعيد بن المسيب: ذهل ابن عباس رضي الله عنهما). اهـ
وقال الحافظ البيهقي / في «دلائل النبوة» (ج4 ص331): (وقد خالف ابن عباس غيره في تزوج النبي r ميمونة وهو محرم).([5]) اهـ
قلت: وحديث ميمونة رضي الله عنها حجة على ما بينه ابن عباس رضي الله عنهما، فكان أولى بالتقديم.([6])
فعن يزيد بن الأصم قال: حدثتني ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها: «أن رسول الله r تزوجها وهو حلال». وفي رواية: «تزوجني رسول اللهr بسرف، ونحن حلالان».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (1461)، والشافعي في «اختلاف الحديث» (ص145)، وأبو داود في «سننه» (843)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5383)، والترمذي في «سننه» (845)، وابن ماجه في «سننه» (1964)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج2 ص282)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص332 و333 و335)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج8 ص95)، والحراني في «تاريخ الرقة» (ص65)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج3 ص229)، وابن حبان في «صحيحه» (4134)، و(4136)، وابن الجوزي في «التحقيق» (ج6 ص143)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص396)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص66)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص161)، وفي «دلائل النبوة» (ج4 ص332)، وفي «المدخل إلى علم السنن» (ج1 ص511 و512)، وفي «معرفة السنن» (ج4 ص36)، والإسماعيلي في «معجم الشيوخ» (410)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص509)، وفي «شرح معاني الآثار» (ج2 ص270)، وابن طهمان في «مشيخته» (123)، والدارقطني في «السنن» (ج3 ص316)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج7 ص316)، وفي «أخبار أصبهان» (ج2 ص68)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج5 ص410)، وابن الجارود في «المنتقى» (445)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص226)، والطبراني في «المعجم الكبير» (1059)، وأبو يعلى في «المسند» (7105)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (516) من طرق عن يزيد بن الأصم قال: حدثتني ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها به موصلا، قال: وكانت خالتي، وخالة ابن عباس.
قال الزهري: أخبرني يزيد بن الأصم، وهي خالته – يعني: ميمونة -، «أن النبي r تزوجها وهو حلال، وهي حلال».
قال الحافظ البيهقي / في «السنن الكبرى» (ج5 ص105): (ويزيد بن الأصم لم يقله عن نفسه، إنما حدث به عن ميمونة بنت الحارث). اهـ
وقال الحافظ البيهقي / في «المدخل إلى السنن الكبرى» (ج1 ص512): (ورواه كذلك موصولا: ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن خالته ميمونة، وهي صاحبة الأمر، فهي أعرف بنكاحها). اهـ
وقال الحافظ البيهقي / في «السنن الصغرى» (ج2 ص161): (فهذا قول صاحبة الأمر فهو أولى من قول غيرها). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج14 ص516): (فهذه ميمونة رضي الله عنها تخبر أن تزويج رسول الله r كان إياها، وهو حلال، فكان من الحجة عليه لمخالفيه في ذلك: أن ابن عباس رضي الله عنهما قد أخبر في حديثه أن تزويجه r كان إياها قبل ذلك، وهو محرم). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج9 ص166): (وعارض حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضا حديث يزيد بن الأصم: «أن النبي r تزوج ميمونة وهو حلال»؛ أخرجه مسلم). اهـ
وبوب عليه الحافظ أبو عوانة في «المستخرج» (ج3 ص228): باب ذكر تزويج رسول الله ﷺ في إحرامه ميمونة والخبر المعارض المبين تزوجها وهو حلال.
