القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة ينابيع الآبار في تخريج الآثار / النجم الوهاج في تضعيف حديث: «صوم يوم عرفة» لغير الحاج

2023-12-08

صورة 1
النجم الوهاج في تضعيف حديث: «صوم يوم عرفة» لغير الحاج

    

رب يسر

درة نادرة

الإمام يحيى بن معين / لم يصم يوم عرفة

مما يدل على أن الحديث لم يثبت عنده، بل لم يعرف الحديث أصلا، والحديث الذي لم يعرفه فليس بحديث، فكيف العمل به؟!

 

عن يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي قال: «رأيت يحيى بن معين عشية عرفة في مسجد الجامع قد حضر مع الناس، ورأيته يشرب ماء، ولم يكن بصائم».([1])

قلت: وهذا يدل على أن صوم يوم عرفة لم يكن معروفا عند الإمام يحيى بن معين /، ولا الناس من أهل الحديث الذين من حوله في المسجد؛ لذلك لم ينكر عليه أحد من الناس مما يدل على أن يوم عرفة يوم أكل وشرب، لا يوم صيام، والله المستعان.

قلت: وقد انتهى علم الحديث إلى الإمام يحيى بن معين، والحديث الذي لا يعرفه فليس بحديث يعمل به في السنة النبوية.([2])

ﭑ ﭑ ﭑ

    

عصف، وخسف

قاعدة جليلة

كل حديث فيه ذكر غفران الذنوب الماضية والمتأخرة، فهو حديث ضعيف

 

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين في «شرح رياض الصالحين» (ج2ص73): (قال بعض العلماء: واعلم أن من خصائص الرسول r أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبناء عليه: فكل حديث يأتي بأن من فعل كذا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فإنه حديث ضعيف، لأن هذا من خصائص الرسول، أما (غفر له ما تقدم من ذنبه)، فهذا كثير، لكن (ما تأخر)، هذا ليس إلا للرسول r فقط، وهو من خصائصه، وهذه قاعدة عامة نافعة لطالب العلم([3])؛ أنه إذا أتاك حديث فيه أن من فعل كذا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ فاعلم أن قوله (ما تأخر) ضعيف لا يصح؛ لأن هذا من خصائص محمد صلوات الله، وسلامه عليه). اهـ

 

ﭑ ﭑ ﭑ

    

قصف وقصم

جوهرة نادرة

 

قال الإمام شيخنا ابن عثيمين / في «الشرح الممتع» (ج4 ص159): (الرجل إذا خالفك بمقتضى الدليل عنده؛ لا بمقتضى العناد ينبغي أن تزداد محبة له!). اهـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

    

حرق وبركان

لؤلؤة نادرة

 

عن الإمام وكيع بن الجراح / قال: (أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم).

أثر حسن

أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص270)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص19)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص77)، وابن الجوزي في «التحقيق» (ج1 ص23).

وإسناده حسن.

 

 

 

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

    

دك وانقضاض

ديباجة نادرة

 

عن سليمان الأحول / قال: ذكرنا لطاووس صوم يوم عرفة، وأنه كان يقال: (كفارة سنتين) فقال طاووس /:(فأين كان أبو بكر، وعمر عن ذلك؟! يعني أنهما كانا لا يصومانه).

أثر صحيح

أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (ج1ص364 مسند عمر)، والفاكهي في «أخبار مكة» (ج5 ص33) من طريق محمد بن شريك أبي عثمان المكي عن سليمان الأحول به.

قلت: وهذا سنده صحيح إلى طاووس، رجاله كلهم ثقات، وطاووس يحتمل لمثل هذا النقل([4]) في العلم للتأكد على عدم صوم أبي بكر، وعمر، وهذا النقل حكاية عنهما، فافهم لهذا ترشد!.

وأخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (ج5 ص33) بهذا الاسناد بنحوه.

قلت: فهذا أبو بكر الصديق t، وعمر بن الخطاب t كانا لا يصومان يوم عرفة، وذلك لأنه ليس من السنة صيامه، وهما المرآن يقتدى بهما، وحسبك بهما شيخا.

 

 

 

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

 

    

فضة نادرة

فتوى

العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين /

في تحريم معاداة طلبة العلم في مسائل فقهية

 

سئل العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين / تعالى: هب أن رجلا خالف كثيرا من أهل العلم في مسألة خلافية هل يبغض هذا الشخص في الله، وهل تشن عليه الهجمات ؟!.

فأجاب فضيلته: (لا، أبدا. لو خالف الإنسان جمهور العلماء في مسألة قام الدليل على الصواب بقوله فيها، فإنه لا يجوز أن نعنف عليه، ولا يجوز أن تحمى نفوس الناس دونه أبدا، بل يناقش هذا الرجل ويتصل به؛ كم من مسألة غريبة على أفهام الناس، ويظنون أن الإجماع فيها محقق، فإذا بحث الموضوع وجد أن لقول هذا الرجل من الأدلة ما يحمل النفوس العادلة على القول بما قال به واتباعه!!!.

صحيح أن الظاهر أن يكون الصواب مع الجمهور هذا الغالب، لكن لا يعني ذلك أن الصواب قطعا مع الجمهور؛ قد يكون الدليل المخالف للجمهور حقا، وما دامت المسألة ليس فيها إجماعا؛ فإنه لا ينكر على هذا الرجل، ولا توغر الصدور عليه، ولا يغتاب، بل يتصل به ويبحث معه، ويناقش مناقشة يراد بها الحق. والله سبحانه وتعالى يقول: ]ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر[ [القمر:17]، كل من أراد الحق، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية / تعالى في العقيدة الواسطية: (من تدبر القرآن للهدى منه تبين له طريق الحق). اهـ

[انظر: «كتاب إلى متى الخلاف» (ص40)]

 

 

 

 

 

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

 

    

رب يسر وأعن فإنك نعم المعين

المقدمة

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران :102].

]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].

]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا «70» يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 و71].

أما بعد...

فإن الله تعالى حينما تكفل بحفظ كتابه الكريم؛ كما قال تعالى: ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[ [الحجر:9]، تكفل أيضا بحفظ سنة نبيه r؛ بأن خلق لها رجالا يذبون عنها، ويكشفون ما أدخل فيها، وذلك بتدوينها في الكتب، سواء كانت تلك الكتب للأئمة على حسب المسانيد، أو على حسب الأبواب الفقهية.

وقد اتبع كل إمام بمنهج في الـتأليف؛ فمنهم من اشترط الصحة في أحاديثه على ما تبين عنده؛ كما فعل الإمام البخاري، والإمام مسلم؛ دون أن يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة، ومنهم من لم يشترط الصحة، بل أورد كل ما عن له، وحكم على ما رأى أنه لازم، كما فعل الإمام الترمذي، والإمام أبو داود.

قلت: وأهل الحديث من خصائصهم الجليلة أن علومهم بينة، وكتبهم منتشرة، وذكرهم للأحاديث منوطة بالإسناد الصحيح من رواية الثقات، والمثبت من الأثبات، لا يأخذون بالحديث الضعيف، ويفتشون عن الرجال في أحوالهم تفتيش الصيارفة النقاد، فلا يروج عليهم مغشوش، ولا يجوزهم منحول مصنوع، رائدهم الحق المحض، وسائقهم الدليل الصادق، والإسناد الناطق.

فما اتفقوا عليه؛ فهو الصحيح الثابت، وما طرحوه؛ فهو الساقط، وما اختلفوا فيه؛ فالأقرب إلى الحق، والصواب الأسعد منهم بالدليل ... فانظر في حجج الفريقين، ثم رجح الراجح من المرجوح، مع العلم أن المقلد المتعصب لا يترك من قلده، ولو جاءته كل آية، وأن طالب الدليل لا يأتم بسواه، ولا يحكم إلا إياه، ولقد عذر من حمل ما انتهى إليه إجتهاده، وسعى إلى حيث انتهى إليه علمه.([5])

 

قلت: والمسائل العلمية، والمباحث الحديثية، التي اختلفت فيها أنظار السابقين، واضطربت فيها أقوال اللاحقين؛ ليس سبيل حلها، وطريق توضيحها هو اتباع الكثرة، أو تقليد رأى، أو التأثر بالأجواء المحيطة بالمرء، أو بعادة بلد، أو شهرة حكم بين الناس، أو غير ذلك من سبل ليس لها في المنهجية وجه في العلم.([6])

وهذه الرسالة التي أضعها بين يدي القارئ الكريم تكشف القناع عن ضعف إسناد حديث: (صوم يوم عرفة)، الذي نسب إلى النبي r!، وذلك في ضوء قواعد علم الحديث، تلك القواعد الرضية، والأصول المتينة التي أرساها حاملو ألوية السنة النبوية، فمن أتقنها، وتمرس عليها أمكنه معرفة درجة، أي: حديث، ولو لم ينصوا عليها، وحسبهم أنهم نقلوا وسيلة ذلك، لأن من ذكر الإسناد فقد برئت عهدته؛ فمن أسند فقد أحال.

قلت: ومناهج أهل الأهواء قامت على الباطل، وقد يكون عندهم شيء من الحق على تفاوت بينهم، لكن الحق الذي عندهم قليل، وملتبس بالباطل، ولا ينفردون به على أهل السنة، بل يكون عند أهل الحق مثله وأفضل منه، ولا لبس فيه.

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (دعـاء الضـلال في وقتنا

الحاضر أكثر من دعاة الهدى فلا يغتر بهم).([7]) اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص348): (فإذا أعرض عن سمع الحق، وأبغض قائله بحيث لا يحب رؤيته امتنع وصول الهدى الى القلب).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج2 ص518): (ومن أراد أن ينقل مقالة عن طائفة؛ فليسم القائل والناقل، وإلا فكل أحد يقدر على الكذب!). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين /: (علينا أن لا نيأس لكثرة الأعداء، وقوة من يقاوم الحق، فإن الحق منصور ممتحن).([8]) اهـ

فالأصل في أهل الأهواء؛ الباطل، والشر، والابتداع، وإن وجد بين أفرادهم من هو على الاستقامة في الجملة، لكنه قليل([9])، ولا يعد قدوة فيهم، وكل من سوى أهل الحق فلا ينفرد عنهم بحق، ولا قول صحيح، فكل حق، أو قول صحيح هم فيه أفضل وأسبق.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج5 ص167): (وكل من سوى أهل السنة والحديث من الفرق، فلا ينفرد عن أئمة الحديث بقول صحيح، بل لا بد أن يكون مـعه مـن دين الإسـلام ما هـو حـق، وبـسـبـب ذلك وقعت الشبهة، وإلا فالباطل المحض لا يشتبه على أحد، ولهذا سمي أهل البدع أهل الشبهات، وقيل فيهم: إنهم يلبسون الحق بالباطل). اهـ

قلت: فكثير ممن تصدر للوعظ عرف عنه بعدم المبالاة بالنقل للأحاديث، فما وقعت عليه عيناه من شيء من الأحاديث في الكتب، أو سمعه من الأشرطة أخذ به على وجه الصحة من غير أن يعرف بصحة هذه الأحاديث، أو ضعفها!.([10])

ثم إن كثيرا ما يختلف العلماء في الحكم على بعض الأحاديث، وقد يزداد الخلاف بينهم على حديث ما حتى إنك لتجد منهم من يصحح الحديث، ومنهم من يضعفه... ويقف المسلم أمام هذا الاختلاف عاجزا عن معرفة الصواب في حكم هذا الحديث، لا سيما إذا لم يكن ذا علم بتحقيق الأحاديث ونقدها، اللهم غفرا.

قلت: ومن الأحاديث التي وقع فيها اختلاف؛ هو حديث: (صوم يوم عرفة لغير

الحاج)، لذا عزمت على تخريج هذا الحديث، ونقده ملتزما بقواعد مصطلح الحديث، ومقتديا بأقوال أئمتنا الفحول، والله ولي التوفيق.

قلت: وعلم تخريج الحديث من أدق العلوم الحديثية وأصعبها، وهو علم لا يخوض غماره إلا من عرف السنة وأصولها... وهذا الجزء الحديثي في بيان حال حديث؛ (صوم يوم عرفة)؛ جمعت فيه تخريجه، مع الكلام على إسناده جرحا وتعديلا، وبيان علته والحكم عليه، وذلك لما كان كثير من الناس اليوم لا يعرفون صحيح الحديث من ضعيفه... وذلك لأن علم العلل هو أدق علوم الحديث، وأغمض أنواع الحديث، ولا يقوم به إلا من فهمه الله تعالى هذا العلم الثاقب.

قال الحافظ ابن حجر / في «النكت» (ج2 ص711): (وهذا الفن أغمض أنواع الحديث، وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله تعالى فهما غائصا، وإطلاعا حاويا، وإدراكا لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة، ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد من أئمة هذا الشأن وحذاقهم، وإليهم المرجع في ذلك لما جعل الله فيهم من معرفة ذلك، والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك). اهـ

وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل» (ج2 ص662): (اعلم أن معرفة صحة الحديث وسقيمه؛ يحصل من وجهين:

أحدهما: معرفة رجاله، وثقتهم وضعفهم، ومعرفة هذا هين؛ لأن الثقات، والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التآليف.

الوجه الثاني: معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف، إما في الإسناد، وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف، والرفع، ونحو ذلك.

وهذا هو الذي يحصل من معرفته واتقانه، وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث). اهـ

وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل» (ج2 ص662): (ولا بد في هذا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدم المذاكرة به، فليكثر طلبة المطالعة في كلام الأئمة العارفين به؛ كيحيى بن سعيد القطان، ومن تلقى عنه؛ كأحمد بن حنبل، وابن معين، وغيرهما، فمن رزق مطالعة ذلك، وفهمه، وفقهت نفسه فيه، وصارت له فيه قوة نفس وملكة، صلح له أن يتكلم فيه). اهـ

وقال الإمام ابن القيم في «الفروسية» (ص44): (وربما يظن الغالط الذي ليس له ذوق القوم، ونقدهم أن هذا تناقض منهم، فإنهم يحتجون بالرجل، ويوثقونه في موضع، ثم يضعفونه بعينه، ولا يحتجون به في موضع آخر، ويقولون: إن كان ثقة وجب قبول روايته جملة، وإن لم يكن ثقة وجب ترك الاحتجاج به جملة. وهذه طريقة  فاسدة مجمع بين أهل الحديث على فسادها، فإنهم يحتجون من حديث الرجل بما تابعه غيره عليه، وقامت شهوده من طرق، ومتون أخرى، ويتركون حديثه بعينه إذا روى ما يخالف الناس، أو انفرد عنهم بما لا يتابعونه عليه. إذ الغلط في موضع، لا يوجب الغلط في كل موضع، والإصابة في بعض الحديث، أو في غالبه لا توجب العصمة من الخطأ في بعضه، ولا سيما إذا علم من مثل هذا أغلاط عديدة، ثم روى ما يخالف الناس، ولا يتابعونه عليه، فإنه يغلب على الظن، أو يجزم بغلطه.

وهنا يعرض -لمن قصر نقده وذوقه هنا عن نقد الأئمة، وذوقهم في هذا الشأن؛ نوعان من الغلط ننبه عليهما لعظيم فائدة الاحتراز منهما:

1) أحدهما: أن يرى مثل هذا الرجل قد وثق، وشهد له بالصدق، والعدالة، أو خرج حديثه في الصحيح، فيجعل كل ما رواه على شرط الصحيح، وهذا غلط ظاهر؛ فإنه إنما يكون على شرط الصحيح إذا انتفت عنه العلل، والشذوذ، والنكارة، وتوبع عليه؛ فأما مع وجود ذلك، أو بعضه فإنه لا يكون صحيحا، ولا على شرط الصحيح، ومن تأمل كلام البخاري، ونظرائه في تعليله أحاديث جماعة أخرج حديثهم في صحيحه، علم إمامته، وموقعه من هذا الشأن، وتبين به حقيقة ما ذكرنا.

2) النوع الثاني من الغلط: أن يرى الرجل قد تكلم في بعض حديثه، وضعف في شيخ، أو في حديث؛ فيجعل ذلك سببا لتعليل حديثه، وتضعيفه أين وجد، كما يفعله بعض المتأخرين من أهل الظاهر وغيرهم، وهذا أيضا غلط؛ فإن تضعيفه في رجل، أو في حديث ظهر فيه غلطه لا يوجب التضعيف كحديثه مطلقا، وأئمة الحديث على التفصيل، والنقد، واعتبار حديث الرجل بغيره، والفرق بين ما انفرد به، أو وافق فيه الثقات، وهذه كلمات نافعة في هذا الموضع، تبين كيف يكون نقد الحديث، ومعرفة صحيحه من سقيمه، ومعلوله من سليمه ]ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور[ [النور:40]). اهـ

وقال الحافظ ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج2 ص105): (وإنما تحمل مثل هذه الأحاديث -على تقدير صحتها- على معرفة أئمة أهل الحديث الجهابذة النقاد، الذين كثرت ممارستهم لكلام النبي r، ولكلام غيره، ولحال رواة الأحاديث، ونقلة الأخبار، ومعرفتهم بصدقهم وكذبهم وحفظهم وضبطهم، فإن هؤلاء لهم نقد خاص في الحديث يختصون بمعرفته، كما يختص الصيرفي الحاذق بمعرفة النقود جيدها ورديئها، وخالصها ومشوبها، والجوهري الحاذق في معرفة الجوهر بانتقاد الجواهر، وكل من هؤلاء لا يمكن أن يعبر عن سبب معرفته، ولا يقيم عليه دليلا لغيره، وآية ذلك أنه يعرض الحديث الواحد على جماعة ممن يعلم هذا العلم، فيتفقون على الجواب فيه من غير مواطأة... وبكل حال، فالجهابذة النقاد العارفون بعلل الحديث أفراد قليل من أهل الحديث جدا). اهـ

وقال الحافظ الحاكم / في «معرفة علوم الحديث» (ص140): (ذكر النوع السابع والعشرين من علوم الحديث؛ هذا النوع منه معرفة علل الحديث، وهو علم برأسه غير الصحيح والسقيم، والجرح والتعديل... فإن معرفة علل الحديث من أجل هذه العلوم). اهـ

وقال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص294): (مـعرفة العلل أجل أنواع علم الحديث)، وقال أيضا: (فمن الأحاديث ما

تخفى علته فلا يوقف عليها إلا بعد النظر الشديد ومضي الزمن البعيد). اهـ

وقال الإمام ابن الصلاح / في «علوم الحديث» (ص81): (اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث، وأدقها وأشرفها، وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة، والفهم الثاقب). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص352)؛ عن أهل الحديث أنهم: (يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم أنه غلط فيها بأمور يستدلون بها، ويسمون هذا «علم علل الحديث» وهو من أشرف علومهم؛ بحيث يكون الحديث قد رواه ثقة ضابط، وغلط فيه). اهـ

وقال الحافظ العلائي /: (وهذا الفن أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله فهما غايصا، واطلاعا حاويا، وإدراكا لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة. ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن، وحذاقهم؛ كابن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأمثالهم).([11]) اهـ

قلت: ولذلك على المسلم الحق أن يطلب العلم، ويسلك سبيله، ويعمل بحقه لكي يضبط أصول الكتاب الكريم، والسنة النبوية.([12])

فيعمل جادا في البحث([13]) عما يستنبط منهما من معاني وأحكام فقهية لكي يتعبد الله تعالى بما شرعه في دينه، وفيما ثبت وصح عن النبي r، لأن لا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتعبد الله إلا بما شرعه في دينه.

قلت: ولذلك يحرم على المسلم أن يتعبد الله بالأحاديث الضعيفة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «قاعدة جليلة» (ص162): (لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة، ولا حسنة).اهـ

وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد الفحول» (ص48): (الضعيف الذي يبلغ ضعفه إلى حد لا يحصل معه الظن لا يثبت به الحكم، ولا يجوز الاحتجاج به في إثبات شرع عام، وإنما يثبت الحكم بالصحيح، والحسن لذاته، أو لغيره، لحصول الظن بصدق ذلك، وثبوته عن الشارع). اهـ 

قلت: والتعبد لله بغير ما شرعه من أخطر الأمور على العبد؛ لما يجعله يحاد الله تعالى، ورسوله r.([14])

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج7 ص367): (الحق ما قام عليه الدليل، وليس الحق فيما عمله الناس). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج6 ص302): (وصاحب الهوى يقبل ما وافق هواه بلا حجة توجب صدقه ويرد ما خالف هواه بلا حجة توجب رده). اهـ

وقال الحافظ المزي / في «تهذيب الكمال» (ج2 ص326): (لو سكت من لا يدري لاستراح وأراح، وقل الخطأ، وكثر الصواب). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (هدفنا هو اتباع الحق لا الانتصار للآراء). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص449): (ومن تكلم في الدين بلا علم كان كاذبا، وإن كان لا يتعمد الكذب). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (الذي يريد الحق، يفرح بالنصيحة، ويفرح بالتنبيه على الخطأ).([15]) اهـ

وقال العلامة اللكنوي الهندي / في «الأجوبة الفاضلة» (ص140): (لا يجوز الاحتجاج في الأحكام بكل ما في الكتب المذكورة وأمثالها من غير تعمق يرشد إلى التمييز لما مر أنها مشتملة على الصحاح، والحسان، والضعاف، فلابد من التمييز بين الصحيح لذاته، أو لغيره، أو الحسن لذاته، أو لغيره، فيحتج به، وبين الضعيف بأقسامه، فلا يحتج به، فيأخذ الحسن من مظانه، والصحيح من مظانه، ويرجع إلى تصريحات النقاد الذين عليهم الاعتماد وينتقد بنفسه إن كان أهلا لذلك، فإن لم يوجد شيء من ذلك توقف فيما هنالك).([16]) اهـ

قلت: فلا يجوز الاحتجاج في الدين بجميع ما في الكتب من أحاديث من غير وقفة، ونظر.

وقال الشيخ زكريا الأنصاري / في «فتح الباقي» (ج1 ص107): (من أراد الاحتجاج بحديث من السنن، أو من المسانيد إن كان متأهلا لمعرفة ما يحتج به من غيره، فلا يحتج به حتى ينظر في اتصال إسناده وأحوال رواته، وإلا فإن وجد أحدا من الأئمة صححه، أو حسنه، فله تقليده، وإلا فلا يحتج به). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر /: (السبيل لمن أراد الاحتجاج بحديث من «السنن الأربعة» لاسيما «سنن ابن ماجه»، و«مصنف ابن أبي شيبة»، و«مصنف عبد الرزاق»، مما الأمر فيه أشد، أو بحديث من «المسانيد» لأن هذه لم يشترط جامعوها الصحة والحسن: أنه إن كان أهلا للنقل، والتصحيح، فليس له أن يحتج بشيء من القسمين حتى يحيط به.

وإن لم يكن أهلا لذلك: فإن وجد أهلا لتصحيح، أو تحسين قلده، وإلا: فلا يقدم على الاحتجاج كحاطب ليل، فلعله يحتج بالباطل، وهو لا يشعر؟!!!).([17]) اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج4 ص81): (لو تناظر فقيهان في مسألة من مسائل الفروع لن تقم الحجة على المناظر إلا بحديث يعلم أنه مسند إسنادا تقوم به الحجة، أو يصححه من يرجع إليه في ذلك، فإذا لم يعلم إسناده، ولا أثبته أئمة النقل فمن أين يعلم). اهـ

قلت: وعلى هذا نستطيع أن نقول: إن الأحاديث التي يوردها أهل العلم في كتبهم غير معزوة إلى مصدر، ولا منسوبة إلى مخرج معتمد، ينبغي الكشف عنها من مظانها لمعرفة حالها من الصحة، أو الضعف، ولا يسوغ الركون إليها لمجرد روايته لها لما علمت أن فيها الضعيف، والمنكر.([18])

قلت: لذلك لا يسوغ الاعتماد على الأحاديث التي تورد في الكتب على هذه الطريقة في التصحيح دون الرجوع إلى معرفة حالها من كتب التخاريج، والعلل، والرجال، وذلك لأن فيها الحديث الصحيح، والضعيف.

قلت: فصنع شيخ الإسلام ابن تيمية / يدعو إلى البحث، والفحص عن الأحاديث التي يذكرها الناس في كتبهم.([19])

ولعل المتدبر يعلم مما نقلنا أن ما ارتكز في أذهان الناس أن كل حديث في كتب الشيخ الألباني / محتج به، وهو صحيح.

قلت: وكان الأولى بهم البحث في تخريج الأحاديث([20])، وعدم التقليد، لأن التقليد آفة العلم، وكان السلف يبحثون عن الأحاديث، فإن لم يعرفوها على التفصيل

سئلوا عنها الأعلم بها.

قال الحافظ الذهبي / في «ميزان الاعتدال» (ج4 ص97): (إى: والله، هذا هو الحق، أن كل من روى حديثا يعلم أنه غير صحيح، فعليه التوبة أو يهتكه). اهـ

وقال العلامة الشوكاني / في «رفع الربية» (ص53): (لولا هذا الجرح والتعديل؛ لتلاعب بالسنة الكاذبون، واختلط المعروف بالمنكر، ولم يتبين ما هو صحيح مما هو باطل). اهـ

وقال العلامة الشيخ الألباني / في «الصحيحة» (ج1 ص139): (فاحرص أيها المسلم على أن تعرف إسلامك من كتاب ربك، وسنة نبيك، ولا تقل: قال فلان، فإن الحق لا يعرف بالرجال، بل اعرف الحق تعرف الرجال). اهـ

قلت: وللأسف أن بعض أهل العلم مع جلالة قدره، ويقظته البالغة في الدين، فإن المرء ليعجب منه كيف يروي الأحاديث الضعيفة في كتبه، أو أشرطته، أو خطبه من غير أن ينبه عليها، بل لا يسأل عنها من هو أعلم منه بعلم الحديث، فيبين له صحيحها من ضعيفها، فينال الأجر من الله تعالى، والله ولي التوفيق.

قال الحافظ ابن الجوزي / في «الموضوعات» (ج1 ص31): (وقد كان قدماء العلماء يعرفون صحيح المنقول من سقيمه، ومعلوله من سليمه، ثم يستخرجون حكمه، ويستنبطون علمه، ثم طالت طريق البحث من بعدهم فقلدوهم فيما نقلوا، وأخذوا عنهم ما هذبوا، فكان الامر متحاملا إلى أن آلت الحال إلى خلف لا يفرقون بين صحيح وسقيم، ولا يعرفون نسرا من ظليم، ولا يأخذون الشئ من معدنه، فالفقيه منهم يقلل التعليق في خبر حدثنا خبر خبره، والمتعبد ينصب لأجل حديث لا يدرى من سطره، والقاص يروي للعوام الأحاديث المنكرة، ويذكر لهم ما لو شم ريح العلم ما ذكره، فيخرج العوام من عنده يتدارسون الباطل). اهـ

وقال العلامة الشيخ الألباني في «الضعيفة» (ج1 ص10): (من المصائب العظمى التي نزلت بالمسلمين منذ العصور الأولى انتشار الأحاديث الضعيفة، والموضوعة بينهم). اهـ

وقال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الكفاية» (ص141): (أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب على إرادتهم كتب الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو، والخطأ من روايات المجروحين والضعفاء، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنبا، والثابت مصروفا عنه مطرحا، وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين، والأعلام من أسلافنا الماضين).اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج2 ص496): (ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان:

إما إلى تفريط وإضاعة.

وإما إلى إفراط وغلو.

ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج2 ص137): (وأصل كل خير العلم والعدل، وأصل كل شر الجهل والظلم). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرد على البكري» (ج2 ص255): (طريقة أهل البدع يجمعون بين الجهل والظلم). اهـ

وقال العلامة الشيخ السعدي / في «وجوب التعاون بين المسلمين» (ص13): (فما ارتفع أحد إلا بالعدل والوفاء، ولا سقط أحد إلا بالظلم والجور والغدر).اهـ

قلت: إذا فيحرم الاعتراض على السنن النبوية بالفهم السقيم سواء بنصوص، أو آثار.([21])

قال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج3 ص72): (فلهذا كله يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به، فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم والعمل). اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص80): (فالسبيل القصد هو طريق الـحق، ومـا سـواه مـن الـطـرق جـائـر عـن الـحـق أي: عـادل عـنـه، وهـي طـرق الـبـدع

والضلالات، وكفى بالجائر أن يحذر منه، فالمساق يدل على التحذير والنهي). اهـ

قلت: فالمتعصب والمقلد لآراء الرجال ليس من زمرة أهل العلم، وإن ادعى ذلك.

