القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة ينابيع الآبار في تخريج الآثار / القناعة في تبيين شذوذ؛ زيادة: «لم يعملوا خيرا قط» في حديث الشفاعة

2023-12-08

صورة 1
القناعة في تبيين شذوذ؛ زيادة: «لم يعملوا خيرا قط» في حديث الشفاعة

4

                سلسلة

      ينابيع الآبار في تخريج الآثار

 

 

 

 

 

 

القناعة

في تبيين

شذوذ؛ زيادة: «لم يعملوا خيرا قط»

في

حديث الشفاعة

 

دراسة أثرية علمية منهجية في زيادة «لم يعملوا خيرا قط»،

من جهة الحديث، والفقه، وأصول الفقه، واللغة العربية

 

تأليف

فضيلة الشيخ المحدث الفقيه

أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري

حفظه الله ورعاه

    

درة نادرة

لشيخ الإسلام ابن تيمية /

في

شذوذ بعض الألفاظ في أحاديث صحيح الحافظ البخاري /

وصحيح الحافظ مسلم بن الحجاج /

 

            قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص72 و73)، وهو يتكلم على المسند للإمام أحمد /: (لكن فيه ما يعرف أنه غلط، غلط فيه رواته، ومثل هذا يوجد في غالب كتب الإسلام، فلا يسلم كتاب من الغلط إلا القرآن‏.‏

* وأجل ما يوجد في الصحة ‏«كتاب البخاري»‏ وما فيه متن يعرف أنه غلط على الصاحب، لكن في بعض ألفاظ الحديث ما هو غلط، وقد بين البخاري في نفس «صحيحه» ما بين غلط ذلك الراوي، كما بين اختلاف الرواة في «ثمن بعير جابرt»([1])، وفيه عن بعض الصحابة ما يقال‏:‏ إنه غلط، كما فيه، عن ابن عباس : «أن رسول الله r تزوج ميمونة وهو محرم»([2])،‏ والمشهور عند أكثر الناس أنه تزوجها حلالا،‏ وفيه عن أسامة t: «أن النبي r لم يصل في البيت»([3])‏ وفيه عن بلال t‏:‏ «أنه صلى فيه»([4]) وهذا أصح عند العلماء‏.‏

* وأما صحيح - مسلم ففيه ألفاظ عرف أنها غلط، كما فيه‏:‏‏ «‏خلق الله التربة يوم السبت‏»‏‏([5])، وقد بين البخاري أن هذا غلط، وأن هذا من كلام كعب، وفيه أن النبي r «صلى الكسوف بثلاث ركعات في كل ركعة»([6]) والصواب‏:‏ أنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة، وفيه أن أبا سفيان t: «سأله التزويج بأم حبيبة» ([7]) وهذا غلط‏.‏

وهذا من أجل فنون العلم بالحديث، يسمى‏:‏ علم ‏«علل الحديث‏»). اهـ.‏

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

    

رب يسر ولا تعسر

المقدمة

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران:102].

]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء: 1].

]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 - 71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لا تخفى أهمية علم الرجال والعلل في الحفاظ على السنة النبوية، وحمايتها من أن يدخل فيها ما ليس منها، فهو الميزان الذي تعرض عليه أحوال الناقلين لأحاديث رسول الله r، وبه يميز الصادق من الكاذب، والثقة من الضعيف، والضابط من غير الضابط.([8])

قال الإمام علي بن المديني /: (التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم).([9])

قلت: فيعد علم علل الحديث من أهم أنواع علوم الحديث، وأشرفها على الإطلاق؛ ذلك لما له من وظيفة غاية في الدقة والأهمية، وهي الكشف عما يعتري الثقات من أوهام.

قال الحافظ الخطيب / في «الجامع» (ج2 ص294): (معرفة العلل أجل أنواع علم الحديث).اهـ.

وقال الحافظ الحاكم / في «معرفة علوم الحديث» (ص112): (هذا النوع منه معرفة علل الحديث، وهو علم برأسه غير الصحيح والسقيم، والجرح والتعديل). اهـ.

قلت: وهذا العلم يعد من أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله تعالى فهما غائصا، واطلاعا حاويا، وإدراكا لمراتب الرواة الثقات، ومعرفة ثاقبة في علل الحديث.([10])([11])

قال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل الصغير» (ج4 ص662): (اعلم أن معرفة صحة الحديث وسقيمه يحصل من وجهين:

أحدهما: معرفة رجاله، وثقتهم وضعفهم، ومعرفة هذا هين: لأن الثقات والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التآليف.

الوجه الثاني: معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف، إما في الإسناد، وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع، ونحو ذلك.

* وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه، وكثرة مـمـارسـتـه الوقوف على دقائق علل الحديث). اهـ.

وقال الحافظ ابن رجب / أيضا في «شرح العلل الصغير» (ج4 ص662): (ولا بد في هذا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدم المذاكرة به، فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين به؛ كيحيى بن سعيد القطان، ومن تلقى عنه؛ كأحمد بن حنبل، وابن معين، وغيرهما.

* فمن رزق مطالعة ذلك وفهمه وفقهت نفسه فيه، وصارت له فيه قوة نفس وملكة، صلح له أن يتكلم فيه). اهـ.

قلت: لأن علم العلل هو أدق علوم الحديث، وأغمض أنواع الحديث، ولا يقوم به إلا من فهمه الله تعالى هذا العلم الثاقب.

قال الحافظ ابن حجر / في «النكت» (ج2 ص711): (وهذا الفن أغمض أنواع الحديث، وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله تعالى فهما غائصا، واطلاعا حاويا، وإدراكا لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة، ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد من أئمة هذا الشأن وحذاقهم، وإليهم المرجع في ذلك لما جعل الله فيهم من معرفة ذلك، والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك).اهـ.

قلت: ولأن هذا العلم بحاجة إلى إحاطة تامة بالرواة والأسانيد، فقد قل المتكلمون فيه في كل عصر.

قال الإمام ابن مندة /: (إنما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفرا يسيرا من كثير ممن يدعي علم الحديث).([12]) اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر / في «النكت» (ج2 ص711): (لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن وحذاقهم). اهـ.

قلت: وقد اشتكى العلماء قديما من ندرة المؤهلين للنظر في هذا العلم، بل في وجودهم أصلا في بعض العصور.

قال الإمام أبو حاتم الرازي /؛ لما مات أبو زرعة الرازي /: (ذهب الذي كان يحسن هذا المعنى أي: التعليل يعني: أبا زرعة، ما بقي بمصر، ولا بالعراق أحد يحسن هذا).([13])

وقال الإمام أبو حاتم الرازي /: (جرى بيني، وبين أبي زرعة يوما تمييز الحديث ومعرفته؛ فجعل يذكر أحاديث، ويذكر عللها.

وكذلك كنت أذكر أحاديث خطأ وعللها، وخطأ الشيوخ.

فقال أبو زرعة، لي: يا أبا حاتم، قل من يفهم هذا، ما أعز هذا، إذا رفعت هذا من واحد واثنين؛ فما أقل من تجد من يحسن هذا، وربما أشك في شيء، أو يتخالجني شيء في حديث، فإلى أن ألتقي معك، لا أجد من يشفيني منه!). ([14])

وقال الحافظ ابن الجوزي / في «الموضوعات» (ج1 ص31): وهو يتكلم عن نقاد الحديث: (غير أن هذا النسل قد قل في هذا الزمان فصار أعز من عنقاء مغرب). اهـ.

وقال الحافظ ابن الجوزي / في «الموضوعات» (ج1 ص31): (فكان الأمر متحاملا إلى أن آلت الحال إلى خلف لا يفرقون بين صحيح وسقيم، ولا يعرفون نسرا من ظليم). اهـ.

قلت: يرحم الله أئمة الحديث، كيف لو أدركوا زماننا؛ ماذا عسى هؤلاء أن يقولوا؛ اللهم غفرا.

* ونظرا لوظيفته في الكشف عن الأوهام نجد ناقد العلل يفرح لظفره بعلة حديث عنده أكثر من فرحه بأحاديث جديدة يضيفها إلى رصيده.

قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي /: (لأن أعرف علة حديث هو عندي أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثا ليست عندي).([15])

* وتقديرا لأهمية هذا العلم لكشف الأوهام في الأحاديث؛ فإن كبار المحدثين إذا شك أحدهم في رواية جمع طرقها، ونظر في اختلافها؛ ليعرف علتها.

قلت: لأن هذا هو السبيل لكشفها.

قال الحافظ الخطيب / في «الجامع» (ج2 ص295): (والسبيل إلى معرفة علة الحديث([16]) أن يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته، وتعتبر بمكانهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان، والضبط). اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر / في «النكت» (ج2 ص711): (مدار التعليل في الحقيقة على بيان الاختلاف). اهـ.

قلت: ونص نقاد الحديث على مبادئ هذا العلم، ووسائل معرفته.

فقال الحافظ الحاكم / في «معرفة علوم الحديث» (ص113): (والحجة فيه عندنا: الحفظ، والفهم، والمعرفة لا غير). اهـ.

قلت: فالأمر هذا إذن يأتي بالمذاكرة والحفظ، والبحث والتخريج، وملازمة أصحاب الحديث، والاطلاع الواسع على الأسانيد، والمداومة على قراءة مصنفات أهل الحديث.

قال العلامة المعلمي / في «مقدمته للفوائد المجموعة» (ص9): (القواعد المقررة في مصطلح الحديث، منها: ما يذكر فيه خلاف، ولا يحقق الحق فيه تحقيقا واضحا، وكثيرا ما يختلف الترجيح باختلاف العوارض التي تختلف في الجزئيات كثيرا، وإدراك الحق في ذلك يحتاج إلى ممارسة طويلة لكتب الحديث، والرجال والعلل، مع حسن الفهم وصلاح النية). اهـ.

وقال الحافظ العلائي /: (إن التعليل أمر خفي لا يقوم به إلا نقاد أئمـة الحديث، دون من لا اطلاع له على طرقه وخفاياها).([17]) اهـ.

قلت: ومنهج جمع الروايات ومقارنتها؛ لتمييز الصواب من الخطإ فيها، هو منهج أهل الحديث القويم. ([18])

* فيستنكر النقاد أحيانا بعض ما ينفرد فيه الثقات من الحديث، ويردون غرائب رواياتهم، بالرغم من ثقتهم، واشتهارهم بالعلم.

قال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل الصغير» (ج2 ص582): (وأما أكثر الحفاظ المتقدمين؛ فإنهم يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد، وإن لم يرو الثقات خلافه أنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه، واشتهرت عدالته وحديثه؛ كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضا، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه).اهـ.

قلت: فيعد وهم الراوي وما يتابعه من مسائل، من أكثر قضايا علوم الحديث، التي شغلت بال النقاد، ونجد إعلالهم لكثير من الروايات بهذه العلة واضحا متوافرا في كتب الرجال والعلل، كما أنهم عنوا بمعرفة وحصر كل راو ثبت أنه عانى من الوهم، والخطإ، والخلط، وصنفت في ذلك كتب من قبل الحفاظ ولا يستغني مشتغل بالحديث وعلله عن معرفة هؤلاء؛ المختلطين والمخطئين، وما لكل واحد منهم من روايات دخلها الوهم والغلط.

* ولهذا كان النقاد يجدون مشقة بالغة، وهم يفتشون في أسانيد مختلفي الأمصار ويتفحصونها.

قلت: ولأجل هذه الصعوبة التي ذكرت، ينبغي للناقد الذي يريد اكتشاف الوهم في روايات مختلفي الأمصار، أن يكون ذا دراية تامة، وإحاطة شاملة بالمختلطين والمخطئين وأخبارهم، وأساليبهم في ذلك، وعمن أخطئوا، وعدد رواياتهم الشاذة إلى غير ذلك من قضايا تساعد في تجلية هذه المشكلة حتى يتسنى له اكتشاف الوهم في الروايات. ([19])

* وكذلك يبين جهود علمائنا رحمهم الله تعالى في حفظ السنة النبوية.

قلت: ومما لا ريب فيه أن كل جهد لأي عالم فهو عرضة للأخذ والرد، ولذا فإن الحافظ مسلما / أورد في كتابه: «الصحيح» عددا من الأحاديث أصاب في صحة بعضها، وأخطأ في البعض الآخر، فله أجر على اجتهاده في تبيين السنة النبوية.

قلت: وقد تعقبه الحفاظ كـ«الحافظ ابن عمار /»، المتوفى سنة: «323هـ»، في كتاب مستقل.

* وقد أثنى على كتابه هذا الحافظ الذهبي /.

فقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج14 ص540): (ورأيت له جزءا مفيدا فيه بضعة وثلاثون حديثا من الأحاديث التي بين عللها في صحيح مسلم).اهـ.

قلت: وقد أعل العلماء غير ما حديث من: «صحيح مسلم» / بالانقطاع وغيره، ولم يقل أحد من العلماء؛ بأن هذا فيه طعن في: «صحيح الحافظ مسلم» /، كما قال المعترضون([20]) الحزبيون دعاة الشهرة المظهرية، ودعاة الفتنة بين المسلمين.

قلت: ولقد تحصل لي من هذا البحث العلمي بعد أن جمعت فيه طرقا وروايات زيادة: (لم يعملوا خيرا قط) والكلام على أسانيدها جرحا وتعديلا، وبيان عللها، والحكم عليها بالشذوذ والضعف.

* ولذلك على المسلم الحق أن يطلب العلم، ويسلك سبيله، ويعمل بحقه؛ لكي يضبط أصول الكتاب الكريم، والسنة النبوية.

قلت: فيعمل جادا في البحث([21]) عما يستنبط منهما من معان، وأحكام فقهية؛ لكي يتعبد الله تعالى بما شرعه في دينه، وفيما ثبت وصح عن النبي r، لأنه لا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتعبد الله تعالى؛ إلا بما شرعه في دينه، ولذلك يحرم على المسلم أن يتعبد الله تعالى بالأحاديث الضعيفة، أو الألفاظ الشاذة، أو المنكرة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «قاعدة جليلة» (ص162): (لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة، التي ليست صحيحة ولا حسنة). اهـ.

وقـال الــعــلامـة الــشــوكــانـي / فـي «إرشـــاد الـــفــــحــــول» (ص48): (الضعيف الذي يبلغ ضعفه إلى حد لا يحصل معه الظن لا يثبت به الحكم، ولا يجوز الاحتجاج به في إثبات شرع عام، وإنما يثبت الحكم بالصحيح والحسن لذاته، أو لغيره، لحصول الظن بصدق ذلك، وثبوته عن الشارع). اهـ.

قلت: والتعبد لله تعالى بغير ما شرعه من أخطر الأمور على العبد؛ لما يجعله يحاد الله تعالى، ورسوله r.([22])

* لأن التشريع من الله تعالى لهذه الأمة الإسلامية ينزل على الرسول r عـن طريق الوحيين: «الكتاب والسنة»، ]وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى[ [النجم: 3-4]، ولم يقبض الله تعالى رسول الله r إليه إلا بعد أن أكمل له ولأمته هذا الدين؛ فأنزل عليه قبل وفاته بأشهر في حجة الوداع، قوله تعالى: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة: 3].

قلت: فكان كمال الدين من نعم الله تعالى العظيمة على هذه الأمة الإسلامية، ولذا كانت اليهود تغبط المسلمين على هذه الآية؛ لما أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص105)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2362): (أن رجلا من اليهود جاء إلى عمر t فقال: آية في كتابكم تقرؤونها لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال أي آية قال: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة: 3]).

قلت: فإذا تقرر ذلك؛ فإنه لا يجوز لمسلم أن يزيد في دين الله تعالى ما ليس منه، ولا يعبد الله تعالى؛ إلا بما شرع الله تعالى، ورسوله r، بل يجب على المسلمين جميعا أن يخضعوا لأمر الله تعالى، ورسوله r، وأن لا يتبعوا في الدين ما لم يأذن به الله تعالى، ولم يشرعه رسوله r مهما رأوه حسنا؛ لأن الدين قد كمل.

قلت: وبعد استعراض هذه الفوائد العلمية؛ لعلم أصول الحديث، فإنه يظهر من خلالها ما تعود به من الخير على طلبة العلم، وعليه فإنهم مطالبون بإتقان أدوات هذا العلم([23])، والتمرس فيه، وإلا وقعوا في أوهام فاحشة هي عكس هذه الفوائد الحديثية.

هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب جميع الأمة الإسلامية، وأن يتقبل مني هذا الجهد، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن يتولانا بعونه ورعايته، إنه نعم المولى، ونعم النصير، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

                                                                                         أبو عبد الرحمن

فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

ذكر الدليل على شذوذ زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛

في حديث الشفاعة([24])، وذكر الفهم، والمعنى الصحيح: لتفسيرها

 

عن أبي سعيد الخدري t؛ أن ناسا في زمن رسول الله r قالوا:
يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله
r: نعم. قال r: (هل تضارون([25]) في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا. يا رسول الله! قال: ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما([26])، إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: ليتبع كل أمة ما كانت تعبد؛ فلا يبقى أحد، كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب، إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، وغبر أهل الكتاب([27])؛ فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير بن الله، فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد؛ فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا. يا ربنا! فاسقنا، فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب([28]) يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى. فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح بن الله، فيقال لهم: كذبتم. ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا. يا ربنا! فاسقنا، قال فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا([29]) فيتساقطون في النار. حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر، أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها. قال: فما تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد. قالوا: يا ربنا! فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم([30]) ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئا (مرتين أو ثلاثا) حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب([31]). فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم. فيكشف عن ساق([32]). فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة([33])، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم، وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة. فقال: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا، ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة([34]). ويقولون: اللهم! سلم سلم. قيل: يا رسول الله! وما الجسر؟ قال: دحض مزلة([35]). فيه خطاطيف وكلاليب وحسك([36]). تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل، والركاب([37])، فناج مسلم، ومخدوش مرسل. ومكدوس في نار جهنم([38]). حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده! ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله، في استقصاء الحق([39])، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا! كانوا يصومون معنا، ويصلون، ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا! ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا! لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا! لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا، ثم يقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا! لم نذر فيها خيرا([40])).

* وكان أبو سعيد الخدري t يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث؛ فاقرأوا إن شئتم: ]إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما[ [النساء:40]؛ فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط، قد عادوا حمما([41])، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة([42])، يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل([43])، ألا ترونها تكون إلى الحجر، أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض([44])؟فقالوا: يا رسول الله! كأنك كنت ترعى بالبادية. قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم([45]). يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله([46]) الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربنا! أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا! أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي. فلا أسخط عليكم بعده أبدا).

            * وهذا الحديث: أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170)؛ بهذا اللفظ من طريق سويد بن سعيد قال: حدثني حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري t به.

            قلت: وهذا سنده ضعيف فيه سويد بن سعيد الحدثاني، وهو متكلم فيه؛ قال ابن المديني: «ليس بشيء»، وقال أحمد: «متروك»، وقال البخاري: «عمي وكان يقبل التلقين»([47])، وقال يعقوب بن شيبة: «صدوق يعني: في نفسه مضطرب الحفظ»، وقال عنه النسائي: «ليس بثقة»، وقال عنه ابن حبان: «يخطئ في الآثار، ويقلب الأخبار»، وقال الذهبي: «له مناكير»، وقال ابن حجر: «صدوق في نفسه، إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه»، وذكره ابن الجوزي في «الضعفاء والمتروكين» (ج2 ص32)، والذهبي في «ديوان الضعفاء» (ص182).([48])([49])

            قلت: فهو سيئ الحفظ ويغلط في الحديث، فلا يحتج به.([50])

            * وحفص بن ميسرة العقيلي: وهو وإن كان ثقة؛ إلا أنه يهم ويخالف في الحديث، قال عنه أبو حاتم: «محله الصدق وفي حديثه بعض الأوهام»، وقال عنه أبو داود: «يضعف في السماع»، وقال عنه الساجي: «في حديثه ضعف - يعني: يخطئ-»، وقال ابن حجر: «ثقة ربما وهم».([51])

            قلت: وسويد بن سعيد أشد منه في المخالفة؛ فافطن لهذا.

* ومن هذا الوجه: أخرجه أبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» مطولا (ج1 ص249)، وابن منده في «الرد على الجهمية» (ص3) من طرق عن سويد بن سعيد به.

قال أبو نعيم: رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جعفر بن عون، ورواه مسلم أيضا عن سويد بن سعيد عن حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار.

            قلت: وهو يحتمل القبول لولا أن الثقات الحفاظ خالفوا سويدا فرووه، بدون ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).

            * فخالف بروايته هذه الثقات من يأتي ذكرهم من الثقات، فلا يحتج بخبره هذا، والاعتماد في ذلك على الأحاديث الصحيحة المفسرة، كما سوف يأتي ذكرها.

* وسويد بن سعيد: ضعيف في حفظه فلا يحتج به إذا تفرد، أو وافق مثله؛ كـ«هشام بن سعد المدني» لا سيما إذا خالف الثقات.

قلت: إذا فهذا خطأ منه، وقد خالف من هو أوثق منه مخالفة تستلزم الحكم عليه بالخطإ في هذا الحديث.

قال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج1 ص352) عن سويد بن سعيد: (يخطئ في الآثار، ويقلب الأخبار).([52]) اهـ.

وأخرجه مسلم في «صحيحه»، مختصرا: (ج1 ص171)، وأبو عوانة في «المستخرج»؛ مطولا (ج1 ص166 و181)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص285)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص481)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص797)، وفي «الرد على الجهمية» (ص35)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص291)، وفي «الاعتقاد» (ص140)، والدارقطني في «الرؤية» (ص95)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (ج2 ص237)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج3 ص10 و11)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص582)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص296)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1177) من طرق عن جعفر بن عون قال ثنا هشام بن سعد قال ثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به؛ بذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، وفي رواية: (لم يعملوا له عمل خير قط).

قلت: وهذا سنده ضعيف فيه هشام بن سعد المدني، وهو متكلم فيه، قال عنه أحمد: «لم يكن بالحافظ»، وقال مرة: «ليس هو محكم الحديث»، وقال عنه يحيى بن معين: «ضعيف حديثه مختلط»، وقال مرة: «ليس بذاك القوي»، وقال مرة: «ليس بشيء»، وقال أبو حاتم: «يكتب حديثه ولا يحتج به»، وقال النسائي: «ضعيف»، وقال في موضع آخر: «ليس بالقوي»، وكان يحيى القطان: «لا يحدث عنه»، وقال الحاكم: «روى له مسلم في الشواهد»، وقال ابن حجر: «صدوق يعني: في نفسه له أوهام»([53])، وذكره ابن الجوزي في «الضعفاء والمتروكين» (ج3 ص174)، والذهبي في «ديوان الضعفاء» (ص419).

قلت: فهو له أوهام ويغلط في الحديث، فلا يحتج به إذا تفرد، أو وافق مثله؛ كـ«سويد بن سعيد الحدثاني» ولا سيما إذا خالف الثقات، خاصة بذكره زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ فإنه خالف فيها الثقات الأثبات.

قال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج3 ص89): عن هشام بن سعد (فلما كثر مخالفة الأثبات فيما يروي عن الثقات بطل الاحتجاج به، وإن اعتبر بما وافق الثقات من حديثه فلا ضير). اهـ.

ومن هذا الوجه: أخرجه أبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج1 ص248) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا جعفر بن عون ثنا هشام بن سعد به.

قال أبو نعيم: رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جعفر بن عون.

وأخرجه ابن منده في «الإيمان»؛ مطولا: (ج2 ص802) من طرق عن سويد بن سعيد ثنا حفص بن ميسرة الصنعاني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به، بذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).