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج1 ص532): (وميمونة رضي الله عنها أعلم بشأنها من غيرها، وأخبرت بحالها، وبكيفية الأمر في ذلك العقد، وهو من أدل الدليل على وهم ابن عباس رضي الله عنهما). اهـ
وقد ذكر الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج3 ص566): (إن الجمهور أجابوا عن حديث ميمونة رضي الله عنها بأجوبة: (أصحها: أنه r تزوجها حلالا؛ هكذا رواه أكثر الصحابة). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «ناسخ الحديث» (346): (وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث ميمونة رضي الله عنها: أن رسول الله r تزوجها، وهو حلال). اهـ
وقال الحافظ البغوي / في «مصابيح السنة» (ج2 ص282): (والأكثرون على أنه تزوجها حلالا). اهـ
قلت: فحديث ابن عباس رضي الله عنهما، فهو معل بذلك، وقد أعله ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج4 ص633)، وأضف إليه حديث عثمان بن عفان رضي في النهي عن نكاح المحرم. ([7])
فعن عثمان بن عفان t عن النبي r قال: «لا ينكح المحرم، ولا ينكح([8])، ولا يخطب».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (1409)، وأبو داود في «سننه» (1846)، والترمذي في «سننه» (1840)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج4 ص88)، وفي «المجتبى» (ج5 ص192)، وابن ماجه في «سننه» (1966)، وأحمد في «المسند» (ج ص)، وابن القاسم في «الموطأ» (ص298)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج3ص 226و 227) وابن الجارود في «المنتقى» (444)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2649)، وابن حبان في «صحيحه» (4623)، والطيالسي في «المسند» (74)، والبزار في «المسند» (361)، (362)، والحدثاني في «الموطأ» (ص487)، وأبو بكر العكري في «الفوائد» (ص63)، والعسكري في «تصحيفات المحدثين» (ص372)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (7385)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج7 ص175)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص226)، وتمام الرازي في «الفوائد» (ج2 ص232)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص65)، و(ج7 ص210)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص160)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص37)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص1462)، والدارقطني في «العلل» (ج2 ص12 و13)، وفي «الأفراد» (ص109)، وفي «السنن» (ج3 ص260)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (ص149)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج6 ص36)، وفي «ناسخ الحديث» (ص345)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص268)، وفي «مشكل الآثار» (ج14 ص506 و507)، وابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» (ص519)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج6 ص148)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص756)، والشافعي في «المسند» (ج1 ص315)، وفي «اختلاف الحديث» (ص145)، ومالك في «الموطأ» (ج1 ص348)، والحميدي في «المسند» (33)، ومكرم البزاز في «الفوائد» (ص274)، وابن الدبيثي في «ذيل تاريخ بغداد» (ج4 ص428)، والحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص391)، وابن بشران في «الأمالي» (1081)، والبغوي في «شرح السنة» (ج7 ص250)، وفي «مصابيح السنة» (ج2 ص281) من طريق أبان بن عثمان عن أبيه به.
وعن نبيه بن وهب؛ أن عمر بن عبيد الله بن معمر أراد أن ينكح ابنه طلحة؛ بنت شيبة بن جبير في الحج، وأبان بن عثمان يومئذ أمير الحاج، فأرسل إلى أبان إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر، فأحب أن تحضر ذلك، فقال له أبان: ألا أراك عراقيا جافيا([9])». إني سمعت: عثمان بن عفان t يقول: قال رسول الله r: «لا ينكح المحرم، ولا ينكح».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص1031)، وأبو داود في «سننه» (1846)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3811)، (3812)، (5390)، ومالك في «الموطأ» (70)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج3 ص227)، والبغوي في «شرح السنة» (ج7 ص250)، ومصعب بن عبد الله الزبيري في «حديثه» (ص110) من طرق عن نبيه بن وهب به.
قلت: وهذا الحديث ينهى النبي r المحرم أن يتزوج، وإليه ذهب الصحابة الكرام، وجمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وغيرهم.([10])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص625): (فقد عمل بذلك الخلفاء الراشدون، وغيرهم من أكابر الصحابة y). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص626)؛ بعدما ذكر آثار الصحابة في إبطال نكاح المحرم: (وهؤلاء أكابر الصحابةy لم يقدموا على إبطال نكاح المحرم، والتفريق بينهما، إلا بأمر بين، وعلم اطلعوه ربما يخفى على غيرهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص641): (أن أكابر الصحابة y قد عملوا بموجب حديث عثمان t، وإذا اختلفت الآثار عن رسول الله r نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون، ولم يخالفهم أحد من الصحابة فيما بلغنا؛ إلا ابن عباس رضي الله عنهما، وقد علم مستند فتواه.
وعلم أن من حرم نكاح المحرم من الصحابة y يجب القطع بأنه إنما فعل ذلك عن علم عنده خفي على من لم يحرمه.
فإن إثبات مثل هذه الشريعة لا مطمع في دركه بتأويل أو قياس، وأصحاب رسول الله r أعلم بالله وأخشى من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، بخلاف من أباحه، فإنه قد يكون مستنده الاكتفاء بالبراءة الأصلية، وإن كان قد ظهر له في هذه المسألة مستند آخر مضطرب). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص145): (وعثمان t متقدم الصحبة، ومن روى أن النبي r نكحها محرما لم يصحبه إلا بعد السفر الذي نكح فيه ميمونة رضي الله عنها، وإنما نكحها قبل عمرة القضية... ومع حديث عثمان ما يوافقه). اهـ
قلت: فلابد عند الاختلاف من الرجوع إلى النص، وترك الاجتهاد عند وجود النص. ([11])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص265): (واختلف أهل السير في تزويج رسول الله r، فقال: ابن شهاب: أنه تزوجها حلالا، وقال معمر بن المثنى: تزوجها وهو محرم، والأول أصح إن شاء الله، والحجة في ذلك حديث عثمان والحمد لله). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «ناسخ الحديث» (ص346): (العمل على حديث عثمان t، وإن المحرم لا يصح أن يعقد النكاح لنفسه ولا لغيره). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج7 ص179): (خبر يزيد عن ميمونة هو الحق، وقول ابن عباس وهم منه بلا شك لوجوه بينة:
أولها: أنها رضي الله عنها أعلم بنفسها من ابن عباس لاختصاصها بتلك القصة دونه؛ هذا ما لا يشك فيه أحد.
وثانيها: أنها رضي الله عنها كانت حينئذ امرأة كاملة؛ وكان ابن عباس رضي الله عنه يومئذ ابن عشرة أعوام وأشهر؛ فبين الضبطين فرق لا يخفى.
والثالث: أنه r إنما تزوجها في عمرة القضاء، هذا ما لا يختلف فيه اثنان، ومكة يومئذ دار حرب). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص632): (فهذا سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وهو قول أبي بكر بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعامة علماء المدينة، وهم أعلم الناس بسنة ماضية، وأبحثهم عنها، قد استبان لهم أن الصواب رواية من روى، أنه تزوجها حلالا). اهـ
قلت: وقد ثبت حديث عثمان t، فيجب العمل به لأوجه؛ وهي:
الأول: أن حديث عثمان t لا اضطراب فيه، ولا معارض له.
الثاني: أن حديث عثمان t ناقل عن الأصل الذي هو الإباحة.
الثالث: أن حديث عثمان t كان بين في حجة الوداع لحاجة المحرمين إلى بيان محظورات الإحرام، فهو متأخر على حديث ابن عباسt، لأنه كان في عمرة القضاء قبل فتح مكة، وقبل فرض الحج، ولم تكن أحكام الحج قد مهدت، ولا محظورات الإحرام قد بينت.
الرابع: أن الصحابة الكرام قد عملوا بموجب حديث عثمان t، فيجب القطع بأنه إنما فعلوا ذلك عن علم عندهم خفي على من لم يحرمه.
الخامس: أن نقل الصحابة الكرام النهي عن تزويج المحرم أصح من نقل غيرهم من الأمصار، وهم أعلم بالسنة من سائر الناس، وكان عندهم من السابقين الأولين من المهاجرين، والأنصار الذين أمرنا باتباعهم بإحسان.
السادس: أن الإحرام يحرم جميع دواعي النكاح؛ مثل: المباشرة، والقبلة، والزينة، وغير ذلك لكي لا يقع المحرم في الجماع، وعقد النكاح من أسبابه ودواعيه، فوجب أن يمنع منه، ويعمل بحديث عثمان t. ([12])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص642): (وأهل المدينة متفقون على هذا علما ورثوه من زمن الخلفاء الراشدين إلى زمن أحمد ونظرائه، وإذا اعتضد أحد الخبرين بعمل أهل المدينة كان أولى من غيره في أصح الوجهين، وهو المنصوص عن أحمد في مواضع.
وقد تقدم أنه اعتضد في هذه المسألة أهل المدينة، لا سيما إذا كانوا قد رووا هم الحديث، فإن نقلهم أصح من نقل غيرهم من الأمصار، وهم أعلم بالسنة من سائر أهل الأمصار.
وكان عندهم من السابقين الأولين من المهاجرين، والأنصار الذين أمرنا باتباعهم بإحسان ما لم يكن عند غيرهم). اهـ
قلت: والحاصل أن من روى أن ميمونة رضي الله عنها تزوجها رسول الله ﷺ، وهما حلالان أكثر، وأحاديثهم أثبت مع ثبوت الرواية عن ميمونة وهي صاحبة القصة، وحديث عثمان t، وما في معناه خال عن المعارض فهو المعتمد في هذه المسألة.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص259): (فإن الآثار بأن رسول الله r تزوجها حلالا أتت متواترة... وهو قول سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وابن شهاب، وجمهور علماء المدينة، يقولون: إن رسول الله r لم ينكح ميمونة إلا وهو حلال.