قال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا[ [الإسراء:36].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «القواعد النورانية» (ص206): (كما لو حكم الحاكم بغير اجتهاد يعني: من تقليد فإنه آثم وإن كان قد صادف الحق!!!).اهـ

وقـال الحافظ ابن حزم / في «المـحلى» (ج1 ص69): (والمـجتهد المخـطئ أفضل عند الله تعالى من المقلد المصيب). اهـ

وقال المفسر أبو حيان / في «البحر المحيط» (ج4 ص367): (التقليد باطل إذ ليس طريقا للعلم). اهـ

قلت: فالمتشابه من العلم لا يجوز أن يذكر عند العامة.([22])

قال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص140)- عن الذي يتكلم بلا علم-: (فالواجب على العاملين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به، وأقرب من السلامة له إن شاء الله). اهـ

وقد تكلم أئمة أفاضل في بعض أحاديث صحيح الحافظ مسلم / على قواعد أهل الحديث لحفظ السنة النبوية.

وإليك أسماءهم مرتبة على تاريخ وفياتهم:

1) الحافظ البخاري / نفسه (المتوفى سنة:256هـ).

2) الحافظ أبو داود / (المتوفى سنة:275هـ).

3) الحافظ ابن خزيمة / (المتوفى سنة:311هـ).

4) الحافظ أبو الفضل بن عمار الشهيد / (المتوفى سنة:317هـ).

5) الحافظ ابن حبان / (المتوفى سنة:354هـ).

6) الحافظ الدارقطني / (المتوفى سنة:385هـ).

7) الحافظ الخطابي / (المتوفى سنة: 388هـ).

8) الحافظ البيهقي / (المتوفى سنة:458هـ).

9) الحافظ ابن عبد البر / (المتوفى سنة:465هـ).

10) الحافظ أبو علي الغساني / (المتوفى سنة:498هـ).

11) الحافظ القاضي عياض / (المتوفى سنة:544هـ).

12) الحافظ عبد الحق الإشبيلي / (المتوفى سنة:581هـ).

13) الحافظ ابن الجوزي / (المتوفى سنة:597هـ).

14) الحافظ ابن الصلاح / (المتوفى سنة:643هـ).

15) الحافظ المنذري / (المتوفى سنة:656هـ).

16) الحافظ النووي / (المتوفى سنة:676هـ).

17) الحافظ شيخ الإسلام ابن تيمية / (المتوفى سنة:728هـ).

18) الحافظ ابن عبد الهادي / (المتوفى سنة:744هـ).

19) الحافظ الذهبي / (المتوفى سنة:748هـ).

20) الحافظ ابن القيم / (المتوفى سنة:751هـ).

21) الحافظ البلقيني / (المتوفى سنة:805هـ).

22) الحافظ ابن حجر / (المتوفى سنة:852هـ).

فهذا الجم الغفير من الأئمة الكبار، ممن تكلموا في بعض أحاديث صحيح الحافظ مسلم /، فهل كل هؤلاء لا يعتد بقولهم في الشريعة المطهرة؟.([23])

وهناك بعض الأحاديث في الصحيحين خاصة في «صحيح مسلم» عرض لها بعض الأئمة بالنقد والتعليل، إما لأسانيدها، وإما لمتونها، وإما لهما معا، فهي من المختلف فيه مما يسوغ فيه الانتقاد، ويتعارض فيه الاجتهاد، وهذا مما يدل على فضائل أهل الحديث، وصفاء مصادرهم، وكتبهم.([24])

وقـد انـتـقـد الأئـمـة، والـحفاظ أحـاديـث؛ أخـرجها مسلم في «صحيحه»، وبينوا

عللها وأنكروها، وطعنوا فيها، وأقاموا الحجج، والبينات على ضعفها، بل ونكارتها.

   قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص256): (ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحا على قول من نازعه، بخلاف مسلم بن الحجاج فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها وكان الصواب فيها مع من نازعه). اهـ

وبهذا يتبين بأن أحاديث صحيح الحافظ مسلم / لم يجمع على صحتها، وليس فيه أن كل الأحاديث التي فيه متلقاة بالقبول.([25])

إذا لم يحصل الإجـماع على صـحة أسانيد صحيح الحافظ مسلم /، وذلك

لنقد أئمة أهل الحديث لها؛ كما سبق القول في ذكر أسمائهم، وهذا صنيع أئمة أهل الحديث، الذي يدل على إمامتهم وفهمهم لهذا العلم. ([26])

قال الحافظ مسلم / في «التمييز» (ص218): (صناعة الحديث ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم؛ إنما هي لأهل الحديث خاصة). اهـ

قلت: فلا يـجـوز لأحـد كـائـنـا من كان أن يـأتي محاكما لهم، مرجحا بينهم بلا

معرفة لعلم الحديث وعلله، لأن أمور العلل من دقائق علم الحديث.

وهذا العمل سار عليه عمل أئمة هذا الشأن من غير نكير من أحدهم بحيث إنك إذا تصفحت أي كتاب من كتبهم في نقد أسانيد صحيح الحافظ مسلم /، وغيره لوجدت في ذلك الشيء الكثير.([27])

فقد خلف لنا هؤلاء الأئمة الحفاظ ثروة([28]) علمية زاخرة، من تأمل في فنونها، وعلمومها المختلفة علم الجهد الشاق، والصبر الطويل، الذي بذله سلفنا، وعلماؤنا في جمعها، وبيانها والاستنباط منها، وتمييز ضعيفها من صحيحها، وبذل الغالي، والنفيس في سبيل ذلك، وعلم أيضا مقدار ما حظي به السلف من تأييد رباني، وفضل إلهي، وتوفيق من الله لما صدقوا في الطلب، والعلم، والعمل، والدعوة، وصبروا على ذلك([29]) ]ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم[ [الجمعة:4].

قال تعالى: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة:3].

قلت: فإذا تقرر ذلك فإنه لا يجوز لمسلم أن يزيد في دين الله تعالى ما ليس منه، ولا أن يعبد الله تعالى إلا بما شرع الله تعالى، ورسوله r، بل يجب على المسلمين جميعا أن يخضعوا لأمر الله تعالى، ورسوله r، وأن لا يتبعوا في الدين ما لم يأذن به الله تعالى، ولم يشرعه رسوله r مهما رأوه حسنا؛ لأن الدين قد كمل.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنا».

أثر صحيح

أخرجه المروزي في «السنة» (83)، والبيهقي في «المدخل» (191)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (205)، واللالكائي في «الاعتقاد» (126) من طريق هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الحافظ الزيلعي / في «نصب الراية» (ج1 ص355): (وما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف، وترك التعصب). اهـ

هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب جميع الأمة الإسلامية، وأن يتقبل مني هذا الجهد، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن يتولانا بعونه ورعايته، إنه نعم المولى، ونعم النصير، وصلى الله على عبده، ورسوله محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم.

 

                                                                                                               أبوعبد الرحمن

فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

عونك يا رب يسر

ذكر الدليل على ضعف حديث: صوم يوم عرفة

ويوم عرفة يوم أكل وشرب، لأنه يعتبر عيدا من

الأعياد لأهل الإسلام،  ولم يثبت أن النبي r صامه، ولا صامه صحابته y اقتداء به r، ولم يتحر r في السنة إلا صوم يوم عاشوراء، مع العلم بأن كفارة صوم يوم عرفة أعظم من كفارة صوم يوم عاشوراء!

 

عن أبي قتادة الأنصاري t أن رسول الله r سئل عن صومه قال فغضب رسول الله r، فقال عمر t رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وببيعتنا بيعة، قال فسئل عن صيام الدهر؟ فقال: لا صام ولا أفطر أو ما صام وما أفطر، قال فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم؟ قال: ومن يطيق ذلك، قال وسئل عن صوم يوم وإفطار يومين؟ قال: ليت أن الله قوانا لذلك، قال وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم؟ قال: ذاك صوم أخي داود عليه السلام، قال وسئل عن صوم يوم الاثنين؟ قال: ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه، قال فقال صوم ثلاثة من كل شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدهر، قال وسئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: يكفر السنة الماضية والباقية قال وسئل عن صوم يوم عاشوراء([30])، فقال: يكفر السنة الماضية».

حديث معلول ضعيف

أخرجه مسلم في «صحيحه» (1162)، وأبو داود في «سننه» (2425)، والترمذي في «سننه» (749)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2381)، وفي «السنن الصغرى» (ج4 ص207 و209) مختصرا، وابن ماجة في «سننه» (1730)، وأحمد في «المسند» (22144)، والجحدري في «جزء حديثه» (ق/3/ط)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (ج3ص405)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2087)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2ص77)، وفي «مشكل الآثار» (2967)، وابن حبان في «صحيحه» (3632)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص286)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص17)، وفي «فضائل الأوقات» (359)، وفي «دلائل النبوة» (ج1 ص72)، وفي «شعب الإيمان» (3761)، والبغوي في «شرح السنة» (1790)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج7 ص211)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص78)، وأبو عوانة في «صحيحه» (2545)، وابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (ج1 ص326)، وأبو يعلى في «الأمالي الستة» (ص58 و85)، وابن حزم في «المحلى» (ج7 ص17)، والمنذري في «فضائل صوم يوم عاشوراء» (ص35)، والطيوري في «الطيوريات» (ص191)، وأبو نعيم في «المستخرج على صحيح مسلم» (ج3 ص202)، والشجري في «الأمالي» (ج1 ص259)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج2 ص275)، وفي «التبصرة» (ص534 و535)، وفي «جامع المسانيد» (ج2 ص255)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ج1 ص162)، والطبري في «تهذيب الآثار» (ج1 ص289 و291 و292 و293- مسند عمر»، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج4 ص1539)، وضياء الدين المقدسي في «فضائل الأعمال» (ص258)، وابن عساكر في «فضل يوم عرفة» (ص148)، وفي «تاريخ دمشق» (ج3 ص66)، وابن أبي الدنيا في «فضل عشر ذي الحجة» (ج5 ص76- الكنز)، وحنبل بن إسحاق في «حديثه» (ص221)، وابن قدامة في «فضل يوم التروية وعرفة» (ق/6/ط)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص251) من طرق عن غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة به.

وتابعه قتادة عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة به.

أخرجه أحمد في «المسند» (22140)، وعبد الرزاق في «المصنف» (7826)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص286)، والخطيب في «المتفق والمفترق» (ج3 ص1442).

قلت: وذكر قتادة هنا وهم، وقد وهم الحافظ ابن حجر / كذلك في «أطراف المسند» (ج7 ص60) في قوله: ( يحيى بن سعيد ثنا شعبة عن قتادة عن غيلان بن جرير ).

والصواب بحذف قتادة؛ كما في «المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم» لأبي نعيم (ج3 ص202) و«تحفة الأشراف» للمزي (ج9 ص259).

وكذا رواه روح، وغندر، وشبابة، وابن إدريس، والنضر، ومعاذ كلهم عن شعبة عن غيلان به.

بدون ذكر قتادة؛ كما في «المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم» لأبي نعيم (ج3 ص203).

قلت: وإسناد الحديث رجاله ثقات([31]) إلا أن عبد الله بن معبد الزماني لم يصح له

سماع من أبي قتادة، فهو إسناد منقطع ضعيف.([32])

وأبو قتادة اختلف في وفاته فقيل مات سنة (38هـ) وهذا هو الراجح.([33])

وظاهر صنيع الحافظ البخاري / يدل على أنه مات بعد الخمسين فقد ذكر أبا قتادة في فصل من مات بين الخمسين والستين.([34])

وأما عبد الله بن معبد الزماني فلم يذكر له تاريخ ولادة، ولا تاريخ وفاة على وجه الدقة واليقين إلا أن الحافظ الذهبي / قال: (مات قبل المائة).([35])

ولم يبين حجته في هذا، وأظنه قال ذلك تخمينا وتقريبا لأني لم أجد أحدا من العلماء ذكر لعبد الله بن معبد الزماني تاريخ وفاته.

حتى الحافظ ابن حجر / لم يذكر وفاته في «التقريب» (ص548).

وقد نص الحافظ أبو زرعة / أن عبد الله بن معبد الزماني: (لم يدرك عمر).([36])

فمعاصرة عبد الله بن معبد الزماني لأبي قتادة غير محتملة أو محتملة ولكن لا دليل عليها، ولا نستطيع تأكيدها والقطع بتحققها.

ولذلك أعله الحافظ البخاري / بالانقطاع.

وذكره الحافظ العقيلي / في «الضعفاء» (ج2 ص305)، والحافظ ابن عدي /في «الكامل في الضعفاء» (ج4 ص1540)، والحافظ الذهبي / في «الضعفاء» (ج1 ص358)، وذكره الحافظ العراقي / في «المراسيل» (ص187)؛ اعتمادا على قول الحافظ البخاري / في عدم سماعه من أبي قتادة وهو الصواب.

فإسناد الحديث مداره على عبد الله بن معبد الزماني ولم يصرح بسماعه عند جميع الرواة الذين رووا الحديث.

مما يتبين بأن الإسناد من قسم المراسيل ذكره الحافظ العراقي في كتابه «تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل» (ص187).

وسوف نورد قول الإمام البخاري، وغيره في رواية عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة t.

قال الإمام البخاري / في «التاريخ الكبير» (ج3 ص68): (وروى غيلان بن جرير عن عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة عن النبي r، ولا يعرف سماع عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة!). اهـ

وقـال الإمـام الـبخاري / في «التـاريخ الكبير» (ج5 ص198): (عـبـد الله بـن

معبد الـزمـاني البـصري عن أبي قتادة، روى عـنه حـجـاج بن عتاب، وغيلان بن جرير

وقتادة، ولا نعرف سماعه من أبى قتادة). اهـ

وقال الإمام البخاري / في «التاريخ الأوسط» (ج1 ص411): (ورواه عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة عن النبي r، في صوم عاشوراء، ولم يذكر سماعا من أبي قتادة!). اهـ

قلت: وعبارة الإمام البخاري / صريحة في بيان انقطاع الإسناد بين عبدالله بن معبد الزماني، وأبي قتادة.([37])

وقد أعل الإمام البخاري / عددا من الأحاديث لكونها لم تتوافر في أسانيدها ثبوت السماع بالصيغة المذكورة.([38])

وقد صرح الإمام البخاري / بعدم سماع الزماني من أبي قتادة، وذلك بعدما أخرج الحديث نفسه بسنده، بل صرح بضعف حديث: (صوم يوم عرفة)، وذلك لإعلاله بالانقطاع، ولذلك لم يخرجه في صحيحه!.([39])

قلت: وفي نصوص عديدة وجدنا أن الإمام البخاري / يحكم على أسانيد بـعـدم الـصـحة بسبب عدم ثبوت السمـاع بين بـعـض رواة الـسـند، فيقرن عدم الصحة

 بعدم ثبوت السماع.([40])

قلت: وقد أقره الحافظ ابن حجر على ذلك، بقوله في «النكت» (ج2 ص595): (فقد أكثر من تعليل الأحاديث في تاريخه بمجرد ذلك). اهـ

وهذا يدل على تعليل الإمام البخاري / لحديث أبي قتادة t: في صوم يوم عرفة.

قلت: فما انتقده الإمام البخاري / من سماعات الرواة فإنما هو لضعف تلك الأسانيد عنهم، ولا شك في ذلك، لأنه صرح في عدة نصوص بضعف تلك الأسانيد مبديا السبب؛ لأن فلانا لا يعرف سماعه من فلان، اللهم غفرا.

قلت: وهذه العبارة لم يتفرد بها الإمام البخاري /، بل أطلقها الإمام أحمد بن حنبل، وغيره من أئمة الحديث، ومرادهم الانقطاع([41]) في الإسناد.

قلت: وقد أقره الإمام ابن عدي / تضعيف الإمام البخاري / لحديث: (صوم يوم عرفة)، بقوله في «الكامل في ضعفاء الرجال» (ج4 ص1540): (وهذا الحديث هو الحديث الذي أراده البخاري أن عبدالله بن معبد لا يعرف له سماع من أبي قتادة!). اهـ

قلت: فذكر الحافظ ابن عدي /؛ عبد الله بن معبد الزماني في «الضـعـفـاء» من أجل انقطاع سنده بينه، وبين أبي قتادة؛ فيما قاله الإمام البخاري.([42])

قال الحافظ ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج6 ص36)؛ عن عبد الله بن معبد: (وذكره ابن عدي يعني: في «الضعفاء»- من أجل قول البخاري). اهـ

وقـد أقـره الإمـام الـعـقـيلي / في «الضـعـفـاء الكـبـير» (ج2 ص305): (قـال

حدثني آدم بن موسى قال: سمعت البخاري قال: عبد الله بن معبد الزماني روى عنه غيلان بن جرير، وقتادة يحدث عن أبي قتادة، ولا يعرف سماعه من أبي قتادة!). اهـ

وقد أقره الإمام العراقي / في «تحفة التحصيل» (ص187): (عبد الله بن معبد الزماني يروي عن أبي قتادة، روايته عنه في «صحيح مسلم»، وقال البخاري: لا يعرف له سماع منه!). اهـ

قلت: وقد صرح بضعف الحديث الإمام محمد بن طاهر المقدسي /.

قال الإمام محمد بن طاهر المقدسي / في «ذخيرة الحفاظ» (ج3 ص1532): (حديث: «صوم يوم عاشوراء يكفر العام الذي قبله، وصوم يوم عرفة يكفر العام الذي قبله والذي بعده». رواه عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة، وعبدالله لا يعرف له سماع من أبي قتادة الحارث بن ربعي!). اهـ

وقال الإمام ابن نقطة في «تكملة الإكمال» (ج2 ص745): (عبد الله بن معبد الزماني الذي ذكره الأمير، وقال: روى عن أبي قتادة، فقال البخاري في «تاريخه»: روى عنه حجاج بن أرطاة، وغيلان بن جرير، وقتادة، لا يعرف سماعه من أبي قتادة).اهـ

وقال الإمام تقي الدين المقريزي / في «مختصر الكامل» (ص471): (عبدالله بن معبد الزماني عن أبي قتادة، لا يعرف له سماع من أبي قتادة؛ قاله: البخاري). اهـ

وقال الحافظ البوصيري / في «حاشيته على تحفة التحصيل» (ص267): (عبد الله بن معبد الزماني البصري: روى عن أبي قتادة، وأبي هريرة، وأرسل عن عمر؛ قال أبو زرعة: لم يدرك عمر، وقال البخاري: لا يعرف سماعه من أبي قتادة!).اهـ

وقال الحافظ البوصيري / في «حاشيته على تحفة التحصيل» (ص267)؛ عن رواية ابن معبد: (مسلم يكتفي بالمعاصرة، فروى له حديثا([43]) على قاعدته!). اهـ

قلت: وهذا يدل على خطأ الإمام مسلم / في اشتراطه واكتفائه أحيانا بالمعاصرة بين الراوي وشيخه في بعض الأسانيد مما أوقعه في بعض الأسانيد المنقطعة في «صحيحه» منها: إسناد ابن معبد عن أبي قتادة كما بين الأئمة.

وهذا أيضا يدلك على أن عبد الله بن معبد الزماني يروي عن الصحابة بواسطة، فهو يروي مثلا عن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن مسعود؛ كما في «الصحيح» لمسلم في كتاب «التفسير» (ج4 ص2321) من طريق عن قتادة، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود، في قوله تعالى: ]أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة[ [الإسراء: 57] قال: (نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم الجنيون والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون، فنزلت: ]أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة[ [الإسراء: 57].

قلت: ومن هذا يتبين لك أن عبد الله بن معبد لم يسمع شيئا من الصحابة؛ لأنه يروي عنهم بواسطة، وإذا لم يذكر الواسطة فإنه يرسل عن الصحابة.([44])

 قال الحافظ ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج5 ص272)؛ عن عبد الله بن عتبة: (روى عنه عبد الله بن معبد الزماني). اهـ

وقال الحافظ ابن منجويه / في «رجال صحيح مسلم» (ج1 ص391): (عبد الله بن معبد الزماني روى عن: أبي قتادة  ط في «الصوم»، وعبد الله بن عتبة([45]) في «التفسير»). اهـ

قلت: فهؤلاء الأئمة([46]) الذين اعتمدوا قول الإمام البخاري في عبدالله الزماني، وذكروه في كتبهم لعلة عدم سماعه من أبي قتادة.

وقال الحافظ الذهبي / في «الميزان» (ج4 ص203): (عبدالله بن معبد الزماني من جلة التابعين وثقه النسائي يحدث عن أبي قتادة قال البخاري: لا يعرف له سماع منه). اهـ

وقال العلامة الوادياشي الأندلسي في «تحفة المحتاج» (ج2 ص108): (وعن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة أنه عليه السلام: (سئل عن الصوم يوم الأثنين...) رواه مسلم، وأغرب الحاكم: فأخرجه في مستدركه، ثم قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، إنما أخرج مسلم حديث: (صوم يوم عرفة) قلت: وإنما لم يخرجه البخاري لأنه قال: في تاريخه الكبير عبد الله لا يعرف سماعه من أبي قتادة).اهـ

قلت: ولفظة (عن) صيغة أداء تحتمل السماع، وعدم السماع، فقد استخدمت في أسانيد متصلة، كما استخدمت في غير المتصلة؛ كالأسانيد المدلسة، والمرسلة، والمنقطعة.

وثبت أن إسناد صوم يوم عرفة من الأسانيد المنقطعة، كما سبق ذكر قول أئمة الحديث، منهم: الإمام البخاري، والإمام ابن عدي، والإمام العقيلي، والإمام محمد المقدسي، والإمام العراقي، والإمام ابن نقطة، والإمام المقريزي.

قلت: فإذا ثبتت علة الإسـناد بالانقطاع، ثبت ضعف الحديث؛ كما هو معروف في أصول الحديث، وليس هذا أول علة تذكر في «صحيح مسلم» المحكوم عليها بالانقطاع، والإرسال، فانتبه.

وعلم المراسيل هو نوع من أنواع علل الحديث التي بها يعلم قبول الحديث من رده.

قلت: ومن المقرر عند العلماء أنه لا يحتج من السنة إلا بالحديث الصحيح، ولا تطلق الصحة على حديث حتى يجمع شروطا هي:

(1) اتصال السند في جميع طبقاته.

(2) ثقة رواته، وعدالتهم.

 (3) عدم الشذوذ.

(4) عدم العلة.([47])

قلت: والـقول لـم يثـبـت سـماع هذا من هذا يدل على الانقطاع، هو رأي الإمام

ابن المديني، والإمام البخاري، وغيرهما.

وهذا كله تغافل عنه المقلد؛ ملقيا الكلام على عواهنه؛ دونما تحقيق، أو تدقيق.

قلت: فهل يقال والحال هـذه أن حديث: «صوم يوم عرفة» صححه الحفاظ، مع إعلال أئمة الحديث له!.

قلت: بل هل يقال بعد هذا كله أن حديث صوم يوم عرفة صحيح الإسناد، وهو على شرط مسلم، أم أنه تحسين الألفاظ، لتغرير القراء، والتلبيس عليهم؟!.

وللعلم لقد أقر الإمام مسلم /، الإمام البخاري / بمثل هذه العلة. ([48])([49])

فقد سأل الإمام مسلم /، الحافظ البخاري عن علة حديث: (كفارة المجلس) الذي يرويه: ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله r.

فذكر الإمام البخاري / علته، ومنها: (لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل).([50])

قلت: فالذي يدل عليه كلام الإمام البخاري، والإمام محمد بن طاهر المقدسي، وصنيع الأئمة العقيلي، وابن عدي، والعراقي، وابن نقطة، والمقريزي عن رواية عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة؛ هو الإرسال.

قال الإمام أبو عمرو الداني / في «بيان المتصل والمرسل» (ص80): (فأما من لا يعرف أنه أدرك من يحدث عنه، فذلك لا يتحمل اتصال حديثه، بل يطلق عليه الإرسال). اهـ

وكذا رجح الحافظ ابن حجر / ما ذهب إليه البخاري، وشيخه ابن المديني على ما اختاره مسلم في الجملة؛ كما في «النكت» (ج2 ص596).

وقد ذكر الحافظ الزيلعي / في «نصب الراية» (ج1 ص141 و142)؛ أنه يفهم من منهج الإمام الدارقطني اشتراط ثبوت السماع واللقي.

قال الحافظ ابن رجب / في «شرح علل الترمذي» (ج2 ص596): (فلا يبعد أن يقال: هذا هو قول الأئمة من المحدثين والفقهاء). اهـ

وقال الإمام أبو عمرو الداني / في «بيان المتصل والمرسل» (ص87): (ومن المرسل حزب صعب تتعذر معرفته إلا على من تبحر في الحديث وكثر، وعرف طرق النقل وميزها؛ لكون ظاهر ذلك مسندا). اهـ

ثم ذكر رواية معمر بن راشد عن محمد بن واسع عن أبي هريرة t.

ثم قال أبو عمرو الداني / في «بيان المتصل والمرسل» (ص88): (هذا إسناد من نظر إليه من غير أهل صناعة الحديث لم يشك في سنده باتصاله وليس كذلك([51])، بل هو مرسل في موضعين:

1) لأن معمر بن راشد على ثقته وإمامته؛ لم يسمع من محمد بن واسع شيئا.

2) ومحمد بن واسع أيضا على جلالته وعدالته؛ لم يسمع من أبي صالح شيئا.

فبين كل واحد منهما فيه رجل، وهذا مثل ضربته لأعداد كثيرة ترد من الآثار، ولا يميزها؛ إلا أهل الصنعة المخصوصون بمعرفة ذلك). اهـ

قلت: وهذا مما يقوي جانب انتفاء سماع ابن معبد من أبي قتادة في: «صوم يوم عرفة»، ويصير القلب إلى ما قرره الإمام البخاري ومن تابعه.([52])

وللعلم أن البين اتصاله من الحديث ما قال فيه ناقلوه: «سمعت فلانا»، أو: «حدثنا»، أو: «أنبأنا».([53])

قلت: فلا اعتبار بالحروف، والألفاظ بين الرواة، وإنما هو باللقاء، والمجالسة، والسماع والمشاهدة.([54])

قال الحافظ ابن رشيد / في «السنن الأبين» (ص41): (اعلم أن البين اتصاله من الحديث ما قال فيه ناقلوه: سمعت: «فلانا» أو، «حدثنا»، أو «أنبأنا» ...). اهـ  

وقال الإمام أبو عمرو الداني / في «بيان المتصل والمرسل» (ص48): (المسند من الآثار الذي لا إشكال في اتصاله؛ هو: ما يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه بسن يحتملها([55])، وكذلك شيخه عن شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى الصحابي إلى رسول الله r). اهـ

وقال الحافظ ابن الأثير / في «جامع الأصول» (ج1 ص107): (إنما يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه، والسن يحتمله، وكذلك سماع شيخه عن شيخه، إلى أن يصل الإسناد إلى صحابي مشهور، إلى رسول الله r). اهـ

وقال الإمام أبو عمرو الداني / في «بيان المتصل والمرسل» (ص53): (فهذا متصل مسند بين الاتصال؛ لصحة كل من ذكر فيه من شيخه الذي ذكره، وهذا مثل ضربته لسائر ما يرد من المسند البين الاتصال). اهـ

وقال الحافظ ابن الأثير / في «جامع الأصول» (ج1 ص107): (المسند: هو أن يروي الحديث واحد عن واحد، رآه وسمع منه). اهـ

قلت: وأما اعتراض المتعصب المقلد بلا فهم في المسألة؛ على قول الإمام البخاري؛ بأن الأئمة، وهم: مسلم، والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن جرير الطبري، وابن عبد البر، وغيرهم قد أثبتوا سماع([56]) الزماني عن أبي قتادة([57])، فأين صرحوا بثبوت السماع في كتبهم، ألا نقلت لنا ذلك بالدليل، وإلا هذا هو التعليل والتخذيل!.

فيقال: أن هذا الاعتراض معترض، لأن هؤلاء العلماء الذين ذكرتهم بعضهم قد اعتمد إمكانية معاصرة الزماني لأبي قتادة، وبعضهم أعتمد على رواية مسلم له في «صحيحه»، إلا الإمام النسائي فإنه لم يصحح هذه الرواية، ولم يقل بأن الزماني سمع من أبي قتادة، وإنما قال الإمام النسائي / عن رواية الزماني عن أبي قتادة: (وهذا أجود ما في الباب عندي([58])، وأما عن إمكانية اللقية فهي محتملة، وغير محتملة، ولا تستطيع يا المقلد أن تجزم بها، فإذا كان عليك أن تأتي برواية قد صرح فيها بالتحديث، أو ثبوت اللقاء مع السماع في قصة، أو حادثة مرورية، لكي ترد على الإمام البخاري /، وهذا لا تستطيع عليه.

قلت: واعتراض المقلد على الإمام البخاري / بأنه لا يكتفي بالمعاصرة، بل لابد عنده من ثبوت السماع، واعتراضه هذا مبني على تبنيه الإمام مسلم /، ومن تبعه في ذلك، وهو الاكتفاء بالمعاصرة في الجملة([59])، وهذا القول مخالف لما عليه جمهور المحدثين إن لم يكن مخالف لإجماع المحدثين قبل الإمام مسلم /.

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي / في «شرح علل الترمذي الصغير» (ج2 ص589): (وأما جمهور المتقدمين فعلى ما قاله ابن المديني والبخاري، وهو القول الذي أنكره مسلم على من قاله). اهـ

وقال الإمام الخطيب / في «الكفاية» (ص328): (وأهل العلم بالحديث مجمعون على أن قول المحدث «حدثنا» فلان «عن» فلان صحيح معمول به إذا كان شيخه الذي ذكره يعرف أنه قد أدرك الذي حدث عنه، ولقيه وسمع منه, ولم يكن هذا المحدث ممن يدلس....). اهـ

وقال الإمام النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج1 ص128): (وهذا الذي صار إليه مسلم قد أنكره المحققون، وقالوا: هذا الذي صار إليه ضعيف، والذي رده هو المختار الصحيح الذي عليه أئمة هذا الفن علي بن المديني، والبخاري وغيرهما). اهـ

قلت: فقول الإمام البخاري / في اشتراط اللقيا والسماع، هو قول جمهور المحدثين، وأما قول المقلد فقول مستنكر؛ فأخذ به المقلد([60])؛ فأنكر به على الإمام البخاري / ([61])!!!.

قلت: وقد تبين من خلال البحث أن شرط الإمام البخاري / هو أن السند المعنعن غير متصل حتى يثبت اللقاء، أو السماع بين التلميذ وشيخه، وهذا عليه جمهور أهل الحديث([62])، وهو الصحيح([63]).

قلت: ومن وافق الإمام مسلم / على هذا الشرط من الأئمة المتقدمين؟!.

قلت: فشرط الإمام البخاري /: أن يكون الراوي قد عاصر شيخه، وثبت عنده سـمـاعـه مـنـه وهـو الصحـيـح، ولم يشترط الإمام مسلم الثاني، بل اكتفى بمجرد

المعاصرة، فلم يصب، والله ولي التوفيق.

قال العلامة الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج1 ص76): (وهذا الذي صار إليه «مسلم» قد أنكره المحققون، وقالوا: هذا الذي صار إليه ضعيف، والذي رده هو المختار الصحيح الذي عليه أئمة([64]) هذا الفن علي بن المديني، والبخاري وغيرهما).اهـ

وقد ذكر الحافظ ابن حجر / في «النكت على كتاب ابن الصلاح» (ج2 ص77) قول الإمام ابن الصلاح في قبول عنعنة من لم يعرف بالتدليس بدون النظر إلى الإرسال، قال: (فذكر أنه إنما قبل العنعنة لما ثبت عنده أن المعنعن غير مدلس، وإنما يقول عن فيما سمع؛ فأشبه ما ذهب إليه البخاري: من أنه إذا ثبت اللقي ولو مرة حملت عنعنة غير المدلس على السماع مع احتمال أن لا يكون سمع بعض ذلك أيضا - والحامل للبخاري على اشتراط ذلك تجويز أهل ذلك العصر للإرسال، فلو لم يكن مدلسا، وحدث عن بعض من عاصره لم يدل ذلك على أنه سمع منه، لأنه وإن كان غير مدلس، فقد يحتمل أن يكون أرسل([65]) عنه لشيوع الإرسال بينهم، فاشترط أن يثبت أنه لقيه، وسمع منه ليحمل ما يرويه عنه بالعنعنة على السماع، لأنه لو لـم يـحـمل عـلـى السـمـاع لكان مـدلـسـا، والغـرض السـلامـة مـن الـتدليس، فتبين

رجحان مذهبه!). اهـ

قلت: للعلم فإن مسلما / اختار ذلك بشرط أن يكون هناك احتمال قوي للقاء بينهما، وأن لا يرد تصريح يقول بانتقاء سماع هذا الراوي من شيخه الذي يحدث عنه، فلم يشترط / أن يرد تصريح بالسماع بينهما في الجملة حسبما زعم.([66])

لذلك لا يقال أن مسلما / لا يشترط في الحكم بالاتصال في الإسناد المعنعن إلا المعاصرة فقط، والسلامة من التدليس، علم السماع أو لم يعلم!، وهذا في الجملة، وإلا بينا أنه يرى في «صحيحه» علم السماع بين الراوي وشيخه.

قلت: فإذا قلنا أنه لم يشترط غير التعاصر لا أكثر مع السلامة من التدليس، فهذا فيه توسيع لشرط مسلم / ينبغي التنبيه عليه، إذ إن الإمام مسلما / لم يكتف بالمعاصرة فقط مع السلامة من التدليس، بل لابد أن ينضم إلى ذلك احتمال قوي للقاء بينهما والسماع على التفصيل الذي بيناه.

وقد نص الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص23)؛ بقوله: (أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم([67]) بالأخبار والروايات قديما وحديثا، أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعا كانا في عصر واحد). اهـ

وقال الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص23)؛ بعد أن ساق شرطه: (أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدا، أو تشافها بالحديث بينهما، أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما وتلاقيهما مرة من دهرهما فما فوقها.([68])

فإن لم يكن عنده علم ذلك، ولم تأت رواية تخبر أن هذا الراوي عن صاحبه قد لقيه مرة، وسمع منه شيئا لم يكن في نقله الخبر عمن روى عنه ذلك والأمر كما وصفنا حجة، وكان الخبر عنده موقوفا حتى يرد عليه سماعه منه لشيء من الحديث، قل أو كثر في رواية). اهـ

وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح علل الترمذي» (ج1 ص586): (وقد أطال القول فيها مسلم في «مقدمة» كتابه، واختار أنه: تقبل العنعنة من الثقة غير المدلس عمن عاصره، وأمكن لقيه له). اهـ

قلت: فمراد الإمام مسلم / بالتعاصر بين التلميذ وشيخه؛ أن يكون قد أدركه إداركا بينا، وقد اشترط بتمكن الصحبة بينهما لا مجرد مطلق المعاصرة بدون ضوابط.([69])

قلت: وقد بين أئمة الجرح والتعديل أن هذا الإسناد لا تقوم به الحجة، وأن العنعنة لا تحمل على الإتصال حتى يثبت أن التلميذ وشيخه التقيا في عمرهما مرة فأكثر، ولا يكفي إمكان تلاقيهما، ولابد من السماع.

وادعى مسلم / أنه قول ساقط مخترع؛ لم يسبق قائله إليه، ولا مساعد له من أهل العلم، وإن القول به من الباطل، وأطنب مسلم / في الشناعة على قائله بدون حجة له في بعض القول.

وهذا الذي صار إليه مسلم / قد أنكره المحققون([70]) وقالوا: هذا الذي صار إليه ضعيف، والذي رده هو المختار الصحيح الذي عليه أئمة هذا الفن: علي بن المديني، والبخاري([71])، وغيرهما.

قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص12): (وبقي ما يتعلق بالاتصال، وهو «الوجه الخامس»، وذلك أن مسلما كان مذهبه على ما صرح به في «مقدمة صحيحه»، وبالغ في الرد على من خالفه أن الإسناد المعنعن، له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن، ومن عنعن عنه، وأن لم يثبت اجتماعهما إلا أن كان المعنعن مدلسا.

والبخاري لا يحمل ذلك على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة، وقد أظهر البخاري هذا المذهب في «تاريخه» وجرى عليه في «صحيحه»، وأكثر منه حتى أنه ربما خرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب جملة إلا ليبين سماع راو من شيخه، لكونه قد أخرج له قبل ذلك شيئا معنعنا). اهـ

قلت: وقد سبق مناقشته / حول هذا الادعاء، وأن الإجماع على خلاف ما ذهب إليه.([72])

قال الإمام ابن رشيد / في «السنن الأبين» (ص79)؛ وهو يرد على مسلم /: (إذ ثبت نقل الشرط الذي طالبتنا به بطل الإجماع الذي ادعيته في محل النزاع، وهو الإكتفاء في قبول المعنعن بشرط المعاصرة فقط! ([73]». اهـ

قلت: ولعل من أبرز ما يمكن أن يرد به على الحافظ مسلم / هو صلب ما ذكر في «مقدمة صحيحه» من أن الإرسال كان شائعا في ذلك الوقت، فكان لابد من أن يوضع قيد لضبط هذه المسألة، أما قبوله مطلقا في بعض الأسانيد، فهو مما أوقع الإمام مسلما في الحرج!.

وهذا هو الدافع الذي جعل ابن المديني وتلميذه البخاري يشترطان أن يرد في مثل هذه الحالة تصريح جملي من الراوي؛ بأنه سمع من الشيخ الذي يحدث عنه كي يؤمن إرساله، بشروط سبق عرضها؛ كأن تنتفي وصمة التدليس عن هذا الراوي الذي حدث عن شيخه معنعنا، وأن يصح السند إليه في الحديث الذي صرح فيه، ولو مرة بالسماع من شيخه الذي حدث عنه.

فكان مذهب الإمام ابن المديني وتلميذه الإمام البخاري بوضعهما لهذا القيد أو الضابط في وقت قد شاع فيه الإرسال أجدر بأن يكون راجحا على مذهب من قبل العنعنة في مثل هذه الحالة، وبدون وضع قيد لها.([74])

قال الإمام ابن رشيد / في «السنن الأبين» (ص52): (وهو رأي كثير من المحدثين؛ منهم: الإمام أبو عبد الله البخاري، وشيخه أبو الحسن علي بن المديني، وغيرهما ... وهذا هو الصحيح من مذاهب المحدثين، وهو الذي يعضده النظر، فلا يحمل منه على الإتصال إلا ما كان بين متعاصرين يعلم أنهما قد التقيا من دهرهما مرة فصاعدا، وما لم يعرف ذلك فلا تقوم الحجة منه إلا بما شهد له لفظ السماع، أو التحديث، أو ما أشبههما من الألفاظ الصريحة إذا أخبر بها العدل عن العدل). اهـ

وقال الإمام ابن رشيد / في «السنن الأبين» (ص52): (إذ ثبت نقل الشرط الذي طالبتنا به بطل الإجماع([75]) الذي ادعيته في محل النزاع، وهو الإكتفاء في قبول المعنعن بشرط المعاصرة فقط). اهـ

قلت: وهذا يدل على أن العلة في العنعنة ليس دخول التدليس عليها فقط، بل أيضا يدخل عليها الإرسال لشيوع الإرسال بين الرواة، وعنعنة عبدالله الزماني من هذا القبيل([76])، دخل عليها الانقطاع، فتبين رجحان قول الإمام البخاري /، ومن تابعه من الحفاظ، والله ولي التوفيق.

قلت: وهذا كله تغافل عنه المقلد، ملقيا الكلام على عواهنه؛ دونما تحقيق، أو تدقيق!.

قلت: وقد أقر الحافظ مسلم([77])/  كما سبق ما قاله الحافظ البخاري /!.

فكل سند لا يدل على ثبوت السماع، يدل على الانقطاع؛ كما هو مقرر في مصطلح الحديث.([78])

قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص36)؛ في بعض متابعات الرواة فيها السماع من بعضهم: (وإنما احتاج إلى هذا: لأن البخاري لا يرى أن الإسناد يتصل بدون ثبوت لقي الرواة بعضهم لبعض، وخصوصا إذا روى بعض أهل بلد عن بعض أهل بلد ناء عنه.

فإن أهل الحديث ما زالوا يستدلون على عدم السماع بتباعد بلدان الرواة([79])، كما قالوا في رواية سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء، وما أشبه ذلك). اهـ

قلت: وهذه المسألة مهمة عمليا للمشتغل بعلم الحديث للتصدي للحكم على بعض الأحاديث في الصحيحين، وخارج الصحيحين، واحتياجه المستمر إلى معرفة شروط اتصال السند المعنعن عند أئمة أهل الحديث.([80])

ولفظة (عن) صيغة أداء، استعملت في الأسانيد المتصلة، كما أنها أيضا استعملت في الأسانيد غير المتصلة، وهي في حد ذاتها لا تفيد الاتصال، كما أنها أيضا لا تفيد عدم الاتصال، فهي تستعمل في الأمرين كليهما.

قلت: وقد كثر ورودها في الأسانيد المدلسة والمنقطعة، واستعملها المدلسون في أسانيدهم غير المتصلة، كذلك المرسلون استعملوها في أسانيدهم المرسلة، اللهم غفرا.

وقال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الكفاية في علم الرواية» (ص325): (وقول المحدث: «ثنا» فلان قال: «ثنا» فلان أعلى منزلة من قوله: «ثنا» فلان عن
 

فلان, إذ كانت منزلة «عن» مستعملة كثيرة في تدليس ما ليس بسماع). اهـ

فالإتيان بلفظة (عن) فيما لم يسمع من الأسانيد المرسلة، والمنقطعة معروف، ومشتهر بين المحدثين، وهو من عاداتهم في الرواية بالعنعنة.([81])

قلت: وقد عثرت على نصوص لشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، فيها إشارات واضحة على أن السند المعنعن لا يعتبر متصلا مالم يثبت سماع رواته ببعضهم من بعض.([82])

قلت: ولذلك رجح أهل العلم صحيح الحافظ البخاري / على صحيح الحافظ مسلم / لشرطه.

قال الحافظ ابن كثير / في «المختصر» (ص18): (البخاري أرجح، لأنه اشترط في إخراجه الحديث في كتابه هذا: أن يكون الراوي قد عاصر شيخه، وثبت عند سماعه منه، ولم يشترط مسلم الثاني، بل اكتفى بمجرد المعاصرة، ومن ههنا يـنفـصل لـك الـنزاع في تـرجـيـح تـصـحـيـح الـبـخـاري عـلــى مـسـلـم، كـمـا هـو قـول

الجمهور).اهـ

قلت: وإن قلنا بأن الراوي أدرك، وعاصر شيخه لكن لا يلزم منه أنه سمع منه.([83])

وذهب بعض أئمة الحديث، والنقد إلى أنه يشترط للسند المعنعن حتى يعد متصلا أن يكون السماع ثابتا بين الراوي، ومن يروي عنه، ولا يكتفـى بمجـرد اللقيـا، والاجتماع، والإدراك.([84])

وقد تبنى منهج الإمام البخاري / أيضا؛ الحافظ ابن حبان /؛  إذ يقول في «الثقات» (ج9 ص209)؛ في ترجمة نافع بن يزيد المصري: (ولست أحفظ له سماعا عن تابعي، فلذلك أدخلناه في هذه الطبقة، فأما رؤيته للتابعين فليس بمنكر، ولكن اعتمادنا في هذا الكتاب في تقسيم هذه الطبقات الأربع على ما صح عندنا من لقي بعضهم بعضا مع السماع، فأما عند وجود الإمكان، وعدم العلم به فهو لا نقول به). اهـ

وقال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج1 ص164): (والقول الذى رده مسلم([85])/ هو الذى عليه أئمة هذا العلم: علي بن المديني، والبخاري وغيرهما). اهـ

وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح علل الترمذي» (ج2 ص596)؛ بعد أن ساق أقوالا عن الأئمة: شعبة، وأحمد، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والترمذي، والدارقطني، والبرديجي رحمهم الله في اشتراطهم السماع، وثبوت اللقاء:

(فإذا كان هذا هو قول هؤلاء الأئمة الأعلام، وهم أعلم أهل زمانهم بالحديث وعلله، وصحيحه وسقيمه، مع موافقة البخاري وغيره، فكيف يصح لمسلم / دعوى الإجماع على خلاف قولهم.

بل اتفاق هؤلاء الأئمة على قولهم هذا يقتضي حكاية إجماع الحفاظ المعتد بهم على هذا القول، وأن القول بخلاف قولهم لا يعرف عن أحد من نظرائهم، ولا عمن قبلهم ممن هو في درجتهم وحفظهم، ويشهد لصحة ذلك حكاية: أبي حاتم اتفاق أهل الحديث على أن حبيب بن أبي ثابت لم يثبت له السماع من عروة مع إدراكه له). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج1 ص26): (فجمهور أهل العلم على أن: «عن»، و«أن» سواء، وأن الاعتبار ليس بالحروف، وإنما هو باللقاء والمجالسة، والسماع والمشاهدة). اهـ

قلت: ومن القرائن التي بها يثبت السماع في حالة عدم وجود تصريح به؛ أن يكون التلميذ من مذهبه أنه لا يروي عن شيوخه؛ إلا ما سمعوه ممن حدثوا عنه؛ كما هو الحال في رواية: شعبة عن قتادة؛ بقوله: (كفيتكم تدليس ثلاثة: قتادة، والأعمش، وأبي إسحاق السبيعي).([86])

وقال الحافظ ابن حجر/ في «تعريف أهل التقديس» (ص151): (فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة أنها إذا جاءت من طريق شعبة / دلت على السماع، ولو كانت معنعنة). اهـ

وقال الإمام أبو حاتم الرازي / في «العلل» (ج1 ص451) بعد قول ابنه: فأبو مالك سمع من عمار شيئا: (قد روى شعبة، عن حصين، عن أبي مالك: سمعت عمارا، ولو لم يعلم شعبة أنه سمع من عمار، ما كان شعبة يرويه). اهـ

شعبة لا يحدث عن المدلسين؛ إلا بما علم أنه داخل في سماعهم، فيستوي في ذلك التصريح، والعنعنة بخلاف غيره.

وكذلك الحال في رواية: الليث بن سعد عن أبي الزبير؛ كما في  «تهذيب الكمال» للمزي (ج24 ص421).

قال الحافظ ابن حجر/ في «تعريف أهل التقديس» (ص151): (ونظيره حـدثنا الـليـث عـن أبـي الزبـير عـن جابـر t؛ فإنه لم يسمع منه إلا مسموعه من جابر

 t).اهـ

وكذا رواية: حفص بن غياث عن الأعمش؛ كما في «تاريخ بغداد» للخطيب (ج8 ص199).

فقد اشتهر بذلك شعبة بن الحجاج /.

فقد روى مسلم أيضا في «صحيحه» في كتاب «الإيمان» (ج1 ص60)؛ عن شعبة، عن عدي بن ثابت، قال: سمعت البراء t ... الحديث، فقال شعبة: (قلت لعدي: أنت سمعته من البراء t؟، قال: إياي حدث).

قلت: وعدي بن ثابت غير موصوف بتدليس.([87])

قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج1 ص51): (هكذا يكون البحث والتفتيش([88])، وهذا معروف عن شعبة). اهـ

وقال شعبة بن الحجاج /: (كل شيء حدثتكم به فذلك الرجل حدثني به أنه سمعه من فلان، إلا شيئا أبينه لكم).([89])

قلت: فالإمام شعبة / كان ممن ينظر في الحديث، ويفتش عن السماع بين الراوي وشيخه في الإسناد المعنعن.([90])

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص194): (وشعبة لا يحدث عن شيوخه الذين ربما دلسوا؛ إلا بما تحقق أنهم سمعوه). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج9 ص245): (وهو يعني: شعبة- لا يروي عن مشايخه؛ إلا ما ظهر له سماعهم فيه). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «النكت» (ج1 ص259)؛ عن شعبة: (كان لا يأخذ عن أحد ممن وصف بالتدليس؛ إلا ما صرح فيه ذلك المدلس بسماعه من شيخه). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج11 ص211): (فإن شعبة كان لا يحدث عن شيوخه المنسوبين للتدليس؛ إلا بما تحقق أنهم سمعوه). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «النكت» (ج1 ص259)؛ عن شعبة: (المعروف عنه أنه كان لا يحمل عن شيوخه المعروفين بالتدليس؛ إلا ما سمعوه).اهـ

وقال الإمام يحيى بن سعيد القطان /: (كلما حدث به شعبة عن رجل فقد كفاك أمره فلا تحتاج أن تقول لذلك الرجل سمع ممن حدث عنه).([91])

قلت: إن مكانة يحيى بن سعيد القطان تحتم علينا أن نسلم له في قوله هذا.

فمن يقف على ترجمته يعلم أنه من أهل الاستقراء والسبر، ولا يمـكن أن يـقول

مثل قوله هذا من باب الاجتهاد القائم على الظن([92])، بل من باب الاجتهاد القائم على الخبرة والتتبع، ولا سيما وإن له مكانه عظيمة عند شعبة بن الحجاج نفسه.

قال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل» (ج2 ص596): (أبو سعيد؛ خليفة شعبة، والقائم بعده مقامه في هذا العلم، وعنه تلقاه أئمة هذا الشأن، كأحمد، وعلي، ويحيى، ونحوهم، وقد كان شعبة يحكمه على نفسه في هذا العلم). اهـ

قلت: فيدخل في هذا الباب من اشتهر من النقاد بتوقيف مشايخه على السماع ممن حدثوا عنهم، والـتفتيش الشديد عن السند بأكمله، فقد تقدم ذكر الإمام شعبة بن

الحجاج /.

قال الإمام شعبة بن الحجاج /: (كنت أتفقد فم قتادة، فإذا قال: «حدثنا» و«سمعت»، حفظته، وإذا قال: حدث فلان، تركته).([93])

قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج1 ص51): (هكذا يكون البحث والتفتيش، وهذا معروف عن شعبة). اهـ

وقال أبو بكر الشافعي / في «الدلائل والأعلام في أصول الأحكام» (ص173-النكت): (وكل من علم له سماع من إنسان، فحدث عنه فهو على السماع؛ حتى يعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه.

وكل من علم له لقاء إنسان فحدث عنه، فحكمه هذا الحكم، لأن السماع واللقاء قـد حصلا، اللهم إلا أن يتبين أنه لم يسمع مع اللقاء، قال: ومن أمكن سماعه،

وعدم سماعه؛ فهو على العدم حتى يتحقق سماعه، وكذلك الحكم في اللقاء). اهـ

وكذلك الإمام يحيى بن سعيد القطان /.

وقد قال الإمام علي بن المديني /: (كان ممن ينظر في الحديث، ويفتش عن الإسـنـاد لا نـعـلم أحد أول مـنـه: مـحمد بن سيرين، ثم كان أيوب، وابن عون، ثم كان شعبة، ثم كان يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي).([94])

قلت: فتأمل هذا النقل عن أئمة الحديث في النظر في الحديث المعنعن، والتفتيش عن السماع في الإسناد.([95])

قال الإمام ابن معين / في «معرفة الرجال» (ج2 ص135): (سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما رأيت أحدا قط خيرا منه يعني: يحيى بن سعيد القطان). اهـ

وقال ابن محرز / في «معرفة الرجال» (ص375): (سمعت علي بن المديني يقول: قال يحيى بن سعيد القطان: لم يسمع سعيد يعني: ابن أبي عروبة- من حماد بن أبي سليمان،  ولا من أبي بشر، ولا من هشام بن عروة، ولا من يحيى بن سعيد الأنصاري شيئا؛ إنما كان يأخذها عن البري عثمان بن مقسم-). اهـ

وقـال ابـن مـحـرز / في «مـعـرفـة الـرجـال» (ص378): (سـمـعـت عـلي بـن

المديني يقول: قتادة لم يسمع من مسلم بن يسار شيئا). اهـ

وقال ابن محرز/ في «معرفة الرجال» (ص386): (سمعت علي بن المديني يقول: سعيد بن أبي عروبة أحفظهم عن قتادة، وشعبة أعلم بما يسمع، وما لم يسمع...). اهـ

وقال ابن محرز/ في «معرفة الرجال» (ص387): (سمعت علي بن المديني يقول: قال يحيى بن سعيد القطان: علي بن المبارك يروي عن يحيى بن أبي كثير أحاديث لم يسمعها، وإنما كتبنا عنه، عن يحيى ما سمعها). اهـ

وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح علل الترمذي» (ج2 ص596): (وأما إنكار الإمام مسلم / أن يكون هذا قول شعبة، أو من بعده، فليس كذلك.

فقد أنكر شعبة سماع من روي سماعه، ولكن لم يثبته، كسماع مجاهد عن عائشة رضي الله عنها، وسماع أبي عبد الرحمن السلمي من عثمان([96]) t، وابن مسعود t). اهـ

وهذا الإمام سفيان بن عيينة / يقول: للمغيرة بن مقسم الضبي في حديث رواه؛ عن إبراهيم النخعي: (أسمعت ذا من إبراهيم ؟ فقال: ما تريد إلى ذا، وحاد عنه، ولم يقل لي: سمعته من إبراهيم، ولا لم أسمعه فلم أجالسه بعد).([97])

قلت: وكتب: «المراسيل» تعج بهذه الأمثلة([98])، والله المستعان.

وقد سئل علي بن المديني: لقي محمد بن إبراهيم التيمي أحدا من أصحاب النبي r؟.

قال: (أنس بن مالك ورأى ابن عمر).([99])

وذكر البخاري / في «التاريخ الكبير» (ج1 ص22)؛ أنه رأى ابن عمر يصلي.

وكذا أثبت له أبو حاتم الرؤية فقط، كما في  «المراسيل» لابنه (ص188).

وجزم أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (ج7 ص184)؛ بأن روايته عنه مرسلة.

وفي سؤالات ابن محرز (ج1 ص129): سئل ابن معين: التيمي لقي أحدا من أصحاب النبي r؟ فقال: (لم أسمعه).

قلت: وعليه فلا يصح للتيمي سماع من ابن عمر رضي الله عنهما مع أنه لقيه!.([100])

وفي هذا قال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج1 ص128): (فإذا ثبت التلاقي غلب على الظن الاتصال، والباب مبني على غلبة الظن فاكتفينا به، وليس هذا المعنى موجودا فيما إذا أمكن التلاقي، ولم يثبت فإنه لا يغلب على الظن الاتصال؛ فلا يجوز الحمل على الاتصال، ويصير كالمجهول؛ فإن روايته مردودة لا للقطع بكذبه، أو ضعفه، بل للشك في حاله). اهـ

قلت: ويتبين بأن هناك وسائل في إثبات اتصال السند المعنعن التي يحكم بـسـببها الـناقد محـتجا بهـا عـلى سـمـاع رجـل من رواة الحديث من رجل آخر، وهذه الوسائل هي:-

(1) التصريح بالسماع في السند.

(2) ثبوت اللقاء في قصة، أو حادثة مروية.

(3) ورود ألفاظ غير صريحة في اللقاء، ولكنها قرائن قوية على وقوعه.([101])

قلت: لهذا لم ينقل عن أحد من أهل العلم بالحديث، ونقده الحكم باتصال السند المعنعن بدون أي شروط، والذي نقل عن الأئمة النقاد والحفاظ هو الحكم باتصال السند المعنعن، ولكن بشروط سهل بعضهم فيه، كالحافظ مسلم /، وتوسط بعضهم فيها واحتاط؛ كالحافظ البخاري، ولكنهما لم يحكما باتصال السند المعنعن إلا بشروط معينة.([102])

قلت: إن اشتراط ثبوت اللقاء، والسماع، ولو مرة واحدة للراوي الثقة الذي لم يوصف بتدليس عن شيخه الثقة الذي عاصره، مع صحة السند إليه، كاف في حمل الإسناد المعنعن على الاتصال، ونفي الانقطاع.

وهذا هو شرط الإمام البخاري / في «صحيحه»، وذلك تفاديا منه / من وقوع الإرسال في وقت قد شاع فيه الإرسال في العصور المتقدمة، كما صرح بهذا الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه»، وذلك لأن مجالس التحديث في تلك العصور لم تكن قد برزت، وإنما هي غالبها مجالس للفتوى والمواعظ؛ ولعل الدافع لشيوع الإرسال في ذلك الوقت هو شهرة انتفاء سماع ذلك الراوي من شيخه الذي يحدث عنه بين أهل ذلك العصر.([103]) 

قلت: واحتجاج الحافظ مسلم / على شرطه هذا؛ لا يلزم منه أنه لا يرى شرط الأئمة بثبوت اللقاء والسماع.

والدليل على ذلك أنه ملأ «صحيحه» بشرط المعاصرة والسماع في الأسانيد، وهذا يدل على أنه موافق للأئمة في هذا الأصل كما سبق عنه-، وأنه يقول بالمعاصرة فقط للراوي وشيخه في الجملة؛ أي: في بعض الأسانيد المشتهرة عنده([104])، وهذا قليل في «صحيحه».

قلت: وإلا فإن المعتمد عند الحافظ مسلم / التفصيل وهو شرط اللقاء والسماع بين الراوي وشيخه([105])، وقد عمل بذلك في غالب  «صحيحه» لهذا الشرط، وهذا يدل على موافقته لأئمة الجرح والتعديل؛ كأحمد، والشافعي، وأبي حاتم، وأبي زرعة، وابن المديني، والبخاري، وغيرهم([106])، فتنبه لهذا.

ومثال ذلك: روى مسلم في «صحيحه» (2290) في كتاب «الفضائل» من طريق أبي حازم، قال: سمعت سهل بن سعد t، يقول: سمعت النبي r يقول: (أنا فرطكم على الحوض، ... الحديث) إلى أن قال: (ثم يحال بيني وبينهم).

قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبي عياش، وأنا أحدثهم بهذا الحديث، فقال: هكذا سمعت سهلا t يقول؟ قال فقلت: نعم، قال: فأنا أشهد على أبي سعيد الخدري t لسمعته يزيد؛ فيقول: (إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي).([107]) 

ومثال ذلك: روى مسلم في «صحيحه» (2830) في كتاب «صفة الجنة» من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد t، أن رسول الله r، قال: (إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء).

قال: فحدثت بذلك النعمان بن أبي عياش، فقال: سمعت أبا سعيد الخدري t، يقول: (كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي).

ومثال ذلك: روى مسلم في «صحيحه» (2827) في كتاب «صفة الجنة» من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد t، عن رسول الله r قال: (إن في الجنة لشجرة، يسير الراكب في ظلها مائة عام، لا يقطعها).

قال أبو حازم: فـحـدثت بـه النعمـان بـن أبـي عـياش الزرقي، فقال: حدثني أبو
 

سعيد الخدري t، عن النبي r، قال: (إن في الجنة شجرة يسير الراكب ... الحديث).

قلت: فهذه الثلاثة الأحاديث التي أشار إليها مسلم قد ذكرها في «صحيحه» مصرحا فيها بالسماع، فكيف لا يجوز ذلك في غيرها؟!: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].

فقد أخرجه مسلم في «صحيحه» بالتنصيص فيه عنده بالسماع، وأخرجه البخاري في «صحيحه» كذلك؛ لوجود شرطه فيه، وهو معرفة السماع.([108]) 

قال الحافظ ابن رشيد / في «السنن الأبين» (ص172): (فقد اتفقتما على تخريج هذا الحديث عن شيخ واحد منصوصا فيه عندكما على سماع النعمان من أبي سعيد t). اهـ

وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح علل الترمذي» (ص172)؛ وهو يناقش ما استدل به مسلم /: (ثم إن بعض ما مثل به مسلم ليس كما ذكره؛ فقوله: إن عبد الله بن يزيد، وقيس بن أبي حازم رويا عن أبي مسعود t، وأن النعمان بن أبي عياش روى عن أبي سعيد t، ولم يرد التصريح بسماعهم منهما.

ليس كما قال؛ فإن مسلما / خرج في «صحيحه» التصريح بسماع النعمان بن أبي عياش من أبي سعيد t في حديثين في «صفة الجنة»، وفي حديث: «أنا فرطكم على الحوض»!،  وأما سماع عبد الله بن يزيد، وقيس بن أبي حازم من أبي مسعود t، فقد وقع مصرحا به في «صحيح البخاري»([109]». اهـ

ونقل الإمام ابن المديني / في «العلل» (ص49): (قيس بن أبي حازم سمع من أبي بكر، وعمر، وعثمان، ... قيل لعلي /: هؤلاء كلهم سمع منهم قيس بن أبي حازم سماعا؟، قال: نعم سمع منهم سماعا، ولولا ذلك لم نعد له سماعا). اهـ

وقال العلامة المعلمي / في «التنكيل» (ج1 ص79)؛ في تعليقه على أحاديث في صحيح مسلم: (ثم إنني بحثت، فوجدت تلك الستة قد ثبت فيها اللقاء، بل ثبت في بعضها السماع، بل في «صحيح مسلم» نفسه التصريح بالسماع في حديث منها، وسبحان من لا يضل ولا ينسى). اهـ

قلت: ومما يجدر التنبيه عليه توسيع شرط الإمام مسلم /، إذ جعل من شرطه الاكتفاء بالمعاصرة، بحيث إن كل راو عاصر شيخه وحدث عنه بصيغة «عن» أو ما شابهها مما لا تفيد اتصالا؛ حمل الحديث على الاتصال([110])، وهذا فيه بعد، لأن مسلما ذكر في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص23)؛ أنه يشترط المعاصرة مع وجود إمكان قوي للقاء بين الراوي وشيخه الذي حدث عنه.([111])

قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيـد» (ج1 ص12 و14): (اعلم وفقك الله أني تأملت أقاويل أئمة أهل الحديث، ونظرت في كتب من اشترط الصحيح في النقل منهم، ومن لم يشترطه، فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة وهي:

(1) عدالة المحدثين في أحوالهم.

(2) ولقاء بعضهم بعضا مجالسة، ومشاهدة.

(3) وأن يكونوا برآء من التدليس.

ثم قال: وقد أعلمتك أن المتأخرين من أئمة الحديث والمشترطين في تصنيفهم الصحيح قد أجمعوا على ما ذكرت لك.

وهو قول مالك، وعامة أهل العلم؛ إلا أن يكون الرجل معروفا بالتدليس، فلا يقبل حديثه حتى يقول: «حدثنا»، أو «سمعت»، فهذا ما لا أعلم فيه أيضا خلافا.

ومن الدليل على أن: «عن» محمولة عند أهل العلم بالحديث على الاتصال حتى يتبين الانقطاع فيها، ما حكاه أبو بكر الأثرم عن أحمد ابن حنبل فذكر رواية:   أبدل فيها الوليد بن مسلم عبارة: «حدثت»، بـ«عن»، ألا ترى أن أحمد بن حنبل / عاب على الوليد بن مسلم قوله: «عن» في المنقطع، ليدخله في الاتصال، فهذا بيان أن: «عن» ظاهرها الاتصال، حتى يثبت فيها غير ذلك ومثل هذا عن العلماء كثير).اهـ

ويتلخص من كلام ابن عبد البر حمه الله ما يلي:

1) الإجماع على اشتراط العلم باللقاء.

2) قبول الحديث المعنعن إذا ثبت اللقاء، والسماع.

3) اشترط لقبول الحديث المعنعن المجالسة، والمشاهدة.

4) الوقوف على نص صريح دال على اللقاء، أو السماع.

5) وجود المعاصرة مع وجود دلائل اللقاء، ووجود قرائن على ذلك.([112])

6) عنعنة الراوي عن شيخه محمولة على اللقاء، والسماع، والمشاهدة بالإجماع ما دام يعرف بذلك.

7) يقبل الحديث المعنعن بشرط ثقة رواته وعدم قيام قرائن تغلب نفي اللقاء، أو السماع، وتدل على عدم وقوعهما مع السلامة من التدليس.

8) أن: «عن» محمولة في الحديث على الاتصال حتى يتبين الانقطاع فيها؛ أي: أن: «عن» ظاهرها الاتصال، حتى يثبت فيها غير هذا.

9) أن الإسناد المعنعن دل على المشاهدة والمجالسة، واللقاء، والسماع؛ بقرائن ودلائل.

10) أن الإسناد المعنعن إذا ثبتت دلائل، وقرائن تشهد على الإرسال، فهو يدل على الانقطاع.

11) عدم الاكتفاء بالمعاصرة المطلقة في الحديث بين الراوي وشيخه.

 

قال الحافظ ابن حزم /في «الإحكام» (ج2 ص21): (وإذا علمنا([113]) أن الراوي العدل قد أدرك([114]) من روى عنه من العدول، فهو على اللقاء والسماع([115] لأن شرط العدل القبول.

والقبول يضاد تكذيبه في أن يسند إلى غيره ما لم يسمعه  منه، إلا أن يقوم دليل على ذلك من فعله.

وسواء قال: «حدثنا» أو «أنبأنا»، أو قال: «عن فلان»، أو قال: «قال فلان» كل ذلك محمول على السماع منه.

ولو علمنا أن أحدا منهم يستجيز التلبيس بذلك كان ساقط العدالة في حكم المدلس.

وحكم العدل الذي قد ثبتت عدالته فهو على الورع والصدق، لا على الفسق، والتهمة، وسوء الظن المحرم بالنص، حتى يصح خلاف ذلك، ولا خلاف في هذه الجملة بين أحد من المسلمين، وإنما تناقض من تناقض في تفريع المسائل). اهـ

قلت: فنص ابن حزم / في السند المعنعن شرط اللقاء والسماع بقوله: (وإذا علمنا ... قد أدرك)؛ والعلم بشيء لابد له من دلائل وقرائن تدل عليه في أصول الحديث، وهذا يكون بالإدراك البين، لا بالمعاصرة المطلقة، إذا فهذا الإسناد المعنعن على اللقاء والسماع عند أئمة الحديث.

وقوله: (يستجير التلبيس)؛ أي: في الإسناد المعنعن من تحقق التدليس، والإرسال، وغير ذلك، سقطت عدالة الراوي وحديثه لوجود قرائن على علة خفية في الحديث المعنعن، وهذه الدلائل تدل على تبين الانقطاع.([116])

وقال الإمام الحميدي /: (الموصول وإن لم يقل فيه: «سمعت», حتى ينتهي الحديث إلى النبي r, فإن ظاهره كظاهر السامع المدرك, حتى يتبين فيه غير ذلك).([117])

قلت: فهنا يصرح  الحميدي / أن الحديث الذي لم يصرح رواته بالسماع في الظاهر، ووجدت قرائن أخرى تشهد على الاتصال، فدل على الاتصال، فعندها يحكم بالقبول، لأن هذا الإسناد المعنعن دل على المشاهدة والمجالسة، واللقاء والسماع، لأن العمل بالإسناد المعنعن على الدلائل الخارجية حتى يأتي ما ينقض هذا الظاهر في الاسناد؛ أي: تأتي دلائل تدل وتشهد على الانقطاع. ([118])

وقال الحافظ الخطيب / في «الكفاية» (ص326): (وأما قول المحدث: «قال فلان»؛ فإن كان المعروف من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه؛ جعل ذلك بمنزلة ما يقول فيه غيره: «حدثنا», وإن كان قد يروي سماعا، وغير سماع لم يحتج من رواياته إلا بما بين الخبر فيه). اهـ

قلت: فظاهر من هذه العبارة أن الخطيب / يشترط السماع في الحديث المعنعن بين الراوي وشيخه؛ بقوله: (فإن كان المعروف من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه ...).

وقال الحافظ الخطيب / في «الكفاية» (ص328): (وأهل العلم بالحديث مجمعون على أن قول المحدث: «حدثنا فلان عن فلان», صحيح معمول به, إذا كان شيخه الذي ذكره يعرف أنه قد أدرك الذي حدث عنه، ولقيه وسمع منه, ولم يكن هذا المحدث ممن يدلس). اهـ

قلت: فهنا يصرح الحافظ الخطيب أن الحديث المعنعن بين الراوي وشيخه، والمقبول والمجمع عليه عند أهل الحديث؛ لابد من توفر الشروط الآتية:

1) ثبوت الإدراك البين بين المتعاصرين.

2) ثبوت العلم باللقاء بين الراوي وشيخه.

3) ثبوت العلم بالسماع بين الراويين.

4) أن يكونا برآء من التدليس.

قلت: بل إن كل الذي يدل عليه كلام الحافظ الخطيب([119]): أن الحديث المعنعن بين راويين عرف لقاؤهما، وسماعهما، وسلم الراوي من التدليس أنه يكون صحيحا معمولا به، وهذا لا شك أنه موطن إجماع؛ كما قال الحافظ الخطيب /، وقيد ذلك على الشروط السابقة.  

وفي رواية: أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان t  في حديث: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (5027)، مع نفي شعبة بن الحجاج، ويحيى بن معين سماع أبي عبد الرحمن السلمي من عثمان بن عفان t.([120])

وقد اعتمد الإمام البخاري / في هذا الإسناد على الإدراك البين، والمعاصرة البينة، لحمل العنعنة على السماع، ولا سيما ما اشتهر بين القراء: أنه قرأ القرآن على عثمان t، وأسندوا ذلك عنه من رواية عاصم بن أبي النجود، وغيره.([121])

قلت: فثبت بذلك مجالسة، ومشاهدة، وسماع أبي عبد الرحمن السلمي من عثمان بن عفان.([122])

وأثبت هذا السماع: الإمام البخاري، والإمام ابن حبان، والإمام الداني، والإمام العلائي، والإمام العراقي، والإمام الذهبي، والإمام المزي، والإمام ابن حجر، وغيرهم.([123])

قال الإمام البخاري / في «التاريخ الكبير» (ج5 ص73)؛ عن أبي عبد الرحمن السلمي: (سمع عليا، وعثمان، وابن مسعود رضي الله عنهم).

وكذا قال الإمام البخاري / في «التاريخ الأوسط» (ج1 ص240): (سمع عليا، وعثمان، وابن مسعود).

وقال الإمام أبو عمرو الداني /: (أخذ أبو عبد الرحمن القراءة عرضا عن عثمان بن عفان t).([124])

ويؤيده: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج9 ص74)، وفي «التاريخ الأوسط» (ج1 ص285) من طريق حجاج بن منهال، حدثنا شعبة، قال: أخبرني علقمة بن مرثد قال: سمعت سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: (وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان t، حتى كان الحجاج).

وإسناده صحيح.

قال أبو عبد الرحمن السلمي /: (وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا).([125])

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج9 ص76): (لكن ظهر لي أن البخاري اعتمد في وصله([126])، وفي ترجيح لقاء أبي عبد الرحمن لعثمان t على ما وقع في رواية شعبة عن سعد بن عبيدة؛ من الزيادة، وهي: (أن أبا عبد الرحمن أقرأ من زمن عثمان) إلى زمن الحجاج  بن يوسف الثقفي، وأن الذي حمله على ذلك هو الحديث المذكور.

فدل على أنه سمعه في ذلك الزمان، وإذا سمعه في ذلك الزمان، ولم يوصف بالتدليس اقتضى ذلك سماعه ممن عنعنه عنه، وهو عثمان t؛ ولا سيما مع ما اشتهر بين القراء: (أنه قرأ القرآن على عثمان)، وأسندوا ذلك عنه من رواية عاصم بن أبي النجود وغيره، فكان هذا أولى من قول من قال إنه لم يسمع منه). اهـ

ولذلك قال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج4 ص269): (قال شعبة: لم يسمع من عثمان كذا قال شعبة، ولم يتابع!). اهـ

وأخرج يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص590) عن أبي إسحاق قال: (كان أبو عبد الرحمن السلمي يقرئ الناس في المسجد الأعظم أربعين سنة).

وإسناده صحيح.

وذكره الذهبي في «السير» (ج4 ص268).

قلت: فثبت سماع أبي عبد الرحمن السلمي / من عثمان بن عفان t، وهذا فيه رد على من قال أن الإمام البخاري / يرى المعاصرة بين أبي عبد الرحمن السلمي، وبين عثمان بن عفان في الحديث المذكور.

وهذا غلط على الإمام البخاري /، لأنه روى له في «صحيحه»، وشرطه معروف، وأنه لابد من اللقيا والسماع بين الراوي وشيخه، فالإمام البخاري / رجح أنه سمع منه بالأدلة، كما سبق ذلك.([127])

قال الحافظ ابن رشيد الفهري / في «السنن الأبين» (ص52): (وهذا هو الصحيح من مذاهب المحدثين، وهو الذي يعضده النظر، فلا يحمل منه على الإتصال إلا ما كان بين متعاصرين يعلم أنهما التقيا من دهرهما مرة فصاعدا، وما لم يعرف ذلك فلا تقوم الحجة منه؛ إلا بما شهد له لفظ السماع أو التحديث، أو ما أشبههما من الألفاظ الصريحة إذا أخبر بها العدل عن العدل). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «النكت» (ج1 ص383): (ومسألة التعليل بالإنقطاع، وعدم اللحاق قل أن تقع في البخاري بخصوصه؛ لأنه معلوم أن مذهبه عدم الاكتفاء في الإسناد المعنعن بمجرد إمكان اللقاء). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «النكت» (ج2 ص598): (وإنما كان يتم له النقض، والإلزام لو رأى في «صحيح البخاري» حديثا معنعنا لم يثبت لقي راويه لشيخه فيه([128])، فكان ذلك واردا عليه). اهـ

قلت: والقرائن التي بها يثبت السماع في حالة عدم وجود تصريح به كثيرة:

1) منها: أن ينص إمام من أئمة هذا الشأن على ذلك.

2) ومنها: أن يأتي تصريح من أحد الرواة بأن فلانا كان يسمع معنا، أو كان يحضر معنا عند فلان، أو أن يقال: فلان سافر مع فلان.

3) ومنها: أن يكون التلميذ من مذهبه أنه يروي عن شيوخه إلا ما سمعوه ممن حدثوا عنه.([129])

قلت: والعلماء الذين نسبوا شرط العلم بالسماع إلى الإمام البخاري /؛ إنما نسبوه إليه بناء على استقراء تصرفاته في «الجامع الصحيح»، وقد ضربنا أمثلة على ذلك الشرط من كتبه كلها([130])، وقد أقر أئمة الحديث، ومنهم: الإمام مسلم / على هذا الشرط؛ فكيف تخالفهم أيها المقلد؟!([131])

قلت: وبعد بيان هذه الأصول في الحديث المعنعن؛ تتضح حقيقة قوة مذهب جميع أئمة الحديث، بمن فيهم الإمام مسلم، ويظهر وهاء، وهلهلة مذهب المقلدة([132])، وبطلان قولهم، وسقوط حجتهم؛ مما ينزه معه الإمام مسلم  / من أن يقع فيه، وأن ينسب إليه مثل هذا المذهب بحجته الواهية.

قال الإمام ابن رجب / في «شرح علل الترمذي» (ج2 ص597): (والصواب أن ما لم يرد فيه السماع من الأسانيد لا يحكم باتصاله). اهـ

قلت: فإنه يلزم على هذا الاستدلال أن يكون لمسلم / في «صحيحه» الشيء الكثير من الأسانيد المنقطعة.

وعلى ذلك فإنه نلزم المقلد بإلزامين؛ لكي يتبين جهله في علم العلل:

الإلزام الأول: نلزمه أن يحكم باتصال كل حديث رواه من ثبت له رؤية من شيخه ولقيه، وإن لم يثبت سماعه منه([133])، وهذا خلاف إجماع أئمة الحديث حتى أن مسلما لا يقول به.

الإلزام الثاني: نلزمه أيضا الحكم باتصال حديث كل من عاصر النبي r، وأمكن لقيه له إذا روى عنه شيئا، وإن لم يثبت سماعه عنه([134])، ولا يكون حديثه عن النبي r مرسلا([135])، وهذا أيضا خلاف إجماع أئمة الحديث.

قلت: فهذا ربما تأمله من ليس من أهل الحديث، فظن أنه متصل وليس كذلك، بل هو مرسل بين عبد الله بن معبد الزماني، وبين أبي قتادة t؛ لأنه لم يسمع منه؛ كما بين الإمام البخاري وغيره.([136])

وعلى هذا فلم يزل العلماء يوردون عبارات نفي العلم بالسماع على أنها عبارات نفي للسماع([137])، وأنها تدل على ترجح الانقطاع، بل على أنها تدل على الجزم بالانقطاع.([138])

وهناك أمثلة تدل على أن نفي العلم بالسماع؛ يعني: ترجيح عدم حصول السماع بين التلميذ وشيخه، كما سبق، وكما سيأتي.

فانظر إلى  قول الإمام الترمذي / في «سننه» (1193): (لا نعرف للأسود سماعا من أبي السنابل، وسمعت محمدا يقول: لا أعرف أن أبا السنابل عاش بعد النبي r).

قلت: فهذا نفي للعلم بالسماع، مع عدم المعاصرة أصلا بين الراويين، وهذا إعلال بعدم العلم بالسماع بناء على اشتراط العلم به.

وقال الإمام الترمذي / في «سننه» (2612): (لا نعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة، وقد روى أبو قلابة، عن عبد الله بن يزيد، رضيع لعائشة عن عائشة، غير هذا الحديث).

قلت: فهذا نفي للعلم بالسماع، معللا بقرينة بذكر الواسطة.([139])

 هذا مع قول الإمام الدارقطني / في «العلل» (ج5 ص137): (أبو قلابة عن عائشة رضي الله عنها: مرسل). كذا على الجزم بقرينة.

وقال الإمام الترمذي / في «سننه» (1074): (هذا حديث ليس إسناده بمتصل ربيعة بن سيف، إنما يروي عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو، ولا نعرف لربيعة بن سيف سماعا من عبد الله بن عمرو). 

قلت: فانظر كيف جزم أولا بعدم الاتصال، وبين قرينة ذلك، ثم عاد لنفي العلم بالسماع، وهذا من أوضح ما يكون في عدم السماع بين الراويين في الحديث.([140])

وقال الإمام الترمذي / في «سننه» (3846): (لا نعرف لزيد بن أسلم سماعا من أبي هريرة، وهو عندي حديث مرسل).

قلت: فنفى العلم بالسماع، ثم جزم بالإرسال.

وقال أبو بكر البرقاني / في «سؤالاته» (ص89): (سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول: الضحاك بن مزاحم: ثقة، لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما شيئا).

 وقال أبو بكر البرقاني / في «سؤالاته» (ص90)؛ للدارقطني: طليق بن محمد عن عمران بن حصين t، فقال: (مرسل).

وقال أبو بكر البرقاني / في «سؤالاته» (ص89) للدارقطني: حديث الفضل بن موسى، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن ثور بن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: (كان النبي r يلحظ في صلاته يمينا وشمالا)([141])، قال الدارقطني: ليس بصحيح،  قلت: إسناده حسن، حدث به عن الفضل جماعة؟ قال: أي والله حسن، إلا أن له علة، حدث به وكيع  عن عبد الله بن سعيد، عن ثور بن يزيد عن رجل عن النبي r، قلت: لم يسنده إلا الفضل؟ قال: به نعم).

وقال أبو بكر البرقاني / في «سؤالاته» (ص171): سألت الدارقطني عن حديث: يونس عن الزهري عن سهل بن سعد t: (الماء من الماء)([142])؛ فقال: (لا يصح، لأن الزهري لم يسمعه من سهل بن سعد؛ قلت له: قد سمع منه، فما تنكر أن يكون سمع هذا منه؟ فقال: الدليل عليه أن عمرو بن الحارث: رواه عن الزهري([143])، فقال فيه: حدثني من أرضاه عن سهل بن سعد).

قلت: ومثله سند عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة، فلا يصح، لأن الزماني لم يسمعه من أبي قتادة، ولأنه لم يلق أبا قتادة، وبينهما رجل لم يسم.

فيكون الإسناد هكذا: عن عبد الله بن معبد الزماني عن رجل عن أبي قتادة t، وأصول الحديث وقواعده تقتضي ذلك.

وهذا هو صنيع الإمام البخاري /، فقد ذكر الانقطاع في الإسناد بين الزماني وبين أبي قتادة، لكنه لم يذكر مبهم الرجل الذي بينهما([144]) للاختصار.

وكذا صنيع الإمام العقيلي، والإمام ابن عدي، والإمام محمد بن طاهر المقدسي وغيرهم.

قال الإمام ابن رشيد / في «السنن الأبين» (ص42): (ويتلو ذلك ما شاع في استعمال المسندين وذاع في عرف المحدثين عند طلب الاختصار من إبراز: «عن» في معرض الاتصال). اهـ

فقوله: (عند طلب الاختصار من إبراز: «عن»؛ يدل أن الأئمة يبرزون: «عن» للاختصار بدون ذكر الرجل المبهم، ولا غيره، ولم يسم قائله.

قلت: وهذا يدل على خطأ الإمام مسلم / في اشتراطه واكتفائه أحيانا بالمعاصرة بين الراوي وشيخه في بعض الأسانيد مما أوقعه في بعض الأسانيد المنقطعة في «صحيحه» منها: إسناد ابن معبد عن أبي قتادة كما بين الأئمة.

وهذا أيضا يدلك على أن عبد الله بن معبد الزماني يروي عن الصحابة بواسطة، فهو يروي مثلا عن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن مسعود؛ كما في «الصحيح» لمسلم في كتاب «التفسير» (ج4 ص2321) من طريق عن قتادة، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود، في قوله تعالى: ]أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة[ [الإسراء: 57] قال: (نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم الجنيون والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون، فنزلت: ]أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة[ [الإسراء: 57].

قلت: ومن هذا يتبين لك أن عبد الله بن معبد لم يسمع شيئا من الصحابة؛ لأنه يروي عنهم بواسطة، وإذا لم يذكر الواسطة فإنه يرسل عن الصحابة.([145])

 قال الحافظ ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج5 ص272)؛ عن عبد الله بن عتبة: (روى عنه عبد الله بن معبد الزماني). اهـ

قلت: وعلى تطبيق الأصول في الرواة، على أن الزماني لم يلق أبا قتادة، ولم يسمع منه حديث: (صوم يوم عرفة)؛ فإنه يعتبر مدلسا في الحديث، فقط أسقط الرجل المبهم؛ أي: الواسطة، ورواه مباشرة عن أبي قتادة t، وهذا هو التدليس الذي ذمه أهل الحديث في الرواة.

قلت: والتدليس علة أخرى في إسناد: (صوم يوم عرفة)، وأضف الاضطراب الذي وقع فيه هذا الرجل الذي لم يسم في الإسناد في اسم الصحابي، فمرة يقول: (عن أبي قتادة!)، ومرة يقول: (عن عمر)، ومرة يقول: (عن رجل).

قال أبو بكر البرقاني / في «سؤالاته» (ص170): (سألت الدارقطني عن حديث مجاهد عن أبي قتادة، وعن أبي الخليل؛ حديث الثوري: (في فضل صوم عرفة)؟، فقال الدارقطني: لا يصح، وهو كثير الاضطراب، مرة يقول ذا، ومرة يقول ذا، لا يثبت). اهـ

قال الحافظ السيوطي / في «تدريب الراوي» (ج1 ص135): (وذكر بعض الحفاظ أن في كتاب مسلم أحاديث مخالفة لشرط الصحيح، بعضها أبهم راويه([146])، وبعضها فيه إرسال وانقطاع!). اهـ

قلت: وكذلك الاضطراب في الألفاظ في الحديث؛ فقواعد الحديث تقتضي أن الزماني هذا وإن كان ثقة إلا أنه يدلس.

ومنه رواية: ابن جريج عن صفوان بن سليم عن أبي سعيد مولى بني عامر عن أبي هريرة t مرفوعا: (أفطر الحاجم والمحجوم).

هذا الحديث: أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص330) من طريق ابن جريج عن صفوان بن سليم به.

قلت: وابن جريج مدلس مع كونه ثقة، فهو لم يسمعه من صفوان بن سليم، بل سمعه من إبراهيم بن محمد الأسلمي، وهو متروك الحديث، فأسقطه ابن جريج ورواه بصيغة: «عن».([147])

قال أبو بكر البرقاني / في «السؤالات» (ص172): سألت الدارقطني عن حديث: ابن جريج([148]) عن صفوان بن سليم عن أبي سعيد مولى بني عامر عن أبي هريرة t؛ فقال: (لم يسمعه من صفوان بن سليم، ذكر أنه إنما سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي). اهـ

وقال الإمام النسائي / عقبه في «السنن الكبرى» (ج3 ص330): (هذا حديث منكر، وإني أحسب أن ابن جريج لم يسمعه من صفوان بن سليم).

قلت: وهذا تدليس الإسناد: بأن يروي عمن عاصره، ما لم يسمع منه موهما سماعه بأن قال: قال فلان، أو عن فلان، وربما أسقط شيخه، أو أسقط غيره، تحسينا للحديث، ويسمى هذا تدليس التسوية، وهو شر أقسامه لما فيه من الغرر الشديد، وهذا الذي وقع في إسناد حديث: «صوم يوم عرفة» تماما، كما هو ظاهر من نكارة ألفاظه، فقد أدخل في الحديث عدة أحاديث في حديث واحد.([149])

قال الدارمي / في «التاريخ» (ص243): (وسمعت يحيى بن معين، وسئل عن الرجل يلقي الرجل الضعيف من بين ثقتين، يوصل الحديث ثقة عن ثقة، ويقول: أنقص من الحديث، وأصل ثقة عن ثقة يحسن الحديث بذلك؟. فقال: لا يفعل؛ لعل الحديث عن كذاب ليس بشيء فإذا هو قد حسنه وثبته ولكن يحدث به كما روي).

ومنه؛ قول الحافظ البزار / في «المسند» (ج7 ص338) في حديث: (لكل أمة مجوس)؛ فقال: (وهذا الكلام قد روي عن حذيفة، من غير هذا الوجه، ولا نعلم أحدا وصله، وسمى الرجل الذي بين عمر بن عبد الله مولى غفرة، وبين حذيفة إلا أبو معشر، وإنما يرويه غير أبي معشر، عن عمر، عن رجل([150])، عن حذيفة t). اهـ

ومنه: قال الحافظ ابن حجر / في «التقريب» (ص611): (عبد العزيز بن جريج المكي، لين، قال العجلي: لم يسمع من عائشة رضي الله عنها، وأخطأ خصيف فصرح بسماعه). اهـ

وقال الحافظ البزار / في «المسند» (ج1 ص134) في حديث: (خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا) من رواية: الحسن، عن حطان؛ يعني: ابن عبد الله الرقاشي، عن عبادة بن الصامت t: (وهذا الحديث أسنده قتادة، عن الحسن، عن حطان، عن عبادة.

 ورواه عن قتادة غير واحد، وقد رواه غير واحد، عن الحسن، عن عبادة بن الصامت مرسلا). اهـ

وأخرجه الشافعي في «المسند» (ج2 ص77) عن عبد الوهاب، عن يونس، عن الحسن، عن عبادة بن الصامت t، وقال: وقد حدثني الثقة أن الحسن كان يدخل بينه، وبين عبادة، حطان الرقاشي، فلا أدري أدخله عبد الوهاب بينهم.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج5 ص2327)، والطبري في «جامع البيان» (ج4 ص199)، والبغوي في «شرح السنة» (ج10 ص276)، وفي «معالم التنزيل» (ج2 ص181) عن الحسن عن عبادة بن الصامت t به.

وقال الإمام الدارقطني / في «السؤالات» (ص66): (عبد الله بن الحارث، ثقة، ولم يسمع من ابن مسعود t).

وقال الإمام ابن المديني / في «علل الحديث» (ص347): (عبد الله بن الحارث، ثقة، ولم يسمع من ابن مسعود t).

قلت: ووافق الإمام ابن المديني / على عدم سماع عبد الله بن الحارث([151]) من ابن مسعود t: الإمام أبو حاتم /؛ كما في «المراسيل» لابنه (ص111).([152])

فاتفاق هؤلاء الأئمة على قولهم بثبوت السماع بين التلميذ وشيخه يقتضي حكاية إجماع الحفاظ المعتد بهم على هذا القول، وأن القول بخلاف قولهم لا يعرف عن أحد من نظرائهم، ولا عمن قبلهم ممن هو في درجتهم وحفظهم.

ويشهد لصحة ذلك حكاية اتفاق أهل الحديث على  أن الحسن البصري لم يثبت له السماع من ابن عباس رضي الله عنهما مع إدراكه له، وأنه عاصره!.([153])

قال الإمام ابن المديني / في «علل الحديث» (ص189): (الحسن البصري لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما، وما رآه قط؛ كان الحسن بالمدينة أيام كان ابن عباس بالبصرة؛ استعمله عليها علي t، وخرج إلى صفين).اهـ

وأخرج هذه الفقرة كاملة: ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص37) عن ابن البراء عن ابن المديني / به.

وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص168) عن الحاكم عن الحسن الإسفرائيني عن ابن البراء عن ابن المديني / به.

ونقله الزيلعي في «نصب الراية» (ج2 ص418) عن الحاكم به.

وعلقه: العلائي في «جامع التحصيل» (ص162)، وابن العراقي في «تحفة التحصيل» (ص83)، وابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج2 ص269) عن ابن المديني به.

قلت: وأما من وافق ابن المديني / على نفي سماع الحسن البصري من ابن عباس رضي الله عنهما؛ فهم: بهز بن أسد، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، وابن معين، والبخاري، والنسائي، والبزار([154])، وغيرهم.

قال الدارمي / في «التاريخ» (ص100) ليحيى بن معين: (الحسن لقي ابن عباس؟، قال: لا).

وقال الدوري / في «التاريخ» (ج4 ص322): (قال يحيى بن معين: لم يسمع الحسن([155]) من ابن عباس رضي الله عنهما شيئا).

وقال الحافظ الترمذي / في «العلل الكبير» (ص109)؛ برواية أبي طالب القاضي: (سألت محمدا عن حديث الحسن البصري: «وخطبنا ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إن رسول الله r فرض صدقة الفطر»، فقال: روى غير يزيد بن هارون, عن حميد, عن الحسن البصري: «خطب ابن عباس رضي الله عنهما، وكأنه رأى هذا أصح، قال الترمذي: وإنما قال البخاري هذا، لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان بالبصرة في أيام علي t، والحسن البصري في أيام عثمان، وعلي رضي الله عنهما كان بالمدينة). اهـ

وقال الحافظ ابن حزم / في «الإحكام» (ج2 ص250): (أن الحسن لم يسمع من ابن عباس أيام ولايته البصرة شيئا، ولا كان الحسن يومئذ بالبصرة، وإنما كان بالمدينة، هذا ما لا خلاف فيه بين أحد من نقلة الحديث). اهـ

ونقل الحافظ الزيلعي / في «نصب الراية» (ج2 ص418)، والحافظ ابن حجر في «الدراية» (ج1 ص281) عن الإمام النسائي قوله: (الحسن لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما).

ونقله كذلك العلامة العظيم آبادي / في «عون المعبود» (ج5 ص17) عن الحافظ المنذري /، نقلا عن الإمام النسائي /.

وقال الحافظ البيهقي / في «السنن الكبرى» (ج4 ص168): (حديث الحسن عن ابن عباس رضي الله عنهما مرسل). اهـ

وقال الإمام أحمد /: (لم يسمع الحسن من ابن عباس إنما كان ابن عباس بالبصرة واليا أيام علي رضي الله عنهما).([156])

وقال الإمام أبو حاتم الرازي / في «المراسيل» (ص37): (الحسن البصري لم يسمع من ابن عباس، وقوله: خطبنا ابن عباس؛ يعني: خطب أهل البصرة). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد الهادي الحنبلي / في «تنقيح التحقيق» (ج2 ص1475): (لكن فيه إرسال، فإن الحسن لم يسمع من ابن عباس). اهـ

ونقل الحافظ الزيلعي / في «الطهارات» من «نصب الراية» (ج1 ص90)؛ قول الحافظ البزار /: (وأما قوله: «خطبنا ابن عباس بالبصرة»، فقد أنكر عليه، لأن ابن عباس كان بالبصرة أيام الجمل، وقدم الحسن أيام صفين، فلم يدركه بالبصرة، وتأول قوله: خطبنا أي: خطب أهل البصرة). اهـ

وأنكره الإمام ابن المديني / في «علل الحديث» (ص189).

قلت: ولم أقف على أحد خالف الإمام ابن المديني، ومن معه من نفي سماع الحسن البصري من ابن عباس رضي الله عنهما.

اللهم إلا ما كان من الشيخ أحمد شاكر /، فقد ذهب في «تعليقه للمسند» إلى إثبات سماع الحسن البصري من ابن عباس رضي الله عنهما ؛ غير عابئ باتفاق أهل الصنعة على نفي سماعه منه!.

فقال الشيخ أحمد شاكر / في «تعليقه على المسند» (ج5 ص48)؛ عند الحديث رقم: (3126): (عن ابن سيرين: «أن جنازة مرت بالحسن، وابن عباس، فقام الحسن، ولم يقم ابن عباس، فقال الحسن لابن عباس: أقام لها رسول الله r؟، فقال: قام وقعد»، فقال الشيخ أحمد معلقا: قد تكلموا في سماع الحسن البصري من ابن عباس رضي الله عنهما، بل في لقائه إياه، كما أشرنا في: (2018)، ورجحنا هناك صحة حديثه، لأنه عاصره, وهذا الإسناد قاطع في ذلك، فإنه صريح في أنه لقي ابن عباس وسأله وسمع منه). اهـ

قلت: فقد أخطأ الشيخ أحمد شاكر / في ترجيحه بأن الحسن البصري سمع من ابن عباس رضي الله عنهما، وذلك فإن المعاصرة لا تستلزم اللقاء، بله السماع.

والنقاد الذين اتفقوا على نفي سماعه لم يخف عليهم أنه عاصره، بل صرحوا بذلك أثناء نفيهم لهذا السماع.

ثم إن هذا الإسناد الذي جعله قاطعا في سماع الحسن من ابن عباس رضي الله عنهما في «مسند» الإمام أحمد، وأحمد يقول بنفي السماع، ولو كان قاطعا كما ظن الشيخ أحمد شاكر لما خالفه الإمام أحمد، ولا أحد ممن نفى السماع.

وإنما لم يعتدوا به؛ لأن الحسن المذكور فيه هو: «الحسن بن علي بن أبي طالب»، وليس: بــ«الحسن البصري»، وقد جاء التصريح بذلك في «المسند» أيضا.

فأخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص200) من طريق  عفان، حدثنا يزيد يعني: ابن إبراهيم وهو التستري، حدثنا محمد بن سرين، قال: (نبئت أن جنازة مرت على الحسن بن علي، وابن عباس، رضي الله عنهم، فقام الحسن، وقعد ابن عباس، فقال الحسن لابن عباس: ألم تر إلى النبي r مرت به جنازة فقام، فقال ابن عباس: بلى، وقد جلس، فلم ينكر الحسن ما قال ابن عباس رضي الله عنهما).

قلت: وهذا صريح أنه: «الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما»، وليس بــ«الحسن البصري»، وهذا وهم من الشيخ أحمد شاكر، اللهم غفرا.

وقال الإمام النسائي / في «المجتبى» (1665): (هذا الحديث عندي مرسل، وطلحة بن يزيد لا أعلمه سمع من حذيفة شيئا، وغير العلاء بن المسيب، قال في هذا الحديث، عن طلحة، عن رجل، عن حذيفة t).

قلت: وهذا واضح في عدم السماع؛ لأنه مرسل.

وقال الإمام عبد العزيز النخشبي /: (لا نعرف سماع سلامة من علي t، والحديث مرسل).([157])

قلت: وعطاء بن أبي رباح؛ عاصر ابن عمر رضي الله عنهما، بل ولقيه، ومع معاصرته له أعرض عنه الإمام مسلم، ولم يرو له في «صحيحه» مباشرة بل بواسطة، لأنه لم يسمع منه.([158])

قال الإمام أحمد /: (عطاء بن أبي رباح؛ قد رأى ابن عمر رضي الله عنهما، ولم يسمع منه).([159])

وقال الإمام يحيى بن معين / في «التاريخ» (ج2 ص403)؛ عن رواية عطاء: (لم يسمع من ابن عمر، رآه رؤية).

والصواب: نفي السماع، وفي «الصحيح» لمسلم في كتاب: «الحج» (1255)؛ رواية عطاء بن أبي رباح عن ابن الزبير عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وكذا في «المجتبى» للنسائي في كتاب: «الصيام» (2375)؛ قال عطاء بن أبي رباح: حدثني من سمع ابن عمر رضي الله عنهما.

قلت: فالصحيح أنه لم يسمع منه.

وقال الإمام ابن المديني / في «علل الحديث» (ص328): (عطاء بن أبي رباح رأى أبا سعيد الخدري t، ولم يسمع منه).

قلت: ولم يخالف ابن المديني / أحد من الأئمة في عدم سماع عطاء بن أبي رباح من أبي سعيد الخدري t رغم أنه عاصره ورآه يطوف بالبيت، وقد أعرض الإمام مسلم عن روايته مع معاصرته له في زمن واحد!.

قلت: وحبيب بن أبي ثابت لقي ابن عباس رضي الله عنهما، ولم يسمع منه، بينه وبين ابن عباس رضي الله عنهما واسطة، وهو مدلس كذلك.

قال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج5 ص289): (حدث عن: ابن عمر، وابن عباس، وقيل: لم يسمع منهما، وحديثه عنهما في ابن ماجة).اهـ

قلت: والذي يشكك في سماعه من ابن عباس رضي الله عنهما على سبيل المثال: هو أن الإمام البخاري، والإمام مسلم بن الحجاج؛ لم يخرجا لحبيب بن أبي ثابت شيئا؛ إلا بواسطة سعيد بن جبير، أو طاووس، أو غيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما.

بل ليس في الكتب الستة المعتبرة لحبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس من دون واسطة؛ إلا موضع واحد، هو الذي أشار إليه الحافظ الذهبي؛ أنه عند ابن ماجه في «سننه» (1270)، وهو في كتاب: «إقامة الصلاة»، باب: «ما جاء في الدعاء في الاستسقاء».

وقد أخطأ الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص30)؛ عن أبي عثمان النهدي بقوله: (وهذا أبو عثمان النهدي، وأبو رافع الصائغ، وهما ممن أدرك الجاهلية، وصحبا أصحاب رسول الله r من البدريين هلم جرا، ونقلا عنهم الأخبار حتى نزلا إلى مثل: أبي هريرة، وابن عمر، وذويهما قد أسند كل واحد منهما عن أبي بن كعب، عن النبي r حديثا، ولم نسمع في رواية بعينها أنهما عاينا أبيا، أو سمعا منه شيئا). اهـ

قلت: فقد ادعى الإمام مسلم / أن أبا عثمان النهدي لم يصرح بالسماع من أبي بن كعب، وقد بين أئمة الحديث التصريح  بسماعه.([160])

قال الإمام ابن المديني / في«علل الحديث» (ص320): (أبو عثمان النهدي، وكان جاهليا؛ ثقة ... روى عن أبي موسى وعن أبي بن كعب وقال في بعض حديثه: حدثني أبي بن كعب وقد أدرك النبي r). اهـ

قلت: ويقصد أن أبا عثمان النهدي أحيانا يصرح بالسماع من أبي بن كعب رضي الله عنه.

فأخرجه أحمد في «المسند» (ج5 ص133) من طريق  علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان، حدثني أبي بن كعب، قال: قال رسول الله r: (أما إن لك ما احتسبت).

قلت: وهذا التصريح بسماع أبي عثمان النهدي من أبي بن كعب t؛ أبلغ رد على ما ادعاه الإمام مسلم / الذي قال: لم يحفظ عنهم سماع علمناه منهم في رواية بعينها، ولا أنهم لقوهم في نفس خبر بعينه!.([161])

قال الحافظ ابن رشيد / في «السنن الأبين» (ص150): (فقد نص علي بن المديني /: أنه يقول في بعض حديثه: حدثني أبي بن كعب، فمنه ما اطلعنا عليه، ومنه ما لم نطلع عليه حسبما نبين). اهـ

قلت: وتعجب الحافظ ابن حجر / في «النكت» (ج2 ص596)؛ من صنيع الإمام مسلم /؛ بقوله: (وقد قطع مسلم بأنه لم يوجد في رواية بعينها أنه لقي أبيا([162])، أو سمع منه، وأعجب من ذلك أنا وجدنا بطلان بعض ما نفاه في نفس: «صحيحه»!). اهـ

وقال الإمام ابن رشيد / في «السنن الأبين» (ص149): (أن هؤلاء الذين سميت ممن علم سماع بعضهم من بعض عند من أثبت صحة حديثهم). اهـ

قلت: فادعاء الإجماع في بعض الإسناد على قبول أحاديث التابعين الثقات السالمين من وصمة التدليس إذا عنعنوا عن الصحابة الكرام الذين  ثبتت معاصرتهم لهم، وإن لم يعلم اللقاء ولا السماع، فهذا الإجماع منقوض كما بينا.([163])

وقال الإمام البزار /: (محمد بن المنكدر لا نعلمه سمع من أبي هريرة t)، ثم قال في آخر الباب: (وقد ذكرنا أن محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة t).([164])

قلت: ألا تراه ينفي العلم بالسماع، ثم يبين أنه استفاد من ذلك الحكم بالإرسال، وعدم الاتصال.

والعلماء قد ينفون العلم بالسماع للشك في المعاصرة أصلا، بل ربما مع العلم بعدم حصول المعاصرة.

وقال الإمام البخاري /: (إبراهيم بن محمد بن طلحة قديم، ولا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل، أم لا).([165])

وقال الحافظ البزار / في «المسند» (ج7 ص99)؛ بعدما  ذكر حديث: (من صلى منكم من الليل فليجهر بقراءته)؛ برواية:  ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: (وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي r بهذا اللفظ؛ إلا من هذا الوجه ولم يسمع خالد بن معدان من معاذ وإنما ذكرناه؛ لأنا لم نحفظه عن النبي r، إلا من هذا الوجه فلذلك ذكرناه). اهـ

وقال الحافظ البزار / في «المسند» (ج7 ص99): (وعبد الرحمن بن أبي ليلى، لم يسمع من معاذ بن جبل([166])t، وقد أدرك عمر بن الخطاب t). اهـ

قلت: فلم يسمع ابن أبي ليلى من معاذ بن جبل t مات في القديم في الشام بسبب مرض الطاعون.

وكذا قال الإمام ابن المديني /، والإمام الترمذي /.([167])

وقال الإمام الدارقطني / في «العلل» (ج6 ص61)؛ عن سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من معاذ بن جبل: (فيه نظر، لأن معاذا قديم الوفاة، مات في طاعون عمواس([168])، وله نيف وثلاثون سنة). اهـ

وحديث: (اليمين الفاجرة تذهب المال)([169])؛ من رواية: أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، وأبو سلمة لم يسمع من أبيه شيئا، فالإسناد منقطع.

قال الحافظ الهيثمي / في «مجمع الزوائد» (ج4 ص179): (رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح إلا أن أبا سلمة لم يصح سماعه من أبيه!). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «مختصر الزوائد» (ج1 ص547): (وأبو سلمة لم يسمع من أبيه شيئا قاله ابن معين والبخاري!). اهـ

قلت: وسعيد بن المسيب عاصر عمر بن الخطاب t، ولم يسمع منه.

قال إسحاق بن منصور /: (قلت ليحيى بن معين يصح لسعيد بن المسيب سماع من عمر؟ قال: لا!).([170])

وقال ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص65): سمعت أبي؛ وقيل له يصح لسعيد بن المسيب سماع من عمر قال: (لا إلا رؤيته على المنبر ينعي النعمان بن مقرن!).

قلت: وعبدة بن أبي لبابة رأى عمر بن الخطاب t، ولم يسمع منه مع معاصرته إياه.([171])

وأخرج له مسلم في «صحيحه» عن عمر بن الخطاب t، وهو مرسل، لأنه لم يسمع من عمر t!، فالإسناد منقطع بين عبدة بن أبي لبابة، وبين عمر بن الخطاب t.

قال الحافظ المنذري /: (لا نعرف له سماعا من عمر t).

وكذا ذكر الحافظ المزي في «تهذيب الكمال» (ج18 ص541)؛ إن روايته عن عمر t مرسلة؛ مع رقمه عليها علامة الإمام مسلم /.

وقال الإمام البخاري / في «التاريخ الكبير» (ج1 ص32): (لا نعرف لمحمد بن أبان سماعا من عائشة رضي الله عنها).

قلت: مع كون محمد بن أبان من أتباع التابعين؛ أي مع عدم المعاصرة.([172])

وقال الإمام البخاري / في «التاريخ الكبير» (ج3 ص283)؛ وذكر حديثا لعبد الله بن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث عن الفضل بن العباس t، ثم قال: (لا يعرف سماع هؤلاء بعضهم من بعض).

وبين الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج3 ص130)؛ عدم معاصرة عبد الله بن نافع بن الحارث؛ حيث قال: (محال أن يكون عبد الله بن نافع لقي ربيعة بن الحارث).

وقال الإمام البخاري / في «التاريخ الكبير» (ج4 ص221): (شعيب بن محمد الغفاري سمع محمد بن قنفذ عن أبي هريرة عن النبي r: مرسل، ولا يعلم سماع لمحمد بن قنفذ من أبي هريرة).

وقال الإمام البخاري  / في «التاريخ الكبير» (ج10 ص110): (محمد بن أبي سارة عن الحسن بن علي t، روى عنه محمد بن عبيد الطنافسي، ولا يعرف له سماع من الحسن t).([173])

وقال الإمام البخاري / في موطن آخر في «التاريخ الكبير» (ج1 ص131): (محمد بن عبد الله بن أبي سارة المكي القرشي: سمع سالما، روى عنه ابن المبارك، وزيد بن الحباب، ويقال: محمد بن أبي سارة؛ منقطع).

قلت: أي؛ حديثه الذي نسب فيه إلى جده «منقطع»، وهو حديثه عن الحسن بن علي t الذي نفى فيه علمه بسماعه منه.

هذا مع كون محمد بن أبي سارة مجزوم بعدم سماعه من الصحابة رضي الله عنهم.

ولذلك جزم بها الإمام البخاري / في الموطن الآخر، فقال: «منقطع»، أضف إلى ذلك أنه من طبقة أتباع التابعين.

وقال الإمام البزار /: (لا نعلم لعطاء بن يسار من معاذ بن جبل t سماعا).

مع تعبير الإمام الترمذي / في «سننه» (2530)؛ بقوله:  (لم يدرك معاذ بن جبل t).

ففسر الحافظ أبو زرعة العراقي ذلك بقوله في «تحفة التحصيل» (ص353): (وما قالاه من عدم الإدراك؛ لأنه ولد سنة تسع عشرة، ومات معاذ t سنة ثماني عشرة). اهـ

وقال الإمام الدارقطني / في «العلل» (ج2 ص118)؛ عن عمارة بن غزية: (لا نعلم له سماعا من أنس t).

مع أن الإمام الدارقطني / نفسه يقول في «السؤالات» (375): (مرسل: عمارة لم يلحق أنسا t).

وأكد الإمام ابن حبان / في «الثقات» (ج7 ص260)؛ هذا المعنى عندما ذكر عمارة بن غزية في أتباع التابعين، ومع أنه ذكره أيضا في التابعين، لكنه قال في «الثقات» (ج5 ص244): (يروي عن أنس t، إن كان سمع منه).

وربما نفى أحد الأئمة العلم بالسماع، ثم هو نفسه نفى السماع، مما يدل على تساوي العبارتين.

وقال الإمام ابن أبي حاتم / في «المراسيل» (370)، و(373): (سألت أبي: عن عبد الله بن عكيم، قلت: إنه يروي عن النبي r أنه قال: (من علق شيئا وكل إليه).

فقال: ليس له سماع من النبي r، إنما كتب إليه([174]) ...، ثم قال: لا يعرف له سماع صحيح، أدرك زمان النبي r).

وقال الإمام أبو حاتم الرازي / في «المراسيل» (594): (لا أدري سمع الشعبي من سمرة أم لا؛ لأنه أدخل بينه، وبينه رجل).

قلت: فهنا يشك في السماع لوجود واسطة بين الراويين.

لكنه عاد أبو حاتم في موطن آخر في «العلل» (550)؛ فجزم، حيث قال عن الشعبي: (لم يسمع من سمرة t: روى سعيد ابن مسروق، عن الشعبي، عن سمعان ابن مشنج، عن سمرة t).

قلت: وقد نفى أحد الأئمة العلم بالسماع في رواية: وغيره من الأئمة ينفون السماع فيها، مما يدل أيضا على اتحاد معنى التعبيرين.([175])

وقال الإمام البخاري / في «التاريخ الكبير» (ج4 ص77)؛ في ترجمة سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر: (لا يعرف أنه سمع من عمار t).

قلت: مع أن الإمام ابن معين / قال: (حديثه عن جده مرسل).([176])

ولما ذكر الإمام الترمذي / في «العلل الكبير» (ج1 ص149)؛ حديث: (لا يجب الوضوء إلا على من نام مضطجعا)، سأل البخاري عنه، فقال الإمام البخاري: (هذا لا شيء ... ولا أعرف لأبي خالد الدالاني سماعا من قتادة).

قلت: فلما ذكر الإمام أبو داود / في «سننه» (202)؛ هذا الحديث؛ للإمام أحمد // أنكره بشدة، ثم قال: (ما ليزيد الدالاني يدخل في أصحاب قتادة!).

وانظر ماذا فهم الحافظ البيهقي / في «معرفة السنن» (ج1 ص364)؛ من هذين القولين، حيث قال: (فأما هذا الحديث؛ فإنه قد أنكره على أبي خالد الدالاني جميع الحفاظ، وأنكروا سماعه من قتادة: أحمد بن حنبل، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وغيرهما).

قلت: وبعد هذا كله فإن جميع هذه الأقوال إنما هي غيض من فيض من أدلة على أن نفي العلم بالسماع، إنما هو نفي للسماع.

وبذلك يلاحظ أخي القارئ أن الداعي لذلك النفي السماع هو: وجود قرائن تشهد لعدم حصول السماع: كالوسائط([177])، أو نكارة الحديث، أو الشك في المعاصرة، أو اللقاء، أو الإدراك وربما  كان مع الجزم بعدم المعاصرة، والجهالة بالراوي مما يعني الجهل بحصول معاصرة بينه، وبين من روى عنه، وبعد البلدان بين الرواة المتعاصرين، واستصغار طبقة الراوي عن الراوية عمن روى عنه.([178])

قلت: إذا كنتم أخذتم اشتراط الإمام البخاري / للعلم باللقاء والسماع واستفدتموه من إعلاله لأحاديث بعدم العلم باللقاء والسماع.

فنلزمكم أن تقولوا بأن الإمام مسلما / يشترط العلم باللقاء والسماع أيضا؛ ولم يكتف بالمعاصرة فقط؛ لأنه قد أعل أحاديث بعدم العلم باللقاء والسماع كذلك، مع وجود المعاصرة بين الراوي وشيخه.

فقد ذكر الإمام مسلم / حديثا في كتابه: «التمييز» (ص189)؛ من رواية: محمد بن علي بن عبد الله بن العباس عن جده عبد الله بن العباس رضي الله عنهما([179])، ثم تعقبه بقوله: (لا يعلم له سماع من ابن عباس، ولا أنه لقيه أو رآه).

قلت: فإن مسلما أعل الإسناد بعدم العلم بالسماع، مع احتمال وقوعه، لحصول المعاصرة.([180])

وبذلك يتضح أن مسلما نظر إلى هذه الوسائط بين الحفيد، وجده، ثم غلب على ظنه مع عدم ذكره السماع ... ولذلك ترجح عنده عدم السماع([181])، فعبر عنه، كما كان يعبر الإمام البخاري وغيره من الأئمة: بعدم علمه بالسماع([182])!.

ويشهد لوقوع المعاصرة؛ فعلا بين محمد بن علي، وجده: أن ابن حبان / في كتابه: «الثقات» (ج5 ص352)؛ ذكر محمد بن علي في طبقة التابعين، ولم يذكر له رواية عن صحابي غير جده ابن عباس رضي الله عنهما.

قلت: واستدل لوقوع المعاصرة الشيخ أحمد شاكر / في «تعليقه على مسند الإمام أحمد» (ج5 ص73 و74)؛ بطبقة الآخذين عن محمد بن علي.

قلت: فلماذا إذن توقف الإمام مسلم / عن قبول هذه الرواية مع تحقق المعاصرة، مع سلامة التدليس.

أجاب عن ذلك الإمام ابن القطان / في «بيان الوهم والإيهام» (ج2 ص558)؛ مبينا أن سبب الشك في سماع محمد بن علي من جده ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنه أدخل بينه، وبينه واسطة في بعض حديثه عنه.

قلت: إذا  فليس الأمر كذلك: بل الإمام مسلم يشترط ثبوت السماع ولو مرة واحدة مع السلامة من وصمة التدليس للراوي الثقة عن شيخه الثقة الذي عاصره والتقى به لحمل عنعنته عنه على الاتصال، كقول أئمة الحديث تماما.([183])

قال العلامة المعلمي / في «التنكيل» (ج1 ص79): (ثم إنني بحثت فوجدت تلك الستة قد ثبت فيها اللقاء، بل ثبت في بعضها السماع، بل في «صحيح مسلم» نفسه التصريح بالسماع في حديث منها، وسبحان من لا يضل ولا ينسى). اهـ

وقال الإمام مسلم / في «التمييز» (ص189): (وأما رواية جعفر عن ميمون بن مهران عن ابن عمر رضي الله عنهما، فلم يحكم حفظه؛ لأن فيه: (لأهل الطائف قرنا).

وفي رواية سالم، ونافع، وابن دينار: (ولأهل نجد قرنا)؛ وميزوا في رواياتهم؛ (لأهل اليمن)، أن ابن عمر لم يسمع ذلك من النبي r.

وفي رواية ميمون: (جعل لأهل المشرق ذات عرق)، وسالم، ونافع، وابن دينار كل واحد منهم أولى بالصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما من ميمون الذي لم يسمعه من ابن عمر رضي الله عنهما). اهـ

قلت: فإن مسلما هنا يشترط العلم باللقاء والسماع أيضا، لأنه قد أعل هذا الحديث بعدم اللقاء بالسماع، وأن ميمون بن مهران لم يسمعه من ابن عمر رضي الله عنهما.([184])

لذلك اشتد الإمام مسلم / بالإنكار على الجهلة الذين ينكرون على من يبين خطأ الرواة ورواياتهم في الحديث، وحمل عليهم أشد الحمل، وكأنه إنما تكلم على الجهلة([185]) الذين في الزمان الحاضر، اللهم غفرا.

قال الإمام مسلم / في «التمييز» (ص83): (فإنك يرحمك الله ذكرت أن قبلك قوما ينكرون قول القائل من أهل العلم إذا قال هذا حديث خطأ، وهذا حديث صحيح، وفلان يخطئ في روايته حديث كذا، والصواب ما روى فلان بخلافه، وذكرت أنهم استعظموا ذلك من قول من قاله، ونسبوه إلى اغتياب الصالحين من السلف الماضين، وحتى قالوا: أن من ادعى تمييز خطأ روايتهم من صوابها متخرص بما لا علم له به، ومدع علم غيب لا يوصل إليه.

واعلم وفقنا الله وإياك أن لولا كثرة جهلة العوام مستنكري الحق ورأية بالجهالة لما بان فضل عالم على جاهل، ولا تبين علم من جهل ولكن الجاهل ينكر العلم لتركيب الجهل فيه، وضد العلم هو الجهل، فكل ضد ناف لضده دافع له لا محالة فلا يهولنك استنكار الجهال وكثرة الرعاع([186]) لما خص به قوم وحرموه، فإن اعتداد العلم دائر إلى معدنه، والجهل واقف على أهله). اهـ

وكذلك الإمام مسلم / يقصد في «مقدمة صحيحه» الرد على بعض أقرانه، أو من دونه([187]) ممن خالف في أصول الحديث من الخصوم!.([188])

قلت: وقد صرح الإمام مسلم / أن المخالف لا وزن له في العلم، ولا اعتبار([189])، فأنى يرد في ذهن الإمام مسلم / يبعد ذلك أن ينسب ذلك القول المبتدع إلى شيخه الأجل لديه، العزيز عليه، ألا وهو الإمام البخاري /!.

قلت: فالإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص28 و29 و30) يرد على ذلك الجاهل الخامل الذكر، الذي انتحل الآثار والأحاديث، ولا يعد من أهل الحديث، ولا تؤثر مخالفته في الإجماع الذي عليه أهل الحديث في قبول الحديث المعنعن بشرط العلم بالسماع، والعلم باللقاء، والسلامة من وصمة التدليس.

وذلك من رد العنعنة مطلقا([190])، وهو ذلك المتأخر من الفقهاء، فأراد مسلم أن يقول لهذا الفقيه المتأخر: إن قولك يرد العنعنة مطلقا قول لم يسبقك إليه أحد من أهل العلم.

قال الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص28 و29): (وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح([191]) الأسانيد وتسقيمها بقول لو ضربنا عن حكايته، وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا، ومذهبا صحيحا، إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته، وإخمال ذكر قائله.([192])

وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه، غير أنا لما تخوفنا من شرور العواقب، واغترار الجهلة بمحدثات الأمور، وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين، والأقوال الساقطة عند العلماء، رأينا الكشف عن فساد قوله([193])، ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد، أجدى على الأنام، وأحمد للعاقبة إن شاء الله). اهـ

وقال الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص29): (وهذا القول يرحمك الله في الطعن في الأسانيد قول مخترع، مستحدث([194]) غير مسبوق صاحبه إليه، ولا مساعد له من أهل العلم عليه). اهـ

وقال الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص35): (وكان هذا القول الذي أحدثه القائل الذي حكيناه في توهين الحديث([195])، بالعلة التي وصف أقل من أن يعرج عليه، ويثار ذكره، إذ كان قولا محدثا وكلاما خلفا، لم يقله أحد من أهل العلم سلف، ويستنكره من بعدهم خلف.

فلا حاجة بنا في رده بأكثر مما شرحنا، إذ كان قدر المقالة وقائلها القدر الذي وصفناه، والله المستعان على دفع ما خالف مذهب العلماء وعليه التكلان). اهـ

قال الإمام ابن رشيد / في «السنن الأبين» (ص149): (الذي اشتد فيه بالإنكار على قائله، وحمل عليه أشد الحمل ... وكأنه إنما تكلم مع بعض أقرانه، أو من دونه ممن قال بذلك المذهب). اهـ

وقال الإمام ابن الصلاح / في «علوم الحديث» (ص37): (وأنكر مسلم بن الحجاج في «خطبة صحيحه» على بعض أهل عصره). اهـ

يقول الإمام مسلم /: (وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا)؛ فيبعد أن يكون ابن المديني /: من منتحلي هذا العلم، وكذا البخاري /: فهو شيخ مسلم والآخر شيخ شيخه.

وقد شهد مسلم بأن البخاري: أستاذ الأستاذين، وطبيب الحديث في علله، وقد شهد البخاري: بأنه ما استصغر نفسه عند أحد إلا عند ابن المديني.

قلت: والإمام مسلم / لا يرد على واحد من منتحلي الحديث؛ بل يرد على عدد من منتحلي الحديث من أهل عصره؛ فمنهم: من يرى الأسانيد الضعيفة على أنها أسانيد صحيحة!، ومنهم: من يرى بين الراوي وشيخه المعاصرة المطلقة؛ أي: بين المتعاصرين، ومنهم: من يرى ثبوت السماع في كل إسناد بين الراوي وشيخه حتى تثبت صحة الحديث على سبيل الإطلاق.([196])

قال الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص28)؛ بعدما ذكر جرح الأئمة في الرجال الضعفاء، والأسانيد الضعيفة: (وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمي رواة الحديث، وإخبارهم عن معايبهم كثير، يطول الكتاب بذكره على استقصائه، وفيما ذكرنا كفاية؛ لمن تفهم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا.

وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث، وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل، أو تحريم، أو أمر، أو نهي، أو ترغيب، أو ترهيب، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه، ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته كان آثما بفعله ذلك، غاشا لعوام المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها، أو يستعمل بعضها، ولعلها، أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع.

ولا أحسب كثيرا ممن يعرج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف، والأسانيد المجهولة، ويعتد بروايتها بعد معرفته بما فيها من التوهن والضعف، إلا أن الذي يحمله على روايتها والاعتداد بها إرادة التكثر بذلك عند العوام([197])، ولأن يقال: ما أكثر ما جمع فلان من الحديث، وألف من العدد.

ومن ذهب في العلم هذا المذهب، وسلك هذا الطريق فلا نصيب له فيه، وكان بأن يسمى جاهلا أولى من أن ينسب إلى علم.

وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول لو ضربنا عن حكايته، وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا، ومذهبا صحيحا.

إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته، وإخمال ذكر قائله، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه، غير أنا لما تخوفنا من شرور العواقب، واغترار الجهلة بمحدثات الأمور، وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين، والأقوال الساقطة عند العلماء، رأينا الكشف عن فساد قوله ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد، أجدى على الأنام، وأحمد للعاقبة إن شاء الله.

وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله، والإخبار عن سوء رويته، أن كل إسناد لحديث فيه فلان عن فلان، وقد احاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد، وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به غير أنه لا نعلم له منه سماعا، ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط، أو تشافها بحديث، أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدا، أو تشافها بالحديث بينهما، أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما وتلاقيهما مرة من دهرهما فما فوقها، فإن لم يكن عنده علم ذلك، ولم تأت رواية تخبر أن هذا الراوي عن صاحبه قد لقيه مرة، وسمع منه شيئا؛ لم يكن في نقله الخبر عمن روى عنه ذلك، والأمر كما وصفنا حجة، وكان الخبر عنده موقوفا حتى يرد عليه سماعه منه لشيء من الحديث، قل أو كثر في رواية مثل ما ورد).([198]) اهـ

ويوضح ذلك الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص32): (وما علمنا أحدا من أئمة السلف ممن يستعمل الأخبار، ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها، مثل أيوب السختياني، وابن عون، ومالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ومن بعدهم من أهل الحديث، فتشوا عن موضع السماع في الأسانيد([199])، كما ادعاه الذي وصفنا قوله من قبل). اهـ

ثم يبين الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ص31)؛ أن الراوي إذا سمع أحيانا من شيخه يكفي في إثبات السماع، وإن عنعن في باقي الأسانيد([200])، ولا يعتبر مرسلا في الجملة: (وإن كان قد عرف في الجملة أن كل واحد منهم قد سمع من صاحبه سماعا كثيرا، فجائز لكل واحد منهم أن ينزل في بعض الرواية، فيسمع من غيره عنه بعض أحاديثه، ثم يرسله([201]) عنه أحيانا، ولا يسمي من سمع منه، وينشط أحيانا فيسمي الرجل الذي حمل عنه الحديث ويترك الإرسال، وما قلنا من هذا موجود في الحديث مستفيض، من فعل ثقات المحدثين وأئمة أهل العلم). اهـ

وقال الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص28 و29): (وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا([202]) في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول لو ضربنا عن حكايته، وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا، ومذهبا صحيحا). هـ

ثم نقل الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص29)؛ الإجماع المتضمن إطباق أئمة الحديث على اشتراط الوقوف على نص صريح على السماع بين كل متعاصرين؛ بقوله: (وهذا القول يرحمك الله في الطعن في الأسانيد قول مخترع، مستحدث غير مسبوق صاحبه إليه، ولا مساعد له من أهل العلم عليه.

وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا، أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه([203])، لكونهما جميعا كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام؛ فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة.

إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئا([204])، فأما والأمر مبهم([205]) على الإمكان الذي فسرنا، فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا). اهـ

وكذلك يقول الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص30)؛ عن شرط المدعي: (فلما رأيتهم استجازوا رواية الحديث بينهم هكذا على الإرسال([206]) من غير سماع، والمرسل من الروايات في أصل قولنا، وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة احتجت لما وصفت من العلة إلى البحث([207]) عن سماع راوي كل خبر عن راويه). اهـ

وقال الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص33): (وهي في زعم من حكينا قوله من قبل واهية([208]) مهملة، حتى يصيب سماع الراوي عمن روى). يعني: مطلقا غير مقيد.

قلت: فلا يلزم من إثبات الحديث الصحيح؛ أن ترى فيه سماع الراوي عن شيخه من أول سنده إلى آخره في جميع الأحاديث.([209])

وقال الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص32): (لما بينا من قبل عن الأئمة الذين نقلوا الأخبار؛ أنهم كانت لهم تارات يرسلون فيها الحديث إرسالا، ولا يذكرون من سمعوه منه، وتارات ينشطون فيها، فيسندون الخبر على هيئة ما سمعوا([210])). اهـ

قلت: وهذا البينات من الإمام مسلم / تدل على موافقته لأئمة الحديث في شرط اللقاء والسماع، وأنه ليس من شرطه المعاصرة مطلقا في الحديث المعنعن بين المتعاصرين مع سلامة رواته من التدليس.

والإجماع الذي نقله الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص29)؛ على أن الحديث المعنعن بين المتعاصرين مقبول مع سلامة رواته من التدليس، وإمكان العلم باللقاء الذي هو معنى العلم بالسماع.

فإذا أطلق اللقاء فيعنون به اللقاء والسماع، وهذا الإجماع الذي نقله الإمام مسلم / والذي يقصده([211]) هو إجماع أئمة الحديث؛ كابن المديني، والبخاري، وغيرهما.

قلت: ولقد سمى الإمام مسلم / جمعا من أئمة الحديث بأسمائهم ممن رأى أنهم يوافقونه في رأيه، وهؤلاء الأئمة كلهم يرون أن الحديث المعنعن بين المتعاصرين مقبول إذا ثبت العلم باللقاء، والعلم بالسماع.([212])

وأنهم بقية الأئمة الذين لا يعرف فيهم إلا الموافقة لهذا الشرط حتى نقل الإجماع على رأيه لموافقته لإجماعهم.

ويدل على ذلك قوة عبارت الإمام مسلم / في نقل الإجماع، وثقته بذلك كل الثقة، واعتداده به غاية الاعتداد، مما لا يمكن معه أن يكون نقله لهذا الإجماع فلتة من غير بصيرة.

قلت: ولو ذهبت أفصل دلالة الإجماع الذي نقله الإمام مسلم / في قصد موافقته لإجماع الأئمة، ونقض بذلك القول الذي يزعم أن الإمام مسلما قصد أحد أئمة الحديث؛ كالبخاري، وابن المديني، وغيرهما، لطال  بي الحديث إلى حد بعيد.

أقصد من هذا أن هذه الأوصاف التي تكلم بها الإمام مسلم لا تناسب أحدا من علماء الحديث، ولا يصح عقلا أن نتصور أن مسلما وصف واحدا منهم بها.([213])

فالذي أريد أن استفهم عنه: هل البخاري، وعلي بن المديني، أو أحدهما: جاهل خامل الذكر، لا وزن له في العلم، وأحقر من أن يرد عليه!، فلا يتصور أن يقع من الإمام مسلم ذلك.

قلت: فهل تصغي لهذه الأدلة الأسماع ... وهل تعي الألباب هذه البراهين أن مسلما لم يقصد بشنه الحرب الشعواء على أئمة الحديث، بل يقصد أهل عصره من بعض منتحلي الحديث، لأن المسألة التي شن مسلم لها تلك الحرب، وناضل فيها، وصاول من أمهات مسائل علوم الحديث التي يعرفها أئمة الحديث: كابن المديني، والبخاري وغيرهما.([214])

وذكر الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (ج3 ص201)؛ حديثا لأبي صالح مولى أم هانئ عن ابن عباس رضي الله عنهما، ثم قال: (وقال مسلم في كتابه: «التفصيل»: هذا الحديث ليس بثابت، وأبو صالح باذام قد اتقى الناس حديثه، ولا يثبت له سماع من ابن عباس). اهـ

قلت: مع أن أبا صالح هذا قديم، وقد أدرك من هو أقدم من ابن عباس رضي الله عنهما، فقد ذكروا له رواية عن علي بن أبي طالب t، وهو مولى أخته أم هانئ؛ فاختة بنت أبي طالب رضي الله عنهما، وروى عنها أيضا، وروى عن أبي هريرة t.([215])

وقد ذكره الإمام ابن سعد / في «الطبقات الكبرى» (ج5 ص178)؛ في الطبقة الثانية من التابعين من أهل المدينة.

قلت: وتذكر بعد ثبوت المعاصرة؛ أن مسلما / لم يحكم بالاتصال، ليتأكد لديك أن مسلما / كان يراعي القرائن الدالة على اللقاء والسماع بين التلميذ وشيخه، وأنه لم يكن يكتفي بمطلق المعاصرة([216])، كما يدعي المقلدة([217]) في علم الحديث، اللهم غفرا.

ونذكر قصة صحيحة أن مسلما / دخل على البخاري /، فقال له مسلم /: (دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله!).

ثم ذكر بمحضرها حديث: «كفارة المجلس» من رواية  موسى بن عقبة, عن سهيل, عن أبيه, عن أبي هريرة t.

فقال مسلم: للبخاري؛ (في الدنيا أحسن من هذا تعرف بهذا الإسناد حديثا غير هذا!)، فقال البخاري: (لا، إلا أنه معلول)، فقال مسلم: (لا إله إلا الله، وارتعد، أخبرني به؟، فقال: استر ما ستر الله، فألح عليه وقبل رأسه وكاد أن يبكي)، فقال: (اكتب إن كان ولا بد، وأملى عليه رواية: وهيب عن سهيل بن أبي صالح عن عون بن عبد الله بن عقبة سماعا من سهيل، وحديث وهيب أولى)، فقال مسلم: (لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك).([218]) باختصار.

قلت: فهذا إعلال من الإمام البخاري / للإسناد بعدم العلم بالسماع، ويرضى به الإمام مسلم / وأقره، بل يكاد يطير فرحا به.

أما قرينة الإعلال بذلك؛ فقد ذكرها الإمام البخاري، وهي رواية وهيب عن سهيل عن عون بن عبد الله بن عتبة من قوله.

إذ لو كان الحديث عند سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة t مرفوعا، لما رواه عند غير أبيه مقطوعا، ولما خالف وهيب الجادة في حديث سهيل، وهي روايته عن أبيه عن أبي هريرة t ([219])

قال الحافظ البخاري / في «التاريخ الأوسط» (ج2 ص33): حدثنا موسى عن وهيب قال: حدثنا سهيل عن عون بن عبد الله بن عتبة قوله، وهذا أولى ولم يذكر موسى بن عقبة سماعا من سهيل).

وقال الحافظ ابن رشيد / في «السنن الأبين» (ووقع أيضا هنا خلاف آخر من حيث جعله هنا موقوفا على عون، وجعله فيما قدمناه مرسلا، فهذه زيادة علة في الحديث، ولعل البخاري رواه من طريق وهيب تارة عن سهيل عن عون موقوفا، وأخرى عن موسى بن عقبة عن عون مرسلا، ورواية وهيب عن موسى بن عقبة معروفة في الجملة). اهـ

وهنا نرجع إلى الفائدة: وهي التأكيد على أن مسلما لم يكن يكتفي بمطلق المعاصرة، وأنه كان مراعيا لقرائن اللقاء([220])؛ كغيره من أئمة الجرح والتعديل.([221])

والواقع أن الإمام البخاري / قد أعل حديث كفارة المجلس بعدم العلم بالسماع، ووافقه الإمام مسلم / على ذلك كل الموافقة!.

قلت: وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل التعالم في هذا الزمان، أنه يبعد أن الإمام البخاري يضعف سند: «صوم يوم عرفة»، وعلى فرض ذلك بزعمه أن الإمام مسلما أصاب في شرطه الذي ذكره في «مقدمة صحيحه» الذي خالف الإمام البخاري.([222])

وهذا يؤكد جهله في الحديث وعلله، وأن الإمام البخاري أعلم من الإمام مسلم في الحديث وعلله، وأن شرط الإمام البخاري([223]) هو الصحيح، وعليه أئمة الحديث.

وقد شهد الإمام مسلم بأن الإمام البخاري أستاذ الأستاذين، وطبيب الحديث في علله.

وأن الإمام مسلما عمل كتابه على كتاب الإمام البخاري وقلده في كثير من أصوله.

قال الكرابيسي: (رحم الله الإمام محمد بن إسماعيل، فإنه الذي ألف الأصول، وبين للناس، وكل من عمل بعده فإنما أخذ من كتابه: كمسلم بن الحجاج، فرق كتابه في كتبه، وتجلد فيه حق الجلادة، حيث لم ينسبه إلى قائله).([224])

وقد نص الحافظ ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج15 ص372)؛ في ترجمة: حيان بن وبرة المري على ذلك بقوله: (ومسلم يتبع البخاري في أكثر ما يقول). اهـ

قلت: والذي يطالع في كتاب: «الكنى» للإمام مسلم يجد فيه نفس الإمام البخاري.([225])

وقد جرى ذكر: «الصحيحين» عند الإمام الدارقطني فقال: (لولا البخاري لما ذهب مسلم ولا جاء).

وقال الإمام الدارقطني أيضا: (وأي شيء صنع مسلم؟! إنما أخذ كتاب البخاري؛ فعمل عليه مستخرجا، وزاد فيه زيادات).([226])

ولهذا قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص11): (وهذا الذي حكيناه عن الدارقطني جزم به أبو العباس القرطبي / في أول كتابه: «المفهم في شرح صحيح مسلم»، والكلام في نقل كلام الأئمة في تفصيله كثير، ويكفي منه اتفاقهم على أنه كان أعلم بهذا الفن من مسلم، وأن مسلما كان يشهد له بالتقدم في ذلك والإمامة فيه، والتفرد بمعرفة ذلك في عصره). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص11): (وأما من حيث التفصيل فقد قررنا أن مدار الحديث الصحيح على الاتصال، وإتقان الرجال، وعدم العلل، وعند التأمل يظهر أن كتاب البخاري أتقن رجالا وأشد اتصالا). اهـ

ولهذا قال الحافظ الخطيب في «تاريخ بغداد» (ج13 ص102): (إنما قفا مسلم طريق البخاري، ونظر في علمه، وحذا حذوه). اهـ

قلت: وهذا مما يؤكد أن أهل الحديث يعلمون أن الإمام البخاري / أعلم من الإمام مسلم / في الحديث وعلله، فيجب تقديمه في نقد سند: «صوم يوم عرفة» وتضعيفه للحديث، وأن الإمام مسلما / أخطأ في تصحيحه لحديث: «صوم يوم عرفة»، وهو ضعيف.

قلت: وقد شهد الإمام مسلم بأن الإمام البخاري أستاذ الأستاذين في معرفة الحديث وعلله.([227])

وهذا القسم من أهل التعالم([228]): قلدوا مسلما / تقليدا محضا في أنه يشترط التعاصر فقط، وبناء على ذلك ارتكزوا في أخطاء كثيرة في تصحيح الأحاديث سواء كانت في «الصحيح»، أو خارج «الصحيح».([229])

قلت: ولما ذكر الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص35)؛ أنه يكفي في بعض الأسانيد أن يثبت كونهما في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها، فأنكر عليه الإمام ابن صلاح / في «علوم الحديث» (ص38)؛ بقوله: (وفيما قاله مسلم نظر، وقد قيل: إن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم: علي بن المديني، والبخاري، وغيرهما). اهـ

قلت: وقد وقع في «صحيح مسلم» أسانيد كثيرة الوقوف على تصريح للرواة بالسماع من بعض، وهذا فيه ثبوت نسبة اشتراط العلم باللقاء، واشتراط العلم بالسماع إلى الإمام مسلم في «صحيحه».

بل الإمام البخاري / أحد من صحح لأسانيد كثيرة ذكرها الإمام مسلم في «صحيحه»، وفي غير «صحيحه»، من رواية: عبد الله بن يزيد عن أبي مسعود t: (55)، ورواية: قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود t: (3302)، و(1041)، ورواية: عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس بن مالك t: (5381)، ورواية: نافع بن جبير بن مطعم عن أبي شريح الخزاعي t: (6019)، ورواية: النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري t: (2840)، و(6553)، ورواية: سليمان بن يسار عن رافع بن خديج t: (2346).

قلت: فالبخاري يصحح هذه الأسانيد الستة كلها، ووافقه مسلم على ذلك في «صحيحه» مما يدل أن مسلما على شرط البخاري، وشرط اللقاء والسماع، وهو الشرط المقبول في «الصحيح».([230])

قال الإمام ابن رجب / في «شرح علل الترمذي» (ج2 ص588)؛ قال الحاكم: قرأت بخط محمد بن يحيى: سألت أبا الوليد الطيالسي: أكان شعبة يفرق بين «أخبرني»، و«عن»؟، فقال: أدركت العلماء وهم لا يفرقون بينهما). اهـ

قلت: فهذا يحمل على السماع واللقاء، وعدم التدليس، كما ذكروا في كتبهم.

قال الحافظ ابن رجب /: (ويمكن حمله على من ثبت لقيه([231]) أيضا).

قال أبو عبد الرحمن الأثري: ويحمل كذلك على السماع.

قلت: إذا فلا فرق بين: «أخبرني»، و«عن» إذا ثبت السماع عن كل شيخ من شيوخ ذلك الراوي، حتى في بعض الطرق، لأن ممكن من الراوي لم يصرح بالسماع في طريق لكنه يصرح في طريق آخر في موضع آخر، لأن: «عن» لا تدل بالسماع في كل راو، بل تدل  بالسماع في موضع بسبب تصريح في موضع آخر، وهذا يدل على حصول اللقاء بينهما([232])، كما هو صنيع الإمام البخاري في «صحيحه» وغيره.

قال الحافظ الحاكم / في «معرفة علوم الحديث» (ص34): (معرفة الأحاديث المعنعنة، وليس فيها تدليس، وهي متصلة بإجماع أئمة أهل النقل([233])، على تورع رواتها، عن أنواع التدليس). اهـ

قلت: ويصرح أبو الحسن القابسي وأنه يدل بظاهره تفسير الإدراك، أن الإدراك البين يكون بالمعاصرة البينة، واللقاء البين.

حيث قال الإمام القابسي / في «تلخيصه» (ص37 و38): (البين الاتصال: ما قال فيه ناقلوه: «حدثنا»، أو «أخبرنا»، أو «أنبأنا»، أو «سمعنا» منه قراءة عليه؛ فهذا اتصال لا إشكال فيه.

وكذلك ما قالوا فيه: «عن»، «عن»؛ فهو أيضا من المتصل، إذا عرف أن ناقله أدرك المنقول عنه إدراكا بينا، ولم يكن ممن عرف بالتدليس). اهـ

وأكد الإمام القابسي / مقصوده في «تلخيصه» (ص39)؛ عندما مثل للحديث المتصل بقوله: (وكذا قول: «عروة» كذلك كان «بشير بن أبي مسعود»، يحدث عن أبيه، لاستيقان إدراك «عروة» من هو أكبر من «بشير» على أن في حديث غير «مالك» بيان اتصال ذلك). اهـ

وقال الإمام القابسي / في «تلخيصه» (ص38): (فأما من لا يعرف أنه أدرك من يحدث عنه فذاك لا يتحمل اتصاله؛ كقول عبد الله الصنابحي إن رسول الله r ... فلم يعرف حذاق المحدثين لعبد الله هذا صحبة، فوقف بعضهم، وأطلق آخرون النكير). اهـ

وقال الحافظ الحاكم / في «المستدرك» (ج2 ص461)؛ عقب حديث: لثابت البناني: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، إذ لا يبعد سماع ثابت من عبد الله بن مغفل، وقد اتفقا على إخراج حديث معاوية بن قرة على حديث حميد بن هلال عنه، وثابت أسن منهما جميعا). اهـ

قلت: فأثبت الحاكم / السماع بالمعاصرة واللقاء، ولم يكتف بالسماع بالمعاصرة فقط كما ظن البعض.

فالإدراك البين يكون بالمعاصرة واللقاء، لاحتمال السماع عند الحاكم، فافطن لهذا.

وذكر الحافظ البيهقي / في «معرفة السنن» (ج14 ص287)؛ كلاما للطحاوي أعل به حديثا بعدم العلم بالسماع:

فأجاب البيهقي / بقوله: (والذي يقتضيه مذهب أهل الحفظ والفقه في قبول الأخبار: أنه متى ما كان قيس بن سعد ثقة، والراوي عنه ثقة، ثم يروي عن شيخ يحتمله سنه ولقيه، وكان غير معروف بالتدليس كان ذلك مقبولا.

وقيس بن سعد مكي، وعمرو بن دينار مكي، وقد روى قيس، عن من، هو أكبر سنا، وأقدم موتا من عمرو بن أبي رباح، ومجاهد بن جبر ... إلى أن قال: فمن أين جاء إنكار رواية قيس عن عمرو). اهـ

قلت: والشاهد قوله: (ثم يروي عن شيخ يحتمله سنه ولقيه)؛ وهذا يدل على اشتراط العلم باللقاء، وهو الإدراك البين الذي يكون بالمعاصرة البينة([234])، والغالب بذلك يقترن معه السماع البين، سواء بــ«أخبرنا»، أو بــ«عن»، وإلا فهو مرسل،  كما يصف البيهقي أحيانا حديث التابعي عن الصحابي بأنه مرسل، فافهم لهذا ترشد.

قال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج1 ص12 و14): (ومن الدليل على أن: «عن» محمولة عند أهل العلم بالحديث على الاتصال حتى يتبين الانقطاع فيها([235])، ما حكاه أبو بكر الأثرم عن أحمد ابن حنبل فذكر رواية: أبدل فيها الوليد بن مسلم عبادة: «حدثت» بـ«عن».

ثم قال ابن عبد البر: ألا ترى أن أحمد بن حنبل / عاب على الوليد بن مسلم قوله: «عن» في المنقطع، ليدخله في الاتصال، فهذا بيان أن: «عن» ظاهرها الاتصال حتى يثبت فيها غير ذلك، ومثل هذا عن العلماء كثير). اهـ

قلت: فنقل الحافظ ابن عبد البر / اشتراط العلم باللقاء؛ وهو الإدراك البين بدليل لذكره في شروط قبول الحديث المعنعن من اللقاء، والمجالسة، والمشاهدة، بل والسماع!.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

––



([1]) نقله عنه ابن أبي يعلى الحنبلي في «طبقات الحنابلة» (ج2 ص554).

     قلت: وهذا يدل على أن حديث صوم يوم عرفة، لم يكن معروفا عند الإمام يحيى بن معين /، بل هو ضعيف عنده، كما هو واضح من إفطاره في يوم عرفة، والله المستعان.

([2]) قلت: وقد وافقه أئمة الحديث، كالإمام البخاري /في عدم سنية صوم يوم عرفة، اللهم غفرا.

([3]) قلت: رحم الله شيخنا، لقد خفيت عليه هذه القاعدة النافعة في قوله: «بصوم يوم عرفة»، وهو حديث ضعيف على هذه القاعدة، لأن فيه يكفر: (السنة الباقية، المتأخرة)، بمثل لفظ: (وما تأخر)، والله المستعان.

([4]) قلت: ونقل كلام السابقين هذا؛ مثل: نقل أهل العلم كلام السابقين عنهم؛ كـ«الصحابة» الكرام، وغيرهم، والنقل هذا يصح في الشريعة، فافهم لهذا.

([5]) وانظر: «زاد المعاد» لابن القيم (ج5 ص221).

([6]) قلت: ولا يبادر أحدكم يجده في نفسه بمجرد سماعه من «شيخ»، أو لمجرد قراءته من «كتاب»، أو نحو ذلك، فهذا ليس طريق العلم، بل هذا طريق المقلد للمذاهب الفقهية، بل عليه بالمطالعة في الآراء، والنظر في الأدلة، ثم الحكم بالراجح في الدين.

     قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «رسالة الحجاب» (ص34): (وليحذر الكاتب، والمؤلف من التقصير في طلب الأدلة، وتمحيصها، والتسرع إلى القول بغير علم!). اهـ

([7]) انظر: «شرح أصول الإيمان» (ص410).

([8]) انظر: «شرح كشف الشبهات» (ص64 و65).

([9]) والطيب لابد أن يتركهم في يوم من الأيام.

([10]) قلت: والواقع الذي نعيشه اليوم، قد اندفع فيه المقلدة في الفقه دون بحث دقيق فيما هم قائلون، أو نظر عميق فيما هم فاعلون، والله المستعان.

([11]) انظر: «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص777).

([12]) ومن هنا يظهر للمسلم الحق مدى الفرق الشاسع بين أهل العلم، وبين أهل الجهل؛ لأنهم أبعد ما يكونوا عن تفقه هذا العلم الثاقب، وعن معرفة أصوله. اللهم غفرا.

      انظر: «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص257).

([13]) ولا ينظر إلى شهرة الأحاديث والأحكام؛ كـ (صوم يوم عرفة)؛ بين المسلمين بدون نظر في هذه الأحاديث هل هي صحيحة، أو غير صحيحة، وإن صدرت من العلماء رحمهم الله تعالى، لأن هم بشر، ومن طبيعة البشر يخطئون ويصيبون، فافهم هذا ترشد.

     قال العلامة الشوكاني / في «نيل الأوطار» (ج1 ص15): (ما وقع التصريح ـ يعني: عن الحديث بصحته أو حسنه جاز العمل به، وما وقع التصريح بضعفه لم يجز العمل به، وما أطلقوه ولم يتكلموا عليه، ولا تكلم عليه غيرهم؛ لم يجز العمل به إلا بعد البحث عن حاله إن كان الباحث أهلا لذلك). اهـ 

([14]) وهؤلاء المقلدة المتعصبة أكثرهم مقلدون لا يعرفون من الحديث إلا على أقله، ولا يكادون يميزون بين صحيحه من سقيمه، ولا يعرفون جيده من رديئه، ولا يعبئون بما يبلغهم منه أن يحتجوا به، والله المستعان.

     قلت: وعلى هذا عادة أهل التقليد في كل زمان ومكان، ليس لهم إلا أراء الرجال أصابوا أم أخطئوا، إلا أن عذر العالم ليس عذرا لغيره إن تبين، أو بين له الحق، وقد وردت أقوال العلماء تؤكد هذا الشيء، وتبين موقفهم من تقليدهم ، وأنهم تبرءوا من ذلك جملة، وهذا من كمال علمهم، وتقواهم حيث أشاروا بذلك إلى أنهم لم يحيطوا بالسنة كلها.

     انظر: «هداية السلطان» للمعصومي (ص19)، وكتابي «الجوهر الفريد في نهي الأئمة الأربعة عن التقليد». والله ولي التوفيق. 

([15]) انظر: «شرح العبودية» له (ص252).

([16]) أي: ذلك العالم المميز بين الصحيح، والضعيف.

([17]) نقله العلامة علي القاري في «المرقاة شرح المشكاة» (ج1 ص21).

([18]) فلا ينبغي للمسلم أن ينقل منها حديثا إلا بعد المراجعة، والتنقيب، بل بعضها يغلب فيه ذكر الأحاديث الموضوعة.

       قلت: فالحديث الذي لا يصح، لا يصح الالتفات إليه، ولا الاستشهاد به في الفضائل وغير ذلك.

       والمؤمن لا يتصور منه هذا الأمر، فيكذب على رسول الله r المبلغ عن الله تعالى، ثم يزعم ذلك: نصرة منه للشريعة المطهرة، وتأييدا لصاحبها.

([19]) قلت: لأن مؤلفيها انصرفوا عن الاشتغال بعلم الحديث، فيوردون فيها أثناء كلامهم أحاديث بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، وبعضها منكر، أو موضوع.

([20]) والبعض! لا يتحاشى عن النقل من كل كتاب، وعن كل من هب ودب!.

     وهذا القصور في البحث عن تخريج الأحاديث، ففيها ما فيها مما لا يليق بمثلهم، ولا يصح أن يقولوا صححه فلان تقليدا له بدون تثبت، والله المستعان.

([21]) ولا يلام ولا يؤاخذ من أظهر السنن بالبيان، والإيضاح، وأعطاها ما تستحقه من العناية.

    والعبد إذا لم يعلم أسند العلم إلى أهله، أو يقول لا أدري... وهذا الأمر يغالط به أصحاب المراء فينزلوا فيه بلا علم فيهيج بذلك الشر والفتنة، لأنهم يعلمون في دين الله بدون دراسة متأنية.

([22]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص597).

([23]) فهذه هي طريقة أهل الحديث، وهم أعلم الناس بعلمهم، فإليهم يكون المرجع عند التنازع.

([24]) وانظر: «البرق اليمني في نقد مرويات أويس القرني» للحميدي (ص9).

([25]) انظر: «ردع الجاني المتعدي على الألباني» لابن عوض الله (ص94 114).

([26]) ومن يخدم السنة بهذه الطريقة العلمية لا يكون متعديا، ولا مشوشا عليها، بل هذا عين العدل، والإنصاف، والتحقيق العلمي.

     وانظر: «الضعيفة» للشيخ الألباني (ج3 ص465).

([27]) بل نجد هذا العلم استنكره أهل التحزب، فالله المستعان.

([28]) ومن هذه الثروة العلمية، وجوانبها جانب العناية بعلل الحديث وبيانها، فإن لعلم علل الحديث دورا كبيرا ودقيقا في حفظ السنة النبوية، والله المستعان.

([29]) انظر: «جهود المحدثين في بيان علل الحديث» للصياح (ص6).

([30]) والأحاديث التي وردت في صوم يوم عاشوراء ثابتة، وأما الأجر الذي ذكر: (يكفر السنة الماضية)؛ لم يثبت لضعف الحديث فتنبه.

([31]) ولا يلزم من ذلك صحة الإسناد؛ كما هو معلوم في مصطلح علم الحديث.

     انظر: «صحيح الترغيب والترهيب» للشيخ الألباني (ص29).

([32]) انظر: «التهذيب» لابن حجر (ج6 ص36) و«التاريخ الأوسط» للبخاري (ج1 ص411).

([33]) انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج12 ص205)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج34 ص196).

([34]) انظر: «التاريخ الأوسط» للبخاري (ج1 ص131).

([35]) انظر: «السير» للذهبي (ج4 ص207).

([36]) انظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج5 ص174).

([37]) وانظر: «النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص595).

([38]) وانظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (ج1 ص250)، و(ج3 ص284)، و(ج5 ص88 و97 و192)، و«جزء القراءة» له (ص12 و14).

([39]) وانظر: «التاريخ الأوسط» له (ج1 ص411).

([40]) وانظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (ج2 ص283)، و(ج3 ص450)، و(ج4 ص114)، و«العلل الكبير» للترمذي (ج2 ص965).

([41]) وانظر: «تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل» للعراقي (ص75)، و«المراسيل» لابن أبي حاتم (ص94)، و«الثقات» لابن حبان (ج5 ص45)، و«بيان المتصل والمرسل» للداني (ص128 و159)، و«السنن الأبين» لابن رشيد (45 و49 و52)، و«نقد الحافظ الذهبي لبيان الوهم والإيهام» (ص83 و84)، و«النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص595)، و«هدي الساري» له (ص15) .

([42]) أي: قول الإمام البخاري: لا يعرف سماعه من أبي قتادة!.

([43]) فيرى الحافظ البوصيري أن رواية: ابن معبد منقطعة.

([44]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج16 ص168)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج5 ص272)، و«رجال صحيح مسلم» لابن منجويه (ج1 ص391).

([45]) وهذا يدل على أن عبد الله بن معبد يروي عن الصحابة بواسطة.

([46]) قلت: فهل يقال بعد ذلك لم يعله أحد من العلماء: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5]؛ بل: ]إن هذا لشيء يراد[ [ص: 6].

([47]) وانظر: «النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج1 ص234)، و«نزهة النظر» له (ص29)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ص18)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص63)، و«فتح المغيث» للسخاوي (ج1 ص14)، و«عقد الدرر» للآلوسي (ص181)، و«اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص19)، و«بيان المتصل والمرسل» للداني (ص53)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج1 ص12)، و«إرشاد طلاب الحقائق» للنووي (ج1 ص110)، و«قواعد التحديث» للقاسمي (ص110)،  و«توضيح الأفكار» للصنعاني (ج1 ص29)،  و«مصطلح الحديث» لشيخنا ابن عثيمين (ص13)، و«المنتخب في علوم الحديث» لابن التركماني (ص48).

([48]) ثم أين الدليل على السماع، وعبد الله بن معبد لم يصرح بالتحديث في الإسناد عند جميع الرواة، وفي كتبهم، وهل الإمام البخاري / أعلم بذلك أم الإمام مسلم /.

([49]) قلت: ورأيت للإمام مسلم / قولا يوافق الأئمة في تصريح الراوي بالسماع من شيخه، فقال / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص29): (وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار، والروايات قديما وحديثا، أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه، لكونهما جميعا كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام؛ فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئا، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا، فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا). اهـ

     فماذا يقول المقلدة في قول الإمام مسلم / هذا، فهل يصروا ويعاندوا أم ماذا؟!.

([50]) انظر: «معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص114).

([51]) كما وقع للمقلدة في «صوم يوم عرفة» حيث أنهم ظنوا أنه متصل، وهو مرسل، لأنهم من غير أهل الصنعة في علم الحديث، لذلك انخدعوا بظاهر الإسناد، وجهلوا علة الإرسال بين ابن معبد، وبين أبي قتادة t، اللهم غفرا.

([52]) ورواية ابن معبد عن أبي قتادة في «صوم يوم عرفة» تكلم فيها فطاحل أهل العلم: البخاري، والعقيلي، وابن عدي، ومحمد بن طاهر، وغيرهم. 

([53]) وانظر: «الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع» للقاضي عياض (ص68 و134)، و«إكمال المعلم بفوائد مسلم» له (ج1 ص362)، و«المسائل» لأبي داود (ص281 و282).

([54]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج1 ص26)، و«السنن الأبين» لابن رشيد (ص59 و61)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص122)، و«فتح المغيث» للسخاوي (ج1 ص195)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص85)، و«الكامل» لابن عدي (ج1 ص157 و159)، و«المعرفة والتاريخ» للفسوي (ج2 ص633) و«هدي الساري» لابن حجر (ص11 و12).

([55]) أي: أنه يعلم السماع بين الراوي وشيخه، وتكون سنه تصدق ذلك، وتحتمل اللقاء؛ أي: لابد أن يكون السماع ظاهرا معلوما.

       وانظر: و«السنن الأبين» لابن رشيد (ص59 و60)، و«النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج1 ص507)، و«معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص17).

([56]) وأين دليلك أيها المقلد على ثبوت السماع، فلم تذكر أي دليل غير تقليد الرجال!.

([57]) وهؤلاء العلماء نقلوا في كتبهم بعض الأسانيد المرسلة، والمنقطعة والمدلسه، كما بين أهل العلم ذلك في تخريجهم للأحاديث التي رواها هؤلاء الأئمة في كتبهم، وهذا يدل على أنهم يخطئون ويصيبون في الأحاديث، والمرجع في ذلك إلى الإسناد، فإن ثبت الإسناد؛ فهو صحيح، وإن لم يثبت؛ فهو ضعيف، وإلا قال من شاء بما شاء!.

       فعن الإمام ابن المبارك / قال: (الإسناد عندي من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء).

أثر صحيح

      أخرجه مسلم في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص15)، والحاكم في «المعرفة» (ص6)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج1 ص16).

      وإسناده صحيح.

([58]) وأما قول النسائي: وهذا أجود ما في الباب عندي، فلا يعني أن هذا الحديث صحيح بأي حال من الأحوال، وإنما يعني أنه أفضل ما روي في هذا الباب، ولا يقتضي الصحة، فتنبه لذلك.

      وانظر: «صحيح الترغيب والترهيب» للشيخ الألباني (ج1 ص16).

([59]) وسوف يأتي تحرير مذهب الإمام مسلم في ذلك، وأن قوله موافق لأئمة الحديث، ولا يخالفهم إلا في الجملة، أي: في بعض الأسانيد؛ فإنه يكتفي بالمعاصرة البينة، والإدراك البين، واللقاء المتحقق.

([60]) وهو ليس من أهل الاجتهاد فخوضه في هذه المسألة بجهل يأثم عليها.

([61]) وإنكاره هذا على الحفاظ كـ(الحافظ البخاري /) بلا علم يذكر.

([62]) بخلاف من توهم أن شرط الإمام مسلم / هو الذي عليه جمهور أهل الحديث، وهو أن السند المعنعن متصل إذا وجد ما يدل على المعاصرة، والبراءة من التدليس!، والله المستعان.

([63]) وانظر: «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص18)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص116)، و«السنن الأبين» لابن رشيد (ص52)، و«إكمال المعلم» للقاضي عياض (ج1 ص164)، و«شرح علل الترمذي» لابن رجب (ج2 ص591)، و«المنهاج» للنووي (ج1 ص128)، و«صيانة صحيح مسلم» لابن الصلاح (ص128)، و«السير» للذهبي (ج12 ص573)،  و«تغليق التعليق» لابن حجر (ج5 ص427)، و«إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج1 ص76).

([64]) وانظر: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج12 ص573)، و«تغليق التعليق» لابن حجر (ج5 ص427).

([65]) وقد خفيت علة الإرسال على المقلدة في سند حديث: «صوم يوم عرفة»، بين ابن معبد، وأبي قتادة، لكن هذه العلة لا تخفى على أهل الحديث، والله المستعان.

([66]) وانظر: «السنن الأبين» لابن رشيد (ص51 و53 و54 و68 و87 و123)، و«الجامع الصحيح» لمسلم (ج1 ص23 و26)، و«شرح علل الترمذي» لابن رجب (ج2 ص589 و590).

([67]) قال الحافظ ابن رشيد / في «السنن الأبين» (ص68)؛ معلقا: (وموضع الإجماع لا يسلم له). اهـ

      قلت: ولقد سبق أن العلماء نقلوا الإجماع على خلاف قول مسلم /.

([68]) قلت: وهذا يدل أن الإمام مسلما لم يكتف بالمعاصرة فقط مع السلامة من التدليس، بل لابد أن ينضم إلى ذلك احتمال قوي للقاء بينهما، وهذا يضيق على حكم المقلدة للأحاديث التي في  «الصحيح»، وهي مرسلة، لأن مسلما وقع في عدد من الأحاديث الضعيفة في «صحيحه» باجتهاد منه بسبب ذلك الاحتمال، والله المستعان.

([69]) فمسلم / لا يقول بذلك مطلقا بدون أصل فتنبه.

([70]) قلت: وعليه عامة أهل الحديث قبل الإمام مسلم /، فافطن لهذا.

([71]) وانظر: «إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج1 ص76).

([72]) وانظر: «السنن الأبين» لابن رشيد (ص87)، و«الجامع الصحيح» لمسلم (ج1 ص33 و35)، و«شرح علل الترمذي» لابن رجب (ج2 ص93 و717 و718)، و«إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج1ص76).

([73]) قلت: قد سبق التنبيه على أن الإمام مسلما لا يكتفي بمجرد المعاصرة فقط؛ بل لابد أن ينضم إليها إمكان قوي للقاء بين المتعاصرين، مع شروط أخرى سبق التنبيه عليها.

      قلت: وقد بينا أن اللقاء وحده لا يكفي لإثبات السماع؛ فكان لابد من شرط السماع هذا مع السلامة من التدليس.

     وانظر: «النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص596)، و«التنكيل» للمعلمي (ج1 ص79)، و«التاريخ والمعرفة» للفسوي (ج1 ص126)، و«التاريخ» لابن معين (ج1 ص192)، و«بيان المتصل والمرسل» للداني (ص50)، و«إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج1 ص76 و77).

([74]) فرحم الله ابن رشيد الفهري على ما قرر في هذه المسألة من مناقشة الإمام مسلم / حول ما اشترط، وحول ما استدل به من أحاديث، اللهم غفرا.

     وانظر: «السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن» له (ص43 و45 و46 و51).

([75]) وقد سبق أن ابن رجب نقل الإجماع خلاف قول مسلم /، فانتبه.

([76]) وقد فات المقلدة هذا الحكم فوقعوا في مذهب الإمام مسلم /، وهو مرجوح ضعيف، وذلك لعدم اتساع اطلاعهم في علم العلل!، والله المستعان.

     أقول: ومن كان هذا مذهبه فسوف يتعبد الله تعالى في دينه بالأحاديث المرسلة والمنقطعة!، وهذا الذي قال الله تعالى عنه: ]ومن الناس من يعبد الله على حرف[ [الحج:11].

([77]) قلت: فهذا الحافظ مسلم يسأل الحافظ البخاري عن العلل؛ كما سبق ذكره، فأي الإمامين أعلم بعلل الأحاديث؟!.

([78]) وانظر: «إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج1 ص78)، و«بيان المتصل والمرسل» للداني (ص128)، و«المنتخب في علوم الحديث» لابن التركماني (ص56)، و«مصطلح الحديث» لشيخنا ابن عثيمين (ص21).

([79]) قلت: وهذا مما يؤكد ما سبق من أن اللقاء وحده غير كاف لحمل الحديث المتعاصرين على السماع مالم يأت تصريح بذلك.

       وانظر: «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ج2 ص127).

([80]) وقد تناول عدد من أئمة الحديث مسألة (السند المعنعن).

     انظر: «السنن الأبين في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن» لابن رشيد، و«جامع التحصيل في أحكام المراسيل» للعلائي، و«شرح العلل» لابن رجب.

([81]) انظر: «السنن الأربين» لابن رشيد (ص22)، و«النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص584)، و«إكمال المعلم» للقاضي عياض (ج1 ص177).

([82]) انظر: «العلل» لأحمد (ج2 ص21)، و«المجروحين» لابن حبان (ج1 ص37)، و«المحدث الفاصل» للرامهرمزي (ج1 ص37)، و«السير» للذهبي (ج7 ص208).

([83]) فلا يحكم بمجرد ذلك على أن السند متصل.

([84]) انظر: «شرح علل الترمذي» لابن رجب (ص165 و366 و367 و368)، و«النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج1 ص507)، و«توضيح الأفكار» للصنعاني (ج1 ص258)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص182)، و«فتح المغيث» للسخاوي (ج1 ص183)، و«إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج1 ص164).

([85]) قلت: وسوف نوضح أن هذا القول قول الإمام مسلم / في الجملة؛ أي: في بعض الأسانيد، بالضوابط الحديثية، وإلا في التفصيل، فإنه يقول بقول الأئمة في الحديث المعنعن.

([86])  أثر صحيح.

        أخرجه البيهقي في «معرفة السنن» (ج1 ص152)، ومحمد بن طاهر في «مسألة التسمية» (ص47).

        وإسناده صحيح.

      وذكره ابن حجر في «تعريف أهل التقديس» (ص151).

([87]) وانظر: «الجعديات» للبغوي (ج1 ص394)، و«تحفة الأشراف» للمزي (ج1 ص143)، و(ج12 ص451).

([88]) قلت: إذا لا علم إلا بحفظ، ولا حفظ إلا بفهم، ولا تمكن إلا بملكة.

([89]) أخرجه ابن أبي حاتم «الجرح والتعديل» (ج1 ص173) بإسناد صحيح.

([90]) وانظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج1 ص127 و162 و163 و164 و165 و170)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج11 ص220)، و«فتح الباري» له (ج4 ص169)، و(ج9 ص213)، و«النكت على ابن الصلاح» له أيضا (ج1 ص259)، و(ج2 ص630)، و«تحفة الأحوذي» للمباركفوري (ج4 ص140 و141)، و«معرفة السنن» للبيهقي (ج1 ص151).  

([91]) أثر صحيح.

      أخرجه ابن أبي حاتم «الجرح والتعديل» (ج2 ص35) بإسناد صحيح.

       قلت: وهذا في الغالب، فتنبه.

([92]) قلت: لو فتحنا هذا الباب، وشككنا في أقوال أهل العلم الثقات، أمثال: يحيى بن سعيد وأمثاله عند كلامهم على منهاج العلماء لما استطاع طالب علم أن يثبت مسألة من هذه المسائل، لاحتمال أن يكون قوله من باب الاجتهاد.

([93]) أثر صحيح.

       أخرجه ابن الجعد في «المسند» (1039)، و(1040)، وأحمد في «العلل» (5068)، و(5077)، وابن محرز في «معرفة الرجال» (ص400)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج2 ص32)، و(ج4 ص370)، والدارمي في «التاريخ» (703)، والزركشي في «النكت» (ص514)، والخليلي في «الإرشاد» (ج2 ص487)، والبيهقي في «معرفة السنن» (ج1 ص86)، والخطيب في «الكفاية» (ص363)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص68)، والحاكم في «المدخل» (ص46)، والعلائي في «جامع التحصيل» (ص102)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج28 ص308)، والذهبي في «السير» (ج5 ص247)، و(ج7 ص215)، وفي «تاريخ الإسلام» (ج5 ص431)، والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص522) من طرق عن شعبة بن الحجاج به.

      وإسناده صحيح.

      وذكره العيني في «عمدة القاري» (ج10 ص304)، والمباركفوري في «تحفة الأحوذي» (ج1 ص3)، وابن حجر في «تعريف أهل التقديس» (ص63)، وفي «النكت» (ج2 ص360).                   

([94]) أثر صحيح.

       أخرجه ابن أبي حاتم «الجرح والتعديل» (ج2 ص34)؛ بإسناد صحيح.

       قلت: فكان السلف يعتنوا بالرواة الذين كانوا لا يأخذون عن شيوخهم إلا ما سمعوه.

([95]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج1 ص51).

([96]) وقد ثبت سماع أبي عبد الرحمن السلمي من عثمان بن عفان t؛ كما بينا.

([97]) أثر صحيح.

         أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص679)؛ بإسناد صحيح.

([98]) وانظر:  «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج1 ص164)؛ و«التمهيد» لابن عبد البر (ج1 ص12 و13)، و«الكفاية» للخطيب (ص283)، و«طبقات  الحنابلة» لابن أبي يعلى (ج1 ص300).

([99]) نقله عنه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص426).

([100]) قلت: المرسل لا تقوم به حجة.

       وانظر: «إكمال المعلم» للقاضي عياض (ج1 ص166)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص103)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج9 ص60).

([101]) انظر: «موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين» للدريس (ص114).

([102]) «المصدر السابق» (ص44).

([103]) انظر: «السنن الأبين» لابن رشيد (ص6-المقدمة).

([104]) قلت: وعمل بهذا الشرط في الجملة في «صحيحه» بإجتهاد منه لشهرة الراوي وشيخه عنده في بعض الأسانيد، ولذلك وقع في خطأ في بعضها، كـ«صوم يوم عرفة» من روايه: ابن معبد عن أبي قتادة t.

([105]) ولابد أن نقول بذلك؛ لأنه لو عمل في غالب «صحيحه» بشرط المعاصرة فقط دون السماع بين الراوي وشيخه؛ لسقط «صحيحه»، ولم يعتمد في «الصحيح» عند أئمة الجرح والتعديل، لأنه سوف يرتكز في أخطاء كثيرة في الأحاديث بين مرسل، ومنقطع، ومدلس.

([106]) انظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج1 ص12 و13)، و«الكفاية» للخطيب (ص283)، و«طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (ج1 ص300)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج1 ص164)، و«السنن الأبين» لابن رشيد (ص52)، و«إكمال المعلم» للقاضي عياض (ج1 ص183 و184).     

([107]) وانظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج1 ص185).

([108]) فانظر: إلى عنايته بسماعه، وتأكيده له المرة بعد المرة.

       وانظر: «السنن الأبين» لابن رشيد (ص170)، و«إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج1 ص173 و184 و185).

([109]) فبهذه الأسطر تكون قد تكونت لدينا فكرة عامة حول ما استدل به الإمام مسلم  /، وحول شرطه في   «صحيحه».

       وذلك لتكون نواة للبحث في هذه المسألة، مع مراجعة أهل الحديث لمعرفتهم بهذا الشأن، والمتخصصين فيه، والعالمين بخباياه لتظهر، وتتجلى، ونفتح لنا مغاليق هذا العلم بإذن الله تعالى.

([110]) قلت: فعنعنة الراوي الثقة عن شيخه الذي عاصره، ومع وجود إمكان قوي للقاء بينهما، ومع انتفاء وصمة التدليس غير كاف لحمل الحديث على الاتصال مالم يقترن به شرط السماع.

       وانظر: «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ج2 ص127)، و«فتح الباري» له (ج1 ص36 و37)، و«شرح علل الترمذي» له أيضا (ج2 ص586 و599).

([111])وانظر: «النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص596)، و«التنكيل» للمعلمي (ج1 ص79).

([112]) قلت: فرواية المعاصر عمن لم يذكر سماعه منه على طول مدته يتبين فيها الانقطاع، بل ويثبت الإرسال.

([113]) أثبت العلم اليقين.

([114]) أثبت الإدراك البين.

([115]) وعند حصول ذلك تكون عنعنة الراوي محمولة على اللقاء والسماع بالإجماع.

([116]) وهذا نص صريح من ابن حزم / دال على إثبات اللقاء والسماع في الحديث المعنعن بالإجماع.

([117]) أثر صحيح.

       أخرجه الخطيب في «الكفاية» (ص429) بإسناد صحيح.

([118]) قلت: ولا ينظر في تطبيقات بعض أهل العلم على بعض الأسانيد الدالة على اكتفائهم بالمعاصرة بالمطلقة دون النظر في اللقاء والسماع.

([119]) قلت: وهذا قول جميع أئمة الحديث، لا يخالف فيه الإمام مسلم، ولا الإمام البخاري ولا غيرها، وما سوى ذلك من الأسانيد، فهي مردودة غير مقبولة عند أئمة الحديث.           

([120]) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص106 و108).        

([121]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص694)، و«النكت على ابن الصلاح» له (ج1 ص383)، و(ج2 ص598)، و«السير» للذهبي (ج4 ص268 و269)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج14 ص409)، و«المعرفة والتاريخ» لابن سفيان (ج2 ص590)، و«التاريخ الأوسط» للبخاري (ج1 ص285).

([122]) وقد بينت ذلك بالأدلة في «التواصل المرئي» صوتيا في سنة: (1438هـ).

([123]) وانظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (ج5 ص73)، و«التاريخ الأوسط» له (ج1 ص240)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص209)، و«تحفة التحصيل» للعراقي (ص172)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج9 ص76)، و«السير» للذهبي (ج4 ص268 و269)، و«المعرفة والتاريخ» لابن سفيان (ج2 ص590)، و«الثقات» لابن حبان (ج5 ص9)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج14 ص409)، و«الصحيحة» للشيخ الألباني (ج3 ص168).

([124]) نقله عنه العلائي في «جامع التحصيل» (ص209).

([125]) يشير إلى حديث: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)؛ الذي أخرجه البخاري في «صحيحه» (5027) عن عثمان t.

([126]) قلت: وأثبت ابن حجر أن أبا عبد الرحمن السلمي قد سمع من عثمان بن عفان t، ولم يكن بمرسل.

      قال الشيخ الألباني / في «الصحيحة» (ج3 ص168)؛ بعدما أخرج الحديث من رواية البخاري: (وقد قيل: إن أبا عبد الرحمن السلمي لم يسمع من عثمان بن عفان t؛ لكن رجح الحافظ تبعا للبخاري سماعه منه). اهـ

([127]) وانظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (ج5 ص73)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج9 ص76)، و«النكت على ابن الصلاح» له (ج1 ص383)، و(ج2 ص596)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص209)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج14 ص409).

([128]) قلت: فالإمام البخاري / يشترط تحقق اللقاء، ولا يلزم من ذلك أنه لا يوجد في «صحيحه» أي حديث ضعيف، بل على شرطه هذا وجدت هناك أحاديث ضعيفة في «صحيحه»، كما بين أئمة الحديث ذلك؛ لأن العصمة ثبتت لكتاب الله تعالى، لا لغيره، فتنبه.

([129]) وانظر: «العلل» لعبد الله بن أحمد (637)، و«الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج6 ص270)، و«المعرفة والتاريخ» لابن سفيان (ج2 ص272)، و«شرح العلل» لابن رجب (ج2 ص590)، و«معرفة السنن» للبيهقي (ج1 ص152)، «تهذيب الكمال» للمزي (ج24 ص421).

([130]) واعلم أن وضع أي أصل لابد أن يكون مبنيا عند أهل العلم على الدليل، والمتابعة، والاستقراء.

([131]) فمن سبقك إلى هذا القول أيها المقلد، وتقول بالاكتفاء بالمعاصرة، وما دمت غير مسبوق إليه، فهو قول مبتدع باطل!.

     ولذلك لابد أن يرد لمجرد أنه مستحدث، ويجب إنكاره على صاحبه؛ لأنه لم يفهم أصول سلف الأمة، ومن هنا يتميز فهم الأنام عن فهم الأنعام!.

     وهذا ما يرجوه أهل الهمم العلية، والعقول الذكية، والنفوس الزكية في تعلم العلوم وفهمها الفهم الصحيح.

([132]) قلت: ثم لما رد هذا المقلد قلنا نسب ذلك القول المردود إلى الإمام مسلم، ثم إلى الجماهير!، وهو أنه يكفي المعاصرة بين الراويين مطلقا؛ حتى تحمل العنعنة على السماع بين المتعاصرين.

       وبناء على ذلك لابد من البحث في رواية كل متعاصرين، فإن ثبت السماع مرة قبل حديثه عنه، وإلا رد حديثه.

      قلت: وهذا من الدفاع عن السنة النبوية من أن يلحق بها ما ليس منها، أو ينفى عنها ما هو منها!، ثم ماذا يريد علماء السنة من علم السنة إلا الدفاع عنها.

([133]) وهذا الأصل لو طبق في الدين لتعبد الناس بأحاديث ضعيفة، وانتشرت فيهم البدع على أنها سنن، اللهم سلم.

([134]) وهذا فيه مدخل لأحاديث ضعيفة في الدين.

([135]) لقد ظن المقلد أن مسلما لا يراعي قرائن عدم السماع، ولذلك ألزمناه بهذين الإلزامين.

([136]) وهذا النوع من الانقطاع لا يعرفه إلا الحافظ الفهم المتبحر في الحديث المعنعن، كالإمام البخاري /.

([137]) ومع أن عبارات نفي العلم بالسماع كانت وما زالت تدل عند أئمة الجرح والتعديل على نفي السماع، وأنه لا فرق بينها في المعنى غالبا، لأن عبارات نفي العلم بالسماع، وعبارات نفي السماع إنما هي مبنية على القرائن العلمية، والدلائل الحديثية.

([138]) فكيف يكون هذا الفهم من الغائب عند البعض؛ لأن هذا الفهم لعبارات نفي بالسماع، وما بني عليه من الاستدلال من تطبيقات العلماء قديما وحديثا.

([139]) وانظر: «تحفة الأشراف» للمزي (ج3 ص43 و44).

([140]) وانظر: «تحفة التحصيل» للعراقي (287)، و«السؤالات» للبرذعي (ص683)، و«المعرفة والتاريخ» لابن سفيان (ج2 ص8  و143 و148 و198)، و«المراسيل» لابن أبي حاتم (ص338).

([141]) حديث منكر.

      أخرجه أبو داود في «سننه»، كما في «تحفة الأشراف» للمزي (6014)، رواية الأشناني عنه، والترمذي في «سننه» (587)، والنسائي في «السنن الكبرى» (444)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص2875) من طرق عن عبد الله بن سعيد عن ثور بن يزيد الديلي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما به.

     وفي رواية: عن ثور عن عكرمة قال: (كان رسول الله r مثله).

     وفي رواية: عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن رجل من أصحاب عكرمة.

    وفي رواية: عن بعض أصحاب عكرمة.

     وفي رواية: عن عبد الله بن سعيد عن رجل عن عكرمة عن النبي r.

([142]) حديث ضعيف.

     أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (226) من طريق أبي موسى قال، حدثنا محمد بن جعفر، نا معمر، عن الزهري قال: أخبرني سهل بن سعد t به.

     قال ابن خزيمة: (في القلب من هذه اللفظة التي ذكرها محمد بن جعفر، أعني قوله: «أخبرني سهل بن سعد»، وأهاب أن يكون هذا وهما من محمد بن جعفر، أو ممن دونه؛ لأن ابن وهب روى عن عمرو بن الحارث، عن الزهري قال: أخبرني من أرضى، عن سهل بن سعد، عن أبي بن كعب).

([143]) حديث منكر.

      أخرجه أبو داود في «سننه» (214)، والترمذي في «سننه» (110)، و(111)، وابن ماجه في «سننه» (609) من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن الزهري قال: أخبرني من أرضى عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب t به.

([144]) فأحيانا يذكرون الواسطة في الإسناد بين الراوي وشيخه، وأحيانا لا يذكرون الواسطة لمعرفتهم بها، فيذكرون الإسناد بالعنعنة بين الراوي وشيخه للاختصار، فافهم لهذا ترشد.

([145]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج16 ص168)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج5 ص272)، و«رجال صحيح مسلم» لابن منجويه (ج1 ص391).

([146]) مثل: ما أبهم راوي حديث: «صوم يوم عرفة»؛ مع ما في الإسناد من إرسال.

([147]) وانظر: «تحفة الأشراف» للمزي (ج10 ص456).

([148]) ومعلوم أن ابن جريج مدلس مع كونه ثقة.

([149]) إذا فما روي بلفظ محتمل فلا يحكم له بالاتصال.

       انظر: «التاريخ» لابن معين (ج4 ص322).

([150]) ومنه: ما أخرجه عبد الله بن حميد في «المنتخب من المسند» (1436) من طريق  عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن رجل، عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: ( لا تقوم الساعة حتى يمر المرء بقبر أخيه، فيقول: يا ليتني مكانك).

      وهذا الإسناد فيه رجل مبهم لم يسم بين الزهري، وبين أبي هريرة.

([151]) هو عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، أبو محمد المدني، أمير البصرة، وهو ثقة.

      انظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص498).

([152]) وانظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج5 ص30)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج14 ص398)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج5 ص157).

([153]) قلت: فإن المعاصرة لا تستلزم اللقاء، بله السماع، وأئمة الحديث الذين اتفقوا على نفي سماعه لم يخف عليهم أنه عاصره، بل صرحوا بذلك أثناء نفيهم لهذا السماع.

([154]) وانظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص37)، و«العلل» للإمام أحمد (ص224)؛ رواية الميموني، و«نصب الراية» للزيلعي (ج2 ص418)، و«الدراية» لابن حجر (ج1 ص271)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص162)، و«تحفة التحصيل» للعراقي (ص83).

([155]) قال الدوري / في «التاريخ» (ج4 ص322): (سمعت يحيى بن معين يقول: لم يسمع الحسن البصري من أبي بكرة t، قيل له: فإن مبارك بن فضالة يقول: عن الحسن قال: حدثنا أبو بكرة t، قال: ليس بشيء). اهـ

       وقال الدوري / في «التاريخ» (ج4 ص322): (سمعت يحيى بن معين يقول: في حديث ربيعة بن كلثوم بن جبر عن الحسن حدثنا أبو هريرة t، قال: لم يسمع منه شيئا). اهـ

       قلت: وهذا يدل على أن التصريح بالتحديث ليس بصحيح، وهو تأويل من الحسن البصري /.

      قال الحافظ البزار /: (وروى الحسن عن جماعة آخرين لم يدركهم، وكان صادقا متأولا في ذلك، فيقول: «حدثنا»، و«خطبنا»، ويعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة). اهـ

      وانظر: «نصب الراية» للزيلعي (ج1 ص90).

([156]) أخرجه ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص37).

     وإسناده صحيح.

([157]) نقله عنه العراقي «تحفة التحصيل» للعراقي (360).

([158]) أخرجه ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص155).

       وإسناده صحيح.

([159]) وانظر: «جامع التحصيل» للعلائي (ص237)، و«تحفة التحصيل» للعراقي (ص349)، و«المراسيل» لابن أبي حاتم (ص115).

([160]) قلت: وهذا يدل على أن مسلما باجتهاد منه يرى في بعض الأسانيد المعاصرة البينة، والإدراك البين، كما هو واضح من رواية: أبي عثمان النهدي عن الصحابة الكرام، وهذا طريق الاجتهاد لأهل العلم.

([161]) قلت: ولعله لم يعلم بتصريح أبي عثمان النهدي بالتحديث والسماع من أبي بن كعب t.

([162]) قلت: وهذا يدل أن الإمام مسلما يرى بعض الإسناد المعاصرة البينة، والإدراك البين، كما صنيعه هنا.

        والأصل أن يلتزم  في «الصحيح» كله العلم بالسماع واللقاء، كما هو غالب في «صحيحه».

     وانظر: «السنن الأبين» لابن رشيد (ص148 و149).

([163]) والمثبت مقدم على النافي، لثبوت أدلة المثبت للسماع.

([164]) نقله عنه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (ج2 ص397).

([165])نقله عنه الترمذي في «العلل الكبير» (ج1 ص187).

([166]) وانظر: «كشف الأستار» للهيثمي (ج1 ص341)، و«مجمع الزوائد» له (ج2 ص253)، و«مختصر زوائد مسند البزار» لابن حجر (ج1 ص321).

([167]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج17 ص374)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج6 ص260).

([168]) انظر: «معجم البلدان» للحموي (ج4 ص157).

([169]) أخرجه البزار في «المسند» (ج3 ص245).

      وإسناده ضعيف.

([170]) أخرجه ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص64).

      وإسناده صحيح.

([171]) وانظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص115)، و«جامع التحصيل» للعلائي (231)، و«تحفة التحصيل» للعراقي (ص215).

      قلت: فاكتفى الإمام مسلم / في إخراج حديثه عنه بالمعاصرة على قاعدته في بعض الأسانيد، وأخطأ في ذلك.

([172]) وانظر: «لسان الميزان» لابن حجر (ج5 ص32)، و«التاريخ الكبير» للبخاري (ج1 ص131).

([173]) ونقله عنه ابن حجر في «التهذيب» (ج7 ص423).

([174]) وهذه قرينة، وهي أن يقع للراوي كتاب لمن روى عنه، فإذا لم يصرح بالسماع منه، خشي أن يكون ما يرويه عنه من ذلك الكتاب.

     ومثله: حديث: عبد الله بن عكيم هذا عن النبي r.

([175]) نقله عنه العراقي «تحفة التحصيل» للعراقي (336).

([176]) نقله عنه ابن حجر في «التهذيب» (ج4 ص158).

([177]) ومن أكثر القرائن وجودا، وسببا لنفي السماع: ذكر الوسائط بين راويين لم يثبت التقاؤهما.

     وانظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (224)، و(226)، و(239)، و«العلل» لابن المديني (ص100 و101)، و«العلل ومعرفة الرجال» لأحمد (5597).

([178]) وانظر: «تحفة التحصيل» للعراقي (361)، و«الثقات» لابن حبان (ج4 ص76)، و(ج6 ص105)، و«شرح علل الترمذي» لابن رجب (ج2 ص594 و596)، و«العلل الكبير» للترمذي (ج2 ص622 و691)، و«السنن» له (1193)، و(2612)، و«العلل ومعرفة الرجال» لأحمد (5597)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج22 ص170)، و«تحفة الأشراف» له (ج3 ص43)، و«التهذيب» لابن حجر (ج8 ص83)، و«لسان الميزان» له (ج5 ص32)، و«التاريخ الكبير» للبخاري (ج4 ص23)، و«معرفة السنن والآثار» للبيهقي (ج1 ص277)، و(ج2 ص257)، و«المراسيل» لابن أبي حاتم (323)، و(324)، و(399)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج1 ص256)، و«العلل» للدارقطني (ج2 ص118)، و«بيان الوهم والإيهام» لابن القطان (ج2 ص397).

([179]) وهذا مثل رواية: عبد الله بن معبد عن أبي قتادة t في حديث: (صوم يوم عرفة) الذي أعله الإمام البخاري بعدم العلم بالسماع.

([180]) وهذا يدل أن المعاصرة بين الراويين عند مسلم لا تكفي في اتصال السند، فافهم لهذا.

([181]) وهنا قد أعل الإمام مسلم / الإسناد بعدم السماع مع وجود المعاصرة، فماذا عسى المقلد يقول في هذا الإعلال؟!.

([182]) ومن جهة أخرى نستفيد فائدة مهمة تتعلق بما كنا قد ذكرناه في تحرير شرط الإمام مسلم /، وهو أنه لم يكن يكتفي بمطلق المعاصرة، وأنه كان يراعي القرائن.

      فهذا الإعلال راعى فيه الإمام مسلم / ذكر الراوي؛ لواسطة بينه وبين من روى عنه، وعليها بنى الإعلال بعدم السماع، أي: الإعلال بترجيح عدم السماع.

([183]) انظر: «الجامع الصحيح» لمسلم (ج1 ص23).

([184]) قلت: فنلزم المقلدة بأن مسلما يشترط اللقاء والسماع في الإسناد المعنعن.

([185]) مثل: «الفرقة الربيعية الحدادية» الجهلة في الأصول والفروع في الدين نعوذ بالله من الخذلان.

([186]) قلت: وما أكثر الرعاع والهمج في هذا الزمان من أتباع رؤوس البدع والضلالات في الجماعات الحزبية.

       قال تعالى: ]ولكن أكثر الناس لا يعلمون[ [الأعراف: 187].

([187]) قلت: مثل الذين عندنا من المتعالمين الرعاع!.

([188]) وانظر: «السنن الأبين» لابن رشيد (ص148 و149).

([189]) وهذا يدل أن مسلما لم يقصد البخاري يقينا.

       وأنه يشير في رده في «مقدمة صحيحه» (ج1ص28 و29 و30)؛ على عدد من الخصوم، فافهم لهذا ترشد.

([190]) وكذلك هو رد على من قبل العنعنة بمطلق المعاصرة من أهل عصره، كما جاء ذلك في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص28 و29)، لأنه يرد على عدد من الفقهاء في عصره، فأقوالهم متناقضة.

([191]) فهو يقصد في هذا الرد على من هو في عصره من منتحلي علم الحديث ممن أدخل شروطا ضعيفة في تصحيح الأسانيد وتسقيمها من ذلك: شرط المعاصرة المطلقة بين التمليذ وشيخه.

([192]) لا يمكن أن تصدر من الإمام مسلم / هذه الأوصاف التي لا تناسب أحدا من علماء السنة؛ بل يقصد ذاك الجاهل في عصره الذي جعل أصولا فاسدة في أصول الحديث في تصحيح وتضعيف الأسانيد، والتي ليست على أصول أئمة الحديث.

([193]) فوصف الإمام مسلم / لصاحب تلك الشروط الفاسدة، بأنه فاسد القول.

([194]) لا يمكنني أن أجمع بين أن الإمام مسلما؛ مسلم عاقل متصون؛ فضلا عن كونه أحد أئمة الدين، وسادة الأمة ورعا وعبادة، وعلما وعملا، وأنه يقول بمثل هذا الكلام على أصول أئمة الإسلام، وأنها مبتدعة ومخترعة لم يقل بها العلماء في زمنهم.

([195]) ألا يدل ذلك على أن الأمر ليس أمر البخاري / في هذا الرد، إنما الأمر أمر ذاك الجاهل الخامل الذكر الذي لا وزن له في العلم، وأحقر من أن يرد عليه، والذي استحدث الأمر في توهين الحديث وعلله.

     وهذا يدل على أن هذا الجاهل بعلم الحديث لم يخترع فقط المعاصرة المطلقة، بل اخترع أصولا أخرى في تصحيح وتضعيف الأسانيد، وهذا تماما صفة المقلدة في عصرنا الذين اخترعوا أصولا فاسدة في تصحيح الأحاديث وتضعيفها، فالإمام مسلم / يرد على هذا الصنف من الناس.

([196]) قلت: ويكفي للراوي الثقة لو حدث بالسماع في موضع عن شيخه الثقة، لحمل عنعنته على السماع والاتصال في مواضع أخرى قد عنعن فيها، مع السلامة من التدليس، لأنه لا يجب أن يصرح بالسماع في كل حديث رواه عن شيخه؛ كما يفعل الإمام البخاري في «صحيحه»، فافهم لهذا.

     وهذا الذي قصده الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص28 و29 و30).

([197]) فهنا يرد على بعض منتحلي الحديث في عصره ممن يرى الأحاديث الضعيفة، والأسانيد المجهولة، ويعتد بروايتها بعد معرفته بما فيها من ضعف!.

([198]) قلت: ورأيت في «المقدمة» (ج1 ص28 و29 و30 و31 و32 و35)؛ شيئا من الاضطراب لمسلم في مسألة: «المعاصرة»، فأحيانا يكتفي بالمعاصرة المطلقة في بعض الأسانيد، وأحيانا ينفيها، ويثبت معها الإدراك البين، واللقاء البين في بعض الأسانيد، بل أحيانا يثبت العلم بالسماع، والعلم باللقاء بين الراويين المتعاصرين، هذه أقواله في الجملة، وإلا فإنه يرى شروط الأئمة في الأحاديث الصحيحة، كما بينا في البحث.

     وانظر: «التمييز» لمسلم (ص189)، وهو يثبت شرط السماع بين الراوي وشيخه.

([199]) وهذا توضيح من الإمام مسلم / أنه يرد على الذي يرى السماع مطلقا في جميع الأسانيد، بدون ذكر عنعنة فيها، وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، بل يفتشون عن موضع السماع في الأسانيد التي تحتاج إلى إثبات السماع، ولو مرة بين الراوي وشيخه، كما فعل الأئمة الذين ذكرهم.

([200]) وهنا يرد على بعض منتحلي الحديث في عصره الذين خالفوا شروط الأئمة في صحة الحديث المعنعن، وينقل عن ثقات الرواة الذين رووا الأسانيد أحيانا بالتصريح بالسماع، وأحيانا بالعنعنة، وموافقة أئمة الحديث بذلك.

([201]) يعني: يعنعن في الإسناد، فيقول: عن فلان، وأحيانا يقول: سمعت فلانا، أو حدثنا فلان، وهكذا.

([202]) قلت: فهنا يرد على بعض منتحلي الحديث في عصره ممن يرى الأسانيد الضعيفة حجة، ويرى التعاصر مطلقا دون اللقاء البين، ويرى حجة الحديث إذا روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه، وشافهه به مطلقا في جميع الأسانيد التي رواها عن شيخه، ولم يكتف هذا القائل بأن الراوي لقيه مرة، وسمع منه شيئا، وكان الحديث عنده موقوفا حتى يرد عليه سماعه منه.

([203]) فأثبت الإمام مسلم / أنه لابد من اللقاء البين، والسماع البين بين المتعاصرين في عصر واحد على الجواز، وهذا نفي للتعاصر المطلق، فإنه لا يقول به الإمام مسلم /.

([204]) فإذا ثبتت البينة أن الراوي لم يلق من روى عنه، ولم يسمع منه شيئا، فالرواية مرسلة عند الإمام مسلم /.

([205]) فأما والأمر مبهم، وليس فيه بينة، والراوي ثقة روى عن مثله، وجائز يمكن لقاؤه والسماع منه، فالرواية تحمل على الاتصال، وهي ثابتة، والحجة بها لازمة.

([206]) يعني: رواية الحديث المعنعن.

([207]) هكذا يدعي هذا الجاهل الخامل في البحث، والسماع لكل راوي روى خبرا عن شيخه، وهذا قول مخترع مستحدث غير مسبوق صاحبه إليه؛ أي: لم يقل به أئمة الحديث؛ كما ذكر الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص28 و29).

     قال الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص35): (إذ كان قولا محدثا وكلاما خلفا لم يقله أحد من أهل العلم سلف، ويستنكره من بعدهم خلف). اهـ

([208]) لو قال: «ضعيفة» بل: «واهية» لكان أفضل، لأن الحديث المرسل الذي قال به المدعي من قسم الضعيف، لا من قسم الواهي، فتنبه.

     وانظر: «المنهاج» للنووي (ج1 ص138).

([209]) فهذا قول المخترع الذي وصف الإمام مسلم / مقالته في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص30).

([210]) قلت: فهنا يخبر الإمام مسلم أن الرواة تارة يعنعنون في الحديث، وتارة يسندون الحديث بالتصريح بالسماع.

      قلت: لأنه لو قلنا أن مسلما قال بخلاف شرط الأئمة في الحديث المعنعن للزم منه طرح أكثر الأحاديث في «صحيحه»، وترك الاحتجاج بها في السنة النبوية، لأن حكمها حكم المراسيل، لذلك لابد علينا أن ننزه صحيح الإمام مسلم؛ ننزهه من هذا المذهب المرجوح.

      وانظر: «شرح علل الترمذي» لابن رجب (ج2 ص597).

      والحاصل أن مسلما / أقر قاعدة في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص30)؛ تقول: (والمرسل من الروايات في أصل قولنا، وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة). اهـ

([211]) قلت: ولا يقصد بذلك الإجماع على مطلق المعاصرة بين الراوي وشيخه، فهذا القول وصفه الإمام مسلم بأنه قول مبتدع مستحدث لا يوافق عليه أحد من أهل العلم متقدمهم، ومتأخرهم.

     بنقل الإجماع الذي فيه مجابا بذلك أهل عصره، دون نكير عليه من أحد من أهل الحديث، ولم ينبه على خطئه الكبير بمخالفة المحققين، الذي يدل على أنه يرد على خصوم أهل الحديث، فهل يعي المقلدة لهذا الكلام، وترك قيود التقليد، وأغلال التعصب.

([212]) فهل بعد هذه المحبة لعلم الحديث وأهله، وذلك التعظيم أن يكون مسلم يقصد البخاري وغيره بتلك العبارات البالغة الشدة، والتي يصف فيها مخالفه بالجهل، وخمول الذكر، وأنه لا وزن له، ولا اعتبار، وأنه أتى بمخترع مستحدث من القول غير مسبوق من أهل العلم.

      فأقصد من هذا أن هذه الأوصاف لا تناسب أحدا من علماء السنة الذين نسب ذلك الشرط إليهم، ولا يصح عقلا أن يتصور أن مسلما وصف واحدا منهم بها.

([213]) فالإمام مسلم / يقصد بعض أهل زمانه الذين خالفوا أئمة الحديث في اشتراطهم العلم باللقاء، والعلم بالسماع.

       فشنع عليهم بشرطهم بالعلم المعاصرة أشد تشنيع، وحمل عليهم بكل قوة في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص29 و30).

      وهو يقصد بعض أهل زمانه الذين وضعوا لهم أصولا فاسدة في علم الحديث، الذين يقولون فقد باللقاء؛ يعني: المعاصرة المطلقة، فهذا قول مستحدث لم يقل به أحد من أهل العلم.

      ولا يقصد الأئمة مثل: ابن المديني، والبخاري وغيرهما، وذلك أنه وافقهم على هذا الأصل، لأنه لا يتصور أن يخطئ عليهم، أو يقع فيهم، لأن مسلما يجل هؤلاء الأئمة، ويعرف شرطهم في الحديث المعنعن، وقد لازم الأئمة مثل: البخاري / وغيره، وأخذ عنهم شرط اللقاء والسماع بين الراوي وشيخه، فكيف يشنع عليهم هذا التشنيع؟!.

([214]) لذلك لم يعترض عليه أحد ممن في عصره من أهل الحديث، لموافقته لأصول الحديث؛ إلا ما وقع فيه من اجتهاد منه /.

       حتى أنه يقول عن عالم أنه: خامل جاهل حقير، فهذا لا يقبله أحد، لأنه مخالف للواقع كل المخالفة.

       فهذا لا يتصور من أهل الحديث أنهم لا يردون على مسلم، ولا يدافعون عن البخاري، ولا يحامون عن عرضه لو قصد البخاري، فهذا لم يحصل كل هذا.

      فهل يصح تصور هذا الخطأ الشنيع من الإمام مسلم /؟!.

([215]) وانظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (ج12 ص144)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج2 ص431 و432)، و«التهذيب» لابن حجر (ج1 ص416).

([216]) ولو فعل ذلك لسقطت الأحاديث في كتابه، ولم يعد من قسم الصحيح، لأنه سوف يضم الأحاديث من المرسلة، والمنقطعة، وغيرها، وليست هذه الأحاديث من شرط الصحيح، كما هو مقرر في علم الحديث.

([217]) كخالد الردادي، وبسام العطاوي، وربيع المدخلي، وغيرهم من المتعالمين في الحديث!.

([218]) أخرج هذه القصة: الخليلي في «الإرشاد» (ج3 ص960)، والحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص362)، وابن نقطة في «التقييد» (ص33)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج2 ص28)، وابن رشيد في «السنن الأبين» (ص139)، فالقصة مشهورة.

      ذكرها: الذهبي في «السير» (ج12 ص437)، وابن حجر في «النكت» (ج2 ص715).

([219]) انظر: «إجماع المحدثين» للعوني (ص75).

([220]) الذي يسفر عن السماع بين الراوي وشيخه.

([221]) وانظر: «فتح الباري» لابن رجب (ج3 ص201)، و«النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص715 و726)، و«التمييز» لمسلم (ص115).

([222]) هكذا تكلم بعض منتحلي هذا العلم في هذا العصر الحاضر.

([223]) وهو اللقاء الذي ينتج عنه سماع الراوي من شيخه الذي يحدث عنه، هذا هو شرط البخاري والمحدثين في السند المعنعن.

([224]) أخرجه الخليلي في «الإرشاد» (ج3 ص962)، وابن رشيد في «السنن الأبين» (ص147).

      وذكره ابن حجر في «هدي الساري» (ص11)، والقرطبي في «المفهم» (ج1 ص95).

([225]) وهذا يدل على جهل أهل التعالم بمكانة الإمام البخاري في علم الحديث.

([226]) نقله عنه ابن حجر في «هدي الساري» (ص11)، والقرطبي في «المفهم» (ج1 ص95).

([227]) وانظر: «السنن الأبين» لابن رشيد (ص147).

([228]) وهؤلاء لا جهد لهم في البحث العلمي في هذه المسألة أو غيرها غير محض التقليد المذموم، لذلك لا يستعرب من كثرة أخطائهم في أصول الحديث وعلله!، وأصول الفقه وأحكامه!.

([229]) إن المتعالمين الذين استدلوا بصحة إسناد حديث: «صوم يوم عرفة»،  لم يلجؤوا إلى «مقدمة صحيح مسلم» لانتزاع الأدلة منها، وليفهموا شرطه على الجادة، وإنما ذهبوا إلى كتب أخرى، فقلدوا فوقعوا في الخطأ، وهو صحة إسناد عبد الله بن معبد عن أبي قتادة، وهو ضعيف.

([230]) فلينتبه لذلك؛ فإن اللقاء الذي لا ينتج عنه سماع الراوي من شيخه الذي يحدث عنه لا يكون على شرط البخاري، أو على شرط شيخه علي بن المديني.

([231]) ويقصد بذلك معه السماع؛ يعني: يحمل على اللقاء والسماع، هذا إذا أطلقوا بــ«اللقاء»، أرادوا به اللقاء والسماع، فافهم لهذا.

([232]) ولابد من القيد الذي ذكره الحافظ البيهقي: وهو السلامة من التدليس، وهذا يتضح فيه عدم وجود الفرق بين الصيغتين؛ لأن: «عن» ستكون دالة على السماع؛ مثل: «أخبرني» في عموم الرواة، ومعظم الروايات على الشروط التي ذكرت؛ لا يستثنى بذلك القيد إلا عدد محصور من الرواة القلة الذين أكثروا من التدليس، وغلب عليهم.

([233]) وهذا مع قيد العلم باللقاء، لأن كيف يثبت الاتصال في الحديث المعنعن بدون لقاء، لذلك اشترطوا أن لا يكون الراوي مدلسا.

([234]) فليس من الإدراك البين توهم المعاصرة مع عدم وقوعها في الحقيقة، أي ليس من الإدراك البين معاصرة الراوي لمن روى عنه مطلقا كاف لاحتمال اللقاء، أو السماع، فتنبه.

([235]) قلت: فإذا تبين الانقطاع، فلا تحمل على الاتصال، لشيوع الإرسال في الأزمنة: مثل: ما وقع في الإرسال في سند عبد الله بن معبد عن أبي قتادة t في: «صوم يوم عرفة»، كما بين ذلك الإمام البخاري، وغيره.

     قلت: فممكن أن يسلم الإسناد من وصمة التدليس، ولا يسلم من الإرسال، أي: قد يكون مرسلا عمن عنعن عنه!.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan