الرئيسية / سلسلة ينابيع الآبار في تخريج الآثار / جزء فيه تخريج الأحاديث والآثار التي تبين وقت إفطار الصائم، ووقت صلاة المغرب والشمس طالعة
جزء فيه تخريج الأحاديث والآثار التي تبين وقت إفطار الصائم، ووقت صلاة المغرب والشمس طالعة
|
جزء فيه
تخريج الأحاديث والآثار
التي تبين
وقت إفطار الصائم، ووقت صلاة المغرب والشمس طالعة
تأليف
العلامة الشيخ فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري
غفر الله له، ولشيخه، وللمسلمين
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ] فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض[ [الرعد: 17]
وحسبنا الله ونعم الوكيل
ذكر الدليل من السنة والآثار
على سنية إفطار الصائم والشمس طالعة،
وتأدية صلاة المغرب والشمس ظاهرة
1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (في قوله تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال [ [الكهف: 17]؛ قال: تميل عنهم، وفي قوله: ]تقرضهم[ قال: تذرهم).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص235)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص185)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج9 ص507-الدر المنثور) من طريق معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص507)، وفي «الاتقان» (ج2 ص25)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص143).
2) وعن مجاهد / قال: (في قوله: ]تقرضهم [ [الكهف: 17]؛ قال: تتركهم ذات الشمال).
أثر صحيح
أخرجه آدم بن إياس في «تفسير القرآن» (ص446)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص507-الدر المنثور)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص212)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2352)، والفريابي في «تفسير القرآن» (ج8 ص406-الفتح)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج9 ص507-الدر المنثور)، والبخاري في «صحيحه» تعليقا (ج8 ص406)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج4 ص243) من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص212) من طريق حجاج عن ابن جريج عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص507)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص143)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج8 ص406).
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج5 ص143): (هذا دليل على أن باب هذا الكهف من نحو الشمال؛ لأنه تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه ]ذات اليمين [أي: يتقلص الفيء يمنة ... وقوله تعالى: ]تزاور[؛ أي: تميل ... ولو كان من ناحية القبلة لما دخل منها شيء عند الطلوع ولا عند الغروب). اهـ
3) وعن قتادة / قال: (في قوله تعالى: ]تزاور عن كهفهم ذات اليمين[ [الكهف: 17] , قال: تميل عن كهفهم ذات اليمين).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص400)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص211) من طريق معمر، وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
4) وعن قتادة / قال: (في قوله تعالى: ]تقرضهم ذات الشمال[ [الكهف: 17], قال: تدعهم ذات الشمال).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص400)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص211) من طريق معمر، وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
5) وعن سعيد بن جبير / قال: (في قوله تعالى: ]تزاور عن كهفهم[ [الكهف: 17] تميل).
أثر حسن
أخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص211 و212) من طريق محمد بن مسلم عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير به.
قلت: وهذا سنده حسن.
6) وعن سعيد بن جبير / قال: (في قوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم [ [الكهف: 17]؛ قال: تتركهم ذات الشمال).
أثر حسن
أخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص212) من طريق محمد بن مسلم عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فإذا طلعت الشمس مالت عن كهفهم ذات اليمين؛ يعني: يمين الكهف، وإذا غربت تمر بهم ذات الشمال؛ يعني: شمال الكهف لا تصيبه ... فتميل عنهم الشمس طالعة، وغاربة، لا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرها، وتغير ألوانهم، وهم كانوا في متسع من الكهف، ينالهم فيه برد الريح، ونسيم الهواء.
قال تعالى: ]وهم في فجوة منه [ [الكهف: 17]؛ أي: من الكهف، والفجوة: متسع في مكان.([1])
قال المفسر الثعلبي / في «الكشف والبيان» (ج6 ص159): (قوله تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا [ [الكهف: 17]؛ أي: تتزاور ... تميل عنهم الشمس طالعة وغاربة وجارية). اهـ
قال المفسر الواحدي / في «الوسيط» (ج3 ص139): (قوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم [ [الكهف: 17]؛ أي: تعدل عنهم وتتركهم ... وتميل عنهم الشمس طالعة وغاربة). اهـ
وقال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج3 ص159): (]وترى الشمس إذا طلعت تزاور [ [الكهف: 17]؛ أي: تميل وتعدل([2]) ... ]وإذا غربت تقرضهم[؛ أي: تتركهم وتعدل عنهم ... فلا تقع الشمس عليهم عند الطلوع، ولا عند الغروب، ولا عند الاستواء). اهـ
وقال المفسر ابن جرير / في «جامع البيان» (ج3 ص262)؛ عن غروب الشمس: (كما أن آخر النهار ابتداء غروبها دون أن يتتام غروبها). اهـ
والشاهد: قوله: (دون أن يتتام غروبها)، وهذا يدل أنها لم تغرب بالكلية، فقد بقي منها شيء لم يتم سقوط قرص الشمس كله، وهذا قول في لغة العرب.
قال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص82): (وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه؛ لسان النبي r). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص87): (فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها، على ما تعرف من معانيها). اهـ
7) وعن أبي العالية /؛ أنه قال في الوصال في الصيام، قال: (قال الله تبارك وتعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187] وإذا جاء الليل فهو مفطر، ثم إن شاء صام وإن شاء ترك).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص134)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص264).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج3 ص134).
قال الفقيه ابن رشد / في «بداية المجتهد» (ج1 ص337): (وأما التي تتعلق بزمان الإمساك؛ فإنهم اتفقوا على أن آخره غيبوبة الشمس، لقوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]). اهـ
وقال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج3 ص118): (]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187] أي: صوم كل يوم إلى الليل؛ أي: إلى ظهور الظلمة من قبل المشرق، وذلك بغروب الشمس، وكلمة «إلى» تفيد أن الإفطار عند غروب الشمس). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «أحكام القرآن» (ج1 ص453): (فدل ما ذكرنا على أن الدخول في الصيام من طلوع الفجر، وعلى أن الخروج منه بدخول الليل، وكان قوله عز وجل: ]إلى الليل[؛ غاية لم يدخلها في الصيام بما بين لنا على لسان رسول الله). اهـ
8) وعن عبد الله بن أبي أوفى t، قال: كنا مع رسول الله r في سفر وهو صائم، فلما غربت الشمس، قال لبعض القوم: يا فلان، قم فاجدح لنا، فقال: يا رسول الله، لو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله، فلو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: إن عليك نهارا، قال: انزل فاجدح لنا، فنزل فجدح لهم، فشرب النبي r ثم قال: (إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا، فقد أفطر الصائم). وفي رواية: (إذا غابت الشمس من هاهنا، وجاء الليل من هاهنا([3]) فقد أفطر الصائم)، وفي رواية: (وأمر بلالا)، وفي رواية: (قال: يا رسول الله الشمس، قال: انزل فاجدح لي)، وفي رواية: (لو انتظرت حتى تمسي، قال انزل فاجدح لنا).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1955 و1958 و2941)، ومسلم في «صحيحه» (1101)، وأحمد في «المسند» (19395)، و(19399)، أبو داود في «سننه» (2352)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3297)، وابن حبان في «صحيحه» (3511)، و(3512)، والحميدي في «المسند» (ج2 ص312)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص590) من طرق عن سليمان الشيباني قال: سمعت عبدالله بن أبي أوفى t فذكره.
قلت: فالنبي r لم ينظر إلى وجود قرص الشمس نظرا تاما، لذلك أعرض r عن قول بلال حين قال: «يا رسول الله الشمس»، واعتبر r غيبوبة الشمس، مع أنها لم تغب كلها في الأرض([4])، والله المستعان.
قال الفقيه ابن العربي / في «القبس» (ج2 ص479)؛ معلقا على الحديث: (فأنكر الرجل سرعة الفطر، فأعلمه النبي r أن ذلك هو الحق!). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (قوله فاجدح بالجيم ثم الحاء المهملة والجدح تحريك السويق ونحوه بالماء بعود يقال له المجدح مجنح الرأس وزعم الداودي أن معنى قوله اجدح لي أي احلب وغلطوه في ذلك قوله إن عليك نهارا يحتمل أن يكون المذكور كان يرى كثرة الضوء من شدة الصحو فيظن أن الشمس لم تغرب ويقول لعلها غطاها شيء من جبل ونحوه أو كان هناك غيم فلم يتحقق غروب الشمس وأما قول الراوي وغربت الشمس فإخبار منه بما في نفس الأمر وإلا فلو تحقق الصحابي أن الشمس غربت ما توقف لأنه حينئذ يكون معاندا وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة). اهـ
قلت: وهذا كله يدل على شدة تعجيل النبي r للإفطار.
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وموضع الدلالة منه ما يشعر به سياقه من مراجعة الرجل له بكون الشمس لم تغرب في جواب طلبه لما يشير به فهو ظاهر في أنه كان r صائما). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن حصول الغروب لا يلزم منه أن يتحقق غروب قرص الشمس بالكلية، أي: أن قرص الشمس لم يغب بالكلية، بل يرى عيانا، وهذا يسمى غروبا عند العرب، لأن لا عبرة بنهاية الشمس في جهة المغرب بخمس دقائق عن الأرض، فافطن لهذا.
قال الـعلامـة أبـو عبد الرحـمـن الـعـظـيم آبـادي / في «عون المعبود» (ج6 ص478): (قوله r: (إذا جاء الليل من هاهنا): أي: من جهة المشرق، وقوله r: (وذهب النهار من هاهنا)؛ أي: من جهة المغرب). اهـ
قلت: ووجه الدلالة أن النبي لما تحقق عنده غروب الشمس، أي: نهايتها، _ وإن كان قرص الشمس يرى _ لم يطلب مزيدا على ذلك، ولا التفت إلى موافقة من عنده من الصحابة الكرام على ذلك؛ بقوله: (يا رسول الله الشمس، فقال r له: انزل فاجدح لي، فنزل فجدح له([5]) فشرب!)، فلو كان يجب الإمساك حين غياب قرص الشمس بالكلية لفعل ذلك، فعتبر r أن ذلك غروبا، بقوله r: (وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)؛ أي: دخل في وقت الفطر.
9) وعن عبد الله بن أبي أوفى، قال: (كنا مع النبي r في سفر، فقال لرجل من القوم: انزل فاجدح لي بشيء وهو صائم، فقال: الشمس يا رسول الله! قال: انزل فاجدح لي، قال: فنزل فجدح له فشرب، وقال: ولو ترآها([6]) أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس، ثم أشار النبي r بيده إلى المشرق، قال: إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا، فقد أفطر الصائم).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن عبدالله بن أبي أوفى t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الشيخ الألباني / في «مختصر صحيح البخاري» (ج1 ص571): (زاد عبد الرزاق (4/226/7594): (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني: الشمس)، وسنده صحيح على شرط الشيخين).
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج3 ص412) وأقره؛ برواية ابن عيينة عن الشيباني عن ابن أبي أوفى t وفيه: (قال: فلو نزا أحد على بعيره لرآها؛ (يعني: الشمس)، ثم أشار النبي r بيده قبل المشرق).
قلت: وهذا الحديث يدل على أن النبي r أفطر مع وجود قرص الشمس لم يغيب كله، وشدة ضيائها، لقوله: (يا رسول الله الشمس)، وقوله: (إن عليك نهارا)، وقوله: (ولو تراآها احد على بعيره لرآها؛ يعني الشمس!)، مع أنه قال: (لما غابت الشمس)، فهذا يسمى عند العرب غروبا، وهو نهاية الشمس([7])، فافطن لهذا ترشد.
قلت: وهذا الحديث يدل على أن الرسول r أفطر على أمر غير معتاد لبلال بن رباح t، وهو إفطاره r مع وجود قرص الشمس، وأن المعتاد عند بلال t هو إفطار النبي r مع مغيب قرص الشمس بالكلية([8])، فأراد النبي r أن يعلم الصحابة الكرام y أن تعجيل الفطر بهذا المستوى من الشمس من الدين، وهذا من باب التيسير على الأمة، وهو موافق لأصول من أصول الشريعة الغراء: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185]، وقد عمل بذلك الصحابة الكرام، وهم أعلم الناس بأحكام الشريعة المطهرة.([9])
قلت: وهنا يريد الصحابي أن يفسر الحديث المجمل في ألفاظه؛ بقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس)([10])، ويبين حكم غروب الشمس بهذا المستوى، وأن تفسير الصحابي الحاضر في موقع الحادثة مع النبي r أولى من غيره ممن لم يكن حاضرا مع النبي r، وهذا فيه رد على من فسر طلوع الشمس بالحمرة في الأفق: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
قلت: وهذا يدل أيضا على أن الأرض كانت غير مستوية؛ ليرى الناظر الشمس بوقوفه على قدمه، بل لابد أن يحتاج الناظر إلى أرض مرتفعة ليراها([11])؛ لقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس)، فافطن لهذا.
قلت: وأضف إليه قول بلال بن رباح t: (الشمس يا رسول الله!)، وقوله: (إن عليك نهارا)([12])، وأنه إذا وجد النهار لابد أن توجد الشمس طالعة في الأفق، والصحابة الكرام y هم عرب، ويتكلمون باللغة العربية، ويعرفون حقيقة النهار ووجوده، ويكون ذلك مع طلوع الشمس لا مع غيبوبتها بالكلية، فافطن لهذا.
قلت: والصحيح أن الشمس غطاها شيء من سهل، أو تل، أو مرتفع، ونحو ذلك، وهذا يدل أنها لم تغب بالكلية، فهي خلف هذا المرتفع لقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها)، لأن لو تحقق لبلال بن رباح t أن الشمس قد غربت بالكلية ما توقف عن الجدح، وإنما توقف عن الجدح لطلوع قرص الشمس فوق الأرض، وهذا ظاهر لمن تدبر الحديث.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وأما قول الراوي: (وغربت الشمس)؛ فإخبار منه بما في نفس الأمر، وإلا فلو تحقق الصحابي أن الشمس غربت([13]) ما توقف؛ لأنه حينئذ يكون معاندا([14])، وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة([15])). اهـ
10) وعن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي، قال حدثني وفدنا [وهم: من الصحابة] الذين قدموا على النبي r، (كان بلال t يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله ما بقي من رمضان بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله r، فيأتينا بالسحور ... ويأتينا بفطرنا وإنا لنقول: ما نرى الشمس ذهبت كلها، فيقول بلال t: ما جئتكم حتى أكل رسول الله r؛ يضع في الجفنة فيلقم منها). وفي رواية: (وإنا لنقول: إنا لنتمارى في وقوع الشمس لما نرى من الاسفار).
حديث حسن
أخرجه الروياني في «المسند» (742)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج1 ص115)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (3279)، وابن هشام في «السيرة النبوية» (ج4 ص85) من طريق إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي به مطولا.
وذكره ابن حجر في «الإصابة» (ج5 ص210)؛ في ترجمة عطية بن سفيان ثم قال: (وأصحها رواية إبراهيم بن سعد عنه: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان([16])،حدثني: وفدنا الذين قدموا على النبي r بإسلام ثقيف، وقدموا عليه في رمضان... فذكر الحديث). اهـ
وذكره الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج2 ص495) من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن عيسى عن عطية بن سفيان به. ومن طريق أحمد بن خالد الذهبي: عن ابن إسحاق، عن عيسى، عن عطية: حدثنا وفدنا؛ [أي: من الصحابة الذين كانوا مع النبي r]؛ ثم قال ابن حجر: (ورواية أحمد بن خالد أشبه بالصواب، فإن عطية بن سفيان تابعي معروف). اهـ
وذكره الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج5 ص32) من طريق ابن إسحاق: حدثني عيسى بن عبد الله، عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم [وهم: من الصحابة] قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله r ما بقي من شهر رمضان بفطورنا وسحورنا فيأتينا بالسحور ... ويأتينا بفطرنا، وإنا لنقول ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد، فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله r، ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها). اهـ
قلت: وهذا سنده حسن، وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسه، وجهالة الوفد لا تضر، لأن جهالة الصحابة y لا تضر في الحديث، لأنهم كلهم عدول، كما هو مقرر في أصول الحديث.([17])
والحديث أشار إليه أبو القاسم ابن منده في «المستخرج» (ج2 ص280).
وقال الحافظ البخاري / في «التاريخ الكبير» (ج7 ص10): (عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي؛ عن الوفد الذين جاؤوا النبي r). اهـ
وقد أثبت صحة الحديث الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج4 ص454)، و(ج5 ص210).
وقال الحافظ النووي / في «التقريب» (ج1 ص403): (والصحابة y كلهم عدول). اهـ
وقال الحافظ العراقي / في «التقييد والإيضاح» (ج1 ص578): (أن الصحابة الذين ثبتت صحبتهم كلهم عدول). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص158): (وجهالة الصحابي لا تضر، بخلاف غيره). اهـ
وقال العلامة الألباني / في «الصحيحة» (ج1 ص774): (وجهالة اسم الصحابي لا تضر، كما في المصطلح تقرر). اهـ
وقال العلامة الألباني / في «الصحيحة» (ج6 ص904): (وعلى هذا جرى إمام السنة أحمد بن حنبل / في مسنده، فإن فيه عشرات الأحاديث عن جماعة من الصحابة لم يسموا، يقول التابعي فيهم: عن بعض أصحاب النبي r، أو بعض من شهد النبي r). اهـ
قلت: وعطية بن سفيان([18]) هذا تابعي معروف، وابن الصحابي المعروف، وهو سفيان بن عبد الله الثقفي t الذي كان عامل عمر بن الخطاب رضي لله عنه على الطائف بعد عثمان بن أبي العاص t ([19])، ولم يأت بمنكر في هذا الحديث، ولذلك قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص681): (صدوق)، ووثقه الحافظ البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص438)، وذكره الحافظ ابن حبان في «الثقات» (ج5 ص216)؛ ثم قال: روى عن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وسكت عنه الحافظ البخاري في «التاريخ الكبير» (ج7 ص10)، والحافظ ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج6 ص382)؛ فمثله حسن الحديث([20])، فافطن لهذا.
قال الحافظ الخطيب / في «أصول الرواية» (ص149): (وترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له، أو برواية عدلين عنه). اهـ
قلت: وعيسى بن عبد الله بن مالك روى عنه أبو داود في «سننه»، والنسائي في «السنن الكبرى»، وابن ماجه في «سننه»، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج7 ص231)، وروى عنه جمع من الرواة، وقال الذهبي في (ج2 ص31): (وثق)، وسكت عنه الحافظ ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج6 ص280)؛ فمثله حسن الحديث([21])؛لأنه لم يأت بمنكر في الأحاديث التي رواها ووافق الثقات، فافهم لهذا ترشد.
قال الحافظ الخطيب / في «أصول الرواية» (ص149): (وترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له، أو برواية عدلين عنه). اهـ
وقال الحافظ العراقي / في «التقييد والإيضاح» (ج1 ص578): (والحق أنه إن كان معروفا بذكره في الغزوات أو فيمن وفد([22])من الصحابة أو نحو ذلك؛ فإنه تثبت صحبته وإن لم يرو عنه إلا راو واحد). اهـ
قلت: ولا يضر اختلاف الحديث([23]) على محمد بن إسحاق ما دام ترجح لنا صحة رواية: «عطية بن سفيان» على غيرها، كما بين ذلك الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج5 ص210)، وغيره من أهل العلم.
وقال الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج5 ص210): (عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي: تابعي معروف، اختلف في حديثه على ابن إسحاق اختلافا كثيرا، وأصحها رواية إبراهيم بن سعد عنه: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان، حدثني وفدنا الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإسلام ثقيف، وقدموا عليه في رمضان ... فذكر الحديث.
وأخرجه ابن ماجه، وقد تقدم بيان الاختلاف فيه في ترجمة علقمة الثقفي). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج4 ص454)؛ بعدما ذكر الاختلاف: (علقمة بن سفيان، وقيل: ابن سهيل الثقفي، وقيل: عطية بن سفيان، وقال يونس بن بكير في زيادات المغازي: حدثني إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري([24])، حدثني عبد الكريم، حدثني علقمة بن سفيان، قال: كنت في الوفد من ثقيف، فضربت لنا قبة، فكان بلال يأتينا بفطرنا من عند النبي r... الحديث .... وقال أحمد بن خالد الوهبي: عن ابن إسحاق، عن عيسى، عن عطية: حدثنا وفدنا.([25])
أخرجه ابن ماجه، ورواية أحمد بن خالد أشبه بالصواب، فإن عطية بن سفيان تابعي معروف). اهـ
وقال الحافظ البوصيري / في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص438): رواه أبو يعلى واللفظ له، وابن ماجه مختصرا، ورواته ثقات.
وقال الحافظ البوصيري / في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص437): عن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي قال أنبأنا وفدنا [يعني: من الصحابة y] الذين كانوا قدموا على رسول الله r، وذكر الحديث.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج5 ص275)؛ أن رواية: إبراهيم بن سعد هي أصح الروايات، حيث رواها متصلة.
وكذلك رواية: زياد بن عبد الله البكائي وهو صاحب محمد بن إسحاق الذي أخذ ابن هشام «السيرة النبوية» عنه عن محمد بن إسحاق، حيث رواها متصلة أيضا؛ من حديث عطية بن سفيان، كما صوبه ابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج1 ص115).
قلت: وبقية الروايات([26])لا تصح لما فيها من تحريف، أو تصحيف، أو إرسال في السند، وليس هذا موضع بسطها.([27])
قلت: وقصة وفد ثقيف مشهورة عند أهل العلم قديما وحديثا في صومهم مع النبي r في رمضان.
فعن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة، قال: حدثنا وفدنا الذين قدموا على رسول الله r بإسلام ثقيف([28])، قال: (وقدموا عليه في رمضان، فضرب عليهم قبة في المسجد، فلما أسلموا صاموا ما بقي عليهم من الشهر).
حديث حسن
أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1760)، وابن هشام في «السيرة النبوية» (ج4 ص185)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج4 ص43)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج20 ص150) من طريق محمد بن إسحاق، حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان به مختصرا.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد صرح محمد بن إسحاق بسماعه من عيسى بن عبد الله، وكما في رواية إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق التي أشار إليها الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج5 ص275)؛ في ترجمة عطية بن سفيان بن ربيعة.
وقال محققو «سنن ابن ماجه» (ج2 ص642): (إسناده حسن إن شاء الله، محمد بن إسحاق وهو ابن يسار المطلبي قد صرح بسماعه من عيسى بن عبد الله كما في «السيرة النبوية» لابن هشام (4/185)، وكما في رواية إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق التي أشار إليها الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (5/275) في ترجمة عطية بن سفيان). اهـ
وقال الحافظ ابن أبي حاتم / في «الجرح والتعديل» (ج6 ص382): (عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي؛ عن الوفد الذين جاؤوا النبي r).اهـ
قلت: والشاهد قوله: (ما نرى الشمس ذهبت كلها)؛ حيث يدل على أن الصحابة y أفطروا مع بلال t في رمضان، والشمس قد قاربت الغروب، وهي طالعة في جهة المغرب، لم تغب بالكلية في الأرض.
وكذلك أفطر النبي r قبلهم والشمس طالعة وأخبر بلال t عن ذلك، بقوله: (ما جئتكم حتى أكل رسول الله r)؛ أي: أكل رسول الله r والشمس لم تغب بالكلية في الأرض.
قلت: وقد نقل العلماء حديث: قصة وفد ثقيف، وما فيه من إفطار النبي r وأصحابه y، والشمس طالعة، لم يغب قرص الشمس بالكلية، ولم ينكروا الحديث، بل أقروه؛ منهم: الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج5 ص32)، والحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج4 ص454)، و(ج5 ص210)، والحافظ البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص438)، والفقيه السهيلي في «الروض الأنف» (ج7 ص418)، والفقيه يحيى بن أبي بكر الحرضي في «بهجة المحافل» (ج2 ص28)، والفقيه المقريزي في «إمتاع الأسماع» (ج14 ص309).
قال الفقيه السهيلي / في «الروض الأنف» (ج7 ص418): (بلال ووفد ثقيف في رمضان: قال ابن إسحاق: وحدثني عيسى عن عبد الله بن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي، عن بعض وفدهم. قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله r ما بقي من رمضان بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله r فيأتينا بالسحور، وإنا لنقول إنا لنرى الفجر قد طلع فيقول قد تركت رسول الله r يتسحر لتأخير السحور ويأتينا بفطرنا، وإنا لنقول ما نرى الشمس كلها ذهبت بعد([29]). فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله r؛ ثم يضع يده في الجفنة فيلتقم منها). اهـ
وقال الفقيه يحيى بن أبي بكر الحرضي / في «بهجة المحافل» (ج2 ص28): (كان قدومهم على النبي r في شهر رمضان عند مرجعه من تبوك روى عن بعض وفدهم [وهم: من الصحابة] قال: (كان بلال يأتينا بعد أن اسلمنا بسحورنا، وإنا لنقول: أن الفجر قد طلع، فيقول: قد تركت رسول الله r !يتسحر، ويأتينا بفطورنا، وإنا لنقول: ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد([30]) فيقول: ما جئتكم حتى أكل رسول الله r ثم يضع يده في الجفنة فيلتقم منها ... (وإنا لنقول إن الفجر قد طلع)؛ أي: من شدة تأخير السحور كما هو السنة (بفطورنا)؛ بالفتح أيضا اسم لما يفطر به (ما نرى الشمس)؛ بالضم: أي ما نظنها (غربت)؛ أي من شدة تعجيل الفطر كما هو السنة). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج5 ص39)؛ فصل: قدوم وفد ثقيف على رسول الله r في رمضان من سنة تسع: (قال ابن إسحاق: وحدثني عيسى بن عبد الله، عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله r ما بقي من شهر رمضان بفطورنا وسحورنا فيأتينا بالسحور فإنا لنقول إنا لنرى الفجر قد طلع؟ فيقول: قد تركت رسول الله r يتسحر لتأخير السحور، ويأتينا بفطرنا وإنا لنقول ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد([31])، فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله r، ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها). اهـ
وقال الفقيه المقريزي / في «إمتاع الأسماع» (ج14 ص309): (وذكر في وفد ثقيف أيضا أن بلالا t كان يأتيهم بفطرهم، ويخيل أن الشمس لم تغب، فيقولون: ما هذا من رسول الله r إلا لننظر كيف إسلامنا، فيقولون: يا بلال ما غابت الشمس بعد؟([32])، فيقول بلال t: ما جئتكم حتى أفطر رسول الله r، وكان بلال t يأتيهم بالسحور). اهـ
11) وعن حذيفة t قال: سمعت رسول الله r يقول يوم الخندق: (شغلونا عن صلاة العصر، ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا)، قال: (ولم يصلها يومئذ حتى غابت الشمس([33])). يعني بالكلية.
حديث صحيح
أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (2891)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج2 ص27)، والبيهقي في «إثبات عذاب القبر» (170)، و(171)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج3 ص166)، وابن أبي الفوارس في «الفوائد» (ق/3/ط)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج14 ص66)، والبزار في «المسند» (388)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص321)، وفي «أحكام القرآن» (ج1 ص229) من طريق عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن حذيفة t به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص309)، ثم قال: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح.
ويؤيده: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (596)، و(598)، و(641)، و(4112) من طريق أبي سلمة قال: أخبرنا جابر بن عبد الله t «أن النبي r جاءه عمر بن الخطاب t يوم الخندق، فقال: يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب – يعني: وهي طالعة - وذلك بعد ما أفطر الصائم، فقال النبي r: والله ما صليتها، فنزل النبي r إلى بطحان وأنا معه، فتوضأ ثم صلى يعني العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب».
فقوله: (بعد ما أفطر الصائم)؛ فهذا يدل على أن الإفطار للصائم قد حدد بوقت محدد في الشرع، وهو فطره والشمس طالعة في جهة المغرب في الأفق، لقوله: (والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ يعني: لم تغيب بالكلية، بل كادت الشمس أن تغرب، وقد صلى النبي r في وقت غروب الشمس بالكلية، مع إثبات الغروب الأول، وهو قبل مغيب قرص الشمس حين أفطر الصائم، كما بين ذلك عمر بن الخطاب t، وأقره النبي r على ذلك.
وفي رواية لمسلم في «صحيحه» (631) قال عمر بن الخطاب t: (يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي العصر، حتى كادت أن تغرب الشمس).
قلت: وهذا يبين أنه معروف عندهم إذا كادت الشمس تغرب، أن ذلك من الغروب، وهو وقت إفطار الصائم، وإلا ما فائدة لذكره t لوقت إفطار الصائم، إلا ليبين وقت الإفطار، ووقت الغروب الأول، ووقت الغروب الثاني الذي حصل بعد ذلك، وإلا لماذا كرر للغروبين؟!.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص123): (والذي يظهر لي أن الإشارة بقوله: (وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ إشارة إلى الوقت([34]) الذي خاطب به عمر t النبي r لا إلى الوقت الذي صلى فيه عمر t العصر، فإنه كان: (قرب الغروب)([35])، كما تدل عليه: (كاد)).اهـ
12) وعن أبي أيوب الأنصاري t قال: قال رسول الله r يقول: (صلوا المغرب لفطر الصائم).
حديث حسن لغيره
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص421)، والدارقطني في «العلل» تعليقا (ج6 ص125)، والطيالسي في «المسند» (ج1 ص493) من طريق يزيد بن أبي حبيب قال: حدثني رجل سمع أبا أيوب t به، وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص290) من طريق ابن أبي ذئب عن أبي حبيبة عن أبي أيوب الأنصاري t به.
قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات، والشواهد.
وذكره الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج6 ص125)؛ وسكت عنه.
قلت: ووقت صلاة العصر يمتد إلى قبيل اصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق عن الأرض بيسير بخمس دقائق تقريبا، وهذا دخول وقت صلاة المغرب، وإفطار الصائم.
13) وعن الحارث بن عمر الهذلي قال: (أن عمر بن الخطاب t كتب إلى أبي موسى الأشعري: كتبت إليك في الصلاة، وأحق ما تعاهد المسلمون أمر دينهم، وقد رأيت رسول الله r يصلي، حفظت من ذلك ما حفظت، ونسيت من ذلك ما نسيت، فصلى الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس حية، والمغرب لفطر الصائم، والعشاء ما لم يخف رقاد الناس، والصبح بغلس، وأطال فيها القراءة).
أثر حسن
أخرجه ابن راهويه في «المسند» (ج5 ص143 – المطالب العالية)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص456) من طريق ابن أبي ذئب عن مسلم بن جندب عن الحارث بن عمر الهذلي به.
قلت: وهذا سنده حسن، وله شواهد.
وذكره البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج2 ص41)، وعزاه لإسحاق بن راهويه.
14) وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي r قال: (وقت الظهر ما لم تحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ويسقط قرنها الأول، ووقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق).
وفي رواية: (فإذا صليتم العصر، فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (612)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص210)، وفي «المجتبى» (ج1 ص620)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص210)، وأبو داود في «سننه» (396)، وأبو عوانة في «صحيحه» (ج1 ص349)، وابن خزيمة في « صحيحه » (326)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج21 ص411)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج3 ص166)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج2 ص208)، والطيالسي في «المسند» (2363)، والسراج في « المسند » (2971)، وفي «حديثه» (1334)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص150)، وفي «أحكام القرآن» (ج1 ص171)، ومحمد بن الحسن في «الحجة» (ج1 ص9)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص560 و586)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص282)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص331)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج4 ص350)، وفي «مسند الشاميين» (ج3 ص363)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص366)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص406)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج8 ص27)، وابن الجوزي في «التحقيق» (318)، وفي «جامع المسانيد» (ج4 ص451)، وابن حبان في «صحيحه» (337) من طريق هشام الدستوائي، وهمام بن يحيى، وحجاج الباهلي، وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة عن قتادة سمع أبا أيوب عن عبد الله بن عمرو t فذكره بألفاظ عندهم.
قلت: واشتمل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما على زيادة صحيحة في المواقيت، وهي: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)، فوجب قبولها، والمصير إليها، وأن ابتداء وقت صلاة المغرب يدخل إذا اصفرت الشمس، أو احمرت في الأفق وهي طالعة، ولم تغب بالكلية، ولا سيما الحديث من قول النبي r، والأحاديث الأخرى فعل منه r.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج22 ص75): (وليس عن النبي r حديث من قوله في المواقيت الخمس أصح منه). اهـ
ومعناه: أن وقت صلاة العصر ينتهي إلى أن يرى الناس الشمس صفراء أو حمراء طالعة في جهة الغروب، ولا تكون كذلك حتى ترى طالعة بقرب الأرض بخمس دقائق تقريبا، وقد اصفرت الشمس، أو يقول القائل: قد احمرت الشمس، وهذا هو وقت صلاة المغرب.
قلت: وهذا فيه دليل على أن وقت صلاة العصر يمتد إلى إصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق بيسير عن الأرض بحوالي خمس دقائق، وهذا الوقت لا يضر في إفطار الصائم فيه، لأن اليوم يعتبر بهذا القدر عند الشارع قد انتهى، فلا عبرة بخمس دقائق أو أدنى من ذلك، كما تدل على ذلك الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة، ولله الحمد. ([36])
قال الإمام أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص235): (قوله r: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)؛ يعني: بقوله؛ ما لم تصفر: ما لم تدخلها صفرة، وظاهره: أن آخر وقت العصر قبل مخالطة الصفرة.
وهذا كما قال في حديث بريدة بن حصيب t: (ثم أمره بالعصر، والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة، يعني: في اليوم الثاني). ([37]) اهـ
وقال الإمام أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص236): (قوله r: (ويسقط قرنها الأول)؛ ([38]) فيه إشكال([39]) وذلك: أن قرن الشمس أعلاها، وهو أول ما يبدو منها في الطلوع، وأول ما يسقط منها في الغروب، كما قال r في هذه الرواية في وقت الفجر: (ما لم يطلع قرن الشمس الأول). اهـ
وقال العلامة الوشتاني / في «إكمال إكمال المعلم» (ج2 ص541): (وقرن الشمس الأول أول ما يبدو منها، واحترز به عما يلي الأرض). اهـ
وقال العلامة السنوسي / في «مكمل إكمال الإكمال» (ج2 ص541): (قوله r: (إلى أن يطلع قرن الشمس الأول)؛ هو أول ما يبدو منها، واحترز به مما يلي الأرض). اهـ
قلت: فأول وقت صلاة المغرب، فقد ذكر في الأحاديث «الوقتين» أنه عند اصفرار الشمس، وهي طالعة؛ فهذا الوقت الأول، ثم عند غيبوبتها بالكلية، وفهذا الوقت الثاني، وهذا ظاهر في حديث: عبدالله بن عمرو (مالم تصفر الشمس)، وحديث: بريدة بن حصيب: (لم تخالطها صفرة)، وحديث: عبدالله بن مسعود y: (حتى احمرت الشمس، أو اصفرت». اهـ
قال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج2 ص573)؛ عن آخر وقت العصر: (وبالاصفرار قال جمهور أئمة الفتوى). اهـ؛ يعني: اصفرار الشمس.
وقال العلامة الوشتاني / في «إكمال إكمال المعلم» (ج2 ص543): (وبأنه الإصفرار قال الجمهور). ([40]) اهـ
وقال العلامة الوشتاني / في «إكمال إكمال المعلم» (ج2 ص543): (ولو قيل في الجمع بينهما إن المراد: بالإصفرار الغروب؛ لأنه يعني به مطلق الإصفرار، فاستظهر بجزء من النهار، كما استظهر بإمساك جزء من الليل في الصوم، وإن كان الأكل فيه جائزا، ويشهد بهذا الجمع قوله في «الأم»: (وقت العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول)، فجمع بين الإصفرار([41]) والغروب([42]) لكان للنظر فيه مجال). اهـ
قلت: فقوله r: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس).
قال الإمام الطحاوي / في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص242): (ففي هذا الأثر أن آخر وقتها، حين تصفر الشمس). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص243): (ثبت أن آخر وقتها - يعني: صلاة المغرب - هو غروب الشمس). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص243): (فكان من حجة من ذهب إلى أن آخر وقتها إلى أن تتغير الشمس). اهـ يعني: وهي طالعة.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج3 ص575): (ويدخل وقت العصر؛ إلى أن تصفر الشمس – وهذا وقت اختيار-، وإلى الغروب – وهذا وقت ضرورة -، فإذا غرب حاجب الشمس الأعلى دخل وقت المغرب([43])، إلى أن يغيب الشفق الأحمر؛ يعني: إلى أن يصير مكان الغروب أبيض ليس فيه حمرة). اهـ
قلت: فذكر شيخنا ابن عثيمين / وقتين لصلاة المغرب، فالوقت الأول عند اصفرار قرص الشمس، وهي طالعة، والوقت الثاني عند خفاء قرص الشمس بالكلية، فنأخذ بقوله هذا لأنه موافق للسنة، والآثار، وكفى.
قلت: فإذا اصفر قرص الشمس في جهة المغرب، وهي مرتفعة عن الأرض بيسير قبل أن تختفي بالكلية، فإنه يخرج وقت صلاة العصر، ويدخل وقت صلاة المغرب، وهذا أيضا عند إفطار الصائم.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج3 ص578): (قوله r: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ويسقط قرنها الأول)؛ يفهم منه أن وقت الضرورة ما بين اصفرار الشمس، وسقوط القرن). اهـ
15) وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن رجلا أتى النبي r، فسأله عن مواقيت الصلاة، فقال: (اشهد معنا الصلاة، فأمر بلالا فأذن بغلس، فصلى الصبح حين طلع الفجر، ثم أمره بالظهر حين زالت الشمس عن بطن السماء، ثم أمره بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره بالمغرب حين وجبت الشمس، ثم أمره بالعشاء حين وقع الشفق، ثم أمره الغد فنور بالصبح، ثم أمره بالظهر فأبرد، ثم أمره بالعصر والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة، ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع الشفق، ثم أمره بالعشاء عند ذهاب ثلث الليل، أو بعضه).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (613)، والترمذي في «سننه» (152)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص206)، وفي «السنن الصغرى» (ج1 ص258)، وابن ماجه في «سننه» (667)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج2 ص254)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج2 ص216)، وابن خزيمة في «صحيحه» (323)، وأبو عوانة في «صحيحه» (ج1 ص373)، وابن دقيق العيد في «الإمام» (ج4 ص16 و17)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج2 ص210)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج8 ص26)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص560)، وأبو علي الطوسي في «مختصر الأحكام» (137)، وابن حبان في «صحيحه» (ج4 ص359)، وابن الجارود في «المنتقى» (151)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص148)، وفي «أحكام القرآن» (285)، والروياني في «المسند» (14)، والسراج في «المسند» (974)، وفي «حديثه» (1337)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص262)، وابن الجوزي في «التحقيق» (316)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص349)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص374)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص405) من طريق علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه به.
قلت: فذكر النبي r أولا الغروب الكلي بقوله r: (ثم أمره بالمغرب حين وجبت الشمس)، ثم أمره مرة ثانية بالغروب، والشمس طالعة، وهو نهاية وقت صلاة العصر، بقوله r: (ثم أمره بالعصر، والشمس بيضاء نقية، لم تخالطها صفرة)؛ أي: إذا اصفرت الشمس دخل وقت صلاة المغرب، وهذا يسمى عند العرب غروبا.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج2 ص599): (الصحابة y عرب، ويعرفون اللسان العربي، ويعرفون مدلوله.
فإذا لم يرد عنهم تفسير القرآن، أو السنة بخلاف ظاهرها، فهم قد أخذوا بظاهرها بإجماعهم). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص239): (وإن كان الكلام كلام الله تعالى، وفسره الرسول r.
فالرسول r أعلم الناس بمراد الله عز وجل، فالعقل يقتضي أن نجريه على ظاهره؛ لأن المتكلم به قد علم المعنى، وعبر بما تكلم به). اهـ
16) عن عبد الله بن مسعود t قال: (حبس المشركون رسول الله صلى عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس، أو اصفرت). وهي طالعة.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (628)، وابن ماجه في «سننه» (686)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص392)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص297)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص246)، وفي «المسند» (301)، والترمذي في «سننه» (181)، والطيالسي في «المسند» (364)، والبزار في «المسند» (ج5 ص388)، وأبو نعيم في «المستخرج على صحيح مسلم» (ج2 ص229)، وفي «حلية الأولياء» (ج4 ص165)، و(ج5 ص35)، وأبو يعلى في «المسند» (ج8 ص547)، و(ج9 ص196)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (163)، والطبري في «جامع البيان» (ج2 ص573 و574)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص368)، والسراج في «المسند» (545)، و(546)، والشاشي في «المسند» (ج2 ص301 و302)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج48 ص465)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص174)، وفي «أحكام القرآن» (ج1 ص228)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج4 ص86)، وابن الجوزي في «التحقيق» (348)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص460)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص480)، وفي «إثبات عذاب القبر» (199)، والرافعي في «أخبار قزوين» (ج1 ص125) من طريق زبيد اليامي عن مرة بن شراحيل عن عبد الله بن مسعود t به.
قلت: فقوله: (احمرت الشمس)؛ يعني: وقت غروب الشمس، وهو وقت صلاة المغرب، فبين t أن الشمس وهي طالعة في الأفق، وذلك في رؤيته أن الشمس احمرت واصفرت، وهي في الأفق بيسير عن الأرض، فرآها على هذا المستوى، وهو غروب الشمس الأول.
قلت: فهذه الأحاديث تدل على أن وقت صلاة العصر يمتد إلى غروب الشمس، وهو اصفرار الشمس وهي طالعة في الأفق مرتفعة عن الأرض بيسير بخمس دقائق تقريبا، وهذا الغروب الأول عند العرب، والغروب الثاني عند اختفاء قرص الشمس في الأرض.
قلت: فإذا اصفرت الشمس في الأفق، فإنه يخرج وقت صلاة العصر، ويدخل وقت صلاة المغرب، وهذا أيضا عند إفطار الصائم.
قلت: فوقت المغرب: إذا غربت الشمس، وأفطر الصائم، وقتا واحدا لم يزل عليه النبي r، والصحابة y في حياتهم.
17) وعن أبي سهيل نافع بن مالك الأصبحي عن أبيه مالك بن أبي عامر الأصبحي: (أن عمر بن الخطاب t كتب إلى أبي موسى t: أن صل الظهر، إذا زاغت الشمس، والعصر والشمس بيضاء نقية، قبل أن يدخلها صفرة([44])، وأن صل المغرب إذا غربت الشمس).
أثر صحيح
أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص7)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج1 ص536)، والقعنبي في «الموطأ» (ص84)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص370)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص463)، وفي «الخلافيات» (ج2 ص196 و197)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص6)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص375)، والحدثاني في «الموطأ» (ص43 و44)، وابن بكير في «الموطأ» (ق/13/ط) من طرق عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وله شواهد.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج5 ص4): وهو حديث متصل ثابت عن عمر بن الخطاب t.
وأخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص6 و7)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج1 ص535 و536 و537)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص319)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص328)، وابن أبي أسامة في «المسند» (ج2 ص41 – إتحاف الخيرة)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص6 و7)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص445)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص462)، والقعنبي في «الموطأ» (ص85)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص193)، وهشام بن عمار في «عوالي مالك» (8)، والحنائي في «الحنائيات» (297)، والحدثاني في «الموطأ» (ص59) من طرق عن عمر بن الخطاب t به... فذكره بألفاظ عندهم.
قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج2 ص50): (وكان يعجل الفطر ويحض عليه، ... وكان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء، هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم ... وكان r يفطر قبل أن يصلي).اهـ
18) وعن أيمن المكي قال: (دخلت على أبي سعيد الخدري t، فأفطر على عرق([45])، وأنا أرى أن الشمس لم تغرب). وفي رواية: (فرآه يفطر قبل مغيب القرص!).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص22)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق وكيع.
وأخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج4 ص196- فتح الباري)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق سفيان؛ كلاهما عن عبدالواحد بن أيمن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
وعبدالواحد بن أيمن القرشي، قال ابن معين عنه: «ثقة»، وقال أبو حاتم: «ثقة»، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج7 ص24)، وقال الذهبي في «الكاشف» (ج2 ص191): «ثقة»، وروى له البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه»، وقال البزار: «مشهور ليس به بأس»، وقال النسائي: «ليس به بأس».([46])
وأيمن المكي القرشي، والد عبدالواحد بن أيمن، قال أبو زرعة: «ثقة»، ووافقه الذهبي، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج1 ص47)، وروى له البخاري في «صحيحه»،([47]) وقال ابن حجر في «التقريب» (ص157): «ثقة».
وقال العلامـة الشـيخ الألـبانـي / فـي «مـختصر صحـيح البخاري» (ج1 ص571): (وصله سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة (3/ 12)؛ بسند صحيح). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص196): (وصله سعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه، وقال: (دخلنا على أبي سعيد، فأفطر، ونحن نرى أن الشمس لم تغرب». يعني: لم تغرب بالكلية.
وذكره العيني في «عمدة القاري» (ج9 ص130)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص589).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج3 ص416): (وعن أيمن المكي: «أنه نزل على أبي سعيد الخدري، فرآه يفطر قبل مغيب القرص». رواه سعيد بن منصور). اهـ
قلت: أفطر أبو سعيد الخدري t، وقرص الشمس لم يغيب([48])، بل لم يلتفت إلى موافقة من عنده على ذلك، بل طبق السنة في تعجيل الإفطار، وهذا هو الإتباع الذي يجب أن يتمسك به كل مسلم.([49])
قال الفقيه العيني / في «عمدة القاري» (ج9 ص130)؛ بعدما ذكر أثر أبي سعيد الخدري: (وجه ذلك أن أبا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيدا على ذلك، ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك، فلو كان يجب عنده إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك). اهـ
19) وعن سهيل بن عمرو t قال: (لقد رأيت رسول الله r يفطر في شهر رمضان، ويخيل إلى الشمس لم تغرب من تعجيل فطره).
حديث حسن
أخرجه أبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى» (ج3 ص171) من طريقين عن محمد بن عمر العامري عن ابن مرسا قال: سمعت سهيل بن عمرو t به.
قلت: وهذا سنده حسن، وله شواهد.
فقوله: (ويخيل إلى الشمس لم تغرب)؛ فهذا يدل على أن النبي r يفطر، وقرص الشمس لم يغب بالكلية، وهذا في حكم الغروب المعروف بين العرب، فانتبه.
20) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (إذا طلع حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى ترتفع، وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصـلاة حتى تغيب).([50])
قلت: فذكر النبي r صفة الغروبين في حديث واحد:
الأول: الغروب مع ظهور قرص الشمس؛ بقوله r: (إذا غاب حاجب الشمس)؛ والحاجب: هنا هو: الحاجب الأسفل من قرص الشمس.
الثاني: الغروب الكلي، وهو خفاء قرص الشمس؛ بقوله r: (فأخروا الصلاة حتى تغيب). أي: بالكلية.
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص178): (قوله r: (وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تغيب)؛ أي: عن الصلاة عند بدء القرص في الغروب). اهـ
قلت: ويبدأ نزول قرص الشمس من الأسفل، وهو طالع، وهذا الحاجب السفلي، فسمى النبي r ذلك غروبا؛ إلى أن يغيب؛ أي: يسقط قرص الشمس
بالكلية، وهذا يسمى غروبا أيضا. ([51])
قلت: وقرص الشمس عليه دائرتان:
إحداهما: حمراء، وهي التي تلي القرص، والأخرى بيضاء، وهي بعد الحمراء، والحمراء أول ما تنزل من الأسفل ثم تليها في النزول البيضاء، ثم يلي البيضاء نزول القرص، وهذا كله غروب عند السلف، والخلف.([52])
وهذا يدل على أن غروب الشمس له ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: ارتفاع([53]) قرص الشمس بيسير عن الأرض.
الدرجة الثانية: طلوع نصف قرص الشمس عن الأرض.
الدرجة الثالثة: اختفاء قرص الشمس بالكلية في الأرض.([54])
21) وعن عقبة بن عامر الجهني t قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب). وفي رواية: (وحين تغيب الشمس إلى الغروب حتى تغرب).([55])
فقوله r: (وحين تضيف الشمس للغروب)؛ أي: قاربت الغروب، واقتربت من الأرض بملامسة الحاجب السفلي منها، فسمى ذلك غروبا مع وجودها طالعة، ويفسره اللفظ الآخر في نفس الحديث.([56])
ثم ذكر r: الغروب الكلي الذي هو سقوط القرص، بقوله r: «حتى تغرب» ، وهذا الغروب الثاني للشمس.
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص401): (قوله r: (وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» ؛ قال بعضهم: (حين تضيف الشمس للغروب)؛ أي: حين يغيب حاجبها الأسفل، فيكون مدة هذا الوقت ما بين شروع قرنها الأسفل في الغروب إلى أن يتم غروب قرنها الأعلى). اهـ
وقال الإمام أبو عبيد / في «غريب الحديث» (ج1 ص19): (معناه: إذا مالت للغروب، يقال منه: ضافت تضيف إذا مالت، وضفت فلانا؛ أي: ملت إليه ونزلت به). اهـ
وقال الحافظ أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص459): (قوله r: (حين تضيف الشمس للغروب)؛ أي: تميل للغروب، يقال: ضافت، تضيف؛ إذا مالت). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص183): (من بعد صلاة العصر إلى أن تضيف الشمس للغروب، فقيل: إلى أن يبدو قرصها بالغروب، وقيل: إلى أن يكون بينها، وبين الغروب مقدار رمح، قياسا على أول النهار، وهذا ظاهر حديث: (وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب)).([57]) اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص401)؛ عن ارتفاع الشمس عن حدبة الأرض في الغروب: (قوله r: (حين تضيف)؛ حين يبقى بينها، وبين الغروب([58]) مقدار رمح([59])، من أجل أن تتساوى مع النهي حين طلوعها). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص394): (فهي: من الفجر إلى أن تطلع الشمس، ومن طلوعها إلى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، ومن صلاة العصر حتى يبقى بينها، وبين الغروب مقدار رمح، ومن ذلك الوقت إلى الغروب). اهـ
ويؤيد هذا التفسير:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها).([60]) وفي رواية: (ولا عند غروبها).
فقوله: (ولا غروبها»)(ولا عند غروبها)، أي: المقصود قبل الغروب الكلي، لأن النهي عن الصلاة النافلة عند بدء القرص في الغروب، كما في الرواية: (ولا عند غروبها)؛ لأنه الوقت الذي يسجد فيه الكفار للشمس؛ كالمودعين لها، وعند ظهورها يسجدون؛ كالمستقبلين لها، فالنبي r سمى ذلك: غروبا، بقوله r: (ولا غروبها).
والرواية الثانية أوضح: (ولا عند غروبها)؛ أي: في أثناء غروبها.
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص178)؛ عن النهي عن الصلاة حتى تغرب: (ولكنه نهى عن ذلك؛ أي: عن الصلاة عند بدء القرص في الغروب؛ لأنه الوقت الذي يسجد فيه الكفار للشمس؛ كالمودعين لها، وعند ظهروها يسجدون؛ كالمستقبلين لها). اهـ
وقال العلامة ابن باز / في «تعليقه على صحيح البخاري» (ج2 ص175): (وهذا أمر متواتر عن النبي r، والسر أن أمة من المشركين يعبدون الشمس، فنهى عن ذلك لما فيه من التشبه، وسدا للذريعة، والوقت الضيق أشد عند الطلوع، وعند الغروب([61])، ويستثنى من ذلك عند العلماء الفائتة لقوله r: (من نام عن الصلاة...)، وهكذا على الصحيح ما كان لها سبب؛ لأنه يكون بعيد عن التشبه). اهـ
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص62): (عند طلوع الشمس وعند غروبها). اهـ
22) وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: (إذا طلع حاجب الشمس، فدعوا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس، فدعوا الصلاة حتى تغيب، ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان).([62])
قلت: فسماه النبي r غروب الشمس، مع أنه الوقت المنهي عنه قبيل([63]) غروبها، لقوله r: (إذا غاب حاجب الشمس)؛ مع قوله r: (ولا غروبها)، وهذا عين الغروب.([64])
والحاجب الأعلى هو: أول ما يبدو من طلوع الشمس، والحاجب الأسفل هو: أول ما يغيب من الشمس عند الغروب.
قال الحافظ أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص458): (وحاجب الشمس، أو ل ما يبدو منها في الطلوع، وهو أول ما يغيب منها). اهـ
أي: حاجب الشمس السفلي.
وقال الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج3 ص180): (قوله r: (إذا بدا حاجب الشمس)؛ بدا: هنا غير مهموز؛ أي: ظهر وارتفع، وحاجبها أول ما يظهر منها، وهو الصحيح، وقيل قرناها أعلاها، وحواجبها نواحيها([65])). اهـ
قلت: فحاجب الشمس السفلي هو: طرف قرص الشمس الأسفل الذي يلامس الأرض عند الغروب، وهي طالعة، وهذا غروب عند الصحابة الكرام.
قال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج2 ص261): (وفي الحديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وغروبها، وهو مجمع عليه في الجملة، واقتصر فيه على حالتي الطلوع والغروب). اهـ
وبوب الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج6 ص266): باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها.
قلت: فسمى النووي / ذلك غروبا، وهو قبل غروب الشمس بالكلية.
ويؤيده:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (إذا بدا حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تغيب).([66])
قلت: فذكر النبي r حاجبين للشمس؛ الحاجب الأعلى، والحاجب الأسفل.
قلت: قوله r: (لا تحروا)؛ أي: لا تقصدوا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا وغروبها.
وهذا الحديث مفسر للسابق، أي: لا تكره الصلاة بعد الصلاتين؛ إلا لمن قصد طلوع الشمس وغروبها.
فإذا صلى عبد فريضة أو غيرها في هذا الوقت، فهذا غير قاصد بصلاته عند طلوع الشمس ولا عند غروبها([67])، فافطن لهذا.
23) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: (لا تتحروا طلوع الشمس ولا غروبها، فتصلوا عند ذلك).([68])
24) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (نهى رسول الله r أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها).([69])
فقولها: (وغروبها)؛ أي: الغروب الذي قبل الغروب الثاني؛ أي: قبل اختفاء قرص الشمس، لأن النهي عن الصلاة في هذا المستوى من الشمس، أي: وهي طالعة، قبل أن تغرب بالكلية، وهذا واضح من الأدلة السابقة أيضا.
وبوب الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج2 ص366): باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها.
قلت: وفي هذه الأحاديث ذكر العلماء الغروبين معا.
قلت: والمنع من الصلاة في طلوع الشمس وغروبها، فقط للنوافل، وأما تأدية الفرائض، وما لها سبب، فيجوز الصلاة في النهي، لأنه يكون بعيد عن التشبه بعبادة الكفار للشمس عند الطلوع، وعند الغروب، ولأن المقصود من النهي في الأحاديث تأدية صلاة التطوع([70])، فانتبه.
قال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج3 ص203)؛ عن النهي: (وهذا كله عندنا، وعند جمهور العلماء في النوافل). اهـ
قلت: فما كان ذا سبب، فإن المصلي إذا قام به لا يعد متحريا لطلوع الشمس وغروبها. ([71])
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص395): (قد دلت السنة على جواز فعل ذوات الأسباب في وقت النهي، وأن كل صلاة لها سبب؛ فلا حرج أن تصليها وقت النهي؛ كتحية المسجد، وصلاة الراتبة إذا فاتت؛ كما لو فاتته راتبة الفجر فيصليها بعد الصلاة؛ وكما لو فاتته راتبة الظهر، وقد جمع إليها العصر؛ فإنه لا بأس أن يصلي راتبة الظهر بعد صلاة العصر؛ لأن ذلك له سبب). اهـ
25) وعن أنس بن مالك t: (أن رسول الله r خطب أصحابه ذات يوم وقد كادت الشمس أن تغرب، فلم يبق منها إلا شيء يسير وفي راوية: [إلا شف يسير]، فقال: والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما، مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه، وما نرى من الشمس إلا يسيرا).([72])
والشاهد: «إلا شيء يسير ... وما نرى من الشمس إلا يسيرا»؛ وهذا بمعنى الغروب عند العرب.([73])
والشف: بقية النهار لما يرى من يسير من الشمس، لقوله: «وما نرى من الشمس إلا يسيرا»؛ أي: قد بقيت منها بقية، وهذا في حكم الغروب عند العرب.
وشفا كل شيء حرفه، قال تعالى: ]وكنتم على شفا حفرة[ [آل عمران: 103].
قال الحافظ ابن الأثير / في «النهاية» (ج2 ص271): (وفي حديث أنس t (أن النبي r خطب أصحابه يوما، وقد كادت الشمس تغرب ولم يبق منها إلا شف)؛ أي شيء قليل. الشف والشفا والشفافة: بقية النهار).اهـ
26) وعن حاجب بن عمر قال: كنت أسمع الحكم بن الأعرج يسأل: درهما أبا هند؟([74]) فيقول درهم: (كنت أقبل من السوق فيتلقاني الناس منصرفين، قد صلى بهم معقل بن يسار t؛ فأتمارى غربت الشمس، أو لم تغرب).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص329) من طريق معاذ بن معاذ، عن حاجب بن عمر به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وهذا الصحابي معقل بن يسار المزني t ([75]) يصلي بالناس، ولم تغرب الشمس بالكلية، مما يدل على أن وجود قرص الشمس، أو بعضه يسمى غروبا عند السلف.
27) وعن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (كان عبد الله t، يصلي المغرب، ونحن نرى أن الشمس طالعة قال: فنظرنا يوما إلى ذلك فقال: ما تنظرون؟ قالوا: إلى الشمس، قال عبد الله: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة، ثم قال: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]، فهذا دلوك الشمس).
أثر صحيح
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص274)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص489) من طريق جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، وعمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين، وقد صححه العيني في «نخب الأفكار» (ج3 ص23)، والدارقطني في «العلل» (ج5 ص214).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، بهذه السياقة، ووافقه الذهبي.
وبهذا الوجه ذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (12856).
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص154 و155) من طريق حفص بن غياث عن الأعمش قال: ثنا إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وفي آخره ذكر حفص بن غياث: (أنه قيل للأعمش: قيل حدثكم عمارة أيضا؟ قال: نعم). وهذا تصريح بالتحديث من الأعمش من إبراهيم، وعمارة، ثم عنعنة الأعمش عن شيوخ أكثر عنهم تحمل على السماع، مثل: إبراهيم النخعي، وغيره، وهذه الرواية منها(