وما أعلم أحدا من الصحابة روي عنه أنه عليه السلام نكح ميمونة وهو محرم إلا ابن عباس؛ وحديثه بذلك صحيح ثابت من نكاح ميمونة إلا أن يكون متعارضا مع رواية غيره... فإن عثمان بن عفان t قد روي عن النبي r: أنه نهى عن نكاح المحرم، وقال: «لا ينكح المحرم، ولا ينكح» ولا معارض، له لأن حديث ابن عباس في نكاح ميمونة قد عارضه في ذلك غيره). اهـ
قلت: فيسقط الاحتجاج به، لأن ميمونة رضي الله عنها أعلم بنفسها من ابن عباس رضي الله عنهما، فحديثها أولى بالتقديم لو كان ابن عباس رضي الله عنهما كبيرا، فكيف وقد كان صغيرا، والكبير أضبط من الصغير([13])، والله ولي التوفيق.
قلت: وقد خطأ عامة أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم؛ ابن عباس رضي الله عنهما في قوله هذا؛ وبينوا إنه وهم بأدلة كثيرة، كما سبق ذلك.([14])
قال العلامة الشيخ الألباني / في «إرواء الغليل» (ج4 ص228): (واتفاق هؤلاء الصحابة على العمل بحديث عثمان رضى الله عنه مما يؤيد صحته، وثبوت العمل به عند الخلفاء الراشدين، يدفع احتمال خطأ الحديث أو نسخه، فذلك يدل على خطأ حديث ابن عباس رضى الله عنه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص630)؛ عن رواية ميمونة رضي الله عنها: (وهذه الرواية مقدمة على رواية ابن عباس لوجوه:
أحدها: أنها هي المنكوحة، وهي أعلم بالحال التي تزوجها رسول الله r فيها هل كانت في حال إحرامه أو في غيرها من ابن عباس.
الثاني: أن أبا رافع كان الرسول بينهما، وهو المباشر للعقد، فهو أعلم بالحال التي وقع فيها من غيره.
الثالث: أن ابن عباس كان إذ ذاك صبيا له نحو من عشر سنين، وقد يخفى على من هذه سنه تفاصيل الأمور التي جرت في زمنه; أما أولا: فلعدم كمال الإدراك والتمييز، وأما ثانيا: فلأنه لا يداخل في هذه الأمور ولا يباشرها، وإنما يسمعها من غيره، إما في ذلك الوقت أو بعده.
الرابع: أن السلف طعنوا في رواية ابن عباس هذه، فروى أبو داود عن سعيد بن المسيب قال: وهم ابن عباس في قوله: «تزوج ميمونة وهو محرم».
وقال أحمد في رواية أبي الحارث وقد سئل عن حديث ابن عباس: هذا الحديث خطأ.
وقال في رواية المروذي: أذهب إلى حديث نبيه بن وهب، فقال له المروذي: إن أبا ثور قال لي: بأي شيء تدفع حديث ابن عباس؟ فقال أبو عبد الله: الله المستعان، قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس، وميمونة تقول: تزوج وهو حلال.
فهذا سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وهو قول أبي بكر بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعامة علماء المدينة، وهم أعلم الناس بسنة ماضية، وأبحثهم عنها، قد استبان لهم أن الصواب رواية من روى أنه تزوجها حلالا، وكذلك سليمان بن يسار يقول ذلك وهو مولاها.
الخامس: أن الرواية بأنه تزوجها حلالا كثيرون.
وأما الرواية الأخرى: فلم ترد إلا عن ابن عباس، وعن أصحابه الذين أخذوها عنه، قال ابن عبد البر([15]): ما أعلم أحدا من الصحابة روي عنه «أنه عليه السلام نكح ميمونة وهو محرم» إلا ابن عباس.
وإذا كان أحد الخبرين أكثر نقلة ورواة قدم على مخالفه، فإن تطرق الوهم والخطأ إلى الواحد أولى من تطرقه إلى العدد، لا سيما إذا كان العدد أقرب إلى الضبط وأجدر بمعرفة باطن الحال.
السادس: أن في رواية عكرمة عن ابن عباس أن النبي r تزوجها وهما محرمان([16])، وأن عقد النكاح كان بسرف، ولا ريب أن هذا غلط، فإن عامة أهل السير ذكروا([17]) أن ميمونة كانت قد بانت من زوجها بمكة، ولم تكن مع النبي r في عمرته، فإنه لم يقدم بها من المدينة، وإذا كانت مقيمة بمكة فكيف تكون محرمة معه بسرف؟ أم كيف وإنما بعث إليها جعفر بن أبي طالب خطبها؟ وهو يوهن الحديث ويعلله.
السابع: أن النبي r تزوجها في عمرة القضية في خروجه، ورجع بها معه من مكة، وإنما كان يحرم من ذي الحليفة فيشبه أن تكون الشبهة دخلت على من اعتقد أنه تزوجها محرما من هذه الجهة، فإن ظاهر الحال أنه تزوجها في حال إحرامه).اهـ
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «لا ينكح المحرم، ولا يخطب على نفسه، ولا على غيره».
أثر صحيح
أخرجه مالك في «الموطأ» (349)، والشافعي في «الأم» (ج5 ص78)، وفي «المسند» (ج1 ص526)، والمحاملي في «الأمالي» (114)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص463)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص213)، وفي «معرفة السنن» (ج5 ص350)، والبغوي في «الجعديات» (2810)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج7 ص177)، والحدثاني في «الموطأ» (ص487)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص227)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (ص149) من طريق نافع عن ابن عمر t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (ج1 ص512).
وتابعه سالم بن عبد الله عن ابن عمر قال: «لا يتزوج المحرم، ولا يخطب على غيره».
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج3 ص54 - التمهيد) من طريق معمر بن راشد عن الزهري عن سالم بن عبد الله به.
وإسناده صحيح.
ﭑ ﭑ ﭑ
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة.................................................................................................... |
2 |
2) |
ذكر الدليل على أن المحرم لا يجوز له أن يتزوج، أو يزوج، وبيان علة حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم)، وأنه شاذ لا يحتج به في الشريعة المطهرة............................ |
3 |
([1]) سقط من إسناد الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص509)؛ جابر بن زيد، فكان هكذا عن عمرو بن دينار بن زيد، عن ابن عباس، فتنبه.
([4]) وقد تفرد ابن عباس رضي الله عنهما في هذه المسألة، ولم يوافقه أحد من الصحابة، وأما نقل ابن حجر في «فتح الباري» (ج9 ص166) عن عائشة رضي الله عنها، وأبي هريرة t، فليس بصحيح لضعف الأسانيد.
وانظر: «المسند» للبزار (ج2 ص167)، و«شرح معاني الآثار» للطحاوي (ج2 ص269 و270)، و«السنن» للدارقطني (ج3 ص263).
([5]) وانظر: «شرح فتح القدير» لابن الهمام (ج2 ص375)، و«نصب الراية» للزيلعي (ج3 ص173)، و«شرح معاني الآثار» للطحاوي (ج1 ص443).
([8]) قال أبو أحمد العسكري / في «تصحيفات المحدثين» (ص272): (الأول: «لا ينكح» الياء مفتوحة، والكاف مكسورة من: «نكح ينكح» إذا تزوج، وقد يقال: «نكح» إذا جامع، و«أنكح» غيره إذا زوجة.
والثاني: «لا ينكح» الياء مضمومة، والكاف مكسورة أيضا، وهو من: «أنكح ينكح» إذا زوج غيره، ومن لا يعلم يرويه: «لا ينكح ولا ينكح» بفتح الكاف من الثاني وهو خطأ، والمعنى: أنه لا يتزوج، ولا يزوج غيره).اهـ
([9]) قوله: «عراقيا»، وفي بعض الروايات: «أعرابيا»، والمراد أنه جاهل بالسنة.
وانظر: «المنهاج» للنووي (ج9 ص194).
([10]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج4 ص153)، و«الاستذكار» له (ج4 ص118)، و«القبس» لابن العربي (ج2 ص564)، و«التحقيق» لابن الجوزي (ج6 ص140)، و«المغني» لابن قدامة (ج3 ص158)، و«المفهم» للقرطبي (ج4 ص105)، و«المنهاج» للنووي (ج9 ص194)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج4 ص625 و641)، و«الفتاوى» له (ج20 ص310 و311)، و«إتحاف السادة المتقين» للزبيدي (ج5 ص338).
([14]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج9 ص165 و166)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج3 ص152)، و«إرواء الغليل» للشيخ الألباني (ج4 ص228 و228)، و«صحيح سنن أبي داود» له (ج6 ص107)، و«نصب الراية» للزيلعي (ج3 ص147)، و«معالم السنن» للخطابي (ج6 ص532 و533)، و«التحقيق» لابن الجوزي (ج6 ص145).