قلت: وهذا سنده كسابقه فيه سويد بن سعيد الحدثاني وهو سيئ الحفظ ويخلط؛ كما سبق ذكر ذلك، وحفص بن ميسرة الصنعاني يهم في الحديث.

* وفي هذه الرواية متابعة حفص بن ميسرة، لهشام بن سعد عن زيد بن أسلم.

إذا هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط)، وهم من الراوي، وهي غير محفوظة.

قال الإمام الشافعي /: (ومن كثر غلطه من المحدثين، ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة، لم تقبل شهادته). وفي رواية: (ومن كثر تخليطه من المحدثين). ([54])

أثر صحيح

أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص404)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص125)، والبيهقي في «مناقب الشافعي» (ج2 ص26)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص75)، والخطيب في «الكفاية» (ج1 ص429) من طرق عن الربيع بن سليمان عن الشافعي به، وهو في كتابه: «الرسالة» (ص350).

قلت: وهذا سنده صحيح.

* وقد أطلق الإمام أحمد /، لفظ: «منكر الحديث»، على جماعة من الثقات الأثبات المحتج بهم في الصحيحين؛ لمجرد تفردهم عن الثقات، وغلطهم في ألفاظ الأحاديث.

كقول الإمام أحمد /، عن يزيد بن عبد الله بن خصيفة: «منكر الحديث»، مع أنه قال فيه: «ثقة، ثقة».([55])

قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص453): (هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يغرب على أقرانه بالحديث، عرف ذلك بالاستقراء من حاله، وقد احتج بابن خصيفة: مالك والأئمة كلهم). اهـ.

قلت: ومن المعلوم أن الثقات يتفاوتون في الضبط، ففيهم من هو في أعلى درجات الثقة والضبط، وفيهم من هو في أوسطها، وفيهم من هو في أدناها.

* ومن المعلوم أيضا أنه إذا اختلف ثقات أحدهم أوثق من الآخر يرجح إلى حديث الأوثق والأضبط، وهذا هو الأولى. ([56])([57])

قال الحافظ ابن دقيق العيد / في «الاقتراح» (ص55): (يمكن أن يكون للترجيح مدخل عند تعارض الروايات، فيكون من لم يتكلم فيه أصلا راجحا على من قد تكلم فيه، وإن كان جميعا من رجال الصحيح، وهذا عند وقوع التعارض).اهـ.

* وهذا الحديث كما سبق ذكره يرويه زيد بن أسلم، واختلف عليه:

1) فرواه هشام بن سعد المدني، وخلاصة القول فيه: «سيء الحفظ لا يحتج به، وقد خالف الثقات في ذكره لهذه الزيادة».

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170) وغيره.

2) ورواه حفص بن ميسرة العقيلي، وهو وإن كان ثقة؛ إلا أنه يهم في الحديث، قال عنه أبو حاتم: «محله الصدق، وفي حديثه بعض الأوهام»، وقال أبو داود: «يضعف في السماع»، وقال الساجي: «في حديثه ضعف – يعني: يخطئ -»، وقال ابن حجر: «ثقة ربما وهم»([58])([59]).

* وقد خالف الثقات في موافقته لهشام في هذه الزيادة، بالإضافة إلى أن الراوي عنه سويد بن سعيد، وخلاصة القول فيه: «سيء الحفظ ويخطئ فلا يحتج به».

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170) وغيره، كما سبق.

* وخالفهما جماعة من الثقات، فلم يذكروا هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط) وهم:

1) سعيد بن أبي هلال المصري، وهو ثقة اختلط([60]). روى له البخاري ومسلم، وقد وافق الثقات هنا في عدم ذكر الزيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، إلا أنه أخطأ: خطأ آخر في ذكر زيادة أخرى بلفظ: (بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه)؛ فجعل هذه اللفظة من قول أهل الجنة([61])، وهو خطأ منه كذلك.([62])

أخرجه البخاري في «صحيحه»؛ مطولا: (ج13 ص421)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص521)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص169)، وابن حبان في «صحيحه» (7377)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص802)، وفي «الرد على الجهمية» (ص36)، والليث بن سعد في «مجلس من فوائده» (ص46)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص251)، والدارقطني في «الرؤية» (ص100)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص237)، والآجري في «الشريعة» (ص260) واللالكائي في «الاعتقاد» (818)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص344)، وفيه: (فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل).

قلت: فوافق الثقات في عدم ذكر الزيادة بلفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، مما يتبين بأنها غير محفوظة.

* إذا فهشام بن سعد، وسويد بن سعيد، يذكران الزيادة بلفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، ومرة بلفظ: (لم يعملوا له عمل خير قط)، ومرة بلفظ: (بغير عمل عملوه ولا خير قدموه)، وسعيد بن أبي هلال: يذكر الزيادة من قول أهل الجنة بلفظ: (بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه).

قلت: وهذا يعتبر اضطرابا في المتن أيضا؛ يدل بأن الرواة غير ضابطين لهذه الزيادات، وهذا يوجب ضعف هذه الزيادات، وهو الصواب.

وكذلك في ذكر زيادة (بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه)، فتارة تذكر من قول النبي r، كما عند البيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص291)، وفي «الاعتقاد» (ص256) من طريق هشام بن سعد أنا زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد الخدري t مرفوعا: (هؤلاء الجهنميون هؤلاء الذين أخرجهم الله من النار بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه).

* فذكرها من قول النبي r مباشرة، وكذا أخرجها مسلم في «صحيحه» (ج1 ص169) من طريق سويد بن سعيد.

* وتارة تذكر من قول أهل الجنة مباشرة بلفظ: (فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه)؛ كما عند البخاري في «صحيحه» (ج13 ص422)، وغيره من طريق سعيد بن أبي هلال، وتارة لا تذكر، فهذه علة أخرى، وهي الاضطراب بسبب عدم ضبط الرواة للحديث.

قلت: ولقد اعتبر أهل الحديث أيضا في وجوه الترجيح باعتبار ألفاظ الحديث المتعلقة به من حيث عدم الشذوذ والاضطراب فيرجح لفظ الحديث السالم من الشذوذ والاضطراب([63])، على ما كان شاذا أو مضطربا([64])، ويرجح ما كان قولا صريحا.

قلت: فيرجح ما اتفق الرواة على لفظه؛ أي: لم يخالف بعضهم بعضا، ولم يختلفوا في حروفه، بل نقلوه مرفوعا على صفة واحدة، أو تقارب ألفاظه، على الآخر الذي اختلف الرواة في لفظه، وذلك بأن يخالف بعضهم بعضا في ألفاظه.

قال الفقيه القرافي / في «تنقيح الفصول» (ص424): (ويرجح ما روي بلفظ واحد لم يختلف على ما روي بعبارات مختلفة). اهـ.

قلت: فإنه يرجح الحديث الذي لم يضطرب متنه على الحديث الذي وقع في متنه اضطراب.([65])

* إذا لا يصح في الباب حديث بهذه الألفاظ الشاذة.

قلت: ثم إن المحققين من أهل الحديث قديما وحديثا، لا يكتفون حين الطعن في الحديث من جهة إسناده فقط، بل كثيرا ما ينظرون إلى متنه أيضا؛ فإذا وجدوه غير متلائم مع نصوص الشريعة، أو قواعدها، لم يترددوا في الحكم عليه بالشذوذ وغيره، كما سوف يأتي بيان ذلك.

قال الإمام مسلم بن الحجاج / في «التمييز» (ص170): (ليس من ناقل خبر، وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا - وإن كان من أحفظ الناس، وأشدهم توقيا وإتقانا لما يحفظ وينقل- إلا والغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله، فكيف بمن وصف لك ممن طريقه الغفلة والسهو في ذلك([66])). اهـ.

2) عبد الرحمن بن إسحاق المدني، وهو صدوق.([67])

أخرجه أحمد في «المسند»؛ مطولا: (ج3 ص94)، وابن أبي عاصم في «السنة» (458) و(634)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص307)، وفيه: (ثم يقول الله: من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه...)، ولم يذكروا زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ مما يتبين بأنها غير محفوظة، وهو الصواب.

وإسناده حسن.

3) معمر بن راشد الأزدي، وهو ثقة ثبت.([68])

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (ج1 ص23)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص480) من طريق محمد بن يحيى النيسابوري، وهو ثقة حافظ جليل.([69])

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص533)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص112) من طريق محمد بن رافع القشيري، وهو ثقة عابد.([70])

وأخرجه الترمذي في «سننه» (ج5 ص314) من طريق سلمة بن شبيب المسمعي، وهو ثقة.([71])

وأخرجه الخلال في «السنة» (ج1 ص46)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص367) من طريق أبي عبد الله أحمد.

كلهم عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به، دون ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).

وإسناده صحيح، وهو المحفوظ؛ لموافقته الثقات.

وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص409 و410)، ومن طريقه أحمد في «المسند» (ج3 ص94)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص294)، والجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (ج1 ص25)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص181 و182)، وفي «التفسير» (ج1 ص428)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص36)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص183) من طريق معمر به؛ وفيه: (قال: فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين ناسا لم يعملوا لله خيرا قط).

قلت: وذكر الحديث بهذا الشك: (فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين)؛ وبزيادة: (لم يعملوا لله خيرا قط)؛ فيه وهم من عبد الرزاق بن همام الصنعاني، لأنه وإن كان ثقة؛ إلا أنه تغير حفظه، وخالف في هذا الحديث جمعا من الثقات الأثبات، فخالفه هذا الجمع ورووا الحديث، بدون زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ وبدون شك.

* ولذلك أنكرت عليه أحاديث نبوية بسبب ذلك.

قال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج8 ص412): (وكان ممن يخطئ إذا حدث من حفظه). اهـ.

قلت: فما حدث من كتابه فهو أصح.([72])

وقال الحافظ الذهبي / في «المغني في الضعفاء» (ج2 ص393): (لعبد الرزاق أحاديث ينفرد بها، قد أنكرت عليه). اهـ.

قلت: فبذلك تترجح لنا رواية الجماعة، وتظهر جليا، أن رواية عبد الرزاق: رواية شاذة ضعيفة.

انظر: «التقريب» لابن حجر (ص607)، و«التاريخ الكبير» للبخاري (ج6 ص130)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص154)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج18 ص52)، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج3 ص107).

* ويؤيد ذلك: بأن الحديث لم يذكر في الشك: (فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين)؛ كما في رواية البخاري، ومسلم، وغيرهما: (فيقبض قبضة)؛ بدون الشك.

* وكذلك الرواية التي مرت علينا من جمع من الثقات من طريق عبد الرزاق لم يذكر فيها لفظ: (فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين)، ولا لفظ: (لم يعملوا لله خيرا قط).

قلت: فرواية الحديث بالشك شاذة كذلك.

* ويؤيده: بأن الحديث: رواه محمد بن ثور الصنعاني - وهو ثقة - عن زيد بن أسلم به نحوه، دون ذكر: (فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين ناسا لم يعملوا لله خيرا قط).

أخرجه أبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص183) من طريق يوسف القاضي قال ثنا محمد بن عبيد قال ثنا محمد بن ثور به.

* ويوسف القاضي توبع.

وأخرجه الآجري في «الشريعة» (ج3 ص1237) من طريق عثمان بن مطر قال حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: (ما مجادلة أحدكم يكون له الحق على صاحبه أشد من المؤمنين لربهم عز وجل في إخوانهم الذين دخلوا النار، يقولون: ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون، أدخلوا النار، قال الله عز وجل: اذهبوا، فأخرجوا من عرفتم، فيخرجونهم، ثم يقول الله عز وجل: أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان حتى يقول: نصف مثقال، حتى يقول خردلة، حتى يقول: ذرة، ثم يقول: شفعت الأخيار من المؤمنين، وبقي أرحم الراحمين، ثم يقبض قبضة، أو قبضتين من النار فيدخلون الجنة).

قلت: وإسناده ضعيف، فيه عثمان بن مطر الشيباني، وهو ضعيف؛ كما في التقريب لابن حجر (ج1 ص14)؛ وزيادة: (أو قبضتين من النار)، منكرة: كما سبق.

وقال إسحاق بن إبراهيم الختلي في «الديباج» (ص105) حدثنا أحمد بن أبي الحارث، حدثنا عبد المجيد بن أبي رواد، عن معمر بن راشد، وعن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: (يقول الله تعالى يوم القيامة: قد شفع الملائكة، والنبيون، والمؤمنون، وبقي أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين، فيخرج منها خلقا كثيرا؛ لم يعملوا خيرا).

قلت: وإسناده منكر، فيه إسحاق بن إبراهيم الختلي؛ قال عنه الحاكم: «ليس بالقوي»، وقال مرة: «ضعيف»، وقال الدارقطني: «ليس بالقوي»، وذكر ابن حجر له مناكير ([73]).

وقال الذهبي: وفي كتابه «الديباج» أشياء منكرة([74])، وشيخه أحمد بن أبي الحارث لا يعرف، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد يخطئ في حديثه. ([75]) 

قلت: وتعريف الحديث الصحيح عند أهل الحديث: ما رواه عدل ضابط عن مثله عن مثله إلى منتهاه، ولا يكون شاذا، ولا معلا([76])، وهذا الحديث لم يسلم من الشذوذ، والعلة الخفية، على أن هناك أدلة أخرى تؤيد الحكم بشذوذ زيادة: (لم يعملوا لله خيرا قط)؛ كما سوف يأتي ذكرها.

قلت: ويرد الناقد بلا شك الحديث إذا وجد من خلال خبرته، أنه لا يمكن أن يكون من كلام النبوة، ولو صدر هذا الحديث من ثقة، لاحتمال وهمه، أو تخليطه، أو تلقينه، أو خطئه.

قال الحافظ ابن الجوزي / في «الموضوعات» (ج1 ص106): (المستحيل لو صدر عن الثقات رد، ونسب إليهم الخطأ، ألا ترى أنه لو اجتمع خلق من الثقات فأخبروا أن الجمل قد دخل في سم الخياط، لما نفعتنا ثقتهم، ولا أثرت في خبرهم؛ لأنهم أخبروا بمستحيل، فكل حديث رأيته يخالف المعقول، أو يناقض الأصول([77])، فاعلم أنه موضوع، فلا تتكلف اعتباره). اهـ.

وقال الحافظ ابن الجوزي / في «الموضوعات» (ج1 ص103): (واعلم أن الحديث المنكر يقشعر له جلد طالب العلم، وقلبه في الغالب). اهـ.

قلت: فمثل هشام وسويد، وعبد الرزاق، لا يحتملون تفردهم بهذه الزيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، لأن الرواة الثقات أخذوا هذا الحديث عن الرواة الثقات، فلا يعقل حفظ هؤلاء وحدهم لهذه الزيادة دون غيرهم.

* والوهم معناه: ما أخطأ وغلط فيه الراوي وجه الصواب في لفظ حديث، وغيره.([78])

والوهم أطلقه النقاد: على خلل أصاب الراوي في السند، أو المتن، فهو خلل في ضبط الراوي للحديث.

* والمقرر في أصول الحديث: إذا خالف الراوي الجماعة كان حديثه ضربا من الوهم، وسمي عند المحدثين بالشاذ إن كان من ثقة، وبالمنكر إن كان من ضعيف.([79])

وهؤلاء الثقات أيضا: تابعهم مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى بن عمارة قال: حدثني أبي عن أبي سعيد الخدري به، دون ذكر: (لم يعملوا خيرا قط)، وبلفظ (ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فأخرجوه، فيخرجون منها حمما، قد امتحشوا فيلقون في نهر الحياة، أو الحيا؛ فينبتون فيه كما تنبت الحبة في جانب السيل).

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص456)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص805)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص251)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص185) من طريق عبد الله بن وهب قال أخبرني مالك بن أنس به.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص16)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص806)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص498)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص391)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص190)، وأبو يعلى في «المسند» (ج2 ص423) من طريق ابن أبي أويس ثنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري به، بدون ذكر: (لم يعملوا خيرا قط).([80])

قلت: وفيه متابعة ابن أبي أويس، لابن وهب عن مالك بن أنس.

وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص408) من طريق معن بن عيسى قال: حدثنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري t به.

وإسناده صحيح.

قال الحافظ الخطابي / في «أعلام الحديث» (ج1 ص155): (في هذا الحديث: بيان أن أهل المعاصي من المسلمين، لا يخلدون في النار). اهـ.

* وتابع مالكا: اثنان من الرواة الثقات، على عدم ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).

1) وهيب بن خالد الباهلي([81]) وهو ثقة ثبت - ثنا عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري t به.

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج11 ص416)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص806)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص185)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص289)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص191)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص56) من طرق عن وهيب بن خالد به.

2) خالد بن عبد الله الطحان([82]) وهو ثقة ثبت عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري t به.

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص252)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص43)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص807)، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1233)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص350)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص34) من طرق عن خالد بن عبد الله به.

* وتابع عمرو بن يحيى، سليمان التيمي عن أبي نضرة العبدي عن أبي سعيد الخدري به، بنحوه؛ دون ذكر: (لم يعملوا خيرا قط).

أخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص807 و808)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص186)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص476)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1097) من طرق عن سليمان التيمي به.

وإسناده صحيح.

وقال الحافظ الذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص35): وإسناده حسن صحيح.

* وتابع سليمان التيمي: جماعة من الرواة الثقات، على عدم ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).

1) عثمان بن غياث الزهراني([83]) وهو ثقة ثنا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري t به.

أخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص809 و810) من طرق عن عثمان بن غياث به.

وإسناده صحيح.

2) سعيد بن يزيد الأزدي([84]) وهو ثقة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t به.

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص78)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1441)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص810)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص471)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص252)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص427) من طرق عن سعيد بن يزيد به.

3) سعيد الجريري وهو ثقة مختلط، وقد وافق الثقات عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري tبه.

أخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص812)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص484)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (861)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص20) من طرق عن الجريري به.

وإسناده صحيح، وروى بعضهم عن الجريري قبل اختلاطه.

4) عوف بن أبي جميلة الأعرابي وهو ثقة([85]) عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t به.

أخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص813)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص465)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1097) من طريقين عن عوف بن أبي جميلة به.

وإسناده صحيح.

قلت: وفيه متابعة عوف بن أبي جميلة، لسعيد الجريري عن أبي نضرة.

5) أبو مسلمة: سعيد بن يزيد وهو ثقة([86]) - عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t به.

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص90)، والدارمي في «المسند» (727)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص461)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص293)، وفي «الاعتقاد» (ص140)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص812)، وأبو يعلى في «المسند» (ج2 ص348)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص252)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص35)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص186)، والطبري في «جامع البيان» (ج1 ص248) من طريق بشر بن المفضل عن أبي مسلمة به.

* وتابعه سليمان بن عمرو عن أبي سعيد الخدري t به، وفيه: (ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا، فيخرجونهم منها، قال: ثم يتحنن الله برحمته على من فيها، فما يترك فيها عبدا في قلبه حبة من إيمان إلا أخرجه منها).

أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص585)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص11)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (103)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج7 ص81)، وابن جرير في «تفسيره» (ج9 ص113)، والخلال في «السنة» (ج2 ص51)، والخطيب في «الموضح» (ج2 ص116)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص325)، وحسين المروزي في «زوائد الزهد» (ص448) من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب عن سليمان بن عمرو به.

وإسناده فيه مقال([87])، ولا يصح، وقد حسنه الشيخ مقبل الوادعي في «الشفاعة» (ص160).

وانظر: «تعجيل المنفعة» لابن حجر (ص356).

* وهؤلاء الثقات ذكروا الحديث: بعضهم مطولا، وبعضهم مختصرا؛ بذكر الشاهد من الحديث، ولم يذكروا الزيادة: (لم يعملوا خيرا قط).

* وهم أكثر: فالقول قولهم بلا شك؛ لاتفاقهم على عدم ذكر الزيادة، وهم جماعة، فالقول قول الجماعة.

قلت: والذين ذكروا هذه الزيادة قد تكلم فيهم: غير واحد من أهل العلم؛ لأوهامهم فلا يحتج بما خالفوا فيه، وقد ذكروها بألفاظ مضطربة عندهم؛ وهم:

1) عبد الرزاق بن همام الصنعاني، له أوهام ويخالف.

2) سويد بن سعيد الحدثاني، يخطئ ويهم ويخالف.

3) هشام بن سعد المدني سيئ الحفظ.

قلت: وقد أعل أئمة الحديث بعض الزيادات بالشذوذ حتى لو رواها ثلاثة، أو أكثر في الصحيحين، أو غيرهما.

* فقد أعلوا زيادة: (فصاعدا)، بالشذوذ، عند مسلم في «صحيحه» (ج2 ص8) في حديث عبادة بن الصامت t (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا)، رغم أن هذه الزيادة رواها ثلاثة من الرواة الثقات: قتيبة، وأحمد بن السرح، ومعمر.

* وممن أعل هذه الزيادة: (فصاعدا): الشيخ ناصر الدين الألباني / فقال: في «صحيح سنن أبي داود» (ج3 ص406): (وقد أخرجاه - يعني: حديث عبادة بن الصامت - من طرق عن سفيان بن عيينة، دون قوله: (فصاعدا)، وأراه هو المحفوظ، فقد أخرجه سائر الأئمة في كتبهم عن بضعة عشر حافظا، كلهم عن سفيان: بدون هذه الزيادة...). اهـ.

* وكذلك أعلها الحافظ البخاري / في «جزء القراءة» (ص4).

قلت: فافطن لهذا ترشد والله ولي التوفيق.

* فهؤلاء([88]) لوهمهم ذكروا الزيادة، فخالفوا الجماعة الذين رووا: حديث أبي سعيد الخدري t، بدون ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، والقول قول الجماعة.

قلت: ولقد اعتبر أهل الحديث وجوه الترجيح باعتبار سند الحديث.

* فوجوه الترجيح باعتبار حال الراوي المتعلقة به من حيث عدالته وضبطه.

فإذا كان راوي أحدهما متفقا على عدالته وضبطه، والآخر مختلفا في عدالته، وضبطه؛ فيرجح الحديث الذي اتفق على عدالة راويه، على الحديث الذي اختلف في عدالة راويه.

* وكذلك اعتبر أهل الحديث وجوه الترجيح باعتبار مجموعة الرواة لضبطهم، أي: باعتبار قوة السند في مجموعه([89])، لأن الجماعة أكثر حفظا وضبطا من الأقل.

فيرجح ما روته الجماعة من الرواة الثقات.

قال العلامة القاسمي / في «قواعد التحديث» (ص323): (الترجيح بكثرة الرواة: فيرجح ما رواته أكثر على من أقل؛ لقوة الظن به، وإليه ذهب الجمهور).اهـ.

وقال الحافظ ابن دقيق العيد / في «الاقتراح» (ص55): (يمكن أن يكون للترجيح مدخل عند تعارض الروايات، فيكون من لم يتكلم فيه أصلا راجحا على من قد تكلم فيه، وإن كان جميعا من رجال الصحيح، وهذا عند وقوع التعارض).اهـ.

وقال الإمـام أحمـد /: (الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضا).([90])

وقال الإمام ابن المبارك /: (إذا أردت أن يصح لك الحديث، فاضرب بعضه ببعض).([91])

* أي قارن بين طرقه، وألفاظه بعين فاحصة، ونظرة ناقدة يتبين لك الصحيح منه سندا، ومتنا.

