الرئيسية / سلسلة ينابيع الآبار في تخريج الآثار / تحرير رواية: علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير القرآن
تحرير رواية: علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير القرآن
34 |
سلسلة ينابيع الآبار في تخريج الآثار
|
تحرير
رواية: علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير القرآن
تأليف:
العلامة المحدث الفقيه
فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه وجعل الجنة مثواه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على التحقيق الدقيق
لصحيفة على بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما
في تفسير القرآن الكريم
التفسير الذي: رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وهو ما يعرف بصحيفة علي بن أبي طلحة([1])؛ هو من تدوين ابن عباس، وقد رواه علي بن أبي طلحة عنه بطريق الوجادة.
فيكون علي بن أبي طلحة قد أخذ هذه الصحيفة ورواها عن ابن عباس من غير أن يلقاه، أو يسمعها منه، وهذا ما يسمى في علم مصطلح الحديث: بالوجادة.
قال الإمام ابن الصلاح / في «علوم الحديث» (ص292): (ومثال الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم يلقه، أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجد بخطه، ولا له من إجازة ولا نحوها، فله أن يقول وجدت بخط فلان، أو قرأت بخط فلان، أو في كتاب فلان بخطه، أخبرنا فلان بن فلان، ويذكر شيوخه، ويسوق سائر الإسناد والمتن). اهـ
وقال الإمام ابن جماعة / في «المنهل الروي» (ص381): (وهو أن يقف على كتاب بخط شخص فيه أحاديث يرويها ذلك الشخص، ولم يسمعها منه الواجد، ولا له منه إجازة، أو نحوها.
فله أن يقول: «وجدت بخط فلان»، أو «قرأت»، وما أشبهه، وعلى هذا العمل، وهو من باب المرسل، ويشوبه شيء من الإتصال بقوله: «وجدت بخط فلان»). ([2]) اهـ
ورواية: علي بن أبي طلحة لهذه الصحيفة عن ابن عباس؛ بواسطة بينهما، فتارة يذكرون أن بينهما مجاهدا، وعكرمة.
فسلسلة الرواية هي: علي بن أبي طلحة عن مجاهد عن ابن عباس؛ أحيانا.
وعلي بن أبي طلحة عن عكرمة عن ابن عباس؛ أحيانا.
وأحيانا يجعل الواسطة بينهما: مجاهدا، وأحيانا: سعيد بن جبير.
يعني: علي بن أبي طلحة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
فما دام عرفنا الواسطة بين علي بن أبي طلحة، وابن عباس، وهم ثقات([3])، فلا يضر الانقطاع بينهما، فيعتبر الإسناد صحيحا. ([4])
وذكر الحافظ المزي / في «تهذيب الكمال» (ج20 ص490)؛ أن بين علي بن أبي طلحة، وابن عباس: مجاهد بن جبر التابعي.
يعني: إنما يروي عن مجاهد عن ابن عباس.
وكذا قال الحافظ العراقي في «تحفة التحصيل» (ص234).
قلت: فإذا عرفت الواسطة، فلا تضر الرواية، وهي مرسلة. ([5])
قال الإمام ابن أبي حاتم / في «الجرح والتعديل» (ج1 ص188): (حدثنا عبدالله بن يوسف عن عبدالله بن سالم عن علي بن أبي طلحة عن مجاهد).
قال الحافظ ابن حجر /؛ معلقا بقوله: (بعد أن عرفت الواسطة، وهو ثقة، فلا ضير في ذلك). ([6])
وقال الإمام ابن النحاس / في «الناسخ والمنسوخ» (ج1 ص13): (والذي يطعن في إسناده يقول: إن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس التفسير، وإنما أخذ عن مجاهد، وعكرمة... وهذا القول لا يوجب طعنا؛ لأنه أخذه عن رجلين ثقتين، وهو في نفسه صدوق). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج7 ص298): (روى عن ابن عباس، ولم يسمع منه بينهما مجاهد). اهـ
عن مجاهد / قال: (عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفته عند كل آية منه، وأسأله عنها).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (108)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص279 و280)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج2 ص706)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج16 ص252) من طريق محمد بن إسحاق، حدثنا أبان بن صالح، عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وقال الذهبي: «هذا حديث حسن الإسناد».
وأخرجه أحمد في «فضائل الصحابة» (1866)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج10 ص559) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص10).
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (107) من طريق طلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مليكة، قال: (رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه الواحه؛ قال: فيقول له ابن عباس: اكتب, حتى سأله عن التفسير كله).
وإسناده حسن.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص10).
ولهذا كان سفيان الثوري يقول: (إذا جاءك التفسير عن مجاهد، فحسبك به). ([7])
وقال الإمام السيوطي / في «الدر المنثور» (ج6 ص423): (ومن طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وعلي صدوق، ولم يلق ابن عباس؛ لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه، فلذلك كان البخاري، وأبو حاتم، وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة). اهـ
والخلاصة: أن علي بن أبي طلحة لم يسمع التفسير عن ابن عباس مباشرة، ولكن هناك وسائط بينهما؛ مثل: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وهم من تلاميذ ابن عباس الموثوق بهم. ([8])
فهذه الصحيفة هي أجود الطرق عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وعن الإمام أحمد / قال: (بمصر كتاب التأويل([9]) عن معاوية بن صالح، لو أن رجلا رحل إلى مصر: فكتبه ثم انصرف به، ما كانت رحلته عندي ذهبت باطلا). ([10])
قلت: فنقل الإمام أحمد / أن بمصر صحيفة في التفسير: رواها علي بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا. ([11])
وهذا يدل أن الإمام أحمد / يرى صحة كتاب علي بن أبي طلحة في التفسير عن ابن عباس، وهو الصواب.
وهذا التفسير([12]) من أقدم الروايات التي دونت عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد اعتمد هذا التفسير عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الإمام البخاري في «صحيحه» ([13]) (ج8 ص206 و255 و295 و348)، والإمام ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج1 ص49)، و(ج2 ص230)، و(ج4 ص370)،والإمام الطبري في «جامع البيان» (ج1 ص98 و207 و234)، والإمام ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص289 و290)، والإمام ابن عطية في «المحرر الوجيز» (ج1 ص148)، والإمام السيوطي في «الإتقان في علوم القرآن» (ج1 ص115)، وغيرهم من علماء التفسير.
قال الإمام الذهبي / في «ميزان الاعتدال» (ج3 ص134): (روى معاوية بن صالح عنه [يعني: علي بن أبي طلحة] عن ابن عباس تفسيرا كبيرا ممتعا). اهـ
وقال الإمام ابن عطية / في «المحرر الوجيز» (ج1 ص148): (ثم حمل تفسير كتاب الله تعالى: عدول كل خلف، وألف الناس فيه، كعبدالرزاق، والمفضل، وعلي بن أبي طلحة، والبخاري، وغيرهم). اهـ
وقد روى الإمام مسلم؛ لعلي بن أبي طلحة في «صحيحه» (ج10 ص12)؛ في كتاب «النكاح».
وأخذ معاوية بن صالح الحضرمي: هذه الصحيفة عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
وعبدالله بن صالح المصري، كاتب الإمام الليث بن سعد، وكان صاحب حديث وعلم.
روى عن معاوية بن صالح: هذه الصحيفة، وأصبح واحدا ممن يملكون حق رواية هذه الصحيفة عن طريق الكتاب، وهذا الكتاب صحيح.
قال الحافظ ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج7 ص299): (ونقل البخاري من تفسيره رواية: معاوية عنه([14]) عن ابن عباس شيئا كثيرا في التراجم وغيرها). اهـ
وقد استفاد من هذه الصحيفة: الإمام أبو حاتم الرازي، فروى عن عبدالله بن صالح كثيرا منها، ورواها عنه ابنه: عبدالرحمن بن أبي حاتم في «تفسير القرآن».
وهناك كثير من العلماء: استفادوا من هذه: «الصحيفة»، فنقلوا منها.
وإن تفاوت حظهم في هذا النقل بين مقل ومكثر؛ منهم: الإمام ابن النحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ج1 ص5 و13 و16 و19)، وفي «القطع والائتناف» (ص90 و95 و199)، والإمام البيهقي في «الأسماء والصفات» (ص311 و343 و355)، والإمام البغوي في «معالم التنزيل» (ج2 ص186)، والإمام البلاذري في «أنساب الأشراف» (ج1 ص127 و177)، والإمام الآجري في «الشريعة» (ص6 و102 و449)، وغيرهم من علماء التفسير.
قلت: فنستطيع أن نستخلص من هذا كله: أن تفسير ابن عباس رضي الله عنهما؛ الذي رواه علي بن أبي طلحة: هو من التفاسير القديمة المدونة لجامع آيات القرآن، وهو مرتب على وفق ترتيب المصحف، وهو كتاب صحيح في التفسير بالمأثور. ([15])
لذلك لا يمنع من قبول هذا التفسير ونقله، والاحتجاج به في الدين.
قال الإمام السيوطي / في «الإتقان» (ج1 ص151): (وأولى ما يرجع إليه في ذلك ما ثبت عن ابن عباس، وأصحابه الآخذين عنه، فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن بالأسانيد الثابتة الصحيحة.
وها أنا أسوق هنا ما ورد من ذلك: عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة خاصة؛ فإنها من أصح الطرق عنه وعليها اعتمد البخاري في «صحيحه» مرتبا على السور). اهـ
فرواية: عبدالله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، هي من أجود الطرق، وأصحها عن ابن عباس، وهي صحيفة صحيحة.
ﭑ ﭑ ﭑ
([1]) وهذه الصحيفة صحيحة، وهي مثل الكتاب الصحيح الذي يرويه الراوي عن شيخه، ولم يلقاه، أو يسمع منه مباشرة.
إلا فيما أخطأ في هذا الكتاب، وخالف الثقات، فإنه يعتبر شاذا لا يحتج به.
قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص698): (علي بن أبي طلحة؛ صدوق قد يخطئ)
([3]) وانظر: «الناسخ والمنسوخ» لابن النحاس (ص13 و14)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج2 ص188)، و«الثقات» لابن حبان (ج7 ص1981)، و«تقييد العلم» للخطيب (ص136).
([4]) وكان ابن عباس يكثر من الكتابة من التفسير، وكان يملي على تلاميذه التفسير، فيدونونه، ثم يروونه عن ابن عباس .
([5]) وانظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص118)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص240)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج20 ص490)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج7 ص299).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (109).
وإسناده حسن.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص10).
([8]) فابن عباس قد كتب تفسيره بنفسه، ثم رواه عنه علي بن أبي طلحة.
وهناك كتب في التفسير: رواها تلاميذ ابن عباس عنه بعد أن كتبها بنفسه.
وهناك تفاسير أخرى دونها تلاميذه عنه مباشرة بالسماع.
وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج1 ص90)، و«الناسخ والمنسوخ» لابن النحاس (ج1 ص13)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج1 ص115)، و«الدر المنثور» له (ج6 ص423)، و«التفسير المقرون» للذهبي (ج1 ص277)، و«التعليق على تفسير الطبري» للشيخ أحمد شاكر (ج2 ص528).
أخرجه ابن النحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص14).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الإتقان» (ج2 ص188).
([12]) وهذا يدل أن ابن عباس رضي الله عنهما كتب هذا التفسير في كتاب، وأخذه عنه علي بن أبي طلحة ورواه، وهو كتاب صحيح.
قلت: ولو ضربنا على هذا الكتاب، وتركناه، فقد تركنا علما كثيرا في تفسير القرآن، لابن عباس، وهذا هو الخسران المبين، فافطن لهذا.
([13]) فروى الإمام البخاري الكثير منها في «صحيحه»، ولم ينقل كل مافي الصحيفة، فانتبه.
ما روى البخاري في «صحيحه» عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة ذكره ابن حجر في «تغليق التعليق» (ج2 ص26 و254 و394 و430)، و(ج3 ص7 و60 و430 و434 و508)، و(ج4 ص 8 و9 و23 و25 و31 و33 و186 و209 و215 و242 و249 و256 و270 و271 و281 و285 و292 و296 و303 و304 و305 و312 و354 و406 و516 و526)، و(ج5 ص107 و180 و190 و265 و380) وغيرها.