الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / العلاج بالبيطرة لأحاديث امتحان أهل الفترة
العلاج بالبيطرة لأحاديث امتحان أهل الفترة
سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية
|
لأحاديث امتحان أهل الفترة
وهو:
لبيان ضعف أحاديث امتحان أهل الفترة يوم القيامة، وقد ضعفها: الإمام ابن عبد البر، والإمام الحليمي، والإمام القرطبي، وغيرهم، فلا تقام الحجة بها في الشرع؛ لأنها من الأمور الغيبية، التي لا تثبت؛ إلا بالأدلة الصحيحة
تأليف
فضيلة الشيخ المحدث الفقيه
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر وأعن فإنك نعم المعين
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد...
فإن التنقية للأحاديث الضعيفة التي وردت عن النبي r في «الأحكام»، ونخلها من كتب السنن، بذكر عللها في أسانيدها ومتونها؛ من أجل العلوم النافعة التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وتعويضها بالآثار الصحيحة، وذلك لحفظ الشريعة المطهرة، وصونها على أن لا يدخل فيها ما ليس منها من الأحكام الدخيلة في الدين، من ذلك: الأحاديث التي وردت في امتحان أهل الفترة، وهي معلولة في أسانيدها، ومتونها، جملة وتفصيلا؛ كما سوف يأتي.
* وهذا يسمى بـ«علل الحديث»؛ وهو من أشرف العلوم عند أئمة الجرح والتعديل.
قال الحافظ الحاكم / في «معرفة علوم الحديث» (ص140): (ذكر النوع السابع والعشرين من علوم الحديث؛ هذا النوع منه معرفة علل الحديث، وهو علم برأسه غير الصحيح والسقيم، والجرح والتعديل... فإن معرفة علل الحديث من أجل هذه العلوم). اهـ
وقال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص294): (مـعرفة العلل أجل أنواع علم الحديث)، وقال أيضا: (فمن الأحاديث ما
تخفى علته فلا يوقف عليها إلا بعد النظر الشديد ومضي الزمن البعيد). اهـ
وقال الإمام ابن الصلاح / في «علوم الحديث» (ص81): (اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث، وأدقها وأشرفها، وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة، والفهم الثاقب). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص352)؛ عن أهل الحديث أنهم: (يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم أنه غلط فيها بأمور يستدلون بها، ويسمون هذا «علم علل الحديث» وهو من أشرف علومهم؛ بحيث يكون الحديث قد رواه ثقة ضابط، وغلط فيه). اهـ
وقال الحافظ العلائي /: (وهذا الفن أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله فهما غايصا، واطلاعا حاويا، وإدراكا لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة، ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن، وحذاقهم؛ كابن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأمثالهم).([1]) اهـ
قلت: ولذلك على المسلم الحق أن يطلب العلم، ويسلك سبيله، ويعمل بحقه لكي يضبط أصول الكتاب الكريم، والسنة النبوية.([2])
* فيعمل جادا في البحث([3]) عما يستنبط منهما من معاني وأحكام فقهية، لكي يتعبد الله تعالى بما شرعه في دينه، وفيما ثبت وصح عن النبي r، لأن لا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتعبد الله إلا بما شرعه في دينه.
قلت: ولذلك يحرم على المسلم أن يتعبد الله بالأحاديث الضعيفة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «قاعدة جليلة» (ص162): (لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست بصحيحة، ولا حسنة).اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد الفحول» (ص48): (الضعيف الذي يبلغ ضعفه إلى حد لا يحصل معه الظن لا يثبت به الحكم، ولا يجوز الاحتجاج به في إثبات شرع عام، وإنما يثبت الحكم بالصحيح، والحسن لذاته، أو لغيره، لحصول الظن بصدق ذلك، وثبوته عن الشارع). اهـ
قلت: والتعبد لله بغير ما شرعه من أخطر الأمور على العبد؛ لما يجعله يحاد الله تعالى، ورسوله r.([4])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج7 ص367): (الحق ما قام عليه الدليل، وليس الحق فيما عمله الناس). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج6 ص302): (وصاحب الهوى يقبل ما وافق هواه بلا حجة توجب صدقه ويرد ما خالف هواه بلا حجة توجب رده). اهـ
وقال الحافظ المزي / في «تهذيب الكمال» (ج2 ص326): (لو سكت من لا يدري لاستراح وأراح، وقل الخطأ، وكثر الصواب). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (هدفنا هو اتباع الحق لا الانتصار للآراء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص449): (ومن تكلم في الدين بلا علم كان كاذبا، وإن كان لا يتعمد الكذب). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (الذي يريد الحق، يفرح بالنصيحة، ويفرح بالتنبيه على الخطأ).([5]) اهـ
وقال العلامة اللكنوي الهندي / في «الأجوبة الفاضلة» (ص140): (لا يجوز الاحتجاج في الأحكام بكل ما في الكتب المذكورة وأمثالها، من غير تعمق يرشد إلى التمييز لما مر أنها مشتملة على الصحاح، والحسان، والضعاف، فلابد من التمييز بين الصحيح لذاته، أو لغيره، أو الحسن لذاته، أو لغيره، فيحتج به، وبين الضعيف بأقسامه، فلا يحتج به، فيأخذ الحسن من مظانه، والصحيح من مظانه، ويرجع إلى تصريحات النقاد الذين عليهم الاعتماد وينتقد بنفسه إن كان أهلا لذلك، فإن لم يوجد شيء من ذلك توقف فيما هنالك).([6]) اهـ
قلت: فلا يجوز الاحتجاج في الدين بجميع ما في الكتب من أحاديث من غير وقفة، ونظر.
وقال العلامة الشيخ زكريا الأنصاري / في «فتح الباقي» (ج1 ص107): (من أراد الاحتجاج بحديث من السنن، أو من المسانيد إن كان متأهلا لمعرفة ما يحتج به من غيره، فلا يحتج به حتى ينظر في اتصال إسناده وأحوال رواته، وإلا فإن وجد أحدا من الأئمة صححه، أو حسنه، فله تقليده، وإلا فلا يحتج به). اهـ
* وعلى هذا؛ فالمتكلم في علوم الحديث، وهو لم يتعلمها على وجه التفصيل، ولم يأت العلم من أبوابه، فهذا يعتبر عاميا في هذا الشأن.
قال الإمام ابن قدامة / في «روضة الناظر» (ج1 ص350): (ومن يعرف من العلم ما لا أثر له في معرفة الحكم... فهو كالعامي لا يعتد بخلافه، فإن كل أحد عامي بالنسبة إلى ما لم يحصل علمه، وإن حصل علما سواه). اهـ
وقال العلامة ابن بدران / في «نزهة الخاطر» (ج1 ص351)؛ معلقا: (خصوصا إن كان جاهلا، جهلا مركبا يجهل، ويجهل إنه يجهل). اهـ
* ثم إن من أسباب حفظ الله تعالى، لهذا الدين: أن هيأ له رجالا، لا يخافون في الله تعالى؛ لومة لائم، نذروا حياتهم له، وأفنوا أعمارهم في تحصيله، والذب عنه، وعملوا على تثبيت قواعده وأصوله.
قال تعالى: ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[ [الحجر:9].
* فهؤلاء؛ هم: أئمة الحديث النقاد، الذين ينتقدون الحديث، ليميزوا جيده من زائفه، ورسموا: منهجا، لمن بعدهم في بيان صحيح الأحاديث من سقيمها، ووضعوا علم الجرح والتعديل، وعلم التعليل والتخريج.
* وما هذا الكتاب: الذي بين يديك، إلا هو في تبيين علم علل الحديث.
قال القاضي أبو علي اللخمي /، في «رسالة»، بعث بها إلى العماد الأصفهاني /، يعتذر إليه من كلام استدركه عليه: (إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه، إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا، لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، هذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر) ([7]). اهـ
قلت: ومن هنا فنحن عازمون على تصحيح، وتصويب، وتبيين، ما في: الكتب، وفي «الصحيحين» من علل في الأحاديث، وغير ذلك، ما طالت بنا الحياة، وجرى القلم بين الأنامل، ووقع النظر على ضعف البشر!، والله الهادي إلى سواء السبيل.
* فإن علم العلل، هو أدق علوم الحديث، وأعمقها غورا، وأكثرها أهمية، وأصعبها تناولا؛ لما يترتب عليه من تدقيق في الألفاظ، وثبت في الأسانيد، وسعة في الطرق والروايات، واطلاع في علوم عدة.
* وهذا العلم لا يخوضه؛ إلا من علا في الفهم كعبه، واتسعت رقعة معارفه ودرايته، إذ القاصر فيه مخبط، والناقص فيه مخلط.
قال سفيان بن عيينة /: (ما كان أشد انتقاد مالك بن أنس، للرجال، وأعلمه بشأنهم).([8])
وقال الشافعي /: (كان مالك بن أنس: إذا شك في بعض الحديث، طرحه كله).([9])
قلت: وعلم العلل من أثقل العلوم، بل هو من أصعب العلوم في هذه الحياة، لما فيه من الدقة الخفية في علل الأحاديث، فهو أدق علوم الحديث، وأغمض أنواع الحديث، ولا يقوم به؛ إلا من فهمه الله تعالى هذا العلم الثاقب.
قال الحافظ ابن حجر / في «النكت» (ج2 ص711): (وهذا الفن أغمض أنواع الحديث، وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله تعالى فهما غائصا، واطلاعا حاويا، وإدراكا لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة، ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد من أئمة هذا الشأن وحذاقهم، وإليهم المرجع في ذلك لما جعل الله فيهم من معرفة ذلك، والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل الصغير» (ج2 ص662): (ولا بد في هذا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدم المذاكرة به، فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين به؛ كيحيى بن سعيد القطان، ومن تلقى عنه؛ كأحمد بن حنبل، وابن معين، وغيرهما.
فمن رزق مطالعة ذلك، وفهمه، وفقهت نفسه فيه، وصارت له فيه قوة نفس وملكة، صلح له أن يتكلم فيه). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل الصغير» (ج2 ص662): (اعلم أن معرفة صحة الحديث وسقيمه؛ يحصل من وجهين:
أحدهما: معرفة رجاله، وثقتهم وضعفهم، ومعرفة هذا هين؛ لأن الثقات، والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التآليف.
الوجه الثاني: معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف، إما في الإسناد، وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف، والرفع، ونحو ذلك.
وهذا هو الذي يحصل من معرفته واتقانه، وكثرة ممارسته: الوقوف على دقائق علل الحديث). اهـ
فهذه الرسالة اللطيفة، قائمة على الحجة والبرهان، لتعلم ببينة واضحة، ولتستبين لك الضحالة العلمية، لأولئك الخائضين فيما لا يعلمون في الدين. ([10])
* لتتأكد لك؛ الجملة الشهيرة الذائعة: «من تكلم في غير فنه، أتى بالعجائب»، ونادى على نفسه بالجهل المركب الفاضح، الواضح. ([11])
قال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص41): (فالواجب على العالمين، أن لا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه، لكان الإمساك أدلى به، وأقرب له من السلامة له إن شاء الله). اهـ
* فالله العظيم؛ أسأل أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يكتبنا في زمرة الذابين عن سنة نبيه r؛ إنه سميع مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر
ذكر الدليل على ضعف الأحاديث في امتحان أهل الفترة يوم القيامة، وأنها كلها منكرة، وهي مخالفة لأصول القرآن، وأصول السنة، وأصول الإجماع، على أن الله تعالى جعل الامتحان، والتكليف على الخلق، فقط في الحياة الدنيا، وإنما في الحياة الآخرة ليس فيها؛ أي: امتحان، وتكليف، بل هو جزاء، وهو: المقر الأبدي، فإما إلى الجنة، وإما إلى النار، لذلك: لا يحتج بهذه الأحاديث في عالم الغيب؛ إلا بأدلة واضحة صحيحة في الدين
عن الأسود بن سريع t، أن نبي الله r قال: (أربعة يوم القيامة - يعني: يدلون على الله بحجة- رجل أصم لا يسمع، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب قد جاء الإسلام وما أسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في فترة فيقول: رب ما أتاني الرسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، ويرسل إليهم أن ادخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها ما كانت عليهم إلا بردا وسلاما). وفي رواية: (أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة...).
حديث منكر
* اختلف في هذا الحديث:
* فرواه علي بن المديني، وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه؛ كلاهما: عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع t به.
أخرجه إسحاق بن إبراهيم بن راهويه في «المسند» (ج1 ص122)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص24)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص202)، وفي «القضاء والقدر» (ج3 ص909 و910)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (900)، والطبراني في «المعجم الكبير» (841)، وابن حبان في «صحيحه» (7357)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج4 ص255 و256)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج1 ص73)، ومحمد بن نصر المروزي في كتابه «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص650).
قلت: وهذا سنده منكر، فيه معاذ بن هشام الدستوائي، وهو يهم، ويخالف، وقد حدث بأحاديث عن أبيه، منكرة لا تصح، وهذا الحديث منها. ([12])
قال الإمام ابن معين في «معرفة الرجال» (ج1 ص118) عن معاذ بن هشام: (لم يكن بالثقة، وإنما رغب فيه أصحاب الحديث للإسناد، وليس عند الثقات الذين حدثوا عن هشام الأحاديث).
وقال الحافظ ابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج8 ص187)؛ عن معاذ بن هشام: (ولمعاذ عن أبيه عن قتادة، حديث كثير، ولمعاذ عن غير أبيه: أحاديث صالحة، وهو ربما يغلط في الشيء بعد الشيء).
وقال الإمام ابن معين في «التاريخ» (ج2 ص205): (صدوق: وليس بحجة).
* يعني: في بعض الأحاديث، فإنه يهم فيها عن أبيه، وهذا الحديث منها، فإن ألفاظه منكرة، لا تصح.
وهو حديث غير محفوظ.
لذلك قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص952): (صدوق: ربما وهم).
* ثم مع وهم معاذ بن هشام الدستوائي أحيانا، فإنه أحيانا لم يسمع من أبيه الحديث، لأنه يحدث عنه، من كتاب. ([13])
فعن الإمام علي بن المديني، قال عن معاذ بن هشام: (فلما جئنا إلى البصرة، أخرج إلينا من الكتب عن أبيه، فقال: هذا سمعته، وهذا لم أسمعه، فجعل يميزها). ([14])
قلت: ففي تفرد معاذ بن هشام عن أبيه، ما يدل على نكارة الحديث.
* وهشام الدستوائي([15]): ثقة ثبت([16])، وهو كثير الأصحاب؛ منهم: شعبة بن الحجاج، وابن مهدي، ويحيى القطان، وابن المبارك، ووكيع بن الجراح، وغندر، وإسماعيل بن علية، وبشر بن المفضل، ويزيد بن زريع، وغيرهم([17])، فلم يرو هؤلاء الثقات الأثبات هذا الحديث.
* إذا ففي تفرد ابنه معاذ، عنه: غرابة شديدة، فهو حديث منكر من هذا الوجه. ([18])
فهذا الحديث، من جملة أوهامه، فإنه لم يشاركه الثقات في هذا الحديث من أصحاب هشام الدستوائي.
* لذلك: لم يرو الحافظ البخاري في «صحيحه» عن معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه، لأن هذا الحديث، ليس على شرطه في «الجامع الصحيح»، فافهم: لهذا.
* وقتادة بن دعامة البصري، وهو مدلس، وقد عنعن ولم يصرح بالتحديث. ([19])
* ثم إن قتادة بن دعامة السدوسي، مع تدليسه، فإنه يرسل كثيرا، ولم يذكر سماعا من الأحنف بن قيس في هذا الإسناد، ولم يسمع منه. ([20])
قال الحافظ الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج3 ص1100): (قتادة: لم يلق الأحنف، ولا سمع منه).
وقال الحافظ الذهبي / في «ميزان الاعتدال» (ج4 ص510)؛ وذكر حديثا، ثم قال: (وهو منكر: ولم يلق قتادة، الأحنف بن قيس).
وقد اضطرب في إسناده، ولم يقمه،
فمرة: يرويه، عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع، ومرة: يرويه، عن الحسن البصري عن الأسود بن سريع، ومرة: عن قتادة عن الأسود بن سريع، ومرة: يرويه، عن الحسن البصري عن أبي رافع عن أبي هريرة، ومرة: عن قتادة عن أبي هريرة.
* وهذا يدل أن قتادة، دلسه، وأرسله، فهذا الحديث عن قتادة، بهذا الإسناد غير محفوظ.
وأورده السيوطي في «مسالك الحنفا» (ج2 ص406)؛ ثم قال: (إسناده صحيح، على شرط الشيخين، وبمثله: لا يقال من قبل الرأي، فله حكم الرفع!). اهـ
قلت: وليس هو كما قال، لنكارة الحديث، فلا يحتج به، لمخالفته الأصول.
قال العلامة الآبادي / في «عون المعبود» (ج12 ص324): (العلامة السيوطي: متساهل جدا([21])، لا عبرة بكلامه في هذا الباب، ما لم يوافقه كلام الأئمة النقاد). اهـ
* وهذا الاختلاف: ذكره الحافظ ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص51)؛ بقوله: (وبالإسناد عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة مثله، غير أنه قال في آخره: «فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها»، وكذا رواه إسحاق بن راهويه عن معاذ بن هشام، ورواه البيهقي في كتاب: «الاعتقاد» من حديث حنبل بن إسحاق عن علي بن عبد الله المديني به، وقال: هذا إسناد صحيح، وكذا رواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «أربعة كلهم يدلي على الله بحجة»؛ فذكر نحوه، ورواه ابن جرير من حديث معمر عن همام عن أبي هريرة t، فذكره موقوفا، ثم قال أبو هريرة: «فاقرءوا إن شئتم: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[ [الإسراء:15]؛ وكذا رواه معمر عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة t موقوفا).
وقال الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص215): (رواه أحمد، والبزار؛ إلا أنه قال: «يعرض على الله، الأصم الذي لا يسمع شيئا، والأحمق، والهرم، ورجل مات في الفترة»، ورواه الطبراني بنحوه.
* وذكر بعده إسنادا إلى أبي هريرة قالا: بمثل هذا الحديث، غير أنه قال في آخره: «فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها»؛ هذا لفظ أحمد، ورجاله في طريق الأسود بن سريع، وأبي هريرة، رجال الصحيح، وكذلك: رجال البزار فيهما).
* وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص168)، وابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج1 ص364)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص51)، وابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص650)، وفي «طريق الهجرتين» (ص656)، والهيثمي في «موارد الظمآن» (ص452).
وقال الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج3 ص419): «رواه الطبراني (79/2)؛ بسند صحيح»، وفيه نظر، لضعف الإسناد.
وقال الحافظ ابن كثير في «جامع المسانيد» (ج1 ص327): (وإسناده جيد، قوي، صحيح)، ولم يصب، لنكارة الإسناد، والمتن معا.
وقال الشيخ مقبل الوادعي في «الصحيح المسند» (ج1 ص38): (هذا حديث صحيح، رجاله، رجال الصحيح)، وفيه نظر، لاضطراب الحديث.
والحديث صححه الشيخ الألباني في «جامع الصحيح» (ج1 ص303 و304)، مع ضعفه.
وقال الحافظ ابن عبد البر في «الاستذكار» (ج3 ص114)؛ عن أحاديث أهل الفترة: (وهي كلها: أسانيد ليست بالقوية، ولا تقوم بها حجة).
* وقد ذكر الحافظ البخاري في «القراءة خلف الإمام» (ص58)؛ أحاديث: استنكرها على قتادة في ألفاظها.
* وخالف: محمد بن المثنى: علي بن المديني، وإسحاق بن إبراهيم؛ فرواه عن معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن الحسن البصري، عن الأسود بن سريع t عن النبي r قال: (يعرض على الله: الأصم الذي لا يسمع شيئا، والأحمق، والهرم، ورجل مات في الفترة، فيقول الأصم: رب جاء الإسلام، وما أسمع شيئا، ويقول الأحمق: رب جاء الإسلام، وما أعقل شيئا، ويقول الذي مات في الفترة: رب ما أتاني لك من رسول).
حديث منكر
أخرجه البزار في «المسند» (ج3 ص33-كشف الأستار).
قلت: وهذا سنده منكر كسابقه، فيه معاذ بن هشام الدستوائي، وهو يهم ويخالف. ([22])
* وقتادة بن دعامة البصري، يدلس، وصفه بالتدليس: ابن معين، والنسائي، وابن حبان، والعلائي، وغيرهم. ([23])
عن سليمان الشاذكوني / قال: (من أراد التدين بالحديث، فلا يأخذ عن الأعمش، ولا قتادة؛ إلا ما قالا: سمعناه) ([24]). ([25])
وقال الحافظ الدارقطني في «التتبع» (ص370): (وقتادة، وإن كان ثقة، وزيادة الثقة مقبولة عندنا، فإنه يدلس، ولم يذكروا فيه سماعه) ([26]).
وقال الحافظ الدارقطني في «التتبع» (ص262): (وقتادة: مدلس).
قلت: فعنعنة قتادة، غير مقبولة في هذا الحديث.
قال الحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص123): (وكان قتادة، معروفا: بالتدليس).
* فقتادة بن دعامة السدوسي، قد أرسل عن كثير من الرواة، ولم يسمع منهم، فينبغي التفطن لعنعنته، للنظر إلى إعلال الحديث([27])، بالقرائن التي تحفه، خاصة: النظر إلى نكارة متن الحديث، الذي يرويه قتادة عن مشايخه([28])، ومخالفته للأصول، بمثل: أحاديث الباب. ([29])
قال الحافظ ابن عبد البر في «الاستذكار» (ج6 ص39): (وقتادة حافظ: مدلس، يروي عمن لم يسمع منه، ويرسل عنه ما سمعه من ثقة، وغير ثقة).
وقال الحافظ العلائي في «جامع التحصيل» (ص254): (قتادة بن دعامة السدوسي: أحد المشهورين بالتدليس، وهو أيضا يكثر من الإرسال).
قلت: فهو مكثر من الإرسال في الأحاديث، فلا بد أن نتفطن لها. ([30])
* وقتادة: إذا لم يقل: سمعت، أو حدثنا، فلا حجة في نقله، خاصة إذا خالف الثقات الحفاظ.
قال الحافظ الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص350): (قوم دلسوا: عن قوم سمعوا منهم: الكثير، وربما فاتهم الشيء عنهم: فيدلسونه).
قلت: فمثل هذا الحديث المنكر في أسانيده، وألفاظه، لا يمكن قبول: عنعنة: قتادة البصري عن الحسن البصري، فهي: ترد لما لها من القرآئن المعتبرة التي يعرفها أهل هذا الشأن.
* وأخطأ من قال: أن الأئمة جعلوا: عنعنة قتادة البصري عن الحسن البصري: مقبولة، لأنه من الأثبات في الحسن البصري.
* وبزعمه أنهم: لم يشترطوا تصريحه بالسماع عن الحسن البصري، فإن ذلك ليس مطلقا.
* بل تقبل عنعنة قتادة عن الحسن؛ في بعض الأحاديث التي توافق الأصول، أما إذا خالف الأصول، لم تقبل روايته.
قلت: فقتادة أحيانا يرسل، وأحيانا يدلس.
فحكم: عنعنة قتادة عن الحسن، أو غيره، على حسب.
فهي: ليست قاعدة مطردة، تنطبق على جميع الأحاديث التي رواها عن الحسن البصري، فتقبل مطلقا. ([31])
* فهي تختلف، والحكم هذا يكون على حسب وجود القرائن، والأصول المعتبرة في علم الحديث.
قال الحافظ الخطيب البغدادي في «الكفاية» (ص55): (ويجب أن يكون ضابطا لما سمعه، وقت سماعه، متحفظا على شيخه في روايته من أن يدلسه له، إن كان ممن يعرف بالتدليس، فإن: «شعبة»: كان يتحفظ على: «قتادة» في مثل ذلك).
قلت: فقتادة في كثير من الأحاديث، يروي عن شيوخه، بواسطة، وممكن أن تكون هذه الواسطة، لا يحتج بها.
قال الحافظ ابن حبان في «الثقات» (ج5 ص321) عن قتادة: (وكان مدلسا).
قلت: فقتادة لم يسمع هذا الحديث، من الحسن، للاختلاف الذي فيه.
قال الحافظ الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص351): (قوم رووا: عن شيوخ لم يروهم قط، ولم يسمعوا منهم: إنما قالوا: «قال فلان»، فحمل ذلك عنهم: على السماع، وليس عندهم عنهم، سماع عال، ولا نازل).
وعن الإمام شعبة بن الحجاج قال: (كان قتادة إذا جاء ما سمع قال: «حدثنا»، وإذا جاء ما لم يسمع قال: «قال فلان»).([32])
* والتدليس: هو أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، موهما سماعه للحديث؛ أي: موهما أنه قد سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهما أنه قد سمعه منه؛ بصيغة محتملة، كـ«عن»، أو «قال».([33])
قال الحافظ الخطيب البغدادي في «الكفاية» (ج1 ص97): (والمدلس: رواية المحدث: عمن عاصره، ولم يلقه، فيتوهم أنه سمع منه، أو روايته: عمن لقيه ما لم يسمعه منه، هذا هو التدليس في الإسناد).
قلت: وعنعنة قتادة البصري هنا، لا تحمل على الاتصال، لأنه لم يصرح بالسماع، وألفاظ الأحاديث التي رواها: منكرة.
قال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج5 ص291): (وقتادة إذا لم يقل سمعت، وخولف في نقله، فلا تقوم به حجة، لأنه يدلس عمن لم يسمع منه، وربما كان بينهما: غير ثقة، وليس مثل هذه الأحاديث يعارض بها) ([34]).
وعن مغيرة عن الشعبي /: (قيل: له، هل رأيت قتادة؟، قال: نعم، رأيته: كحاطب ليل). ([35])
يعني: يأخذ عن كل أحد. ([36])
فعن أبي عمرو بن العلاء / قال: (كان قتادة، وعمرو بن شعيب، لا يغث عليهما شيء، يأخذان عن كل أحد) ([37])؛ يعني: عن الثقة، وعن الضعيف. ([38])
قلت: وقتادة: تدليسه أقل، من إرساله، فأكثر ما ذكروا عنه الإرسال.
ولهذا نقل الحافظ ابن حجر في «مقدمة فتح الباري» (ص512)؛ عن الحافظ الخليلي، أنه قال عن قتادة: «كان ربما دلس».
* وقد أنكر على قتادة: أحمد، وابن معين، والبخاري، وابن المديني، وغيرهم، بمثل: هذه الأحاديث المنكرة، بسبب الإرسال، أو التدليس.
وقال الحافظ الحاكم في «المدخل إلى الإكليل» (ص46)؛ وهو يتكلم عن التدليس: (وكذلك قتادة بن دعامة: إمام أهل البصرة، إذا قال: «قال أنس»، أو: «قال الحسن»، وهو مشهور بالتدليس عنهما).
وقال الحافظ الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص343): (قوم دلسوا: على أقوام مجهولين، لا يدرى من هم: ومن أين هم).
وقتادة بن دعامة: هو مشهور بسماعه من الحسن البصري؛ إلا أنه لم يذكر السماع في هذه الرواية، وقد عرف أحيانا، بأنه يدلس، فيما يفوته سماعه. ([39])
* وقد اضطرب في هذا الحديث، وقد سبق ذكر هذه العلة.
* والحسن البصري، لم يسمع من الأسود بن سريع، ثم هو مدلس وقد عنعن، ولم يصرح بالتحديث.
فلم يسمع الحسن البصري من الأسود بن سريع، فالإسناد منقطع. ([40])
* سئل الإمام علي بن المديني في «العلل» (ص106)؛ عن حديث الأسود، وهو ابن سريع: «بعث رسول الله r، سرية، فأكثروا القتل».
فقال ابن المديني: (إسناد منقطع، رواية: الحسن عن الأسود بن سريع، والحسن: عندنا لم يسمع من الأسود، لأن الأسود خرج من البصرة أيام علي، وكان الحسن بالمدينة).
وقال الحافظ ابن قانع في «معجم الصحابة» (ج11 ص4005): (لم يدرك الحسن، عتبة بن غزوان، ولم يدرك الحسن، أيضا الأسود بن سريع).
وقال الدوري في «التاريخ» (ج4 ص229): (قال يحيى بن معين: لم يسمع الحسن، من الأسود بن سريع).
* وكذا قال الحافظ ابن منده /. ([41])
وقال أبو عبيد الآجري في «السؤالات» (ص125)؛ سألت أبا داود: (الحسن، سمع من الأسود بن سريع؟، قال: لا، قال الأسود بن سريع لما وقعت الفتنة بالبصرة، ركب البحر، فلا يدرى ما خبره، سمعت أبا داود يقول: ما أرى الحسن، سمع من الأسود بن سريع).
وقال الدوري في «التاريخ» (ج4 ص322): (قال يحيى بن معين: لم يسمع الحسن، من الأسود بن سريع شيئا).
وقال الحافظ ابن حبان في «الثقات» (ج3 ص8): (والذي حكم به، علي بن المديني: أنه قتل يوم الجمل، وكان ينفي أن يكون الحسن سمع من الأسود بن سريع). ([42])
وقال يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص54): (قال علي بن المديني: الأسود بن سريع، قتل أيام الجمل، وإنما قدم الحسن البصرة بعد ذلك).
وقال الحافظ الذهبي في «السير» (ج4 ص566): (الأسود بن سريع: روى الحسن بالإرسال عنه، ولم يسمع منه).
* والحسن بن أبي الحسن البصري، هو: مدلس، وقد وصفه بتدليس الإسناد، النسائي، والذهبي، والعلائي، وابن حبان، وغيرهم. ([43])
قال الحافظ ابن حبان الله في «الثقات» (ج4 ص123): (الحسن البصري: كان يدلس).
* والحسن بن أبي الحسن البصري، يدلس عن الضعفاء، وفي سماع الحسن البصري، من الصحابة، فإنه مرسل في أكثر أحاديث الصحابة، وكان يأخذ عن كل أحد. ([44])
وفي رواية: الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل / قال: (أن الحسن البصري: يأخذ عن كل أحد). ([45])
وقال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج1 ص30): (وقالوا: مراسيل عطاء، والحسن: لا يحتج بها، لأنهما: كانا يأخذان عن كل أحد).
وفي رواية: الفضل بن زياد قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (ليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، كانا يأخذان عن كل أحد). ([46])
وفي رواية: حنبل بن إسحاق قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (وأما الحسن، وعطاء؛ فليس مراسيلهما كذلك، هي أضعف المرسلات، فإنهما كانا يأخذان عن كل). ([47])
قلت: فالحسن البصري؛ يأخذ عن كل ضرب، فلا يعتمد عليه إذا عنعن، إلا إذا صرح بالتحديث.
قال الحافظ الخطيب / في «الكفاية» (ص549): (والذي تختاره من هذه الجملة، سقوط فرض العمل بالمراسيل، وأن المرسل غير مقبول، والذي يدل على ذلك، أن إرسال الحديث يؤدي إلى الجهل بعين راويه، ويستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه، وقد بينا من قبل أنه لا يجوز قبول خبر؛ إلا ممن عرفت عدالته، فوجب لذلك كونه: غير مقبول).
وقال الحافظ الذهبي في «السير» (ج4 ص473): (بخلاف: تدليس الحسن البصري، فإنه كان يأخذ عن كل ضرب، ثم يسقطهم، كعلي بن زيد تلميذه([48])).
وقال الحافظ الذهبي في «السير» (ج4 ص572): (الحسن مع جلالته، فهو مدلس، ومراسيله ليست بذاك).
وقال الحافظ ابن حجر في «تعريف أهل التقديس» (ص102): (الحسن بن أبي الحسن البصري: وكان مكثرا من الحديث، ويرسل كثيرا عن كل أحد).
وقال الحافظ الذهبي في «السير» (ج9 ص549): (وهو صاحب تدليس).
وقال الحافظ الذهبي في «تاريخ الإسلام» (ج7 ص49)؛ عن الحسن البصري: (وكان يدلس، ويرسل، ويحدث بالمعاني).
قلت: فما أرسل من الحديث، عن الثقة، فليس بحجة.
وقال الحافظ الذهبي في «السير» (ج4 ص588): (وقال قائل: إنما أعرض أهل الصحيح، عن كثير مما يقول فيه الحسن البصري: «عن فلان»، وإن كان مما ثبت لقيه فيه: «لفلان المعين»؛ لأن الحسن البصري: معروف بالتدليس، ويدلس عن الضعفاء، فيبقى في النفس من ذلك، فإننا: وإن ثبتنا سماعه من سمرة t، يجوز أن يكون لم يسمع فيه غالب النسخة، التي عن: سمرة t).
وقال الحافظ ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار» (ص143): (الحسن بن أبي الحسن: على تدليس كان منه في الروايات).
وقال الحافظ العلائي في «جامع التحصيل» (ص105): (الحسن بن أبي الحسن البصري: من المشهورين بالتدليس).
قلت: فحكم عنعنة الحسن البصري، فليس لها قاعدة مطردة تنطبق على جميع الأحاديث.
* فالحكم هذا يكون على حسب القرائن المعتبرة في علم الحديث، من حيث السماع، أو عدم السماع، لأن أحيانا يقال: للحسن البصري، ممن سمعت هذا الحديث؟، فيقول: «لا أدري!». ([49])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج1 ص30): (وأما الإرسال: فكل من عرف بالأخذ عن الضعفاء، والمسامحة في ذلك، لم يحتج بما أرسله، تابعيا كان، أو من دونه).
وعن ابن عون قال: (كان الحسن البصري: يحدثنا؛ بأحاديث، لو كان يسندها، كان أحب إلينا) ([50])؛ يعني: مرسلة يرويها.
قلت: وأحيانا يطلق على التدليس، ويراد به الإرسال.
* ومما يبين ذلك، أن الحسن البصري، أطلق عليه وصف التدليس أحيانا([51])، لكن الدليل عليه أنه روى عن جماعة: لم يسمع منهم، أو سمع منهم شيئا، معينا، دون سائر ما يروي عنهم، فإنه: مرسل، وهو لاحق بالإرسال الظاهر، أو الإرسال الخفي، فهو: من قبيل المرسل في الحقيقة. ([52])
* وعلى هذا: من الخطأ أن تحمل عنعنة الحسن البصري على الإتصال في جميع الحالات، لذلك لا بد من الدراسة حول روايات الحسن البصري، عمن عاصرهم، ممن سمع منهم، فإنها تختلف في مسألة: السماع، ولا بد من النظر إلى نكارة المتن وألفاظه.
قال الحافظ الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص359): (وإنما يعلل الحديث: من أوجه ليس للجرح فيها مدخل.
* فإن حديث المجروح: ساقط واه، وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات، أن يحدثوا: بحديث له علة، فيخفى عليهم علمه، فيصير الحديث معلولا).
* ورواه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا معاذ بن هشام الدستوائي، حدثني أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن الأسود بن سريع t قال: قال رسول الله r: (أربعة كلهم يدلي على الله بحجة...).
حديث منكر
أخرجه الديلمي في «مسند الفردوس» (ج2 ص61).
قلت: وهذا سنده منكر، كسابقه؛ فإن معاذ بن هشام الدستوائي يهم في الحديث، ويخالف الثقات أحيانا، وقتادة البصري، يدلس، ويرسل، ولم يصرح بالتحديث، والحسن البصري، يدلس أيضا، ويرسل، ولم يسمع من الأسود بن سريع. ([53])
* ورواه محمد بن المثنى، نا معاذ بن هشام، نا أبي، عن قتادة، عن الأسود بن سريع، عن النبي r قال: (يعرض على الله تعالى: الأصم، والأحمق، والهرم، الذي مات في الفترة، فيقول الأصم: جاء الإسلام، ولا أسمع شيئا، ويقول الأحمق: رب جاء الإسلام، وما أعقل شيئا، ويقول الذي مات في الفترة: رب ما أتاني لك من رسول).
أخرجه الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج3 ص1100)، والبزار في «المسند» (ج17 ص70 و71)، بدون ذكر: «الحسن البصري» في الإسناد، وهذا من الاضطراب، فهو حديث مضطرب.
وقال الحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج3 ص13): (هذا غريب منقطع، وجاء عن قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع، ولكن قتادة: لم يلق الأحنف، ولا سمع منه).
قلت: فقتادة لم يسمع من الأسود بن سريع، فالإسناد منقطع.
* ومعاذ بن هشام الدستوائي، له أوهام([54])، وقد سبق.
وذكره السيوطي في «مسالك الحنفا في والدي المصطفى» (ج2 ص405).
* ورواه محمد بن المثنى أيضا، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن الحسن البصري، عن أبي رافع، عن أبي هريرة t، مرفوعا، وفيه: (فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها دخل النار).
حديث منكر
أخرجه البزار في «المسند» (ج3 ص33 و343-كشف الأستار)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج1 ص72).
قلت: وهذا سنده منكر، كسابقه، لا يحتج به، فيه معاذ بن هشام الدستوائي، له أوهام، وقتادة مدلس، ويرسل، والحسن البصري، مدلس، ويرسل، وقد سبقت ذكر هذه العلل. ([55])
* فصار من مسند: «الأسود بن سريع»، إلى مسند: «أبي هريرة»، وأدخل قتادة: أبا رافع، بين الحسن البصري، وبين أبي هريرة، وهذا من الاضطراب في الإسناد.
* وفي حديث أبي هريرة: «الأحمق»، بدل: «المعتوه»، وزاد: «الأصم»، و«الهرم»([56])، ولم يذكر: «المولود»، وذكره غيره، وهذا من الاضطراب في المتن أيضا.
* وحديث أبي هريرة، ليس بمحفوظ أيضا في هذا الباب، وما يصلح أن يكون حجة، للقائل بامتحان: أهل الفترة، والأحمق، والهرم، والأصم.
* وهو لا يصح من هذا الوجه، إنما هو: موقوف على أبي هريرة، ولا يصح أيضا.
قلت: وهذه أوهام وقعت في أحاديث هذا الباب في امتحان أهل الفترة وغيرهم يوم القيامة، وهي ضعيفة كلها، لا تقوم بها حجة في الغيب.
وقال الحافظ البزار: (لا نعلمه يروى، عن أبي هريرة، إلا بهذا الإسناد، وروي عن غيره).
وقال الحافظ ابن كثير في «جامع المسانيد» (ج1 ص327): (وهذا إسناد جيد)، وفيه نظر، لضعف الإسناد.
* وتابع محمد بن المثنى، على رفعه: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، فرواه في «مسنده» (ج1 ص123) من طريق معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة t، مرفوعا، بمثل هذا الحديث.
قلت: وهذا سنده منكر، كسابقه.
وهذا من الاختلاف، والاضطراب في الحديث، وقد سبق ذكر ذلك.
ومن هذا الوجه: أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتابه: «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص650).
* وتابع؛ محمد بن المثنى: علي بن المديني([57])؛ فرواه عن معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الحسن البصري عن أبي رافع عن أبي هريرة t، أن النبي r قال: (أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: ربي لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها، لكانت عليهم بردا وسلاما). وزاد: (فمن دخلها كانت عليه بردا، وسلاما، ومن لم يدخلها دخل النار). وفي رواية: (ومن لم يدخلها يسحب إليها).
حديث منكر
فذكر: «الأصم»، و«الأحمق»، و«الهرم»، و«الهالك في الفترة»، ولم يذكر: «المعتوه»، و«الصغير».
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص24)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص203)، وفي «القضاء والقدر» (ج3 ص910 و911)، وابن راهويه في «المسند» (ج1 ص123)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج4 ص255).
قلت: وهذا سنده منكر، وله ثلاث علل:
الأولى: معاذ بن هشام الدستوائي، وهو يهم، ويخالف، وقد حدث: بأحاديث عن أبيه، منكرة لا تصح، وحديث الباب منها. ([58])
قال الإمام ابن معين في «معرفة الرجال» (ج1 ص118) عن معاذ بن هشام: (لم يكن بالثقة، وإنما رغب فيه أصحاب الحديث للإسناد، وليس عند الثقات الذين حدثوا عن هشام الأحاديث).
وقال الحافظ ابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج8 ص187)؛ عن معاذ بن هشام: (ولمعاذ عن أبيه عن قتادة، حديث كثير، ولمعاذ عن غير أبيه: أحاديث صالحة، وهو ربما يغلط في الشيء بعد الشيء).
وقال الإمام ابن معين في «التاريخ» (ج2 ص205): (صدوق: وليس بحجة).
* يعني: في بعض الأحاديث، فإنه يهم فيها عن أبيه، وهذا الحديث منها، فإن ألفاظه منكرة، لا تصح.
* وهو: حديث غير محفوظ.
لذلك قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص952): (صدوق: ربما وهم).
* ثم مع وهم معاذ بن هشام الدستوائي أحيانا، فإنه أحيانا لم يسمع من أبيه الحديث، لأنه يحدث عنه، من كتاب. ([59])
فعن الإمام علي بن المديني، قال عن معاذ بن هشام: (فلما جئنا إلى البصرة، أخرج إلينا من الكتب عن أبيه، فقال: هذا سمعته، وهذا لم أسمعه، فجعل يميزها). ([60])
قلت: ففي تفرد معاذ بن هشام عن أبيه، ما يدل على نكارة الحديث.
* وهشام الدستوائي([61]): ثقة ثبت([62])، وهو كثير الأصحاب؛ منهم: شعبة بن الحجاج، وابن مهدي، ويحيى القطان، وابن المبارك، ووكيع بن الجراح، وغندر، وإسماعيل بن علية، وبشر بن المفضل، ويزيد بن زريع، وغيرهم([63])، فلم يرو هؤلاء الثقات الأثبات هذا الحديث.
* إذا ففي تفرد ابنه معاذ، عنه: غرابة شديدة، فهو حديث منكر من هذا الوجه. ([64])
فهذا الحديث، من جملة أوهامه، فإنه لم يشاركه الثقات في هذا الحديث من أصحاب هشام الدستوائي.
الثانية: وقتادة بن دعامة البصري، وهو مدلس، وقد عنعن ولم يصرح بالتحديث. ([65])
* ثم إن قتادة بن دعامة السدوسي، مع تدليسه، فإنه يرسل كثيرا، ولم يذكر سماعا من الأحنف بن قيس في هذا الإسناد، ولم يسمع منه. ([66])
قال الحافظ الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج3 ص1100): (قتادة: لم يلق الأحنف، ولا سمع منه).
وقال الحافظ الذهبي / في «ميزان الاعتدال» (ج4 ص510)؛ وذكر حديثا، ثم قال: (وهو منكر: ولم يلق قتادة، الأحنف بن قيس).
قلت: فمع تدليس قتادة في الإسناد، إلا أنه لم يسمع من الأحنف بن قيس، لأن قتادة ولد في البصرة، في سنة: «60هـ»، على أحد الأقوال، وتوفي الأحنف بن قيس، في سنة: «67هـ» على أصح الأقوال. ([67])
* وقد اضطرب في إسناده، ولم يقمه،
فمرة: يرويه، عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع، ومرة: يرويه، عن الحسن البصري عن الأسود بن سريع، ومرة: عن قتادة عن الأسود بن سريع، ومرة: يرويه، عن الحسن البصري عن أبي رافع عن أبي هريرة، ومرة: عن قتادة عن أبي هريرة.
* وهذا يدل أن قتادة، دلسه، وأرسله، فهذا الحديث عن قتادة، بهذا الإسناد غير محفوظ.
* وهذا الاختلاف: ذكره الحافظ ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص51)؛ بقوله: (وبالإسناد عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة مثله، غير أنه قال في آخره: «فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها»، وكذا رواه إسحاق بن راهويه عن معاذ بن هشام، ورواه البيهقي في كتاب: «الاعتقاد» من حديث حنبل بن إسحاق عن علي بن عبد الله المديني به، وقال: هذا إسناد صحيح، وكذا رواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «أربعة كلهم يدلي على الله بحجة»؛ فذكر نحوه، ورواه ابن جرير من حديث معمر عن همام عن أبي هريرة t، فذكره موقوفا، ثم قال أبو هريرة: «فاقرءوا إن شئتم: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[ [الإسراء:15]»؛ وكذا رواه معمر عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة t موقوفا). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص656): (فأما حديث: الأسود، فرواه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع، أن النبي r.
* وقال معاذ: وحدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة.
* ورواه أحمد، وإسحاق عن معاذ.
* ورواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي رافع عن أبي هريرة.
* ورواه معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة، موقوفا عليه). اهـ
* وقتادة بن دعامة البصري، يدلس، وصفه بالتدليس: ابن معين، والنسائي، وابن حبان، والعلائي، وغيرهم. ([68])
وعن سليمان الشاذكوني / قال: (من أراد التدين بالحديث، فلا يأخذ عن الأعمش، ولا قتادة؛ إلا ما قالا: سمعناه) ([69]). ([70])
وقال الحافظ الدارقطني / في «التتبع» (ص370): (وقتادة، وإن كان ثقة، وزيادة الثقة مقبولة عندنا، فإنه يدلس، ولم يذكروا فيه سماعه) ([71]).
وقال الحافظ الدارقطني / في «التتبع» (ص262): (وقتادة: مدلس).
قلت: فعنعنة قتادة، غير مقبولة في هذا الحديث.
وقال الحافظ الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص123): (وكان قتادة، معروفا: بالتدليس).
* وقتادة بن دعامة: هو مشهور بسماعه من الحسن البصري؛ إلا أنه لم يذكر السماع في هذه الرواية، وقد عرف أحيانا، بأنه يدلس، فيما يفوته سماعه. ([72])
* وقد اضطرب في هذا الحديث، وقد سبق ذكر هذه العلة.
الثالثة: الحسن البصري، لم يسمع من الأسود بن سريع، ثم هو مدلس وقد عنعن، ولم يصرح بالتحديث.
فلم يسمع الحسن البصري من الأسود بن سريع، فالإسناد منقطع. ([73])
* سئل الإمام علي بن المديني في «العلل» (ص106)؛ عن حديث الأسود، وهو ابن سريع: «بعث رسول الله r، سرية، فأكثروا القتل».
فقال ابن المديني: (إسناد منقطع، رواية: الحسن عن الأسود بن سريع، والحسن: عندنا لم يسمع من الأسود، لأن الأسود خرج من البصرة أيام علي، وكان الحسن بالمدينة).
وقال الحافظ ابن قانع في «معجم الصحابة» (ج11 ص4005): (لم يدرك الحسن، عتبة بن غزوان، ولم يدرك الحسن، أيضا الأسود بن سريع).
وقال الدوري في «التاريخ» (ج4 ص229): (قال يحيى بن معين: لم يسمع الحسن، من الأسود بن سريع).
* وكذا قال الحافظ ابن منده /. ([74])
وقال أبو عبيد الآجري في «السؤالات» (ص125)؛ سألت أبا داود: (الحسن، سمع من الأسود بن سريع؟، قال: لا، قال الأسود بن سريع لما وقعت الفتنة بالبصرة، ركب البحر، فلا يدرى ما خبره، سمعت أبا داود يقول: ما أرى الحسن، سمع من الأسود بن سريع).
وقال الدوري في «التاريخ» (ج4 ص322): (قال يحيى بن معين: لم يسمع الحسن، من الأسود بن سريع شيئا).
وقال الحافظ ابن حبان في «الثقات» (ج3 ص8): (والذي حكم به، علي بن المديني: أنه قتل يوم الجمل، وكان ينفي أن يكون الحسن سمع من الأسود بن سريع). ([75])
وقال يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص54): (قال علي بن المديني: الأسود بن سريع، قتل أيام الجمل، وإنما قدم الحسن البصرة بعد ذلك).
وقال الحافظ الذهبي في «السير» (ج4 ص566): (الأسود بن سريع: روى الحسن بالإرسال عنه، ولم يسمع منه).
* والحسن بن أبي الحسن البصري، هو: مدلس، وقد وصفه بتدليس الإسناد، النسائي، والذهبي، والعلائي، وابن حبان، وغيرهم. ([76])
قال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج4 ص123): (الحسن البصري: كان يدلس).
* والحسن بن أبي الحسن البصري، يدلس عن الضعفاء، وفي سماع الحسن البصري، من الصحابة، فإنه مرسل في أكثر أحاديث الصحابة، وكان يأخذ عن كل أحد. ([77])
وفي رواية: الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل / قال: (أن الحسن البصري: يأخذ عن كل أحد). ([78])
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج1 ص30): (وقالوا: مراسيل عطاء، والحسن: لا يحتج بها، لأنهما: كانا يأخذان عن كل أحد).
وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج4 ص572): (الحسن مع جلالته، فهو مدلس، ومراسيله ليست بذاك).
* ورواه عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة t، عن النبي r قال: (أربعة يوم القيامة: الأصم الذي لا يسمع شيئا، والأحمق، والهرم، ورجل مات في الفترة، قال: فيقول الأصم: رب، جاء الإسلام وما أسمع شيئا، ويقول الأحمق: جاء الإسلام والصبيان يخذفوني بالبعر، ويقول الهرم: جاء الإسلام وما أعقل شيئا، ويقول الذي مات في الفترة: ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما).
حديث منكر
أخرجه أبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص255).
قلت: وهذا سنده منكر، كسابقه، لا يصح، فيه: معاذ بن هشام له أوهام، وقتادة مدلس، ويرسل، والحسن البصري، مدلس، ويرسل. ([79])
فذكر: «الأصم»، و«الأحمق»، و«الهرم»، و«الهالك في الفترة»، ولم يذكر: «المعتوه»، و«المولود».
* وخالف عبيد الله بن عمر القواريري؛ فرواه: عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الأسود بن سريع عن النبي r به.
قلت: فأسقط قتادة، من الإسناد: الأحنف بن قيس، وقد سبق.
* وقتادة لم يسمع من الأسود بن سريع، شيئا. ([80])
وأخرجه البزار في «المسند» (2174) من طريق محمد بن المثنى عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن البصري عن الأسود بن سريع t به.
قلت: فأدخل قتادة، الحسن البصري في الإسناد، بدل: الأحنف بن قيس، والحسن البصري، لم يسمع من الأسود بن سريع شيئا، وقد سبق.
* ورواه حماد بن سلمة عن علي بن جدعان عن أبي رافع عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (أربعة كلهم يدلي على الله يوم القيامة بحجة، وعذر: رجل مات في الفترة، ورجل أدركه الإسلام هرما، ورجل أصم، أبكم، ورجل معتوه، فيبعث الله إليهم ملكا، رسولا، فيقول: اتبعوه، فيأتيهم الرسول، فيؤجج لهم نارا، ثم يقول: اقتحموها، فمن اقتحمها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لا، حقت عليه كلمة العذاب).
حديث منكر
أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (404)، وأسد بن موسى في «الزهد» (97)، ومحمد بن نصر المروزي في كتابه:«الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص651).
وذكر: «الرجل مات في الفترة»، و«الهرم»، و«الأصم»، و«المعتوه»، ولم يذكر: «الأحمق»، و«الطفل»، و«فيبعث الله إليهم ملكا، رسولا».
قلت: وهذا سنده منكر، فيه علي بن زيد بن جدعان التيمي، وهو ضعيف، لا يحتج به في الحديث.
قال عنه أحمد: «ليس هو بالقوي»، وقال مرة: «ضعيف الحديث»، وقال ابن معين: «ضعيف، ليس بذاك القوي»، وقال الجوزجاني: «واهي الحديث، ضعيف فيه»، وقال أبو زرعة: «ليس بالقوي»، وقال أبو حاتم: «ليس بقوي، يكتب حديثه، ولا يحتج به»، وقال ابن خزيمة: «لا أحتج به، لسوء حفظه»، وقال النسائي: «ضعيف»، وقال ابن سعد: «فيه ضعف، ولا يحتج به».([81])
وأعله الشيخ الألباني في «ظلال الجنة» (ج1 ص176)؛ بعلي بن زيد بن جدعان.
قلت: وهذا الحديث أتى من سوء حفظ ابن جدعان، وهو غير محفوظ بهذا الإسناد أيضا.
والحديث ذكره ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص651)، وفي «طريق الهجرتين» (ص656).
قلت: وحماد بن سلمة البصري ساء حفظه لما كبر، فيخطئ ويخالف أحيانا. ([82])
قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص269) عن حماد بن سلمة: «وتغير حفظه بآخره».
وقال الحافظ الذهبي في «المغني في الضعفاء» (ج1 ص189): (حماد بن سلمة: إمام ثقة، له أوهام وغرائب، وغيره أثبت منه).
وقال الحافظ البيهقي / في «السنن الكبرى» (ج4 ص93): (وحماد بن سلمة: وإن كان من الثقات إلا أنه ساء حفظه في آخر عمره؛ فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه، ويتجنبون ما يتفرد به، عن قيس بن سعد خاصة وأمثاله).
وقال الإمام أحمد بن حنبل /: (كان حماد بن سلمة: يخطئ، وخطأ كثيرا).([83])
وقال الحافظ البيهقي في «الخلافيات» (ج2 ص50)؛ عن حماد بن سلمة: (لما طعن([84]) في السن ساء حفظه، فلذلك ترك البخاري الاحتجاج بحديثه... فالاحتياط لمن راقب الله أن لا يحتج بما يجد في أحاديثه، مما يخالف الثقات).
قلت: وهذا ينطبق على هذه الرواية التي تكلمنا عليها.
وقال الحافظ البيهقي في «الخلافيات» (ج4 ص210): (ساء حفظه في آخر عمره، فالحفاظ: لا يحتجون بما يخالف فيه، ويتجنبون ما يتفرد به).
قلت: فحماد بن سلمة، الراوي: لهذا الحديث؛ غير محتج به في هذا الحديث، لمخالفته: للثقات الحفاظ.
قلت: وحماد بن سلمة، وإن كان أثبت الناس في ثابت البناني، وحميد الطويل؛ إلا أنه كان يهم في حديث غيرهما.
قال الإمام مسلم في «التمييز» (ص218): (وحماد بن سلمة: يعد عندهم إذا حدث عن غير ثابت، -كحديثه هذا: وأشباهه-... فإنه يخطئ في حديثهم كثيرا).
وقال الحافظ أبو يعلى الخليلي في «المنتخب من الإرشاد» (ج1 ص176): (والذي عليه حفاظ الحديث؛ الشاذ: ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ، ثقة كان، أو غير ثقة).
وقال الإمام النووي في «المجموع» (ج3 ص408): (وقد علم من قاعدة المحدثين، وغيرهم، أن ما خالف الثقات: كان حديثه، شاذا، مردودا).
* ورواه حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن أبي هريرة t، مثله.
أخرجه أسد بن موسى في «الزهد» (ص77).
قلت: وهذا سنده منكر، كسابقه، وإبراهيم بن يزيد النخعي، لم يسمع من أبي هريرة، شيئا. ([85])
قال الحافظ ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص18): (سمعت أبي، يقول: لم يلق إبراهيم النخعي، أحدا من أصحاب النبي r، إلا عائشة، ولم يسمع منها شيئا، فإنه دخل عليها وهو صغير، وأدرك أنسا، ولم يسمع منه).
* وخالفهم محمد بن ثور، فرواه عن معمر بن راشد الأزدي، عن قتادة عن أبي هريرة t، قال: (إذا كان يوم القيامة، جمع الله تبارك وتعالى نسم الذين ماتوا في الفترة، والمعتوه، والأصم، والأبكم، والشيوخ الذين جاء الإسلام، وقد خرفوا، ثم أرسل رسولا، أن ادخلوا النار، فيقولون: كيف ولم يأتنا رسول، وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا، وسلاما، ثم يرسل إليهم، فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قبل)، قال أبو هريرة t: (اقرءوا إن شئتم: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[ [الإسراء:15]).
حديث منكر
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج15 ص54)، هكذا: موقوفا.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه قتادة بن دعامة السدوسي، لم يسمع من أبي هريرة شيئا([86])، وهو موقوف أيضا، وهذا من الاختلاف، والاضطراب.
* فقتادة عن أبي هريرة: مرسل.
قال الحافظ ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص142): (سمعت أبي يقول: قتادة، عن أبي هريرة: مرسل).
وفيه: «من مات في الفترة»، و«المعتوه»، و«الأصم»، و«الأبكم»، و«الشيخ الكبير»، ولم يذكر: «الأحمق»، و«المولود».
* ورواه أبو سفيان عن معمر بن راشد الأزدي عن همام بن منبه عن أبي هريرة t به، موقوفا.
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج15 ص54)؛ هكذا: موقوفا.
* ورواه عبد الرحمن عن معمر بن راشد الأزدي عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة t قال: (ثلاثة يمتحنون يوم القيامة: المعتوه، والذي هلك في الفترة، والأصم،... فذكر الحديث).
حديث منكر
أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتابه: «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص650).
وذكره ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص654).
وفيه: «المعتوه»، و«الهالك في الفترة»، و«الأصم»، ولم يذكر: «الأحمق»، و«الهرم»، و«الصغير».
* فمرة: يروى، مرفوعا، ومرة: يروى، موقوفا، فهذا: حديث مضطرب في سنده ومتنه، لا يصح على الوجهين.
وقال الإمام ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص654): (وحديث: أبي هريرة، إسناده: صحيح متصل).
قلت: وليس هو كما قال: لضعف الإسناد، وهو مرسل، منقطع، وقد سبق.
2) وعن أنس بن مالك t قال: سمعت رسول الله r يقول: (يؤتى بأربعة يوم القيامة: بالمولود، وبالمعتوه، وبمن مات في الفترة، والشيخ الفاني، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار: ابرز، فيقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم، ادخلوا هذه، فيقول من كتب عليه الشقاء: يا رب! أين ندخلها ومنها كنا نفر؟، قال: ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعا، قال: فيقول تبارك وتعالى: أنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية، فيدخل هؤلاء الجنة، وهؤلاء النار).
حديث منكر.
ذكر: «المولود»، و«المعتوه»، و«الهالك في الفترة»، و«الشيخ الفاني»
أخرجه البزار في «المسند» (ج14 ص104)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص203)، وفي «القضاء والقدر» (ج3 ص911)، وأبو يعلى في «المسند» (4224)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص128)، ومحمد بن نصر المروزي في كتابه: «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص652) من طريق ليث بن أبي سليم عن عبد الوارث مولى أنس عن أنس بن مالك t به.
قلت: وهذا سنده منكر، وله علتان:
الأولى: ليث بن أبي سليم بن زنيم، وهو ضعيف، واختلط أخيرا، ولم يتميز حديثه، فترك، فلا يحتج به. ([87])
قال عنه ابن معين: «ضعيف»، وقال أحمد: «مضطرب الحديث»، وقال البخاري: «يضعف في الحديث»، وقال مرة: «يغلط».([88])
الثانية: عبد الوارث مولى أنس بن مالك الأنصاري، وهو ضعيف. ([89])
قال عنه البخاري: «منكر الحديث»، وقال ابن معين: «مجهول»، وقال الدارقطني: «ضعيف».([90])
وأما ابن حبان، فذكره في «الثقات» (ج5 ص130)، على قاعدته في توثيق المجهولين.
وأورده الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص216)؛ ثم قال: «رواه أبو يعلى، والبزار بنحوه، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس».
والحديث أعله الحافظ ابن حجر في «مختصر زوائد مسند البزار» (ج2 ص161)؛ بقوله: «ليث: مدلس، ضعيف».
وبه أعله الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج5 ص603).
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج8 ص404)؛ عن أحاديث أهل الفترة: (وهي كلها: أسانيد ليست بالقوية، ولا تقوم بها حجة).
والحديث أشار إليه ابن عبد البر في «الاستذكار» (ج8 ص403).
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص52)، وابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص652)، وفي «طريق الهجرتين» (ص656).
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص180)؛ عن أحاديث أهل الفترة: (وجملة القول: في أحاديث هذا الباب كلها، ما ذكرت منها، وما لم أذكر، أنها أحاديث الشيوخ، وفيها علل... والقطع فيه بمثل هذه الأحاديث: ضعف في العلم، والنظر، مع أنه عارضها، ما هو أقوى منها).
3) وعن معاذ بن جبل t، عن رسول الله r قال: (يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا، وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيرا، فيقول الممسوخ عقلا: يا رب، لو آتيتني عقلا، ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعهدك مني، ويقول الهالك في الفترة: يا رب، لو أتاني منك عهد، ما كان من أتاه منك عهد بأسعد بعهدك مني، ويقول الهالك صغيرا: يا رب، لو آتيتني عمرا، ما كان من آتيته عمرا بأسعد بعمره مني، فيقول الرب تبارك وتعالى: فإني آمركم بأمر، أفتطيعونني؟ فيقولون: نعم، وعزتك، فيقول لهم: اذهبوا فادخلوا جهنم، ولو دخلوها ما ضرتهم شيئا، فيخرج عليهم قوابض من نار يظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء، فيرجعون سراعا، يقولون: يا ربنا، خرجنا وعزتك نريد دخولها، فخرجت علينا قوابض من نار، ظننا أن قد أهلكت ما خلق الله من شيء، ثم يأمرهم ثانية، فيرجعون كذلك، فيقول الرب تبارك وتعالى: خلقتكم على علمي، وإلى علمي تصيرون، ضميهم، فتأخذهم النار).
حديث منكر
فذكر: «المجنون»، و«الهالك في الفترة»، و«الصغير».
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج20 ص83)، وفي «المعجم الأوسط» (7955)، وفي «مسند الشاميين» (2205)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص129)، ومحمد بن نصر المروزي في كتابه: «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص650)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج5 ص127)، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (ج2 ص221)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (ج2 ص441)، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج5 ص118) من طريق عمرو بن واقد، عن يونس بن حلبس، عن أبي إدريس، عن معاذ بن جبل t به.
قلت: وهذا سنده تالف، وله علتان:
الأولى: عمرو بن واقد القرشي، وهو: متهم بالكذب. ([91])
قال عنه: البخاري: «منكر الحديث»، وقال أبو حاتم: «ضعيف الحديث، منكر الحديث»، وقال النسائي: «متروك الحديث»، وقال الدارقطني: «متروك الحديث»، وقال الترمذي: «منكر الحديث»، وقال يعقوب بن سفيان: «ليس بشيء»، وقال أبو أحمد الحاكم: «ليس بالقوي عندهم».([92])
وبه أعله الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج5 ص605)، والحافظ ابن الوزير في «العواصم والقواصم» (ج7 ص256).
وقال الحافظ ابن حبان في «المجروحين» (ج2 ص77)؛ عن عمرو بن واقد: (يقلب الأسانيد، ويروي المناكير عن المشاهير، فاستحق الترك).
وقال الحافظ ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (ج2 ص923): (هذا حديث لا يصح، عن رسول الله r، وفي إسناده: عمرو بن واقد، قال ابن مسهر: «ليس بشيء»، وقال الدارقطني: «متروك»، وقال ابن حبان: «يروي المناكير عن المشاهير، فاستحق الترك»).
وأورده الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص217)؛ ثم قال: «رواه الطبراني في «الأوسط»، و«الكبير»، وفيه: عمرو بن واقد، وهو متروك: عند البخاري، وغيره، ورمي بالكذب».
قلت: وعلى هذا، فذكر: «الصبي» وغيره في الحديث، لا يثبت.
وذكره ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص650)، وابن الوزير في «العواصم والقواصم» (ج7 ص256)، والسيوطي في «مسالك الحنفا في والدي المصطفى» (ج2 ص406).
الثانية: فإن أبا إدريس الخولاني، لا يصح سماعه من معاذ بن جبل، وهو الصواب.
وإليك الدليل:
فعن الزهري عن أبي إدريس الخولاني، أنه قال: (أدركت: أبا الدرداء، ووعيت عنه، وعبادة بن الصامت، ووعيت عنه، وشداد بن أوس، ووعيت عنه، وفاتني معاذ بن جبل، فأخبرني: فلان عنه).
أثر صحيح
أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج7 ص73)، وفي «التاريخ الأوسط» (215)، ومعمر بن راشد الأزدي في «الجامع» (20749)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص460)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص340)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج21 ص125)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج10 ص38)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج26 ص155) من طريق سفيان بن عيينة، ومعمر، كلاهما: عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره الدارقطني في «العلل» (ج6 ص71)؛ ثم قال: (وخالفهم محمد بن مسلم الزهري، وهو أحفظ من جميعهم، فرواه عن أبي إدريس الخولاني... فذكره).
قلت: وهذا أبو إدريس الخولاني، يحكي عن نفسه، أنه لم يدرك معاذ بن جبل، ولم يسمع منه، فالقول: هو قوله، وهو مقدم على غيره في هذا.
* ويؤكد ذلك، أن أبا إدريس الخولاني كان قد ولد في «غزوة حنين»، وهي في أواخر؛ سنة: «ثمان»، ومات معاذ بن جبل، في سنة: «ثمان عشرة».
* فيكون سن أبي إدريس الخولاني حين مات معاذ بن جبل، «تسع سنوات»، ونصفا، أو نحو ذلك.
فيبعد في العادة، أن يجاري معاذا، في المسجد، هذه المجاراة، ويخاطبه: هذه المخاطبة. ([93])
إذا فإن أبا إدريس الخولاني، لا يصح سماعه من معاذ بن جبل t([94])، وهو الصواب.
قال الحافظ يحيى بن معين في «التاريخ» (ج4 ص432): (قال أبو إدريس الخولاني: فاتني معاذ، فحدثني عنه: يزيد بن عميرة).
وقال الحافظ البخاري في «التاريخ الكبير» (ج7 ص83): (قال ابن عيينة، ومعمر عن الزهري عن أبي إدريس، يعني: الخولاني، قال: «أدركت عبادة بن الصامت: وعيت عنه، وأدركت أبا الدرداء: ووعيت عنه، وأدركت شداد بن أوس: ووعيت عنه، وفاتني: معاذ بن جبل»).
وقال الحافظ ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص126): (قلت: لأبي؛ سمع أبو إدريس الخولاني، من معاذ بن جبل؟، قال: يختلفون فيه، فأما الذي عندي، فلم يسمع منه).
وكذا قال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج6 ص71) في عدم سماع أبي إدريس من معاذ بن جبل.
وقال الإمام الشافعي / في «أحكام القرآن» (ص187): (ونحن لا نقبل الحديث المنقطع؛ عمن: هو أحفظ، من عمرو بن شعيب، إذا كان منقطعا).
وأما الحافظ ابن عبد البر في «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (ج11 ص114)، فقد ذهب إلى صحة سماع أبي إدريس الخولاني من معاذ بن جبل، بقوله: (واختلف في سماعه من معاذ بن جبل، والصحيح: أنه أدركه، وروى عنه، وسمع منه([95])، وقد يحتمل، أن تكون رواية من روى عنه: «فاتني معاذ»؛ أي: فاتني في معنى كذا، أو خبر كذا ([96])، لأن أبا حازم، وغيره، روى عنه، أنه رأى معاذ بن جبل، وسمع منه([97])، ومن أدرك أبا عبيدة، فقد أدرك معاذا، لأنه مات قبله، في طاعون عمواس وقد سئل: الوليد بن مسلم -وكان من العلماء بأخبار الشام- هل لقي: أبو إدريس الخولاني، معاذ بن جبل؟ فقال: نعم، أدركهما ([98])، وهو ابن عشر سنين، لأنه: ولد عام «حنين»).
وقال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج21 ص126): (وإذا صح عن أبي إدريس: أنه؛ لقي معاذ بن جبل، فيحتمل ما حكاه: ابن شهاب عنه من قوله: «فاتني معاذ» يريد فوت لزوم، وطول مجالسة، أو فاتني في حديث: كذا، أو معنى كذا، والله أعلم).
وتعقبه في ذلك الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (ج5 ص75): (إذا كان قد ولد في «غزوة حنين»، وهي في أواخر سنة: «ثمان»، ومات معاذ بن جبل، سنة: «ثمان عشرة»([99])، فيكون سنه -يعني: الخولاني- حين مات: معاذ بن جبل: «تسع سنوات»، ونصفا، أو نحو ذلك، ويبعد في العادة أن يجاري معاذا، في المسجد هذه المجاراة، ويخاطبه هذه المخاطبة، على ما اشتهر من عادتهم، أنهم لا يطلبون العلم، إلا بعد البلوغ).
قلت: والجمع الذي جمع به الحافظ ابن عبد البر، قد سبقه إليه الحافظ الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج10 ص38 و39)، وساقه من طرق على أبي إدريس، أنه سمع معاذ بن جبل، بالقصة المذكورة، ولم يصب، لما ذكرنا من ضعف هذه الطرق كلها.
قال الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (ج5 ص75): (والزهري: يحفظ عن أبي إدريس، أنه لم يسمع من معاذ بن جبل).
4) وعن ثوبان t، أن نبي الله r عظم شأن المسألة قال: (إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم، فيسألهم ربهم تبارك وتعالى، فيقولون: ربنا لم ترسل إلينا رسولا، ولم يأتنا لك أمر، ولو أرسلت إلينا رسولا؛ لكنا أطوع عبادك، فيقول لهم ربهم: أرأيتم إن أمرتكم بأمر تطيعوني؟ فيقولون: نعم، فيأمرهم أن يعمدوا جهنم فيدخلونها، فينطلقون حتى إذا دنوا منها، وجدوا لها تغيظا وزفيرا، فرجعوا إلى ربهم، فيقولون: ربنا أخرجنا منها، أو أجرنا منها، فيقول لهم: ألم تزعموا أني إن أمرتكم بأمر تطيعوني، فيأخذ على ذلك مواثيقهم، فيقول: اعمدوا لها فادخلوها، فينطلقون حتى إذا رأوها، فرقوا، فرجعوا، فقالوا: ربنا فرقنا منها، ولا نستطيع أن ندخلها، فيقول: ادخلوها داخرين. فقال نبي الله r: لو دخلوها أول مرة ؛ كانت عليهم بردا وسلاما).
حديث منكر
فذكر: «أهل الجاهلية».
أخرجه البزار في «المسند» (ج10 ص106 و107)، ومحمد بن نصر المروزي في كتابه: «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص653) من طريق ريحان بن سعيد، قال: نا عباد بن منصور، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان t به.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه ريحان بن سعيد السامي، وهو ضعيف لا يحتج به.([100])
قال عنه ابن قانع: «ضعيف»، وقال أبو حاتم: «شيخ لا بأس به، يكتب حديثه، ولا يحتج به»، وقال العجلي: «منكر الحديث»، وقال النسائي: «ليس بحجة في الحديث»، وقال البرديجي: «فأما حديث: ريحان عن عباد، عن أيوب عن أبي قلابة: فهي مناكير»([101])، فهذا الحديث من مناكيره.
وقال الحافظ الترمذي في «العلل الكبير» (ص328): (رأيت محمدا -يعني: البخاري- يستغرب أحاديثه عن عباد بن منصور عن أيوب، ويرضى به).
قلت: فرواية؛ ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور، لا يعتبر بها. ([102])
* وعباد بن منصور الناجي، وهو مدلس، وقد عنعن، ولم يصرح بالتحديث، وقد تغير بآخره، فلا يحتج به. ([103])
وقد ذكره أحمد، والبخاري، والنسائي، والساجي: بالتدليس، عن: «الضعفاء».([104])
وقال عنه ابن معين: «ليس بشيء»، وقال النسائي: «ضعيف»، وقال ابن الجنيد: «متروك قدري»، ولم يرضه يحيى بن سعيد القطان. ([105])
وقال الحافظ الهيثمي / في «مجمع الزوائد» (ج10 ص347): (رواه البزار؛ بإسنادين، ضعيفين).
* وقد أعله الحافظ البزار في «المسند» (ج10 ص108).
وأورده ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص53)، والهيثمي في «كشف الأستار» (ج4 ص156)، وابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص653)، والسيوطي في «مسالك الحنفا في والدي المصطفى» (ج2 ص406).
وأخرجه البزار في «المسند» (ج10 ص107 و108)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص449 و450) من طريق إسحاق بن إدريس ثنا أبان بن يزيد ثنا يحيى بن أبي كثير ثنا أبو قلابة الجرمي حدثني أبو أسماء الرحبي؛ أن ثوبان t حدثه أنه سمع رسول الله r يقول: (إن ربي زوى لي الأرض، حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وأعطاني الكنزين الأحمر والأبيض، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة، فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم، فأعطانيها، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فمنعنيها، وقال لي ربي: يا محمد، إني إذا قضيت قضاء لم يرد، إني أعطيتك لأمتك: أن لا أهلكها بسنة، ولا أظهر عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم بعامة، ولو اجتمع من بأقطارها حتى يكون بعضهم هو يهلك بعضا، وبعضهم هو يسبي بعضا، وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين، ولن تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة)، وأنه قال: (كل ما يوجد في مائة سنة، وسيخرج في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم الأنبياء، لا نبي بعدي، ولن تزال في أمتي طائفة يقاتلون على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله)، قال: وزعم (أنه لا ينزع رجل من أهل الجنة من ثمرها شيئا إلا أخلف الله مكانها مثلها)، وأنه قال: (ليس دينار ينفقه رجل بأعظم أجرا من دينار ينفقه على عياله، ثم دينار ينفقه على فرسه في سبيل الله، ثم دينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله)، قال: وزعم (أن نبي الله r عظم شأن المسألة، وأنه إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم، فيسألهم ربهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: ربنا لم ترسل إلينا رسولا، ولم يأتنا أمر، ولو أرسلت إلينا رسولا لكنا أطوع عبادك لك، فيقول لهم ربهم: أرأيتم إن أمرتكم بأمر، أتطيعوني؟ قال: فيقولون: نعم، قال: فيأخذ مواثيقهم على ذلك، فيأمرهم أن يعمدوا لجهنم فيدخلونها، قال: فينطلقون حتى إذا جاءوها، رأوا لها تغيظا وزفيرا، فهابوا، فرجعوا إلى ربهم، فيقولون: ربنا فرقنا منها، فيقول: ألم تعطوني مواثيقكم لتطيعوني؟، اعمدوا لها، فينطلقون، حتى إذا رأوها فرقوا، فرجعوا، فقالوا: ربنا لا نستطيع أن ندخلها، قال: فيقول: ادخلوها داخرين، قال: فيقول نبي الله r: لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردا وسلاما).
حديث منكر
قلت: وهذا سنده واه، فيه إسحاق بن إدريس الأسواري، وهو متهم: بوضع الحديث.
قال عنه ابن معين: «ليس بشيء، يضع الحديث»، وقال النسائي: «متروك الحديث»، وقال الدارقطني: «منكر»، وقال الذهبي: «كذاب»، وقال البخاري: «تركه الناس». ([106])
* وأخطأ الحاكم حيث قال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما أخرج مسلم: حديث معاذ بن هشام، عن قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان t مختصرا).
فأخرجه مسلم في «صحيحه» (1920)، من حديث: حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان t به، وليس عن معاذ بن هشام عن قتادة، فأخطأ الحاكم بقوله هذا.
وقال الحافظ الذهبي في «التلخيص» (ج4 ص449): (على شرط البخاري، ومسلم، وأخرج بعضه من طريق هشام الدستوائي عن يحيى)، ولم يصب.
وذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (2505).
ثم هذا الحديث: مخالف، لما أخرجه مسلم في «صحيحه» (994)، و(1920)، و(2889) من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان t، بدون هذا اللفظ المنكر، بل مرفوعا بلفظ: (إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها - أو قال من بين أقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا).
وقال r: (أفضل دينار ينفقه الرجل، دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله). وقال r: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).
قلت: ولم يذكر أهل الفترة، ولا امتحانهم يوم القيامة.
قلت: وهذا يدل على نكارة حديث ثوبان t هذا مطولا، لمخالفته، للثقات الأثبات.
وقال الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص347): (رواه البزار؛ بإسنادين، ضعيفين).
وقال الحافظ البزار / في «المسند» (ج10 ص108): (وهذا الحديث: عن ثوبان، لا نحفظه، إلا من هذا الطريق، الذي ذكرناه، ولا نعلم: رواه عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان؛ إلا عباد بن منصور، ولا عن عباد؛ إلا ريحان بن سعيد، ولا نعلم حدث: بحديث أبان؛ إلا إسحاق بن إدريس، وهو غريب، عن أيوب، وعن يحيى بن أبي كثير، وهذا الحديث: فمتنه عن رسول الله r، غير معروف؛ إلا من هذا الوجه).
5) وعن أبي سعيد الخدري t([107])، عن النبي r قال: (يؤتى بالهالك في الفترة، والمعتوه، والمولود، فيقول الهالك في الفترة: لم يأتني كتاب، ولا رسول، ويقول المعتوه؛ أي: رب لم تجعل لي عقلا، أعقل به خيرا، ولا شرا، ويقول المولود: لم أدرك العمل، قال: فترفع لهم نار، فيقال لهم: ردوها، أو قال: ادخلوها، فيدخلها من كان في علم الله: سعيدا، إن لو أدرك العمل، قال: ويمسك عنها من كان في علم الله: شقيا، إن لو أدرك العمل، فيقول تبارك وتعالى: إياي عصيتم، فكيف: برسلي بالغيب).
حديث منكر
فذكر: «الهالك في الفترة»، و«المعتوه»، و«المولود».
أخرجه البزار في «المسند» (ج14 ص104)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2038)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1076)، والذهلي في «الزهريات» (ج5 ص53)، والطبري في «جامع البيان» (ج16 ص170 و171)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص127)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج9 ص2984)، ومحمد بن نصر المروزي في كتابه: «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص651) من طريق فضيل بن مرزوق، عن عطية بن سعيد العوفي، عن أبي سعيد الخدري t به.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه عطية بن سعيد العوفي، وهو ضعيف الحفظ، مشهور بالتدليس القبيح. ([108])
قال عنه أحمد: «ضعيف الحديث»، وقال النسائي: «ضعيف»، وقال الساجي: «ليس بحجة»، وقال ابن حجر: «ضعيف الحفظ»، وقال هشيم الواسطي: «ضعيف الحديث».([109])
قال الحافظ ابن حجر / في «التقريب» (ج2 ص24)؛ عن عطية العوفي: (صدوق: يخطئ كثيرا، وكان شيعيا، مدلسا).
وقال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج2 ص176)؛ عن عطية العوفي: (فلا يحل الاحتجاج به، ولا كتابة حديثه؛ إلا على جهة التعجب).
وأورده الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص216)؛ ثم قال: «رواه البزار، وفيه عطية، وهو ضعيف».
وقال البزار: «لا نعلمه يروى عن أبي سعيد؛ إلا من حديث: فضيل».
* ورواه عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري t، موقوفا.
ذكره البيهقي في «القضاء والقدر» (ج3 ص911).
قال الإمام محمد بن نصر المروزي: (ورواه أبو نعيم الملائي، عن فضيل عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، موقوفا).
قلت: وهذه علة أخرى في الحديث، وهي: الوقف.
وقد أعله بالوقف، الحافظ السبكي في «الفتاوى» (ج2 ص363)؛ بقوله: (رواه أبو سعيد الخدري، عن النبي r، ومن الناس من يوقفه عليه).
وهذا الاضطراب الذي وقع في الحديث، من عطية العوفي، فإنه سيء الحفظ، فرواه مرة؛ مرفوعا، ومرة: موقوفا.
فهو: حديث معلول، لا يحتج به في الدين. ([110])
وأعله الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص128)، بالوقف على أبي سعيد الخدري.
* وبعطية العوفي أعله الحافظ ابن حجر في «مختصر زوائد مسند البزار» (ج2 ص160)، والسيوطي في «مسالك الحنفا في والدي المصطفى» (ج2 ص405).
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج5 ص604)، والحافظ ابن الوزير في «العواصم والقواصم» (ج7 ص256)، والحافظ الحليمي في «شعب الإيمان» (ج1 ص159).
وذكره ابن عبد البر في «الاستذكار» (ج8 ص403)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص475)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص53)، وابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص651).
* وفضيل بن مرزوق الرؤاسي، له أوهام في الحديث، وهذه منها. ([111])
قال الحافظ أبو حاتم / في «الجرح والتعديل» (ج7 ص75)؛ عن فضيل بن مرزوق: (صدوق: يهم كثيرا).
وقال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج7 ص316): (يخطئ).
وقال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج2 ص209): (كان يخطئ على الثقات، ويروي عن عطية: الموضوعات، منكر الحديث جدا).
وقال الحاكم / في «السؤالات» (ص108)؛ عن فضيل بن مرزوق: (ليس هو من شرط الصحيح، وقد عيب على: مسلم، إخراجه: لحديثه).
وأورده السيوطي في «مسالك الحنفا في والدي المصطفى» (ج2 ص405)؛ ثم قال: (في إسناده: عطية العوفي، وفيه: «ضعف»، والترمذي يحسن حديثه، وهذا الحديث، له شواهد: تقتضي الحكم، بحسنه وثبوته).
قلت: وليس هو كما قال: لضعف أسانيد هذه الأحاديث.
قال العلامة الآبادي / في «عون المعبود» (ج12 ص324): (العلامة السيوطي: متساهل جدا([112])، لا عبرة بكلامه في هذا الباب، ما لم يوافقه كلام الأئمة النقاد). اهـ
وقال الحافظ السيوطي في «السبل الجلية في الأباء العلية» (ص216): (أحاديث الامتحان كثيرة: والمصحح منها: ثلاثة، حديث: الأسود، وأبي هريرة، وثوبان). اهـ
* وفيه نظر.
وقال الحافظ السيوطي في «الدرج المنيفة في الآباء الشريفة» (ص88)؛ عن كلامه على إسناد البزار: (أخرجه البزار: بسند حسن على شرط الترمذي). اهـ
* وفيه نظر.
قلت: فحديث أبي سعيد الخدري t، هذا واحد من الأحاديث التي صرحت؛ بأن هؤلاء الأصناف من الناس سوف يمتحنون يوم القيامة؛ وهم:
1) الهالك في الفترة.
2) والمعتوه.
3) والمولود.
* وفي بعض الروايات؛ بزيادة:
4) الأصم.
5) والشيخ الهرم.
6) والمجنون.
* هؤلاء يمتحنون، فيذكر كل عذره يوم القيامة، فيمتحنون في العرصات؛ فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار.
قلت: وكل ذلك من الباطل في الدين، وذلك أن هذه الأحاديث كلها منكرة لا يحتج بها في الاعتقاد، وفي الغيب، وفي بعضها يدل على أنهم يمتحنون بما فيهم: الأطفال، يكلفون باقتحام النار، فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن أبى سحب إليها، وهذا لم يثبت من جهة الأسانيد، ومن جهة المتون، وذكر امتحان الأطفال هذا باطل.
* بل زعموا في بعض الروايات: أنها تدل على أن الأطفال -يعني: أطفال الكفار الذين ماتوا في الصغر-مع آبائهم في النار!.
* وهذه الأحاديث لا تقوم بها حجة، وأن دار الآخرة دار جزاء، وليست دار عمل، فكيف يكلفون دخول النار، وليس في وسعهم ذلك.
6) وعن عبد الله بن شداد t: (أن رسول الله r أتاه رجل، فسأله عن ذراري المشركين الذين هلكوا صغارا، فوضع رأسه ساعة، ثم قال: أين السائل؟، فقال: ها أنا ذا يا رسول الله، فقال: إن الله تعالى إذا قضى بين أهل الجنة والنار، ولم يبق غيرهم، عجوا فقالوا: اللهم ربنا، لم يأتنا رسولك، ولم نعلم شيئا، فأرسل إليهم ملكا، والله أعلم بما كانوا عاملين، فقال: إني رسول ربكم إليكم، فانطلقوا، فاتبعوه حتى أتوا النار، فقال لهم: إن الله يأمركم أن تقتحموا فيها، فاقتحمت طائفة منهم، ثم أخرجوا من حيث لا يشعر أصحابهم، فجعلوا من السابقين المقربين، ثم جاءهم الرسول فقال: إن الله تعالى يأمركم أن تقتحموا في النار، فاقتحمت طائفة أخرى، ثم أخرجوا من حيث لا يشعرون، فجعلوا من أصحاب اليمين، ثم جاء الرسول فقال: إن الله تعالى يأمركم أن تقتحموا في النار، فقالوا: ربنا لا طاقة لنا بعذابك، فأمر بهم، فجمعت نواصيهم وأقدامهم، ثم ألقوا في النار).
حديث منكر
فذكر: «أولاد المشركين».
أخرجه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (ج2 ص223 و224) من طريق محمد بن الحسين قال: أخبرنا علي بن إسحاق قال: حدثنا عبد الله قال: أخبرنا ابن لهيعة قال: حدثني يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد t به.
قلت: وهذا سنده رجاله ثقات، لكنه: منكر، في سنده، ومتنه، فيه:
* ابن لهيعة، وهو ضعيف، وقد اختلط، واستثنى بعض أهل الفن، رواية: العبادلة؛ عنه، ومنهم: عبد الله بن المبارك، إلا أن ابن لهيعة: هنا خالف الثقات الأثبات في هذا الحديث، فلا يحتج به ([113])، فهو: حديث منكر.
قلت: وهذا الإسناد أيضا ضعيف، لانقطاعه: بين محمد بن كعب القرظي، وبين عبد الله بن شداد؛ فإنه لم يسمع منه، فهو مرسل؛ بل أرسل عن كثير من الرواة في الأسانيد.
* وروى عنه: الحافظ البخاري في «صحيحه» (ج4 ص1860)؛ حديثا واحدا؛ في كتاب: «التفسير» لسورة: «المنافقين»؛ عن زيد بن أرقم t.([114])
قال أبو نصر الكلاباذي / في «رجال صحيح البخاري» (ج2 ص675)؛ عن كعب القرظي: (سمع: زيد بن أرقم، روى عنه: الحكم بن عتيبة في تفسير: «سورة المنافقين»).
* فلم يرو عنه: الحافظ البخاري؛ إلا ما سمع فقط.
قلت: ولم يرو الحافظ البخاري، عن محمد بن كعب القرظي، من رواية: عبد الله بن شداد بن الهاد، مما يدل أنه: يرسل عنه. ([115])
وكذا: روى له الحافظ مسلم؛ حديثا، واحدا، عن أبي صرمة، مالك بن قيس t.
قال الحافظ ابن منجويه / في «رجال صحيح مسلم» (ج2 ص204): (روى عن: أبي صرمة في: «الرحمة» -يعني: في صحيح مسلم-، روى عنه إبراهيم بن عبيد بن رفاعة). اهـ
* لم يرو عنه: الحافظ مسلم؛ إلا ما سمع فقط.
قلت: ولم يرو الحافظ مسلم، عن محمد بن كعب القرظي، من رواية: عبد الله بن شداد بن الهاد، مما يدل أنه: يرسل عنه. ([116])
* فلم يسمع: محمد بن كعب القرظي، من عبد الله بن شداد، ولا يعرف له سماع منه.
قلت: فرواية، محمد بن كعب القرظي، بالعنعنة: عن عبد الله بن شداد، تعتبر: مرسلة.
* فروى محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t قال: (لقاني رسول الله r: هؤلاء الكلمات، فذكره). ([117])
أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج7 ص129)؛ في كتاب: «النعوت» (7626).
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج9 ص234)؛ في كتاب: «عمل اليوم والليلة» (10390) من طريق محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t به.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج9 ص235)؛ في كتاب: «عمل اليوم والليلة» (10391) من طريق محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t به.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج9 ص235)؛ في كتاب: «عمل اليوم والليلة» (10392) من طريق محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t به.
قلت: والإرسال، ظاهر، ولم يصرح بالتحديث في جميع الطرق. ([118])
* والظاهر في ذلك كله: الإرسال، نعم؛ في روايته عن عبد الله بن شداد بن الهاد.
وذلك؛ فإن حديثنا هذا، لم يصرح بالسماع، مما يتبين بأنه: مرسل، فلا يحتج به.
قال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج5 ص66)؛ عن محمد القرظي: (وهو يرسل كثيرا، ويروي عمن لم يلقهم.
فروى عن: أبي ذر، وأبي الدرداء، وعلي، والعباس، وابن مسعود، وسلمان، وعمرو بن العاص.
ويروي عن: رجل، عن أبي هريرة). اهـ
قلت: فمحمد بن كعب القرظي، لم يسمع من عبد الله بن شداد بن الهاد، شيئا.
* وعبد الله بن شداد بن الهاد، لم يسمع من النبي r شيئا، وهو من كبار التابعين، ثقة، وقد ولد على عهد النبي r، وكان صغيرا، وأحيانا يروي عن الصحابة، وأحيانا يروي عن كبار التابعين، وهذا يدل أنه يرسل عن النبي r، وبينه واسطة. ([119])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستيعاب» (ج3 ص380): (ولد على عهد رسول الله r، وكان من أهل العلم).
وقال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص514): (عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي، أبو الوليد، المدني، ولد على عهد النبي r، وذكر العجلي: من كبار التابعين الثقات، وكان معدودا في الفقهاء).
وقال عبد الله بن أحمد في «العلل» (ج2 ص533): (قال: أبي -يعني: الإمام أحمد-، عبد الله بن شداد بن الهاد، لم يسمع من النبي r، شيئا).
وقال أبو الحسن الميموني في «العلل» (ج6 ص757)؛ سئل: أحمد بن حنبل: (أسمع: عبد الله بن شداد، من النبي r، شيئا؟، قال: لا).
وذكره الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج6 ص757)؛ وأقره.
وقال أبو الحسن الميموني في «العلل» (ج3 ص60)؛ سئل: أحمد بن حنبل: (أسمع عبد الله بن شداد، من النبي r، شيئا؟، قال: لا).
وذكره الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج3 ص60)؛ وأقره.
وذكره الحافظ المزي في «تهذيب الكمال» (ج15 ص23)؛ وأقره.
وقال الحافظ العلائي في «جامع التحصيل» (ص212): (عبد الله بن شداد بن الهاد، تابعي؛ قال أحمد: لم يسمع من النبي r، شيئا).
وقال الحافظ أبو محمد المقدسي في «الكمال في أسماء الرجال» (ج6 ص188)؛ عن عبد الله بن شداد: (وروى عن النبي r: مرسلا).
وقال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج3 ص60)؛ عن عبد الله بن شداد: (وقد أرسل شيئا).
قلت: وعبد الله بن شداد بن الهاد، هذا معدود من كبار التابعين، وهذه الطبقة: لم يسمعوا من النبي r، شيئا، فأحاديثهم: مرسلة.
قال الحافظ العجلي في «معرفة الثقات» (ج2 ص37): (عبد الله بن شداد بن الهاد: هو من كبار التابعين، وثقاتهم).
وقال الحافظ الخطيب في «تاريخ بغداد» (ج11 ص148): (عبد الله بن شداد بن الهاد: هو من كبار التابعين، وثقاتهم).
وقال الحافظ الذهبي في «الكاشف» (ج1 ص561): (عبد الله بن شداد بن الهاد: ثقة).
وقال الحافظ أبو محمد المقدسي في «الكمال» (ج2 ص381): (ومن التابعين: عبد الله بن شداد بن الهاد). اهـ
قلت: ومما يدل أن عبد الله بن شداد، يروي عن النبي r؛ بواسطة، وممكن أن تكون من التابعين.
* فروى محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t قال: (لقاني رسول الله r: هؤلاء الكلمات، فذكره). ([120])
أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج9 ص234)؛ في كتاب: «عمل اليوم والليلة» (10390) من طريق محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t به.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج9 ص235)؛ في كتاب: «عمل اليوم والليلة» (10391) من طريق محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t به.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج9 ص235)؛ في كتاب: «عمل اليوم والليلة» (10392) من طريق محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t به.
قلت: والإرسال، ظاهر، بينه، وبين النبي r.
* وحديث الباب: ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج5 ص254)، والهندي في «كنز العمال» (ج14 ص211)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص53).
* ومن هنا تعرف خطأ شيخ الإسلام ابن تيمية / في «مختصر الفتاوى المصرية» (ص643)؛ حيث ذكر أن أحاديث الامتحان، رويت بأحاديث حسان، ولم يصب، لضعفها.
7) وعن مسلم بن يسار قال: (ذكر لي: أنه يبعث يوم القيامة، عبد كان في الدنيا، أعمى، أصم، أبكم، ولد كذلك، لم يسمع شيئا قط، ولم يبصر شيئا قط، ولم يتكلم بشيء قط، فيقول الله: ما عملت فيما وليت، وفيما أمرت به؟ فيقول: أي رب، والله ما جعلت لي بصرا، أبصر به الناس؛ فأقتدي بهم، وما جعلت لي سمعا، فأسمع به، ما أمرت به، ونهيت عنه، وما جعلت لي لسانا، فأتكلم به، بخير، أو شر، وما كنت، إلا كالخشبة، فيقول الله عز وجل: أتطيعني الآن فيما آمرك به؟، فيقول: نعم، فيقول: قع في النار، فيأبى: فيدفع فيها).
أثر ضعيف مرسل
أخرجه الحسين المروزي في «زوائد الزهد» (ص465 و466) من طريق الثقفي قال: إسحاق بن سويد عن مسلم بن يسار به.
قلت: وهذا سنده ضعيف مرسل، لا يصح.
وذكره السيوطي في «البدور السافرة» (ص305).
قلت: فهذه الأحاديث، مع ضعفها، هي مخالفة، لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وقواعد الشريعة، فإن الآخرة ليست دار تكليف، وإنما هي دار جزاء، ودار التكليف، هي دار الدنيا، فلو كانت الآخرة، دار تكليف؛ لكان ثم دار جزاء غيرها. ([121])
* والجدير ذكره، أن أولئك العلماء، الذين ذكروا هذه الأحاديث الضعيفة، وسطروها في كتبهم، قديما وحديثا، تركوا كل النصوص التي تثبت إقامة الحجة على أهل الفترة، فهلا تدبروا القرآن، وهلا وقفوا على آياته.
* فكيف نقول أن الله تعالى قد أنذر الجميع، ثم نقول: أن هناك من لم ينذر من أهل الفترة، ويمتحنون يوم القيامة بأحاديث ضعيفة.
* وكيف يبين ربنا تعالى، أنه أرسل رسوله r، لينذر أمته إلى قيام الساعة، ونقول: أنه هناك، فترة فيها قوم، هم: من أهل الفترة لم تصل إليهم الدعوة: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
ثم كيف يكلفون، دخول النار، وليس ذلك في وسع المخلوقين. ([122])
قال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا وسعها[ [البقرة: 286].
وقال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها[ [الطلاق: 7].
وقال تعالى: ]لا تكلف نفس إلا وسعها[ [البقرة: 333].
قلت: وكيف يمتحنون في دار الجزاء، وهي ليست دار عمل. ([123])
وهذا يدل على ضعف أحاديث الامتحان؛ لأهل الفترة في الآخرة.
لذلك: يجب إنكارها، وعدم التسليم لها، فلا يعمل بها في الدين.
قال الإمام الحليمي / في «المنهاج» (ج1 ص159): (مخالف لأصول المسلمين لأن الآخرة: ليست بدار الامتحان، فإن المعرفة بالله تعالى فيها تكون ضرورة، ولا محنة مع الضرورة). اهـ
* إذا، فالذين خالفوا، هذا القول، وقالوا: بامتحان أهل الفترة يوم القيامة، قد اعتمدوا على الأحاديث الضعيفة، وهي لا تقوم بها حجة، ومن ثم فلا يصح العمل بها في هذا المقام العظيم من عالم الغيب في الآخرة.
قال الحافظ ابن عبد البر في / «الاستذكار» (ج8 ص404): (وهذه الأحاديث: كلها أسانيد ليست بالقوية، ولا تقوم بها حجة، وأهل العلم ينكرون: أحاديث هذا الباب، لأن الآخرة دار جزاء، وليست دار عمل، ولا ابتلاء). اهـ
وقال الإمام القرطبي / في «التذكرة» (ص1041): (ويضعفه من جهة المعنى: أن الآخرة ليست بدار تكليف، وإنما هي: دار جزاء، وثواب، وعقاب). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص180): (وجملة القول في هذه الأحاديث: أنها من أحاديث الشيوخ، وفيها علل، وليست من أحاديث: الأئمة الفقهاء؛ وهو أصل عظيم، والقطع فيه: بمثل هذه الأحاديث: ضعف في العلم، والنظر، مع أنه عارضها، ما هو أقوى منها). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج8 ص404)؛ عن أحاديث أهل الفترة: (هي كلها أسانيد، ليست بالقوية، ولا تقوم بها حجة). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج8 ص404): (وأهل العلم: ينكرون أحاديث هذا الباب؛ لأن الآخرة دار جزاء، وليست دار عمل، ولا ابتلاء.
* وكيف يكلفون دخول النار، وليس ذلك في وسع المخلوقين، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها). اهـ
قلت: فكيف يؤمر العبد أن يقتحم النار، وهي أشد العذاب، وكيف يمتحن في ذلك، ولم يثبت أي: حديث في الامتحان في الآخرة.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج18 ص404): (وإنما أدخل العلماء في هذا الباب النظر؛ لأنه لم يصح عندهم فيه الأثر). اهـ
فامتحانهم: يوم القيامة، أن يدخلوا في النار، هذا امتحان صعب جدا على العبد، لا يخاطب العقل، لأن العقل يدرك أن النار فيها خطورة، وطبيعي في العبد، أنه يخاف من النار، ويخاف أن يدخلها([124])، بعكس ما يؤمر العبد في الدنيا من الالتزام بتعاليم الدين الحنيفية السمحة.
* فلا يوجد امتحان يوم القيامة، والذي ثبت في أصول القرآن، وأصول السنة، وأصول إجماع الصحابة، أن يوم القيامة، هو: يوم حساب، وجزاء فقط، دون امتحان، وابتلاء.
قلت: وعلى هذا فإن الأمم جميعا قد جاءها النذير، بنص القرآن، ونص السنة، وبإجماع الصحابة، إلى قيام الساعة، فلا حاجة: لهذا الامتحان، لأهل الفترة، لأن جاءهم: النذير في الدنيا، بلا استثناء.
* والذي يقرأ القرآن، ويتأمل لآياته، يجد أن القرآن كثيرا، ما يبين إقامة الأنبياء الحجة على أقوامهم، وهم: النذر في أقوامهم.
قال تعالى: ]لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[ [الأعراف: 59].
وقال تعالى: ]وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون[ [الأعراف: 65].
وقال تعالى: ]وإلى ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم[ [الأعراف: 73].
وقال تعالى: ]وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين[ [الأعراف: 85].
وقال تعالى: ]وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين[ [الأعراف: 20].
وقال تعالى: ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولا[ [النحل: 36].
وقال تعالى: ]وإن من أمة إلا خلا فيها نذير[ [فاطر: 24].
وقال تعالى: ]ولكل أمة رسول[ [يونس: 47].
وقال تعالى: ]إنما أنت منذر ولكل قوم هاد[ [الرعد: 7].
وقال تعالى: ]فكيف كان عذابي ونذر[ [القمر: 16]؛ أي: إنذاري. ([125])
وقال تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف[ [الأحقاف: 21].
وقال تعالى: ]فأنذرتكم نارا تلظى[ [الليل: 14].
وقال تعالى: ]إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا[ [النبأ: 40].
وقال تعالى: ]ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر[ [القمر: 36].
وقال تعالى: ]قل إنما أنذركم بالوحي[ [الأنبياء: 45].
وقال تعالى: ]وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها[ [الأنعام: 92].
وقال تعالى: ]كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين[ [الأعراف: 2].
وقال تعالى: ]فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا[ [مريم: 97].
وقال تعالى: ]ولقد جاء آل فرعون النذر[ [القمر: 41]؛ يعني: الرسل عليهم السلام.
وقال تعالى: ]كذبت ثمود بالنذر[ [القمر: 23].
وقال تعالى: ]وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها[ [الشورى: 7].
وقال تعالى: ]وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه[ [الشورى: 7].
وقال تعالى: ]وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا[ [الكهف: 4].
وقال تعالى: ]لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين[ [يس: 70].
وقال تعالى: ]وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا[ [الأحقاف: 12].
وقال تعالى: ]أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم[ [الأعراف: 63].
وقال تعالى: ]يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا[ [الأنعام: 130].
وقال تعالى: ]وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم[ [الأنعام: 51].
وقال تعالى: ]أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس[ [يونس: 2].
وقال تعالى: ]وأنذر عشيرتك الأقربين[ [الشعراء: 214].
وقال تعالى: ]أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم[ [نوح: 1].
وقال تعالى: ]أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون[ [النحل: 2].
وقال تعالى: ]والذين كفروا عما أنذروا معرضون[ [الأحقاف: 3].
وقال تعالى: ]هذا بلاغ للناس ولينذروا به[ [إبراهيم: 52].
وقال تعالى: ]أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين[ [الأعراف: 184].
وقال تعالى: ]إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون[ [الأعراف: 188].
وقال تعالى: ]ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين[ [هود: 25].
وقال تعالى: ]واخفض جناحك للمؤمنين * وقل إني أنا النذير المبين[ [الحجر: 89].
وقال تعالى: ]قل ياأيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين[ [الحج: 49].
وقال تعالى: ]قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين[ [العنكبوت: 50].
وقال تعالى: ]وما أرسلنا في قرية من نذير[ [سبأ: 34].
وقال تعالى: ]إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد[ [سبأ: 46].
وقال تعالى: ]وجاءكم النذير[ [فاطر: 37].
وقال تعالى: ]إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين[ [ص: 70].
وقال تعالى: ]إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا[ [البقرة: 119].
وقال تعالى: ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ [الفرقان: 1].
وقال تعالى: ]ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا[ [الأحزاب: 45].
وقال تعالى: ]هذا نذير من النذر الأولى[ [النجم: 56]؛ يعني: النبي r أنذر، ما أنذر الأولون من الرسل عليهم السلام.
فعن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]هذا نذير من النذر الأولى[ [النجم: 56]؛ قال: (إنما بعث محمد، بما بعث به الرسل قبله). ([126])
وعن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]هذا نذير من النذر الأولى[ [النجم: 56]؛ قال: (أنذر محمد، كما أنذرت الرسل من قبله). ([127])
قلت: فالنبي r: نذير لقومه، كما كانت النذر الذين قبله؛ نذرا لقومهم.
وقال تعالى: ]إنما أنت منذر من يخشاها[ [النازعات: 45].
وقال تعالى: ]وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون[ [الشعراء: 208].
وقال تعالى: ]ولقد أرسلنا فيهم منذرين[ [الصافات: 72].
وقال تعالى: ]كذبت قوم لوط بالنذر[ [القمر: 33].
قلت: النذر؛ هم: رسل الله تعالى، إلى أقوامهم، على مر العصور، وكر الدهور.
قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج4 ص182): (قوله تعالى: ]كذبت قوم لوط بالنذر[ [القمر: 33]؛ يعني: بالرسل).
وذكر المفسر ابن عطية / في «المحرر الوجيز» (ج8 ص151)؛ أن النذر: جمع نذير، وهو الرسول، أو النبي.
وقال تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[ [الأحقاف: 21].
قلت: قد تتابعت الرسل عليهم السلام، إلى أقوامهم تترى، من قبل هود عليه السلام، ومن بعد هود عليه السلام، من الرسل عليهم السلام الكثيرة إلى أقوامهم، يعني: من بينهم في بلدانهم، فلم يبعث الله تعالى: رسولا، من قبل هود عليه السلام، ولا من بعده؛ إلا أمر بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له: ]ألا تعبدوا إلا الله[ [الأحقاف: 21]. ([128])
عن الإمام مجاهد بن جبر / قال: (في قوله تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه[ [الأحقاف: 21]؛ جاءت قبلهم الرسل النذر: بتوحيد الله، وأتى الرسل بعدهم: بتوحيد الله). ([129])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج4 ص23): (قوله تعالى: ]وقد خلت[ [الأحقاف: 21] ؛ يعني: مضت: ]النذر[؛ يعني: الرسل: ]من بين يديه ومن خلفه[؛ يقول تعالى: قد مضت الرسل: إلى قومهم: من قبل هود، كان: منهم: نوح، وإدريس جد أبي نوح، ثم قال: ومن بعد هود، يعني: قد مضت الرسل إلى قومهم: ]ألا تعبدوا إلا الله[؛ لم يبعث الله تعالى: رسولا من قبل هود، ولا بعده؛ إلا أمر بعبادة الله تعالى: ]إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[؛ في الدنيا، لشدته).اهـ
ففيما تقدم: تبين لنا مدى نكارة الأحاديث التي بينت عن امتحان أهل الفترة في الآخرة.
* والفترة: هي ما كانت، بين رسولين، لم يرسل إليه الأول، ولم يدرك الثاني.
* فالفترة عامة، ولم تخصص بقوم، من الأقوام، ولا بزمن من الأزمان، فإنما هناك فترات، فالفترة: هي انقطاع ما بين رسولين، كالفترة التي حصلت: بين نوح عليه السلام، وإدريس عليه السلام، والفترة التي حصلت: بين عيسى عليه السلام، ومحمد عليه السلام. ([130])
قال تعالى: ]ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير[ [المائدة:19].
* فالفترة في اللغة: الإنكسار، والضعف.
قال ابن فارس اللغوي في «مقاييس اللغة» (ج4 ص470): (الفاء، والتاء، والراء: أصل صحيح، يدل على ضعف في الشيء.
* من ذلك: فتر الشيء، يفتر، فتورا). اهـ
والطرف الفاتر: الذي ليس بحديد شزر، وفتر فلان؛ يفتر فتورا؛ إذا سكن عن حدته، ولان بعد شدته. ([131])
* والفترة: هي الزمن الذي يكون، بين رسل الله تعالى.
ويدخل: هنا الذي مات قبل بعثة الرسول r. ([132])
* فالفترة: ما بين كل رسولين، من رسل الله تعالى، من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة. ([133])
قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص165): (وزمان الفترة: هو ما بين الرسولين، من المدة التي لا وحي فيها). اهـ
وقال الآلوسي المفسر / في «روح المعاني» (ج6 ص103): (وهي عند جميع المفسرين: انقطاع ما بين الرسولين). اهـ
* وأهل الفترة: هم الأمم الكائنة، بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل إليهم: «الأول»، ولا أدركوا: «الثاني»، كالأعراب الذين لم يرسل إليهم عيسى عليه السلام، ولا لحقوا النبي r. ([134])
قال الحافظ السيوطي / في «مسالك الحنفا» (ج2 ص412): (والفترة: بهذا التفسير، تشمل ما بين كل رسولين، ولكن الفقهاء: إذا تكلموا في الفترة؛ فإنما يعنون التي بين عيسى عليه السلام، ومحمد عليه السلام). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج2 ص35)؛ في تعريف الفترة: (هي ما بين: كل نبيين؛ كانقطاع الرسالة، بين عيسى عليه السلام، ومحمد عليه السلام). اهـ
* ثم صار يطلق عند عدد من العلماء المتأخرين، على كل من لم تبلغهم الدعوة، بما فيهم: أطفال المشركين. ([135])
قلت: وهذا القول ليس بصحيح، وليس عليه أي دليل في الكتاب، والسنة، لأن أهل الفترة، يطلق عليهم، الذين عاشوا بين رسولين، لم يرسل إليهم: «الرسول الأول»، ولم يدركوا: «الرسول الثاني»، فهم: بين فترة من الرسل عليهم السلام.
* فهذا الذي ثبت في الكتاب، والسنة، واللغة في تعريف أهل الفترة، وهؤلاء في الأمم السالفة، وفي أمة محمد r، قد بلغتهم الدعوة، فردا، فردا، في كل زمان، وفي كل مكان إلى قيام الساعة، وقد تكفل الله تعالى ببلوغ دعوته لكل أحد على وجه الأرض.
* وهذا يدل على أن من قال: أن أهل الفترة، يطلق على كل من لم تبلغهم الدعوة، لم يصب، لأن ذلك خلاف الأدلة الصحيحة.
لذلك: لم يثبت دليل على عذر: «أهل الفترة»، على أنهم: لم يأتهم رسول، بل جاءهم رسول من قبل زمانهم، بالإضافة: إلى وجود بقايا من أهل العلم في زمن فترتهم: يبينون لهم، وينصحوهم، ويرشدوهم إلى الدين الصحيح في زمانهم، فمن أشرك منهم، ومات على الشرك، دخل النار، لأن الحجة قامت عليه، فلا عذر له في غفلته، وجهله، لأن الرسول الذي أرسل إلى قوم قبله، يكفي في بلوغ الدعوة إليه، مع بقايا من أهل العلم. ([136])
قال الحافظ السيوطي / في «مسالك الحنفا» (ج2 ص413): (كما كان على ذلك -يعني: على الحنيفية([137])- من العرب، كـ«زيد بن عمرو بن نفيل»، و«ورقة بن نوفل»، وغيرهما). اهـ
* وقد بين الله تعالى، أن: «أهل الفترة» قد قامت عليهم الحجة في أثناء الفترة بين رسولين، إما بالرسول السابق، أو ببقايا من أهل العلم، يبلغونهم رسالة الرسول الذي سبقهم، فبلغتهم الدعوة، والحجة من الرسول الذي سبقهم، ومن بقي من أهل العلم في زمن الفترة، بين الرسولين.
قلت: فمن وحد ولم يشرك في أثناء الفترة، دخل الجنة([138])، ومن غير وأشرك، دخل النار([139])، لأنه بلغته الدعوة على كل حال من الأحوال.
قلت: فمن مات في أي فترة بين الرسل عليهم السلام، وقد غير التوحيد، وأشرك بالله تعالى غيره، فقد بلغته دعوة الرسل عليهم السلام، وقامت عليه الحجة، لأي رسول في زمن من الأزمان.
* فأهل الفترة، قائمة عليهم الحجة، إما من الرسل عليهم السلام أنفسهم، وإما من أهل العلم الذين وجدوا في الفترات، لأن الله تعالى جعلهم حجة على الخلق في عدم وجود الرسول، لكي لا تفتر الدعوة، والحجة على الخلق في أثناء الفترة بين الرسولين، وهذا ظاهر في النصوص.
قلت: وهذا يدل على أنه لا يوجد ما يسمى: «بأهل الفترة»، لم تبلغهم الدعوة على وجه الأرض، ولم تقم عليهم الحجة في حياتهم إلى قيام الساعة، وقد تكفل الله تعالى بإقامة الحجة، ووصول دعوته إلى كل فرد على وجه الأرض، مهما كان مكانه في العالم.
* إن الله تعالى قطع الحجة على الخلق، بإرسال الرسل عليهم السلام؛ إليهم، مبشرين، ومنذرين، حتى لا يعتذروا يوم القيامة، بأنه لم يأتهم رسول، ولا نذير، ينذرهم من هذا اليوم، فأهل الفترة: من الذين أنذروا، فالحجة قائمة عليهم على العموم.
قال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء: 165].
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج9 ص408): (يقول الله: أرسلت رسلي إلى عبادي؛ مبشرين، ومنذرين، لئلا يحتج من كفر بي، وعبد الأنداد من دوني، أو ضل عن سبيلي، بأن يقول: إن أردت عقابه: ]لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى[ [طه: 134]؛ فقطع حجة كل مبطل ألحد في توحيده، وخالف أمره، بجميع معاني الحجج القاطعة عذره، إعذارا منه بذلك إليهم، لتكون لله تعالى الحجة البالغة عليهم، وعلى جميع خلقه). اهـ
وقال تعالى: ]كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير[ [الملك: 8 و9].
* وكلمة: «كلما»، التي في قوله تعالى: ]كلما ألقي فيها فوج[ [الملك: 8 و9]؛ تفيد العموم.
قال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج8 ص296): (إن لفظة: «كلما»، تدل على عموم الأزمان والإلقاء، فتعم الملقون الذين، جاءتهم الرسل عليهم السلام). اهـ
قلت: وأهل الفترة جاءتهم الرسل عليهم السلام في الفترات من الأزمان.
* فمن يموت كافرا، من: «أهل الفترة»، فهو في النار، لأنه أنذر، وقامت عليه الحجة، ومات على الشرك. ([140])
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج23 ص510): (وقوله تعالى: ]كلما ألقي فيها فوج سألهم[ [الملك: 8]؛ يقول جل ثناؤه: كلما ألقي في جهنم جماعة: ]سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير[ [الملك: 8]؛ يقول: سأل الفوج خزنة جهنم، فقالوا لهم: ألم يأتكم في الدنيا نذير ينذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه؟؛ فأجابهم: المساكين فقالوا: ]بلى قد جاءنا نذير[ [الملك: 9]؛ ينذرنا هذا، فكذبناه وقلنا له: ]ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير[ [الملك: 9]؛ يقول: في ذهاب عن الحق بعيد.
القول في تأويل؛ قوله تعالى: ]وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير * فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير[ [الملك: 11].
يقول تعالى ذكره: وقال الفوج الذي ألقي في النار للخزنة: ]لو كنا[، في الدنيا: ]نسمع أو نعقل[؛ من النذر ما جاءونا به من النصيحة، أو نعقل عنهم ما كانوا يدعوننا إليه: ]ما كنا[؛ اليوم: ]في أصحاب السعير[ [الملك: 10]؛ يعني: أهل النار.
* وقوله تعالى: ]فاعترفوا بذنبهم[ [الملك: 11]؛ يقول: فأقروا بذنبهم، ووحد الذنب، وقد أضيف إلى الجمع لأن فيه معنى فعل، فأدى الواحد عن الجمع، كما يقال: خرج عطاء الناس، وأعطية الناس، ]فسحقا لأصحاب السعير[ [الملك: 11]؛ يقول: فبعدا لأهل النار). اهـ
وقال تعالى: ]وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين[ [الزمر:71].
وقال تعالى: ]ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير[ [المائدة:19].
وقال تعالى: ]قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا[ [الأعراف:158].
وقال تعالى: ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ [الفرقان:1].
وقال تعالى: ]إن هو إلا ذكر للعالمين[ [سبأ:104].
وقال تعالى: ]وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا[ [سبأ:28].
قلت: فأرسل الله تعالى محمدا r، هاديا، ومبشرا، ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فجعل الله تعالى رسالته: عامة إلى الجن، والإنس، وباقية إلى يوم القيامة.
* فهذه نصوص من القرآن، تدل دلالة، واضحة على عموم رسالته r، ويدخل في هذا العموم: «أهل الفترة» ([141])، وغيرهم.
* فأخبر الله تعالى، بأنه قد أرسل إلى الناس، رسولا: يبين لهم أمور دينهم، ويحذرهم من عقابه؛ إن عصوه، وقد قامت الحجة عليهم عموما، ولم يخص سبحانه: «أهل الفترة» بشيء من العذر لا في الدنيا، ولا في الآخرة، ما دام هم: أشركوا بالله تعالى.
قلت: والقرآن، والسنة، والأثر، دلوا على أنه: لم تخل الأرض في كل زمان، وكل قرن، من عهد نوح عليه السلام، أو آدم عليه السلام، إلى بعثة النبي r، ثم إلى أن تقوم الساعة، من ناس على فطرة الإسلام، يعبدون الله تعالى، ويوحدونه، ولا يشرك به شيئا، ويصلون، ويصومون له، ويقومون بعبادته، وبهم تحفظ الأرض، ولولاهم، لأهلك الله تعالى الأرض، ومن عليها، فافهم لهذا ترشد. ([142])
قال تعالى: ]وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما[ [النساء:18].
قلت: فأهل الفترة وغيرهم، إذا ماتوا على الشرك، فهم: كفار في النار.
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين[ [آل عمران:91].
وقال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء:48].
قلت: فأخبر تعالى أن الشرك: غير مغفور، وأما غيره، فهو: تحت المشيئة، وأهل الفترة: إذا أشركوا، فهم: مشركون، فلا يغفر لهم، فهم في النار.
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين[ [البقرة:161].
قلت: فمن مات على الكفر، فهو: مبعد عن رحمة الله تعالى، سواء من: «أهل الفترة»، أو من غيرهم.
* فأهل الفترة، لا يعذرون بجهلهم إذا ماتوا على الشرك، لأنه أتاهم: نذير، ورسول من الله تعالى، في فترة الرسل عليهم السلام.
فعن أبي هريرة t قال: قال النبي r: (استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها، فأذن لي). ([143])
قلت: وهذا الدليل، يدل على أن عدم الإذن للنبي r، في الاستغفار، لأمه، فهو يدل على أنها في النار، وهي من أهل الفترة.
* فدل ذلك على أن من مات من: «أهل الفترة» على الشرك، فهو في النار، لأن الحجة قامت عليه، برسول من قبله، وببقايا من أهل العلم.
وعن أنس بن مالك t، أن رجلا، قال: يا رسول الله، أين أبي؟، قال: في النار، فلما قفى، دعاه، فقال r: (إن أبي، وأباك في النار). ([144])
قلت: فهذا الحديث، يدل أن الكافر في النار، حتى لو كان من: «أهل الفترة»، لأن دعوة الرسل عليهم السلام من قبله، وصلت إليه، وقامت عليه الحجة.
* فمن مات على الكفر: من «أهل الفترة»، فهو في النار، ولا تناله شفاعة، ولا تنفعه قرابة المقربين.
قال الإمام النووي / في «المنهاج» (ج3 ص79): (فيه -يعني: الحديث- أن من مات على الكفر، فهو من أهل النار، ولا تنفعه قرابة المقربين.
* وفيه: أن من مات في «الفترة» على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان، فهو من أهل النار.
* وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة([145])؛ فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم عليه السلام، وغيره من الأنبياء عليهم السلام). اهـ
وعن عائشة ڤ، أنها سألت النبي r عن ابن جدعان، قالت: قلت يا رسول الله، ابن جدعان، كان في الجأهلية، يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟، قال r: (لا، إنه لم يقل يوما، رب اغفر لي: خطيئتي يوم الدين). ([146])
* وعمرو بن لحي: فهو أول من سن عبادة الأصنام، وقد مات في الفترة، قال النبي r: (رأيت عمرو بن لحي، يجر قصبه في النار). ([147])
قلت: فهذا الحديث يدل أنه غير، وبدل، وأشرك بالله تعالى، بعد أن بلغته الدعوة في زمن الفترة بالرسول الذي قبله، وإن لم يرسل إليه رسولا، يبلغه بشركه، بعينه. ([148])
* فهذه الأحاديث تدل على أن: «أهل الفترة» إذا أشركوا في كل زمان، لا يعذرون بجهلهم، وإن لم يأتهم نذير، ورسول، لأن الحجة قامت عليهم، بالرسول الذي قبلهم، وببقايا من أهل العلم، فافهم لهذا ترشد. ([149])
قال تعالى: ]إنما أنت منذر ولكل قوم هاد[ [الرعد:7].
والمراد بالهادي، هنا: النبي، والمعنى: ولكل أمة: نبي، كقوله تعالى: ]ولكل أمة رسول[ [يونس:47]، وقوله تعالى: ]وإن من أمة إلا خلا فيها نذير[ [فاطر:24].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الجواب الصحيح» (ج1 ص210): (وقوله تعالى: ]إنما أنت منذر ولكل قوم هاد[ [الرعد: 7]؛ في أصح الأقوال: أي ولكل قوم داع، يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، وعبادته؛ كما أنت: هاد؛ أي: داع لمن أرسلت إليه). اهـ
قلت: وقد ثبت بالقطع، أنه لم يأت نبي بعد عيسى عليه السلام، غير نبينا: محمد r، بين الفترة، بينهما.
فعن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله r يقول: (أنا أولى الناس: بابن مريم، والأنبياء: أولاد علات([150])، ليس بيني، وبينه نبي). وفي رواية: (أنا أولى الناس: بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء: إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم: واحد). وفي رواية: (وليس بيني، وبين عيسى: نبي). ([151])
قلت: وهذا الدليل يقطع، بأنه ليس بين: عيسى عليه السلام، وبين محمد عليه السلام: رسول، ولا نبي، وكانت الفترة، بينهما، يعني: وجود «أهل الفترة» في هذا الزمان، وقد قامت الحجة عليهم في هذه الفترة؛ بملة إبراهيم عليه السلام، وبملة عيسى عليه السلام، ثم بوجود بقايا من أهل العلم: فيما بينهم.
* فلا يفلت أحد من إقامة الحجة عليه، وبلوغ الرسالة إليه، من رسالات الأنبياء والرسل عليهم السلام على وجه الأرض إلى يوم القيامة، من عهد آدم عليه السلام، إلى قيام الساعة: ]فلله الحجة البالغة[ [الأنعام: 149].
* وقد وردت النصوص الصحيحة على تعذيب عدد من: «أهل الفترة»، الذين بين: عيسى عليه السلام، وبين رسول الله r، بسبب كفرهم؛ كـ«عمرو بن لحي»، و«صاحب المحجن»، وغيرهما، كما سبق.
* وإذا صح بتعذيب أفراد من: «أهل الفترة»، وجب أن ينسحب الحكم على جميعهم، فعلى هذا وجب الحكم: بالكفر على: «أهل الفترة» ما دام أشركوا، وكفروا بالله تعالى، والكافر: حكمه الخلود في النار.
وهذا القول: ذهب إليه البقاعي، والنووي، والقرافي، وغيرهم. ([152])
قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 48].
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين[ [البقرة: 161].
قلت: ولما صحت أحاديث في عذاب: «أهل الفترة» الذين أشركوا، وجب المصير إليها، لأنها تحقق حكم الله تعالى فيهم.
قال تعالى: ]ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل[ [المائدة: 19].
* والله تعالى، عنده عظيم الحجة على الخلق، وبقطع معاذيرهم: ]ولا يظلم ربك أحدا[ [الكهف: 49].
قلت: فالله تعالى ما عذب: «أهل الفترة»، الذين، وقعوا في الشرك، وهم: غافلون، إلا بعد أن بلغتهم الدعوة، ووصلت إليهم الرسالة، وقامت عليهم الحجة، فإنه سبحانه يعذبهم على شيء يعملونه، ويدركوه، وسمعوه، ومن هنا كان اعتذارهم ليس بشيء.
* فالله تعالى ساوى بهذه الحجة، بين الخلق جميعا، وأعطى لكل: فرصته؛ للإيمان بالله، ودخول الجنة.
* وبعد الحجة: تنقطع المعاذير، وتبطل حجج الخلق، وتسقط الدعاوى، وتلزمهم: حجة الله البالغة. ([153])
قال تعالى: ]حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين[ [الزمر: 71].
قلت: فهم في النار؛ معذبون: لا ينفعهم وجودهم في: «زمن الفترة»، ولا يغني عنهم شيئا؛ لأنهم: أشركوا بالله، والله تعالى: توعد المشرك، أن لا يغفر له أبدا، وأن يحبط عمله، وأن يدخله جهنم.
قال الإمام القرافي / في «شرح تنقيح الفصول» (ص297): (فائدة: حكاية الخلاف في أنه r؛ كان متعبدا قبل نبوته: بشرع من قبله، يجب أن يكون مخصوصا بالفروع، دون الأصول.
* فإن قواعد العقائد كان الناس في الجاهلية مكلفين بها إجماعا.
* ولذلك انعقد الإجماع على أن موتاهم في النار يعذبون على كفرهم، ولولا التكليف لما عذبوا.
* فهو r متعبد بشرع من قبله؛ بفتح: «الباء»؛ بمعنى : مكلف، هذا لا مرية فيه). اهـ
* ومن لم يشركوا، ولم يبدلوا: دينهم الحق، وبقوا بإيمانهم بالله تعالى، «زمن الفترة»، فهم: ناجون من العذاب يوم القيامة، ويدخلون الجنة مع الداخلين، لأن الدعوة بلغتهم، وحجة الرسالة: عمتهم، ولم يكفروا بالله تعالى، بمثل: «زيد بن عمرو بن نفيل»، و«ورقة بن نوفل»، وغيرهما، و«بقايا من أهل الكتاب»، و«بقايا من أهل العلم»، لما ورد فيهم: أنهم من أهل الجنة.
* بجامع أن هؤلاء، هم: من أهل الفترة، بلغتهم دعوة الرسل الذين من قبلهم، ولم يدركوا النبي r بعد بعثته.
قلت: فإذا ثبت الحكم لهم بالجنة، فيلتحق بهم كل من مات على الإسلام في: «زمن الفترة»؛ يعني: ينسحب الحكم على جميع: «أهل الفترة» المؤمنين.
قلت: وهذا القول، هو الموافق، للقرآن، وقواعد الشرع، فهو تفصيل لما أخبر به القرآن، وبينه الرسول r، وأجمع عليه الصحابة، ومن تابعهم بإحسان.
* لأن الله تعالى أقام الحجة على: «أهل الفترة» في الدنيا، فلا حاجة أن يقيم الله تعالى الحجة عليهم في الآخرة. ([154])
* فإن ذلك اليوم هو أحق المواطن التي تسمع فيه الدعاوى، ويقضى فيه بين العباد، إلى جنة، أو إلى نار، فهذا هو الجزاء، الذي دون التكليف.
قلت: وهذا القول: مطابق لتكليفه تعالى عباده في الدنيا، وإنما امتحنهم، وابتلاهم فيها، ليتبين: من يؤثر رضاه ومحبته، ممن يكفر به ويؤثر سخطه.
* وقد علم الله تعالى، من يفعل هذا، ومن يفعل هذا، الذي يترتب عليهما: الثواب، أو العقاب، لقيام الحجة على الذي كفر.
قلت: هذا القول، هو الذي تندفع به الخصومات، وتجتمع به الأدلة، وهو الذي يؤيده: الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، ويؤيده العقل السليم.
* وهذا القول، هو القول: الوسط.
قلت: والذي يؤاخذ في الفترة، هو الذي ثبتت أهليته، أما الذي لم تثبت أهليته، فهذا لا يؤاخذ، مثل: «الصبي»، و«المجنون»، و«المعتوه»، و«كبير السن» الذي ذهب عقله، وما شابه ذلك.
* ولقد سميت أهلية الوجوب؛ بهذه التسمية: لأنها ينظر للإنسان من خلالها، من جهة كونه: صالحا، لأداء الواجب عليه.
* وأهلية الأداء: معناها، صلاحية الإنسان؛ لصدور الفعل عنه على وجه معتبر شرعا.
قلت: لقد اعتبر الفعل، مناطا: لأهلية الأداء، لأن التكليف يقتضي استجابة المكلف لما كلف به.
* وهذا لا يتحقق إلا بالقصد إلى امتثال مقتضاه، وهذا القصد لا يتأتى إلا ممن يعقل التكليف، ويدرك مراد الخطاب.
* وهذا القائم بالإنسان إن اكتمل له العقل والقول، بأن مناط الأهلية، هو العقل الكامل، فهذا يقتضي، ألا تثبت أهلية الأداء: «لمجنون»، ولا «لصبي»، كما يقتضي عدم ثبوتها من غير الإنسان، «كالحيوان»، و«النبات»، و«الجماد». ([155])
* ثم أهلية الأداء، تتعلق بقدرتين هما:
1) قدرة فهم الخطاب، وتتحقق بالعقل.
2) وقدرة العمل بمضمونه، وتتحقق بالبدن.
قلت: فالإنسان في أول أحواله عديم القدرتين، إلا أن فيه من الاستعداد ما يدعو، لأن توجد فيه كل واحدة منها، شيئا، فشيئا: بخلق الله تعالى وقدرته، إلى أن يبلغ بكل واحد منها درجة الكمال.
* فالإنسان قبل بلوغه درجة الكمال بهما، كانت كل واحدة منهما قاصرة، كما هو حال: «الصبي المميز»، قبل بلوغه، وقد تكون إحداهما: قاصرة، بعد البلوغ، كما هو حال: «المعتوه»، إذ أنه قاصر العقل، «كالصبي»، وإن كان قوي البدن.
قلت: فإلزام الأداء، قبل كمال العقل والبدن، حرج كبير على الإنسان.
لذا أقام الشارع الحكيم: البلوغ مقام كمال العقل، لأن البلوغ في الغالب، يكتمل به العقل، فالتكليف لا يتحقق إلا بعد لزوم الأداء؛ يعني: في الأهلية للتكليف.
قلت: فالصغير في حالة كونه، هو: عديم الأهلية للأداء في الشرع، لذلك: لا يكلف بشيء، وهو فاقد العقل الذي تتوقف عليه صحة التصرفات الشرعية.
* لذا اقتضت حكمة الباري تعالى، ألا يكلف الإنسان في هذا السن، بأن يؤمر بأداء شيء بنفسه، كما لا يؤاخذ على أقواله، وأفعاله في الحياة الدنيا.
* وهذا تطبيق لمعنى القاعدة الفقهية: «عمد الصبي، أو المجنون: خطأ»، لأن انعدام العقل يؤدي إلى انعدام القصد، والإرادة: فينتفي العمد عنه. ([156])
قلت: ويماثل «الصبي» في انعدام الأهلية، في حقه: «المجنون»، وذلك لانعدام العقل عنده، فيشمل بالأحكام، التي يشمل بها: «الصبي».
* وقد ألحق الفقهاء: «المعتوه»، بـ«الصبي» في نقصان الأهلية في حقه، فهو بهذا تنطبق عليه أحكام: «الصبي» في هذه المرحلة.
قلت: والمعتوه، هو: ناقص العقل؛ يعني: نقص عقله، من غير جنون، فهو: معتوه.
* العته: وهو عبارة عن مرض يؤدي إلى اختلال في العقل، فينتج عنه: عدم إدراك الأمور، إدراكا، سليما.
* وبعبارة أخرى، أن العته: ضعف في العقل، أدى إلى ضعف في الإدراك، والفهم.
قلت: وهذا يدل أن: «المعتوه»، هو: مصاب بضعف عقلي، فكيف: يكلف ما لا يطاق في الدين، وهو غير مكلف، ولا يؤاخذ بشيء. ([157])
* لذلك لا تلزمه العبادات، من صلاة، وغيرها، وهي من حقوق الله تعالى، فقد أبدى جمهور العلماء: رأيهم المتضمن، إلى عدم وجوبها على: «المعتوه»، كما أنها لم تجب على: «الصبي المميز»، لأنه غير مكلف. ([158])
قلت: فالمعتوه: ليس من أهل التكليف، لعدم توجيه الخطاب إليه من الشارع الحكيم.
* وهذا معناه: أن لا تثبت: «للمعتوه» أهلية الوجوب، وأهلية الأداء ناقصة.
قلت: وطور الطفولة؛ يبدأ من حين ولادته، وينتهي ببلوغه سن التمييز، وفي هذا الطور لا تثبت له أهلية الوجوب، يعني: أنه لا يكون صالحا، للتكليف شرعا، فلا تجب عليه: الصلاة، والصوم، وغير ذلك من العبادات، لأنه رفع عنه القلم.
قلت: فما دام رفع عنه القلم، فهو: غير مكلف في الدنيا، ولا يؤاخذ بشيء من السيئات؛ فكيف: يكلف يوم القيامة بالإمتحان ([159])، وهو رفع عنه القلم في الدنيا، والآخرة: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص:5].
* كذلك: في «طور التمييز»، لا يؤاخذ بشيء من السيئات، وهذا الطور: يبدأ ببلوغ الصغير السنة السابعة، وينتهي ببلوغه؛ وفي هذا الطور، لا تثبت له أهلية الوجوب، لأنه قاصر في عقله، فهو لا يطالب بأداء العبادات في الشرع على الوجوب، بمعنى: لو تركها لا يأثم، ولا يعاقب، لأنه يرفع عنه القلم، فكيف: نكلفه بامتحان يوم القيامة، وهو غير مكلف: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص:5].
قلت: فالطور الذي يكلف فيه الصغير، هو طور البلوغ فقط: ويبدأ، ببلوغ الإنسان عاقلا، ويستمر حتى موته.
* وفي هذا «الطور» تثبت له أهلية أداء كاملة، فيطالب بكل التكاليف الشرعية، وتصح جميع تصرفاته، وعقوده، ويؤاخذ بجناياته: بدنيا، وماليا.
* هذا: وببلوغ الإنسان هذا: «الطور»، يعد كامل الأهلية.
قلت: وقد ربط الشارع: التكليف، ببلوغ الشخص عاقلا، «فالصبي»، و«المجنون»: غير مكلفين، فلا يؤاخذ؛ أي: منهما، بترك: واجب، أو بفعل: محرم. ([160])
* ويدل على عدم تكليف: «الصبي»، و«المجنون»، وما في حكمهما، مثل: «المعتوه»، و«كبير السن» الذي خرف. ([161])
فعن علي بن أبي طالب t، عن رسول الله r قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق).
وفي رواية: (وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل). ([162])
حديث حسن
أخرجه أبو داود في «سننه»، برواية: اللؤلؤي: (4401)، و(4402)، و(4403)، وفي «سننه»، برواية: ابن داسة: (ق/270/ط)، والنسائي في «السنن الكبرى» (7303)، و(7304)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص116 و118 و140 و154 و158)، وفي «فضائل الصحابة» (1232)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص83)، و(ج6 ص57)، و(ج7 ص359)، وفي «السنن الصغرى» (3240)، وفي «الخلافيات» (ج5 ص82 و83)، وفي «معرفة السنن» (ج6 ص325)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج2 ص105 و106 و192)، و(ج6 ص272)، وفي «الإحكام» (ص896)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج4 ص585)، والترمذي في «سننه» (1484)، وابن ماجه في «سننه» (2042)، وابن حبان في «صحيحه» (143)، والطيالسي في «المسند» (90)، وأبو يعلى في «المسند» (587)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص258)، و(ج2 ص59)، و(ج4 ص388)، وابن دقيق العيد في «الإمام في معرفة أحاديث الأحكام»؛ تعليقا (ج3 ص532)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج2 ص41 و229)، والخلعي في «الخلعيات» (ص88)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج2 ص457)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج2 ص321)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص74)، وفي «مشكل الآثار» (3986)، والدارقطني في «السنن» (ج3 ص388 و389)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج1 ص109)، وابن بشران في «البشرانيات» (1199)، وصالح بن أحمد في «المسائل» (ص189)، وأبو القاسم البغوي في «المسائل» (ص81)، وسعيد بن منصور في «السنن» (2080)، و(2081)، و(2082)، والحربي في «غريب الحديث» (ج3 ص1225)، والخطيب في «الكفاية» (77) من طريق أبي الضحى: مسلم بن صبيح، والقاسم بن يزيد، وإبراهيم بن يزيد التيمي، والحسن البصري، وابن عباس؛ كلهم: عن علي بن أبي طالب t به.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه الحافظ البغوي في «مصابيح السنة» (ج2 ص457).
وقال الحافظ البيهقي في «الخلافيات» (ج5 ص83): «هذا إسناد حسن».
وقال الحافظ الترمذي في «السنن» (ج3 ص252): (حديث علي: حسن غريب، من هذا الوجه، وقد روي من غير وجه عن علي... والعمل على هذا الحديث، عند أهل العلم).
وقال الحافظ النووي في «الخلاصة» (679): «رواه أبو داود، والنسائي: بإسناد صحيح».
وقال الحافظ البخاري كما في «العلل الكبير» (ج2 ص593): «هو عندي حديث: حسن».
والحديث صححه الشيخ الألباني في «الجامع الصحيح» (ج1 ص659).
وأورده الحافظ الهيثمي في «موارد الظمآن» (ص360).
وذكره الحافظ ابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج11 ص505)، وفي «فتح الباري» (ج15 ص131)، والعلامة الزيلعي في «نصب الراية» (ج4 ص163).
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الشرح الممتع» (ج2 ص12): (والتكليف يتضمن وصفين هما: البلوغ، والعقل.
* فمعنى: مكلف؛ أي: بالغ، عاقل، فغير البالغ، وغير العاقل: لا تلزمه الصلاة، بالدليل: الأثري، والنظري:
أما الأثري: فقوله r: « رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ».([163])
وأما النظر: فلأنهما، ليسا أهلا للتكليف؛ إذ إن قصدهم قاصر، مهما كان). اهـ
وعن علي بن أبي طالب t قال: (ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ).
أثر صحيح
أخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا، بصيغة الجزم (ج9 ص388)، وأبو داود في «سننه» (4399)، والهيثم بن كليب في «المسند» (ج3 ص418)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (ج1 ص448 و449)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج4 ص323)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص388 و389)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج8 ص264)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج4 ص457)، وسعيد بن منصور في «السنن» (2078)، وعبد الرزاق في «المصنف» (11427)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج2 ص228) من طريق شعبة، وعبد الله بن نمير، وجرير بن عبد الحميد الرازي، وأبي معاوية، ووكيع، وابن الجعد، وجعفر بن عون الكوفي، ومعمر بن راشد؛ كلهم: عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس به؛ موقوفا: على علي بن أبي طالب t.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأشار إليه الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج3 ص72 و74).
وذكره الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج9 ص393).
وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج9 ص393): (ورجح النسائي: «الموقوف»، ومع ذلك، فهو: مرفوع حكما).
وقال العلامة الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج2 ص6): (ولا يضره إيقاف من أوقفه، لأمرين:
الأول: أن من رفعه «ثقة»، والرفع زيادة فيه يجب قبولها.
الثاني: أن رواية: «الوقف» في حكم: «الرفع»، لقول: علي t، لعمر t: «أما علمت»، وقول عمر t: «بلى».
* فذلك: دليل على أن الحديث، معروف عندهم). اهـ
وقال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج3 ص192): «والموقوف: أشبه بالصواب».
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص360): (وقوله: «غير مكلف»: الصغير، والثاني: المجنون، لقول النبي r: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق»([164])). اهـ
وعن عائشة ڤ، أن رسول الله r قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل، أو يفيق).
حديث حسن
أخرجه أبو داود في «سننه» (4398)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج5 ص265)، وفي «المجتبى» (ج6 ص156)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص658)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص100 و101)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج5 ص268)، والدارمي في «المسند» (2445)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص75)، وفي «مشكل الآثار» (ج10 ص151)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج9 ص348)، والترمذي في «العلل الكبير» (ج2 ص592)، وابن الجارود في «المنتقى» (ج1 ص149)، و(ج3 ص109 و110)، وأبو يعلى في «المسند» (ج7 ص366)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» (ج4 ص245)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص355)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص84 و206)، و(ج8 ص41)، و(ج10 ص317)، وفي «الخلافيات» (ج5 ص82)، وفي «شعب الإيمان» (ج1 ص247)، وابن عبد البر في «الاستذكار» (ج25 ص31)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص59)، وابن راهويه في «المسند» (1171)، وصالح بن أحمد في «المسائل» (ص189)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج9 ص171)، والطيالسي في «المسند» (ج3 ص17)، وابن دقيق العيد في «الإمام في معرفة أحاديث الأحكام» (ج3 ص534)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج2 ص322)، وابن الجوزي في «التحقيق في أحاديث الخلاف» (946) من طريق يزيد بن هارون، وشيبان بن فروخ، وعفان بن مسلم، وحسين بن موسى الأشيب، وعبد الرحمن بن مهدي، وروح بن عبادة، ومحمد بن أبان، والطيالسي، وموسى بن إسماعيل؛ تسعتهم: عن حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة ڤ به.
قلت: وهذا سنده حسن.
* وهذا اللفظ: هو المحفوظ في هذا الحديث.
وقال الحافظ الترمذي في «العلل الكبير» (ج2 ص592): (سألت محمدا، عن هذا الحديث؟، فقال: أرجو أن يكون محفوظا).
وقال الحافظ الحاكم: هذا حديث صحيح، على شرط مسلم.
وقال الإمام ابن دقيق العيد في «الإمام» (ج3 ص534): «وأما حديث عائشة ڤ، فهو أقوى إسنادا».
وقال الإمام ابن دقيق العيد في «البدر المنير» (ج3 ص227): «حديث عائشة ڤ هذا: أقوى إسنادا، من حديث علي t».([165])
وقال العلامة الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج2 ص7): «وبالجملة، فحديث علي t: هذا عندي أصح من حديث عائشة المتقدم؛ لأن طريقه فردا، وهذا له أربع طرق؛ إحداها: صحيح».
والحديث صححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج2 ص5).
وقال الإمام ابن المنذر / في «الأوسط» (ج9 ص348): (وكذلك نقول: وقد ثبت مع ما ذكرناه من الإجماع، عن رسول الله r أنه قال: «رفع القلم عن ثلاثة»). اهـ
وعن إبراهيم النخعي /، أنه كان يقول: (رفع القلم عن أربعة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يكشف عنه، وعن الكبير الذي لا يعقل).
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج2 ص237) من طريق هشيم، أنا مغيرة، عن إبراهيم النخعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام ابن خزيمة / في «مختصر المختصر» (ج2 ص197): (باب: ذكر الخبر الدال على أن الأمر الصبيان بالصلاة قبل البلوغ على غير الإيجاب). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج6 ص369): (والمجنون، والمغمى عليه، غير مخاطبين). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج6 ص272)؛ عن المجنون: (إذا رفع القلم عنه، فهو غير مخاطب: بصوم، ولا صلاة). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج6 ص273): (وأما من بلغ مجنونا، مطبقا؛ فهذا لم يكن قط: مخاطبا، ولا لزمته الأحكام، ولا الشرائع، ولم يزل مرفوعا عنه القلم). اهـ
وعن عبد الملك بن عمير، حدثني عطية القرظي t قال: (كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون: فمن أنبت الشعر([166]) قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت).
وفي رواية: (فكنت فيمن لم ينبت فعرضت على رسول الله r فخلى عني).
حديث صحيح
أخرجه أبو داود في «سننه» (4404)، والترمذي في «سننه» (1675)، والنسائي في «السنن الكبرى» (8567)، وفي «المجتبى» (ج8 ص92)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص849)، وأحمد في «المسند» (18776)، وابن حبان في «صحيحه» (4780)، و(4781)، و(4782)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج2 ص192)، وسعيد بن منصور في «السنن» (ج2 ص575)، والحميدي في «المسند» (888)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص58)، وفي «السنن الصغير» (ج2 ص300)، وفي «معرفة السنن» (ج8 ص264 و265)، و(ج13 ص194)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (6477)، و(6478)، و(6479)، والطيالسي في «المسند» (1380)، والدارمي في «المسند» (2507)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج4 ص450)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج6 ص123)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج10 ص1179)، وابن الجارود في «المنتقى» (1045)، وابن قانع في «معجم الصحابة» (ج12 ص4196 و4197)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص429)، وفي «المعجم الأوسط» (8302)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (ج4 ص2213)، والشافعي في «السنن المأثورة» (670)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج3 ص216 و217) من طريق سفيان الثوري، وهشيم بن بشير، وحماد بن سلمة، وزائدة، وشعبة، وغيرهم؛ كلهم: عن عبد الملك بن عمير، حدثني عطية القرظي t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحافظ الحاكم: «حديث رواه جماعة من أئمة المسلمين عن عبد الملك بن عمير، ولم يخرجاه».
وقال الحافظ الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
والحديث صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (ج3 ص833).
وذكره الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» (ج3 ص42)، وفي «إتحاف المهرة» (13847)، وأبو القاسم ابن منده في «المستخرج من كتب الناس» (ج1 ص32).
قلت: وهذا يدل على أن النبي r، لم يؤاخذ الصغير، بشيء من الأحكام، لأنه غير مكلف في الدين. ([167])
قال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج2 ص193): (من المحال: أن يكون رسول الله r: يستحل دم من لم يبلغ: مبلغ الرجال، ويخرج عن الصبيان الذين: قد صح نهي النبي r، عن قتلهم). اهـ
قلت: وإنما لم يكلف كل من: «الصبي»، و«المجنون»، لأنهما، لا يفهمان خطاب الشارع، فلا يتأتى منهما الامتثال ([168])، وإذا لم يتأت منهما الامتثال، كان تكليفهما عبثا، والعبث محال على الله تعالى. ([169])
قال الإمام الشافعي / في «سير الواقدي» (ج4 ص261): (وحد البلوغ: في أهل الشرك، الذين يقتل بالغهم، ويترك غير بالغهم، أن ينبتوا الشعر). اهـ
* هذا: وقد ربط الشارع التكليف أيضا، ببلوغ المرء دعوة الرسول r إليه، وهو مكلف، عاقل في الدين.
فأما من بلغته الدعوة، وهو غير مكلف، وليس بعاقل فهو لا يؤاخذ في الدين، حتى ولو لم يصدق بما بلغه، لأنه رفع عنه القلم، إلى أن يبلغ، ويعقل في الدين ([170])، فبعد ذلك يخاطب بأصول وفروع الشريعة المطهرة.
قلت: فالعبادات، والعقوبات، حيث أن هذه الحقوق، لا يثبت وجوبا، إلا على من كان أهلا لأدائها، إذ المقصود من ثبوتها، هو أداؤها في حالة الأهلية الشرعية.
* ويترتب على هذا، أن الصبي غير مكلف بالإيمان على التفصيل، ولا بالعبادات التفصيلية، مع صفة الصغر، ولعدم إدراكه؛ لمعاني هذه الأحكام. ([171])
* إذ أن الغرض من تكليف الإنسان بهذه الأحكام، هو: اختبار مدى طاعته، وامتثاله، لأمر الشارع، أو مخالفته، وعصيانه له، استدلالا، بقوله تعالى: ]ليبلوكم أيكم أحسن عملا[ [هود: 7]؛ والصغير: في هذه الحالة، لم يكن أهلا لذلك. ([172])
قلت: فمن لم يكلف في الدنيا، لم يكلف في الآخرة؛ بمعنى: أنه رفع عنه القلم في الدنيا، فهو: معفو عنه في الآخرة، وهذه قاعدة.
قلت: فالمجنون، هو فاقد العقل، فلا يصلح، لقبول ما أعد، لقبوله من العقل.
* فالجنون: يؤدي إلى سقوط جميع العبادات، كالصلاة، وغيرها.
فالجنون: يؤدي إلى فقدان التمييز لدى المكلف، ولما كان التمييز أحد العناصر، التي ترتكز عليها أهلية الأداء، كان الجنون: إذن سببا، في انعدام أهلية الأداء في حق المجنون. ([173])
* لذا لا يعتد بتصرفاته لبطلانها، ولا يترتب عليها، أي: أثر من الآثار الشرعية، المترتبة: على تصرفات العاقل المميز. ([174])
فالجنون: لا يترتب عليه تكليفات، لأن مبنى هذه التكليفات، على العقل، وبما أن المجنون: فاقد العقل، فهو غير مكلف.
والقاعدة الفقهية تقول: «أن العقوبات: لا تناسب؛ إلا من قصد انتهاك المحارم»، والمجنون: لم ينتهك حرمة قصدا، حتى يلحقه العقاب.
قلت: فحالة كونه، ناقص الأهلية للأداء، فهذه الحالة: ثبتت للإنسان، وهو في سن التمييز، وقبل أن يبلغ الحلم.
* فالإنسان في هذه المرحلة، لم يكن مكتمل العقل، وإن كان مميزا، لذا تثبت له أهلية أداء ناقصة، لنقصان عقله، وعدم اكتماله.
قلت: فيترتب على هذه الأهلية الناقصة، أن لا تصح التصرفات الشرعية، ولا يؤاخذ عليها، لأنها قبل البلوغ.
* وتثبت هذه الأهلية للإنسان بعد بلوغه: عاقلا، إذ أن أهلية الأداء الكاملة، تتحقق للإنسان عند بلوغه، مكتمل العقل.
والأصل: أن أهلية الأداء توجد بوجود العقل، إلا أنها ربطت بالبلوغ، لأنه مظنة العقل، والأحكام الشرعية، تربط بعلل ظاهرة منضبطة.
* فالبالغ: سواء أكان بلوغه بالسن، أم بالعلامات، يعتبر عاقلا، فهو أهل للأداء الكامل.
قلت: وثبوت أهلية الأداء يستلزم قطعا، ثبوت أهلية الوجوب، لأن مناط أهلية الأداء، هو كمال العقل، وقوة البدن، وهما: لا يتحققان؛ إلا بتحقق الحياة للإنسان، فإذا تحققت الحياة، ثبتت أهلية الوجوب، لأن مناطها الحياة. ([175])
* والبلوغ، معناه: الإدراك، إذ يقال: بلغ الغلام، أي: أدرك، والإدراك، لا يتحقق؛ إلا بظهور علاماته.
قال تعالى: ]وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم[ [النور: 58].
قلت: والبلوغ متى ما وجد في الإنسان؛ فإن الإنسان يدخل به مرحلة توجيه الخطاب إليه، وتكليفه، بجميع الأحكام الشرعية.
* والآيات السابقة، لا تتعارض مع وجود فترة، لم ينذر أهلها، ولم يأتهم رسول في الظاهر([176])، في قوله تعالى: ]لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون[ [يس: 6]، وقوله تعالى: ]لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون[ [السجدة: 3]، وقوله تعالى: ]لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون[ [القصص: 46].
* فكيف تنفي هذه الآيات النذارة من بعض الأقوام، بينما: تثبت الآيات الأخرى، أن لكل قوم: نبي، فتأمل.
* وللعلم: أن الخلق فطروا على: «التوحيد»، فلا عذر لهم، إذا غيروا هذه الفطرة: إلى الشرك بالله تعالى، نعوذ بالله من الخذلان.
* وقد فسر النبي r، الفطرة؛ بأنها: «التوحيد».
فعن أنس بن مالك t قال: (كان رسول الله r، يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك، وإلا أغار، فسمع رجلا يقول: الله أكبر، الله أكبر، فقال رسول الله r: على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله r: خرجت من النار، فنظروا، فإذا هو راعي معزى).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (382)، وأبو داود في «سننه» (2634)، والترمذي في «سننه» (1542)، وأحمد في «المسند» (13440)، و(13240)، و(13120)، والطيالسي في «المسند» (2034)، وابن الجعد في «حديثه» (3372)، وابن منده في «التوحيد» (180)، وأبو يعلى في «المسند» (3307)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (3372)، وابن حبان في «صحيحه» (4753) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك t به.
* والفطرة: بكسر الفاء، بمعنى: الخلقة، والمراد: بها الإسلام، وهي التي اختارها الله تعالى للخلق، فكأنها: أمر جبلي، فطروا عليها. ([177])
قال تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون[ [الروم: 30].
* تعريف الفطرة لغة:
* فطر الله تعالى الخلق؛ أي: خلقهم، وابتدأ صنعة الأشياء.
* وهو فاطر السماوات، والأرض.
* والفطرة: التي طبعت عليها الخليقة من الدين، فطرهم الله تعالى على معرفته: بربوبيته.
* وانفطر الثوب، وتفطر؛ أي: انشق، وتفطرت الجبال، والأرض: انصدعت.([178])
* وعلى هذا، فلفظ: «فطر»، يدور معناه: على الشق، والابتداء، والخلق.
قال الجوهري اللغوي / في «الصحاح» (ج2 ص781): (والفطرة بالكسر: الخلقة. وقد فطره يفطره بالضم فطرا، أي: خلقه. والفطر أيضا: الشق. يقال: فطرته فانفطر، وتفطر الشئ: تشقق، والفطر: الابتداء والاختراع). اهـ
* تعريف الفطرة شرعا:
الفطرة: هي الإسلام.
* وليس معنى هذا أن العبد لما يولد يعرف الإسلام بتفاصيله؛ بل الفطرة: هي القوة العلمية، التي تقتضي بذاتها الإسلام، مالم يمنعها مانع.
* وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة.
والقول: بأن الفطرة؛ هي الإسلام، هو قول عامة السلف الصالح.([179])
* والعلاقة: بين المعنى؛ اللغوي، وبين المعنى الشرعي:
- معنى الفطرة في اللغة: يدل على الخلق، وابتداء الشيء.
- والمعنى الشرعي: يدل على خلق الناس على وضع، معين: وهو الإسلام، والقبول للعقائد الصحيحة.
* فالفطرة، هي حجة من حجج الله تعالى على عباده، حيث ما من مولود؛ إلا وهو يولد على فطرة: الإسلام، والإيمان بالله تعالى.([180])
قال الإمام القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج14 ص30)؛ عن معنى الفطرة: (الإسلام: قاله أبو هريرة، وابن شهاب، وغيرهما، قالوا: وهو المعروف، عند عامة السلف، من أهل التأويل.
* واحتجوا بالآية: ]فطرت الله[ [الروم: 30]؛ وحديث أبي هريرة t: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة» الحديث، وعضدوا ذلك: بحديث: عياض بن حمار المجاشعي t، أن رسول الله r، قال للناس يوما: «ألا أحدثكم بما حدثني الله في كتابه، إن الله خلق آدم، وبنيه: حنفاء مسلمين، وأعطاهم المال حلالا، لا حرام فيه، فجعلوا مما أعطاهم الله حلالا، وحراما». الحديث، وبقوله r: «خمس من الفطرة...» فذكر منها قص الشارب، وهو من سنن: الإسلام). اهـ
وقال الإمام القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج14 ص30): (وعلى هذا التأويل: فيكون معنى الحديث: أن الطفل خلق سليما، من الكفر على الميثاق الذي أخذه الله تعالى على ذرية آدم، حين أخرجهم من صلبه، وأنهم: إذا ماتوا قبل: أن يدركوا: في الجنة، أولاد المسلمين كانوا، أو أولاد كفار). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص70): (هذا أصح؛ ما قيل: في معنى: الفطرة، التي يولد الناس عليها.
* ومن الحجة أيضا، قوله تعالى: ]إنما تجزون ما كنتم تعملون[ [الطور: 16]، وقوله تعالى: ]كل نفس بما كسبت رهينة[ [المدثر: 38]؛ ومن لم يبلغ وقت العمل، لم يرتهن بشيء). اهـ
وقال الحافظ ابن الأثير / في «النهاية في غريب الحديث» (ج4 ص386): (فطر: فيه «كل مولود يولد على الفطرة»؛ الفطر: الابتداء والاختراع، والفطرة: الحالة منه، كالجلسة والركبة، والمعنى أنه يولد على نوع من الجبلة، والطبع المتهيئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد، ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم، والميل إلى أديانهم عن مقتضى الفطرة السليمة). اهـ
وقال الحافظ ابن حزم في «الإحكام» (ج5 ص105): (فصح بهذا كله ضرورة أن الناس كلهم مولودون على الإسلام). اهـ
قلت: والفطرة دليل من أدلة: «التوحيد»، التي غرسها الله تعالى، في بني آدم، وخلقهم عليها، فهي توجه العبد، إلى إفراد الرب عز وجل: بالربوبية، والألوهية، إلا أن هذه الفطرة، قد تتغير بما يؤثر عليها من التنشئة على الشرك، والضلال، وما يحيط بها من: «الشهبات»، و«الشهوات».
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
وعن عمران بن حصين t، قال: قال النبي r؛ لأبي: حصين: (كم تعبد اليوم إلها؟، قال أبي: سبعة، ستة في الأرض، وواحدا في السماء!، قال: فأيهم تعد لرغبتك، ورهبتك؟ قال: الذي في السماء!). ([181])
قلت: وهذا فيه تصريح بأن الله تعالى، فطرهم على الإسلام، وأن الله تعالى هو: ربهم.
قال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج7 ص298): (فالله تعالى: فطر الخلق كلهم على معرفته فطرة توحيد، حتى من خلق مجنونا، مطبقا، مصطلما، لا يفهم شيئا، ما يحلف إلا به، ولا يهلج لسانه بأكثر من اسمه المقدس، فطرة بالغة). اهـ
قلت: إن الإقرار، والاعتراف بالخالق سبحانه: فطري، ضروري في قلوب الخلق، ومعرفة الربوبية تحصل بالفطرة، الضرورية، التي خلقها الله تعالى في نفوس الخلق من صغرهم، فهم: يولدون على فطرة الإسلام. ([182])
قال المفسر المراغي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (والخلاصة: إن الله تعالى لا يقبل منهم الاعتذار، بتقليد الآباء، والأجداد، إذ التقليد عند قيام الدلائل، والقدرة على الاستدلال بها، مما لا يركن إليه، ولا ينبغي لعاقل أن يلجأ إليه.
* كما أن الاعتذار بالجهل بعد ما أقام عليهم من البينات الفطرية، والعقلية، مما لا يقبل). اهـ
وقال المفسر المراغي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (وفي الآية: إيماء إلى أن من لم تبلغه، بعثة رسول، لا يعذر يوم القيامة في الشرك بالله تعالى، ولا بفعل الفواحش، والموبقات، التي تنفر منها: الفطرة السليمة، وتدرك ضررها العقول الحصيفة). اهـ
وقال المفسر الخازن البغدادي / في «لباب التأويل» (ج2 ص612): (فقامت الحجة: عليهم؛ لإمدادهم بالرسل عليهم السلام، وإعلامهم بجريان: أخذ: «الميثاق» عليهم.
* وبذلك قامت الحجة عليهم أيضا يوم القيامة، لإخبار الرسل عليهم السلام: إياهم بذلك: «الميثاق» في الدنيا؛ فمن أنكره كان معاندا، ناقضا: للعهد، ولزمتهم الحجة، ولم تسقط الحجة عنهم بنسيانهم، وعدم حفظهم بعد إخبار الصادق صاحب الشرع، والمعجزات الباهرات). اهـ
قلت: فقد ثبت الله تعالى الحجة على كل نفس في عالم الغيب بالميثاق والفطرة في الإجمال، وهذا الميثاق الأول الذي أخذه الله تعالى على العباد، وهم في ظهور آبائهم. ([183])
* فأخذ الله تعالى: «العهد»، و«الميثاق» على بني آدم جميعا، وأشهدهم على أنفسهم، بأن الله ربهم، فلا يكون لهم العذر يوم القيامة، في الإشراك بالله: جهلا، أو تقليدا.
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج4 ص18): (قال تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها[ [الروم: 30]؛ أي: ملة الله تعالى التي خلق الناس عليها). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج3 ص442): (يقول تعالى: فسدد وجهك، واستمر على الدين، الذي شرعه الله تعالى لك، من الحنيفية: ملة إبراهيم عليه السلام، التي هداك الله تعالى لها، وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة، التي فطر الله تعالى الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته، وتوحيده، وأنه لا إله غيره). اهـ
وقال الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ص839): (باب: ]لا تبديل لخلق الله[ [الروم: 30]؛ لدين الله: ]خلق الأولين[ [الشعراء:137]؛ دين الأولين، والفطرة: الإسلام).
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج ([184]) البهيمة، بهيمة جمعاء ([185])، هل تحسون فيها من جدعاء ([186]))، ثم يقول أبو هريرة t: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم[ [الروم: 30]. وفي رواية: (كل بني آدم يولد على الفطرة). وفي رواية: (ليس من مولود، يولد؛ إلا على هذه الفطرة، حتى يعبر عنه لسانه). وفي رواية: (ليس من مولود، يولد؛ إلا على هذه الملة، حتى يبين عنه لسانه). وفي رواية: (كل بني آدم يولد على الفطرة). وفي رواية: (قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت، وهو صغير؟، قال r: الله أعلم بما كانوا عاملين). وفي رواية: (فقالوا: يا رسول الله، فكيف بمن كان قبل ذلك؛ يعني: مات؟، قال r: الله أعلم بما كانوا عاملين).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1358)، و(1359)، و(1385)، و(4775)، و(6599)، ومسلم في «صحيحه» (2658)، وأبو داود في «سننه» (4714)، ومالك في «الموطأ» (ج1 ص241)، وهمام بن منبه في «صحيفته» (ص259)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص202)، وفي «الاعتقاد» (164)، وفي «القضاء والقدر» (ج3 ص857 و858 و860 و861)، وفي «معرفة السنن والآثار» (3830)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (995)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص233 و275 و393 و410 و481)، وابن حبان في «صحيحه» (128)، و(133)، والترمذي في «سننه» (2274)، و(2275)، والطبراني في «مسند الشاميين» (ج1 ص83 و86)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج4 ص11 و12 و13)، وابن بكير في «الموطأ» (ج1 ص672)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1478)، واللالكائي في «الاعتقاد» (995)، و(998)، والجوهري في «مسند الموطأ» (538)، والفريابي في «القدر» (161)، والآجري في «الشريعة» (396)، وابن القاسم في «الموطأ» (338)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص64 و65)، وفي «الاستذكار» (ج8 ص375)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج2 ص571)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج3 ص494)، والمحاملي في «الأمالي» (225)، وابن وهب في «الموطأ» (ص462)، والبزار في «المسند» (ج14 ص181 و371)، و(ج16 ص208 و267)، ومعمر بن راشد الأزدي في «الجامع» (ج11 ص119)، والدارقطني في «العلل» (ج8 ص288)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج2 ص38)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص283)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج59 ص389)، وأبو يعلى في «المسند» (ج11 ص282)، والطيالسي في «المسند» (2823)، والبغوي في «شرح السنة» (84)، و(85)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج3 ص9)، وفي «أخبار أصبهان» (ج2 ص226)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (1559)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج20 ص261 و268 و269 و273 و274 و275)، والمطرز في «الفوائد» (186)، و(187)، و(188)، و(189)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج18 ص131)، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (ج2 ص208)، والحميدي في «المسند» (ج2 ص473)، والديلمي في «الفردوس بمأثور الخطاب» (4730)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» (ج3 ص470)، وأبو إسحاق الفزاري في «السير» (ج2 ص598)، والشافعي في «الموطأ» (ص462)، والذهلي في «الزهريات» (ج2 ص776)، وابن أبي أسامة في «المسند» (ج2 ص321)، و(ج5 ص28)، وأبو بكر الأنصاري في «المشيخة الكبرى» (ج2 ص797) من طريق سعيد بن المسيب، وأبي صالح، وهمام بن منبه، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وطاووس، وعطاء بن يزيد، وأبي جامع، وبشير بن نهيك، وعمار مولى بني هاشم، والحسن البصري، والأعرج، وحميد بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن يعقوب الحرقي، جميعهم: عن أبي هريرة t به.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج8 ص371): (وروي هذا الحديث، عن النبي r: من وجوه، صحاح، ثابتة، من حديث أبي هريرة t).
* فقوله r: (كل مولود، يولد على الفطرة)؛ إنما أراد r به: الإخبار بالحقيقة التي خلقوا عليها، وهي: فطرة الإسلام، و«الميثاق الأول». ([187])
قال تعالى: ]ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى[ [طه:50].
وقال تعالى: ]الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى [ [الأعلى:2 و3].
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج2 ص282 و284): (أما من بلغه القرآن، أو بعثة الرسول r، فلم يستجب فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19]؛ وقال تعالى: ]ولينذروا به[ [إبراهيم: 52].
* فمن بلغه القرآن، وبلغه الإسلام ثم لم يدخل فيه له حكم الكفرة، وقد صح عن النبي r أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أهل النار»([188]). أخرجه مسلم في «صحيحه»، فجعل سماعه ببعثة الرسول r حجة عليه). اهـ
* ومن كان هذا حاله، فهو في النار، وعمله الباطل يقابل بالعذاب، والعياذ بالله.([189])
وعن أبي هريرة t عن رسول الله r أنه قال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي، ولا نصراني، ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار). ([190])
قلت: وهذا الحديث يدل على أن من سمع برسول الله r، من يهودي، أو نصراني، أو غيرهما، ثم لا يدخل في الإسلام، ومات، إلا دخل النار، لأنه كفر بالله تعالى، وبرسوله r.
عن أبي هريرة t قال: (زار النبي r قبر: أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال r: استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي). ([191])
قلت: ومن المعلوم أن أمه r، ماتت في الجاهلية، وهو صغير، قبل البعثة، ولم تعذر بذلك.
وعن أنس بن مالك t: (أن رجلا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال r: في النار، فلما: قفى دعاه، فقال r: إن أبي، وأباك في النار). ([192])
قال الحافظ البيهقي / في «دلائل النبوة» (ج1 ص192): (وكيف لا يكون: أبواه، وجده، بهذه الصفة في الآخرة؛ يعني: في النار -وقد كانوا يعبدون الوثن، حتى ماتوا، ولم يدينوا دين: «عيسى بن مريم» عليه السلام). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج1 ص349): (فيه: أن من مات على الكفر، فهو في النار، ولا تنفعه: قرابة المقربين.
* وفيه: أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب، من عبادة الأوثان، فهو من أهل النار.
* وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم: دعوة إبراهيم عليه السلام، وغيره: من الأنبياء عليهم السلام). اهـ
وعن عائشة ﭭ: (قلت: يا رسول الله، ابن جدعان، كان في الجاهلية، يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك: نافعه؟ قال r: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما، رب: اغفر لي خطيئتي يوم الدين). ([193])
قلت: وهذا يدل على أن: «ابن جدعان» كان على الشرك، ومات عليه في الجاهلية، فلم يعذر بجهله، ولم ينفعه عمله الذي يقوم به من: صلة الرحم، وإطعام المسكين.
وبوب عليه الحافظ النووي / في «المنهاج» (ص115)؛ باب الدليل على أن من مات على الكفر، لا ينفعه عمل.
وعن أبي هريرة t قال: قال النبي r: (رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي، يجر قصبه في النار، وكان أول من سيب السوائب). ([194])
وعن عائشة ﭭ قالت: قال رسول الله r: (رأيت جهنم: يحطم بعضها بعضا، ورأيت عمرا، يجر قصبه، وهو أول من سيب السوائب).([195])
فإن العرب: بقوا، قرونا على دين إبراهيم عليه السلام، حتى غير دينهم: «عمرو بن لحي الخزاعي».
قلت: وعمرو بن لحي، هو أول من غير دين إبراهيم عليه السلام، وقد استحسن هذا بجهله، فدخل النار، ولم يعذر بجهله، بل وكل من قلدوه في الجاهلية في ذلك، فهو مثله في نار جهنم، ولم يعذر بجهله.
قلت: وهذه الأحاديث تدل أن النبي r أخبر عنهم، أنهم في النار، وهم: من كبارهم، وأفاضلهم، فلم ينفعهم ذلك، بل منهم: من كان يتصدق، ويفعل الأعمال الطيبة، ومع ذلك لم ينفعه ذلك، لأنه مات على الكفر.
قال الإمام محمد بن إسحاق / في «السيرة النبوية» (ج1 ص77): (واستبدلوا بدين ابراهيم عليه السلام، وإسماعيل عليه السلام: غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات، وفيهم على ذلك بقايا من عهد ابراهيم عليه السلام، يتمسكون بها). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج2 ص190): (وما كانوا: ابتدعوه من الشرائع الباطلة الفاسدة، التي ظنها كبيرهم: «عمرو بن لحي» قبحه الله، مصلحة، ورحمة، بالدواب، والبهائم، وهو كاذب، مفتر في ذلك، ومع هذا الجهل والضلال، اتبعه هؤلاء الجهلة الطغام فيه، بل قد تابعوه فيما هو أطم من ذلك، وأعظم بكثير، وهو عبادة الأوثان مع الله تعالى، وبدلوا ما كان الله تعالى بعث به ابراهيم خليله عليه السلام من الدين القويم، والصراط المستقيم من توحيد عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وتحريم الشرك، وغيروا شعائر الحج، ومعالم الدين بغير علم، ولا برهان، ولا دليل صحيح، ولا ضعيف، واتبعوا في ذلك من كان قبلهم من الأمم المشركين، وشابهوا: قوم نوح عليه السلام، وكانوا أول من أشرك بالله، وعبد الأصنام، ولهذا بعث الله تعالى إليهم نوحا عليه السلام، وكان أول رسول بعث ينهى عن عبادة الأصنام: ]وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا[ [نوح: 23]). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج2 ص189): (والمقصود: أن عمرو بن لحي لعنه الله، كان قد ابتدع لهم أشياء في الدين، غير بها دين الخليل، فاتبعه العرب في ذلك، فضلوا بذلك ضلالا، بعيدا، بينا، فظيعا، شنيعا، وقد أنكر الله تعالى عليهم في كتابه العزيز، في غير ما آية منه، فقال تعالى: ]ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب[ [النحل: 116]، وقال تعالى: ]ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون[ [المائدة: 106]).اهـ
قلت: وهذا القسم، هم: الأكثر، الذين بدلوا، وغيروا، وأشركوا في الجاهلية، في: «الفترة»، ولم يوحدوا، وشرعوا لأنفسهم: الأحكام الباطلة في الدين؛ فهم: كفار في النار، ولم يعذروا، لأن الحجة قامت عليهم؛ بالرسل عليهم الذين من قبلهم، في زمن الفترة، وببقايا من أهل العلم فيهم. ([196])
* فعمرو بن لحي: هو أول من سن للعرب عبادة الأصنام، وشرع الأحكام للناس، في زمن: «الفترة»، فهو كافر في النار، لأن الحجة قامت عليه، بالرسول الذي قبله، وببقايا من أهل العلم في زمنه. ([197])
قلت: فأحدث عمرو بن لحي، عبادة الأصنام، والأوثان، وشرع للعرب([198]): الضلالات من السوائب وغيرها.
* وقد نص الإمام النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج16 ص208)؛ على أن من لم يؤمن من: «أهل الفترة»، فهو: في النار.
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «كشف الشبهات» (ص1): (وآخر الرسل: محمد r، وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين، أرسله الله تعالى، إلى أناس يتعبدون، ويحجون، ويتصدقون، ويذكرون الله تعالى كثيرا، ولكنهم: يجعلون بعض المخلوقات وسائط: بينهم، وبين الله تعالى). اهـ
قلت: فكانت الحجة ثابتة لله تعالى، عليهم؛ بإنذار من تقدم من الرسل عليهم السلام، وإن لم يروا رسولا. ([199])
* وهذا إذا كان في زمن: «الجاهلية الكبرى»، في وقت، قلة العلم، وانطماس آثار الرسالة، فكيف بعد بعثة الرسول r، في وقت انتشار النور، وظهور العلم، فمن باب أولى، أن الجهل لا يكون عذرا، للعبد في يوم القيامة.
قلت: ولا يشترط في قيام الحجة، إقناع الجاهل، فهذا لا سلطان، للعبد عليه، إلا ما شاء الله تعالى.
* فالله تعالى بيده الهدى، والضلال، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، والله يحكم لا معقب لحكمه.
قال تعالى: ]ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون[ [الأنفال: 23].
قلت: ولم يثبت في الكتاب، والسنة، ولا عن الصحابة y، ولا السلف، أن المشركين في الجاهلية، من مات؛ منهم: أنه يختبر يوم القيامة.
* وهذا الجهل بسبب الغفلة، والإعراض عن الدين الصحيح. ([200])
قال تعالى: ]لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون[ [يس:6]، يعني: لتنذرهم؛ مثل: ما أنذر آباؤهم. ([201])
فعن عكرمة / قال: في قوله تعالى: ]لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون[ [يس:6]؛ قال: (قد أنذروا). ([202])
وقال تعالى: ]لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون[ [يس:7].
فعن الضحاك بن مزاحم / قال: في قوله تعالى: ]لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون[ [يس:7]؛ قال: (سبق في علمه). ([203])
قلت: فسبق القول على من لا يؤمن في الحياة الدنيا. ([204])
قال العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ / في «شرح كشف الشبهات» (ص101): (ولو كان فهمها -يعني: الحجة- شرطا، لما كان الكفر؛ إلا قسما، واحدا، وهو كفر الجحود، بل الكفر: أنواع، منه: الجهل، وغيره). اهـ
وقال تعالى: ]وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها[ [آل عمران: 103].
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج7 ص85): (على حرف، حفرة من النار، وإنما ذلك، مثل: لكفرهم الذي كانوا عليه، قبل أن يهديهم الله تعالى، للإسلام). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن أهل الجاهلية، كفرة، وهم في النار، ولم يعذرهم الله تعالى بجهلهم.
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص11): (فكانوا قبل إنقاذه إياهم: بمحمد r، أهل كفر، في تفرقهم، واجتماعهم، يجمعهم أعظم الأمور: الكفر بالله، وابتداع ما لم يأذن به الله تعالى، تعالى عما يقولون: علوا كبيرا، لا إله غيره). اهـ
وقال تعالى: ]ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير[ [المائدة: 19].
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج8 ص277): (أنه قد قطع عذرهم، برسوله r، وأبلغ عليهم في الحجة). اهـ
وعن شداد بن أوس t؛ أن رسول الله r قال: (سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك، ووعدك ما استطعت).([205])
قال الإمام ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج10 ص75): (قوله r: «وأنا على عهدك، ووعدك ما استطعت»؛ يعني: العهد الذي أخذه الله تعالى على عباده، في أصل: خلقهم، حين أخرجهم من أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ فأقروا له في أصل خلقهم بالربوبية، وأذعنوا له بالوحدانية). اهـ
وعن أنس بن مالك t، عن النبي r قال: (يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتديا به؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم، ألا تشرك بي؛ فأبيت إلا أن تشرك بي). ([206])
قلت: إن الله تعالى، أخذ: «الميثاق» من ذرية آدم من ظهور آبائهم، كما أخذ سبحانه عليهم: «الميثاق» في ظهر أبيهم آدم، ثم أشهدهم على أنفسهم أنه الرب سبحانه، وألا يشركوا به.
* إن الله تعالى أخذ: «الميثاق» من الذرية من ظهر آدم، ومن ظهور آبائهم، ألا يشركوا به شيئا في هذه الحياة الدنيا.
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 172 و173].
وقال تعالى: ]فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين[ [الأنعام: 149].
وعن الإمام حماد بن سلمة /؛ أنه كان يفسر؛ حديث: «كل مولود يولد على الفطرة»، قال: (هذا عندنا حيث أخذ الله تعالى عليهم: العهد في أصلاب آبائهم، حيث قال تعالى: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]). ([207])
وقال تعالى: ]ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون[ [الزمر: 47].
وقال تعالى: ]ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون[ [الأنعام: 28].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح صحيح مسلم» (ج8 ص113): (حديث أخذ: «العهد»، و«الميثاق» في صلب آدم؛ تكلم فيه الناس كثيرا، وقالوا: إن قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم[ [الأعراف: 172]؛ إن هذا ما ركز الله تعالى في الفطر والعقول من الوحدانية، والإيمان بالله عز وجل، ولهذا قال: ]من بني آدم من ظهورهم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: من ظهرهم، فالجمع يدل على أن المراد: بنو آدم أنفسهم، أن الله تعالى أخذ عليهم وهم في بطون أمهاتهم، وذلك بما ركز الله تعالى في قلوبهم من الفطرة، والمسألة مبسوطة في شرح الطحاوية.
وعلى كل حال: الشاهد من هذا أن أهل النار يودون أن يفتدوا بملء الأرض ذهبا، ولكنه لا يحصل لهم ذلك.
* وهذا الحديث فيه مناقشة، وفيه تنديم لهذا الكافر، فإنه يقال له: لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به من هذا العذاب؟ فيقول: نعم، وهذا واقع فالكل يفتدي من عذاب يوم القيامة بما يستطيع.
* وقوله r: «فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك»؛ أي: أن تؤمن بالله تعالى ورسله، وتقيم الصلاة، وتأتي بشرائع الإسلام، وهي أمور سهلة، فحتى الزكاة التي هي حق المال لا تجب في كل مال، وإذا وجبت في مال فهو جزء يسير، والغالب أيضا: أنها لا تجب إلا في الأموال النامية، وقد تجب في الأموال غير النامية كالذهب والفضة). اهـ
وقال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج7 ص275): (قال تعالى: «فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم»، حين أخذت الميثاق، «أن لا تشرك بي فأبيت»، إذ أخرجتك إلى الدنيا، «إلا الشرك»). اهـ
وعن أنس بن مالك t، عن النبي r قال: (يقول الله تبارك وتعالى: لأهون أهل النار عذابا؛ لو كانت لك الدنيا، وما فيها، أكنت مفتديا بها؟، فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك -أحسبه قال: ولا أدخلك النار-، فأبيت إلا الشرك). وفي رواية: (فقد سألتك ما هو أهون من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيت إلا أن تشرك). ([208])
وعن أنس بن مالك t، أن النبي r قال: (يقال للكافر يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا، أكنت تفتدي به؟، فيقول: نعم، فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك). وفي رواية: (فيقال له: كذبت، قد سئلت ما هو أيسر من ذلك). ([209])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج11 ص403 و404): (قوله r: «قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك»، في رواية أبي عمران فيقول: «أردت منك ما هو أهون من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي شيئا، فأبيت إلا أن تشرك بي»، وفي رواية ثابت: «قد سألتك أقل من ذلك، فلم تفعل، فيؤمر به إلى النار»، قال عياض /: يشير بذلك إلى قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم[ [الأعراف:172]؛ الآية، فهذا: «الميثاق» الذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا: فهو مؤمن، ومن لم يوف به: فهو الكافر، فمراد الحديث: أردت منك حين أخذت: «الميثاق»، فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك، ويحتمل أن يكون المراد بالإرادة هنا: الطلب؛ والمعنى: أمرتك، فلم تفعل، لأنه سبحانه وتعالى لا يكون في ملكه إلا ما يريد. واعترض بعض المعتزلة: بأنه كيف يصح أن يأمر بما لا يريد؟ والجواب: أن ذلك ليس بممتنع، ولا مستحيل). اهـ
وقال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج8 ص337): (وقوله r: «يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا: لو كانت لك الدنيا»، إلى قوله: «قد أردت منك أهون من ذلك وأنت في صلب آدم: ألا تشرك، فأبىت إلا الشرك»؛ هذا تنبيه على ما جاء في قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف:172]؛ فهذا: «الميثاق» الذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا، فهو مؤمن، ومن لم يف به فهو الكافر، ومراد الحديث: قد أردت منك هذا وأنت في صلب آدم: ألا تشرك بي حين أخذت عليك ذلك: «الميثاق»، فأبىت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشريك). اهـ
وقال العلامة الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج9 ص252): (في الحديث: «أردت منك أن لا تشرك، فأبيت: إلا الشرك»؛ فإن ذلك بينه: قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم[ [الأعراف: 172]؛ فالمراد الإيمان: الذي أراد منهم هو: إيمانهم ذلك اليوم، وقد حصل، لقوله تعالى: ]قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ أي: أنت ربنا، ولكنهم: لم يعبدوا لما خرجوا من الدنيا).اهـ
قلت: إن الله تعالى أخرج ذرية آدم من صلبه، وأصلاب أولاده، وأخذ عليهم: «الميثاق»، أنه خالقهم، وأنهم: مخلوقون، فاعترفوا بذلك، وقبلوا، وعرفوا ما عرض عليهم، وأنهم: لهم: عقول، يفهمون بها ما سمعوه، ونطقوا به. ([210])
وبوب عليه الحافظ البخاري في «صحيحه» (ص552)؛ باب: خلق آدم وذريته.
قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]؛ أي: عن «الميثاق» المأخوذ عليهم، فإذا قالوا: ذلك، كانت أنفسهم شاهدة عليهم، وكانت الملائكة شهودا عليهم أيضا، بأخذ الميثاق. ([211])
قال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص474): (وها هنا مقامات:
أحدها: أن الله سبحانه، استخرج صورهم وأمثالهم، فميز: شقيهم وسعيدهم، ومعافاهم، من مبتلاهم.
الثاني: أنه سبحانه أقام عليهم الحجة حينئذ، وأشهدهم: بربوبيته، واستشهد عليهم ملائكته.
والثالث: أن هذا تفسير، قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم[ [الأعراف: 172]). اهـ
* والله تعالى قد أثبت الحجة على كل منفوس، ممن بلغ، وممن لم يبلغ: «بالميثاق» الذي أخذه عليهم، وزاد سبحانه على من بلغ منهم، الحجة بالآيات، والدلائل، والبراهين، التي نصبها الله تعالى في العالم، وبالرسل المنفذة إليهم: مبشرين، ومنذرين، وبالمواعظ، وبالمثلات، المنقولة إليهم أخبارها؛ غير أنه عز وجل لا يطالب أحدا منهم من الطاعة؛ إلا بقدر ما لزمه من الحجة، وركب فيهم من القدرة، وآتاهم من الآلة. ([212])
وعن عياض بن حمار المجاشعي t؛ أن رسول الله r قال: ذات يوم في خطبته: (ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني، يومي هذا، كل مال نحلته عبدا، حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا). ([213])
قلت: وهذا الحديث يدل على صحة ما فسر به الأئمة: «الفطرة»، أنها دين الإسلام. ([214])
قال تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم[ [الروم:30].
قلت: فأخذ عليهم العهد بالإيمان به، والإقرار، والمعرفة بالله، وأمره، والتصديق به، ولئلا يشركوا به شيئا([215])، فآمنوا، وصدقوا، وعرفوا، وأقروا.
* فهذه النصوص تدل على أن الله تعالى: خلق عباده حنفاء، وأن كل مولود يولد على الفطرة السليمة، المستقيمة، طاهرين من المعاصي، منيبين: لقبول الهداية.
* ولكن الشياطين أتتهم، وحرفتهم، وأزالتهم عن هذه الهداية، وإن الله تعالى مقتهم بسبب ذلك.
* وصح أن جميع المواليد، يولدون على الفطرة، وهو: «الميثاق الأول»، وهو قول الله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]، فهم: يولدون على الفطرة، وعلى: «الميثاق الأول»، ثم بعد ذلك: آباؤهم، يحرفوهم عن هذا: «الميثاق» إلى الضلالة.
وعن الإمام إسحاق بن إبراهيم الحنظلي / قال: في قوله: «خلقت عبادي حنفاء»؛ أراد به على الميثاق الأول: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]. ([216])
قلت: فذهب الإمام إسحاق بن راهويه /، إلى أن قوله: «خلقت عبادي حنفاء»، أراد به على: «الميثاق الأول».
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172].
قال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص531): (فصل: ويدل على صحة ما فسر به الأئمة «الفطرة» أنها: «الدين»؛ ما رواه: مسلم في «صحيحه» من حديث عياض بن حمار المجاشعي، عن النبي r فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى ([217]): «إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»؛ وهذا صريح في أنهم خلقوا على الحنيفية، وأن الشياطين اقتطعتهم بعد ذلك عنها، وأخرجوهم منها.
قال تعالى: ]والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات[ [البقرة: 257].
* وهذا يتناول إخراج الشياطين لهم من نور الفطرة إلى ظلمة الكفر والشرك، ومن النور الذي جاءت به الرسل من الهدى والعلم إلى ظلمات الجهل والضلال).اهـ
* لذلك؛ لا يجوز القول بامتحان: «أهل الفترة»، و«المجنون»، و«الصغير»، و«المعتوه»، و«كبير السن»، لأن ذلك من المسائل الغيبية، فلا تقال: بالرأي والاجتهاد، بل تقال: من طريق الوحي، وقد كره النبي r الخوض في مثل: هذه المسائل الغيبية، فافطن لهذا.
فعن عائشة إبنة طلحة، عن عائشة أم المؤمنين ڤ قالت: (أتي رسول الله r، بصبي من الأنصار فصلى عليه، قالت: فقلت: يا رسول الله: طوبى لهذا، لم يعمل سوءا، ولم يدره، عصفور من عصافير الجنة، فقال r: أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق الجنة، وخلق لها أهلا، وخلق النار، وخلق لها أهلا، خلقهم لها، وهم في أصلاب آبائهم).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2663)، و(2664)، وأبو داود في «سننه» (4713)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2085)، وفي «المجتبى» (1947)، وأحمد في «المسند» (25213)، و(23611)، ومعمر بن راشد الأزدي في «الجامع» (20095)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج2 ص410)، وابن ماجه في «سننه» (820)، وابن راهويه في «المسند» (1016)، و(1017)، والحميدي في «المسند» (267)، والفريابي في «القدر» (147)، والطيالسي في «المسند» (1679)، وابن حبان في «صحيحه» (138)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (ج3 ص905)، وفي «الاعتقاد» (ص74)، وفي «معرفة السنن» (7414)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص32 و33)، والآجري في «الأربعين» (ج2 ص824)، والثقفي في «الثقفيات» (ق/164/ط)، وأبو يعلى في «المسند» (4553)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1072)، و(1073)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (4515)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص53)، وابن المحب المقدسي في «صفات رب العالمين» (ج3 ص1307)، وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (1248) من طريق طلحة بن يحيى القرشي، والفضيل بن عمرو الفقيمي؛ كلاهما: عن عائشة بنت طلحة القرشية، عن عائشة أم المؤمنين ڤ به.
قال الحافظ ابن حبان / في «صحيحه» (ج1 ص349): (أراد النبي r؛ بقوله هذا: ترك التزكية، لأحد مات على الإسلام، ولئلا يشهد بالجنة لأحد، وإن عرف منه إتيان الطاعات، والانتهاء عن المزجورات، ليكون القوم أحرص على الخير، وأخوف من الرب، لا أن الصبي الطفل من المسلمين يخاف عليه النار). اهـ
وقال تعالى: ]وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير[ [الملك:10].
* فلو أنهم: انتفعوا بعقولهم، بمعرفة الخالق، ولم يعبدوا غيره، ولكنهم لم ينتفعوا، فعبدوا غيره من المخلوقات، فدل على كفرهم، وأنهم في النار، ويدخل معهم: «أهل الفترة» على العموم.
* ومما سبق ذكره من الأدلة من القرآن والسنة، تعلم خطأ من قال: أن: «أهل الفترة»، يمتحنون في عرصات القيامة، بنار يأمرهم الله تعالى: بدخولها، فمن دخلها كانت عليه بردا، وسلاما، ومن لم يدخلها: فقد عصى الله تعالى، فيدخله الله تعالى فيها!.
* وهذا قول مرجوح، وهو قول: الحافظ البيهقي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، والإمام ابن كثير، والحافظ ابن حجر، والإمام السيوطي، والإمام ابن حزم.
* واختاره العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والعلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، وغيرهم. ([218])
* وحكاه أبو الحسن الأشعري رحمه الله: في «مقالات الإسلاميين» (ص297)، عن أهل السنة والجماعة. ([219])
* واستدل هؤلاء الأئمة، على ما ذهبوا إليه، بأحاديث ضعيفة، في امتحان: «أهل الفترة»، لا يحتج بها في الدين، لما فيها من الضعف الشديد، والخطأ البعيد، وقد سبقت.
قلت: وبعد التأمل، والنظر في قول العلماء: الذين قالوا: أن: «أهل الفترة» يمتحنون يوم القيامة، وأنه اعتمدوا على الأحاديث الضعيفة في هذا الحكم.
* وليس عندهم من الأدلة المقنعة، ولا الحجة، ولا البرهان ما يدل على أن: «أهل الفترة» يمتحنون في الآخرة.
* وأما اعتراض الحافظ ابن كثير رحمه الله، على الحافظ ابن عبد البر رحمه الله، فليس: بصواب، لأنه اعترض عليه، بأحاديث، عامة: في الدنيا؛ مثل: فتنة الدجال في الدنيا، وامتحان بني إسرائيل: أن يقتلوا أنفسهم، كل ذلك: عقوبة لهم في الدنيا.
* والأدلة التي في الآخرة: ليس فيها، أي: تكليف مثل التكليف في الدنيا على الإجمال، والتفصيل، بل ظاهرها: يدل على الجزاء للكفار، مثل: عدم سجود الكفار، يوم يكشف عن ساق، والمرور على الصراط. ([220])
* فهذه الأدلة، ليس فيها التكليف المعروف في الدنيا، من فرض العبادات، وامتحان الخلق في العام، والخاص، فهذا ليس بتكليف، إلا في الجملة، والمقصود: التكليف في الدنيا.
* وقد أبعد النجعة الحافظ ابن كثير رحمه الله في «تفسير القرآن» (ج5 ص55)؛ بقوله: (والجواب: عمن قال: أن أحاديث هذا الباب؛ منها: ما هو صحيح، كما قد نص على ذلك كثير من أئمة العلماء! ([221])، ومنها: ما هو حسن، ومنها: ما هو ضعيف، يتقوى بالصحيح، والحسن!). اهـ
* كذلك؛ هذه الأحاديث التي احتج بها الحافظ ابن كثير رحمه الله، لا يحتج بها، لضعفها جملة وتفصيلا، من أن: «أهل الفترة»: يمتحنون في العرصات، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، فهذا ينافي الأهوال التي سوف تقع في عرصات يوم القيامة. ([222])
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الجزء النافع المبارك -إن شاء الله - سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا ... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة..................................................................................................... |
3 |
2) |
ذكر الدليل على ضعف الأحاديث في امتحان أهل الفترة يوم القيامة، وأنها كلها منكرة، وهي مخالفة لأصول القرآن، وأصول السنة، وأصول الإجماع، على أن الله تعالى جعل الامتحان، والتكليف على الخلق، فقط في الحياة الدنيا، وإنما في الحياة الآخرة ليس فيها؛ أي: امتحان، وتكليف، بل هو جزاء، وهو: المقر الأبدي، فإما إلى الجنة، وإما إلى النار، لذلك: لا يحتج بهذه الأحاديث في عالم الغيب؛ إلا بأدلة واضحة صحيحة في الدين........................................................................................................ |
13 |
([2]) ومن هنا يظهر للمسلم الحق مدى الفرق الشاسع بين أهل العلم، وبين أهل الجهل؛ لأنهم أبعد ما يكونوا عن تفقه هذا العلم الثاقب، وعن معرفة أصوله. اللهم غفرا.
انظر: «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص257).
([3]) ولا ينظر إلى شهرة الأحاديث والأحكام بين المسلمين بدون نظر في هذه الأحاديث، هل هي صحيحة، أو غير صحيحة، وإن صدرت من العلماء رحمهم الله تعالى، لأنهم بشر، ومن طبيعة البشر؛ يخطئون ويصيبون، فافهم هذا ترشد.
قال العلامة الشوكاني / في «نيل الأوطار» (ج1 ص15): (ما وقع التصريح ـ يعني: عن الحديث بصحته أو حسنه جاز العمل به، وما وقع التصريح بضعفه، لم يجز العمل به، وما أطلقوه، ولم يتكلموا عليه، ولا تكلم عليه غيرهم؛ لم يجز العمل به؛ إلا بعد البحث عن حاله، إن كان الباحث أهلا لذلك). اهـ
([4]) وهؤلاء المقلدة المتعصبة أكثرهم مقلدون لا يعرفون من الحديث إلا على أقله، ولا يكادون يميزون بين صحيحه من سقيمه، ولا يعرفون جيده من رديئه، ولا يعبئون بما يبلغهم منه أن يحتجوا به، والله المستعان.
قلت: وعلى هذا عادة أهل التقليد في كل زمان ومكان، ليس لهم إلا أراء الرجال أصابوا أم أخطئوا، إلا أن عذر العالم ليس عذرا لغيره إن تبين، أو بين له الحق، وقد وردت أقوال العلماء تؤكد هذا الشيء، وتبين موقفهم من تقليدهم، وأنهم تبرءوا من ذلك جملة، وهذا من كمال علمهم، وتقواهم حيث أشاروا بذلك إلى أنهم لم يحيطوا بالسنة كلها.
انظر: «هداية السلطان» للمعصومي (ص19)، ولكتابي: «الجوهر الفريد في نهي الأئمة الأربعة عن التقليد»، والله ولي التوفيق.
([10]) وانظر: «البرهان في أصول الفقه» للجويني (ج1 ص287)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج3 ص29)، و«نهاية السول في شرح منهاج الأصول» للإسنوي (ج1 ص123)، و«الإبهاج في شرح المنهاج» للسبكي (ج1 ص281)، و«الحاشية على أسنى المطالب» للرملي الكبير (ج4 ص282).
([12]) وانظر: «معرفة الرجال» لابن محرز (ج1 ص118)، و«الكامل في الضعفاء» لابن عدي (ج8 ص187)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص142)، و«تقريب التهذيب» لابن حجر (ص952)، و«تهذيب التهذيب» له (ج13 ص54).
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (ج8 ص184).
وإسناده صحيح.
وذكره المزي في «تهذيب الكمال» (ج28 ص142)، وابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج13 ص54).
([23]) انظر: «تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس» لابن حجر (ص146 و147)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج3 ص385)، و«معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص346)، و«التتبع» للدارقطني (ص262 و370)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص254)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج6 ص39).
([27]) فيرد بقرائن، واعتبارات، التي يعرفها أئمة هذا الشأن.
* فيعرف -مثلا- بهذه القرائن أن قتادة البصري، لم يسمع من الحسن البصري، هذا الحديث، خاصة أنه: سمع من الحسن البصري في الجملة، يعني: في بعض الأحاديث، وإن كان ثبتا في الحسن البصري، لكثرة إرساله عن شيوخه، فهذه قرينة قوية في رد عنعنة قتادة في هذه الأحاديث.
([29]) فشيوخ قتادة البصري؛ منهم: لم يسمع حديثهم، مع وجود المعاصرة، ومنهم: سمعهم، لكنه هناك: أحاديث، لم يسمعها من شيوخه الذين سمع بعض أحاديثهم.
* لأنه إما: أن يدلس عنهم، وإما أن يرسل عنهم، فيما لم يسمع منهم، فمثل هذه العنعنة، من قتادة ترد مطلقا، بسبب الانقطاع.
([30]) وانظر: «تحفة التحصيل» لأبي زرعة العراقي (ص262)، و«المراسيل» لابن أبي حاتم (ص168)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص254).
أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج9 ص228)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص209).
وإسناده صحيح.
([33]) وانظر: «مختصر علوم الحديث» لابن كثير (ص81)، و«الكفاية» للخطيب (ج1 ص97)، و(ج2 ص367 و402)، و«النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص614)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص256)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ص95)، و«فتح المغيث» للسنجاري (ج1 ص313)، و«الباعث الحثيث» لأحمد شاكر (ص83).
أخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص277)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج3 ص510).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج10 ص777).
([40]) انظر: «تاريخ الإسلام» للذهبي (ج7 ص49)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج3 ص160 و164).
([42]) وقد خالف في ذلك: الشيخ أحمد شاكر، فجزم: بسماع الحسن من الأسود بن سريع، في تخريجه: لكتاب: «جامع البيان» للطبري (ج1 ص137)؛ ولم يصب، وليس بشيء، لأنه اعتمد على رواية: المبارك بن فضالة، في تصريحه بالتحديث، والمبارك بن فضالة، ليس بحجة في ذلك، ولم يعتمد الإمام ابن المديني في «العلل» (ص107)؛ على المبارك بن فضالة في ذلك.
وانظر: «المعرفة والتاريخ» ليعقوب بن سفيان (ج2 ص54)، و«نصب الراية» للزيلعي (ج1 ص90)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164).
([43]) وانظر: «الثقات» لابن حبان (ج4 ص123)، و«تعريف أهل التقديس» لابن حجر (ص102)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص105)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج1 ص80).
([44]) وانظر: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج1 ص80)، و(ج4 ص86 و73 و572)، و(ج9 ص549)، و«ميزان الاعتدال» له (ج2 ص241 و244)، و«تاريخ الإسلام» له أيضا (ج7 ص49)، و«تذكرة الحفاظ» له أيضا (ج1 ص71)، و«تنقيح التحقيق» له أيضا (ج1 ص240).
أخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص239 و240)، والخطيب في «الكفاية» (ص549 و571)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج40 ص402)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص42).
وإسناده صحيح.
وذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (ج4 ص86).
([48]) وانظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج7 ص164)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج6 ص122)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج1 ص57).
([49]) انظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج7 ص164)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج6 ص122)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج1 ص57).
([51]) وهذا يظهر أن الحسن البصري، يصح وصفه: بـ«التدليس» أحيانا، إذا لم يصرح بالسماع، عمن عاصرهم، وسمع منهم.
([53]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص142)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج13 ص54)، و«تعريف أهل التقديس» له (ص102 و146)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164 و254)، و«تاريخ الإسلام» للذهبي (ج7 ص49)، و«سير أعلام النبلاء» له (ج1 ص80)، و«الثقات» لابن حبان (ج4 ص123).
([55]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص142)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج13 ص54)، و«تعريف أهل التقديس» له (ص102 و146)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164 و254)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج1 ص80)، و«تاريخ الإسلام» له (ج7 ص49)، و«الثقات» لابن حبان (ج4 ص123).
([57]) فاتفق: ابن المديني، ومحمد بن المثنى، وابن راهويه على حديث أبي هريرة، ورفعه، بهذا الإسناد، وهو غير محفوظ، بل هو معلول.
([58]) وانظر: «معرفة الرجال» لابن محرز (ج1 ص118)، و«الكامل في الضعفاء» لابن عدي (ج8 ص187)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص142)، و«تقريب التهذيب» لابن حجر (ص952)، و«تهذيب التهذيب» له (ج13 ص54).
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (ج8 ص184).
وإسناده صحيح.
وذكره المزي في «تهذيب الكمال» (ج28 ص142)، وابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج13 ص54).
([68]) انظر: «تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس» لابن حجر (ص146 و147)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج3 ص385)، و«معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص346)، و«التتبع» للدارقطني (ص262 و370)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص254)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج6 ص39).
([73]) انظر: «تاريخ الإسلام» للذهبي (ج7 ص49)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج3 ص160 و164).
([75]) وقد خالف في ذلك: الشيخ أحمد شاكر، فجزم: بسماع الحسن من الأسود بن سريع، في تخريجه: لكتاب: «جامع البيان» للطبري (ج1 ص137)؛ ولم يصب، وليس بشيء، لأنه اعتمد على رواية: المبارك بن فضالة، في تصريحه بالتحديث، والمبارك بن فضالة، ليس بحجة في ذلك، ولم يعتمد الإمام ابن المديني في «العلل» (ص107)؛ على المبارك بن فضالة في ذلك.
وانظر: «المعرفة والتاريخ» ليعقوب بن سفيان (ج2 ص54)، و«نصب الراية» للزيلعي (ج1 ص90)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164).
([76]) وانظر: «الثقات» لابن حبان (ج4 ص123)، و«تعريف أهل التقديس» لابن حجر (ص102)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص105)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج1 ص80).
([77]) وانظر: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج1 ص80)، و(ج4 ص86 و73 و572)، و(ج9 ص549)، و«ميزان الاعتدال» له (ج2 ص241 و244)، و«تاريخ الإسلام» له أيضا (ج7 ص49)، و«تذكرة الحفاظ» له أيضا (ج1 ص71)، و«تنقيح التحقيق» له أيضا (ج1 ص240).
([79]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص142)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج13 ص54)، و«تعريف أهل التقديس» له (ص102 و146)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164 و254)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج1 ص80).
([80]) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 139 و142)، و«تحفة التحصيل» لأبي زرعة العراقي (ص262)، و«جامع التحصيل في أحكام المراسيل» للعلائي (ص255).
([81]) انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج9 ص402)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج20 ص434)، و«الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج9 ص251)، و«العلل ومعرفة الرجال» لأحمد (ج2 ص48)، و«الضعفاء» للعقيلي (ج4 ص250)، و«التاريخ» للدارمي (ص141)، و«التاريخ الكبير» لابن أبي خيثمة (ج1 ص491)، و«تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج4 ص501)، و«الأسامي والكنى» لأبي أحمد الحاكم (ج3 ص276)، و«أحوال الرجال» للجوزجاني (ص194)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج6 ص187).
([82]) وانظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي (ج1 ص590)، و«المغني في الضعفاء» له (ج1 ص189)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج3 ص11).
([85]) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص18)، و«تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل» لأبي زرعة العراقي (ص19)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج2 ص233)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص142).
([88]) وانظر: «الضعفاء والمتروكين» للبخاري (ص440)، و«العلل الكبير» للترمذي (ص418)، و«العلل ومعرفة الرجال» لأحمد (ج2 ص379)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج24 ص283).
([92]) انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج10 ص240 و241)، و«الأسامي والكنى» للحاكم (ج3 ص223 و224)، و«التاريخ الكبير» للبخاري (ج6 ص380)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج6 ص267)، و«المعرفة والتاريخ» للفسوي (ج3 ص66)، و«السنن» للترمذي (ج4 ص571)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص186)، و«الضعفاء والمتروكين» للدارقطني (ص305).
([93]) وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج5 ص75)، و«تقريب التهذيب» له (ص479)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج21 ص128).
([98]) لم يدرك: معاذ بن جبل، وأبا عبيدة بن الجراح، لأن أبا إدريس الخولاني، كان هو ابن عشر سنين تقريبا.
([101]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج9 ص261)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج4 ص405)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج3 ص517)، و«السنن الكبرى» للنسائي (2884).
([105]) وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج5 ص103)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج2 ص376)، و«المغني في الضعفاء» له (ج1 ص327)، و«الكاشف» له أيضا (ج2 ص62)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص298).
([106]) وانظر: «الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج1 ص99)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج8 ص50)، و«ديوان الضعفاء» له (ص27)، و«الضعفاء والمتروكين» للبخاري (ص414)، و«التاريخ الأوسط» له (ج4 ص936)، و«لسان الميزان» لابن حجر (ج2 ص41)، و«الضعفاء» للعقيلي (ج1 ص103).
([107]) قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص128): (من الناس من يوقف؛ هذا الحديث على أبي سعيد، ولا يرفعه، منهم: أبو نعيم الملائي). اهـ
([109]) انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج7 ص224)، و«العواصم والقواصم» لابن الوزير (ج7 ص256)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص301)، و«الكاشف» للذهبي (ج2 ص269)، و«ميزان الاعتدال» له (ج3 ص79)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج20 ص147)، و«العلل ومعرفة الرجال» لأحمد (ج1 ص548 و549).
([114]) وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج12 ص260)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص268)، و«تحفة التحصيل» لأبي زرعة العراقي (ص286)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج5 ص66).
([117]) وأخرجه البزار في «المسند» (472)، والطبراني في «الدعاء» (1013)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (351)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (623).
([119]) انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج6 ص757 و758)، و«الإصابة» له (ج3 ص60)، و«الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج7 ص164)، و«معرفة الثقات» للعجلي (ج2 ص37)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج5 ص80)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج15 ص84)، و«الكمال في أسماء الرجال» للمقدسي (ج2 ص381)، و(ج6 ص188)، و«السنن الكبرى» للنسائي (ج7 ص129)، و(ج9 ص234 و235).
([120]) وأخرجه البزار في «المسند» (472)، والطبراني في «الدعاء» (1013)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (351)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (623).
([121]) وانظر: «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص654)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج8 ص404)، و«المنهاج في شعب الإيمان» للحليمي (ج1 ص159)، و«التذكرة بأحوال الموتى» للقرطبي (ج3 ص1041)، و«العواصم والقواصم» لابن الوزير (ج7 ص257).
([122]) وانظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (ج8 ص404)، و«المنهاج في شعب الإيمان» للحليمي (ج1 ص160)، و«التذكرة» للقرطبي (ص595).
([123]) وانظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (ج8 ص404)، و«المنهاج في شعب الإيمان» للحليمي (ج1 ص159)، و«التذكرة» للقرطبي (ص595).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص93).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج14 ص157).
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص255)، والطبري في «جامع البيان» (ج22 ص93).
وإسناده صحيح.
([128]) وانظر: «تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج4 ص23)، و«جامع البيان» للطبري (ج21 ص154)، و«تفسير القرآن» للبستي (ص349).
([130]) وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج2 ص135)، و«جمع الجوامع» للسبكي (ج1 ص63)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج6 ص103)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص156)، و«مسالك الحنفا في والدي المصطفى » للسيوطي (ج2 ص409 و412)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص205).
([131]) انظر: «تهذيب اللغة» للأزهري (ج5 ص4)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص43)، و«الصحاح» للجوهري (ج2 ص777)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص205).
([133]) انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص44)، و«الصحاح» للجوهري (ج2 ص777)، و«هدي الساري» لابن حجر (ص165)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج7 ص317)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص208)، و«الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص409 و412).
([134]) انظر: «إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج1 ص370)، و«الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص198)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج7 ص317)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص208).
([136]) وهذا مثل: الزمان الذي نحن فيه، فإن الرسول ﷺ قد أرسل في الزمن الذي من قبلنا، وهي فترة في انقطاع الوحي، وقد قامت الحجة على الناس في هذا الزمان، وبلغتهم الرسالة، مع وجود بقايا من أهل العلم في هذا الزمان، ينصحون الناس في زمن الفترة، إلى قيام الساعة، فلا عذر لأحد وقع في الشرك الأكبر، بسبب جهله، وغفلته.
([138]) مثل: «زيد بن عمرو بن نفيل»، فإنه وحد الله تعالى، ولم يشرك وكان يعبد الله تعالى على دين إبراهيم عليه السلام، ومات عليه، في زمن الفترة، بين عيسى عليه السلام، وبين محمد عليه السلام.
وانظر: «الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص412 و413)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج2 ص337)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج7 ص147).
([139]) مثل: «عمرو بن لحي الخزاعي»، فإنه أول من غير دين إسماعيل، وأشرك، في زمن الفترة، بين عيسى عليه السلام، وبين محمد عليه السلام.
وانظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج17 ص188)، و«الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص413)، و«السيرة النبوية» لابن هشام (ج1 ص76).
([141]) فهم: يدخلون في عموم النصوص الني أوردناها، وأن الحجة قامت عليهم.
قال تعالى: ]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[ [الأنبياء:107].
وقال تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:69].
([145]) قلت: الدعوة بلغت الذين قبل بعثة الرسول ﷺ، وبعد بعثته ﷺ، وقامت الحجة على الخلق إلى قيام الساعة، فلا عذر لأحد بأحكام الدين.
([148]) وانظر: «الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص412)، و«السيرة النبوية» لابن هشام (ج1 ص76)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج2 ص190 و217).
([149]) وانظر: «الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص421)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج2 ص190 و217)، و«السيرة النبوية» لابن هشام (ج1 ص77).
([150]) العلات: بفتح المهملة: الضرائر، وأصله أن من تزوج امرأة، ثم تزوج أخرى، كأنه عل منها، والعلل: الشرب بعد الشرب.
* وأولاد العلات: الأخوة من الأب، وأمهاتهم: شتى.
انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج6 ص489)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج15 ص119).
([151]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (60)، ومسلم في «صحيحه» (143)، و(144)، وأبو داود في «سننه» (4675)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص319 و406 و437)، والطيالسي في «المسند» (2575).
([152]) وانظر: «نظم الدرر» للبقاعي (ج6 ص69)، و(ج11 ص388)، و(ج16 ص332)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج3 ص79)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج3 ص475)، و«الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد» للشيخ عبد الرحمن بن عبد الحميد (ص11 و23).
([154]) وكل فرد في الدنيا، جاءه رسول، وثبت ذلك في النصوص، فلو جمعت، لرأيت بينها، تناسقا، وتوافقا، لأن السنة مفسرة للقرآن، وموضحة له، والنصوص في جملتها يصدق بعضها بعضا، وأضف إليها تفسيرات السلف، حتى يتبين لك القطع الصحيح في هذه المسألة.
([155]) وانظر: «المعجم الوسيط» (ج1 ص141)، و«تيسير التحرير» لأمير بادشاه (ج2 ص420)، و«كشف الأسرار» للبخاري (ج4 ص1384)، و«الشرح الممتع» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص12 و13)، و«شرح مختصر التحرير» له (ص 360 و375 و429 و439)، و«التعليق على صحيح البخاري» له أيضا (ج11 ص642 و643)، و«عون المعبود» للآبادي (ج12 ص74)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج10 ص372 و373)، و«الملخص الفقهي» للشيخ الفوزان (ج1 ص363)، و«الروض المربع» للبهوتي (ج1 ص121)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج9 ص247 و249 و253)، و«المدونة الكبرى» لمالك (ج2 ص78 و79)، و«الأم» للشافعي (ج5 ص318 و364 و365)، و«المبسوط» للسرخسي (ج6 ص202).
([157]) وانظر: «كشف الأسرار» للبخاري (ج4 ص1394)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص412)، و«المعجم الوسيط» (ج2 ص589).
([158]) وانظر: «الأحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج1 ص78)، و«مرآة الأصول في شرح مرقاة الوصول» لملا خسرو (ص359)، و«الأم» للشافعي (ج6 ص148)، و«المحلى بالآثار» لابن حزم (ج11 ص188)، و«الإنصاف» للمرداوي (ج1 ص330).
([159]) فالشرع: لم يكلفه هذا الامتحان في الدنيا، فكيف نكلفه به يوم القيامة: ] إن هذا لشيء عجاب[ [ص:5].
([160]) وانظر: «التلويح على شرح التوضيح، لمتن التنقيح» للتفتازاني (ج2 ص312)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج9 ص247 و249 و253)، و«المدونة الكبرى» لمالك (ج2 ص78 و79)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ص31)، و«فواتح الرحموت على مسلم الثبوت» للأنصاري (ج1 ص155)، و«اللمع في أصول الفقه» للشيرازي (ص11)، و«المجموع» للنووي (ج6 ص255)، و«الحاوي الكبير» للماوردي (ج3 ص463)، و«الخلافيات» للبيهقي (ج5 ص82)، و«شرح مختصر التحرير» لشيخنا ابن عثيمين (ص360 و375)، و«الشرح الممتع» له (ج2 ص13)، و«التعليق على صحيح البخاري» له أيضا (ج11 ص642 و643)، و«الأم» للشافعي (ج5 ص364 و365)، و«عون المعبود» للآبادي (ج12 ص74)، و«معالم السنن» للخطابي (ج3 ص267)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج10 ص372 و373)، و«الروض المربع» للبهوتي (ج1 ص121).
([161]) فكيف: هؤلاء يكلفون يوم القيامة بامتحانهم، وهم رفع عنهم القلم، فلا يؤاخذون بشيء في الدنيا، ولا في الآخرة.
([166]) يعني: شعر العانة، كأنه علامة البلوغ في الظاهر، فاعتمدوا عليها.
انظر: «كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه» للسندي (ص972).
([167]) وانظر: «المحلى بالآثار» لابن حزم (ج2 ص192)، و«عون المعبود» للآبادي (ج12 ص74)، و«معالم السنن» للخطابي (ج3 ص267)، و«المدونة الكبرى» لمالك (ج2 ص78 و79)، و«الأم» للشافعي (ج5 ص318)، و«المبسوط» للسرخسي (ج6 ص202)، و«شرح مختصر التحرير» لشيخنا ابن عثيمين (ص360 و375 و429 و439)، و«الشرح الممتع» له (ج2 ص12 و13)، و«التعليق على صحيح البخاري» له أيضا (ج11 ص642 و643)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج10 ص372 و373)، و«الملخص الفقهي» للشيخ الفوزان (ج1 ص363)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج9 ص249 و247 و253).
([169]) وانظر: «المستصفى في علم الأصول» للغزالي (ج1 ص83)، و«تنقيح الفصول» للقرافي (ص38)، و«الخلافيات» للبيهقي (ج5 ص82)، و«المجموع» للنووي (ج6 ص255)، و«الحاوي الكبير» للماوردي (ج3 ص463)، و«المحلى بالآثار» لابن حزم (ج6 ص272 و273 و369)، و«الملخص الفقهي» للشيخ الفوزان (ج1 ص263)، و«شرح مختصر التحرير» لشيخنا ابن عثيمين (ص429 و431 و432)، و«الشرح الممتع» له (ج2 ص12 و13)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج10 ص372 و373).
([170]) فإنه يشترط في مخاطبة المرء به: البلوغ والعقل، لأن قواعد الشرع تقتضي عدم معاقبة؛ من لم يقصد المفسدة، ولم يشعر بها.
([171]) قلت: ومما يقتضيه حال الصغير في هذه الحالة: هو أن يكون له: ولي أمر، أو وصي: يقوم مقامه في إدارة حياته.
([173]) وانظر: «الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج10 ص372 و373)، و«الروض المربع» للبهوتي (ج1 ص121)، و«الملخص الفقهي» للشيخ الفوزان (ج1 ص263)، و«شرح مختصر التحرير» لشيخنا ابن عثيمين (ص360 و375)، و«الشرح الممتع» له (ج2 ص13)، و«التعليق على صحيح البخاري» له أيضا (ج11 ص642 و643)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج9 ص247)، و«المدونة الكبرى» لمالك (ج2 ص79)، و«الأم» للشافعي (ج5 ص364 و365)، و«المبسوط» للسرخسي (ج6 ص202).
([174]) قلت: فالجنون: إذن له تأثير على أهلية الأداء، لفقدان التمييز.
* فالمجنون: لا يؤاخذ بشيء في الشرع.
([175]) وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص63)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج4 ص204)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج5 ص35)، و«المغني» لابن قدامة (ج4 ص514).
([177]) وانظر: «ذخيرة العقبى في شرح المجتبى» للشيخ علي بن آدم (ج1 ص224 و227 و229)، و«زهرة الربى على المجتبى» للسيوطي (ج1 ص14)، و«طرح التثريب» للعراقي (ج1 ص75)، و«المجموع» للنووي (ج1 ص284)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج14 ص30).
([178]) وانظر: «العين» للخليل (ج7 ص418)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص55 و58)، و«المصباح المنير» للفيومي (ج2 ص476 و477)، و«جامع البيان» للطبري (ج11 ص283)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج3 ص2802)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ص481).
([179]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج4 ص245 و247)، و«درء تعارض العقل والنقل» له (ج8 ص367 و371 و373)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص72)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص248)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص535)، و«شفاء العليل» له (ص285)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج14 ص26)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص193)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج3 ص2805)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص386).
([180]) قلت: رغم أن الحجة تقوم على العباد، بحجة: «الميثاق»، و«الفطرة» التي فطروا عليها، والآيات العظام، التي أودعها الله في هذا الكون والآفاق، من آيات بينات باهرات، الدالة على وحدانيته سبحانه وتعالى، إلا أن رحمة الله تعالى على العباد أن أرسل إليهم: الرسل عليهم السلام، لتذكيرهم، ونذارتهم، وتعليمهم، وذلك لتأكيد قيام الحجة عليهم في الجملة، وفي التفصيل.
([181]) حديث حسن، وهو موافق للأصول في الفطرة على الربوبية.
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج6 ص94)، وفي «العلل الكبير» (ج2 ص917)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج3 ص1)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص423 و424)، وابن أبي عاصم في «السنة» (2355)، والطبراني في «المعجم الكبير» (3551)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج12 ص367 و368)، والبزار في «المسند» (3579).
وقال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من غير هذا الوجه».
وانظر: «تحفة الأشراف» للمزي (ج8 ص175)، و«تهذيب الكمال» له (ج12 ص367).
([182]) والفطرة: هي ضرورة من ناحية العقل، واستدلال من ناحية الحس.
* فإن العقل السليم من الآفة، البريء من العاهة، يحث على الاعتراف بالله تعالى وحده لا شريك له.
* فالله تعالى: معروف عند العقل بالاضطرار، لا ريب عنده في وجوده، ومستدل عليه عند الحس.
وانظر: «محاسن التأويل» للقاسمي (ج7 ص299).
([183]) وانظر: «لباب التأويل في معاني التنزيل» للخازن البغدادي (ج2ص611)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص90 و91)، و«التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبي (ج3 ص1044)، و«روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص141)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص359 و360)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسنجاري (ص314)، و«تهذيب السنن» لابن القيم (ج12 ص316 و319)، و«فتح الباري» لابن حجر (ص292 و293)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص73 و95).
([187]) وانظر: «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص261)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسنجاري (ص313)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (ج4 ص373)، و«غريب الحديث» للحربي (ج1 ص11)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص73)، و«الاستذكار» له (ج3 ص101)، و«مشكل الآثار» للطحاوي (ج4 ص11)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج14 ص319)، و«الحجة» للأصبهاني (ج2 ص41)، و«التحرير في شرح مسلم» له (ص604)، و«شرح صحيح البخاري» له أيضا (ج3 ص283)، و«أعلام الحديث» للخطابي (ج1 ص716)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص359)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص250).
([197]) وانظر: «الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص412)، و«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» لابن الجوزي (ج2 ص232)، و«السيرة النبوية» لابن إسحاق (ج1 ص77)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج2 ص189 و190).
([198]) وكانت العرب على دين إبراهيم عليه السلام، إلى أن بدل: «عمرو بن لحي الخزاعي»، دينهم الصحيح، إلى عبادة الأصنام.
وانظر: «الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص421).
([201]) وانظر: «المحرر الوجيز» لابن عطية (ج7 ص234)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج12 ص321)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج3 ص773)، و«تفسير القرآن» ليحيى بن سلام (ج2 ص799).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص150).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج12 ص321).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج13 ص177).
وإسناده حسن.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج12 ص322).
([206]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (3334)، و(6557)، ومسلم في «صحيحه» (2805)، وأحمد في «المسند» (ج19 ص302)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج8 ص239).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص559)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص93)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص720)، والآلكائي في «الاعتقاد» (880)، وأبو داود في «سننه» (4716)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص334)، وفي «القضاء والقدر» (606).
وإسناده صحيح.
وذكره أبو القاسم الأصبهاني في «شرح صحيح البخاري» (ج3 ص283).
([210]) وانظر: «الروح» لابن القيم (ج2 ص476)، و«التفسير البسيط» للواحدي (ج9 ص448)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([211]) وانظر: «لباب التأويل» للخازن (ج2 ص610)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج4 ص534)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج4 ص225)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص474)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302 و303).
([212]) وانظر: «التفسير البسيط» للواحدي (ج9 ص449)، و«تفسير القرآن» للخازن (ج2 ص268)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص479).
([213]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (2865)، والنسائي في «فضائل القرآن» (ص104)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص162 و266)، والطيالسي في «المسند» (1079).
([214]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص73)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج3 ص71)، و(ج7 ص400)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص531).
([215]) فأخذ سبحانه منهم: الميثاق، أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن تيمية (ج3 ص222)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص564 و565)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص527 و528)، و«الكلام في مسألة السماع» له (ص383 و385).
([217]) أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص162 و266)، ومسلم في «صحيحه» (ج5 ص716)، وأبو داود الطيالسي في «المسند» (1079)، والنسائي في «فضائل القرآن» (ص104).
([218]) وانظر: «الاعتقاد» للبيهقي (ص70)، و«البدور السافرة» للسيوطي (ص302)، و«السبل الجلية» له (ص266)، و«الدرج المنيفة» له أيضا (ص87)، و«الجواب الصحيح» لابن تيمية (ج1 ص312)، و«طريق الهجرتين» لابن القيم (ص689)، و«أحكام أهل الذمة» له (ج2 ص648)، و«مدارج السالكين» له أيضا (ج1 ص188 و189)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص35)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص445)، و«الفصل في الملل» لابن حزم (ج4 ص74)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج3 ص483)، و«الفتاوى» للشيخ إبراهيم آل الشيخ (ص246)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج3 ص163 و164).
([219]) وقد أخطأ في ذلك، بل أهل السنة والجماعة؛ وهم: الصحابة والسلف وغيرهم: على خلاف هذا القول، ولم يقل به؛ إلا بعض المتأخرين، كما بينا.
([220]) وانظر: «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص401)، و«الفتاوى» له (ج24 ص372 و373)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص648 و650)، و«الاعتقاد» للبيهقي (ص112)، و«الإبانة» للأشعري (ص20 و78).
([221]) لم أر هذه الكثرة عن الأئمة، بل رأيت السلف، والأئمة خلاف ذلك، ولم يحتجوا بهذه الأحاديث، في امتحان: «أهل الفترة»، وغيرهم يوم القيامة.
* وهذه نسخة: لـ«تفسير القرآن» لابن كثير، فيها النص المذكور أعلاه.
وهناك نسخ أخرى، يظهر فيها: نص ابن كثير في «تفسير القرآن»، وهو قوله: (كما قد نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء). وهذا النص، هو الصحيح.
وهذا يدل على أن الذين قالوا، بخلاف قول السلف، في مسألة: «امتحان أهل الفترة»، هم قليلون.