وقال الإمام ابن معين /: (لو لم نكتب الحديث من مئة وجه، ما وقعنا على الصواب).([92])([93])

* ثم للحديث شواهد: في الشفاعة بمثل حديث أبي سعيد الخدري t؛ مع اختلاف يسير في الألفاظ، ليس فيها ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ رواها الثقات عن أبي هريرة، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله y؛ مما يتبين شذوذ هذه الزيادة.

1) أما حديث أبي هريرة t.

فأخرجه البخاري في «صحيحه» مطولا (ج11 ص444)، و(ج13 ص419)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص504)، وفي «السنن الصغرى» (1140)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص162)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص407)، والطيالسي في «المسند» (2383)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (ج2 ص238)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص173)، والدارقطني في «الرؤية» (32 و33)، والطبري في «تفسيره» (ج13 ص155)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص292)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص787)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص256)، وفي «البعث» (ص176)، وعثمان الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص91)، والآجري في «التصديق» (ص65) من طريق معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة t قال: (قال أناس: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال r: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب. قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب. قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك، يجمع الله الناس، فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه، ويضرب جسر جهنم، قال رسول الله r: فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم. وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان. قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم، منهم الموبق([94]) بعمله ومنهم المخردل([95])، ثم ينجو، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج، ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمر الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، فيقول: يا رب، قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فاصرف وجهي عن النار، فلا يزال يدعو الله، فيقول: لعلك إن أعطيتك أن تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، فيصرف وجهه عن النار، ثم يقول بعد ذلك: يا رب قربني إلى باب الجنة، فيقول: أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره، ويلك ابن آدم ما أغدرك، فلا يزال يدعو، فيقول: لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره، فيقربه إلى باب الجنة، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: رب أدخلني الجنة، ثم يقول: أو ليس قد زعمت أن لا تسألني غيره، ويلك ابن آدم ما أغدرك، فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها، فإذا دخل فيها قيل: تمن من كذا، فيتمنى، ثم يقال له: تمن من كذا، فيتمنى، حتى تنقطع به الأماني، فيقول له: هذا لك ومثله معه).

* قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا.

* قال: وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة: لا يغير عليه شيئا من حديثه، حتى انتهى إلى قوله: (هذا لك ومثله معه). قال أبو سعيد: سمعت رسول الله r يقول: (هذا لك وعشرة أمثاله). قال أبو هريرة حفظت: (مثله معه).

وأخرجه الآجري في «الشريعة» (259) من طريق عبد الرزاق، ومحمد بن ثور؛ كلاهما: عن معمر به.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» مطولا (ج11 ص444)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص789)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص162)، وابن تيمية في «منتقى العوالي» (ص166 و167)، وابن عبد الهادي في «مسألة التوحيد وفضل لا إله إلا الله» (ص56)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص167)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص479)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11488)، و(11647)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص181)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص247)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص139)، وفي «الأسـمـاء والـصـفـات» (ج2 ص66)، والآجري في «التصديق بالنظر إلى الله في الآخرة» (ص64)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص275) من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد عن أبي هريرة t به.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» مطولا (ج13 ص419)، وعثمان الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص90)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص293)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص457)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1177)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص159)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص784)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (ج2 ص238) من طرق عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة t به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» مطولا (ج1 ص163)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص246) من طريق زهير بن حرب ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي به.

وأخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص786) من طريق الليث بن سعد عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة t به.

وأخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص787) والحنائي في «الفوائد» (ق/82/ط) من طريق محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة t به.

* ورواه بعضهم مطولا، وبعضهم مختصرا.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص400) من طريق سليمان بن داود ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال أخبرني صالح بن أبي صالح مولى التوأمة قال أخبرني أبو هريرة t قال: قال رسول الله r: (ليتحمدن الله يوم القيامة على أناس (ما عملوا من خير قط) فيخرجهم من النار بعد ما احترقوا فيدخلهم الجنة برحمته بعد شفاعة من يشفع).

حديث منكر

قلت: ورواية صالح بن أبي صالح رواية شاذة بلا شك، لأن صالح بن أبي صالح وإن كان صدوقا، إلا أنه قد تكلم فيه غير واحد من أهل العلم لاختلاطه، فلا يحتج بما خالف فيه.([96])

* فخالف الثقات الأثبات في هذا الحديث بذكر زيادة: (ما عملوا من خير قط)، وهم: رووا حديث أبي هريرة t، بدون ذكر هذه الزيادة، كما سبق.

قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص488): «صدوق اختلط بآخره».

وقال الشيخ مقبل الوادعي / في «الشفاعة» (ص144): (الحديث ضعيف: لأن في سنده صالح بن أبي صالح مولى التوأمة، وهو صالح بن نبهان، مختلط). اهـ.

قلت: وأنـت تـرى بـأن هـذه الـزيـادة، لا يـذكـرها؛ إلا الـذي ساء حفظه بسبب الاختلاط وغيره، مما يتبين شذوذها، وإلا لماذا الرواة الثقات الأثبات لم يذكروا هذه الزيادة؟!

قلت: ثم إن المحققين من أهل الحديث قديما وحديثا، لا يكتفون حين الطعن في الحديث من جهة إسناده فقط، بل كثيرا ما ينظرون إلى متنه أيضا فإذا وجدوه غير متلائم مع نصوص الشريعة، أو قواعدها؛ لم يترددوا في الحكم عليه بالشذوذ، وغيره.

قلت: والوهم يتعلق بالخلل في ضبط الراوي للحديث، والحفاظ قد عنوا بضبط متون السنة نفسها أشد الاعتناء، فكانوا يعرضون ما يريبهم منها من ألفاظ، أو روايات، وعلى ما علموا من قواعد شرعية مقررة، أو نصوص قاطعة من الكتاب والسنة، فإذا خالفت الألفاظ، أو الروايات ذلك طرحوها جانبا، وحكموا على راويها بالوهم، ولمعرفة نماذج من ذلك يكفي أحدنا مطالعة كتب العلل والرجال، كل ذلك صيانة للسنة من أن يدخلها ما ليس منها.([97])

قال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج1 ص27): عندما ذكر جهاد الصحابة، ونقدهم للحديث، وقبوله: (ثم أخذ مسلكهم - أي: الصحابة - واستن لسنتهم، واهتدى بهديهم، فيما استنوا من التيقظ في الروايات جماعة من أهل المدينة من سادات التابعين). اهـ.

وأخرجه أبو الشيخ في «العظمة» مطولا (ص136 و143) من طريق إسماعيل بن محمد بن يزيد عن محمد بن كعب عن أبي هريرة t به. وفيه: (ولم يبق في النار أحد (عمل لله خيرا قط) قال الله عز وجل: بقيت أنا، وأنا أرحم الراحمين، ثم يدخل كفه في جهنم، فيخرج ما لا يحصي عدده أحد إلا هو).

قلت: وإسناده ضعيف أيضا لا يحتج به، فيه إسماعيل بن محمد بن يزيد، وهو مجهول، ولعل في الظاهر أنه تصحيف، وصوابه: إسماعيل بن رافع عن محمد بن يزيد، كما في: «المطبوعة الأخرى»، لكتاب «العظمة» (ج3 ص822) برقم (386)، وكما في الحديث الآخر (ج3 ص838) برقم (387).

قلت: ومن هذا الوجه، أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص283) برقم (273)، وأبو الشيخ في «العظمة» (ج3 ص838) برقم (387)، وابن أبي الدنيا في «الأهوال» (ص86) من طريق إسماعيل بن رافع المدني عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة t به، وهذا يؤكد ما صوبناه، ومع ذلك فسنده لا يحتج به لجهالة محمد بن يزيد، وضعف إسماعيل بن رافع المدني،([98]) ورجل لم يسم.

وأخرجه ابن أبي الدنيا في «الأهوال» (ص169) من طريق إسماعيل بن رافع عن محمد بن كعب عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة t به.

قلت: وهذا سنده كسابقه، منكر.

وأخرجه الطبراني في «الأحاديث الطوال» (ص56) من طريق إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب عن أبي هريرة t به.

قلت: وهذا سنده كسابقه، منكر.

وانظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج8 ص126).

2) وأما حديث أنس بن مالك t.

فأخرجه البخاري في «صحيحه» مطولا (ج13 ص473 و474)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص182)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11131)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص183)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج19 ص66)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج15 ص551)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص261)، وأبو يعلى في «المسند» (4350)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص841)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص157)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج28 ص241)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص23)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص42)، وفي «الاعتقاد» (ص77)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص289) من طرق عن حماد بن زيد: حدثنا معبد بن هلال العنزي قال: اجتمعنا ناس من أهل البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك t، وذهبنا معنا بثابت البناني إليه، يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره، فوافقناه يصلي الضحى، فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة، هؤلاء إخوانك من أهل البصرة، جاؤوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال t: حدثنا محمد r قال: (إذا كـان يـوم القيامة ماج([99]) الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع([100]) لنا إلى ربك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن([101])، فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيأتون موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته([102])، فيأتون عيسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد r، فيأتونني، فأقول: أنا لها، فأستأذن([103]) على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد([104]) أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد، وأخر([105]) له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل).

فلما خرجنا من عند أنس، قلت لبعض أصحابنا: لو مررنا بالحسن، وهو متوار([106]) في منزل أبي خليفة، فحدثناه بما حدثنا أنس بن مالك t، فأتيناه فسلمنا عليه فأذن لنا، فقلنا له: يا أبا سعيد، جئناك من عند أخيك أنس بن مالك، فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة، فقال: هيه([107])، فحدثناه بالحديث، فانتهى إلى هذا الموضع، فقال: هيه، فقلنا: لم يزد لنا على هذا، فقال: لقد حدثني، وهو جميع([108])، منذ عشرين سنة، فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا([109])، قلنا يا أبا سعيد فحدثنا: فضحك وقال: خلق الإنسان عجولا، ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم، حدثني كما حدثكم به، وقال: (ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله).

قال الحافظ البيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص286): (وفي رواية: معبد بن هلال عن أنس بن مالك t عن النبي r، في هذه القصة: ما دل على أن ذلك، لأهل الكبائر من أمته).

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص296)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص272 و273)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص253)؛ مطولا من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس t: مرفوعا، وفيه بلفظ (فيقال: أخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة).

وإسناده صحيح.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص144)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص502)، والضياء في «الأحاديث المختارة» (ج6 ص322)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص846)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج5 ص479)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص27)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص330)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص276) من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك t: مرفوعا، وفيه: (فيقول: اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان، فأدخله الجنة فأذهب، فمن وجدت في قلبه ذلك، أدخلتهم الجنة، وفرغ من حساب الناس، وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار، فيقول أهل النار: ما أغنى عنكم، إنكم كنتم تعبدون الله، لا تشركون به شيئا، فيقول الجبار: بعزتي لأعتقنهم من النار، فيرسل إليهم، فيخرجون من النار، قد امتحشوا، فيدخلون في نهر الحياة، فينبتون فيه، كما ينبت الحبة في غثاء السيل).

وإسناده صحيح.                               

وقال ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص847): هذا حديث صحيح مشهور عن ابن الهاد.

وقال الذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص26): هذا حديث صحيح غريب.

وأخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص279) من طريق ابن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن سهيل بن أبي صالح عن زياد النميري عن أنس بن مالك t به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص182)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (ص354)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص184)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1100)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص177)، والطيالسي في «المسند» (1966)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص173)، والترمذي في «سننه» (2593)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (851)، وأبو يعلى في «المسند» (3273) من طرق عن شعبة عن قتادة عن أنس t قال: قال رسول الله :r (يقول الله: أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، ومن كان في قلبه من الخير ما يزن برة، أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، ومن كان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله ومن كان في قلبه من الخير ما يزن ذرة).

* وتابعه هشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس t به.

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص392)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص182)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص184)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1442)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص116)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص191)، وفي «الـتـفـسـيـر» (ج3 ص204)، والـبـيـهـقي في «الأسـمـاء والـصـفـات» (ج1 ص487)، و(ج2 ص118)، وفي «شعب الإيمان» (ج1 ص285)، وفي «الاعتقاد» (ص90 و249)، والـتـرمـذي في «سنـنـه» (2593)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص271)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص809)، وفي «التوحيد» (ج3 ص90)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص266)، والطيالسي في «المسند» (1966)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص378)، وفي «الزهد» (849)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص338)، وابن مردويه في «ثلاثة مجالس من أماليه» (ص206)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص450)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (ص357)، وأبو يعلى في «المسند» (ج5 ص305 و331 و351)، والخلال في «السنة» (ج5 ص52)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص199)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص462)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص394)؛ بلفظ: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة).

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص300) مختصرا، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1228) من طريق حميد الطويل عن أنس بن مالك t به.

وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» (ص300) من طريق الحسين بن الحسن قال حدثنا المعتمر بن سليمان عن حميد الطويل عن أنس t به.

وإسناده حسن.

* وتابعه: محمد بن أبي بكر ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن أنس t به.

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص286).

وإسناده صحيح.

وأخرجه ضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج7 ص249 و250) من طريق حرب بن ميمون الأنصاري عن النضر بن أنس عن أنس t به.

وإسناده صحيح.

قال ضياء الدين المقدسي: (فقد ورد في «الصحيح» من حديث أنس، حديث الشفاعة؛ إلا أن هذا فيه ألفاظ ليست في ذلك).

وقال الحافظ البيهقي / في «شعب الإيمان» (ج1 ص286): (هذا الحديث يجمع شفاعة النبي r؛ لأهل الجمع، حتى يريحهم من مكانهم الذي بلغوا فيه من الغم والكرب ما لا يطيقون من طول القيام في الشمس، ثم شفاعته لأهل الذنوب من أمته). اهـ.

وقال الحافظ البيهقي / في «شعب الإيمان» (ج1 ص286): (وفي كل ذلك دلالة على أنه يشفع لأهل الكبائر من أمته). اهـ.

وقال الحافظ البيهقي / في «شعب الإيمان» (ج1 ص295): (وقد ثبت بما ذكرنا، أن المؤمن لا يخلد في النار بذنوبه، غير أن القدر الذي يبقى فيها غير معلوم، والذي تلحقه الشفاعة ابتداء حتى لا يعذب أصلا غير معلوم فالذنب خطره عظيم، وشأنه جسيم وربنا غفور رحيم، عقابه شديد أليم). اهـ.

قلت: وهذا يدل على أن الذين يخرجون من النار من المسلمين من أهل الكبائر من أمة النبي r، وقد عملوا أعمالا، لكن دخلوا النار بسبب ذنوبهم، ثم أدخلوا الجنة على ما عندهم من إيمان، وهذا لا يكون إلا من عمل، فافطن لهذا.

قال الإمام أبو عمرو الداني / في «الرسالة الوافية» (ص112): (ومن قولهم - يعني: أهل السنة - إن الله تعالى يشفع نبيه r، وأهل بيته وصحابته، ومن يشاء من صالح عباده، في عصاة أهل ملته، ويخرج بشفاعة رسول الله r من النار قوم: بعد ما امتحشوا فيها وصاروا حمما، ويدخلون الجنة، ويغسلون في ماء الحياة فتنبت لحومهم كما تنبت الحبة في حميل السيل، على ما أتت به الأخبار الصحاح عن الرسول r). اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص148): (وأما شفاعته r؛ لأهل الذنوب من أمته، فمتفق عليها بين الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم، وأنكرها كثير من أهل البدع، والخوارج والزيدية). اهـ.

وقال أبو الحسن الأشعري / في «رسالته إلى أهل الثغر» (ص90): (أجمعوا على أن شفاعة النبي r؛ لأهل الكبائر من أمته، وعلى أنه يخرج من النار قوما من النار، بعد أن صاروا حمما). اهـ.

وقال الحافظ الذهبي / في «إثبات الشفاعة» (ص20): (نؤمن أن الله تعالى يخرج من النار من في قلبه أدنى وزن ذرة من إيمان؛ برحمته، وكرمه، وشفاعة نبيه r، وغير ذلك). اهـ.

3) وأما حديث جابر بن عبد الله t.

فأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص177 و178)، وابن شاذان في «حديث ابن جريج» (ص105)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص283)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص139) من طريق ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله t، وفيه: (ثم تحل الشفاعة، ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه).

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص178)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص404)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص466 و467)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1092 و1093)، والحميدي في «المسند» (1245)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج12 ص177)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص294)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص 191)، وفي «الاعتقاد» (ص252)، وابن سمعون في «الأمالي» (ص189)، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1231) من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو سمع جابرا t يقول: سمعه من النبي r بأذنه يقول: (إن الله يخرج ناسا من النار فيدخلهم الجنة).

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص178)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص263) من طريق قيس بن سليم العنبري قال حدثني يزيد الفقير حدثنا جابر بن عبد الله t قال: قال رسول الله :r (إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم، حتى يدخلون الجنة).

وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص409)، وابن الجعد في «حديثه» (2639 و2643)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص325) من طريق زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر t به.

وإسناده صحيح، وأبو الزبير توبع، كما سبق.

قلت: فهذه الأحاديث تدل على شذوذ الأحاديث المتقدمة جميعها من جهة ما فيها من ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، وهو الصواب بلا ريب.

* ثم إن المحققين من أهل الحديث قديما وحديثا، لا يكتفون حين الطعن في الحديث من جهة إسناده فقط، بل كثيرا ما ينظرون إلى متنه أيضا، فإذا وجدوه غير متلائم مع نصوص الشريعة، أو قواعدها، لم يترددوا في الحكم عليه بالشذوذ وغيره.

قلت: ولا ريب أن الصواب مع الذين لم يذكروا زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ لأن النصوص في عدم ذكرها محكمة.

* وقد روي حديث الشفاعة في: «الصحيح» من طريق الثقات الأثبات، كما سبق من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وأنس بن مالك t، غير أن في هذا ألفاظا ليس فيها كـ(لم يعملوا خيرا قط)، و(بغير عمل عملوه ولا خير قدموه)، و(بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه).

* وهذا ما تيسر جمعه، مما له صلة بالباب من أحاديث الشفاعة، وإلا أحاديث الشفاعة كثيرة، وأنا اقتصرت على الأقرب من ألفاظ الباب، وقد بسطت القول في ذلك لعظم الفائدة المترتبة من معرفة الأحكام في هذه الروايات.

قلت: فكذلك هذه الشواهد ذكرها الثقات الأثبات في أحاديث الشفاعة، ولم يذكروا: (لم يعملوا خيرا قط)؛ فهي روايات الجماعة، وروايات الجماعة أولى أن تكون محفوظة.

* إذا يسوغ لنا ويدفعنا إلى القطع، والجزم بعدم صحة هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط).

قلت: وهذه اللفظة تعتبر من الألفاظ التي تنكر على الإمام مسلم / في «صحيحه».

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص73)، بعدما علق على: «صحيح البخاري» قال: (وأما - صحيح - مسلم ففيه ألفاظ عرف أنها غلط).اهـ.

قلت: وعلى فرض صحة زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ فهي تعتبر من الزيادات المجملة التي تحتاج إلى تفسير، لأن أحاديث الشفاعة جاءت مجملة ومفسرة، ومختصرة ومتقصاة، كما ذكر ذلك الإمام ابن خزيمة / في «كتاب التوحيد» في غير ما موضع، وعليه فتحمل الأحاديث المجملة على المفسرة، طالما أن الجمع ممكن من جهة القواعد الحديثية.([110])

قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ج2 ص602): (فأصحاب النبي r ربما اختصروا أخبار النبي r إذا حدثوا بها، وربما اقتصوا الحديث بتمامه، وربما كان اختصار بعض الأخبار، أن بعض السامعين، يحفظ بعض الخبر، ولا يحفظ جميع الخبر، وربما نسي بعد الحفظ بعض المتن، فإذا جمعت الأخبار كلها، علم حينئذ جميع المتن والسند، ودل بعض المتن على بعض، كذكرنا أخبار النبي r في كتبنا، نذكر المختصر منها، والمتقصى منها، والمجمل والمفسر، فمن لم يفهم هذا الباب لم يحل له تعاطي علم الأخبار، ولا ادعاؤها). اهـ.

قلت: والناظر في أحاديث الشفاعة يجد هذا بجلاء، بل لا تكاد ترى حديثا في هذا الباب؛ إلا وفيه إجمال، أو إبهام([111])، والموفق من وفقه الله تعالى.

قال الإمام الشاطبي / في «الموافقات» (ج5 ص401): (فالمجمل: الشأن فيه طلب المبين، أو التوقف). اهـ.

قلت: بل المجمل ما لا يكفي وحده في العمل به، وإن كان ظاهرا حقا.([112])

قال الإمام الشاطبي / في «الموافقات» (ج4 ص637): (فإذا ثبت هذا، فإن وجد في الشريعة مجمل، أو مبهم المعنى، أو ما لا يفهم، فلا يصح أن يكلف بمقتضاه، لأنه تكليف بالمحال، وطلب ما لا ينال، وإنما يظهر هذا الإجمال في المتشابه([113]) الذي قال الله فيه: ]وأخر متشابهات[ [آل عمران: 7]. اهـ.

* واعلم أن المقصود الشرعي من الخطاب الوارد على المكلفين تفهم ما لهم، وما عليهم، مما هو مصلحة لهم في دنياهم وأخراهم، وهذا يستلزم كونه بينا واضحا لا إجمال فيه ولا اشتباه، ولو كان فيه بحسب هذا القصد اشتباه وإجمال لناقض أصل مقصود الخطاب، فلم تقع فائدة، وذلك ممتنع من جهة رعي المصالح تفضلا، أو انحتاما، أو عدم رعيها إذ لا يعقل خطاب مقصود من غير تفهيم مقصود.([114])

قال الإمام الشاطبي / في «الموافقات» (ج3 ص328): (إذ قد تبين في باب الإجمال والبيان، أن المجمل لا يتعلق به تكليف إن كان موجودا ؛ لأنه إما أن يقع بيانه بالقرآن الصريح، أو بالحديث الصحيح، أو بالإجماع القاطع، أو لا، فإن وقع بيانه بأحد هذه، فهو من قبيل الضرب الأول من التشابه، وهو الإضافي وإن لم يقع بشيء من ذلك فالكلام في مراد الله تعالى من غير هذه الوجوه تسور على ما لا يعلم، وهو غير محمود). اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج17 ص386): (وقد قال كثير من السلف([115]): إن المحكم ما يعمل به، والمتشابه ما يؤمن به، ولا يعمل به).اهـ.

* والنبي r كان مبينا بقوله، وفعله، وإقراره؛ لما كان مكلفا بذلك، في قوله تعالى: ]وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النحل: 44].

قلت: فكان r يبين للناس ما نزل إليهم في أحكام كثيرة([116]).

* وعلى الجملة: فالمراعى ها هنا، مواضع طلب البيان الشافي المخرج عن الانحراف عن الفهم الصحيح، لنصوص الكتاب والسنة، والراد إلى الصراط المستقيم، ومن تأمل سير السلف الصالح في هذا المعنى تبين ما تقرر بحول الله تعالى، ولا بد من بيان هذه الجملة: (لم يعملوا خيرا قط)، بالنسبة إلى الحكم الصحيح فيها حتى يظهر منها الغرض المطلوب، والله المستعان.

* وهنا يجب أن يرعى ما يرجع إلى معنى صحيح في الاعتبار، متفق عليه في الجملة بين المختلفين، ويكون اللفظ المؤول قابلا له بحسب لغة العرب - كما بين ابن خزيمة وغيره من العلماء - جاريا ذلك على سنن اللغة العربية، واللفظ إذا كان قابلا بحسب اللغة العربية؛ فالحمل على اللغة أولى من الحمل على غيرها.

* فيحمل لفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، على العمل اليسير([117]) لصحة المعنى في الاعتبار بأن يكون متفقا مع الشريعة، قابلا له بوجه من وجوه الدلالة الحقيقية في النصوص الأخرى.([118])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص621): (وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجبا ظاهرا ، ولا «صلاة»، ولا «زكاة»، ولا «صياما»، ولا غير ذلك من الواجبات [أو] لا لأجل أن الله أوجبها، مثل أن يؤدي الأمانة أو يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله، لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد r). اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص611): (ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، ويعيش دهره لا يسجد له سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب، وزندقة لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع عن السجود الكفار). اهـ.

وقال الإمام الآجري / في «الأربعين» (ص135): (اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين: أن الإيمان واجب على جميع الخلق: وهو التصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح. ولا تجزئ معرفة بالقلب، والنطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح.

* فإذا كملت الخصال الثلاث كان مؤمنا. فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان.

* فمن لم يصدق الإيمان بعمله، وبجوارحه مثل: «الطهارة»، و«الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، و«الجهاد» أشباه لهذه، ورضي لنفسه المعرفة والقول، دون العمل لم يكن مؤمنا، ولم تنفعه المعرفة والقول). اهـ.

قلت: وهذا متفق عليه في الجملة بين المختلفين.([119])

قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص187): (وبالجملة: فالتأويل الذي يوافق ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها: هو التأويل الصحيح.

* والتأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة هو التأويل الفاسد). اهـ.

قلت: إذا فعلى فرض صحة زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)([120])، لا يدل ذلك على أن هؤلاء تركوا العمل مطلقا، وإنما يراد بها نفي الكمال.

لأن لا بد من اعتبار هذه الرواية ضمن باقي الطرق، والروايات، والشواهد الواردة في هذا الباب.

* ومن هنا يجب معرفة كيفية استنباط الأحكام الشرعية من نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وما يؤول إليها، ومعرفة طرق دلالة النص على المعاني الصحيحة الواضحة الدلالة.

لأن مهمة أهل العلم اقتباس الأحكام من أصولها، وعملهم يتطلب فقه النص، وفهمه الفهم الصحيح، إذ لا يمكن له استنباط الحكم من النص؛ إلا إذا أدرك المعنى الصحيح، وعرف مرمى اللفظ ومدلوله.

* وفهم النص يتوقف على معرفة الألفاظ الواضحة البينة في النصوص الأخرى، وبيانها في لغة العرب، وما تدل عليها ألفاظها مجملة، أو مفسرة.

فليست الألفاظ في النصوص في درجة واحدة من الوضوح والخفاء، فهي تتفاوت درجتها ووضوحها.

قلت: وقد يعرف الحكم من صريح عبارة النص، أو بواسطة إشارة النص التي تومئ إلى المعنى، أو من طريق دلالة الاقتضاء بتقدير لفظ لا بد من تقديره، وقد يكون النص صريحا في الحكم أولى بالحكم من غير الصريح، فيحكم بالمصرح به؛ لأنه أولى بالحكم.

* ثم إن اللفظ من جهة أخرى قد يكون مفسرا في نص آخر مقصورا على حكم ما، أو حكم معين فيتعين الحكم بجميع الألفاظ المتقاربة في الحكم؛ فيحكم بها على أنها الحكم الشرعي، وذلك على إفادة المعنى المفسر لمجمل نص، أو نصين، أو أكثر.([121])

قلت: ولا يحكم بالنص المجمل مع وجود النص المفسر له، لأن المعنى يحتمله بدليل، فصرفه إلى المعنى الحقيقي أولى.([122])

* إذا فيلزم من تفسير لفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، بالنصوص الأخرى المفسرة بالعمل اليسير والذي يؤهلهم أن يكونوا من المسلمين، والذي أوصلهم إلى هذا الحال ارتكابهم المخالفات الشرعية مما أضعف إيمانهم حتى استحقوا العذاب من الله تعالى بالنار.

* فألفاظ الأحاديث قيدت بحالة معينة، ألفاظها تدل على حكم معين، ما لم يرد دليل يدل على غيره.

* فدليل دل على مجمل وهو: (لم يعملوا خيرا قط)، ولكن قام الدليل على تفسيره بالعمل الصالح اليسير الذي أوصل بعضهم إلى أن يكون إيمانه كـ«شعيرة»، وبعضهم كـ«خردلة»، وبعضهم كـ«ذرة»، واتحدت الأدلة على ذلك فكانت هي الأولى.

قلت: فيحمل هنا المجمل على المفسر، وهذا باتفاق العلماء، كما هو مقرر في: «أصول الفقه»، لأن دل الدليل على الحمل، إذ لا تنافي في الجمع بينهما، ولا تعارض بينهما([123])، بل من المناسب حمل لفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، على الألفاظ الأخرى التي تدل على العمل اليسير من الخير، كما في حديث: أبي سعيد الخدري نفسه، وأبي هريرة، وجابر بن عبد الله y.

وأما أن يحكم بالمجمل مع وجود المفسر، فهذا عين الغلط في دين الله تعالى، وهذا تحكم، وهو باطل.

لأن المفسر: هو اللفظ الذي دل على معناه دلالة أكثر وضوحا، وبيانا من النص الظاهر، بحيث لا يحتمل التأويل.

* فهو يزيل الخفاء المحيط باللفظ، ويزيل إجماله، ويجعله واضحا للحكم به، فيجب العمل به قطعا؛ لأنه محكم.

والمحكم: هو اللفظ الذي دل بصيغته على معناه دلالة واضحة، لا تحتمل تأويلا، ولا غيره.

قلت: واللفظ المحكم يجب العمل به قطعا، دون تردد؛ لأنه لا يحتمل غير معناه.([124])

* إذا فالنص المفسر، والمحكم يوجبان الحكم قطعا، ويقينا، وهذا هو الأصل.

لأن العمل بالأوضح والأقوى أولى وأحرى، لأن فيه جمعا بين الدليلين بحمل ظاهر النص على احتماله الآخر الموافق للنص المفسر([125])، المبين للمشكل لإيضاح مدلول الكتاب والسنة من مجمل، وعام، ومطلق، وغير ذلك.([126])

قلت: وهذا بيان فحكمه تابع لما هو بيان له؛ لأنه حكم الشرع في تلك المسألة، فالدال بمنطوقه أولى، ويترجح العمل به.

قال الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص232): (أما المبين فهو: ما استقل بنفسه في الكشف عن المراد، ولم يفتقر في معرفة المراد إلى غيره، وذلك على ضربين:

ضرب يفيد بنطقه، وضرب يفيد بمفهومه.

فالذي يفيد بنطقه هو: النص، والظاهر، والعموم.

فالنص: كل لفظ دل على الحكم بصريحه، على وجه لا احتمال فيه.

* مثل: قوله تعالى: ]ولا تقربوا الزنا[ [الإسراء:32]، ]ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق[ [الإسراء:33]، ونحو ذلك من الألفاظ الصريحة في بيان الأحكام.

والظاهر: كل لفظ احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر.

* كالأمر والنهي وغيرهما من أنواع الخطاب الموضوعة للمعاني المخصوصة المحتملة لغيرها.

والعموم: ما عم شيئين فصاعدا.

وأما الضرب الذي يفيد بمفهومه فهو: فحوى الخطاب، ولحن الخطاب، ودليل الخطاب.

ففحوى الخطاب: ما دل عليه اللفظ من جهة التنبيه. كقوله تعالى: ]فلا تقل لهما أف[ [الإسراء:23]، فيه تنبيه على النهي عن ضربهما وسبهما، لأن الضرب والسب أعظم من التأفيف.

وأما لحن الخطاب فهو: ما دل عليه اللفظ من الضمير الذي لا يتم الكلام إلا به، مثل قوله تعالى: ]فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا[ [البقرة: 60]؛ ومعناه: فضرب فانفجرت.

* ومن ذلك أيضا: حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه: كقوله تعالى: ]واسأل القرية[ [يوسف:82]؛ ومعناه: اسأل أهل القرية.

* ولا خلاف أن هذا، كالمنطوق به في الإفادة والبيان.

وأما دليل الخطاب فهو: أن يعلق الحكم على إحدى صفتي الشيء، فيدل على أن ما عداها بخلافه، كقوله تعالى: ]إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة[ [الحجرات: 6]، فيه دلالة على أن العدل، إن جاء بنبإ لم يتبين.

* وكذلك: قوله تعالى: ]وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن[ [الطلاق: 6]؛ فيه دليل على أن المبتوتات غير الحوامل لا يجب عليهن الإنفاق.

وأما المجمل فهو: ما لا يعقل معناه من لفظه، ويفتقر في معرفة المراد إلى غيره.

* مثال ذلك: إن الله تعالى قال: ]وآتوا حقه يوم حصاده[ [الأنعام: 141]، وقال رسول الله r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها»([127]). فالحق المذكور في الآية، والمذكور في الحديث، كل واحد منهما مجهول الجنس والقدر، فيحتاج إلى البيان). اهـ.

قلت: فالعمل بالراجح متعين؛ لأنه ترجيح بدليل.

* وكذلك هذه الزيادة مشتبهة.

وطريقة أهل العلم أن يحمل المتشابه على المحكم.([128])([129])

قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «الخلاف بين العلماء» (ص5): (من المعلوم عند جميع المسلمين مما فهموه من كتاب الله، وسنة رسوله r أن الله تعالى بعث محمدا r بالهدى، ودين الحق، وهذا يتضمن أن يكون رسول الله r قد بين هذا الدين بيانا، شافيا، كافيا، لا يحتاج بعده إلى بيان). اهـ.

قلت: إذا لا بد من اعتبار هذه الرواية ضمن باقي الروايات، والشواهد الواردة في الباب، التي تبين مراد الله تعالى، ورسوله r في المعنى الصحيح لزيادة: (لم يعملوا خيرا قط).

* فالروايات الأخرى تبين بأن هؤلاء العباد من المسلمين الذين دخلوا النار بسبب ذنوبهم وضعف إيمانهم، ومنهم من يكون إيمانه قدر الذرة من الخير في قلبه، وهذا لا يكون؛ إلا من المسلم، ثم يخرجون من النار لبقاء شيء يسير من الخير فيهم، وهذا تفسير لزيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، وإليك الدليل:

1) عن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r قال: (يدخل الله أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار النار، ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حمما قد امتحشوا فيلقون في نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل، ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (4919)، و(7436)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص456)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص805)، وفي «الرد على الجهمية» (ص36)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص251)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص185)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص498)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص391)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص190)، وأبو يعلى في «المسند» (ج2 ص423)، والدارقطني في «الرؤية» (ص100)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص237)، والآجري في «الشريعة» (ص260)، واللالكائي في «الاعتقاد» (818)، والبيهقي في «الأسمـاء والـصـفـات» (ص344)، وفي «شعـب الإيـمـان» (ج1 ص289)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص191)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص94)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص23)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص533)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص112)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص314)، والخلال في «السنة» (ج1 ص46)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص350)، والمؤيد الطوسي في «الأربعين عن المشايخ الأربعين» (ص92)، وعبد بن حميد في «الـمنتـخب مـن المسند» (861)، وأسـد بـن مـوسـى في «الـزهـد» (ص52)، والحاكم في «الأربعين» (ق /1 /ط) من طريق مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى بن عمارة قال: حدثني أبي عن أبي سعيد الخدري t به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وأبو داود في «السنن» (ج2 ص441)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص427)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص7)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص252)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص186)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص461)، والطبري في «تفسيره» (ج1 ص248)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص293)، وفي «الاعتقاد» (ص40)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص882)، وأبو يعلى في «المسند» (ج2 ص348) من طريق أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: (أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما، أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر([130]) ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل).

وأخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (ص284) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري :t مطولا؛ وفيه: (فيقول الله: انظروا من كان في قلبه زنة دينار من إيمان فأخرجوه قال فيخرجون ثم يقول: انظروا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه قال فيخرجون؛ قال أبو سعيد الخدري t: بيني وبينكم كتاب الله، قال عبدالرحمن بن إسحاق: فأظنه يريد ]وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين[ [الأنبياء: 47]، قال: فيقذفون في نهر يقال له نهر الحياة، قال فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل أما ترون ما يكون من النبت...).

وإسناده حسن، وليس فيه زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).

وقال الشيخ الألباني / في «ظلال الجنة» (ص284): (إسناده جيد، وهو على شرط مسلم).

وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» (ص521) بهذا الإسناد، ومتنه، إلا أنه لم يسقه بتمامه.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص15)؛ مطولا من طريق عبد الرحمن بن إسحاق حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t؛ وفيه بلفظ: (فيقول الله عز وجل: انظروا من كان في قلبه زنة دينار من إيمان فأخرجوه، قال: فيخرجون، قال: ثم يقول: من كان في قلبه زنة قيراط من إيمان فأخرجوه ، قال: فيخرجون، قال: ثم يقول: من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه قال: فيخرجون، قال: ثم يقول أبو سعيد الخدري: بيني وبينكم كتاب الله، قال عبدالرحمن بن إسحاق: وأظنه يعني قوله ]وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين[ [الأنبياء:47]، قال: فيخرجون من النار فيطرحون في نهر يقال له نهر الحيوان، فينبتون كما تنبت الحب في حميل السيل...). وإسناده حسن.

2) وعن جابر بن عبد الله ؛ في حديث الشفاعة، وفيه: (ثم تحل الشفاعة، ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه).

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص177 و178)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص283)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص139)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص363)، والحميدي في «المسند» (1245)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج12 ص177)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص404)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص466 و467)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1092)، وابن سمعون في «الأمالي» (189)، وابن المظفر في «حديث شعبة» (ص122 و123)، وسعدان المخرمي في «جزئه» (ص35)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص56 و57)، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1231)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص294)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص191)، وفي «الاعتقاد» (ص252)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص409)، وابن الجعد في «حديثه» (2639 و2643) من طرق عن جابر بن عبد الله t به.

3) وعن أنس بن مالك t أن النبي r قال: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص473 و474)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص182)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص266)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص184)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11131)، وأبو يعلى في «المسند» (4350)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص841)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص157)، وفي «تفسيره» (ج3 ص204)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج28 ص341)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص42)، وفي «دلائل النبوة» (ج5 ص479)، وفي «الأسمـاء والصفات» (ج1 ص487)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص289)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج19 ص66)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج15 ص551)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص296)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص253)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص27)، والضياء المـقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج6 ص323)، وعبد بن حميد في «المنتخب» (ص354)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1100)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص177)، والطيالسي في «المسند» (1966)، والترمذي في «سننه» (2593)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (851)، وفي «السنة» (ص378)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1442)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص450)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص22)، والخلال في «السنة» (ج5 ص52)، وأبو القـاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص394)، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1228)، والنقاس في «فوائد العراقيين» (ص101)، وابن أبي داود في «البعث» (ص98)، وأســد بن موسى في «الزهد» (ص52) من طرق عن أنس بن مالك t به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص182) من طريق حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي قال: انطلقنا، إلى أنس بن مالك ثم ذكر: حديث الشفاعة -، وفيه: (فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان؛ فأخرجه منها، فأنطلق فأفعل... فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان؛ فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل).

قلت: فدلت هذه الروايات على تفسير ما أجمل؛ من قوله: (لم يعملوا خيرا قط)، وأنه يقصد به العمل اليسير من الخير، وهذا لا يقع إلا من المسلم بسبب ضعف إيمانه، وإسرافه في المعاصي والله المستعان.

قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج14 ص175): (وأنتم تروون عن النبي r قال: أنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، ومن كان في قلبه من الخير ما يزن ذرة). اهـ

قلت: وأن المراد بذلك ليس نفي مطلق العمل، وأنه يدخل في عمومها الصلاة، بدلالة آثار السجود التي حرمت على النار لكونهم يصلون.([131])

وإليك الدليل:

1) عن أبي هريرة t - في حديث الشفاعة وفيه: (حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يشهد أن لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون تحته، كما تنبت الحبة في حميل السيل).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص419)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص165)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص292)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص787)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص275)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص247)، والآجري في «الشريعة» (ص259)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص457)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص181) من طريق ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة t به.

2) وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله r: (إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم([132])، حتى يدخلون الجنة).

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص178)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص829) من طريق قيس بن سليم العنبري قال حدثني يزيد الفقير حدثنا جابر بن عبد الله t به.

* وقد بين عبد الله بن مسعود t عظم قدر الصلاة، ومنزلتها في الإسلام، ولا يحافظ عليها؛ إلا مسلم فقال t: (من سره أن يلقى الله غدا مسلما؛ فليحافظ على هؤلاء الصلوات، حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم r سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى... الحديث).

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص453)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص382 و455)، والطيالسي في «المسند» (313)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج2 ص7)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص58)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص255)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج2 ص249 و250)، وأبو داود في «سننه» (ج1 ص148)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص297)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص84) من طرق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود t به.

* بل حذيفة t: لما رأى رجلا، لا يتم الركوع، والسجود، قال له: (ما صليت: ولو مت مت على غير الفطرة، التي فطر الله محمدا r([133])). فما بالك الذي لا يصلي، ولا يعمل عملا قط.

قال الإمام المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص1009): (قال r في حديث الشفاعة: الذي رواه أبو هريرة، وأبو سعيد جميعا : (أنهم يخرجون من النار، يعرفون بآثار السجود)، قد بين لك أن المستحقين للخروج من النار بالشفاعة؛ هم المصلون). اهـ.

قلت: وهذه النصوص تدل على أن هؤلاء من المسلمين، لأنهم كانوا يصلون، ويحجون، ويصومون مع المسلمين.

وإليك الدليل أيضا:

عن أبي سعيد الخدري t، وفيه: (إذا خلص المؤمنون من النار فأمنوا... يقولون ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، فأدخلتهم النار، فيقول: اذهبوا، فأخرجوا من قد عرفتم؛ فيأتونهم فيعرفونهم بصورتهم، لا تأكل النار صورهم...).

حديث صحيح

أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (20857)، ومن طريقه: أحمد في «المسند» (ج3 ص94 و95)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5010)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص112)، والترمذي في «سننه» (2598)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص480) من طريق معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» (ص521)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص284)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص16) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t قال: قلنا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة فذكر الحديث؛ بطوله: وقال: فما أحدكم في حق يعلم أنه حق له بأشد مناشدة منهم لإخوانهم الذين سقطوا في النار، يقولون: أي رب كنا نغزوا جميعا، ونحج جميعا، ونعتمر جميعا، فبم نجونا اليوم وهلكوا، قال: فيقول الله تبارك وتعالى: انظروا من كان في قلبه زنة دينار من الإيمان فأخرجوه... الحديث).([134])

وإسناده حسن.

قال الشيخ الألباني / في «ظلال الجنة» (ص284): (إسناده جيد، وهو على شرط مسلم).

قلت: وهذه الأحاديث تدل أيضا؛ بأن المؤمنين يعرفون إخوانهم الذين في النار بصورهم، أو وجوههم([135])، فإن منهم: من أخذته النار إلى كعبيه، أو ركبتيه، أو حقويه، أو ثدييه، أو عنقه، ولا تغشى النار الوجوه، فالمعرفة تكون بالوجه أيضا، لا بمجرد أثر السجود في الوجه فقط.

* والرواية التي فيها: إدارات الوجوه ليست بصريحة على أن المراد بها أثر السجود فقط.

فقد قال العلامة الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج1 ص586): (قوله: الإدارات الوجوه، جمع دارة، وهو ما يحيط بالوجه من جوانبه، والمراد الوجه كله، لأن فيه محل السجود، ويحتمل أن يكون المراد محل السجود منه فقط، وهو الجبهة والأنف، وجمعت الدارات بحسب الأشخاص). اهـ.

* إذا دارات: جمع دارة، وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه([136]).

* هذا مع؛ أن رواية: (فيأتونهم فيعرفونهم بصورتهم لا تأكل النار صورهم)؛ صريحة في أن عرفوهم من صورهم ووجوههم([137])، لا بمجرد أثر السجود في الوجه فقط.([138])

قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص479): (باب ذكر الدليل على أن النبي r إنما أراد بقوله: «فيصيرون فحما»؛ أي: أبدانهم خلا صورهم، وآثار السجود منهم، إن الله عز وجل حرم على النار أكل أثر السجود من أهل التوحيد).اهـ.

* فالمؤمنون يعرفون إخوانهم بصورهم ووجوههم في جميع الدفعات، لأن النار لا تغشى جميع أبدانهم، إنما تغشاهم على حسب أعـمـالـهـم، باستثناء الوجه في بعضهم، والوجه وغيره في البعض الآخر.

قال أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج1 ص449): (فتكون النار لم تقرب صورهم، ولا وجوههم بالتغيير، ولا الأكل). اهـ.

* وأيضا جعل الله تعالى لهم علامة أخرى، وهي مسألة الوزن، سواء كان وزن شعيرة، أو برة، أو خردلة، أو ذرة، أو قيراط، أو نصف قيراط، أو نحو ذلك، مما جاء في الروايات.([139])

قلت: وهذه الأحاديث تدل على أن الله تعالى يعذب قوما من أهل الإيمان، ثم يخرجهم بالشفاعة حتى لا يبقى في النار، إلا من ذكرهم الله عز وجل: ]ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين[ [المدثر: 42 - 48].

قلت: هل ترون في هؤلاء خيرا.

* إذا لا يترك الله تعالى في النار أحدا فيه خير؛ إلا أخرجه لما في قلبه من الإيمان.

قال الإمام أحمد /: (قال الله تعالى: ]خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك[ [هود: 107]، فإنما يقع الاستثناء عندنا على أهل التوحيد... لما جاء عن النبي r أن له شفاعة لأهل الذنوب، فهذا ما أولنا).([140])

            * ويؤيده: حديث ابن مسعود t عن النبي r قال: (لا يدخل([141]) النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر).

            أخرجه مسلم في «صحيحه» (91)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص361)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص451)، وأبو يعلى في «المسند» (ج8 ص476)، و(ج9 ص226)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص384)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص31)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص589)، والبغوي في «شرح السنة» (ج13 ص165)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص22)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص405)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص89)، والجركاني في «جزئه» (ص92)، والقشيري في «الرسالة» (ص115)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج5 ص161)، وفي «الآداب» (661)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج3 ص362)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج5 ص2)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين» (206)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص184)، وفي «المستخرج» (ج1 ص167)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج5 ص155)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص351)، والطبراني في «المعجم الكبير» (10001)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص184) من طريق إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود t به.

            قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج14 ص183): (في هذا الباب عن ابن مسعود عن النبي r، الأول منهما على نفي دخول معه التخليد، وإثبات التخليد لمن سواهم). اهـ.

            وقال الحافظ ابن حبان / في «صحيحه» (ج7 ص405): (في هذا الخبر، معنيان اثنان:

            أحدهما: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر، أراد به جنة عالية يدخلها غير المتكبرين.

            وقوله r: «لا يدخل النار من كان في قلبه حبة خردل من إيمان»، أراد به نارا سافلة([142]) يدخلها غير المسلمين.

            والمعنى الثاني: لا يدخل الجنة أصلا من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر، أراد بالكبر: الشرك، إذ المشرك لا يدخل الجنة أصلا.

            وقوله r: «لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان»، أراد به على سبيل الخلود، حتى يصح المعنيان معا). اهـ.

            وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص621): (فمعنى: هذه الأخبار التي فيها ذكر بعض الذنوب الذي يرتكبه بعض المؤمنين، فإن النبي r يعني: قال: إن مرتكبه لا يدخل الجنة، معناها: أنه لا يدخل العالي من الجنان، التي هي دار المتقين الذين لم يرتكبوا تلك الذنوب، والخطايا والحوبات، وقد كنت أقول، وأنا حدث: جائز أن يكون؛ معنى: أخبار النبي r: «لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان»([143])؛ أي: لا يدخل النار دخول الأبد، كدخول أهل الشرك، والأوثان، كما قال النبي r: «أما أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها، ولا يحيون»؛ الأخبار التي قد أمليتها بتمامها، أو يكون معناها أي: لا يدخلون النار موضع الكفار، والمشركين من النار، إذ الله عز وجل، قد أعلم أن النار: سبعة أبواب، وأخبر أن لكل باب منهم جزءا مقسوما، فقال تعالى: ]لها سبعة أبواب[ [الحجر: 44]؛ فمعنى: هذا الخبر قد يكون أنهم لا يدخلون النار موضع الكفار منها). اهـ.

            وقال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج1 ص560): (وذكر في هذه الأحاديث في المعذبين من المؤمنين: «أن النار لا تأكل أثر السجود»، وفي الحديث الآخر: (يحرم صورهم على النار)، دليل على أن عذاب المؤمنين المذنبين بالنار خلاف عذاب الكافرين، وأنها لا تأتي على جميعهم). اهـ.

            وقال الإمام الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص175): (وأنتم تروون عن النبي r قال: «أنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله»، ومن كان في قلبه من الخير ما يزن ذرة). اهـ.

            وقال الإمام حرب الكرماني / في «المسائل» (ص430): (وأما معنى؛ حديث الشفاعة: (أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان)، إنما معناه: أن يخرج من براني النار). اهـ.

* وهؤلاء معهم شهادة أن لا إله إلا الله، وهذه الشهادة؛ معناها: التوحيد الخالص لله تعالى، لا مجرد التلفظ بها. وعلم بذلك أيضا، أنها تتضمن الصلاة، والدليل على ذلك: ذكر أثر السجود وغيره من العلامات التي تدل على إسلامهم، وهذا مستفاد من مجموع الروايات.

قلت: ثم إن لفظة: (لم يعملوا خيرا قط)، لا تدل بحال على امتناع وقوع العمل من العباد الذين دخلوا النار بسبب ذنوبهم مطلقا، بل قد تطلق مع وقوع بعض الأعمال اليسيرة، وإنما يراد بها نفي الكمال، والتمام([144])؛ فتنبه.

وإليك الدليل:

 1) عن أبي هريرة t، عن رسول الله r قال: (إن رجلا لم يعمل خيرا قط، وكان يداين([145]) الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز، لعل الله تعالى أن يتجاوز عنا، فلما هلك قال الله عز وجل له: هل عملت خيرا قط؟ قال: لا، إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس، فإذا بعثته ليتقاضى، قلت له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله تعالى: قد تجاوزت عنك).

حديث حسن

أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص91)، وفي «السنن الصغرى» (ج7 ص318)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص285)، وابن حبان في «صحيحه» (ج11 ص422)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص28)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص533)، والقاضي أبو يعلى في «ستة مجالس من أماليه» (ص51)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص41) من طريقين عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة t به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج4 ص309) وعزاه للنسائي.

* وأصله في «صحيح البخاري» (ج4 ص309)، و«صحيح مسلم» (1562)؛ من حديث: أبي هريرة t، ويأتي تفصيل ذلك.

قلت: فأطلق عليه أنه: «لم يعمل خيرا قط»، مع أنه كان ينظر المعسر، ويتجاوز عنه، وهذا مفهوم في لغة العرب.

وما حثه على هذه الخصلة الطيبة؛ إلا بسبب إيمانه الذي في قلبه.

قال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص41): (فقول هذا الرجل الذي: (لم يعمل خيرا قط)، غير تجاوزه عن غرمائه: (لعل الله أن يتجاوز عنا)؛ إيمان، وإقرار بالرب، ومجازاته، وكذلك قوله الآخر: (خشيتك يا رب) إيمان بالله، واعتراف له بالربوبية). اهـ.

2) وعن أبي مسعود t قال: قال رسول الله r: (حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كانرجلا موسرا فكان يخالط الناس فيقول لغلامه تجاوز عن المعسر، فقال الله جل وعلا لملائكته نحن أحق بذلك تجاوزوا عنه).

أخرجه مسلم في «صحيحه» (1561)، والترمذي في «سننه» (1307)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص120)، والطبراني في «المعجم الكبير» (537)، وابن حبان في «صحيحه» (ج11 ص427)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص356)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص29) من طريق الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود الأنصاري t به.

قلت: فأطلق عليه أنه لم يوجد له من الخير شيء، مع أنه كان ينظر المعسر، ويتجاوز عنه، ويخالط الناس للمساعدة، وغيرها.

3) وعن أبي هريرة t عن رسول الله r أنه قال: (نزع رجل لم يعمل خيرا قط غصن سواك عن الطريق، إما كان في شجرة فقطعه وألقاه، وإما كان موضوعا فأماطه، فشكر الله له بها فأدخله الجنة).

حديث حسن

أخرجه أبو داود في «سننه» (ج5 ص408)؛ بهذا اللفظ: من طريق الليث عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة t به.

قلت: وهذا سنده حسن.

قلت: فأطلق عليه أنه: «لم يعمل خيرا قط»، مع أنه أماط الأذى عن الطريق، وهذا مفهوم في لغة العرب.

* وهذا يبين أن الإيمان في قلبه وإن كان قليلا، فجعله الإيمان، أن يعمل لمساعدة الناس، وبذلك دخل الجنة.

* وهذا هو الذي يتبادر إلى ذهن السامع بالنسبة إلى زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ أي: المقصود بها العمل اليسير.([146])

قلت: لأنه لا يتصور أن ينتفي العمل من العبد نهائيا ثم يدخل الجنة!.

4) وعن أبي بكر الصديق t في حديث الشفاعة وفيه: (يقول الله عز وجل: أنا أرحم الراحمين، أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا، قال: فيدخلون الجنة، قال: ثم يقول الله عز وجل: انظروا في النار، هل تلقون من أحد عمل خيرا قط، قال: فيجدون في النار رجلا، فيقول له: هل عملت خيرا قط؟ فيقول: لا، غير أني كنت أسامح الناس في البيع والشراء، فيقول الله عز وجل: اسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي، ثم يخرجون من النار رجلا آخر فيقول له: عملت خيرا قط؟ فيقول: لا، غير أني قد أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار، ثم اطحنوني حتى إذا كان مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح، فقال الله عز وجل: لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك، قال: فيقول الله عز وجل: انظر إلى ملك أعظم ملك فإن لك مثله وعشرة أمثاله).

حديث حسن

أخرجه أبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص175)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص310)، وابن حبان في «صحيحه» (6476)، والدارمي في «الرد على الجهمية»  (181)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص335 و367)، والبزار في «المسند» (ج1 ص149)، والأموي في «مسند الصديق» (ص48)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج8 ص185)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص122)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (1556)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج1 ص122)، ويحيى بن معين في «التاريخ» (ج2 ص55)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص29)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص4)، وأبو يعلى في «المسند» (56)، والدولابي في «الكنى» (ج2 ص155)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (ج2 ص920) من طريق أبي نعامة العدوي عن أبي هنيدة البراء بن نوفل عن والان العدوي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق t به.

قلت: وهذا سنده حسن، ووالان العدوي، وثقه ابن معين، وابن حبان، وروى عنه اثنان.([147])

والحديث حسنه الشيخ الألباني في «ظلال الجنة» (ص335).

* وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج10 ص374) ثم قال: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، ورجالهم ثقات.

* ووالان العدوي: هو والان بن بهيس العدوي، ويقال، والان بن قرفة، ذكره أيضا البخاري في «التاريخ الكبير» (ج8 ص185)، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقال يحيى بن معين: «بصري ثقة»، كما في «الجرح والتعديل» (ج9 ص43).

والحديث ذكره الدارقطني في «العلل» (ج1 ص189؛ مسألة رقم: 14) ثم قال: (يرويه أبو نعامة... إلى أن قال: (ورواه الجريري عن أبي هنيد وأسنده عن حذيفة عن النبي r، ولم يذكروا؛ فيه: أبا بكر t، ووالان غير مشهور، إلا في هذا الحديث، والحديث غير ثابت). اهـ.

* وتعقبه ابن حجر في «لسان الميزان» (ج6 ص263): بقوله: (كذا قال، وقد قال يحيى بن معين: بصري: «ثقة»، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وأخرج حديثه في «صحيحه». قلت: وكذا أخرجه أبو عوانة، وهو من زياداته على مسلم). اهـ.

قلت: غاية ما أعل به هذا الحديث أمران:

الأول: جهالة والان.

الثاني: كون الجريري أسقط أبا بكر t من السند.

والجواب عن الأول: أن والان، قد روى عنه أبو هنيدة، كما عند ابن خزيمة في «التوحيد».

* وأما رواية: الجريري؛ بإسقاط أبي بكر t من السند؛ فلا تضر، لأن حذيفة بن اليمان هو صحابي، وعلى فرض أنه لم يسمعه من أبي بكر t؛ فهو: مرسل صحابي، ومراسيل الصحابة حجة؛ كما هو معروف عند أهل الحديث.([148])

فائدة:

قال المحدث الشيخ مقبل بن هادي الوادعي / في «الشفاعة» (ص33): (والان: وثقه ابن معين، كما في تعجيل المنفعة، وروى عنه اثنان، كما في «التوحيد» لابن خزيمة، فحديثه يصلح في الشواهد والمتابعات، وما انفرد به يتوقف فيه، وقد انفرد هنا بالسجود مرتين قدر جمعة، وبقوله: «ادعوا الصديقين»([149])، وتقديمهم على الأنبياء، وبقصة الذي أوصى بأن يحرق، وقصة الوصية: بالإحراق في «الصحيحين» في غير حديث الشفاعة، ومن غير هذه الطريق، والله أعلم). اهـ.

قلت: وفي الحديث ألفاظ منكرة، والأصل فيه الشاهد.

قال الحافظ الذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص30): هذا حديث غريب.

قلت: وللحديث شواهد سبق ذكرها.

قلت: وأصل الحديث في: «الصحيحين».

* فأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص731)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج5 ص41)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص534)، وفي «السنن الكبرى» (ج5 ص356)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص324)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص148) من طريق زهير بن معاوية حدثنا منصور بن المعتمر أن ربعي بن حراش حدثه أن حذيفة t قال: قال النبي r: (تلقت الملائكة روح رجل أي استقبلت ممن كان قبلكم، قالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: كنت آمر فتياني([150]) أن ينظروا([151]) المعسر([152]) ويتجاوزوا([153]) عن الموسر([154])، قال: فتجاوزوا عنه).

وفي رواية: (يا رب ما عملت شيئا أرجو به كثيرا).

قلت: وهذه الرواية تبين بأنه كان يعمل عملا قليلا، ولم يترك العمل مطلقا؛ فتنبه.

ولذلك قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص309): (وفي حديث الباب: والذي قبله أن اليسير من الحسنات إذا كان خالصا لله، كفر كثيرا من السيئات)([155]). اهـ.

قلت: فلا إيمان إلا بعمل.

قال الإمام أحمد /: (الإيمان لا يكون، إلا بعمل).([156])

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص843)، والمحاملي في «الأمالي» (ص303)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص149)، والمراغي في «الأربعين» (ص69)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص399)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص808)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص306)، والبزار في «المسند» (ج7 ص245)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص231)، وبحشل في «تاريخ واسط» (ص97) من طريق شعبة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة t قال: سمعت النبي r يقول: (مات رجل، فقيل له، قال: كنت أبايع الناس، فأتجوز عن الموسر، وأخفف عن المعسر، فغفر له).

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1273)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص395)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج5 ص430)، والبزار في «مسنده» (ج7 ص244)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص231)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج2 ص329) من طريق أبي عوانة حدثنا عبد الملك عن ربعي بن حراش قال: قال حذيفة t سمعت النبي r يقول: (إن رجلا كان فيمن كان قبلكم، أتاه الملك ليقبض روحه، فقيل له: عملت من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا وأجازيهم، فأنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر، فأدخله الله الجنة).

* قال حذيفة t وسمعت النبي r يقول: (إن رجلا حضره الموت، فلما يئس من الحياة أوصى أهله إذا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا، وأوقدوا فيه نارا، حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت، فخذوها فاطحنوها، ثم انظروا يوما راحا([157])، فاذروه في اليم([158]) ففعلوا، فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له).

* قال أبو مسعود عقبة بن عمرو t: وأنا سمعته يقول ذاك: «وكان نباشا»؛ يعني: للقبور.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1194) من طريق زهير حدثنا منصور عن ربعي بن حراش، أن حذيفة: حدثهم قال: قال رسول الله r: (تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا. قالوا: تذكر. قال: كنت أداين([159]) الناس. فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا([160]) عن الموسر، قال: قال الله عز وجل: تجوزوا عنه).

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1195)، وبحشل في «تاريخ واسط» (ص88)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص233)، والمحاملي في «الأمالي» (ص302) من طريق نعيم بن أبي هند عن ربعي بن حراش قال اجتمع حذيفة، وأبو مسعود: فقال حذيفة t: (رجل لقي ربه فقال: ما عملت؟ قال: ما عملت من الخير، إلا أني كنت رجلا ذا مال. فكنت أطالب به الناس، فكنت أقبل الميسور، وأتجاوز عن المعسور([161])، فقال: تجاوزوا عن عبدي).

* قال أبو مسعود t: سمعت رسول الله r يقول.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1195) من طريق أبي خالد الأحمر عن سعد بن طارق عن ربعي بن حراش عن حذيفة t: (أتي الله بعبد من عباده، آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدنيا (قال: ولا يكتمون الله حديثا)، قال: يا رب! آتيتني مالك، فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز([162])، فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر، فقال الله: أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي).

* فقال عقبة بن عامر الجهني([163])، وأبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعناه من في رسول الله r.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1195)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص808)، وصدر الدين البكري في «الأربعين» (ص153) من طريق شعبة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة عن النبي r: (أن رجلا مات فدخل الجنة... الحديث).

قال البخاري / في «صحيحه» (ج2 ص371): (وقال أبو مالك عن ربعي: «كنت أيسر على الموسر، وأنظر المعسر»، وتابعه: شعبة عن عبد الملك عن ربعي. وقال أبو عوانة عن عبد الملك عن ربعي: (أنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر)، وقال نعيم بن أبي هند عن ربعي: (فأقبل من الموسر، وأتجاوز عن المعسر).

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص731)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص250)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج5 ص43) من طريق الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة t عن النبي r قال: (كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه).

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1283)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1196)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص263)، والبغوي في «شرح السنة» (ج8 ص196)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص534) من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (كان رجل يداين الناس... الحديث).

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1196)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص252)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص356) من طريق يونس عن ابن شهاب، أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة t به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1196) من طريق الأعمش عن شقيق عن أبي مسعود t قال: قال رسول الله r: (حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال: قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه).

وعن أبي سعيد الخدري t عن النبي r: (أن رجلا كان قبلكم، رغسه([164]) الله مالا فقال لبنيه لما حضر: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني لم أعمل خيرا قط، فإذا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني([165])، ثم ذروني([166]) في يوم عاصف([167])، ففعلوا، فجمعه الله عز وجـل فقـال : مـا حملك؟ قال: مخافتك، فتلقاه برحمته).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1283)، و(ج5 ص2378)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2111 و2112)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج7 ص490) من طرق عن قتادة سمعت عقبة بن عبد الغافر سمعت أبا سعيد الخدري به، في حديث سليمان التيمي: (فإنه لم يبتئر عند الله خيرا)، قال فسرها قتادة: لم يدخر عند الله خيرا.

* وفي حديث شيبان بن عبد الرحمن: (فإنه والله ما ابتأر عند الله خيرا)، وفي حديث: أبي عوانة: (ما امتأر) بالميم، وفي حديث شعبة: (وإن الله يقدر علي أن يعذبني).

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص2726)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1112) من طريق معتمر بن سليمان سمعت أبي حدثنا قتادة عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد الخدري t عن النبي r (أنه ذكر رجلا فيمن سلف، أو فيمن كان قبلكم يعني من بني إسرائيل-)، وفيه: (فقال الله عز وجل: كن، فإذا هو رجل قائم، قال الله: أي عبدي ما حملك على أن فعلت ما فعلت؟ قال: مخافتك... الحديث).

وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (قال رجل لم يعمل حسنة([168]) قط لأهله إذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر([169]) الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك. يا رب وأنت أعلم فغفر الله له).

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج4 ص2110)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج4 ص389)، ومالك في «الموطإ» (ج1 ص240)، وأبو مصعب الزهري في «الموطإ» (ج1 ص392)، والجوهري في «مسند الموطإ» (ص445)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص38)، وابن القاسم في «المؤطإ» (ص360)، والحدثاني في «الموطإ» (ص375) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة t به.

* وفي رواية، أبي مصعب: (لم يعمل خيرا قط)، وفي رواية الحدثاني: (كان رجل لم يعط أن يعمل خيرا قط).

قلت: وهذه الروايات تفسر الحسنة، في رواية: مسلم، ومالك رحمهما الله.

* وبهذا الإسناد: أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص2725)، مرفوعا: (قال رجل لم يعمل خيرا قط، فإذا مات.... الحديث).

قلت: فقوله: «لم يعمل خيرا قط»، فهذا تفسير أيضا، للفظ: «لم يعمل حسنة قط»، فافطن لهذا.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1283)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2110)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1421)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص269)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص283) من طريق معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة t عن النبي r قال: (كان رجل يسرف على نفسه يعني: يبالغ في المعاصي فلما حضره([170]) الموت... الحديث).

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج4 ص2110)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص666)، وفي «السنن الصغرى» (ج4 ص113)، والمراغي في «الأربعين» (ص84) من طريق الزبيدي عن الزهري حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة t به.

وأخرجه ابن صاعد في «زوائد الزهد» (ص372) من طريق الحجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن به.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص304) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي رافع الصائغ عن أبي هريرة عن النبي r قال: (كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد، فلما احتضر قال لأهله: انظروا إذا أنا مت أن يحرقوه حتى يدعوه حمما، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم راح، فلما مات فعلوا ذلك به، فإذا هو في قبضة الله، فقال الله عز وجل: يا بن آدم، ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي رب من مخافتك، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيرا قط إلا التوحيد).

وإسناده صحيح، وقد ذكر: مرسلا، مقرونا من طريق الحسن، وابن سيرين.

والحديث صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج7 ص106).

* وتابعه على الموصول: يحيى بن إسحاق حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني به، عند أحمد في «المسند» (ج1 ص398).

وإسناده صحيح.

قلت: وهذه الأحاديث يفسر بعضها بعضا، في رفع الإشكال، في نفي إيمان الرجل، فافطن لهذا.

قال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص40): (روي من حديث أبي رافع عن أبي هريرة، في هذا الحديث؛ أنه قال: (قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد)، وهذه اللفظة إن صحت([171])، رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل، فهي صحيحة، من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها، لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون، وهم: كفار، لأن الله عز وجل قد أخبر أنه: «لا يغفر أن يشرك به»، لمن مات كافرا، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة، وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث: (لم يعمل حسنة قط)، أو: (لم يعمل خيرا قط)، لم يعذبه إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير، وهذا سائغ في لسان العرب، جائز في لغتها أن يؤتى بلفظ الكل، والمراد البعض، والدليل على أن الرجل كان مؤمنا، قوله حين قيل له: (لم فعلت هذا؟ فقال: من خشيتك يا رب)، والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم؛ كما قال الله عز وجل: ﴿$yJ¯RÎ) Óy´øƒs† ©!$# ô`ÏB Ínϊ$t6Ïã (#às¯»yJn=ãèø9$# 3 [فاطر: 28]، قالوا: كل من خاف الله آمن به وعرفه، ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به، وهذا واضح لمن فهم، وألهم رشده).اهـ.

قلت: وهذا الكلام استحسنه؛ فضيلة الشيخ ناصر الدين الألباني / بقوله في «الصحيحة» (ج7 ص111): (هذا كله كلام الحافظ ابن عبد البر، وهو كلام قوي متين يدل على أنه كان إماما في العلم، والمعرفة؛ بأصول الشريعة وفروعها، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا). اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص491) بعد أن ساق الحديث؛ برواية: «الصحيح»، وذكر أنه حديث متواتر: (وهنا أصلان عظيمان:

أحدهما: متعلق بالله تعالى، وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير.

والثاني: متعلق باليوم الآخر، وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله، ومع هذا فلما كان مؤمنا بالله في الجملة، ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب، ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملا صالحا([172]) وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه، غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح). اهـ.

وقال الشيخ ناصر الدين الألباني / في «الصحيحة» (ج7 ص112): (وخلاصته: أن الرجل النباش كان مؤمنا موحدا، وأن أمره أولاده بحرقه إنما كان، إما لجهله بقدرة الله تعالى على إعادته - وهذا ما أستبعده أنا- أو لفرط خوفه من عذاب ربه، فغطى الخوف على فهمه، كما قال ابن الملقن؛ فيما ذكره الحافظ (11/314)، وهو الذي يترجح عندي من مجموع روايات قصته.

* وسواء كان هذا، أو ذاك فمن المقطوع به أن الرجل لم يصدر منه ما ينافي توحيده، ويخرج به من الإيمان إلى الكفر؛ لأنه لو كان شيء من ذلك لما غفر الله له، كما تقدم تحقيقه من ابن عبد البر). اهـ.

قلت: بل هذا الرجل من أهل التوحيد - كما سبق -، وقد ترك بعض العمل الزائد على الأصول كـ«التوحيد والصلاة» وغير ذلك - من النوافل: «فلم يعملها قط»، وهذه لا تضر العبد ما دام أنه مؤمن بالله تعالى، وموحد لله تعالى، وإليك الدليل.

1) عن أبي هريرة t عن النبي r قال: (كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد، فلما احتضر قال لأهله: انظروا إذا أنا مت أن يحرقوه حتى يدعوه حمما، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم راح([173])، فلما مات فعلوا ذلك به، فإذا هو في قبضة الله، فقال الله عز وجل: يا بن آدم، ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي رب من مخافتك، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيرا قط إلا التوحيد).

حديث صحيح

            أخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص304) من طريق أبي كامل مظفر الخراساني ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي r. وغير واحد عن الحسن، وابن سيرين عن النبي r.

قلت: وللحديث إسنادان:

أولهما: عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي رافع الصائغ عن أبي هريرة t.

قلت: وهذا إسناد متصل صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج7 ص106).

ثانيهما: عن حماد بن سلمة عن غير واحد عن الحسن وابن سيرين مرسلا.

قلت: وهذا ضعيف، لإرساله، ولجهالة الذين روى عنهم حماد بن سلمة.

* وتابعه على الإسناد المتصل يحيى بن إسحاق حدثنا حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة t به.

أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص398).

وإسناده صحيح.

والصواب: هو المتصل.

قلت: فقوله r: (لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد)، يدل على أن هذا العبد من الموحدين المؤمنين فغفر له، ودخل الجنة بناء على وجود العمل الصالح عنده([174])، فتنبه.

2) وعن عبد الله بن مسعود t قال: ((أن رجلا لم يعمل من الخير شيئا قط إلا التوحيد فلما حضرته الوفاة قال لأهله إذا أنا مت فخذوني واحرقوني حتى تدعوني حممة، ثم اطحنوني، ثم اذروني في البحر في يوم راح، قال: ففعلوا به ذلك، قال: فإذا هو في قبضة الله، قال: فقال الله عز وجل له ما حملك على ما صنعت قال: مخافتك، قال: فغفر الله له).

حديث صحيح

أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص398) من طريق يحيى بن إسحاق أخبرنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود t به.

قلت: وهذا سنده حسن، وهو في حكم المرفوع، وإن كان موقوفا، كما هو معروف؛ عند أهل العلم.

قال الشيخ ناصر الدين الألباني / في «الصحيحة» (ج7 ص106): (وهو في حكم المرفوع، كما لا يخفى).

وأخرجه أبو يعلى في «المسند» (ج2 ص285) و(ج8 ص470) من طريق أبي كريب عن معاوية بن هشام عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود t موقوفا به، وزاد فيه: (وكان الرجل نباشا، فغفر له لخوفه).

وإسناده صحيح، وسفيان الثوري: قديم السماع من أبي إسحاق.

وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص194)، ثم قال: رواه أبو يعلى بسندين، ورجالهما رجال الصحيح.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (10467) من طريق يحيى بن إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة بن معن حدثني أبي عن أبيه عن جده عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله بن مسعود t به، ثم قال في آخره: قال رسول الله r: (فوقع في يد الله، فقال: ما حملك على الذي صنعت؟ قال: مخافتك. قال: قد غفرت لك). وإسناده منكر.

وأخرجه أبو يعلى في «المسند» (ج9 ص422) من طريق محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو الجواب حدثنا سليمان بن قرم عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود t، موقوفا به.

وإسناده ضعيف فيه سليمان بن قرم البصري، وهو سيئ الحفظ، كما في «التقريب» لابن حجر (ص411).

وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص194): وإسناد ابن مسعود حسن، وقال أيضا: رواه أبو يعلى بسندين، ورجالهما رجال الصحيح، ورواه الطبراني بنحوه. وإسناده منقطع، وروى بعضه مرفوعا، أيضا بإسناد متصل، ورجاله رجال الصحيح، غير أبي الزعراء، وهو: «ثقة».

قلت: إذا فـهـذا الـرجـل كـان يـعـمل الأعـمال الـصـالـحـة، لـكن لإسـرافـه في المعاصي كان يسيء الظن بعمله، فيظن أنه لم يعمل خيرا قط، وذلك بقوله (رب ما كنت أعمل خيرا)، كما في رواية: أحمد في «المسند» (ج38 ص449).

وإليك الدليل أيضا:

1) عن حذيفة t عن رسول الله r قال: (كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله فلما حضرته الوفاة قال لأهله إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني، ثم اذروني في البحر فإن الله يقدر علي لم يغفر لي قال فأمر الله الملائكة فتلقت روحه فقال له ما حملك على ما فعلت، قال: يا رب ما فعلت إلا من مخافتك فغفر الله له).

حديث صحيح

أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص667)، وفي «السنن الصغرى» (ج4 ص113) من طريق إسحاق بن إبراهيم قال أنبا جرير عن منصور عن ربعي بن حراش عن حذيفة t به.

قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقد صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن النسائي» (ج2 ص447).

2) وعن أبي مسعود t قال: قال رسول الله r: (حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال: قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه).([175])

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1196)، والبخاري في «الأدب المفرد» (293)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص201)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج7 ص11)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص120)، وهناد في «الزهد» (1076)، والترمذي في «سننه» (ج3 ص599)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص252)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص356)، وفي «شعب الإيمان» (ج7 ص533)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص29) من طريق الأعمش عن شقيق عن أبي مسعود t به.

قلت: إذا فأطلقا على أنفسهما أنهما: «لم يعملا خيرا قط»، مع أن الأول كان يسامح الناس في البيع والشراء، وهذا لا يكون إلا من كان في قلبه شيء من الإيمان، والإيمان جاءه عن طريق العمل، وإن كان يسيرا.

والثاني: كان يخاف([176]) الله تعالى، ويـسيئ الظن بـعـمــلـه([177]) لإسـرافـه في المعاصي، وقد تاب عن ذلك أيضا، وهذا هو طريق الإيمان، لأن لا يخاف العبد من الله، إلا إذا كان في قلبه الإيمان، وهذا الإيمان أتى بسبب العمل، وإن كان يسيرا، وهذا طريق لغة العرب، كما سبق.

قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص116): (وهو سبحانه كما جعل الرجاء؛ لأهل الأعمال الصالحة، فكذلك جعل الخوف، لأهل الأعمال الصالحة، فعلم أن الرجاء، والخوف النافع، هو ما اقترن به العمل). اهـ.

وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص521): (هذه اللفظة: «لم يعملوا خيرا قط»، من الجنس الذي تقول العرب: ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل: «لم يعملوا خيرا قط»([178]) على الكمال والتمام، لا على ما أوجب عليه، وأمر به). اهـ.

وقال الإمام أبو عوانة / في «المستخرج» (ج1 ص181): (بيان الدليل: على أن الشفاعة لمن قال: «لا إله إلا الله» وكان في قلبه شيء من الخير، وأنه لا تحرق النار صورهم، وأن الشفاعة لا تنفع من قال: «لا إله إلا الله»، ولم يكن في قلبه من الخير شيء). اهـ.

قلت: فهذا محمول على إخراج من بقي من أهل التوحيد من النار، وخلود الكفار، والمنافقين فيها.([179])

قلت: وأيضا هذا الرجل، كما دل قوله بأنه تائب إلى ربه سبحانه وتعالى، بدليل أن الإمام مسلما / ذكر هذا الحديث في «كتاب التوبة» (ج4 ص2110)، وكذلك هذا: صنيع الحافظ البيهقي /،فإنه ذكره في «شعب الإيمان» (ج5 ص430)؛ باب: في معالجة كل ذنب بالتوبة، ومن مات بتوبة غفر له ذنبه، ودخل الجنة، حتى لو أسرف في المعاصي.

وإليك الدليل:

عن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r قال: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله تعالى.

وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم أي حكما فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له؟ فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة).([180])

قلت: والشفاعة مخصوصة للنبي r في المذنبين من أمته، الذين ماتوا بلا توبة، فشفاعته r للمذنبين بالتجاوز عن ذنوبهم.([181])

* إذا المجمل لا يكفي وحده في العمل، حتى يتبين المراد منه، ولا يجوز العمل به إلا بدليل خارجي صحيح، فهو محتاج إلى البيان.([182])

قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص418): (إذا جمعت الأخبار كلها علم حينئذ جميع المتن، واستدل ببعض المتن على بعض). اهـ.

وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص505): (ليس خبر قتادة عن أنس t «أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه من الخير ما يزن برة»، خلاف هذه الأخبار التي فيها: «في قلبه من الإيمان ما يزن كذا»، إذ العلم محيط أن الإيمان من الخير لا من الشر، ومن زعم من: «الغالية المرجئة» أن ذكر الخير في هذا الخبر ليس بإيمان كان مكذبا لهذه الأخبار التي فيها «أخرجوا من النار من كان في قلبه من الإيمان كذا»، فيلزمهم: أن يقولوا: هذه الأخبار كلها غير ثابتة، أو يقولوا: إن الإيمان ليس بإيمان، أو يقولوا: إن الإيمان ليس بخير، وما ليس بخير فهو شر، ولا يقول مسلم: إن الإيمان ليس بخير، فافهمه لا تغالط). اهـ.

قلت: وأكثر أهل زماننا لا يفهمون هذه الصناعة، ولا يميزون بين الخبر المجمل، وبين الخبر المفسر، وبين الخبر المختصر، وبين الخبر المتقصى، وغير ذلك. فيحتجون بالخبر المجمل، ويدعون الخبر المفسر، أو يحتجون بالخبر المختصر، ويدعون الخبر المتقصى... وهكذا، وهذا ليس طريق العلم.([183])

وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص500): (أن الأخبار رويت على ما كان يحفظها رواتها، منهم من كان يحفظ بعض الخبر، ومنهم من كان يحفظ الكل، فبعض الأخبار رويت مختصرة، وبعضها متقصاة، فإذا جمع بين المتقصى من الأخبار، وبين المختصر منها، بان حينئذ العلم والحكم). اهـ.

وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص581): (ولا يزال يسمع أهل الجهل، والعناد: يحتجون بأخبار مختصرة غير متقصاة، وبأخبار مجملة غير مفسرة، ولا يفهمون أصول العلم، يستدلون بالمتقصى من الأخبار على مختصرها، وبالمفسر منها على مجملها، قد ثبتت الأخبار عن النبي r بلفظة لو حملت على ظاهرها، كما حملت المرجئة الأخبار التي ذكرناها في شهادة: «أن لا إله إلا الله، على ظاهرها لكان العالم بقلبه أن لا إله إلا الله مستحقا للجنة، وإن لم يقر بذلك لسانه، ولا أقر بشيء مما أمر الله تعالى بالإقرار به، ولا آمن بقلبه بشيء أمر الله بالإيمان به، ولا عمل بجوارحه شيئا أمر الله به، ولا انزجر عن شيء حرمه الله). اهـ.

قلت: إذا فلا يجوز ترك الاستدلال بالأخبار المبينة، المفسرة، المتقصاة.([184])

* والبيان والتفسير يحصل من قول الله تعالى، أو من رسوله r، أو من قول أهل لغة العرب.

* ثم إن حديث أبي هريرة t يبين بأن آخر أهل النار خروجا من النار، هو الرجل الذي يبقى مقبلا بوجهه على النار، وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة، ولم يكن من القبضة الذين: (لم يعملوا خيرا قط)، لأن هؤلاء آخر العباد خروجا من النار؛ كما جاء في الحديث، وهذا مخالف لحديث أبي هريرة t الذي فيه آخر أهل النار خروجا، هو الرجل المقبل بوجهه على النار، مما تبين شذوذ هذه الزيادة، وإليك الدليل:

عن أبي هريرة t - في حديث الشفاعة وفيه: (ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، هو آخر أهل النار دخولا الجنة، فيقول: أي رب اصرف وجهي عن النار، فإنه قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فيدعو الله بما شاء أن يدعوه، ثم يقول الله: هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب قدمني إلى باب الجنة، فيقول الله له: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير الذي أعطيت أبدا، ويلك يا بن آدم ما أغدرك، فيقول: أي رب، ويدعو الله حتى يقول: هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، ويعطي ما شاء من عهود ومواثيق ، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا قام إلى باب الجنة انفهقت له الجنة، فرأى ما فيها من الحبرة والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب أدخلني الجنة، فيقول الله: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت، فيقول: ويلك يا بن آدم ما أغدرك، فيقول: أي رب لا أكونن أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك منه قال له: ادخل الجنة، فإذا دخلها قال الله له: تمنه، فسأل ربه وتمنى، حتى إن الله ليذكره، يقول: كذا وكذا، حتى انقطعت به الأماني، قال الله: ذلك لك ومثله معه).

* قال عطاء بن يزيد: وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة، لا يرد عليه من حديثه شيئا، حتى إذا حدث أبو هريرة: أن الله تبارك وتعالى قال: (ذلك لك ومثله معه). قال أبو سعيد الخدري: (وعشرة أمثاله معه). يا أبا هريرة. قال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: (ذلك لك ومثله معه). قال أبو سعيد الخدري: أشهد أني حفظت من رسول الله r قوله: (ذلك لك وعشرة أمثاله).

قال أبو هريرة: فذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة).([185])

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص419) من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء الليثي عن أبي هريرة t به.

قلت: ودل الحديث على، أن أبا سعيد الخدري t، قد أقر أبا هريرة t، على روايته هذه، وأن هذا اللفظ المذكور في حديث أبي هريرة: مفسر لما أجمل، من قوله: (لم يعملوا خيرا قط)([186])؛ في حديث: أبي سعيد الخدري t، وأن المراد بذلك ليس نفي مطلق العمل، وأنه يدخل في عمومه الصلاة، بدلالة آثار السجود، التي حرمت على النار.([187])

قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص393): (فهذه المقالة تثبت أن أبا سعيد t، قد حفظ هذا الخبر عن النبي r، على ما رواه([188]) أبو هريرة...). اهـ.

وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص544): (باب ذكر البيان: أن الرجل الذي ذكرنا صفته وخبرنا أنه آخر أهل النار خروجا من النار، ممن يخرج من النار زحفا، لا ممن يخرج بالشفاعة: وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وأن من يخرج بالشفاعة يدخلون الجنة قبله، وأن هذا الواحد يبقى بعدهم بين الجنة والنار، ثم يدخله الله بعد ذلك الجنة بفضله، ورحمته، لا بشفاعة أحد). اهـ.

* وقد ثبت عن النبي r أن الذين يدخلون النار من الموحدين المصلين، ويعيرهم المشركون بذلك، ثم يخرجهم الله تعالى عند ذلك لما معهم من الأعمال الصالحة، ومنها الصلاة بدليل ما جاء في الأحاديث؛ بأنهم يعبدون الله تعالى.

وإليك الدليل:

1) عن أنس بن مالك t وفيه: (ما أغنى عنكم إنكم كنتم تعبدون الله، لا تشركون به شيئا).

حديث صحيح

أخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص144)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص502)، وضياء الدين في «الأحاديث المختارة» (ج6 ص323)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص846)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج5 ص479)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص27)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص330)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص276) من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك t به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الحافظ ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص847): هذا حديث صحيح مشهور عن ابن الهاد.

* وقد فسر هذا القول: بحديث أبي هريرة t.

2) وعن أبي هريرة t مرفوعا، وفيه: (حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود).

* وفي رواية (حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يشهد أن لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (86)، ومسلم في «صحيحه» (182)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص504)، وفي «السنن الصغرى» (1140)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص407) )، والطيالسي في «المسند» (2383)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (238)، و(239)، و(240)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص162)، وابن المبارك في «الزهد» (284)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص173)، والدارقطني في «الرؤية» (32 و33)، والطبري في «تفسيره» (ج13 ص155)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص292)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص787)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص256)، وفي «الأسمـاء والـصـفـات» (ج2 ص66)، وفي «الـبـعـث» (ص176)، وابن خـزيـمـة في «التوحيد» (ص480)، وعثمان الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص91)، وابن عبد الهادي في «مسألة في التوحيد وفضل لا إله إلا الله» (ص56)، والآجري في «التصديق» (ص65)، وفي «الشريعة» (259)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص247)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1177) من طرق عن أبي هريرة t به.

قلت: فبين هذا الحديث أنه لا يلزم من إخراج من كان يشهد: «أن لا إله إلا الله»، أنه لا يصلي، أو أنه يتلفظ بهذه الكلمة دون شيء من عمل الجوارح، وأهم ذلك عندنا جميعا بالنسبة للعمل: «الصلاة».

قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص795): (فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل، وأن من صدق بالقول، وترك العمل كان مكذبا وخارجا من الإيمان، وأن الله لا يقبل قولا إلا بعمل، ولا عملا إلا بقول). اهـ.

وأما قول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة (بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه).

* فزيادة: «بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه»، زيادة شاذة كذلك، كما سبق.

أخرجها البخاري في «صحيحه» (ج13 ص421)، وغيره: من رواية سعيد بن أبي هلال المصري، وهو مختلط قال عنه أحمد: ما أدري أي شيء يخلط في الأحاديث، وقد سبقت هذه الرواية.

انظر: «التهذيب» لابن حجر (ج4 ص94).

ثم على فرض صحتها لا تدل على «عدم العمل» لأمور:

أولا: هذه اللفظة لا تدل بحال على امتناع وقوع العمل منهم مطلقا، بل قد تطلق مع وقوع يسير الأعمال، وإنما يراد بها نفي الكمال، وهذا مفهوم في لغة العرب، كما سبق.

ثانيا: لا يتصور من العبد المسلم انتفاء العمل مطلقا، مع وجود الإيمان في قلبه، حتى لو كان يسيرا، ولذلك ما دخل الجنة بعد تعذيبه، إلا لوجود الإيمان في قلبه، وهذا طريق الموحدين المقصرين في الآخرة.

ثالثا: فلم يرد ما يدل على ترك العمل مطلقا، إلا من قول أهل الجنة، وهم إنما قالوا ذلك على حسب ظاهر ما يعلمون من حالهم، وهذا شأن العباد في الدنيا والآخرة لا يعلمون من الأمور إلا ما علمهم الله تعالى، وقد يخفى عليهم بعض الأمور، حتى لو كانوا من أهل الجنة لأن الله تعالى كتب على بني آدم ذلك حتى في الآخرة.([189])

* ولذلك أخرجوا من عرفوه، وبقي أناس من أهل التوحيد، لم يعرفهم أهل الجنة، والله يعلم بهم، فأخرجهم لما في قلوبهم من الإيمان.([190])

وإليك الدليل:

عن أبي سعيد الخدري t وفيه (فوالذي نفسي بيده! ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله، في استقصاء الحق لله، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار. قالوا: كانوا يصومون معنا، ويحجون، ويصلون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم صورهم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: يا ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به، ثم يقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه([191]) مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا([192])).

وفي رواية: (ربنا لم نذر فيها أحدا).

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص802) من طرق عن سويد بن سعيد ثنا حفص بن ميسرة الصنعاني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به.

* وسويد بن سعيد الحدثاني توبع، تابعه: مخلد بن يزيد، وعبد الرزاق.

فأخرجه أبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص169) من طريقين عن مخلد بن يزيد ثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t،  فذكر الحديث.

وإسناده صحيح.

ويؤيده: ما أخرجه ابن ماجه في «سننه»، مطولا (ج1 ص23) من طريق محمد بن يحيى ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t وفيه: (فيقول اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم... الحديث).

وإسناده صحيح.

* ومعمر، تابع: ميسرة في روايته.

والحديث صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (ج1 ص16).

* وللحديث شواهد بهذه الألفاظ، سبق الكلام عليها.

قلت: فهذه اللفظة ليس فيها دليل على أن هؤلاء: «لم يعملوا عملا قط وخيرا قط»، إلا من قول أهل الجنة على حسب ما علمهم الله تعالى في أناس دون أناس، كما هو ظاهر النصوص.

قلت: فقول أهل الجنة: «هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه»([193])، هذا على حسب علمهم ومعرفتهم، وذلك لنقص علم الخلق حتى في الآخرة، بدليل قوله: «فيخرجون من عرفوا»، وقوله: «فأخرجوا من عرفتم»، وقولهم: «ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به».([194])

* وقد صرح الإمام ابن خزيمة /، بأن شفاعة النبي r فيمن كان في قلبه مثقال كذا وكذا من إيمان، أن المراد بذلك البعض، لا الكل.

فقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ج2 ص727): (باب ذكر الدليل: أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها، إلى هذا الموضع، في شفاعة النبي([195]) r، في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة، مرادها خاص، قوله: «أخرجوا من النار من كان في قلبه وزن كذا من الإيمان»، أن معناه بعض من كان في قلبه قدر ذلك الوزن من الإيمان، لأن النبي r قد أعلم أنه يشفع ذلك اليوم أيضا غيره، فيشفعون، فيأمر الله أن يخرج من النار بشفاعة غير نبينا محمد r، من كان في قلوبهم من الإيمان قدر ما أعلم أنه يخرج بشفاعة نبينا محمد r، إلى أن قال -: ومعروف أيضا في لغة العرب الذين بلغتهم خوطبنا أن يقال: أخرج الناس من موضع كذا وكذا، أو القوم أو من كان معه كذا أو عنده كذا، وإنما يراد بعضهم، لا جميعهم لا ينكر من يعرف لغة العرب أنها بلفظ العام يريد الخاص، وقد بينا من هذا النحو من كتاب ربنا، وسنة نبينا المصطفى r في كتاب معاني القرآن، وفي كتبنا المصنفة من المسند في الفقه ما في بعضه الغنية، والكفاية لمن وفق لفهمه، كان معنى الأخبار التي قدمت ذكرها في شفاعة النبي r عندي خاصة، معناها: أخرجوا من النار، من كان في قلبه من الإيمان كذا، أي غير من قضيت إخراجه من النار، بشفاعة غير النبي r من الملائكة، والصديقين والشفعاء غيره، فمن كان له إخوة في الدنيا، يصلون، ويصومون معهم، ويحجون معهم، ويغزون معهم، قد قضيت أني أشفعهم فيهم، فأخرجوهم من النار بشفاعتهم). اهـ.

قلت: وما قاله في حق النبي r، هو كذلك في حق شفاعة المؤمنين في إخوانهم، فإنهم أمروا بإخراج من كان في قلبه وزن كذا، أو مثقال كذا من الإيمان، ثم أمر الأنبياء عليهم السلام بإخراج من كان عنده نفس القدر من الإيمان.

* مما يدل على أن المؤمنين لم يخرجوا الكل، والقرينة لهذا أيضا فوق ما سبق من برهان أنهم أمروا بأن يخرجوا من عرفوا من إخوانهم، فالذين لم يعرفوهم لم يدخلوا في ذلك الأمر أصلا.([196])

قلت: إذا فالروايات التي فيها: «لم يعملوا خيرا قط»، محمولة على أنهم كانوا يقولون: «لا إله إلا الله» ولا بد، كما في الروايات السابقة، والروايات التي جاءت بأنهم كانوا يقولون: «لا إله إلا الله»، محمولة أيضا على أنهم لم يأتوا بما يناقضها، ولا بد، كما أوضحت الروايات الأخرى.

* لأن من خرجوا هم من المسلمين، كما هو صريح رواية: أبي هريرة وغيره، ولو كانوا من غير المسلمين لخلدوا في النار، ولم يخرجوا منها. ([197])

قلت: وهذا مستفاد من مجموع الروايات التي سبقت، ومن ضيعه ولم يصبه - لا سيما في هذه المسألة - فاته علم كثير، وأخطأ في هذه المسألة.([198])

* لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، وهذه قاعدة ضرورية في تشريع الأحكام عند وجود الأدلة المجملة والمفسرة.([199])

قال الحافظ السبكي / في «شرح الإبهاج» (ج3 ص210): (وإذا تعارض فإنما يرجح أحدهما على الآخر إذا لم يمكن العمل بكل منهما، فإن أمكن - ولو من وجهه - فلا يصار إلى الترجيح لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما بالكلية، لأن الأصل في الدليل الإعمال لا الإهمال). اهـ.

وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج1 ص149): (ثم المختلف قسمان: أحدهما: يمكن الجمع بينهما، فيتعين ويجب العمل بالحديثين جميعا، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه، يكون أعم للفائدة تعين المصير إليه). اهـ.

وقال الفقيه القرافي / في «تنقيح الفصول» (ص421): (إذا تعارض دليلان فالعمل بكل واحد منهما من وجه، أولى من العمل بأحدهما). اهـ.

وقال أبو زهرة / في «أصول الفقه» (ص184): (ومن التوفيق أن يؤول أحد النصين بحيث يتلاقى مع النص الآخر). اهـ.

قلت: فهذه القاعدة تعطي حكما مفيدا حسب مقتضى الأدلة، وبإهمالها هو إهمال للحكم الشرعي، وما يترتب عليه من ثمرة علمية مفيدة.([200])

* فالعالم عليه أن يصون هذه القاعدة، وإلا ألغى بعض الأحكام، وهو لا يشعر.

إذا فلو تركنا الروايات الأخرى، كحديث أبي هريرة وغيره، للزم من ذلك إهدار الأدلة السابقة التي تفسر المقصود.

* ثم إن المخالف ليس معه إلا ظاهر جملة مجملة وهي: (لم يعملوا خيرا قط)، و(أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه)، في رواية أبي سعيد الخدري، وقد فصلت هذه الجملة في مواضع أخرى من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وغيرهما.

* فكيف يؤول كل هذه الروايات، ويهدر تلك الأدلة لجملة مجملة مشتركة قد فصلت في مواضع أخرى، كما سبق.

قلت: فالواجب حملها على المعنى المفيد للحكم، لأن خلافه إهمال وإلغاء للحكم المفسر الصحيح المترجح.

قلت: ومنهج التوفيق والترجيح من الأمور الأساسية، لفهم معاني الأحاديث النبوية، فهما، سليما، وهو من أهم الأدوات لاستنباط الأحكام الشرعية من السنة النبوية، استنباطا، صحيحا، وجهله يؤدي بالناظر في مختلف الحديث إلى التخبط، وعدم الوصول إلى الحكم الصحيح، فهو من أهم العلوم التي يحتاج إلى معرفتها: العلماء، وطلبة العلم.

قال الحافظ النووي / في «التقريب» (ج2 ص197): (هذا فن من أهم الأنواع، ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف). اهـ.

قلت: وأيضا فإن التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث، لا يؤهل له إلا المجتهدون من أهل العلم، المتعمقون في علوم الحديث والفقه، ويقصر عنه المقلدون المتعالمون([201]) المقلون في علوم الحديث والفقه.

قال الحافظ ابن الصلاح / في «المقدمة» (ص285): (وإنما يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه، الغواصون على المعاني الدقيقة).([202]) اهـ.

وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج1 ص149): (وإنما يقوم بذلك غالبا الأئمة الجامعون بين الحديث، والفقه، والأصوليون المتمكنون في ذلك، الغائصون في المعاني الدقيقة، الرائضون أنفسهم في ذلك، فمن كان بهذه الصفة لم يشكل عليه شيء من ذلك إلا النادر في بعض الأحيان). اهـ.

قلت: ومن المعلوم أن الأحاديث النبوية، إنما جاءت للعمل بها، وفي حالة التعارض الظاهري بينها يكون الجمع بين الأحاديث هو السبيل إلى تحقيق الغاية التي جاءت من أجلها حيث إن الجمع بين الأحاديث يؤدي إلى إعمالها جميعا، أما دفع التعارض بالترجيح الصوري، بلا دليل كـ:«ترجيح المجمل على المفسر»، فإنه لا يحقق الإعمال لجميع الأدلة، بل يعمل ببعضها، ويترك البعض الآخر، فيجب إذا الالتزام بالأصل في أن إعمال الأدلة أولى من إهمالها.([203])

قال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص222): (وكلما احتمل حديثان، أن يستعملا معا استعملا معا، ولم يعطل واحد منهما الآخر). اهـ.

وقال اللكنوي / في «الأجوبة الفاضلة» (ص196): (والذي يظهر اعتباره هو تقديم الجمع على الترجيح، لأن في تقديم الترجيح يلزم ترك العمل بأحد الدليلين من غير ضرورة داعية إليه، وفي تقديم الجمع يمكن العمل بكل منهما على ما هو عليه). اهـ.

قلت: فإن أمكن الجمع والترجيح على ما هو عليه للأحاديث المفسرة، فهذا هو العلم فافطن لهذا ترشد.

وقال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج1 ص3): (إني نظرت في الآثار المروية عنه r، بالأسانيد المقبولة التي نقلها ذووا التثبت فيها، والأمانة عليها وحسن الأداء لها، فوجدت فيها أشياء مما سقطت معرفته، والعلم بما فيها عن أكثر الناس، فمال قلبي إلى تأملها، وتبيان ما قدرت عليه من مشكلها، ومن استخراج الأحكام التي فيها، ومن نفي الإحالات عنها، وأن أجعل ذلك أبوابا أذكر في كل باب منها ما يهب الله عز وجل لي من ذلك فيها، حتى أبين ما قدرت عليه منها).([204]) اهـ.

وقال الإمام ابن خزيمة /: (ليس ثم حديثان متعارضان من كل وجه، ومن وجد شيئا من ذلك فليأتني لأؤلف له بينهما).([205]) اهـ.

وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص213): (ورسول الله r عربي اللسان والدار، فقد يقول: القول عاما يريد به العام، وعاما يريد به الخاص). اهـ.

وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص341): (كل كلام كان عاما ظاهرا في سنة رسول الله r، فهو على ظهوره وعمومه، حتى يعلم حديث ثابت عن رسول الله r يدل على أنه إنما يريد بالجملة العامة في الظاهر بعض الجملة دون بعض). اهـ.

قلت: والمطلق على إطلاقه هو الظاهر، ولا يعدل هذا الظاهر الشائع إلى التقييد إلا بدليل يدل على إرادة هذا القيد، وظاهر الأمر الوجوب فيجب العمل بالظاهر، ولا يحمل الأمر على الندب، أو الإرشاد إلا بدليل، وكذلك النهي ظاهر التحريم، فلا يتحقق مدلوله إلا بالكف، ولا يحمل النهي على الكراهة إلا بدليل.([206])

* وكذلك يرجح الحديث بأمر خارجي، أي: في ترجيح الحديث الذي وافقه دليل آخر في الحكم، وهذا قول جمهور العلماء. ([207])

* لأن المقصود من الترجيح المفسر بيان الحكم الصحيح في أحد الدليلين، وقد وضح أن الحكم الصحيح في الدليل الذي وافقه دليل آخر، فوجب ترجيحه.([208])

قلت: وأحاديث الباب عمل بها جميع الأمة في مسألة الشفاعة للمسلمين، فيجب العمل بها، لأن الترجيح بعمل جميع الأمة أولى، والله ولي التوفيق.

هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك - إن شاء الله - سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

درة نادرة لشيخ الإسلام ابن تيمية في شذوذ بعض الألفاظ في أحاديث صحيح الحافظ البخاري وصحيح الحافظ مسلم بن الحجاج....................................................................................................

5

2)

المقدمة.....................................................................................................

7

3)

ذكر الدليل على شذوذ زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ في حديث الشفاعة، وذكر الفهم، والمعنى الصحيح: لتفسيرها..........................

20

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



[1]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص739).

[2]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص652).

[3]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص155) رقم (389) من حديث ابن عباس ، وليس فيه ذكر أسامة بن زيد ، بل أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (9056)، والنسائي في «السنن» (ج5 ص220)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص201)، وابن المرزبان في «مسند أسامة بن زيد» (ص103) بزيادة ذكر أسامة بن زيد به.

[4]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص189) من حديث ابن عمر .

[5]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ص1122) من حديث أبي هريرة t.

[6]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ص910) من حديث ابن عباس .

[7]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ص1014) من حديث ابن عباس .

[8]) انظر: «الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم» للرفاعي (ص18).

[9]) أثر صحيح.

أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص310)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (1634) بإسناد صحيح.

[10]) انظر: «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص711)، و«الوهم في روايات مختلفي الأمصار» للوريكات (ص83).

[11]) ومعرفة مناهج النقاد، وفهم عباراتهم في علم علل الحديث.

[12]) انظر: «شرح العلل الصغير» لابن رجب (ج1 ص339).

[13]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي حاتم في «مقدمة الجرح والتعديل» (ص356). بإسناد صحيح.

[14]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي حاتم في «مقدمة الجرح والتعديل» (ص356)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج2 ص417 و418)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج52 ص11). بإسناد صحيح.

[15]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي حاتم في «العلل» (ج1 ص9)، والحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص112)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص295)، بإسناد صحيح.

[16]) قلت: أو يعرضه على المؤهلين لهذه المهمة من أهل الحديث.

      * وهذا الأمر الذي أشرت إليه من حيث اعتماد العلماء على أهل العلل؛ كمرجعية علمية... لأن هؤلاء كانوا أعلم بهذا العلم من غيرهم.

[17]) انظر: «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص782).

[18]) قلت: فوضعوا لصيانة الحديث من القواعد والضوابط، التي بها يكون التحاكم إليها عند اختلاف الناس، للحكم على الحديث بالصحة أو الضعف.

[19]) قلت: والكلام في وهم الرواة، ودخول الوهم في الرواية طويل متشعب، وضرورة النقاد التنبيه على مثل هذه الأوهام.

[20]) قلت: ومن هنا يظهر للمسلم الحق مدى الفرق الشاسع بين أهل العلم، وبين أهل الجهل، لأنهم أبعد ما يكونون عن تفقه هذا العلم الثاقب، وعن معرفة أصوله، اللهم غفرا.

[21]) قلت: ولا ينظر إلى شهرة الأحاديث، والأحكام بين المسلمين؛ بدون نظر في هذه الأحاديث، هل هي صحيحة أو غير صحيحة، وإن صدرت من العلماء رحمهم الله تعالى، لأنهم بشر، ومن طبيعة البشر يخطئون ويصيبون، فافهم هذا ترشد.

      قال العلامة الشوكاني / في «نيل الأوطار» (ج1 ص15): (ما وقع التصريح - يعني: الحديث- بصحته أو حسنه جاز العمل به، وما وقع التصريح بضعفه لم يجز العمل به، وما أطلقوه ولم يتكلموا عليه، ولا تكلم عليه غيرهم، لم يجز العمل به؛ إلا بعد البحث عن حاله إن كان الباحث أهلا لذلك). اهـ.

[22]) قلت: وهؤلاء المقلدة المتعصبة أكثرهم مقلدون لا يعرفون من الحديث إلا على أقله، ولا يكادون يميزون بين «صحيحه» من «سقيمه»، ولا يعرفون جيده من رديئه، ولا يعبئون بما يبلغهم منه أن يحتجوا به، والله المستعان.

* وعلى هذا عادة أهل التقليد في كل زمان ومكان، ليس لهم إلا آراء الرجال أصابوا أم أخطئوا، ألا إن عذر العالم ليس عذرا لغيره إن تبين: الحق، أو بين له» وقد وردت أقوال العلماء تؤكد هذا الشيء، وتبين موقفهم من تقليدهم، وأنهم تبرءوا من ذلك جملة، وهذا من كمال علمهم، وتقواهم حيث أشاروا بذلك إلى أنهم لم يحيطوا بالسنة كلها.

انظر: «هداية السلطان» للمعصومي (ص19)، وكتابي «الجوهر الفريد في نهي الأئمة الأربعة عن التقليد».

والله ولي التوفيق.

[23]) وكيف كان أهله ينقدون الروايات.

[24]) قلت: وحديث الشفاعة قد اشتهر رواته بالاختصار، والتطويل كما سوف يأتي.

[25]) وقوله r: (تضارون)؛ أي: لا تزدحمون عند رؤيته تعالى، كما أنكم لا تزدحمون عند رؤية الشمس، والقمر، فلا يزدحم بعضكم بعضا.

[26]) وقوله :r (ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما)؛ معناه: لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا.

[27]) وقوله r: (وغبر أهل الكتاب)؛ معناه: بقاياهم. جمع غابر، بمعنى: الباقي، كقول الله تعالى: ]إلا امرأته كانت من الغابرين[  [الأعراف: 83].

[28]) وقوله :r (كأنها سراب)؛ السراب: ما يتراءى للناس في الأرض القفر، والقاع المستوي، وسط النهار في الحر الشديد لامعا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.

[29]) وقوله r: (يحطم بعضها بعضا)؛ معناه: لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها. والحطم الكسر والإهلاك.

[30]) وقوله :r (فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم)؛ معنى قولهم: التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم، وأنهم لزموا طاعته سبحانه وتعالى، وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته سبحانه من قراباتهم وغيرهم، ممن كانوا يحتاجون في معايشهم ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم للارتفاق بهم.

[31]) وقوله r: (ليكاد أن ينقلب)؛ هكذا هو في الأصول بإثبات أن. وإثباتها مع كاد لغة. كما أن حذفها مع عسى لغة. ومعنى ينقلب: أي يرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى.

[32]) وقوله r: (فيكشف عن ساق)؛ فالمراد بالساق: ساق الله عز وجل، كما قال تعالى: ]يوم يكشف عن ساق[ [القلم: 42]، وهو صفة من صفاته، وهذه الصفات لا تماثل صفات المخلوقين، كما أن ذاته لا تماثل ذوات المخلوقين كما قال تعالى: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11].

[33]) وقوله :r (طبقة واحدة)؛ قال الهروي وغيره: الطبق فقار الظهر، أي: صار فقارة واحدة كالصفيحة، فلا يقدر على السجود لله تعالى.

[34]) وقوله :r (ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة)؛ الجسر، بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان. وهو الصراط؛ ومعنى: تحل الشفاعة: بكسر الحاء، وقيل بضمها؛ أي تقع ويؤذن فيها.

[35]) وقوله :r (دحض مزلة)؛ الدحض والمزلة بمعنى واحد، وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر، ومنه: دحضت الشمس، أي: مالت، وحجة داحضة؛ أي: لا ثبات لها.

[36]) وقوله :r (فيه خطاطيف وكلاليب وحسك)؛ أما الخطاطيف: فجمع خطاف، بضم الخاء في المفرد، والكلاليب: بمعناه، وحديدة معوجة الرأس ينشل بها الشيء، أو يعلق، وأما الحسك: فهو شوك صلب من حديد.

[37]) وقوله r: (كأجاويد الخيل، والركاب)؛ من إضافة الصفة إلى الموصوف، والأجاويد جمع أجواد، وهي جمع جواد، وهو الجيد الجري من المطي، والركاب؛ أي: الإبل، واحدتها راحلة من غير لفظها، فهو عطف على الخيل، والخيل: جمع الفرس.

[38]) وقوله r: (فناج مسلم، ومخدوش مرسل. ومكدوس في نار جهنم)؛ معناه: أنهم ثلاث أقسام: قسم يسلم فلا يناله شيء أصلا، وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص، وقسم يكردس ويلقى فيسقط في جهنم، وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط، ويروى بالشين المعجمة، من الكدش وهو السوق الشديد. والكدش: الطرد والجرح أيضا.

[39]) وقوله r: (في استقصاء الحق)؛ أي: تحصيله من خصمه والمتعدي عليه.

[40]) وقوله r: (لم نذر فيها خيرا)؛ هكذا: هو خير بإسكان الياء؛ أي: صاحب خير.

[41]) وقوله :r (قد عادوا حمما)؛ معنى: عادوا: صاروا. وليس بلازم في عاد أن يصير إلى حالة كان عليها قبل ذلك، بل معناه صاروا. أما الحمم فهو الفحم، واحدته حممة، كحطمة.

[42]) وقوله :r (في أفواه الجنة)؛ الأفواه: جمع فوهة. وهو جمع سمع من العرب على غير قياس، وأفواه الأزقة، والأنهار أوائلها، والمراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها.

[43]) وقوله :r (الحبة في حميل السيل)؛ الحبة، بالكسر، بذور البقول وحب الرياحين، وقيل: هو نبت صغير ينبت في الحشيش، وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين، أو غثاء وغيره، فعيل بمعنى مفعول، فإذا اتفقت فيه حبة، واستقرت على شط مجرى السيل، فإنها تنبت في يوم وليلة، فشبه بها سرعة عود أبدانهم، وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها.

[44]) وقوله r: (ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض)؛ أما يكون في الموضعين الأولين فتامة، ليس لها خبر. معناها: ما يقع، وأصيفر وأخيضر مرفوعان، وأما يكون أبيض فيكون فيه ناقصة، وأبيض منصوب وهو خبرها.

[45]) وقوله r: (فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم)؛ الخواتم: جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها، والمراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب، أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. قال: معناه تشبيه صفائهم، وتلألئهم باللؤلؤ.

[46]) وقوله :r (هؤلاء عتقاء الله)؛ أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله تعالى.

      وانظر: «المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج» للنووي (ج3 ص55)، و«المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (ج1 ص450)، و«التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص632)، و«إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج1 ص546)، و«النهاية» لابن الأثير (ج4 ص155)، و«المعجم الوسيط» (ج2 ص800)، و«الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج1 ص252).

[47]) والتلقين: إدخال شيء في حديث الراوي، ليس من مروياته، سواء في حفظه، أو كتابه، دون علمه، فيحدث به.

      انظر: «الوهم في روايات مختلفي الأمصار» للوريكات (ص396).

[48]) انظر: «الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص118)، و«المجروحين» لابن حبان (ج1 ص352)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج2 ص32)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج4 ص272)، و«التقريب» له (ص260)، و«المغني في الضعفاء» للذهبي (ج1 ص290)، و«ميزان الاعتدال» له (ج2 ص148)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج12 ص247).

[49]) وقال الشيخ ناصر الدين الألباني / في «حكم تارك الصلاة» (ص48): (سويد بن سعيد، وهو متكلم فيه). اهـ.

[50]) ويوصف الراوي؛ كـ«سويد بن سعيد»، الذي يتساهل في ضبطه للحديث بالغفلة، وسوء الحفظ، لأنه يستغل من قبل الآخرين، فيدخلوا في مروياته ما ليس منها، وهو ما يسميه المحدثون بالتلقين.

     * فهو لا يفطن لذلك، فيرويه على أنه من مروياته لسوء حفظه وغفلته.

     وانظر: «الكفاية» للخطيب (ص149)، و«الكامل» لابن عدي (ج1 ص45)، و«العلل» لأحمد (ج2 ص134).

[51]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج7 ص73)، و«التقريب» لابن حجر (ص260)، و«المغني في الضعفاء» للذهبي (ج1 ص183)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج1 ص225).

[52]) قلت: بسبب سوء حفظه.

[53]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج30 ص204)، و«المجروحين» لابن حبان (ج3 ص89)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج4 ص298)، و«المغني في الضعفاء» له (ج2 ص710)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج11 ص39)، و«التقريب» له (ص572)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج3 ص174)، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج4 ص341)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص234).

[54]) فإن وجدناه كثير المخالفة للثقات، عرفنا اختلال ضبطه، ولم نحتج بحديثه.

     وانظر: «معرفة أنواع علم الحديث» لابن الصلاح (ص254)، و«جامع الأصول» لابن الأثير (ج1 ص72 و43)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص304).

[55]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ق/ 1536/3)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج9 ص274).

[56]) قلت: ولكن أحيانا فقد يحكم لمن هو أقل ثقة على الأوثق، وهذا نادر.

      انظر: «السنن الصغرى» للنسائي (ج6 ص59).

[57]) قلت: وهذا يتطلب دراسة كاملة، ومتأنية لكتب الرواية والرجال التي تستدعي معرفة واسعة، أو اطلاعا على علم العلل، ويزين ذلك حسن الفهم للألفاظ والمعاني في الروايات، ودقة الاستنتاج للوصول إلى تأصيل علمي؛ لهذه الأوهام التي تقع من الرواة.

فلابد من دراسة نقدية علمية متخصصة تعمق الفهم في معرفة علل الحديث.

[58]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج7 ص73)، و«التقريب» لابن حجر (ص260)، و«المغني في الضعفاء» للذهبي (ج1 ص183)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج1 ص225).

[59]) قلت: وهو أيضا من رجال البخاري، ومع ذلك لم يخرج له من طريقه هذه الزيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ كما سوف يأتي ذلك.

      قلت: ما أخرجه إلا مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170) من طريق حفص بن ميسرة.

      قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص73): بعدما علق على صحيح البخاري قال: (وأما - صحيح - مسلم ففيه ألفاظ عرف أنها غلط). اهـ.

[60]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج11 ص94)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج2 ص162).

[61]) قلت: وهو خطأ منه أيضا فسعيد بن أبي هلال المصري، وإن كان ثقة إلا أنه وهم بذكره هنا هذه اللفظة؛ لأنه قد اختلط، ولم يتابع من أحد من الثقات بهذه الزيادة، قال الساجي: صدوق، كان أحمد يقول: ما أدري أي شيء يخلط في الأحاديث، كما في «التهذيب» لابن حجر (ج4 ص94).

      وقال ابن حجر في «التقريب» (ص390): «صدوق لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفا؛ إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط».

      قلت: وقد اتبع ابن حزم في تضعيف: «سعيد بن أبي هلال المصري» الشيخ ناصر الدين الألباني.

      انظر: «ملحق الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات» (ص468).

[62]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص73): عن بعض ألفاظ أحاديث صحيح البخاري: (لكن في بعض ألفاظ الحديث ما هو غلط). اهـ

[63]) لأن ما لا اضطراب فيه يدل على قوة حفظ راويه وضبطه.

[64]) وما كان فيه اضطراب يدل على سوء حفظ الراوي، وعدم ضبطه.

[65]) والحديث المضطرب: هو الحديث الذي يروى على وجوه يخالف بعضها بعضا، مع عدم إمكان ترجيح أحدهما على غيره.

انظر: «الغاية في شرح الهداية» للسخاوي (ج1 ص328)، و«النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص551)، و«نزهة النظر» له (ص127).

[66]) كـ«سويد بن سعيد، وهشام بن سعد».

[67]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج11 ص94)، و«التقريب» لابن حجر (ص570).

[68]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص961).

[69]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص907).

[70]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص844).

[71]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص247).

[72]) انظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (ج6 ص130)، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج3 ص107).

[73]) انظر: «الميزان» للذهبي (ج1 ص180)، و«المغني في الضعفاء» له (ج1 ص68)، و«لسان الميزان» لابن حجر (ج1 ص348).

[74]) «السير» (ج13 ص342).

[75]) انظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص620).

[76]) انظر: «نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر» لابن حجر (ص82).

[77]) قلت: كـ(حديث: لم يعملوا خيرا قط)، فهذا الحديث يخالف المعقول، ويناقض الأصول في دخول أناس الجنة؛ لم يعملوا عملا قط بعد دخولهم النار؛ اللهم غفرا.

[78]) وانظر: «الصحاح» للجوهري (ج5 ص2054).

[79]) انظر: «الموقظة في علم مصطلح الحديث» للذهبي (ص42 و77).

[80]) قال الإمام البغوي / في «شرح السنة» (ج15 ص190): (وفي الحديث: دليل على أن أهل المعاصي لا يخلدون في النار، وفيه دليل على تفاضل الناس في الإيمان). اهـ.

[81]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص1045).

[82]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص287).

[83]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص668).

[84]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص391).

[85]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص757).

[86]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص242).

[87]) وسوف أذكر تخريجه في «جزء» مفرد.

[88]) يعني: عبد الرزاق، وسويد بن سعيد، وهشام بن سعد.

[89]) وانظر: «الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص636)، و«الإحكام» للآمدي (ج4 ص329)، و«المحصول» للرازي (ج2 ص559)، و«قواعد التحديث» للقاسمي (ص323)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص276)، و«الغاية في شرح الهداية» للسخاوي (ج1 ص377)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ص286).

[90]) أثر حسن.

     أخرجه الخطيب في «الجامع» (ج2 ص212)، بإسناد حسن.

[91]) أثر حسن.

     أخرجه الخطيب في «الجامع» (ج2 ص296)، بإسناد حسن.

[92]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن حبان في «المجروحين» (ج1 ص33)، والخطيب في «الجامع» (ج2 ص212)، والخليلي في «الإرشاد» (ج2 ص595)، واللفظ للخليلي، بإسناد صحيح.

[93]) قلت: والقوم يفتون في دين الله تعالى عن طريق شريط، أو كتاب؛ فكيف يصيبون الحق!.

[94]) قوله r: (منهم: الموبق)؛ يعني: الهالك.            

[95]) قوله r: (ومنهم: المخردل)؛ أي: الذي قطع.

      انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج11 ص454).

[96]) انظر: «الكواكب النيرات» لابن الكيال (ص258)، و«المختلطين» للعلائي (ص58).

[97]) ومن هنا نشأ علم علل الحديث له أسسه، وقواعده، ورجاله الذي يعني بتتبع الثقات، وبيان الوهم الواقع في رواياتهم، لأن الناس عادة يتلقون أحاديث هؤلاء الثقات بالقبول، والتسليم ظهرت من خلال ذلك جلالة المشتغل بهذا العلم.

      قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص202): (والثقة إذا حدث بالخطإ، فيحمل عنه، وهو لا يشعر أنه خطأ، يعمل به على الدوام للوثوق بنقله، فيكون سببا للعمل بما لم يقله الشرع). اهـ.

[98]) قلت: والحديث في سنده اختلاف ليس هذا موضع بسطه، وهو يعرف بحديث الصور.

      وانظر: «التاريخ الكبير» (ج1 ص260)، و«الكامل» لابن عدي (ج6 ص2270).

[99]) ماج الناس: اضطربوا، واختلطوا.                        

[100]) يقال: «شفعت»: من التشفيع، وهو تفويض الشفاعة إليه والقبول منه. (خردلة)؛ أي: من الإيمان، والخردلة واحدة: الخردل، وهو نبت صغير الحب، وهذا تمثيل للقلة.

[101]) «خليل الرحمن»: هو الذي أحبه محبة كاملة، لا نقص فيها، ولا خلل.

[102]) «روح الله وكلمته»: أي الذي خلقه مباشرة بكلمة منه دون واسطة أب.

[103]) «فأستأذن على ربي»: أتوسل إليه أن يأذن لي بالشفاعة.

[104]) «يلهمني محامد»: يلقي في نفسي معاني للحمد لم تسبق لي.

[105]) «أخر»: أسقط على وجهي.

        انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص475 و476)، و«عمدة القاري» للعيني (ج20 ص361 و362)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج15 ص549 و552).

[106]) «متوار»: مختف في منزل أبي خليفة الطائي البصري، خوفا من الحجاج، «بالحسن» البصري.

[107]) «هيه»: زد من هذا الحديث.

[108]) «وهو جميع»: مجتمع، وهو الرجل الذي بلغ أشده، أراد أنه كان شابا حين حدثه بذلك.

[109]) «تتكلوا»: تعتمدوا على الشفاعة فتتركوا العمل.

        انظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج15 ص553).

[110]) والغالب في خطإ من أخطأ في فقه هذا الباب، هو عدم جمع طرق أحاديث الشفاعة، وإدراك هذه الحقيقة.

[111]) ولذلك يجب تجنب الحكم في الفقه؛ بأحاديث مجملة، إلا بأدلة مفسرة لها تبين الحكم الصحيح فيها.

        قال الإمام أحمد /: (يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين: المجمل والقياس).

        * ذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج2 ص60) من رواية عبد الملك الميموني.

[112]) انظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص391).

[113]) انظر: للفائدة الموقف السليم من المتشابه: «القواعد الحسان لتفسير القرآن» للشيخ عبد الرحمن السعدي (ص70 -71)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص294 و295 و304).

[114]) انظر: «الموافقات» للشاطبي (ج4 ص140).

[115]) انظر: الآثار الواردة في ذلك عند الطبري في «جامع البيان» (ج3 ص185 - 186).

[116]) انظر: «الموافقات» للشاطبي (ج4 ص73) في البيان والإجمال.

[117]) ويراد بها نفي الكمال والتمام في العمل. وذلك لضعف إيمانهم بسبب مبالغتهم، وإسرافهم في فعل المعاصي.

[118]) قلت: ومن ترك اللفظ الظاهر الصريح المفسر، فهو ترك الدليل لغير شيء، وما كان كذلك فباطل، لأن لا يلزم نفسه الجمع بين الأدلة، فيبطل الراجح جملة اعتمادا على المرجوح، والله المستعان.

[119]) وعلى هذا يجب أن نرجع إلى أصل معتبر في صلب العلم، لقطع النزاع في هذه المسألة، لأن الشريعة إنما هي بيان وهدى.

[120]) وحملها بعض أهل العلم على ترك الفرائض، ومنها: الصلاة، وترك مطلق العمل، وهذا فيه نظر، كما سوف يأتي تفصيل ذلك، والله المستعان.

[121]) ولهذا وضع علماء الأصول من القواعد والضوابط هي في الحقيقة مستمدة من الكتاب، والسنة، واللغة العربية؛ لضبط الألفاظ المجملة، والمفسرة، والمشتبهة، والواضحة.

[122]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج34 ص43)، و(ج31 ص138)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص111)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص194)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج3 ص474)، و«مذكرة» الشنقيطي (ص235).

[123]) فلا بد أن يجعل أحدهما أصلا، ويبنى الآخر عليه، باعتبار أن العمل الصالح مأمورا به على جميع العباد، فكان أولى بأن يجعل فاعل العمل الصالح كثيرا، أو قليلا أصلا؛ ليكون للأصل فائدة، ويبنى الفرع على الأصل، والله ولي التوفيق.

[124]) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ج1 ص409)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج13 ص110 و111 و120)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص619 و627)، و«الرسالة» للشافعي (ص341 و342)، و«مذكرة» الشنقيطي (ص224 و317).

[125]) والحق أن النص المجمل لا يترجح فيه التفسير، إلا من النص الخارجي.

[126]) وانظر: «العدة» لأبي يعلى (ج1 ص578)، و«المحصول» للفخر الرازي (ج1 ص13)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص167)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص160)، و«الإحكام» للآمدي (ج2 ص163)، و«بيان المختصر» للأصفهاني (ج2 ص424)، و«المسودة» لآل تيمية (ص352)، و«إجابة السائل» للصنعاني (ص419)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج1 ص358)، و(ج4 ص320)، و(ج7 ص199)، و«المدخل» لابن بدران (ص328)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص148)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص219).

[127]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (7284)، ومسلم في «صحيحه» (20) من حديث أبي هريرة t.

[128]) وانظر: «الخلاف بين العلماء، أسبابه وموقفنا منه» لشيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ص18).

[129]) قلت: وهذا من أسباب الخلاف بين العلماء أن يفهم من الدليل خلاف مراد الله تعالى، ورسوله r.

[130]) أي جماعات.

        انظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص185).

[131]) لأن أثر السجود لا يأتي إلا كون العبد يصلي.

        * فعلم بذلك أنها تتضمن الصلاة، والدليل على ذلك ذكر أثر السجود. وهذا مستفاد من مجموع الروايات.

[132]) دارات وجوههم: جمع دارة، وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه، ومعناه: أن النار لا تأكل دارة الوجه؛ لكونها محل السجود بسبب صلاتهم.

        انظر: «النهاية» لابن الأثير (ج2 ص139).

[133]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص273) من طريق شعبة عن سليمان قال: سمعت زيد بن وهب به.

[134]) قلت: وأيضا هذا العمل الصالح الذي في قوله: «لم يعملوا خيرا قط»، هو زائد على الأصول كـ«التوحيد، والصلاة»، وغير ذلك، كما في هذه الروايات، والأخرى، كما سوف تأتي فتنبه.

        وانظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج1 ص566).

[135]) ليس فقط يعرفونهم بآثار السجود، بل أناس يعرفون من صورهم ووجوههم، وأناس يعرفون بآثار السجود؛ فتنبه لذلك.

[136]) انظر: «الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج» للسيوطي (ج1 ص251).

[137]) فهذه علامات أخرى لمعرفة المسلمين الذين في النار.

[138]) والذين خرجوا، هم: موحدون غير مشركين، كما: هو صريح في رواية: أبي هريرة وغيره، ولو كانوا مشركين لخلدوا في النار، ولم يخرجوا منها، والأمر المهم أن الرجل لا يكون موحدا؛ إلا إذا كان معه من الأعمال الصالحة، ومنها: الصلاة. فلو كان العبد لا يعمل عملا صالحا - وأخص بالذكر الصلاة - أو كان يصلي: صلاة اللاهين الغافلين، لما كان له من الإيمان في قلبه، لتركه لجميع عمل الجوارح - وأهمه الصلاة - فإن عمل الجوارح - عملا وتركا - يؤثر في القلب قوة، وضعفا؛ كما هو معروف، والله المستعان.

[139]) ولو سلمنا بأن المؤمنين قد أخرجوا من عرفوه بآثار السجود، فلا يلزم من ذلك أنهم أخرجوا جميع من فيه أثر السجود، إنما أخرجوا من عرفوا فقط، ولا يقال: إن المؤمنين باجتماعهم يعرفون كل المصلين، لأن هذا - كما سبق - غير مسلم به في ذاته.

* وأيضا فإن هؤلاء الشافعين ليسوا كل المصلين، بدليل أنهم يشفعون في بعض المصلين. ومن ادعى غير ذلك فعليه الدليل الصريح.

[140]) أثر صحيح.

     أخرجه حرب الكرماني في «مسائله» (ص430).

[141]) يعني: لا يخلد في النار، كما سوف يأتي من أقوال العلماء.

        وانظر: «مشكل الآثار» للطحاوي (ج14 ص179).

[142]) قال حرب الكرماني في «المسائل» (ص429): سمعت أبا عبد الله محمد بن نصر الفراء قال: نازلت سليمان بن حرب، وعبيد الله بن محمد التيمي، وأبا عبيد: دخل كلام، بعضهم في بعض، والمعنى واحد قالوا: (إن للنار جواني وبراني. فلا يدخل أهل التوحيد مدخل أهل الكفر، والنفاق، لأن من أدخل مدخل أهل الكفر، والنفاق، لا يخرج منه أبدا، أما تسمع؛ إلى قوله تعالى: ]لا يصلاها إلا الأشقى * الذي كذب وتولى[ [الليل: 15 - 16]...؛ فمعنى الحديث: أنه لا يدخل أهل التوحيد مدخل أهل الكفر، والنفاق، وهو جوف النار، وأسفله يقول الله: ]إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار[ [النساء: 145]، وتلك النار أعدت للكافرين). اهـ.

[143]) قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص113): (ولهذا السبب يتفاوت الناس في الإيمان والأعمال، حتى ينتهي إلى أدنى مثقال ذرة في القلب). اهـ.

[144]) وما وقع في أعمالهم من الخلل، والنقص؛ إلا بسبب عملهم في المعاصي.

        قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص124): (فمما ينبغي أن يعلم: أن الذنوب والمعاصي تضر ولا بد وأن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء؛ إلا سببه الذنوب والمعاصي). اهـ.

[145]) فقوله r: (وكان يداين الناس...)؛ يدل على أن معه: عملا ظاهرا.

[146]) ومثله: قول ابن القيم /، في زيادة: (لم يعملوا خيرا قط):

        قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص71): (وأما قوله في النار: ]أعدت للكافرين[ [البقرة: 24]، فقد قال في الجنة: ]أعدت للمتقين[ [آل عمران: 133]، ولا ينافي إعداد النار للكافرين أن يدخلها الفساق والظلمة، ولا ينافي إعداد الجنة للمتقين، أن يدخلها من في قلبه أدنى مثقال ذرة من الإيمان، ولم يعمل خيرا قط). اهـ.

        قلت: فأثبت، أولا الإيمان، بأدنى مثقال ذرة، ثم ذكر الزيادة ليبين بأن الإيمان القليل يكون من العمل القليل.

[147]) انظر: «تعجيل المنفعة» لابن حجر (ص287)، و«لسان الميزان» له (ج7 ص313)، و«الثقات» لابن حبان (ج3 ص278)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج9 ص43)، و«العلل» للدراقطني (ج1 ص190).

[148]) انظر: «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص571)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ج1 ص406)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص207)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص308).

[149]) قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (531): (إن للفظة التي في خبر أبي بكر الصديق t، قبل ذكر الأنبياء معنيين:

        أحدهما: الصديقون من الأنبياء، أي: الأفضل منهم، كما قال تعالى: ]ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض[ [الإسراء: 55]، فيكون منهم صديقون بعد نبينا المصطفى r، ثم يقال: ادع الأنبياء، أي: غير الصديقين الذين قد شفعوا قبل.

        والمعنى الثاني: أن الصديقين من هذه الأمة ممن يأمرهم النبي r بأن يشفعوا، فتكون هذه الشفاعة التي يشفعها الصديقون من أمة النبي r بأمره، شفاعة للنبي r مضافة إليه لأنه الآمر، كما قد أعلمت من مواضع من كتبي: أن الفعل يضاف إلى الآمر، كإضافته إلى الفاعل فتكون هذه الشفاعة مضافة إلى النبي r لأمره بها، ومضافة إلى المأمور بها؛ فيشفع، لأنه الشافع بأمر النبي r). اهـ.

[150]) فتياني: جمع فتى، وهو الأجير والخادم.

[151]) ينظروا: من الإنظار، وهو الإمهال.

[152]) المعسر: الذي تعسر عليه سداد الدين.

[153]) يتجاوزوا: يتسامحوا في الاقتضاء، والاستيفاء في الأموال.

[154]) الموسر: يعني يأخذ الشيء اليسير، وهو الناقص عن الاستيفاء.

        انظر: «المنهاج» للنووي (ج10 ص224) و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص308) و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج5 ص41).

[155]) قلت: ولا يتصور أن الله تعالى يتجاوز عن عبد لا يعمل عملا نهائيا، بعد أن أوجب عليه العمل في الدنيا، ورتب عليه دخول الجنة، أو النار، اللهم غفرا.

[156]) أثر صحيح.

        أخرجه الخلال في «السنة» (ج3 ص566)، بإسناد صحيح.

[157]) «راح»، أي: ذي ريح شديدة.

[158]) «اليم»، البحر.

[159]) يداين الناس: يبيعهم مع تأخير الثمن إلى أجل.

[160]) قوله r: «ويتجوزوا»؛ التجاوز، والتجوز معناهما: المسامحة في الاقتضاء، والاستيفاء، وقبول ما فيه نقص يسير.

        انظر: «المنهاج» للنووي (ج10 ص224)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص308).

[161]) أي: آخذ ما تيسر، وأسامح بما تعسر.

[162]) «الجواز»: أي التسامح والتساهل في البيع والاقتضاء، ومعنى: الاقتضاء الطلب.

[163]) وهذا الحديث: إنما هو محفوظ، لأبي مسعود الأنصاري: عقبة بن عمرو البدري وحده، وليس لعقبة بن عامر فيه رواية.

        قال الحافظ الدارقطني: (والوهم: في هذا الإسناد من أبي خالد الأحمر قال: وصوابه، عقبة بن عمرو، أبو مسعود الأنصاري). اهـ.

        انظر: «المنهاج» للنووي (ج10 ص224).

[164]) رغسه: أي أعطاه.

[165]) اسحقوني: من السحق، وهو أشد الدق.

[166]) ذروني: انثروني، وفرقوني.

[167]) عاصف: شديد الريح.

        انظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج7 ص491 و492).

[168]) الحسنة: المراد بها هنا العمل، والخير؛ كما في الروايات الأخرى، وليس المراد من ذلك ترك العمل بالكلية؛ فتنبه.

[169]) وأما قوله: (فوالله لئن قدر الله عليه): فقد اختلف في معناه: فقال بعض العلماء: هذا رجل جهل بعض صفات الله تعالى، وهي القدرة، فلم يعلم أن الله على كل ما يشاء قدير، قالوا: ومن جهل صفة من صفات الله تعالى، وآمن بسائر صفاته، وعرفها لم يكن بجهله بعض صفات الله كافرا ، قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله، وهذا قول المتقدمين من العلماء، ومن سلك سبيلهم من المتأخرين.

       وقال بعض العلماء: أراد بقوله: «لئن قدر الله عليه»، من القدر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة، والاستطاعة في شيء قالوا: وهو: مثل قوله تعالى، في ذي النون: ﴿ŒÎ) |=yd©Œ $Y6ÅÒ»tóãB £`sàsù br& `©9 u‘ωø)¯R Ïmø‹n=tã﴾ [الأنبياء: 87].

       انظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص42).

       قال الإمام ابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص42): (وللعلماء: في تأويل هذه اللفظة قولان، أحدهما: أنها من التقدير والقضاء، والآخر: أنها من التقتير والتضييق. وكل ما قاله العلماء في تأويل هذه الآية، فهو جائز في تأويل هذا الحديث، في قوله: (لئن قدر الله علي) فأحد الوجهين تقديره: كان الرجل قال: (لئن كان قد سبق في قدر الله وقضائه، أن يعذب كل ذي جرم على جرمه، ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين غيري، والوجه الآخر: تقديره، والله لئن ضيق الله علي، وبالغ في محاسبتي، وجزائي على ذنوبي ليكونن ذلك). اهـ.

[170]) حضره الموت: أي جاءه الموت.

[171]) قلت: صحت، والحمد لله، كما سبق تخريجها.

[172]) قلت: فبين شيخ الإسلام ابن تيمية /، بأن الرجل كان يعمل عملا صالحا، وهذا الذي ذكرناه فيما سبق، وأما أن نظن بأنه لم يعمل أي عمل، فهذا لا يتصور، والله المستعان.

[173]) أي: في يوم ريح.

[174]) وأنه كان يعمل عملا صالحا، لم يترك العمل بالكلية، فافهم لهذا ترشد.

[175]) وبين ابن الجوزي: بأن الذي لا يعمل أي عمل فهو كافر، فكيف يدخل الجنة؟!.

        فقال الحافظ ابن الجوزي / في «جامع المسانيد» (ج6 ص117): (فإن قيل: هذا الذي ما عمل خيرا قط كافر، فكيف يغفر له؟ فقال ابن عقيل: هذا رجل لم تبلغه الدعوة فعمل بخصلة من الخير). اهـ.

        قلت: وقد بينا بأن الرجل كان يعمل الخير القليل كما قال ابن عقيل، مع بقاء الأصول فيه، لكن الاستدلال هنا على أن الذي لا يعمل أي عمل فهو كافر.

[176]) كما قال ابن مسعود t: (وكان الرجل نباشا، فغفر له لخوفه).

         أخرجه أبو يعلى في «المسند» (ج2 ص285)، و(ج8 ص470)، بإسناد صحيح.

[177]) ولذلك قال الحسن البصري /: (إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل).

        أخرجه أحمد في «الزهد» (ص402)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص144) من طريقين عن الحسن البصري به.

        وإسناده حسن.

        وذكره ابن القيم في «الداء والدواء» (ص73).

        قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص76): (ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه). اهـ.

[178]) ولا يقال: بأن هؤلاء جاءوا بإيمان مجرد لم يضموا إليه شيئا من العمل، فتنبه.

[179]) انظر: «المفهم» للقرطبي (ج1 ص421)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج15 ص403)، و«التوحيد» لابن خزيمة (ص621).

[180]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص512)، ومسلم في «صحيحه» (ج17 ص82).

[181]) وانظر: «إثبات الشفاعة» للذهبي (ص22).

[182]) وانظر: «الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص75)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج1 ص93)، و«مذكرة» له (ص246)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج3 ص4141)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص43)، و«الرسالة» للشافعي (ص322).

[183]) وانظر: «التوحيد» لابن خزيمة (ص488).

[184]) وانظر: «التوحيد» لابن خزيمة (ص588).

[185]) فهذا الرجل يخرج من النار، بما بقي له من صالح عمله، لا بشفاعة مخلوق، فتنبه.

[186]) على فرض صحتها.

[187]) انظر: «الإيمان» لأبي عبد الرحمن عمرو عبد المنعم (ص139).

[188]) وحديث أبي هريرة: ليس فيه زيادة: «لم يعملوا خيرا قط»، وعلى ذلك لا تعتبر هذه الزيادة، في حديث أبي سعيد الخدري، لأنه حفظ الحديث، كما حفظه أبو هريرة؛ فافطن لهذا.

[189]) وهذه سنة الله تعالى في خلقه في الدنيا والآخرة.

[190]) قال أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج1 ص442): (قال الشافعون: لم نذر فيها خيرا، مع أنه تعالى مخرج بعد ذلك جموعا كثيرة ممن يقول: لا إله إلا الله، وهم مؤمنون قطعا، ولو لم يكونوا مؤمنين لما خرجوا بوجه من الوجوه). اهـ.

[191]) وقوله: «فمن وجدتم في قلبه»، هذا يبين بأن الله تعالى أعلمهم ذلك بحسب طبيعة الإنسان الذي يعتريه بعض القصور في العلم والمعرفة، ولذلك أخرجوا بعض الناس وتركوا البعض، كما في الروايات الصحيحة، لأن لا يلزم معرفتهم ما في القلوب أن يعرفوا الجميع، والدليل على ذلك خفاء البعض عليهم.

[192]) في «صحيح مسلم»: «لم نذر فيها خيرا»، أي: صاحب خير، وهذا على حسب علمهم، كما في رواية الحافظ: ابن منده / المذكورة.

[193]) قلت: وهذا على فرض صحة هذه الزيادة كما سبق.

[194]) ويتكرر منهم هذا مرارا، مما يتبين بأن أناسا لم يعرفوا من قبل أهل الجنة، وذلك بحسب علمهم، وإلا لماذا يتكرر منهم ذلك مرارا، كما في الرواية، فيقولون: «ربنا لم نذر فيها أحدا»، وقد بقي أناس في النار لم يعرفهم أهل الجنة.

[195]) وهي الشفاعة العظمى، وهي أولى الشفاعات... والنبي r أول من يشفع في إخراج بعض الموحدين من النار.

[196]) قلت: ولو أخرج المؤمنون البواقي أي سائر الدفعات التي يشفع فيها المؤمنون، لا باقي من كان كذلك من أهل النار. لأنه لو كان ذلك كذلك لما بقي لشفاعة الأنبياء وغيرهم شيء.

[197]) إذا فلا بد من تخصيص عموم حديث أبي سعيد الخدري t، بلفظة: «لم يعملوا خيرا قط».

[198]) فالقواعد المستفادة من مجموع الروايات، وقد أشار لذلك: ابن خزيمة، كما سبق، فبالجمع بين الروايات يتضح بعد هذا الاحتمال.

[199]) وانظر: «الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية» للبورنو (ص257)، و«موسوعة القواعد الفقهية» له (ج2 ص219).

[200]) وهذا كله يدلنا على أهمية هذه القاعدة وضرورتها في تشريع الأحكام.

[201]) كـ«القصاص والوعاظ»، وغيرهم.

[202]) قلت: وقد ينشأ هذا الاختلاف في الأحاديث بسبب اختلاف الرواة في الحفظ والضبط.

[203]) انظر: «التمهيد» للأسنوي (ص506)، و«الأشباه والنظائر» للسيوطي (ص128)، و«الأشباه والنظائر» لابن نجيم (ص135).

[204]) وقد اجتهد الطحاوي في تحقيق ما قصد إليه فأبان كثيرا مما سقطت معرفته على الناس، وأزال الإشكال عن كثير من الأحاديث، وحرص على جمع كثير من الأحاديث، وكان يذكر الحديث، ويبين المراد منه بذكر أحاديث أخرى تبينه، وكثيرا ما يجمع بين حديثين أو أكثر.

[205]) انظر: «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص170)، مع شرحه «الباعث الحثيث» للشيخ أحمد شاكر.

[206]) انظر: «التمهيد» لأبي الخطاب (ج1 ص8).

[207]) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ص209)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص635)، و«التمهيد» لأبي الخطاب (ج3 ص217)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص280)، و«المحصول» للرازي (ج2 ص534).

[208]) ومن المعلوم أن صحة الحديث أيضا هي الأساس قبل أي مرجح، ويبلغ الحديث أعلى مراتب الصحة إذا كان متفقا عليه، ويزداد قوة إذا وافقته أحاديث أخرى كما في مسألتنا هذه.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan