القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة التفسير الأثري / نور النبراس في تفسير سورة الإخلاص والفلق والناس

2023-12-07

صورة 1
نور النبراس في تفسير سورة الإخلاص والفلق والناس

سلسلة

من التفسير  الأثري

 (1)

 

نور النبراس

في

تفسير سورة الإخلاص والفلق والناس

 

 

 

تـألـيف

فضيلة الشيخ

 

 

 

 

 

 

 

 

 حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولى

سنة (1425 هـ )

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

إن الحمـد لله نحمده ونستـعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له  ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

¼ †WäQSTÿKV†H;TTWTÿ WÝÿY¡PVÖ@… N…éSÞWڅƒò N…éSTÍPVTŽ@… JðW/@… VPÌWš -YãYŽ†WÍSTŽ ‚WWè JðÝSTŽéSÙWTŽ ‚PVMX… ØSßKV…Wè WÜéSÙYÕó©QSÚ » .  آل عمران الآية [102] .

¼ †WäQSTÿKV†H;TTWÿ ñ§†PVÞÖ@… N…éSTÍPVTŽ@… SØRÑPVŠð¤ ÷Y¡PVÖ@… yRÑWÍVÕWž ÝYQÚ w¨pTÉTPVß xáðŸYš.Wè WÌVÕWžWè †Wä`ÞYÚ †WäW–`èW¦ JðWTŠWè †WÙSä`ÞYÚ ‚^†W–X¤ …_¤kY‘VÒ _ò:&†ð©YTßWè N…éSÍPVTŽ@…Wè JðW/@… ÷Y¡PVÖ@… WÜéSTփò:†W©WTŽ -YãYŠ &W׆Wš`¤VK‚ô@…Wè QWÜMX… JðW/@… W܆VÒ `ØRÑ`~VÕWÆ †_T‰~YÎW¤ (1) ». النساء الآية [1].

 ¼ †WäQSTÿKV†H;TTWTÿ WÝÿY¡PVÖ@… N…éSÞWڅƒò N…éSÍPVTŽ@… JðW/@… N…éRÖéSTÎWè ¾‚óéTWTÎ …_ŸÿYŸWª (70) ó˜YÕp±STÿ óØRÑVÖ `yRÑVÕHTWÙ`ÆVK… ó£YÉpTTçÅWTÿWè `ØRÑVÖ %óØRÑWTŠéSTßS¢ ÝWÚWè XÄTY¹STÿ JðW/@… ISãVÖéSªW¤Wè `ŸWÍWTÊ W¦†WTÊ …Z¦óéTWTÊ †[Ù~YÀ¹WÆ (71) » . الأحزاب الآية [70 ـ 71] .

أما بعد ،،

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالـة في النار .

فيتقطع قلب امرئ مسلم لما يرى من معاناة الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ، وإن أهم أسباب ما حل بها من ذل وصغار ، بعدها عن كتاب ربها جل جلاله ، وإن أقوى الطرق لإخراجها عما هي فيه وأوثق الوسائل لرفع شأنها ، وأضمن الأسباب لإعادة مجدها وكرامتها ، إعادتها إلى كتاب ربها سبحانه وتعالى تلاوة وتعلما وتعليما ، وتدبرا، وإيمانا وعملا ، وتبليغا وقد أخبر بهذا من أنزل عليه القرآن الكريم الناطق بالوحي صلوات ربي وسلامه عليه قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان (1) .

فقد قال عليه الصلاة والسلام : (( إن الله يـرفـع بهذا الكتاب أقواما ويـضـع به آخرين )) (2).

ويشتمل هذا الكتاب العزيز على سور وآيات كثيرة عظيمة ولها فضائل كما بينت السنة وأجلها سورة الإخلاص والفلق والناس فالاهتمام بها تفسيرا وقراءة وتعلما وتعليما وتدبرا وتدارسا وإيمانا وعملا أوجب والتمسك بها ألزم ، والاعتصام بها أوكد إن رغبت الأمة في النجاة عما هي فيه من الشقاء ، وفي نيل السعادة والفوز في الدارين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر فضل آية الكرسي وتفسيرها للدكتور فضل إلهي [ص5] .

2) أخرجه مسلم في صحيحه [ج1ص559] من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

 

لأن الله تعالى أودع سورة الإخلاص في كتابه لعظمها ولما فيها من المعاني الواضحة ، وعظم تلك السورة وفضلها وكثرة فوائدها مما يكسب القارئ عقيدة راسخة في إيمانه بربه ، وتنزيه الله تعالى عن النقائص والعيوب ، ووصفه بصفات الكمال والرد على من خالف الحق في النفي والإثبات ، وغير ذلك مما يعرف به سر تسمية السورة بسورة الإخلاص ، ومعنى كونها ( تعدل ثلث القرآن)(1) وأن حبها يوجب دخول الجنة كما جاء في الحديث (2).

فقد تضمنت هذه السورة العظيمة نفي نوعين عن الله تعالى .

أحدهما : المماثلة . ودل على نفيها قوله تعالى : óØVÖWè¼ ÝRÑWTÿ ISãPVTÖ …[éSÉS{ =SŸfTTTšVK… (4) » مع دلالة قوله ¼ `ÔSTÎ WéSå JðS/@… dŸfTTTšVK… » على ذلك . لأن أحديته تقتضي أنه متفرد بذاته ، وصفاته فلا يشاركه في ذلك أحد .

والثاني : نفي النقائص والعيوب ، وقد نفى منها التولد من الطرفين.

وتضمنت إثبات جميع صفات الكمال بإثبات الأحديـة فالصمدية الكمال المنافي للنقائص ، والأحديـة تثبت الانفراد بذلك (3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) أخرجه البخاري في صحيحه [ج9ص58] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

2) أخرجه البخاري في صحيحه تعليقا [ج2ص55] ووصله الترمذي في سننه [2901] من حديث أنس رضي الله عنه .

3) انظر تفسير  سورة الإخلاص لابن رجب [ص95] .

وإيضاحه سبحانه وتعالى لسورة الفلق ، وما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم من تأييد ونصر على الحاسدين والسحرة والحاقدين وأمره صلى الله عليه وسلم لأمته بحفظها لما اشتملت عليه هذه السورة على عدة معان عظيمة ، ومقاصد سامية كريمة

فهذه السورة الكريمة تضمنت الاستعاذة من أمور أربعة :

أحدها : شر المخلوقات التي لها شر عموما .

الثاني : شر الغاسق إذا وقب .

الثالث : شر النفاثات في العقد .

الرابع : شر الحاسد إذا حسد (1).

قلت : ويأتي تفصيل ذلك .

وإيضاحه سبحانه وتعالى أيضا لسورة الناس ، وما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم من تأييد ونصر على شياطين الإنس والجن وأمره صلى الله عليه وسلم لأمـته بحفظها لما لها من أثر في النفوس المؤمنة

فهذه السورة مشتملة على الاستعاذة من الشر الذي هو سبب الذنوب والمعاصي كلها ، وهو الشر الداخل في الإنسان ، الذي هو منشأ العقوبات في الدنيا والآخرة (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن القيم الجوزية [ج5ص382] .

2) انظر المصدر السابق [ج5ص442] .

ففي القرآن الكريم آيات ظاهرة الدلالة ، واضحة المعنى بحيث لا تخفى على أحد بل إن الناظر فيها ، والمتدبر لها ليقف متسائلا عن حكمة إظهار معناها إلى هذه الدرجة من الوضوح ، وفي القرآن آيات أخرى تذكر قضية لا يختلف فيها اثنان بل هي أمر بدهي يدركه الإنسان لأول وهـلة (1).

فتشتمل هذه الرسالة على جملة من الفوائد العظيمة والفرائد النافعة من سورة الإخلاص والفلق والناس التي لا يستغنى عنها طالب علم ، وقد حرصت فيها أن تكون سهلة الأسلوب ، واضحة في معناها ، موجزة بعيدة عن بسط خلاف المفسرين ، واكتفيت بما ترجح لي من كلامهم.

وإني آمل من كل مطلع عليها ألا يحرمني من دعوة وتوجيه ، أما الدعوة فلها مثلها ـ إن شاء الله ـ وأما التوجيه فهو حق عليه ، والمسلم مرآة أخيه .

والله تعالى أسأل أن يكون عملي هذا خالصا لوجهه الكريم ، وأن يكون في الطاعات التي لها رجـحــان في ميزان الأعمال يوم العرض عليه ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم.

والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر البدهيات في الحزب الأول من القرآن الكريم . أـ د فهد الرومي [ص6] .

 

 

 

سورة الإخلاص

مكية وآياتها أربع آيات .

Yyó©YTŠ JðY/@… XÝHTWTprQW£Ö@… Yy~YšQW£Ö@…

¼ `ÔSTÎ WéSå JðS/@… dŸfTTTšVK… (1) JðS/@… SŸWÙUfTT±Ö@… (2) `ØVÖ `ŸYÕfTTTTÿ óØVÖWè `ŸVÖéSTÿ (3)  óØVÖWè ÝRÑWTÿ ISãPVTÖ …[éSÉS{ =SŸfTTTšVK… (4) »

معنى غريب كلمات الآيات :

1) الله :          الإله ، وإله بمعنى مألوه أي : معبود ( والله هو العلم على ذات الله المختص بالله عز وجل لا يتسمى به غيره).

2) أحد :        أي الواحد الذي ليس كمثله شئ واحد لا شريك له .

3) الصمد :     هو الذي يصمد إليه في الحاجات أي يقصد لكونه قادرا على قضائها وهو السيد الذي كمل في سؤوده وهو الكامل في علمه وحلمه وعزته وحكمته وفي جميع صفاته .

4) لم يلد :       أي لم يصدر عنه ولد .

5) ولم يولد :     ولم يصدر هو عن شئ .

6) كفوا :        أي لا يكافئه ولا يماثله ولا يشاركه ولا يساويه أحد.. وكفؤا وكفوا وكفاء بمعنى واحد وهو المثل.

شرح كلمات الآيات :

1) ) `ÔSTÎ WéSå JðS/@… dŸfTTTšVK… ( أي قـولا جازما به معتقدا له عارفا بمعناه.. فهو الأحد المتوحد المنفرد بالكمال الذي له الأسماء الحسنى ، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة ، الذي لا نظير له ولا مثيل له ولا ثاني له ولا شريك ولا نـد له سبحانه وتعالى . قال تعالى ¼ ð¨`~TVÖ -YãYpՑYÙVÒ c$òpøTW® » (1) .

قلت : وهذه الأقاويل لا ينافي بعضها بعضا فيما يتعلق بالله عز وجل فتنبه.

فهو توحيد منه سبحانه لنفسه ، وأمر للمخاطب بتوحيده .

فإذا قال العبد ) `ÔSTÎ WéSå JðS/@… dŸfTTTšVK… ( كان قد وحد الله بما وحـد به نفسه ، وأتى بلفظة ( قل ) تحقيقا لهذا المعنى ، وأنه مبلغ محض ، قائل لما أمر بقوله فأخبر عن توحيده ، وهو سبحانه يخبر عن نفسه بأنه الواحد الأحد ، فتأمل هذه النكتة البديعة (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة الشورى آية [11] .

2) انظر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي [ج9ص611] وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي [ج7ص686] وبدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص367] وشرح العقيدة الواسطية لشيخنا محمد بن صالح العثيمين [ج1ص158] والضوء المنير على التفسير للصالحي [ج6ص480 ـ تفسير ابن القيم ] .

2) ) JðS/@… SŸWÙUfTT±Ö@… (  هذه جملة مستأنفة ، بعد أن ذكر الأحدية ذكر الصمدية ، وأتي بها بجملة معرفة في طرفيها لإفادة الحصر ، أي : الله وحده الصمد .

فما معنى الصمد :

) SŸWÙUfTT±Ö@… (  هو الكامل في علمه ، في قدرته ، في حكمته ، في عزته ، في سؤدده في حلمه وهكذا في سائر صفاتـه وهو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها بمعنى تميل إليه وتنتهي إليه وترفع إليه حوائجها وتتوجه إليه ، علويها وسفليها فهو بمعنى الذي يحتاج إليه كل أحد تصمد القلوب نحوه بالرغبة والرهبة وذلك لكثرة خصال الخير فيـه (1).

قلت : وبهذا نعرف أن ) SŸWÙUfTT±Ö@… (  كلمة جامعة لجميع صفات الكمال لله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي [ج7ص686] وشرح العقيدة الواسطية لشيخنا محمد بن صالح العثيمين [ج1ص160] وبدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص367] والضوء المنير على التفسير للصالحي [ج6ص483 ـ تفسير ابن القيم ] وأيسر التفاسير لكلام العلي الكبير لأبي بكر الجزائري [ج4ص712] وتفسير الطبري [ج30ص224] ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس [ج3ص309] ومختار الصحاح [ص155] ولسان العرب لابن منظور [ج4ص2495].

3) ) `ØVÖ `ŸYÕfTTTTÿ óØVÖWè `ŸVÖéSTÿ ( هذا تأكيد للصمدية والوحدانية ، وقلنا: توكيد لأننا نفهم هذا مما سبق فهو لأحديته وصمديته لم يلد لأن الولد يكون على مثل الوالد في الخلقة في الصفة وحتى الشبه ، والله ليس كمثله شئ .

) óØVÖWè `ŸVÖéSTÿ ( لأنه لو ولد لكان مسبوقا بوالد ، مع أنه جل وعلا هو الأول الذي ليس قبله شئ وهو الخالق وما سواه مخلوق ، فكيف يولد فهو لم يلد ولم يتخذ ولدا (1).

وقد جاءت النصوص الصريحة في نفي الولد عن الله سبحانه وتعالى لأهمية الرد على مدعيه من اليهود في قولهم :  ¼ e£`TÿW¥SÆ SÝ`TŠ@… JðY/@… »  (2) وعلى النصارى في قولهم : ¼ S˜~Y©WÙ<Ö@… ñÛ`TŠ@… $JðY/@… »  (3) وعلى المشركين في قولهم: الملائكة بنات الله فهذا كله في قوله  ) `ØVÖ `ŸYÕfTTTTÿ  (.

قال تعالى : ¼ N…éRֆWTÎWè W¡WPVTŽ@… JðS/@… %…_ŸVÖWè IS$ãWÞHTW™`‰TSª ÔWŠ ISãTPVÖ †WÚ Á g‹.WéHTWÙQW©Ö@… g$³`¤KKV‚ô@…Wè bQÔSÒ ISãTPVÖ fûéSYÞHTTWTÎ (116) » (4).

فهذا نص صريح فيما قالوه  ¼ W¡WPVTŽ@… JðS/@… %…_ŸVÖWè » ونص صريح في تنزيه الله سبحانه وتسبيحه عما قالوا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر تفسير القرآن للسمعاني [ج6ص304] ومحاسن التأويل للقاسمي [ج17ص294] وشرح العقيدة الواسطية لشيخنا محمد بن صالح العثيمين [ج1ص162] وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي [ج9ص611]

2) سورة التوبة آية [30] .

3) سورة التوبة آية [30] .

4) سورة البقرة آية [116] .

ثم جاء حرف الإضراب (بل) عن قولهم  ¼ NÔWŠ ISãTPVÖ †WÚ Á g‹.WéHTWÙQW©Ö@… g$³`¤KKV‚ô@…Wè bQÔSÒ ISãTPVÖ fûéSYÞHTTWTÎ (116) »  ففيه بيان المانع عقلا من اتخاذ الولد.

وقال تعالى : ¼ †WÚ W¡WPVTŽ@… JðS/@… ÝYÚ xŸVÖWè » (1)فنفى الله عن نفسه المقدسة الولد وهذا واضح في نفي الولد عنه سبحانه وتعالى .

وقال تعالى :  ¼ †WÚWè øYçÅWT‰?ÞWTÿ XÝHTWÙ`šQW£ÕYÖ ÜKV… W¡YPVWTÿ …[ŸVÖWè (92) ÜMX… QSÔS{ ÝWÚ Á g‹.WéHTWÙQW©Ö@… X³`¤KKV‚ô@…Wè :‚PVMX… øYŽ…ƒò XÝHTWÙ`šQW£Ö@… …_Ÿ`‰WÆ (93) »  (2).

فهو سبحانه وتعالى ليس في حاجة إلى الولد لغناه عنه .

وقد تمدح نفسه في قوله :  ¼ XÔSTÎWè SŸ`ÙW™<Ö@… YãPVÕYÖ ÷Y¡PVÖ@… `yVÖ p¡YQWTWTÿ …_ŸVÖWè óØVÖWè ÝRÑWÿ ISãTPVÖ bÐÿX£TW® Á gÐ<ÕSÙ<Ö@… `yVÖWè ÝRÑWTÿ ISãTVPÖ ÂtøYÖWè WÝQYÚ QX$ÓPR¡Ö@… Sâ`¤QYiW{Wè …W=¤gk‰<ÑWTŽ (111) » (3).

ولشـناعـة هذه الفـريــة :

قال تعالى : ¼ N…éRֆWTÎWè W¡WPVTŽ@… SÝHTWÙ`šQW£Ö@… …_ŸVÖWè (88) `ŸTWÍVPÖ óØST`LùY– †L[TTT`~TW® J…^ XM… (89) S †W|WTŽ ñ‹.WéHTWÙQW©Ö@… WÜó£TPV¹WÉWWTÿ Sã`ÞYÚ SQÌW­ÞWTŽWè ñ³`¤KKV‚ô@… QS£YðímžWè ñӆW‰Y•<Ö@… …QZŸWå (90)  ÜKV… N…óéWÆW  XÝHTWÙ`šQW£ÕYÖ …_ŸVÖWè (91) » (4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة المؤمنون آية [91] .

2) سورة مريم آية [ 92 ـ 93] .

3) سورة الإسراء آية [111] .

4) سورة مريم آية [88 ـ 91] .

4) óØVÖWè ¼ ÝRÑWTÿ ISãPVTÖ …[éSÉS{ =SŸfTTTšVK… (4) » أي لا يساويه أحد ، ولا يماثله، ولا يشاركه في جميع صفاته وأسمائه تبارك وتعالى (1).

وقد تعددت أقوال المفسرين في معنى الآية ، وكلها تدور على معنى نفي المماثلة .

ونفى الله الوالد والولد والكفء عنه المتضمن لنفي الأصل والفرع والنظير والمماثل مما اختصت به ( سورة الإخلاص ) وصارت تعدل ثلث القرآن ففي اسمه (الصمد) إثبات كل الكمال وفي نفي (الكفء) التنزيه عن الشبيه والمثال وفي (الأحد ) نفي كل شريك لذي الجلال وهذه الأصول الثلاثة هي مجامع التوحيد (2).

ففي هذه السورة :

1) صفات ثبوتية .

2) وصفات سلبية .

الصفات الثبوتية :

( الله ) التي تتضمن الألوهية.

( أحد ) تتضمن الأحديـة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر محاسن التأويل للقاسمي [ج177ص296] وزبدة التفسير من فتح القدير للأشقر [ص826] وشرح العقيدة الواسطية لشيخنا [ج2ص163] وبدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص367] والضوء المنير على التفسير للصالحي [ج6ص484]

 2) انظر التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص367] .

 ( الصمد ) تتضمن الصمدية .

والصفات السلبية :

( لم يلد ) نفى عن نفسه الولد .

( ولم يولد) نفى عن نفسه الولادة .

( ولم يكن له كفوا أحد ) نفى عن نفسه المثيل والنظير .

ثلاث إثبات ، وثلاث نفي وهذا النفي يتضمن من الإثبات كمال الأحدية والصمدية .([1])

فهذه السورة مشتملة على توحيد الاتحاد والصفات فتضمنت أهم الأركان التي قامت عليها رسالة النبي  r وهي توحيد الله وتـنزيهه .

معنى الآيات الإجمالي :

فإن في سورة الإخلاص من كمال التوحيد العلمي الاعتقادي ، وإثبات الأحدية لله المستلزمة نفي كل شركه عنه ، وإثبات الصمدية المستلزمة لإثبات كل كمال له، مع كون الخلائق تصمد إليه في حوائجها أي تقصده الخليقة وتتوجه إليه علويـها وسفليها ، ونفي الوالد والولد والكفء عنه المتضمن لنفي الأصل والفرع والنظير والمماثل .

فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له ، ونفي كل نقص عنه .

ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن .

فإن القرآن الكريم مداره على ( الخبر ) و( الإنشاء ) .

1) والإنشاء ثلاثة :

1) أمر.

2) نهي.

كقوله تعالى: ) N…èSŸST‰`Æ@…Wè JðW/@… ‚WWè N…éRÒX£`­STŽ -YãYŠ $†_LTT`T~W® (.(1)

الأمر: ) N…èSŸST‰`Æ@…Wè JðW/@… ( ففي هذه الآية أمر الله تعالى بالعبادة، والنهي: ) ‚WWè N…éRÒX£`­STŽ -YãYŠ $†_LTT`T~W® ( وفي هذه الآية نهى الله تعالى عن الشرك.

3) وإباحة.

2) والخبر نوعان :

1) خبر عن الخالق تعالى وأسمائه وصفاته وأحكامه.

2)وخبر عن خلقه . كقصص الرسل مع أقوامهم وغير ذلك. (2)

فضل سورة الإخلاص :

1) عن أبي سعيد الخـدري رضي الله عنه قـال : ( أن رجلا سمـع رجـلا يقـرأ ) `ÔSTÎ WéSå JðS/@… dŸfTTTšVK… ( يرددها ، فلما أصبح جاء إلى رسول الله r فذكر ذلك له ـ وكأن الرجل يتقـالـها ـ فقال رسول الله r: ( والذي نـفـسـي بـيـده إنـها لـتـعـدل ثـلـث القـرآن) (3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة النساء آية [36].

2) انظر شرح الأصول من علم الأصول لشيخنا محمد بن صالح العثيمين [ص46،55،113].

3) أخرجه البخاري في صحيحه [ج9ص58] وأحمد في المسند [ج3ص23] وأبو داود في سننه [ج1ص230] والنسائي في السنن الكبرى [ج6ص176] وفي السنن الصغرى [ج2ص171] ومالك في الموطأ [ج1ص163] والبيهقي في السنن الكبرى [ج3ص21] وفي شعب الإيمان [ج1ص376] وابن حبان في صحيحه [ج2ص115] وأبو عبيد في فضائل القرآن [ص142] وابن الضريس في فضائل القرآن [ص111] والبغوي في شرح السنة [ج4ص274] وفي معالم التنزيل [ج4ص545] والطحاوي في مشكل الآثار [ج2ص81] من طريق عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن أبي سعيد به .

2) وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي r قال : ( أيـعـجز أحدكـم أن يـقرأ في ليلة ثـلـث القرآن ، قالوا : وكيف يقرأ ثلث القرآن من يـطـيق ذلك ؟ قال : قـل هـو الله أحـد ، تعدل (1) ثـلـث القـرآن ، قال : ( إن الله جـزأ القرآن ثـلاثة أجزاء (2) فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القرآن) (3).

           
     

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) تعدل : أي تساوي .

فهذه السورة تعدل ثلث القرآن في الجزاء لا في الأجزاء أي أن من قرأها حصل له ثواب بقدر ثلث القرآن.

انظر شرح العقيدة الواسطية لشيخنا محمد بن صالح العثيمين [ج1ص157] .

2) فسر معناه : أن القرآن ثلاثة أقسام : ثلث منه أحكام ، وثلث منه وعد ووعيد وقصص ، وثلث منه الأسماء والصفات ، وهذه السورة جمعت الأسماء والصفات .

انظر الفتاوى لابن تيمية [ج17ص103] والمعلم بفوائد مسلم للمازري [ج1ص308] .

3) أخرجه مسلم في صحيحه [ج1ص556] والنسائي في السنن الكبرى [ج6ص176] وأحمد في المسند [ج5ص195] والطيالسي في المسند [ص131] والدارمي في السنن [ج2ص460] وأبو نعيم في الحلية [ج7ص168] وفي أخبار أصبهان [ج2ص285] وأبو عبيد في فضائل القرآن [ص144] وابن الضريس في فضائل القرآن [ص112] والرازي في فضائـل القرآن [ص136] وابن عبد البر في التمهيـد [ج7ص257]والبيهقي في شعب الإيـمان [ج2ص503] وعبد بن حميد في المنتخب [ص101] والفاكهي في حديثه [ص406] وابن نصر في قيام الليل [ص143] والواحدي في الوسيط [ج4ص570] والبغوي في معالم التنزيل [ج4ص545] وابن بشران في الأمالي [ص330] من طريق سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء به .

سورة الفـلق

مدنية وآياتها خمس آيات .

Yyó©YTŠ JðY/@… XÝHTWTprQW£Ö@… Yy~YšQW£Ö@…

¼ `ÔSTÎ S¢éSÆKV… Jg‡W£YŠ XÌVÕWÉ<Ö@… (1) ÝYÚ QX£TTW® †WÚ WÌVÕWž (2) ÝYÚWè QX£TTW® \ÌYª†WTçÆ …W¢XM… ðˆWTÎWè (3)  ÝYÚWè QX£TTW® gŒHTTW‘HTPVÉPVÞÖ@… Á YŸWÍSÅ<Ö@… (4)  ÝYÚWè QX£TTW® ]ŸYª†Wš …W¢XM… WŸfTT©Wš (5) » .

معنى غريب كلمات الآيات :

1) أعوذ :       أي ألجأ وألوذ وأعتصم وأتحصن .

2) الفلق :      أي فلق الصبح ، وهو مبدأ ظهور النور ، وهو المراد هنا.

قلت :            وهذا أولى الأقوال . بدليل ذكر الليل معه ولأن الليل ينفلق عنه أي ينشق وينفصل عنه .

3) خلق :       الخلق : الإيجاد من العدم بتقدير عظيم .

4) غاسق :      أي الليل إذا أظلم .

قلت : وهذا أولى الأقوال .

5) وقب :       أي أظلم ودخل على الناس .

6) النفاثات :   السواحر ينفثن ويتفلن إذا سحرن ورقين .

                  والنفث : ريح يخرج من الفم لا ريق معه

                  فالنفث شبيه بالنفخ ، وهو أقل من التفل .

             والتفل : ريح معه شئ من ريق فالتفل شبيه بالبزق ، وهو أقل منه فأوله البزق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ .

7) العقد :       أي في العقد التي يعقدنها على السحر .

8) حسد :      الحسد تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود.

شرح كلمات الآيات :

1) )  `ÔSTÎ S¢éSÆKV… Jg‡W£YŠ XÌVÕWÉ<Ö@… (  أي قل يا رسولنا أعوذ أي أستجير وأتحصن برب الصبح ) XÌVÕWÉ<Ö@… (، وهو الله تعالى إذ هو خالق الإصباح  ولا يقدر على ذلك إلا هو لعظيم قدرته وسعة علمه (1) .

2) ) ÝYÚ QX£TTW® †WÚ WÌVÕWž ( أي من شر ما خلق الله تعالى من الكائنات من إنس وجن وحيوان ومن الجمادات أي من شر كل ذي شر منها... فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير لأبي بكر الجزائري [ج4ص714] وتفسير المشكل من غريب القرآن للقيسي [ص309] وتفسير سورة الفلق للشيخ محمد بن عبدالوهاب [ص16] وبدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص402] ومحاسن التأويل للقاسمي [ج17ص301].

2) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي [ج7ص688] وتفسير المراغي [ج30ص267] ومحاسن التأويل للقاسمي [ج17ص301] وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي [ج9ص635] وأيسر التفاسير لكلام العلي الكبير لأبي بكر الجزائري [ج4ص714] وتفسير سورة الفلق للشيخ محمد بن عبد الوهاب [ص18] .

3) ) ÝYÚWè QX£TTW® \ÌYª†WTçÆ …W¢XM… ðˆWTÎWè ( أي وأعوذ بالله من شر ما يكون في الليل إذا أقبل، حين يغشى النعاس، وينتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة والحيوانات المؤذية من السباع والهوام والدواب ولأن في الليل مخاوف ومخاطر وينبعث أهل الشر والفسق على العبث والفساد فيستعاذ بالله من أي نوع من أنواع الشر (1) .

4) ) ÝYÚWè QX£TTW® gŒHTTW‘HTPVÉPVÞÖ@… Á YŸWÍSÅ<Ö@… ( أي وتعوذ بالله من شر السواحر وهن النساء اللاتي ينفثن في كل عقدة يرقين عليها ويعقدنها بخيوط حين يسحرن بها (2) .

5) ) ÝYÚWè QX£TTW® ]ŸYª†Wš …W¢XM… WŸfTT©Wš ( أي وتعوذ بالله من شر حاسد من الناس إذا حسد أي أظهر حسده فابتغاك يضرك أو أرادك بشر أو طلبك بسوء بحسده لك لأن الحسد طلب زوال النعمة عن المحسود وسواء أرادها له أو لم يردها وهو شر الحسد .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي [ج7ص688] وتفسير المراغي [ج30ص267] وتفسير المشكل من غريب القرآن للقيسي [ص309] والجامع لأحكام القرآن للقرطبي[ج20ص254] ومختار الصحاح للرازي [ص214] وبدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص397] وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي [ج9ص636] .

2) انظر أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير لأبي بكر الجزائري [ج4ص714] و تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي [ج7ص698] وتذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي[ص323] وتفسير الطبري [ج30ص227] وزبدة التفسير من فتح القدير للأشقر [ص827] وتفسير سورة الفلق للشيخ محمد بن عبد الوهاب [ص21] وإيجاز البيان عن معاني القرآن لابن أبي الحسن [ج2ص341] وتفسير المراغي [ج30ص268].

فنستعيذ بربنا من شر الحاسد إذا أنفذ حسده بالسعي والجــد في إزالة نعمة من يحسده، فهو يعمل الحيلة ، وينصب شباكه ، لإيقاع المحسود في الضرر بأدق الوسائل ولا يمكن إرضاؤه ، ولا في الاستطاعة الوقوف على ما يدبره ، فهو لا يرضى إلا بزوال النعمة ، وليس في الطرق دفع كيده ، ورد عواديه ، فلم يبق إلا أن نستعين عليه بالخالق الأكرم ، فهو القادر على رد كيده ، ودفع أذاه ، وإحباط سعيه .

والحسد أول ذنب عصي الله به في السماء ، وأول ذنب عصي الله به في الأرض ، فحسد إبليس آدم وحق عليه اللعنة إلا بالحسد ! وحسد ابن آدم أخاه فقتله إلا بدوافع الحسد!.

وما تآمر إخوة  يوسف على أخيهم وإلقائه في غيابت الجـب مع ما أصابه من المهالك إلا من شؤم الحسد !

وهل أعرض أكثر صناديد الكفر عن اتباع الأنبياء والرسل إلا حسدا من عند أنفسهم أن يكونوا هم المتبوعين لا التابعين!

¼ ! Nv…éRֆWTÎ SÝYÚ`ëSTßKV… ðÐVÖ ðÐWÅWT‰PVTŽ@…Wè WÜéRÖV¢`¤KKV‚ô@… » (1)

فالحسد داء قديم من أدواء الأمم والشعوب ما دخل قلب رجل إلا أفسده يحمل صاحبه على كل خلق مشين . وما جاء حسد المشركين لرسول الله   r إلا على نعمة الوحي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة الشعراء آية [111] .

وهل نقم اليهود والنصارى على الإسلام والمسلمين إلا حسدا وكمدا !

 ¼ PV Wè c¤kY‘W{ óÝQYÚ XÔTT`åVK… gˆHTTWgÑ<Ö@… óéTVÖ ØRÑWßèPR S£WTÿ ?ÝYQÚ YŸ`ÅWTŠ óØRÑYÞHTWÙÿXM… …[¤†PVÉRÒ …_ŸfTT©Wš óÝYQÚ YŸÞYÆ yXäY©SÉßKV… »  (1).

وهل نقم أهل الشرك والإلحاد على أهل الإسلام إلا حسدا من عند أنفسهم .

وهل كاد الأقران قديما وحديثا لبعضهم وسعوا بالنميمة والوقيعة إلا بالحسد !

وهل كاد أهل البدع من الأشاعرة وغيرهم ، لأهل الحق ، وسعوا بالنميمة والوقيعة والتشويش إلا بالحسد أن يكونوا هم المتبوعين لا التابعين !

فالحسد داء خطير ، وشر مستطير ، يأكل القلوب كما تأكل النار الهشيم ، فيحمل على سوء الخلق ، وقلة الدين والظلم والعدوان .

فانظر ما فعل أهل الاعتزال خصوم الإمام أحمد بن حنبل  رحمه الله حيث عذب وألقي في السجن !

وانظر ما فعل خصوم البخاري رحمه الله حيث لفقوا له تهمة القول بخلق القرآن !

وما فعل خصوم ابن تيمية رحمه الله وحساده حيث ألقي في السجن بضع سنين !

وما فعلوه في تلميذه ابن القيم رحمه الله إلا بسبب الحسد !

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة البقرة آية [109] .

وهل نقم أهل الشرك والتصوف والبدعة على الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وسعوا بتشويه دعوة التوحيد المباركة إلا حسدا !

وهل وقع أهل السياسة في زماننا في الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ وسعوا بالنميمة والطعن فيه إلا بالحسد !

وما تآمر أهل الفتنة والإرجاف والتفرق على الشيخ ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ إلا من شؤم الحسد!

وما تآمر أهل التحزب على الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله وعادوه إلا بالحسد لم يريدوا بها الشيخ ذاته ، بل أرادوا من خلالها المنهج الرباني الذي انتهجه وتبناه منهج الجرح والتعديل وغيره ودعا الناس إليه .

وما خرج الإخوانيون والقطبيون والسروريون بالسلاح والكلمة على الحكام إلا حسدا من عند أنفسهم أن يكونوا هم الحاكمين لا المحكومين !!!

وما تآمر الحزبية من إخوان المسلمين والقطبيين والسروريين والتراثيين وغيرهم على السلفيين أهل الأثر والحديث في زماننا إلا بالحسد فأجمعوا أمرهم بليل ونهار وأرجفوا فراحوا ـ لواسع جهلهم ـ يمكرون بهم ، ويمعنون في مكرهم ، ويؤلبون عليهم ، ويـصرون على عداوتهم وأذاهم ، ويكذبون عليهم ، ويرون في كذبهم قربـة يوغرون بها صدور من لانت لهم قناة الفتنة رعاع الناس .

وهكذا ديدن الحساد يسعون بالنميمة والإفساد في الأرض لا كثـر الله منهم، وأعاذنا الله من حسد الحاسدين وشر العائبين إنه ولي ذلك والقادر عليه .

فالحاسد هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب .

فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره وإبطال كيده (1) .

ويدخل في الحاسد : العاين لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع خبيث النفس.

ويدخل كذلك ـ النمام ـ الذي يقطع روابط المحبة ويبدد شمل المودة .

قلت : ويدخل في النفاثات هنا أيضا الأرواح والأنفس النفاثات لأن تأثير السحر أيضا من جهة الأنفس الخبيثة والأرواح الشريرة .

أسباب الحسد :

أن الحامل على الحسد أصله أمران :

الأول : ازدراء المحسود .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير لأبي بكر الجزائري [ج4ص714] وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي [ج7ص698] وتفسير المراغي [ج30ص268] والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية [ج16ص386] وبدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص413] وتفسير سورة الفلق للشيخ محمد ابن عبد الوهاب [ص26] .

الثاني : إعجاب الحاسد بنفسه ، كما قال إبليس معللا لامتناعه من السجود  ¼ WӆWTÎ h†WTßKV… b¤`kTWž S$ã`ÞTYQÚ » (1).

ثم فصل معنى الخيرية المزعومة بقوله : øYÞWpTÍTVÕWž¼    ÝYÚ x¤†PVTß ISãWpTÍTVÕWžWè ÝYÚ xÜkYº (76) » ويلحق بذلك جميع الأسباب .

وقد ذكروا منها :

التعزز في نفسه ، ولا يريد لأحد أن يرتفع عليه ، والتعجب بأن يعجب بنفسه، ولا يرى أحدا أولى منه ، والخوف من فوات المقاصد عند شخص إذا رآه سيغني عنه ، وحب الرئاسة ممن لا يريد لأحد أن يتقدم عليه في أي فن أو مجال .

ومن هنا لا نرى معجبا بنفسه قط ، إلا ويزدري الآخرين ويحسدهم على أدنى نعمة أنعمها الله عليهم عافانا الله من ذلك .

قلت : وكما في الأثر : ( المؤمن يغبط ، والمنافق يحسد ) نسأل الله العافية والمعافاة .

فهذه السورة تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور عموما وخصوصا .

ودلت على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره ويستعاذ بالله منه ومن أهله .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة الأعراف  آية [76] .

معنى الآيات الإجمالي :

قوله تعـالى  ) `ÔSTÎ S¢éSÆKV… Jg‡W£YŠ XÌVÕWÉ<Ö@… ( أي قـل استعيـذ بـرب المخلوقات ومـبدع الكائنات من كل أذى وشـر يصيبني من مخلوق   ¼ ÝYÚWè QX£TTW® \ÌYª†WTçÆ …W¢XM… ðˆWTÎWè » أي ومن شر الليل إذا دخل وغمر كل شئ بظلامه ، والليل إذا كان على تلك الحال كان مخوفا باعثا على الرهبة فيستعاذ بالله منه  ¼ ÝYÚWè QX£TTW® gŒHTTW‘HTPVÉPVÞÖ@… Á YŸWÍSÅ<Ö@… » أي ومن شر السواحر والسحرة والنمامين .

فالنميمة تحول ما بين الصديقين من محبة إلى عداوة بالوسائل الخفية التي تشبه أن تكون ضربا من السحر ، ويصعب الاحتياط والتحفظ منها، فالنمام يأتي لك بكلام يشبه الصدق، فيصعب عليك تكذيبه كما يفعل الساحر المشعوذ إذا أراد أن يحل المحبة بين المرء وزوجه  ¼ ÝYÚWè QX£TTW® ]ŸYª†Wš …W¢XM… WŸfTT©Wš »  أي ونستعيذ بك ربنا من شر الحاسد إذا أنفذ سحره .

فتضمنت السورة الاستعاذة من شر المخلوقات وبخاصة ظلمة الليل ، والسواحر والنمامين ، والحسدة وهي درس بليغ وتعليم نافع عظيم لحماية الناس بعضهم من بعض بسبب أمراض النفوس ، وحمايتهم من شر ذوات السموم، وشر الليل إذا أظلم ، لما فيه من مخاوف ومفاجآت وبخاصة في البراري والكهوف .

فضل المعوذتين مجموعتين :

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله  r : (( ألم تر آيات أنزلت علي الليلة لم ير مثلهن قط ، قل أعوذ برب الفلق ... وقل أعوذ برب النــاس )) (1).

 

 

 

           
     

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) أخرجه مسلم في صحيحه [ج6ص96] والترمذي في سننه [ج5ص170] والروياني في المسند [ص82]] والطحاوي في مشكل الآثار [ج1ص34] وشـهـدة في مشيختها [ص62] والنسائي في السنن الكبرى[ج5ص17] وفي السنن الصغرى [ج2ص178] وأحمد في المسند [ج4ص144] والسمعاني في تفسير القرآن [ج6ص309] والواحدي في الوسيط [ج4ص572] والبغوي في معالم التنزيل [ج4ص548] والطيالسي في المسند [ص135] والدارمي في السنن [ج2ص462] والطبراني في المعجم الكبير [ج17ص349] وأبو نعيم في أخبار أصبهان [ج1ص261] وابن الضريس في فضائل القرآن [ص122] والبيهقي في السنن الكبرى [ج2ص349] وفي شعب الإيمان [ص500] من طريق قيس عن عقبة به.

سورة النــــاس

مدنية وآياتها ست آيات .

Yyó©YTŠ JðY/@… XÝHTWTprQW£Ö@… Yy~YšQW£Ö@…

 

¼ `ÔSTÎ S¢éSÆKV… Jg‡W£YŠ X§†PVÞÖ@… (1) YÐYÕWÚ X§†PVÞÖ@… (2) YãHTVÖXM… X§†PVÞÖ@… (3)  ÝYÚ QX£TTW® X§…Wé`ªWé<Ö@… X§†PVÞW<Ö@… (4)  ÷Y¡PVÖ@… S§Xé`ªWéSÿ Á X¤èSŸS² X§†PVÞÖ@… (5)   WÝYÚ YàUfTTTTÞY•<Ö@… X§†JðTTÞÖ@…Wè (6) » .

معنى غريب كلمات الآيات :

1) أعوذ :       أي ألجأ وألوذ وأعتصم وأتحصن .

2) برب الناس : أي مربيهم ومنميهم ومراعي شؤونهم .

والرب : اسم من أسماء الله تعالى . والرباني : العارف بالله تعالى ومنه قوله تعالى : ¼ ÝYÑHTVÖWè N…éSßéRÒ WÝGTTgTQT~YÞHTTQWTŠW¤ »  (1)

3) ملك الناس :  أي مليكهم وسيدهم وحاكمهم .

4) إله الناس :  الإله : المعبود بحق وهو خالق السماوات والأرض ومدبر الأمر فيهما. فهو معبود الناس بحق ، إذ لا معبود سواه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة آل عمران آية [79] .

5) الوسواس :    أي الموسوس الذي يلقي حديث الشر والسوء في النفس بالصوت الخفي .

والمراد به الشيطان .

6) الخناس :     من خنس يخنس إذا توارى واختفى فهو من الاختفاء والرجوع والتأخر .

وحقيقة اللفظ : اختفاء بعد ظهور ، فليست لمجرد الاختفاء .

وأصل الخنوس : الرجوع إلى وراء .

والمراد به الشيطان أيضا .

7) الجنة :       واحدهم جني كإنس وإنسي فالجيم والنون تعني الستر والخفاء . والجني بمعنى الخفي أو المتستر أو غير المرئي 

ومنه : قلب المرء يسمى ( الجنان ) لأنه مستور ، والصدر يجنه أي يستره .

و( الجنين ) يسمى بهذا الاسم لاستـتاره في بطن أمه.

ومنه قوله تعالى : ¼ <¢MX…Wè `ySTßKV… bàTQWÞY–VK… Á XÜéñ¹STŠ $óØRÑYTTHTWTäPVÚRK… »  (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة النجم آية [32] .

ويقال : وجـن الرجل جنونا ، وأجنـه الله ، فهو ( مجنون): إذا غاب عقله ، واستـتـر رشده.

ومنه قوله تعالى :  ¼ uüW£WpTTÊKV… øVÕWÆ JðY/@… †[TŠY¡VÒ ×KV… -YãYTŠ =%SàQWTÞY– » (1).

ويقال : ( جنه الليل ) أي أخفاه وستره بظلامه .

ومنه قوله تعالى :  ¼ †QWÙWTÕWTÊ QWÝW– Yã`~TVÕWÆ SÔT`~TPVÖ@… …ƒòW¤ $†_T‰W{óéTVÒ »  (2) .

والصيام ( جــنــة ) أي ستر ووقاية .

ومنه قولـه صلى الله عليه وآله وسلم : ( والصيام جــنــة) (3).

ويقال : ( الجنة ) لكثرة شجرها ، بحيث يستر بعضها بعضا.

وتطلق العرب على ( الترس ) الذي يستر به المقاتل (المجـة) لأن المقاتل يـستر به من الرامي والطاعن والضارب .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة سبأ آية [8] .

2) سورة الأنعام آية [76] .

3) أخرجه البخاري في صحيحه [1904] ومسلم في صحيحه [1151] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

فكل شئ وقيـت به نفسك واستترت به من أي شئ فهو (جنـة) .

إذا الجيم والنون بشتى تشكيلاتها في اللغة العربية ، فهي تعني من خفي أي من الستر والخفاء .

8) الناس :         الإنس ضد الجن .

يقال : آنست الشئ إذا أبصرته .

ومنه قوله تعالى : ¼ ! †QWÙVÕWTÊ uøWµWTÎ øWªéSÚ WÔW–KKV‚ô@… W¤†WªWè ,-YãYÕ`åVK†YTŠ ð¨W߅ƒò ÝYÚ gˆY߆W– Y¤éJñ¹Ö@… …_¤†WTß »(1)  أي رأى نارا .

فالإنسي : الشئ المرئي .

والجني : الشئ الغير مرئي .

شرح كلمات الآيات :

1) ¼  `ÔSTÎ S¢éSÆKV… Jg‡W£YŠ X§†PVÞÖ@… » أمر رسوله أن يستعيذ بمن يربي الناس بنعمه ويؤدبهم بنقمه ومتعهدهم بعنايته ورعايته ومصلح أحوالهم  وهو الله تعالى(2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة القصص آية [29] .

2) انظر تفسير المراغي [ج30ص269] والجامع لأحكام القرآن للقرطبي [ج20ص260] وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي [ج7ص689] وبدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص439] .

2) ) YÐYÕWÚ X§†PVÞÖ@… ( أي مالكهم ومدبر أمورهم ، وواضع الشرائع والأحكام التي فيها سعادتهم في معاشهم ومعادهم ، وله الملك التام والسلطان القاهر(1) .

3)YãHTVÖXM… )  X§†PVÞÖ@… ( أي معبود الناس بحق ، إذ لا معبود سواه سبحانه وتعالى ... واسم الإله خاص بالله لا يشاركه فيه أحد (2) .

فذكر الربوبية والمالكية والألوهية فهو رب كل شئ ومالك كل شئ وإله كل شئ. سبحانه .

4) ) ÝYÚ QX£TTW® X§…Wé`ªWé<Ö@… X§†PVÞW<Ö@… ( أي ألجأ إليك رب الخلق وإلههم ومعبودهم أن تـنجـينـا من شر الشيطان المـوسـوس ، الكثير الخـنـوس والاختفاء ، لأنه يأتي من ناحية الباطل فلا يستطيع مقاومة الحق إذا صدمه ، ولكنه يذهب بالنفس إلى أسوأ مصير إذا انجرت مع وسوسته ، وانساقت معه إلى تحقيق ما خطر بالبال .

والوساوس تذهب هباء إذا تـنبهت النفس لأوامر الشرع وهكذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر تفسير المراغي [ج30ص270] والتفسير المنير للزحيلي [ج30ص480] والجامع لأحكام القرآن للقرطبي [ج20ص261] وأيسر التفاسير لكلام العلي الكبير لأبي بكر الجزائري [ج4ص715] وتفسير سورة الناس للشيخ محمد بن عبد الوهاب [ص19] .

2) انظر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي [ج9ص658] وإرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لأبي السعود [ج9ص216] وأيسر التفاسير لكلام العلي الكبير لأبي بكر الجزائري [ج4ص715] وتفسير سورة الناس للشيخ محمد بن عبد الوهاب [ص27] .

إذا وسوس لك امرؤوبعثك على فعل السوء ثم ذكرته بأوامر الدين يخنس ويمسك عن القول إلى أن تسنح له فرصة أخرى (1).

وقد وصف الله هذا الوسواس الخناس بقوله :

5) ) ÷Y¡PVÖ@… S§Xé`ªWéSÿ Á X¤èSŸS² X§†PVÞÖ@… (5) WÝYÚ YàUfTTTTÞY•<Ö@… (X§†JðTTÞÖ@…Wè  أي إن هذا الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور البشر، قد يكون مـن ( الجنـة ) ، وقد يكون من ( الناس) كما جـاء في قولـه تعالى:  ¼ ðÐYÖ.V¡W{Wè †WTÞ<ÕWÅW– QXÔRÑYÖ \QøY‰TWTß …^QèSŸWÆ WÜkY¹HTW~TW® X¨ß‚XMô@… QXÝY•<Ö@…Wè » (2) فشيطان الجن قد يوسوس تارة ، ويخنس أخرى ، وشيطان الإنس كذلك ، فكثيرا ما يريك أنه ناصح شفيق ، فإذا زجرته خنـس وترك هذه الوسوسة ، وإذا أصغيت إلى كلامه استرسل في حديثه وبالغ فيه(3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر تفسير المراغي [ج30ص270] وتفسير سورة الناس للشيخ محمد بن عبد الوهاب [ص32] وبدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص443] وتفسير القرآن للسمعاني [ج6ص308] وتذكرة الأريب في تفسير الغريب لابن الجوزي [ص324] وايجاز البيان عن معاني القرآن لابن أبي الحسن [ج2ص342] وتفسير المشكل من غريب القرآن للقيسي [ص309] وتفسير الطبري [ج30ص228] .

2) سورة الأنعام [112] .

3) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي [ج7ص690] وتفسير القرآن لابن عبد السلام [ج3ص513] وتفسير القرآن العظيم لابن كثير [ج4ص616] وبدائع التفسير الجامع لتفسير ابن القيم الجوزية [ج5ص459] ومعالم التنزيل للبغوي [ج4ص548] وزاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي [ج9ص279] وتفسير سورة الناس للشيخ محمد بن عبد الوهاب [ص47] .

قلت : فالموسـوسـون قسمان :

1) قسم الجــنـــة : وهم الخلق المستترون الذين لا نعرفهم ، وإنما نجد في أنفسنا أثرا من وسوستهم ، ولكل واحد من الناس شيطان .

2) قسم الناس : ووسوستهم ما نشاهدهونراه بأعيينا ونسمعه بآذاننا .

فهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم من الشيطان ، الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها الذي من فتنته وشره أنه يوسوس في صدور الناس فيحسن لهم الشر ويريهم إياه في صورة حسنة وينشط إرادتهم لفعله .

فائدة جليلة :

قد اشتملت السورتان ( الفلق ) و ( الناس ) على ثلاثة أصول ، وهي أصول الاستعاذة .

أحدها : نفس الاستعاذة .

الثانية : المستعاذ به .

الثالثة : المستعاذ منه .

فبمعرفة ذلك تعرف شدة الحاجة والضرورة إلى هاتين السورتين .

أولا : الاستعاذة :

اعلم أن لفظه ( عاذ ) وما تصرف منها تدل على التحرز والتحصن والنجاة .

وحقيقة معناها : الهروب من شئ تخافه إلى من يعصمك منه ، ولهذا يسمى المستعاذ به: مـعاذا كما يسمى : ملجأ .

فمعنى ( أعوذ ) ألتجئ وأعتصم وأتحرز .

وفي أصله قولان :

أحدهما : أنه مأخوذ من الشر . فالعائذ قد استتر من عدوه بمن استعاذ به منه واستنجد به منه .

الثاني : أنه مأخوذ من لزوم المجاورة .

فكذلك العائذ قد استمسك بالمستعاذ به واعتصم به ولزمه .

قلت : والقولان حق كما هو ظاهر(1).

وعبارات الاستعاذة تبدأ بـ ( أعوذ ) ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) كقوله  r ( أعوذ بكلمات الله التامات ) (2) وقوله  r (أعوذ بعزة الله وقدرته )(3) وقوله  r (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن القيم الجوزية [ج5ص375] وتفسير سورة الفلق للشيخ محمد بن عبد الوهاب[ص16]والضوء المنير على التفسير للصالحي[ج6ص491].

2) أخرجه مسلم في صحيحه [ج4ص2080] والترمذي في سننه [ج5ص462] والبيهقي في السنن الكبرى [ج5ص253] من حديث خولة بنت حكيم رضي الله عنها .

3) أخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص1718] ومالك في الموطأ [ج2ص942] وأحمد في المسند [ج4ص217] والترمذي في سننه [ج5ص535] من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه .

الرجيم من همـزه ونفخـه ونفثه) (1)، وبـ ( أستعـذ ) كقوله تعالى : ¼ <¡YÅWT`ª@†WTÊ YJð/@†YŠ WÝYÚ XÝHTð¹`~TPV­Ö@… gy~Y–QW£Ö@… » (2) كقولك ( أستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) أو ( أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ) فهذا جائز ، لكن الأول أكمل وأكثر . بل الذي علمه الله إياه أن يقول ( أعوذ برب الفلق  ) و ( أعوذ برب الناس ) دون ( أستعيذ ) فجاء بلفظ الأمر والمـأمور به فقال  ¼ `ÔSTÎ S¢éSÆKV… Jg‡W£YŠ XÌVÕWÉ<Ö@… »  و ¼ `ÔSTÎ S¢éSÆKV… Jg‡W£YŠ X§†PVÞÖ@… » ، فقال صلوات الله وسلامه عليه كما قيل له كما تقدم من حديثه  r.

ثانيا : في المستعاذ :

وهو الله وحده ، رب الفلق ، ورب النــاس ، ملك الناس ، إله الناس ، الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به ، ولا يستعاذ بأحد من خلقه ، بل هو الذي يعيذ المستعيذين ، ويعصمهم ، ويمنعهم من شر ما استعاذوا من شره .

وقد أخبر تعالى في كتابه عمن استعاذ بخلقه : أن استعاذته زادته طغيانا ورهقا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) حديث صحيح .

 أخرجه أبو داود في سننه [ج1ص206 ] والترمذي في سننه [ج2ص9] والنسائي في السنن الكبرى [ ج1ص313] وابن ماجه في سننه [ج1ص264]  من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بإسناد صحيح.

2) سورة النحل آية [98] .

فقال حكاية عن مؤمني الجن :

 ¼ ISãTPVTßVK…Wè W܆VÒ cӆW–X¤ WÝYQÚ X¨ß‚XMô@… WÜèS¢éSÅWÿ xӆW–X£YŠ WÝYQÚ QXÝY•<Ö@… `ØSåèS …W¥WTÊ †_TTÍWåW¤ (6) » (1).

أي فزاد الإنس الجن باستعاذتهم بسادتهم رهقا أي : طغيانا وإثما وشرا .

و( الرهق ) في كلام العرب : الإثم وغشيان المحارم ، فزادوهم بهذه الاستعاذة غشيانا لما كان محظورا من الكبر والتعاظم ، فظنوا أنهم سادوا الإنس والجن .

وجاءت الاستعاذة في هاتين السورتين باسم الرب والملك والإله .

وجاءت الربوبية مضاف إلى الفلق وإلى الناس ، ولابد من أن يكون ما وصف به نفسه في هاتين السورتين يناسب الاستعاذة المطلوبة ، ويقتضي دفع الشر المستعاذ منه أعظم مناسبة وأبينها .

ثالثا : الشيء المستعاذ منه :

الشر الذي يصيب العبد لا يخلو من قسمين :

1) إما ذنوب وقعت منه يعاقب عليها .

فيكون وقوع ذلك بفعله وقصده وسعيه ، ويكون هذا الشر هو الذنوب وموجباتها ، وهو أعظم الشرين وأدومهما ، وأشدهما اتصالا بصاحبه (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة الجن آية [6] .

2) انظر بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص382] وتفسير سورة الناس للشيخ محمد بن عبد الوهاب [ص30] والضوء المنير على التفسير للصالحي [ج6ص496] .

2) وإما شر واقع به من غيره ، وذلك الغير إما مكلف أو غير مكلف ، والمكلف إما نظيره، وهو الإنسان ، أو ليس نظيره ، وهو الجني ، وغير المكلف : مثل الهوام وذوات الحمة (1) وغيرها .

فتضمنت هاتين السورتان الاستعاذة من هذه الشرور كلها بأوجز لفظ وأجمعه، وأدله على المراد ، وأعمه استعاذة ، بحيث لم يبق شر من الشرور إلا دخل تحت شر المستعاذ منه فيهما .

فإن سورة الفلق تضمنت الاستعاذة من أمور أربعة :

أحدها : شر المخلوقات التي لها شر عموما .

الثاني : شر الغاسق إذا وقب .

الثالث : شر النفاثات في العقد .

الرابع : شر الحاسد إذا حسد .

فنتكلم على هذه الشرور الأربعة مواقعها واتصالها بالعبد ، والتحرز منها قبل وقوعها ، وبماذا تدفع بعد وقوعها .

وقبل الكلام في ذلك لابد من بيان الشر : ما هو ؟ وما حقيقته ؟

فنقول : الشر يقال على شيئين : على الألم ، وعلى ما يفضي إليه ، وليس له مسمى سوى ذلك ، فالشرور : هي الآلام وأسبابها ، فالمعاصي والكفر والشرك وأنواع الظلم : هي شرور ، وإن كان لصاحبها فيها نوع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) الحـمة : جمع حمة وهو السم أو الإبرة التي تضرب بها الزنبور والحية والعقرب ونحو ذلك أو يلدغ بها.

انظر بدائع الفوائد لابن القيم [ج2ص204] .

غرض ولذة ، لكنها شرور ، لأنها أسباب الآلام ، ومفضية إليها ، كإفضاء سائر الأسباب إلى مسبباتها، فترتب الألم عليها كترتب الموت على تـناول السموم القاتلة ، وعلى الذبح والإحراق بالنار ، والخنق بالحبل ، وغير ذلك من الأسباب التي تكون مفضية إلى مسبباتها ولابد ، ما لم يمنع من السببية مانع ، أو يعارض السبب ما هو أقوى منه وأشد اقتضاء لضده ، كما يعارض سبب المعاصي قوة الإيمان ، وعظم الحسنات الماحية وكثرتها ، فيزيد في كميتها أو كيفيتها على أسباب العذاب ، فيدفع الأقوى الأضعف.

وهذا شأن جميع الأسباب المتضادة ، كأسباب الصحة والمرض ، وأسباب الضعف والقوة.

والمقصود : أن هذه الأسباب التي فيها لذة ما ، هي شر ، وإن نالت بها النفس مسرة عاجلة ، وهي بمنزلة طعام لذيذ شهي لكنه مسموم ، إذا تناوله الآكل لذ لأكله وطاب له مساغه ، وبعد قليل يفعل به ما يفعل ، فهكذا المعاصي والذنوب ولابد ، حتى لو لم يخبر الشارع بذلك لكان الواقع والتجربة الخاصة والعامة من أكبر شهوده .

وهل زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته ؟ فإن الله إذا أنعم على عبد نعمة حفظها عليه ، ولا يغيرها عنه حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه  ¼ QWÜMX… JðW/@… ‚W SJg¤kWTçÅSTÿ †WÚ ]zóéWÍYTŠ uøPVWš N…èJgS¤kWçÅSTÿ †WÚ %óØXäY©SÉßVK†YTŠ :…W¢XM…Wè W …W¤VK… JðS/@… xz`éWÍYTŠ …_ò;éTSª ð„TWTÊ PV W£WÚ I&SãVTÖ †WÚWè ySäVÖ ÝYQÚ -YãTYßèS  ÝYÚ ]ӅWè »  (1).

 ¼ ðÐYÖ.V¢ QWÜKV†YŠ JðW/@… `ØVÖ ñÐWTÿ …^¤QYkTWçÅSÚ ZàWÙ`ÅYPß †WäWÙWTpÅßVK… uøVÕWÆ ]z`éWTÎ uøPVWš N…èS¤PXkWçÅSTÿ †WÚ *`ØXäY©SÉßVK†YŠ »  (2).

ومن تأمل ما قص الله في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نعمه عنهم ، وجد سبب ذلك جميعه : إنما هو مخالفة أمره ، وعصيان رسله ، وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره ، وما أزال الله عنهم من نعمه ، وجد ذلك كله من سوء عواقب الذنوب ، كما قيل :

إذا كنت في نعمة فارعها
                                   

 

 

فإن المعاصي تزيل النعم

فما حفظت نعمة الله بشئ قط مثل طاعته ، ولا حصلت فيها الزيادة بمثل شكره ولازالت عن العبد نعمة بمثل معصيته لربه ، فإنها نار النعم التي تعمل فيها كما تعمل النار في الحطب اليابس ، ومن سافر بفكره في أحوال العالم استغنى عن تعريف غيره له .

والمقصود : أن هذه الأسباب شرور ولابد .

وأما كون مسبباتها شرورا : فلأنها آلام نفسية وبدنية ، فيجتمع على صاحبها مع شدة الألم الحسي ألم الروح بالهموم والغموم والأحزان والحسرات ، ولو تفطن العاقل اللبيب لهذا حق التفطن لأعطاه حقه من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة الرعد آية [11] .

2) سورة الأنفال آية [53] .

الحذر والجد في الهرب . ولكن قد ضرب على قلبه حجاب الغفلة ليقضي الله أمرا كان مفعولا . فلو تيقظ حق التيقظ لتقطعت نفسه عن الدنيا حسرات على ما فاته من حظ العاجل والآجل من الله . وإنما يظهر له هذا حقيقة الظهور عند مفارقة هذا العالم، والإشراف والاطلاع على عالم البقاء فحينئذ يقول : ¼ øYÞWT`T~VÕHTTWÿ SŒ`ÚPVŸWTÎ øYŽ†W~TW™YÖ » (1) و¼ uøWTŽW£`©W™HTWTÿ uøVÕWÆ †WÚ ñŒºQW£WTÊ Á gˆ?ÞW– JðY/@… » (2).

ولما كان الشر هو الآلام وأسبابها، كانت استعاذات النبي r  جميعها مدارها على هذين الأصلين ، فكل ما استعاذ منه أو أمر بالاستعاذة منه فهو إما مؤلم ، وإما سبب يفضـي إليه ، فكان يتعوذ في آخر الصلاة من أربع وأمـر بالاستعاذة منهن وهي : (عذاب القبر ، وعذاب النار ) فهذان أعظم المؤلمات(وفتنة المحيا والممات ، وفتنة المسيخ الدجال) (3) وهذان سبب العذاب المؤلم. فالفتنة سبب العذاب ، وذكر الفتنة خصوصا ، وذكر نوعي الفتنة ، لأنها إما في الحياة وإما بعد الموت ، ففتـنة الحياة : قد يتراخى عنها العذاب مدة وأما فتنة بعد الموت فيتصل بها العذاب من غير تراخ .

فعادة الاستعاذة إلى الاستعاذة من الألم والعذاب وأسبابهما .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة الفجر آية [24] .

2) سورة الزمر آية [56]

3) أخرجه البخاري في صحيحه [ج3ص284] ومسلم في صحيحه [ج2ص233] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

وهذا من آكد أدعية الصلاة ، حتى أوجب بعض السلف والخلف الإعادة على من لم يدع به في التشهد الأخير ، وأوجبه ابن حزم في كل تشهد ، فإن لم يأت به بطلت صلاته .

ومن ذلك قوله  r : ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحــزن ، والعجز والكسل ، والجــبن والبخل ، وضــلــع الدين وغلبة الرجال ) (1) فاستعاذ من ثمانية أشياء كل اثنين منها قرينان .

فالهم والحزن قرينان ، وهما من آلام الروح ومعذباتها ، والفرق بينهما : أن الهم توقع الشر في المستقبل ، والحزن : هو التألم على حصول المكروه في الماضي ، أو فوات المحبوب، وكلاهما تألم وعذاب يرد على الروح ، فإن تعلق بالماضي سمي حزنا ، وإن تعلق بالمستقبل سمي هما.

والعجز والكسل قرينان ، وهما من أسباب الألم . لأنهما يسلتزمان فوات المحبوب، فالعجز يستلزم عدم القدرة . والكسل يستلزم عدم إرادته.  فتتألم الروح لفواته بحسب تعلقها به، والتذاذها بإدراكه لو حصل.

والجبن والبخل قرينان ، لأنهما عدم النفع بالمال والبدن ، وهما من أسباب الألم ، لأن الجبان تفوته محبوباته ومفرحات وملذوذات عظيمة ، لا تنال إلا بالبذل والشجاعة ، والبخل يحول بينه وبينها ، فهذان الخلقان من أعظم أسباب الآلام .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) أخرجه البخاري في صحيحه [ج11ص177] من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .

وضلع الدين ، وقهر الرجال : قرينان ، وهما مؤلمان للنفس معذبان لها . أحدهما : قهر بحق ، وهو ضلع الدين ، والثاني : قهر بباطل ، وهو غلبة الرجال .

وأيضا : فضلع الدين : قهر بسبب من العبد في الغالب ، وغلبة الرجال قهر بغير اختياره.

ومن ذلك تعوذه r (من المأثم والمغرم ) (1)فإنهما يسببان الألم العاجل.

ومن ذلك قوله : ( أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك )(2) فالسخط : سبب الألم ، والعقوبة : هي الألم ،  فاستعاذ من أعظم الآلام وأقوى أسبابها (3).

والشر المستعاذ منه نوعان :

أحدهما : موجود ، يطلب رفعه .

والثاني : معدوم ، يطلب بقاؤه على العدم ، وأن لا يوجد ، كما أن الخير المطلق نوعان .

أحدهما : موجود فيطلب دوامه وثباته وأن لا يسلبه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) أخرجه البخاري في صحيحه [ج2ص369] ومسلم في صحيحه [ج2ص234] من حديث عائشة رضي الله عنها .

وقد بين النبي   r شر المغرم في آخر الحديث حين سأله سائل عن كثرة تعوذه منه فقال r : ( إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف ) .

2) أخرجه مسلم في صحيحه [ج2ص123] من حديث عائشة رضي الله عنها .

3) انظر بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص385] وتفسير سورة الناس للشيخ محمد بن عبد الوهاب [ص51] .

والثاني : معدوم فيطلب وجوده وحصوله ، فهذه أربعة هي أمهات مطالب السائلين من رب العالمين ، وعليها مدار طلباتهم .

وقد جاءت هذه المطالب الأربعة في قوله تعالى حكاية عن دعاء عباده في آخر آل عمران في قولهم :  ¼ :†WTÞQWTŠQW¤ †WTÞPVTßXM… †WTÞ`ÅYÙWª †_TÿY †WTÞSÚ ÷Y †WTÞSTÿ XÝHTWÙÿpgæ„YÖ óÜKV… N…éSÞYڅƒò óØRÑQYTŠW£YŠ &†PVÞWچLWTTWTÊ †WTÞQWTŠW¤ ó£TYÉ<çÆ@†WTÊ †WTÞVÖ †fTTTTTTÞWŠéSTßS¢ ó£PYÉW{Wè †PVÞWÆ †WÞYTŽ†LWTTQYT~Wª » (1) فهذا الطلب لدفع الشر الموجود ، فإن الذنوب والسيئات شر ، كما تقدم بيانه ، ثم قال : ¼ †WTÞPVÊWéWTŽWè WÄWÚ X¤…W£`TŠVK‚ô@… » (2) فهذا طلب لدوام الخير الموجود وهو الإيمان حتى يتوفاهم عليه ، فهذان قسمان .

ثم قال ¼ †WTÞQWTŠW¤ †WÞYTŽ…ƒòWè †WÚ †WTÞPVŽŸWÆWè uøVÕWÆ ðÐYÕSªS¤ » (3) فهذا طلب للخير المعدوم أن يؤتيهم إياه. ثم قال : ¼ ‚WWè †WTßpX¥ímñž W×`éWTÿ %YàWÙHTW~YÍ<Ö@… »  (4) فهذا طلب أن لا يوقع بهم الشر المعدوم وهو خزي يوم القيامة .

فانتظمت الآيتان المطالب الأربعة أحسن انتظام ، مرتبة أحسن ترتيب قدم فيها النوعان اللذان في الدنيا ، وهما المغفرة ودوام الإسلام إلى الموت ، ثم أتبعا بالنوعين اللذين في الآخرة، وهما أن يعطوا ما وعدوه على ألسنة رسله ، وأن لا يخزيهم يوم القيامة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة آل عمران آية [193] .

2) سورة آل عمران آية [193] .

3) سورة آل عمران آية [194] .

4) سورة آل عمران آية [194] .

فإذا عرف هذا . فقوله  r في تشهد الخطبة ( ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ) (1) يتناول الاستعاذة من شر النفس ، الذي هو معدوم لكنه فيها بالقوة ، فيسأل دفعه وأن لا يوجد .

ولما كان الشر له سبب : هو مصدره ، وله مورد ومنتهى ، وكان السبب :

1) إما من ذات العبد .

2) وإما من خارج .

ومورده ومنتهاه :

1) إما من نفسه .

2) وإما من غيره .

كان هناك أربعة أمور :

1) شر مصدره من نفسه :

·                  ويعود على نفسه  تارة .

·                  وعلى غيره أخرى .

2) وشر مصدره من غيره وهو السبب فيه :

·                  ويعود على نفسه  تارة .

·                  وعلى غيره أخرى .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) حديث صحيح .

أخرجه أبو داود في سننه [ج6ص153] والترمذي في سننه [ج3ص411] والنسائي في سننه [ ج1ص29] وأحمد في المسند [ 3720 ] وابن ماجه في سننه [ ج1ص584] من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بإسناد صحيح .

جمع النبي  r هذه المقامات الأربعة في الدعاء الذي علمه الصديق رضي الله عنه : أن يقوله إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه : ( اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ، رب كل شئ ومليكه ، أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم)(1).

فذكر مصدري الشر ، وهما :

النفس والشيطان .

وذكر مورديه ونهايتيه ، وهما عوده على النفس ، أو على أخيه المسلم ، فجمع الحديث مصادر الشر وموارده في أوجز لفظ وأخصره وأجمعه وأبينه (2) .

فإذا عرف هذا فلنتكلم على الشرور المستعاذ منها في هاتين السورتين :

الشر الأول : الشر العام في قوله ) ÝYÚ QX£TTW® †WÚ WÌVÕWž ( والشر مـسنـد في الآية إلى المخلوق .

وقد دخل في قوله تعالى  ) ÝYÚ QX£TTW® †WÚ WÌVÕWž ( الاستعاذة من كل شر في أي مخلوق قام به الشر من حيوان أو غيره ، إنسيا كان أو جنيا ، أو هامة أو دابة أو ريحا أو صاعقة ، أي نوع كان من أنواع البلاء .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) حديث صحيح .

أخرجه أبو داود في سننه [ج13ص406] والترمذي في سننه [ج5ص435] والنسائي في السنن الكبرى [ ج4ص408] والبخاري في الأدب المفرد [ج2ص682 ] وابن أبي شيبة في المصنف [ ج9ص72 ] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بإسناد صحيح.

2) انظر بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص388] .

و(ما) هنا فيها عموم تقييدي وصفي ، لا عموم إطلاقي .

والمعنى : من شر كل مخلوق فيه شر ، فعمومها من هذا الوجه .

وليس المراد الاستعاذة من شر كل ما خلقه الله ، فإن الجنة وما فيها ليس فيها شر ، وكذلك الملائكة والأنبياء فإنهم خير محض ، والخير كله حصل على أيديهم .

فالاستعاذة من شر ما خلق تعم شر كل مخلوق فيه شر ، وكل شر في الدنيا والآخرة ، وشر شياطين الإنس والجن وشر السباع والهوام وشر النار والهواء وغير ذلك .

عن النبي  r قال : ( من نزل منزلا فقال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شئ حتى يرتحل منه ) (1).

الشر الثاني : شر الغاسق إذا وقب : فهذا خاص بعد عام .

وقد قال أكثر المفسرين : إنه الليل .

والغاسق إذا وقب : الليل إذا أقبل ودخل ، والوقوب : الدخول ، وهو دخول الليل بغروب الشمس .

قلت : ولا بأس بالاستعاذة من القمر ، لأن القمر هو آية الليل وسلطانه فيه .

فهو من الليل ، وهذا تفسير حق ، ولا يناقض التفسير الأول ، فكلاهما غاسق. وثبت هذا التفسير عن النبي r .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) أخرجه مسلم في صحيحه [ج4ص2080] من حديث خولة بنت حكيم رضي  الله عنها .

عن عائشة رضي الله عنها قالت : أخذ النبي  r بيدي ، فنظر إلى القمر ، فقال : ( يا عائشة، استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب )(1).

والسبب الذي لأجله أمر الله بالاستعاذة من شر الليل وشر القمر إذا وقب هو أن الليل إذا أقبل فهو محل سلطان الأرواح الشريرة الخبيثة وفيه تنتشر الشياطين.

قال النبي r: ( إن الشمس إذا غربت انتشرت الشياطين ) (2). ولهذا قال : (فاكفتوا صبيانكم واحبسوا مواشيكم حتى تذهب فــحــمة العشاء ) وفي حديث آخر ( فإن الله يبث من خلقه ما يشاء ).

والليل : هو محل الظلام ، وفيه تـتسلط  شياطين الإنس والجن مالا تـتسلط بالنهار ، فإن النهار نور ، والشياطين إنما سلطانهم في الظلمات والمواضع المظلمة وعلى أهل الظلمة .

ولهذا كان سلطان السحر وعظم تأثيره إنما هو بالليل دون النهار ، فالسحر الليلي عندهم: هو السحر القوي التأثير ، ولهذا كانت القلوب المظلمة هي محال الشياطين وبيوتهم ومآواهم ، والشياطين تجول فيها ، وتتحكم كما يتحكم ساكن البيت فيه ، وكلما كان القلب أظلم كان للشيطان أطوع ، وهو فيه أثبت وأمكن .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) حديث حسن .

أخرجه الترمذي في سننه [ج5ص421] والنسائي في تفسيره [ج2ص623] وأحمد في المسند [ج6ص61] والحاكم في المستدرك [ج2ص540] بإسناد حسن.

2) حديثأخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص1595] من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

ومن ههنا : تعلم السر في الاستعاذة برب الفلق في هذا الموضع أيضا.

فإن الفلق : هو ( الصبح ) الذي هو مبدأ ظهور النور ، وهو الذي يطرد جيش الظلام ، وعسكر المفسدين في الليل ، فيأوي كل خبيث وكل مفسد وكل لص وكل قاطع طريق سرب أو كـن أو غار ، وتأوي الهوام إلى أحجرتها والشياطين التي انتشرت بالليل إلى أمكنتها ومحالها (1).

فأمر الله عباده أن يستعيذوا بـرب النور الذي يقهر الظلمة ويزيلها.

فتأمل الاستعاذة برب الفلق من شر الظلمة ، ومن شر ما يحدث فيها ونزل هذا المعنى على الواقع يشهد بأن القرآن ، بل هاتان السورتان ، من أعظم أعلام النبوة ، وبراهين صدق رسالة محمد  r ، ومضادته لما جاء به الشياطين من كل وجه ، وأن ما جاء به ما تـنزلت به الشياطين ، وما ينبغي لهم وما يستطيعون فما فعلوه ، ولا يليق بهم ، ولا يتأتى منهم ولا يقدرون عليه .

وفي هذا أبين جواب وأشفاه

فظهرت حكمة الاستعاذة برب الفلق في هذه المواضع ، وظهر بهذا إعجاز القرآن وعظمته وجلالته ، وأن العباد لا يقدرون قـدره ، وأنـه ¼ bÔÿX¥ÞWTŽ óÝYQÚ ]y~YÑWš xŸ~YÙWš » (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص402] وتفسير سور الفلق للشيخ محمد بن عبد الوهاب [ص18] .

2) سورة فصلت آية [42] .

الشر الثالث : شر النفاثات في العقد .

وهذا الشر هو شر السحر ، فإن النفاثات في العقد : هن السواحر اللاتي يعقدن الخيوط، وينفث على كل عقدة ، حتى ينعقد ما يرد من السحر .

والنفث : هو النفخ مع ريق ، وهو دون التفل ، وهو مرتبة بينهما .

والنفث : فعل الساحر ، فإذا تكيفت نفسه بالخبث والشر الذي يريده بالمسحور ، ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة  نفخ في تلك العقد نفخا معه ريق ، فيخرج من نفسه الخبيثة نفس ممازج للشر والأذى ، مقترن بالريق الممازج لذلك.

وقد تساعد هو والروح الشيطانية على أذى المسحور فيقع فيه السحر بإذن الله الكوني القدري ، لا الأمري الشرعي .

والمسحور : هو من سحر حتى جن .

وهو الذي فسد عقله ، بحيث لا يدري ما يقول : فهو كالمجنون .

الشر الرابع : شر الحاسد إذا حسد .

وقد دل القرآن والسنة على أن نفس حسد الحاسد يـؤذي المحسود، فنفس حسده شر متصل بالمحسود من نفسه وعينه ، وإن لم يؤذه بيده ولا لسانه ، فإن الله تعالى قال ) ÝYÚWè QX£TTW® ]ŸYª†Wš …W¢XM… WŸfTT©Wš ( ، فحقق الشر منه عند صدور الحسد .

ومعلوم أن الحاسد لا يسمى حاسدا ، إلا إذا قام به الحسد  ولكن قد يكون الرجل في طبعه الحسد ، وهو غافل عن المحسود ، لاه عنه ، فإذا خطر على ذكره وقلبه انبعث نار الحسد من قلبه إليه ، وتوجهت إليه سهام الحسد من قلبه ، فيتأذى المحسود بمجرد ذلك ، فإن لم يستعذ بالله ويتحصن به ، ويكون له أوراد من الأذكار والدعوات والتوجه إلى الله والإقبال عليه، بحيث يدفع عنه من شره بمقدار توجهه وإقباله على الله وإلا ناله شر الحاسد ولابد.

فقوله تعالى : ) …W¢XM… WŸfTT©Wš ( بيان لأن شره إنما يتحقق إذا حصل منه الحسد بالفعل (1).

وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : رقية جبريل النبي r وفيها : ( بسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ) (2).

فهذا فيه الاستعاذة من شر عين الحاسد .

ومعلوم أن عينه لا تؤثر بمجردها ، إذ لو نظر إليه نظر لاه ساه عنه ، كما ينظر إلى الأرض والجبل وغيره ، لم يؤثر فيه شيئا ، وإنما إذا نظر إليه نظر من قد تكيفت نفسه الخبيثة وانسمت،واحتدت فصارت نفسا غضبية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص414] وتفسير سور الفلق للشيخ محمد بن عبد الوهاب [ص25]  والضوء المنير على التفسير للصالحي [ج6ص521] .

2) أخرجه مسلم في صحيحه [ج5ص31] والترمذي في سننه [ج3ص303] .

خبيثة حاسدة ، أثرت بها تلك النظرة ، فأثرت في المحسود تأثيرا بحسب صفة ضعفه ، وقوة نفس الحاسد ، فربما أعـطـبـه وأهلكـه وربما صرعه وأمرضه

وهذه العين إنما تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة والأرواح الشريرة..

وهذا علم لا يعرفه إلا خواص الناس ، والمحجوبون منكرون له

والعاين والحاسد يشتركان في شيء ، ويفترقان في شيء .

فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من يريد أذاه .

فالعائن : تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته .

والحاسد : يحصل له ذلك عند غيبة المحسود وحضوره أيضا .

ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده ، من جماد أو حيوان أو زرع أو مال ، وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه ، وربما أصابت عينه نفسه ، فإن رؤيته للشئ رؤية تعجب وتحديق ، مع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في العين قال الله تعالى : ¼ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر » .([2]) إنه الإصابة بالعين، أرادوا أن يصيبوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قلت : النظر الذي يؤثر في المنظور قد يكون سببه شدة العداوة والحسد فيؤثر نظره فيه ، كما تؤثر نفسه بالحسد ، ويقوى تأثير النفس عند المقابلة ، فإن العدو إذا غاب عن عدو فقد يشغل نفسه عنه ، فإذا عاينه قــبلا اجتمعت الهـمة عليه، وتوجهت النفس بكليتها إليه ، فيتأثر بنظره ، حتى إن من الناس من يسقط ، ومنهم من يحم ، ومنهم من يحمل إلى بيته ، وقد شاهد الناس من ذلك كثيرا

وقد يكون سببه الإعجاب وهو الذي يسمونه بإصابة العين ، وهو أن الناظر يرى الشئ رؤية إعجاب به أو استعظام ، فتتكيف روحه بكيفية خاصة تؤثر في المعين ، وهذا هو الذي يعرفه الناس من رؤية المعين فإنهم يستحسنون الشر ويعجبون منه فيصاب بذلك

والمقصود : أن العائن حاسد خاص . وهو أضر من الحاسد . ولهذا ـ والله أعلم ـ إنما جاء في السورة ذكر السورة ذكر الحاسد دون العائن ، لأنه أعم ، فكل عائن حاسد ولابد ، وليس كل حاسد عائنا ، فإذا استعاذ من شر الحاسد دخل فيه العائن . وهذا من شمول القرآن وإعجازه وبلاغته.

وأصل الحسد : هو بغض نعمة الله على المحسود ، وتمني زوالها .

فالحاسد عدو النعم . وهذا الشر هو من نفسه وطبعها ، ليس هو شيئا اكتسبه من غيرها، بل هو من خبثها وشرها . بخلاف السحر ، فإنه إنما يكون باكتساب أمور أخرى ، واستعانة بالأرواح الشيطانية . فلهذا ـ والله أعلم ـ قرن في السورة بين شر الحاسد وشر الساحـر ، لأن الاستعاذة من شر هذين تـعـم كل شر يأتي من شياطين الإنس والجن ، فالحسد من شياطين الإنس والجن ، والسحر من النوعين.

وبقي قسم ينفرد به شياطين الجن ، وهو الوسوسة في القلب . فذكره في السورة الأخرى، كما سيأتي الكلام عليها إن شاء الله .  فالحاسد والساحر يؤذيان المحسود والمسحور بلا عمل منه ، بل هو أذى من أمر خارج عنه ، ففرق بينهما في الذكر في سورة الفلق .

والوسواس إنما يؤذي العبد من داخل بواسطة مساكنته له ، وقبوله منه . ولهذا يعاقب العبد على الشر الذي يؤذيه به الشيطان من الوساوس التي تقترن بها الأفعال ، والعزم الجازم، لأن ذلك بسعيه وإرادته ، بخلاف شر الحاسد والساحر فإنه لا يعاقب عليه إذ لا يضاف إلى كسبه ولا إرادته، فلهذا أفرد  شر الشيطان في سورة ، وقرن بين شر الساحر والحاسد في سورة ، وكثيرا ما يجتمع في القرآن الحسد والسحر للمناسبة، ولهذا كان اليهود أسحر الناس وأحسدهم ، فإنهم لشدة خبثهم  :  فيهم من السـحر والحسد ما لـيس في غيرهم . وقد وصفهـم الله في كـتابه بهذا وهذا ، فقال :  ¼ N…éSÅW‰TPVTŽ@…Wè †WÚ N…éRÕ`WTŽ SÜkY¹HTWT~PV­Ö@… uøVÕWÆ gÐ<ÕSÚ $WÝHTWÙ`~VÕTSª †WÚWè W£WÉW{ SÝHTWÙ`~VÕTSª QWÝYÑHTVÖWè fûkY¹HTWT~PV­Ö@… N…èS£WÉVÒ WÜéSÙPYÕWÅSÿ ð§†PVÞÖ@… W£`™PY©Ö@… » (1).

 إذ المقصود الكلام على أسرار هاتين السورتين وشدة حاجة الخلق إليهما ، وأنه لا يقوم غيرهما مقامهما .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة البقرة آية [102] .

والشيطان يقارن الساحر والحاسد ، ويحادثهما ويصاحبهما ، ولكن الحاسد تعينه الشياطين بلا استدعاء منه للشيطان ، لأن الحاسد شبيه بإبليس ، وهو في الحقيقة من أتباعه، لأنه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس ، وزوال نعم الله عنهم ، كما أن إبليس حسد آدم لشرفه وفضله ، وأبى أن يسجد له حسدا . فالحاسد من جند إبليس . وأما الساحر فهو يطلب من الشيطان أن يعينه ويستعينه ، وربما يعبده من دون الله ، حتى يقضي له حاجته ، وربما يسجد له .

وفي كتب السحر والسر المكتوم من هذا عجائب ، ولهذا كلما كان الساحر أكفر وأخبث وأشد معاداة لله ولرسوله ولعباده المؤمنين ، كان سحره أقوى وأنفذ . وكان سحر عباد الأصنام أقوى من سحر أهل الكتاب ، وسحر اليهود أقوى من سحر المنتسبين إلى الإسلام . وهم الذين سحروا رسول الله   r .

والمقصود : أن الساحر والحاسد كل منهما قصده الشر ، لكن الحاسد بطبعه ونفسه وبغضه للمحسود ، والشيطان يقترن به ويعينه ، ويزين له حسده ، ويأمره بموجبه ، والساحر بعلمه ، وكسبه ، وشركه ، واستعانته بالشياطين .

وللحسد ثلاث مراتب :

أحدها : تمني زوال النعمة ، فهذا حسد على شئ محقق .

والثانية : تمني استصحاب عدم النعمة ، فهو يكره أن يحدث الله لعبده نعمة، بل يحب أن يبقى على حاله من جهله أو فقره أو ضعفه أو شتات قلبه عن الله أو قلة دينه ، فهو يتمنى دوام ما هو فيه من نقص وعيب ، فهذا حسد على شئ مقدر ، والأول كما تقدم حسد على شئ محقق .

وكلاهما حاسد ، عدو نعمة الله ، وعدو عباده ، وممقوت عند الله تعالى وعند الناس ولا يسود أبدا ولا يواسى ، فإن الناس لا يـسودون عليهم إلا من يريد الإحسان إليهم ، فأما عدو نعمة الله عليهم فلا يـسودونه باختيارهم أبدا ، إلا قهرا ، يعدونه من البلاء والمصائب التي ابتلاهم الله بها فهم يبغضونه وهو يبغضهم .

والحسد الثالث : حسد الغبطة ، وهو تمني أن يكون له مثل حال المحسود من غير أن تزول النعمة عنه . فهذا لا بأس به ، ولا يعاب صاحبه، بل هذا قريب من المنافسة وقد قال تعالى : ¼ ÁWè ðÐYÖ.V¢ X¨WTʆWTÞWW~<ÕWTÊ WÜéS©YÉHTWTÞWSÙ<Ö@… » (1).

فهذه السورة من أكبر أدوية الحسد ، فإنها تتضمن التوكل على الله ، والالتجاء إليه ، والاستعاذة به من شر حاسد النعمة ، فهو مستعيذ بولي النعم وموليها .

كأنه يقول : ( يا من أولاني نعمة وأسداها إلي ، أنا عائذ بك من شر من يريد أن يستلبها مني ، ويزيلها عني ) .

ويندفع شر الحاسد من المحسود بعشرة أسباب :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة المطففين آية [26] .

أحدها : التعوذ بالله من شره ، والتحصن به واللجوء إليه ، وهو المقصود بهذه السورة ، والله تعالى سميع لاستعاذته ، عليم بما يستعيذ منه .

والسمع هنا المراد به ( سمع الإجابة ) لا السمع العام .

فهو مثل قوله ( سمع الله لمن حمده ) وقول الخليل :  ¼ QWÜMX… øQYTTŠW¤ SÄ~YÙfTTTT©VÖ Yò:†WÆPRŸÖ@… » (1).

السبب الثاني : تـقـوى الله ، وحفظـه عند أمـره ونهـيـه ، فمن اتقى الله تولى الله حفظه ، ولم يكله إلى غيره ، قال تعالى :  ¼ ÜMX…Wè N…èS¤Yip±WTŽ N…éSÍPVWTŽWè ‚W óØS{QS£ñµWTÿ óØSåSŸ`~VÒ %†[TLTTT`~W® » (2) .

السبب الثالث : الصبر على عدوه ، وأن لا يقاتله ولا يشكوه ، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلا ، فما نــصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه ، والتوكل على الله .

السبب الرابع : التوكل على الله ، فمن توكل على الله فهو حسبه أي كافيه .

والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد مالا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم .

قال تعالى : ¼ ÝWÚWè `ÔQW{WéWWTÿ øVÕWÆ JðY/@… WéSäWTÊ ,I&SãS‰p©Wš »  (3).

والمقصود هنا ذكر الأسباب التي يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر والباغي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة إبراهيم آية [39] .

2) سورة آل عمران آية [120]

3) سورة الطلاق آية [3] .

السبب الخامس : فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه ، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له فلا يلتفت إليه ولا يخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه .

وهذا من أنفع الأدوية ، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره .

السبب السادس : وهو الإقبال على الله ، والإخلاص له ، وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها .

قال تعالى : ¼ QWÜMX… ÷Y †fTT‰YÆ ð¨`~VTÖ ðÐVÖ `ØXä`~VÕWÆ dÝHTð¹<ÕSª » (1).

وقال في حق الصديق يوسف عليه السلام :  ¼ ðÐYÖ.W¡W{ ðÇX£p±WÞYÖ SãT`ÞTWÆ ƒò;éTTSQ©Ö@… &ƒò:†W­p™WÉ<Ö@…Wè ISãPVßMX… óÝYÚ †WTßY †W‰YÆ fûkY±VÕpSÙ<Ö@… » (2).

السبب السابع : تجريد التوبة إلىالله من الذنوب التي سلطها عليه أعداؤه .

قال تعالى  : ¼ :†WÚWè ØS|W‰HTW²KV… ÝYQÚ xàTTW‰~Y±SQÚ †WÙY‰WTÊ pŒW‰W©VÒ `yRÑÿYŸ`TÿKV… » (3).

فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه

السبب الثامن : الصدقة والإحسان ما أمكنه ، فإن لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة الحجر آية [42] .

2) سورة يوسف آية [24] .

3) سورة الشورى آية [30] .

السبب التاسع : وهو من أصعب الأسباب على النفس ، وأشقها عليها، ولا يوفق له إلى من عظم حظه من الله ، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه ، فكلما ازداد أذى وبغيا وحسدا ازددت إليه إحسانا .

فاسمع الآن قوله عز وجل :  ¼ ‚WWè ÷XéWpT©WTŽ SàWTÞW©W™<Ö@… ‚WWè &SàWLùTQY~TQW©Ö@… óÄWTÊ` @… øYPVÖ@†YTŠ WøYå SÝW©`šKV… …V¢MX†WTÊ ÷Y¡PVÖ@… ðÐWTÞ`~WTŠ ISãWTÞ`~WTŠWè báWè.WŸWÆ ISãTPVTßKV†WÒ QdøYÖWè cy~YÙWš (34) †WÚWè :†WäHTùPVÍVÕSTÿ ‚PVMX… WÝÿY¡PVÖ@… N…èS¤WiTW² †WÚWè :†WäHùTPVÍVÕSTÿ ‚PVMX… èS¢ P]¿¸Wš xy~YÀ¹WÆ (35) †QWÚXM…Wè ðÐPVÞWçÆW¥ÞWTÿ WÝYÚ XÝHTð¹`~TPV­Ö@… bçÃó¥TWTß p¡YÅWT`ª@†WTÊ YJð$/@†YTŠ ISãPVTßMX… WéSå SÄ~YÙQW©Ö@… ñy~YÕWÅ<Ö@… (36) » (1).

وقال تعالى : ¼ WÐMXù;HTTVÖOèKR… WÜóéWTŽ`ëSTÿ ØSåW£`–KV… XÜ`kWTŽQW£TQWÚ †WÙYTŠ N…èS¤WiW² WÜèSòW¤`ŸWTÿWè YàWTÞW©W™<Ö@†YTŠ WàWLùTQX~TQW©Ö@… †QWÙYÚWè óØSäHTWTÞ`TÎW¦W¤ WÜéSÍYÉÞSTÿ (54) » (2).

السبب العاشر : وهو الجامع لذلك كله ، وعليه مدار هذه الأسباب ، وهو تجريد التوحيد.

فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه ، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله ، بل يفرد الله بالمخافة وقد أمنه منه، وخرج من قلبه اهتمامه به ، واشتغاله به وفكره فيه ، وتجرد لله محبة وخشية وإنابة وتوكلا واشتغالا به عن غيره

فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة فصلت آية [34 ـ 36] .

2) سورة القصص آية [54] .

هذه عشرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر ، وليس له أنفع من التوجه إلى الله وإقباله عليه ، وتوكله عليه وثقته به ، وأن لا يخاف معه غيره، بل يكون خوفه منه وحده ولا يرجو سواه ، بل يرجوه وحده ، فلا يعلق قلبه بغيره، ولا يستغيث بسواه ، ولا يرجو إلا إياه ، ومتى علق قلبه بغيره ورجاه وخافه وكل إليه وخذل من جهته ، فمن خاف شيئا غير الله سلط عليه ومن رجا شيئا سوى الله خذل من جهته وحرم خيره هذه سنـة الله في خلقه (1).

ولا يمكن حصر أجناس شره ، فضلا عن آحادها ، إذ كل شر في العالم فهو السبب فيه ، ولكن ينحصر شره في ستة أجناس ، لا يزال بابن آدم حتى ينال منه واحدا منها أو أكثر .

الشر الأول : شر الكفر والشرك ، ومعاداة الله ورسوله ، فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينـه ، واستراح من تعبه معه ، وهو أول ما يريد من العبد ، فلا يزال به حتى ينال منه ، فإذا نال ذلك صيـره من جنده وعسكره فصار من دعاة إبليس ونـوابـه فإن يئس منه من ذلك وكان ممن سبق له الإسلام في بطن أمه نقله إلى :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص416 ـ 425] وتفسير سورة الناس للشيخ محمد بن عبد الوهاب [ص50] والضوء المنير على التفسير للصالحي [ج6ص531] .

المرتبة الثانية : من الشر ، وهي البدعة ، وهي أحب إليه من الفسوق والمعاصي لأن ضررها في نفس الدين ، وهو ضرر متعد ، وهي ذنب لا يتاب منه (1) ، وهو مخالفة لدعوة الرسل وهي باب الكفر والشرك، فإذا نال منه البدعة ، وجعله من أهلها صار أيضا نائبه وداعيا من دعاته.

فإن أعجزه من هذه المرتبة ، وكان العبد ممن سبقت له من الله موهبة السنة، ومعاداة أهل البدع والضلال نقله إلى :

المرتبة الثالثة : من الشر وهي الكبائر على اختلاف أنواعها ، فهو أشد حرصا على أن يوقعه فيها ، ولاسيما إن كان عالما متبوعا ، فهو حريص على ذلك، لينفر الناس عنه ، ثم يشيع ذنوبه ومعاصيه في الناس ، ويستـنيب منهم من يشيعها ويذيعها تدينا وتقربا بزعمه إلى الله ، وهو نائب إبليس ولا يشعر  ¼ UfûMX… WÝÿY¡PVÖ@… WÜéQS‰Y™STÿ ÜKV… WÄ~Y­WTŽ SàW­Y™HTWÉ<Ö@… øYÊ fÛTÿY¡PVÖ@… N…éSÞWڅƒò óØSäVÖ }‡…W¡WÆ cy~YÖVK… Á †WTp~TßPRŸÖ@… Y&áW£Yž›‚@…Wè »  (2) هذا إذا أحبوا إشاعتها وإذاعتها ، فكيف إذا تولوا هم إشاعتها وإذاعتها ، لا نصيحة منهم ، ولكن طاعة لإبليس ونيابة عنه كل ذلك لينفر الناس عنه ، وعن الانتفاع به.

فإن عجز الشيطان عن هذه المرتبة نقله إلى :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج10ص9) : ( ولهذا قال أئمة الإسلام كسفيان الثوري وغيره، إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن البدعة لا يتاب منها والمعصية يتاب منها ).اهـ

قلت: لأن المبتدع  يحسب أن البدعة عبادة، ولذلك لا يتوب منها.

1) سورة النور آية [19] .

المرتبة الرابعة : وهي الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاحبها

فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة نقله إلى .

المرتبة الخامسة : وهي اشتغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب

فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة وكان حافظا لوقته شحيحا به نقله إلى :

المرتبة السادسة : وهي أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل ، فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ، ويحسنه له إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه، وقل من ينتبه لهذا من الناس

وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد ، يكون سببه تجريد متابعة الرسول  r ، وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله ، وأحبها إليه ، وأرضاها له ، وأنفعها للعبد ، وأعمها نصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولعباده المؤمنين خاصتهم وعامتهم ، ولا يعرف هذا إلا من كان من ورثة الرسول   r ونوابـه في الأمة ، وخلفائه في الأرض ، وأكثر  الخلق محجوبون عن ذلك ، فلا يخطر ذلك بقلوبهم ، والله يـمـن على من يشاء من عباده .

فإن أعجزه العبد من هذه المراتب الست سلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى والتكفير والتضليل والتبديع ، والتحذير منه ، وقصد إخماله وإطفاءه ليشوش عليه قلبه، ويشغل بحربه فكره ، وليمنع الناس من الانتفاع به ، فيبقى سعيه في تسليط المبطلين من شياطين الإنس والجن عليه ، لا يفتر ولا يـنـي، فحينئذ يلبس المؤمن لأمـة ـ يعني الدرع ـ الحرب ، ولا يضعها عنه إلى الموت ومتى وضعها أســر أو أصيب ، فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله .

قلت : فالمؤمن ينبغي أن يكون على استعداد دائم لمحاربة الشيطان وحزبه الذي لا يكل ولا يمل من الكيد للمؤمنين ، ولا يظن المؤمن أنه إذا أغلق أبواب قلبه عن الشيطان فقد استراح وأمن من كيده فهو إن عجز عن الكيد للمؤمن عن طريق الوسوسة إلى قلبه ، ولج إلى قلوب غيره ووسوس إليهم بإيذائه والكيد له ومحاربته فينبغي على المؤمن أن يكون في جهاد دائم واستعداد لا ينقطع وحذر شديد من كيد الشيطان ومكره .

فتأمل هذا الفصل ، وتدبر موقعه ، وعظيم منفعته ، واجعله ميزانك تزن به الناس ، وتزن به الأعمال ، فإنه يطلعك على حقائق الوجود ومراتب الخلق والله المستعان ، وعليه التكلان .

ولو لم يكن في هذا التعليق إلا هذا الفصل لكان نافعا لمن تدبره ووعاه (1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن القيم الجوزية [ج5ص455] والضوء المنير على التفسير للصالحي [ج6ص551] .

قلت : بل قد سلط عليه الشيطان من ليسوا من حزبه ممن فيهم صلاح فيدخل عليهم من باب الوسوسة بتبرئة الذمة فيقعون في أعراض طلبة العلم بغضا وحسدا، ويشنعون عليهم ويرون أن ذمتهم لا تبرأ حتى يعلنوا ذلك للناس ، بل قد يقع ذلك من بعض علماء المسلمين فيدخل عليهم الشيطان من باب الحسد والغيرة، فينكرون على من فاقهم علما وصلاحا واستقامة ، وإن كانوا يعلمون صدقه بل قد يلصقون بهم وبدعوتهم الأباطيل والله المستعان.

قاعدة نافعة :

فيما يعتصم به العبد من الشيطان ، ويستدفع به شره ، ويحترز به منه وذلك بعشرة أسباب:

أحدها : الاستعاذة بالله من الشيطان .

الدليل : قوله تعالى : ¼ †QWÚXM…Wè ðÐPVÞWçÆW¥ÞWTÿ WÝYÚ XÝHTð¹`~TPV­Ö@… bçÃó¥TWTß p¡YÅWT`ª@†WTÊ YJð$/@†YTŠ ISãPVTßMX… WéSå SÄ~YÙQW©Ö@… ñy~YÕWÅ<Ö@… »  (1).

الحرز الثاني : قراءة هاتين السورتين ( الفلق ) و ( الناس ) فإن لهما تأثيرا عجيبا في الاستعاذة بالله من شره ودفعه والتحصن منه .

الدليل : قوله r : ( ما تعوذ الناس بأفضل منهما ) (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) سورة فصلت آية [36] .

2) حديث صحيح .

أخرجه النسائي في سننه [ج8ص251] من حديث عبد الله بن حبيب رضي الله عنه بإسناد صحيح .

الحرز الثالث : قراءة آية الكرسي .

الدليل : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان ، فأتى آت ( الشيطان ) وفيه : ( إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ، فإنه لن يزال عليك من الله حافظا ولا يقربك شيطان حتى تصبح ) (1) .

الحرز الرابع : قراءة سورة البقرة .

الدليل : قوله r: ( لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، وإن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان) (2).

الحرز الخامس : قراءة خاتمة سورة البقرة .

الدليل : قوله r :( من قرآ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)(3).

الحرز السادس : قراءة الدعاء : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك، وله الحمد وهو على كل شئ قدير مائة مرة ) .

الدليل : قوله r : ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك، وله الحمد وهو على كل شئ قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) أخرجه البخاري في صحيحه [ج4ص568] .

2) أخرجه مسلم في صحيحه [ج2ص437] والترمذي في سننه [ج5ص145] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

3) أخرجه البخاري في صحيحه [ج8ص672] ومسلم في صحيحه [ج2ص458] من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه .

عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزا من الشيطان)(1) .

الحرز السابع : وهو من أنفع الحروز من الشيطان: كثرة ذكر الله عز وجل من قراءة قرآن ووضوء وصلاة وأذكار فما أحرز العبد نفسه من الشيطان بمثل ذكر الله عز وجل .

الحرز الثامن : الإمساك عن فضول النظر .

فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم ، وينال منه غرضه من هذا الباب فإن فضول النظر يدعو الفتنة

فمبدأ الفتنة من فضول النظر .. فالنظرة سهم مسموم من سهام إبليس .

فالمعاصي العظام هي كلها من فضول النظر

عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( سألت رسول الله r عن النظر الفجأة فقال : اصرف بصرك ) (2).

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول اللهr:( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة،فزنا العين النظر ) (3) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) أخرجه البخاري في صحيحه [ج2ص204] ومسلم في صحيحه [ج5ص546] من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه .

2) أخرجه مسلم في صحيحه [ج6ص182] وأبو داود في سننه [ج5ص546] والترمذي في سننه [ج2ص128] .

3) أخرجه البخاري في صحيحه [ج4ص170] ومسلم في صحيحه [ج8ص52] وأبو داود في سننه [2152] .

والمقصود أن فضول النظر أصل البلاء .

الحرز التاسع : إمساك فضول الكلام .

أما فضول الكلام فإنها تفتح للعبد أبوابا من الشر كلها مداخل للشيطان ، فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب كلها

وأكثر المعاصي : إنما يولدها فضول الكلام والنظر ، وهما أوسع مداخل الشيطان ..

والدليل :

قال النبي r  لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : ( وهل يــكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ) (1).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله  r : ( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر ، وزنا اللسان النطق ) (2).

الحرز العاشر : الإمساك عن فضول الطعام ومخالطة الناس .

وأما فضول الطعام فهو داع إلى أنواع كثيرة من الشر ، فإنه يحرك الجوارح إلى المعاصي ، ويثقلها عن الطاعات ، وحسبك بهذين شرا ، فكم من معصية جلبها الشبع وفضول الطعام فمن وقي شر بطنه فقد وقي شرا عظيما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) حديث صحيح .

أخرجه الترمذي في سننه [ج2ص328] وابن ماجه في سننه [ج2ص358] بإسناد صحيح.

2) تقدم تخريجه .

ولو لم يكن في الامتلاء من الطعام إلا أنه يدعو إلى الغفلة عن ذكر الله عز وجل ، وإذا غفل القلب عن الذكر ساعة واحدة خيم عليه الشيطان ووعده ، ومناه، وشهاه ، وهام به في كل واد .

وأما فضول المخالطة : فهي الداء العضال الجالب لكل شر ، وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة ، وكم زرعت من عداوة ، وكم غرست في القلب من حزازات تزول الجبال الراسيات ، وهي في القلوب لا تزول ، ففي فضول المخالطة خسارة الدنيا والآخرة ، وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة(1).

والمقصود أن ترك مخالطة كل مخالف حمى للروح ولماله وعرضه ونفسه وأهله

وبالجملة فمخالطة كل مخالف حمى للروح ، فعرضية ولازمة ، ومن نكد الدنيا على العبد أن يبتلى بواحد من هذا الضرب ، وليس له بد من معاشرته ومخالطته فليعاشره بالمعروف ، حتى يجعل الله له من أمره فرجا ومخرجا

ومن مخالطته الهلك كله ومخالطته بمنزلة أكل السم ، فإن اتفق لآكله ترياق ، وإلا فأحسن الله فيه العزاء ، وما أكثر هـذا الضرب في الناس لا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) انظر بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن القيم الجوزية [ج5ص464] .

كثرهم الله ، وهم أهل البدع والضلالة ، الصادون عن سنة رسول الله ، الداعون إلى خلافها ، الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ، فيجعلون البدعة سنة ، والسنة بدعة، والمعروف منكرا ، والمنكر معروفا .

إن جردت التوحيد بينهم قالوا : تنقصت جناب الأولياء والصالحين.

وإن جردت المتابعة لرسول الله  r قالوا : أهدرت الأئمة المتبوعين.

وإن وصفت الله بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله من غير غلو ولا تقصير قالوا: أنت من المشبهين .

وإن أمرت بما أمر الله به ورسوله من المعروف ونهيت عما نهى الله عنه ورسوله من المنكر ، قالوا : أنت من المفتونين .

وإن اتبعت السنة وتركت ما خالفها قالوا : أنت من أهل البدع الضالين .

وإن انقطعت إلى الله تعالى ، وخليت بينهم وبين جيفة الدنيا ، قالوا : أنت من الملبسين .

وإن تركت ما أنت عليه واتبعت أهواءهم ، فأنت عند الله من الخاسرين ، وعندهم من المنافقين .

فالحزم كل الحزم ، التماس مرضاة الله تعالى ورسوله بإغضابهم ، وأن لا تشتغل بأعتابهم ، ولا باستعتابهم ، ولا تبالي بذمهم ولا بغضهم ، فإنه عين كمالك كما قال :

وإذا أتـتك مذمتي من ناقص           فهي الشهادة لي بأني فاضل

وقال آخر :

وقد زادني حبـا لنفسي أنـني    بغيض إلى كل امرئ غير طائل

فمن كان بـواب قلبه وحارسه من هذه المداخل الأربعة التي هي أصل بلاء العالم وهي فضول النظر والكلام والطعام والمخالطة واستعمل ما ذكرناه من الأسباب التسعة التي تحرزه من الشيطان فقد أخذ بنصيبه من التوفيق وسد على نفسه أبواب جهنم وفتح عليها أبواب الرحمة وانغمر ظاهره وباطنه ويوشك أن يحمد عند الممات عاقبة هذا الدواء فعند الممات يحمد القوم التقي وفي الصباح يحمد القوم السري .

 

والله المـوفـق ولا رب غيـره ولا إله سـواه

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

 

 

 

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

 

الموضوع

الصفحة

 

1

المقدمة

3

2

سورة الإخلاص
 

8

3

معنى غريب كلمات الآيات....

8

4

شرح كلمات الآيات....

9

5

ما معنى الصمد....

10

6

الصفات الثبوتية....

13

7

الصفات السلبية....

14

8

معنى الآيات الإجمالية....

14

9

أنواع الإنشاء....

15

10

أنواع الخبر....

15

11

فضل سورة الإخلاص....

15

12

سورة الفلق

17

13

معنى غريب كلمات الآيات....

17

14

شرح كلمات الآيات....

18

15

ذم الحسد والحاسدين...

20

16

أسباب الحسد...

23

17

معنى الآيات الإجمالي...

25

18

فضل المعوذتين مجموعتين....
 

26

19

سورة الناس

27

20

معنى غريب كلمات الآيات ....

27

21

شرح كلمات الآيات....

30

22

الموسوسون قسمان....

33

23

قد اشتملت السورتان (الفلق) و (الناس) على ثلاثة أصول أصول ................................................

33

24

الاستعاذة....

33

25

في المستعاذ....

35

26

الشيء المستعاذ منه....

36

27

سورة الفلق تضمنت الاستعاذة من أمور أربعة...

37

28

الشر المستعاذ منه نوعان...

42

29

الشر الأول : الشر العام....

45

30

الشر الثاني: شر الغاسق إذا وقب....

46

31

الشر الثالث: شر النفاثات في العقد....

49

32

الشر الرابع: شر الحاسد إذا حسد....

49

33

العاين والحاسد يشتركان في شيء ويفترقان في شيء...

51

34

أصل الحسد ...

52

35

مراتب الحسد ...

54

36

يندفع شر الحاسد من المحسود بعشرة أسباب...

55

37

بيان كيد الشيطان لابن آدم ....

59

38

فيما يعتصم به العبد من الشيطان.....

63

       

 

 

 



[1] ) انظر شرح العقيدة الواسطية لشيخنا محمد بن صالح العثيمين (ج1ص163).

[2] ) سورة القلم آية [ 51]


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan