الرئيسية / سلسلة أصول علم الحديث / جزء فيه: ذكر تخليط وقع في «المسند الصحيح» للإمام مسلم في حديث: «الصراط»، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ وهذا بإجماع العلماء؛ من المتقدمين، والمتأخرين
جزء فيه: ذكر تخليط وقع في «المسند الصحيح» للإمام مسلم في حديث: «الصراط»، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ وهذا بإجماع العلماء؛ من المتقدمين، والمتأخرين
سلسلة أصول علم الحديث
|
10 |
جزء فيه:
ذكر تخليط وقع
في
«المسند الصحيح» للإمام مسلم
في حديث: «الصراط»، من حديث جابر بن عبد الله t؛ وهذا بإجماع العلماء؛ من المتقدمين، والمتأخرين
تأليف
فضيلة الشيخ المحدث الفقيه
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على كشف الوهم الذي وقع في حديث: جابر بن عبد الله ﭭ، وهو قوله: «نجيء نحن يوم القيامة، عن كذا، وكذا، انظر؛ أي: ذلك فوق الناس»، وهذا تصحيف وقع في هذا الحديث، مما يدل على وجود علل في الصحيح
عن جابر بن عبد الله، يسأل عن الورود، فقال: (نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا، انظر أي ذلك فوق الناس؟، قال: فتدعى الأمم بأوثانها، وما كانت تعبد، الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك، فيقول: من تنظرون؟ فيقولون: ننظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم ويتبعونه، ويعطى كل إنسان منهم منافقا، أو مؤمنا نورا، ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء، ثم كذلك ثم تحل الشفاعة، ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها).
أخرجه مسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (191) من طريق روح بن عبادة القيسي، حدثنا ابن جريج، قال: حدثنا أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله ﭭ به.
فقوله: (نجيء نحن يوم القيامة، عن كذا، وكذا، انظر؛ أي: ذلك فوق الناس). ([1])
* هكذا وقع هذا اللفظ في جميع الأصول من «الصحيح» لمسلم.
وقد أجمع العلماء: من المتقدمين والمتأخرين على أنه تصحيف، وتغيير، واختلاط في اللفظ.
قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي / في «الجمع بين الصحيحين» (ج1 ص259): (الحديث معروف، وهو «نجيء نحن يوم القيامة على تل مشرفين على الخلائق»، وهذا الذي وقع في كتاب مسلم، تخليط من أحد الناسخين له، أو كيف كان). اهـ
وقال القاضي عياض / في «مشارق الأنوار» (ج1 ص338): (كذا في جميع النسخ، وفيه تغيير كثير، أوجبه تحري مسلم: في بعض ألفاظه فأشكلت على من بعده.
* وأدخل بينهما لفظة: «انظر»، التي نبه بها على الإشكال، وظن أنها من الحديث.
* والحديث إنما هو: «نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس»؛ فتغيرت لفظة: «كوم» على مسلم، أو راويه له، أو عنه، فعبر عنها: «بكذا، وكذا».
* ثم نبه بقوله: «انظر»، أي: فوق الناس، وظنه كله من الحديث، فضم بعضه إلى بعض.
* وقد ذكره ابن أبي خيثمة: «تحشر أمتي على تل»). اهـ
وقال القاضي عياض / في «مشارق الأنوار على صحاح الآثار» (ج2 ص322): (وقوله في حديث الشفاعة: «نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا، انظر أي ذلك فوق الناس» كذا في جميع النسخ، وفيه تغيير كثير، وتصحيف وتلفيف، وصوابه «نحن يوم القيامة على كوم أوتل»، و«نحن نحشر يوم القيامة على كوم»، وكذا جاء في غير كتاب مسلم، فذكر الطبري في: «تفسيره» عن ابن عمر ﭭ «فيرقى؛ يعني: محمدا r هو وأمته، وأصحابه على كوم فوق الناس» وذكر من حديث كعب بن مالك «يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل»، ونحوه: في كتاب ابن أبي خيثمة، وحديث الطبري أتقن.
* فدخل في كتاب مسلم فيه من التغيير ما تراه، وكان مسلما، أو من قبله، وأقرب رواته: شك في لفظة «كوم»، أو «تل»، فعبر عنه «بكذا وكذا»، وحقق أن معناه: العلو، فقال عن ذلك: «فوق الناس»، على تفسير المعنى، ثم كتب عليه: «انظر» شبيها، فجمع النقلة الكلام كله، ولفوه على هذا التخليط). اهـ
وقال القاضي عياض / في «مشارق الأنوار على صحاح الآثار» (ج1 ص338): (قوله في كتاب مسلم: «نحن نجيء يوم القيامة على كذا وكذا، انظر أي ذلك فوق الناس»، كذا في جميع النسخ، وفيه تغيير كثير أوجبه تحري مسلم في بعض ألفاظه، فأشكلت على من بعده، وأدخل بينهما لفظة: «انظر» التي نبه بها على الإشكال، وظن أنها من الحديث، والحديث إنما هو: «نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس»، فتغيرت لفظة: «كوم» على مسلم، أو راويه له، أو عنه، فعبر عنها: «بكذا وكذا»، ثم نبه بقوله: «انظر»، أي: فوق الناس، أو كان عنده «فوق الناس» على ما في بعض الحديث، فجاء من لم يفهم الغرض، وظنه كله من الحديث فضم بعضه إلى بعض، وقد ذكره ابن أبي خيثمة: «تحشر أمتى على تل»، ورواه الطبري في «التفسير»: «فيرقى محمد وأمته على كوم فوق الناس»، وذكر أيضا في حديث آخر: «فأكون أنا وأمتي على تل»). اهـ
وقال الإمام ابن قرقول / في «مطالع الأنوار على صحاح الآثار» (ج3 ص348): (قوله في كتاب مسلم: «نحن نجيء يوم القيامة عن كذا وكذا، انظر أي ذلك فوق الناس»؛ كذا في جميع النسخ، وفيه تغيير كثير، أوجبه تحري مسلم في رواية بعض ألفاظه، فأشكلت على من بعده، فأدخل بينهما لفظة: «انظر» التي نبه بها على الإشكال، وظن أنها من الحديث، والحديث إنما هو: «نحن نجيء يوم القيامة على كوم فوق الناس»، على ما في بعض الحديث، فجاء من لم يفهم الغرض، وظنه كله من الحديث، فضم بعضه إلى بعض، وقد ذكره ابن أبي خيثمة: «تحشر أمتي على تل»، ورواه الطبري في «التفسير»: «يترقى محمد وأمته على كوم فوق الناس»، وذكر أيضا في حديث آخر: «فأكون أنا وأمتي على تل»). اهـ
وقال الإمام ابن العربي / في «سراج المريدين» (ج1 ص360): (حديث جابر t: «يحشر يوم القيامة على كوم فوق الناس»؛ وهذا الحديث فيه تخليط في: «كتاب مسلم»، لم يتقنه راو). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج3 ص47): (قوله: «عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله t، يسأل عن الورود، فقال: نجيء نحن يوم القيامة عن كذا، وكذا، انظر أي: ذلك فوق الناس»، هكذا وقع هذا اللفظ، في جميع الأصول من: «صحيح مسلم»، واتفق المتقدمون، والمتأخرون، على أنه تصحيف([2])، وتغيير، واختلاط في اللفظ). اهـ
وكذا قال الشيخ الألباني / في «تعليقه على مختصر صحيح مسلم» (ج1 ص32).
وقال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج1 ص569): (وقوله في حديث جابر، وقد سئل عن الورود، فقال: «نجىء نحن يوم القيامة عن كذا، وكذا انظره - أي فوق الناس - قال: فتدعى الأمم بأوثانها...» الحديث، هذا صورة الحديث في جميع النسخ، وفيه تغيير كثير وتصحيف، وصوابه: «نحن يوم القيامة على كوم»؛ هكذا رواه بعض أهل الحديث، وفي «كتاب» ابن أبي خيثمة من طريق كعب بن مالك: «يحشر الناس يوم القيامة على تل وأمتى على تل»([3])، وذكر الطبري في «التفسير» من حديث ابن عمر: «فيرقى هو – يعني: محمدا-، وأمته على كوم فوق الناس»، وذكر من حديث كعب بن مالك: «يحشر الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمتى على تل»، فهذا كله يبين ما تغير من الحديث، وأنه كأنه أظلم هذا الحرف على الراوي، أو امحى عليه؛ فعبر عنه: «بكذا وكذا»، وفسره بقوله: «أي: فوق الناس»، وكتب عليه: «انظر» - تنبيها -، فجمع النقلة الكل، ونسقوه على أنه من متن الحديث كما تراه). اهـ
* والأحاديث التي أشار إليها القاضي عياض / هي:
1) حديث كعب بن مالك t:
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج15 ص146)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج5 ص39)، وابن أبي عاصم في «السنة» (785)، والطحاوي في «بيان مشكل أحاديث رسول الله r» (1018)، و(1019)، وابن بشران في «البشرانيات» (1252)، وابن أبي داود في «البعث» (27)، والذهبي في «سير أعلام النبلاء» (ج6 ص284)، وفي «تذكرة الحفاظ» (ج2 ص71)، والبغوي في «معجم الصحابة» (2008)، وابن المحب المقدسي في «صفات رب العالمين» (ج5 ص2050)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج19 ص142)، وفي «المعجم الأوسط» (8797)، وفي «مسند الشاميين» (1759) من طريق يزيد بن عبد ربه الجرجسي، وأحمد بن الفرج، ومحمد بن مصفى، وعمرو بن عثمان، ونعيم بن حماد، وحيوة بن شريح، وغيرهم، جميعهم؛ عن بقية بن الوليد، حدثني الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك t؛ أن النبي r قال: (يحشر الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل ([4])، فيكسوني ربي حلة خضراء، ثم يؤذن لي، فأقول ما شاء الله أن أقول، فذاك المقام المحمود).
قلت: وهذا سنده ضعيف، فيه عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، وهو لم يسمع من جده كعب بن مالك الأنصاري([5])؛ كما بين الحافظ الذهلي، والحافظ الدارقطني، وأعله الحافظ البخاري في «صحيحه» (2948)، وبين ذلك في «التاريخ الكبير» (ج5 ص303 و304 و305). ([6])
وقال الحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج2 ص71): (إسناده صالح، والمتن غريب).
وقال الحافظ الدارقطني / في «التتبع» (ص381): (وأخرج البخاري؛ حديث توبة: كعب t، من طرقات صحاح، عن يونس، وعقيل، وإسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه، عن كعب t، وهو الصواب.
* وأخرجه عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب عن كعب t، مرسلا.
* وقد رواه سويد عن ابن المبارك، متصلا، مثل: ما قال ابن وهب، والليث عن يونس.
* وأخرجه مسلم من طرقات صحاح، عن يونس، وعقيل، وابن أخي الزهري، عن الزهري، على الصواب). اهـ
قلت: فذهب الحافظ الدارقطني / في هذا الإسناد: إنه مرسل، ولم يلتفت إلى قوله في الحديث: «سمعت كعبا»، لأنه عنده: وهم، وأن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، لم يسمع من جده. ([7])
قال الحافظ الغساني / في «التنبيه على الأوهام» (ج2 ص632): (قال أبو الحسن الدارقطني: في هذا الحديث، إنه مرسل، ولم يلتفت إلى قوله في الحديث: «سمعت كعبا»؛ لأنه عنده وهم). اهـ
قلت: ومما يشهد، لقول الحافظ الدارقطني /، أن رواية: عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، على الإرسال، وإنما يروي عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، وعن عمه: عبيد الله بن كعب. ([8])
* ما ذكر الإمام محمد بن يحيى الذهلي / في «علل حديث الزهري» (ج2 ص633) حيث قال: (سمع الزهري من عبد الرحمن بن كعب بن مالك.
* وسمع من عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك.
* ومن أبيه: عبد الله بن كعب، وكان قائد: كعب من بنيه حين عمي، ولا أظن سمع: عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب من جده شيئا). اهـ
* وقد أقره الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ج2 ص959).
قلت: وهذا مما سمع الزهري، من عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه، وهو الصحيح. ([9])
قال الحافظ الغساني / في «التنبيه على الأوهام» (ج2 ص633): (ومما يشهد؛ لقول: أبي الحسن الدارقطني -أن هذا على الإرسال- ما ذكر محمد بن يحيى الذهلي). اهـ
* وقد وافق الحافظ ابن حجر، الحافظ الدارقطني، على انتقاد طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن جده كعب بن مالك.
قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ج2 ص959)؛ بعد ذكره كلام الحافظ الدارقطني: (قلت: وقع في رواية البخاري: عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعبا.
* فأخرجه على الاحتمال؛ لأن من الجائز، أن يكون عبد الرحمن سمعه من جده، وثبته فيه أبوه.
* فكان في أكثر الأحوال: يرويه عن أبيه عن جده، وربما رواه عن جده.
* لكن رواية: سويد بن نصر، التي أشار إليها الدارقطني، توجب أن يكون الخلاف فيها على عبد الله بن المبارك.
* وحينئذ فتكون رواية: أحمد بن محمد شاذة، فلا يترتب على تخريجها كبير تعليل، فإن الاعتماد، إنما هو على الرواية المتصلة). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج7 ص731): (وقال الدارقطني: روايته عن جده مرسلة).
قلت: والحافظ النووي / في «المنهاج» (ج3 ص47)؛ يوافق الحافظ الدارقطني.
* وله علة ثانية: وهي تفرد محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري؛ من دون تلاميذ الزهري، وفيهم: من أثبت الناس عن الزهري، وهم: كثر.
وقد أشار الحافظ الطبراني إلى هذا التفرد في «المعجم الأوسط» (ج8 ص336)؛ بقوله: (لم يرو هذا الحديث، عن الزهري؛ إلا الزبيدي).
* لا يروى هذا الحديث عن الزهري، إلا بهذا الإسناد، تفرد به: محمد بن الوليد الزبيدي عنه، فهو: حديث منكر، بهذا الإسناد.
وقد أطلق أئمة الجرح والتعديل على عدد من الثقات، لروايتهم للأحاديث المناكير أحيانا، بسبب التفرد، أو بمجرد التفرد. ([10])
* فقد أطلق جماعة من الأئمة المتقدمين: «النكارة» في الحديث، على مجرد تفرد الراوي.
* فمن هؤلاء: الإمام أحمد /، فقد أنكر على جماعة من الرواة المحتج بهم في: «الصحيحين»، ما تفردوا به.
فقال الإمام أحمد، في محمد بن إبراهيم التيمي: في «العلل» (ج1 ص205): (يروي أحاديث مناكير، أو منكرة).
* فعلق على ذلك: الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ص437)؛ في ترجمة التيمي، بقوله: (المنكر أطلقه: أحمد بن حنبل، وجماعة على الحديث: الفرد الذي لا متابع له، فيحمل هذا على ذلك، وقد احتج به الجماعة). اهـ
وقال الإمام أحمد في «العلل» (ج1 ص210)، في بريد بن عبد الله بن أبي بردة: (يروي أحاديث مناكير).
فعلق الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ص392)؛ في ترجمة بريد بن عبد الله؛ بقوله: (احتج به الأئمة كلهم، وأحمد، وغيره: يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة). اهـ
قلت: فقد أطلق الإمام أحمد، هذا اللفظ على جماعة من الثقات الأثبات، المحتج بهم في «الصحيحين».
* ومنهم: الإمام يحيى بن سعيد القطان، فقد أنكر أحاديث على عدد من الثقات، المحتج بهم في «الصحيحين»، ما تفردوا به. ([11])
قال الحافظ ابن رجب في «شرح العلل الصغير» (ج1 ص454): (وهذا الكلام: يدل على أن النكارة، عند: يحيى القطان، لا تزول؛ إلا بمعرفة الحديث، من وجه آخر). اهـ
* ومن ذلك قول الإمام أحمد، في يزيد بن عبد الله بن خصيفة: أنه «منكر الحديث».
مع أن الإمام أحمد قال: عن يزيد بن عبد الله بن خصيفة: «ثقة، ثقة»، وقال ابن معين، عنه: «ثقة حجة».([12])
لذلك قال الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ص453)؛ في ترجمة: يزيد بن عبد الله بن خصيفة: (هذه اللفظة يطلقها: أحمد، على من يغرب على أقرانه بالحديث، عرف ذلك بالاستقراء من حاله، وقد احتج: بابن خصيفة: مالك، والأئمة كلهم). اهـ
* ومنهم: الإمام البرديجي، قال في: يونس بن القاسم الحنفي، أنه: «منكر الحديث».([13])
فقال الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ص455): (أوردت هذا لئلا يستدرك، وإلا فمذهب البرديجي، أن المنكر، هو الفرد، سواء تفرد به: «ثقة»، أو غير: «ثقة»، فلا يكون قوله: «منكر الحديث» جرحا بينا، كيف، وقد وثقه: يحيى بن معين). اهـ
وهكذا: يقال فيمن أطلق عليه الإمام يحيى القطان، والإمام أحمد، وغيرهما هذه الألفاظ، وقد اشتهر بالعدالة، والضبط، فإن ذلك لا يكون جرحا، بينا فيه، ولا يرد به حديثه، إلا ما أخطأ فيه، وتفرد عن الثقات الأثبات، أحيانا.
قال العلامة اللكنوي في «الرفع والتكميل» (ص150): (يجب عليك: أن تفرق بين قول القدماء: هذا حديث منكر، وبين قول المتأخرين: هذا حديث منكر.
* فإن القدماء كثيرا ما يطلقونه على مجرد ما تفرد به راويه، وإن كان من الأثبات.
* والمتأخرون: يطلقونه على رواية: راو ضعيف، خالف الثقات). اهـ
قلت: فلا يكاد يسلم من الخطأ أحد، ومن الوهم.
قال الحافظ مسلم بن الحجاج في «التمييز» (ص124): (ليس من ناقل خبر، وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا، وإن كان من أحفظ الناس، وأشدهم توقيا، وإتقانا لما يحفظ، وينقل إلا والغلط، والسهو ممكن في حفظه، ونقله). اهـ
* فرواية: الزبيدي عن الزهري، هذه من هذا القبيل، فترد روايته، بسبب خطئه، وتفرده، من دون الرواة عن الزهري، فافهم لهذا ترشد.
* وله علة ثالثة: وهي اضطراب الرواة في إسناد الحديث، مما يدل على عدم ضبطهم له، كما سوف يأتي.
قال العلامة مقبل الوادعي / في «الشفاعة» (ص 51): (قد اختلف في سماع عبد الرحمن من جده كعب، ولا يضر هنا لأنه في الشواهد، وللحديث شاهد موقوف([14])).
قلت: والصحيح أنه يضره، ولو كان في الشواهد، فإن الصواب عدم سماعه من جده، كما تقدم، وله علل أخرى سبقت.
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج25 ص60 و61)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج5 ص309)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص363)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص147)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج19 ص142)، وابن حبان في «صحيحه» (6479)، واللالكائي في «الاعتقاد» (2093)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (6108)، وابن مردويه في «تفسير القرآن» (ج5 ص325-الدر المنثور) وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج10 ص312 و313) من طريق محمد بن حرب، عن الزبيدي([15])، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك t، أن رسول الله r قال: (يبعث الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي عز وجل حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذاك المقام المحمود).
قلت: وهذا سنده كسابقه: منكر، لا يصح.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وليس هو كما قال، لضعف الإسناد.
وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج5 ص309) من طريق حيوة بن شريح قال: حدثنا محمد بن حرب، وبقية بن الوليد عن الزبيدي عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن كعب بن مالك t عن النبي r قال: (يبعث الناس فأكون أنا، وأمتي على تل، ويلبسوني حلة خضراء).
وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج5 ص309 و310) من طريق عبد الله بن سالم الأشعري عن الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه عبيد الله عن بعض أصحاب النبي r به.
قال الحافظ البخاري: والأول أصح.
قلت: وهذا من الاضطراب في الإسناد.
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص51)، ثم قال: (رواه أحمد، ورجاله: رجال الصحيح).
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» في «موضع آخر» (ج10 ص377)، ثم قال: (رواه الطبراني في «الكبير»، و«الأوسط»، وأحد إسنادي: «الكبير»، رجاله: رجال الصحيح).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص420).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج15 ص146) من طريق إبراهيم بن طهمان، عن آدم بن([16]) علي، قال: سمعت ابن عمر t، يقول: (إن الناس يحشرون يوم القيامة، فيجيء مع كل نبي أمته، ثم يجيء رسول الله r في آخر الأمم، هو وأمته، فيرقى هو وأمته: على كوم([17])، فوق الناس، فيقول: يا فلان اشفع، ويا فلان اشفع، ويا فلان اشفع، فما زال يردها بعضهم على بعض يرجع ذلك إليه، وهو المقام المحمود الذي وعده الله إياه).
حديث منكر بهذا اللفظ
قلت: وهذا سنده منكر، فيه إبراهيم بن طهمان الخراساني، وهو يهم في الحديث أحيانا، إذا تفرد، وهذه منها. ([18])
لذلك قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص109)؛ عنه: «ثقة يغرب». يعني: يتفرد عن الثقات.
* وعبارة: «على كوم»([19])، تدل على نكارة حديثه هذا، وتفرده دون الثقات.
ولذلك: لم يذكرها الحافظ البخاري في «الصحيح» (4718)، ولم يذكر هذا المتن في الحديث.
وقد خالفه: أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، متقن([20])، كما في «التقريب» لابن حجر (ص425)؛ وهو أثبت من إبراهيم بن طهمان، في هذا الحديث.
أخرجه البخاري في «صحيحه» (4718) من طريق إسماعيل بن أبان، حدثنا أبو الأحوص، عن آدم بن علي، قال: سمعت ابن عمر ﭭ، يقول: (إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا، كل أمة تتبع نبيها يقولون: يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي r، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود).
قلت: وهذا سنده صحيح، بهذا اللفظ.
* فرواية: أبي الأحوص، تعل، رواية: ابن طهمان، فهي منكرة.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في «الأهوال» (152)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص396)، وابن المقرئ في «المعجم» (112) من طريق محمد بن سليمان، قال: حدثنا أبو الأحوص: سلام بن سليم عن آدم بن علي قال: سمعت ابن عمر t، يقول: فذكره.
* ومن أوهام: إبراهيم بن طهمان الخراساني:
فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من أتى هذا البيت؛ فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه).
حديث منكر، بهذا الإسناد
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص262)، والطبري في «جامع البيان» (ج2 ص277) من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم عن أبي هريرة t به.
هكذا قال إبراهيم بن طهمان الخراساني: عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم عن أبي هريرة.
وخالفه: جماعة من أصحاب، منصور بن المعتمر، فقالوا: عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة.
* ولم يذكروا: هلال بن يساف الأشجعي، في الإسناد.
منهم: شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، ومسعر، وجرير بن عبد الحميد، وشيبان، وسفيان بن عيينة، وأبو الأحوص، وزهير بن معاوية، وأبو عوانة، وغيرهم.
أخرج حديثهم: البخاري في «صحيحه» (1819)، و(1820)، ومسلم في «صحيحه» (1350)، والترمذي في «سننه» (1810)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3606)، وفي «السنن الصغرى» (ج5 ص114)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (3142)، والدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» (ج11 ص180)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2514)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص326) كلهم: من طريق منصور بن المعتمر عن أبي حازم عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من أتى هذا البيت؛ فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه). وفي رواية: (من حج فلم يرفث ولم يفسق).
* فرواية: إبراهيم بن طهمان، معلولة، بمخالفته، للثقات الأثبات، في ذكره في الإسناد: لـ«هلال بن يساف الأشجعي»، وهذا وهم منه في الإسناد.
قال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج11 ص180): (يرويه: منصور بن المعتمر، واختلف عنه:
* فرواه: مسعر، والثوري، وزهير بن معاوية، وأبو حماد الحنفي، وأبو عوانة، وأبو الأحوص، وعبد الحميد بن الحسين، وشريك، وفضيل بن الحسن، وابن عيينة، وإسرائيل، وهريم، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة.
* وخالفهم: إبراهيم بن طهمان، فرواه عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة.
* ولم يتابع: إبراهيم بن طهمان عليه، والأول: هو الصواب). اهـ
قلت: فرواية إبراهيم بن طهمان، رواية شاذة.
ﭑ ﭑ ﭑ
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
ذكر الدليل على كشف الوهم الذي وقع في حديث: جابر بن عبد الله ﭭ، وهو قوله: «نجيء نحن يوم القيامة، عن كذا، وكذا، انظر؛ أي: ذلك فوق الناس»، وهذا تصحيف وقع في هذا الحديث، مما يدل على وجود علل في الصحيح................................................... |
2 |
([1]) ولم يخرج البخاري هذا الحديث.
وذكر الحافظ الحميدي في «الجمع بين الصحيحين» (ج2 ص510)؛ في أفراد مسلم، وذكر إثره، وقال أبو مسعود: «موقوف».
* وكذا قال الحافظ المزي في «تحفة الأشراف» (ج2 ص256)، أنه: حديث موقوف.
([2]) وكذا قال الشيخ الوادعي / في «الشفاعة» (ص162)، والحافظ ابن رجب / في «التخويف من النار» (ص249).
وانظر: «بغية المرتاد» لابن تيمية (ص462).
([7]) وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج7 ص731)، و«عمدة القاري» للعيني (ج12 ص30)، و«التعليق على التتبع» للشيخ الوادعي (ص382).
([10]) وانظر: «فتح المغيث» للسخاوي (ص374 و375)، و«شرح العلل الصغير» لابن رجب (ج1 ص454)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج9 ص108)، و«العلل» لأحمد (ج1 ص205)، و«هدي الساري» لابن حجر (ص393 و537)، و«النكت على كتاب ابن الصلاح» له (ج2 ص674).
([11]) وانظر: «شرح العلل الصغير» لابن رجب (ج1 ص454)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج9 ص108)، و«معرفة أنواع علم الحديث» لابن الصلاح (ص180).
([14]) يقصد حديث ابن عمر ﭭ، والذي سيأتي تخريجه، وهو أثر صحيح في حكم المرفوع، أخرجه البخاري في «صحيحه» (4718)، ولكن ألفاظه تخالف حديث كعب t، فلا يعد في الشواهد كما سيأتي.
([16]) وقع هنا: تصحيف، فبدلا من: «بن»، وقعت: «عن علي»، والتصويب من «الجامع المسند الصحيح» للبخاري (4718)، فالصواب: «عن آدم بن علي».