القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة التفسير الأثري / ختم الفض في أن البرزخ؛ في قوله تعالى: بينهما برزخ لا يبغيان [الرحمن: 20]؛ هو الحاجز من الأرض

2023-12-07

صورة 1
ختم الفض في أن البرزخ؛ في قوله تعالى: بينهما برزخ لا يبغيان [الرحمن: 20]؛ هو الحاجز من الأرض

 

 

 

 

 

                                                                                              

                                                                                   

ختم الفض

في

أن البرزخ؛ في قوله تعالى: ]بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن: 20]؛ هو الحاجز من الأرض.

 

 

 

تأليف

فضيلة الشيخ المحدث الفقيه

أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري

حفظه الله ورعاه

    

                                                      المقدمة

 

الحمد لله الذي شرح صدر من أراد هدايته للإسلام، وفقه في الدين من أراد به خيرا، وفهمه فيما أحكمه من الأحكام.

أحمده أن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وخلع علينا خلعة الإسلام خير لباس، وشرع لنا من الدين ما وصى به نوحا وإبراهيم، وموسى وعيسى، وأوحاه إلى محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وأشكره وشكر المنعم واجب على الأنام.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، المبعوث لبيان الأحكام، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وتابعيهم الكرام([1]).

أما بعد:

فإن علم التفسير من أجل العلوم في الشريعة المطهرة، لأنه متعلق بالقرآن الكريم؛ فهما، واستنباطا، وبيانا، وتأويلا، ومنه يعرف مراد الله تعالى في فقه الآيات القرآنية، فهو أشد العلوم تعلقا بكتاب الله تعالى، بل هو سبيل علمه، ومنهج فهمه، وخير منهج لعلم تفسير آيات الله تعالى، وأعلاه مرتبة الرجوع إلى القرآن الكريم نفسه، ثم السنة النبوية، فإن لم نجد فيه التفسير الصحيح؛ رجعنا إلى آثار الصحابة، أو آثار التابعين، أو آثار تابعي التابعين، وهم خير القرون الثلاثة الأولى([2])، وتفضيلها على ما بعدها من القرون؛ لما اختصوا به من العلم النافع، وما لهم من الفهم الصحيح لمراد الله تعالى، ورسوله r، وما اختصوا به من العمل الصالح؛ كل ذلك بالأدلة الشرعية.

قال الحافظ ابن رجب / في «بيان فضل علم السلف على علم الخلف» (67): (فأفضل العلوم في تفسير القرآن، ومعاني الحديث، والكلام في الحلال والحرام، ما كان مأثورا عن الصحابة، والتابعين، وتابعيهم... فضبط ما روي عنهم في ذلك أفضل العلم؛ مع تفهمه، وتعقله، والتفقه فيه... وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة، فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق؛ إلا وهو في كلامهم موجود لمن فهمه وتأمله، ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة، والمآخذ الدقيقة، مالا يهتدي إليه من بعدهم، ولا يلم به).اهـ

قلت: فمن هنا عظمت لي الرغبة([3]) في تفسير: قوله تعالى: ]مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن:19 و20] عن طريق آثار السلف الصالح في التفسير بأسانيد صحيحة، لصحة فهمهم في تأويل الآيات، وإيضاح الأصح، والأرجح، والأكمل في حقها من المعاني الأثرية، يتم ذلك في نمط رفيع من الأدب، وحسن الخطاب لكتاب الله تعالى.

قلت: والقرآن العظيم سبيل السعادة، وطريق النجاة، بل هو حجة الله تعالى البالغة على سائر خلقه، كما أنه حجة المسلمين على صحة دينهم، وصدق نبيهم r، وهو عصمتهم من الزلل والتعقيب، وأمان لهم من الزيغ والإنحراف، يتلونه فيسعدون بأنواره، ويتدبرون في آياته؛ فتكشف لهم أسراره.

لذلك يجب على أهل التفسير أن يبذلوا جهدهم لتيسير فهم القرآن الكريم على المسلمين؛ بالقرآن، أو السنة، أو الآثار، بأسلوب واضح، وبيان ناصع، لا برأي فيه، ولا بتطويل، ولا بتكلف، ولا بتقليد، اللهم غفرا.

قلت: وهذا هو التمسك بالقرآن؛ ومن استمسك به، واتبع ما فيه أفلح ونجا، ومن أعرض عنه؛ فإن له معيشة ضنكا، ويحشره الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة أعمى، كما عمي في الدنيا عن هذا النور، جزاء وفاقا.

قال تعالى: ]ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى[([4]). [طه: 124-126].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (تضمن الله لمن قرأ القرآن، واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ثم تلا ]فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى[ [طه: 123]) ([5]).

قلت: فمن قرأ القرآن، وعمل بما فيه عصمه الله من الضلالة في الدنيا والآخرة، والله المستعان.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (أجار الله تابع القرآن من أن يضل في الدنيا، أو يشقى في الآخرة، ثم قرأ ]فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى[ [طه: 123]، قال: لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة) ([6]).

هذا؛ وبين يديك أخي المسلم الكريم هذا التفسير بالمأثور؛ في تفسير آية: ]مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن:19 و20]؛ وهو تفسير عامة الصحابة الكرام([7])، وجماعة من التابعين، وهو الصحيح، فعض عليه بالنواجذ([8])، وتمسك به، واحكم به، وتعبد به، فإنه الحق من ربك سبحانه.

وقال الإمام ابن القيم /: (فالصحابة y أخذوا عن رسول الله r ألفاظ القرآن ومعانيه، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني أعظم من عنايتهم بالألفاظ، يأخذون المعاني أولا، ثم يأخذون الألفاظ).([9]) اهـ

وقال المفسر الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص23): (القول إذا ظهر عن جماعة من الصحابة واستفاض، ولم يوجد له منهم مخالف؛ فهو إجماع، وحجة على من بعدهم). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج1 ص355): (فإنهم أصحاب رسول الله r، ولا مخالف لهم منهم، وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم، ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم؛ لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم، والنفس تسكن إليهم؛ فأين المهرب عنهم دون سنة، ولا أصل وبالله التوفيق). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ

وقال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص24)؛ عن تفضيل السلف على الخلف: (ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم خيرا، وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين وأعمالهم في جميع علوم الدين وأعماله؛ كالتفسير، وأصول الدين، وفروعه، والزهد، والعبادة، والأخلاق، والجهاد، وغير ذلك؛ فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة؛ فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير، وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم. وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوما). اهـ

وقال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص301): (علامة من أراد الله تعالى به خيرا سلوك هذا الطريق كتاب اللـه، وسنن رسول الله r، وسنن أصحابه y، ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (فتارة يحكون الإجماع ولا يعلمون إلا قولهم). اهـ

سائلا المولى أن يتقبل مني ما كتبت، وأن يجعله في ميزان حسناتي، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

                                                                                   أبو عبدالرحمن الأثري

 

 

 

 

 

 

 

 

    

قاعدة في أصول التفسير

ذكر الدليل

على أن تفسير السلف وفهمهم لنصوص الوحي حجة على من بعدهم من الـمتأخرين

 

اعلم رحمك الله أن بيان الصحابة y أصل ضروري لسلامة التفسير وصحته، والتفسير بعيدا عن هذا الأصل من أسباب الخطأ ولا بد.

وإليك الدليل:

التفسير الذي له حكم المرفوع دون تصريح برفع، فهو أن يفسر الصحابي الآية بلفظه، فيما ليس فيه مجال اجتهاد، دون أن يصرح برفع التفسير إلى النبي r.

ومنه: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص477)؛ عن عبد الله بن مسعود t؛ في تفسير: قوله تعالى: ]لقد رأى من آيات ربه الكبرى[ [النجم: 18]، قال: (رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء).

قلت: رأى r جبريل عليه السلام على رفرف أخضر؛ أي: في حلة من رفرف، وهو الديباج الرقيق الحسن الصنعة.([10])

قلت: ولنترك ابن مسعود t يتحدث عن نفسه في مجال التفسير.

فعن مسروق، قال: قال عبد الله بن مسعود t: (والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه).([11])

وعن شقيق بن سلمة، قال: قال ابن مسعود t فقال: (والله لقد أخذت من في رسول الله r بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي r أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم).

قال شقيق: (فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك).([12])

وعن أبي الأحوص، قال: (كنا في دار أبي موسى مع نفر من أصحاب عبد الله، وهم ينظرون في مصحف، فقام عبد الله، فقال أبو مسعود: ما أعلم رسول الله r ترك بعده أعلم بما أنزل الله من هذا القائم، -يعني: ابن مسعود- فقال أبو موسى: أما لئن قلت ذاك، لقد كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا).([13])

قلت: فمثل هذا حري أن يقدم تفسيره للآية الكريمة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص361): (فإن الصحابة، والتابعين، والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول؛ وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر؛ لأجل مذهب اعتقدوه... وفي الجملة: من عدل عن مذاهب الصحابة، والتابعين، وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج2 ص675): (الصحابة هم أفقه الأمة، وأعلمهم بالمعاني المؤثرة في الأحكام). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص200): (وللصحابة فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين، كما أن لهم معرفة بأمور من السنة، وأحوال الرسول r، لا يعرفها أكثر المتأخرين، فإنهم شهدوا الرسول r، والتنزيل، وعاينوا الرسول r، وعرفوا من أقواله، وأفعاله، وأحواله مما يستدلون به على مرادهم، ما لم يعرفه أكثر المتأخرين الذين لم يعرفوا ذلك). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص200): (فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته، وطرق الصواب.

* ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة، والتابعون، وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله r، فمن خالف قولهم، وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم، فقد أخطأ في الدليل([14])، والمدلول([15]) جميعا).اهـ

وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج1 ص6): (والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده، فمن السنة... وإذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوا من القرائن، والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم، كالأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، وعبد الله بن مسعود، y... وإذا لم تجد التفسير في القرآن، ولا في السنة، ولا وجدته عن الصحابة y، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين). اهـ

وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص79): (ولسان العرب: أوسع الألسنة مذهبا، وأكثرها ألفاظا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي... فالحجة فيه كتاب الله، قال تعالى: ]وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه[ [إبراهيم: 4]. اهـ

وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص79): (فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص249): (كل ما في القرآن والسنة يرجع إلى اللغة العربية، لأن القرآن نزل باللغة العربية، إلا ما نقله الشرع عن معناه، فيرجع إلى الحقيقة الشرعية.

* وهذا سواء كان في العقيدة، أو كان في الأحكام العملية، لأن هذا الشرع كله باللغة العربية، فكله يحمل على اللغة العربية، مالم يكن له تسمية شرعية، فيرجع إلى الشرع). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص257): (أتدري من السلف؟، السلف: هم الرسول r، والخلفاء الراشدون، والصحابة y، والتابعون لهم بإحسان من أئمة الهدى والحق، فكيف تكون طريقة الخلف أهدى منهم!). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص285): (فوجب حمل كلام الله تعالى، ورسوله r على ظاهره المفهوم بذلك اللسان العربي). اهـ

قلت: والله تعالى خاطب الناس بلسان عربي مبين، ليعقلوا الكلام، ويفهموه على ما يقتضيه هذا اللسان العربي.

فتفسير القرآن باللغة العربية: أصل عند الصحابة y، فهي مصدر للتفسير، لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين.

قال تعالى: ]وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا[ [الشورى: 7].

وقال تعالى: ]وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين[ [الأحقاف: 12].

وقال تعالى: ]قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون[ [الزمر: 28].

قلت: فأنزل الله تعالى القرآن بلسان عربي مبين: ليعقله المخاطبون، فيتبين لهم ما نزل إليهم، ولعلهم يتذكرون.

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «فتح رب البرية» (ص49): (فإن القرآن نزل بلغة العرب، والصحابة y). اهـ

وقال الإمام القصاب / في «الفصول في الأصول» (ج6 ص401 بيان تلبيس الجهمية): (إن كان السلف صحابيا، فتأويله مقبول متبع، لأنه شاهد الوحي والتنزيل، وعرف التفسير والتأويل). اهـ

وعن الإمام مسروق / قال: (ما قال أصحاب محمد r عن شيء، إلا وعلمه في القرآن، ولكن علمنا قصر عنه)

أثر صحيح

أخرجه أبو خيثمة في «العلم» (ص50)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (195) من طريق أبي نعيم، ووكيع عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن تيمية في «الفتوى الحموية الكبرى» (ص298).

وعن عبدالله بن مسعود t قال: (نعم الترجمان للقرآن ابن عباس).

أثر صحيح

أخرجه أحمد في «فضائل الصحابة» (1860)، و(1861)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج12 ص110 و111)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج6 ص193)، وأبو خيثمة في «العلم» (48)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص494 و495)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج1 ص174)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج2 ص366)، والطبري في «جامع البيان» (104)، و(105)، و(106)، وفي «تهذيب الآثار» (268)، و(271)، والحاكم في «المستدرك» (ج3 ص537)، والبلاذري في «أنساب الأشراف» (ج4 ص30) من طرق عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عبد الله بن مسعود t به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص8).

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

وأخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج2 ص366) من طريق مالك بن مغول عن سلمة بن كهيل قال: قال عبد الله بن مسعود t: (نعم ترجمان القرآن ابن عباس).

وإسناده حسن.

قال ابن حجر / في «الإصابة» (ج4 ص146): (سنده حسن).

وعن مجاهد / قال: (عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفته عند كل آية منه، وأسأله عنها).

أثر صحيح

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (108)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص279 و280)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج2 ص706)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج16 ص252) من طريق محمد بن إسحاق، حدثنا أبان بن صالح، عن مجاهد به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وقال الذهبي: «هذا حديث حسن الإسناد».

وأخرجه أحمد في «فضائل الصحابة» (1866)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج10 ص559) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص10).

وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (107) من طريق طلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مليكة، قال: (رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه الواحه؛ قال: فيقول له ابن عباس: اكتب, حتى سأله عن التفسير كله).

وإسناده حسن.

وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص10).

ولهذا كان سفيان الثوري يقول: (إذا جاءك التفسير عن مجاهد، فحسبك به). ([16])

وجعله الله ميسرا ليبشر به المتقون، وينذر غيرهم فيحذرون.

وسبب تفسير القرآن بآثار الصحابة y:

1) لأنهم المختارون لصحبة أشرف الخلق.

2) لأنهم الطريق الوحيد للفهم الصحيح للقرآن، وذلك أن القرآن طبقه النبي r، والذي نقل سنة النبي r هم: الصحابة y.

3) لأن الصحابة y اهتموا بمعرفة ما يتعلق بالآيات اهتمام التلاميذ النجباء بما يقوله r لهم.

4) لأنهم تعلموا الكيفية الصحيحة لأحكام القرآن في الأصول والفروع.

5) التمكن في معرفة اللسان العربي قبل فشو اللحن، هي معرفة فطرية.

قال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج3 ص338): (فإنهم عرب فصحاء، لم تتغير ألسنتهم، ولم تنزل عن رتبتها العليا فصاحتهم؛ فهم أعرف في فهم الكتاب والسنة من غيرهم). اهـ

6) مشاهدتهم لما نزل فيه الوحي من الوقائع، ومباشرتهم لسنة النبي r، ومعرفة عادات العرب، وأحوالها التي نزل القرآن ليبين علاجها.

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح تقريب التدمرية» (ص49): (ولهذا لا يوجد شيء في القرآن غير معلوم لكل الناس وإن كان يخفى على بعض الناس؛ لقصور أو تقصير لكن بالنسبة لكل الناس لا يمكن أن يوجد في القرآن ما يخفى على الناس أبدا؛ لأن الله ذكر في القرآن أنه تبيان لكل شيء، قال تعالى: ]يريد الله ليبين لكم[ [النساء: 26]، والخفاء ليس فيه بيان). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج3 ص294): (ولقد قال الله تعالى: ]ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء[ [النحل: 89]؛ ومن المعلوم أن كثيرا من أمور الشريعة العلمية، والعملية جاء بيانها بالسنة، فيكون بيانها بالسنة من تبيان القرآن). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج3 ص296): (والتدبر لا يكون إلا فيما يمكن الوصول إلى فهمه، ليتذكر الإنسان بما فهمه منه.

* وكون القرآن عربيا ليعقله من يفهم العربية يدل على أن معناه معلوم، وإلا لما كان فرق بين أن يكون باللغة العربية أو غيرها.

* وبيان النبي r القرآن للناس شامل لبيان لفظه، وبيان معناه). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص235): (فما دام أنه نزل باللسان العربي، وجعله الله قرآنا عربيا لنعقله، إذن: يجب أن نحمله على ما يقتضيه اللسان العربي حسب الظاهر([17])، إلا أن يمنع منه دليل شرعي، فإن منع منه دليل شرعي وجب حمله على ما يدل عليه الدليل). اهـ

قلت: فإذا اتفق الصحابة في هذا الاجتهاد: يكون حجة، لأنه إجماع. ([18])

قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج1 ص319): (ولا سيما قول ابن عباس تفسيرا للقرآن، وهو ترجمانه). اهـ

قلت: ومما يدخل في المرفوع قول الصحابي: «أحل لنا»، و «حرم علينا»، و«أمرنا»، و«نهينا».

قال الحافظ ابن حجر / في «تلخيص الحبير» (ج1 ص26): (يحصل الاستدلال بهذه الرواية؛ لأنها في معنى المرفوع). اهـ

وتفسير الصحابي الذي يعود إلى البحث المحقق.

* فيصدر التفسير من الصحابة y بدون نكير؛ يعني: فيقر الصحابة هذا التفسير، لما يتعلق باستنباط صحيح في فهمهم الصحيح للآية، ولما له من تعلق باللغة العربية. ([19])

قلت: ومرجع تفسير الصحابة y إلى شيئين: إما نقل، وإما بحث.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرد على البكري» (ج2 ص729): (والعلم شيئان: إما نقل مصدق، وإما بحث محقق). اهـ

قلت: فتفسير الصحابة y لا يخرج عن هذين الأمرين: النقل؛ وهو الرواية، والعقل: وهو البحث والاجتهاد.

* فيصرح الصحابي بالنقل المصدق عن النبي r؛ أي: أن يصرح الصحابي بنسبته التفسير إلى النبي r، فهذا مرفوعا قطعا.

* أو يفسر الصحابي الآية بما له حكم الرفع، فلا يتعلق برأي ارتآه الصحابي، فهذا له حكم الرفع.

أو يقول الصحابي: «من السنة كذا»، و«سنة»، فذهب عدد من أهل العلم إلى أنه مرفوع.

واعلم رحمك الله: أنه برز من خلال الآثار، التي ذكرتها عن السلف؛ أن اللغة العربية مصدر أصيل، وأنه لا بد من الاعتماد عليها في الأحكام، في الأصول والفروع.

* ويظهر أن اللغة من أوسع المصادر التي كان يعتمد عليها السلف، وذلك ظاهر بتتبع تفاسيرهم. ([20])

* ولقد كان في عمل مفسري السلف من الصحابة، والتابعين، وأتباعهم بالأخذ بلغة العرب في التفسير: إجماع فعلي منهم.

* وهذا العمل حجة في صحة الاستدلال للتفسير بشيء من كلام العرب.

* وقد نص الإمام أبو عبيد اللغوي / في «غريب الحديث» (ج5 ص410)؛ على الاحتجاج بلغة العرب في التفسير.

قلت: ويلاحظ أن هذا الاجتهاد في التفسير كان في طبقات السلف الثلاث: الصحابة، والتابعين، وأتباع التابعين.

* وفيما يتعلق بالأدلة على لغات العرب في القرآن والسنة، يلاحظ: أن الوارد عن السلف أكثر من غيرهم. ([21])

فالسلف: كانوا يجتهدون في اختيار المعنى اللغوي المناسب إذا كان للفظ المفسر أكثر من دلالة.

* فالصحابة الكرام كانوا يسألون الرسول r ما يهمهم في أمر دينهم أو دنياهم.

والقرآن العظيم أس ذلك وأساسه، وكانوا يسكتون عما لا يعنيهم.

قال الفقيه السرخسي الحنفي / في «الأصول» (ج2 ص110): (ولا خلاف بين أصحابنا المتقدمين، والمتأخرين: أن قول الواحد من الصحابة([22]) حجة فيما لا  مدخل للقياس في معرفة الحكم فيه، وذلك المقادير التي لا تعرف بالرأي).([23]) اهـ

قلت: إن أصحاب رسول الله r قد عاصروا التشريع، وعاينوا التنزيل، وفهموا مقاصده، وقد كانت وقائعهم، وقضاياهم سببا لنزول بعض الآيات، ولا سيما التشريعية منها.

* كما أن القرآن الكريم نزل بلغتهم، وعلى معهودهم في الخطاب؛ لذلك كانت أقوالهم مرجعا أساسيا لفهم كثير من نصوص القرآن العظيم، ولا يمكن تجاوز أقوالهم؛ إذ لها أهمية خاصة لدراسة التفسير.

* فالمفسر إذا لم يجد في السنة بيانا رجع إلى أقوال الصحابة؛ فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن، والأحوال عند نزوله، ولما اختصوا به من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح. ([24])

أما المتأخرون؛ فإنهم مع سلوكهم هذا المنهج الوارد عن السلف.

إلا أنهم توسعوا في حمل لكثير من ألفاظ النصوص على المحتملات اللغوية التي ظهرت لهم من خلال فتاويهم، والتي لم تكن واردة عن السلف.

* ولذا ظهرت عندهم بعض الأقوال الشاذة في التفسير لنصوص القرآن والسنة والآثار. ([25])

قلت: فكان الصحابة والتابعون في زمن الاحتجاج اللغوي، لذا فإن الأصل أن يحتج بكلامهم، وكذا تفسيرهم لألفاظهم التي يتداولونها، ويدخل في ذلك تفسيرهم لعربية القرآن الكريم. ([26])

وهذا يبنى عليه أن تفسير السلف مقدم على تفسير غيرهم.

* وهذا فيه قصور من أهل العصر في الاستفادة من تفاسير السلف للقرآن والسنة.

فأكثرهم لا يعتدون في نقل لغة العرب بما ورد في التفاسير.

قلت: فكل تفسير لغوي وارد عن السلف يحكم بعربيته، وهو مقدم على قول غيرهم ممن بعدهم.

* ثم إنهم يفسرون القرآن العربي، بالعربية، ولم يؤثر عنهم أنهم فسروه بغيرها.

فأقل ما يقال فيهم أنهم ناقلون للغة العرب، وهم ثقة في ذلك.

* فقبول ما فسروا به على أنه لغة للقرآن والسنة. ([27])

 قلت: وكلام العرب منه ما يفهم من النص بمجرد النظر، والتدبر في الأدلة.

* ومنه ما لا يفهم المراد منه إلا بعد التأمل في الأدلة كلها، وفيما يؤول إليه النص بعد التدبر في جميع الأدلة.

* إذا ما ورد عن هؤلاء السلف الكرام من تفسير ألفاظ القرآن، أو فهمهم له، فإنه جار على لغة العرب، وهو حجة يجب الإحتكام إليه في الخلافيات، ولا يصح رده، والاعتراض عليه.

* والمقصود أن السلف بطبقاتهم الثلاث أقدر على تحديد المعنى العربي للقرآن ممن جاء بعدهم. ([28])

ولذا فإن الرجوع إلى تفسيرهم، واعتباره في نقل اللغة مما لا بد منه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «مقدمة في أصول التفسير» (ص129): (وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن، ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة؛ فإنهم أدرى بذلك لما شهدوه من القرائن والأحوال التي اختصوا لها، ولهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، لا سيما علماؤهم، وكبراؤهم، كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين؛ منهم: عبدالله بن مسعود t). اهـ

قلت: وانتقل الرسول r إلى الرفيق الأعلى، وفي صدور الصحابة الكرام الكثير من أقواله في التفسير، والتي نقلوها عنه في حياته.

* واشتغل كثير منهم بتفسير كتاب الله تعالى، واعتمدوا في ذلك على ما سمعوه من رسول الله r من تفسير بعض آيات الكتاب الحكيم في أثناء ملازمتهم له، وما شهدوه من مناسباته، وحوادث متفرقة أحاطت بنزول القرآن الكريم، وإن لم يجدوا بغيتهم في الكتاب والسنة أعملوا علمهم، ورجعوا إلى اجتهادهم معتمدين في ذلك على قوة فهمهم، وإدراكهم الصحيح، وفطرتهم السليمة، وصفاء نفوسهم. ([29])

قال تعالى: ]وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون[ [النحل: 44].

وقال تعالى: ]هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة[ [الجمعة: 2].

وعن الإمام إبراهيم الحربي / قال: (من تكلم في الفقه بغير لغة تكلم بلسان قصير). ([30])

وقال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الفقيه والمتفقه» (ص467): (وأما اللغة: فبابها واسع ونزل القرآن بلغة العرب لأنها أوسع اللغات وأفصحها, وفي كتاب الله تعالى آيات مخرجها أمر، ومعانيها وجوه متغايرة فمنها: تهدد, ومنها: إعجاز ومنها: إيجاب، ومنها: إرشاد, ومنها: إطلاق، ولا تدرك معرفة ذلك؛ إلا من جهة اللغة).اهـ

وعن أبي حمزة قال: قيل للحسن البصري في قوم يتعلمون العربية، فقال: (أحسنوا، يتعلمون لغة نبيهم r). ([31])

وقال الإمام الزركشي / في «البرهان» (ج2 ص182): (والثاني ينظر في تفسير الصحابي، فإن فسره من حيث اللغة فهم: أهل اللسان، فلا شك في اعتمادهم.

وإن فسره بما شاهده من الأسباب، والقرائن فلا شك فيه). اهـ

قلت: ويرى الحاكم / أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي، والتنزيل حديث مسند. ([32])

قال الحافظ الحاكم / في «المستدرك» (ج2 ص258): (ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند).اهـ

ويوافقه الإمام الزركشي / في «البرهان» (ج2 ص157): (تفسير الصحابي بمنزلة المرفوع إلى النبي r؛ كما قاله الحاكم في تفسيره). اهـ

قلت: وهذا لا بد له من قيد، وهو ما كان متعلقا بأسباب النزول، أو مما لا مجال للرأي فيه، فله حكم المرفوع، أو وافق السنة، أو وافق لغة العرب، ولم يوجد له مخالف من الصحابة، أو وافقه عدد من الصحابة الكرام. ([33])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «مقدمة في أصول التفسير» (ص25): (ولهذا كان النزاع بين الصحابة y في تفسير القرآن قليلا جدا). اهـ

فإذا كان كذلك: فالصواب في تفسيرهم للقرآن أكثر، وإجماعهم أكثر في التفسير، فلا بد من الرجوع إليهم في تفسير القرآن، في الأصول والفروع.

قلت: ويغلط الكثير فيعدون تفسير الصحابي من قبيل المرفوع، وهذا ليس على إطلاقه.

قال الحافظ السخاوي / في «فتح المغيث» (ج1 ص143): (وإنما كان كذلك; لأن من التفسير ما ينشأ عن معرفة طرق البلاغة واللغة، كتفسير مفرد بمفرد، أو يكون متعلقا بحكم شرعي، ونحو ذلك مما للرأي فيه مجال، فلا يحكم لما يكون من نحو هذا القبيل بالرفع، لعدم تحتم إضافته إلى الشارع). اهـ

قلت: فما كان من قبيل تفسير الغريب، أو بيان المعنى على ما يظهر للصحابي المجتهد، فلا يكون هذا من قبيل المرفوع، بل هو موقوف.

* وقد يوجد في تفاسير الصحابة y ما يجمع النوعين، فيكون بعضه له حكم الرفع، وبعضه من الموقوف.

* وهذا يعرفه المتمكن من تفسير آثار الصحابة y.

قلت: ووجه كون النزاع في التفسير بين الصحابة الكرام أقل، لسببين:

السبب الأول: أن القرآن نزل بلغتهم التي لم تتغير، فكانوا أفهم الناس لمعانيه؛ ثم تغيرت الألسن بعدهم، خاصة في هذا العصر.

السبب الثاني: سلامة قصدهم؛ فما تجد الرجل ينتصر لرأيه، لأن كان الواحد منهم لا يقصد إلا الحق أينما وجده أخذه. ([34])

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مقدمة التفسير» (ص25): (فلهذين السببين كان الخلاف بين الصحابة y في تفسير كلام الله تعالى أقل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «مقدمة في أصول التفسير» (ص21): (فصل: في أن النبي r بين لأصحابه معاني القرآن: يجب أن يعلم أن النبي r بين لأصحابه معاني القرآن، كما بين لهم ألفاظه، كقوله تعالى: ]لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النحل: 44]؛ يتناول هذا، وهذا). اهـ

يعني: بيان لفظه، وبيان معناه.

قلت: وهذا يتضمن قواعد كلية تعين على فهم القرآن، ومعرفة تفسيره ومعانيه.([35])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «مقدمة في أصول التفسير» (ص110): (والمقصود أن مثل هؤلاء اعتقدوا رأيا ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه، وليس لهم سلف من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين، لا في رأيهم، ولا في تفسيرهم). اهـ

وهذا يؤكد؛ لقاعدة: «تفسير السلف، وفهمهم لنصوص الوحي حجة على من بعدهم».

قلت: وهذه القاعدة ترد تفاسير المخالفين الذين خالفوا تفاسير الصحابة، وتابعيهم بإحسان.

* فحملوا القرآن على معان بفهمهم، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لا في فقههم، ولا في تفسيرهم للأصول والفروع.

* وترجح فهم، وتفسير السلف على فهم، وتفسير القوم.

وبالجملة: فأقوال السلف هي المعتمدة دون أقوال من خالفهم. ([36])

قلت: بما أن الصحابة y هم أعرف الناس في التفسير بعد النبي r فقد اعتمد الأئمة على تفاسيرهم، وأكثروا في النقل عنهم حتى بلغت النقول عنهم ألوف الروايات، ومن أوجه أهمية تفسير الصحابي:

1) أن أقوالهم في أسباب النزول لها حكم الرفع، وكذلك أقوالهم في الأمور الغيبية غير الإسرائيليات لها حكم الرفع أيضا.

2) أنهم من أعرق القبائل العربية، وقد نزل القرآن بلغتهم، فلهم قدرة على فهم القرآن، واستنباط الأحكام.

3) حجية قول الصحابي في التفسير، وخصوصا إذا لم يعارضه صحابي آخر أعلم منه في التفسير، وهذه الحجية متفاوتة بتفاوت علمهم بالتفسير.

4) خلو تفاسيرهم من التأويل المذموم.

قال الإمام الزركشي / في «البرهان» (ج2 ص172): (ينظر في تفسير الصحابي، فإن فسره من حيث اللغة، فهم أهل اللسان فلا شك في اعتمادهم، وإن فسره بما شاهده من الأسباب، والقرائن فلا شك فيه). اهـ

وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص29): (أبان الله جل ثناؤه لخلقه، أنه أنزل كتابه بلسان نبيه r، وهو لسان قومه العرب، فخاطبهم بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم). اهـ

وقال العلامة الشيخ ابن سحمان النجدي / في «تبرئة الشيخين الإمامين» (ص155): (وإذا ثبت الإجماع عن الصحابة y، بنقل الثقات، فلا عبرة بمن خالفهم، وادعى الإجماع على ما فهمه). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص123): (والإتباع في كل الأمور التي يأتي فيها الاتباع، في أصول الدين، وفي الشرائع). ([37]) اهـ

وعن عبدالله بن مسعود t قال: قال رسول الله r: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).([38])

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص153): (لا ريب أن أقوالهم في التفسير أصوب من أقوال من بعدهم). اهـ

وبالجملة: فتقديم تفسير الصحابة على تفسير غيرهم مسألة معلومة مشتهرة قد سطرها أهل العلم في كتبهم، حيث جعلوا تفسير الصحابي بعد التفسير النبوي في الرتبة في أحسن طرق التفسير.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «مقدمة في أصول التفسير» (ص138): (ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن، أو السنة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مقدمة التفسير» (ص140): (فصارت الآن الطرق لتفسير القرآن أربعة: القرآن، والسنة، وأقوال الصحابة، وأقوال التابعين). اهـ

وقد جعل الإمام الطبري مخالفة أقوال الصحابة، والتابعين شذوذا، فقال في «جامع البيان» (ج2 ص590): (ولا يعارض بالقول الشاذ؛ ما استفاض به القول من الصحابة، والتابعين). اهـ

وفي الجملة: من عدل عن منهج الصحابة، والتابعين، وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في الحكم ولا بد!. ([39])

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص140): (إن سكوتهم عن تفسيرها بما يخالف ظاهرها يدل على إجماعهم، إذ لو كان لهم رأي يخالف الظاهر لبينوه.

فإجماعهم: على السكوت عن تفسيرها بخلاف الظاهر يدل على إجماعهم بالقول بما تدل عليه، وهذه طريقة قل من يتفطن لها). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مقدمة التفسير» (ص140): (ومن هنا نعرف أن الرجوع إلى قول من سلف أمر له أهميته.

* وأن غالب اجتهادات المتأخرين مما يحتاج إلى نظر؛ فإنها قد تكون بعيدة من الصواب). اهـ

قال تعالى: ]والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان y ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم[ [التوبة: 100].

قلت: فالله تعالى أثنى على الصحابة y، وأثنى على من اتبعهم.

فإذا حكموا بحكم: فاتبعهم متبع عليه، فهو متبع للصحابة الكرام.

* فيجب أن يكون محمودا على أخذه بحكم الصحابة الكرام، وعليه يستحق الرضوان، وهذا دليل على أن اتباعهم صواب([40]) ليس بخطأ. ([41])

* فالنبي r قد يتكلم بكلام من كلام العرب، ويتلقى ذلك عنه r حملة شريعته من الصحابة y.

* ثم يتلقاه عنهم التابعون، ويتلقاه عنهم أئمة العلماء، فلا يجوز تفسير ماورد في الحديث المرفوع، أو الموقوف إلا بما قاله هؤلاء أئمة العلماء الذين تلقوا العلم عمن قبلهم.

* ولا يجوز الاعتراض على ذلك، والاعتماد على تفسير المتأخرين، أو تفسير المعاصرين الذين يأخذون ببعض الأدلة، ويتركون بعض الأدلة بمجرد ما يفهموها من اجتهادهم.

* فإن ذلك يوقع الناس في الخطأ في فهم النصوص، وحملها على غير محملها.([42])

وقال الإمام أبو الحسن الأشعري / في «رسالة إلى أهل الثغر» (ص306): (وأجمعوا على أنه لا يجوز لأحد أن يخرج عن أقاويل السلف: فيما أجمعوا عليه، وعما اختلفوا فيه، أو في تأويله؛ لأن الحق لا يجوز أن يخرج عن أقاويلهم). اهـ

قلت: ومما ينبغي التنبه له، أن تفسير الصحابي خصوصا مقدم على تفسير أي: عالم كان من كان هذا العالم، وبهذا قال جمع من أهل العلم. ([43])

* وهذا المنهج الذي سلكه هؤلاء هو المنهج الصحيح، أي: أن كلام هؤلاء الصحابة، وتفسيرهم حجة يلزم قبولها، وهو مقدم على قول غيرهم.

* ولما اعترض ابن التين على تفسير ابن مسعود  t في قوله: (ناسا من الجن).

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج8 ص249) بعدما تعقبه: (ويا ليت شعري، على من يعترض!). اهـ

إذا: فإذا ورد أكثر من معنى لغوي صحيح تحتمله الآية بلا تضاد جاز تفسير الآية بها.

فترجع الأقوال إلى أكثر من معنى ليس بينها تضاد. ([44])

وأسلوب التفسير اللفظي: أن يكون اللفظ المفسر مطابقا للفظ المفسر في لغة العرب، فيحكم به، لأنه مفسر.

قال أبو جعفر النحاس / في «الناسخ والمنسوخ» (ص 424): (وإذا تكلم أحد من المتأخرين في معنى آية من القرآن قد تقدم كلام المتقدمين فيها؛ فخرج عن قولهم لم يلتفت إلى قوله). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية» (ص 330): (وأما التفسير الثابت عن الصحابة والتابعين فذلك إنما قبلوه؛ لأنهم قد علموا أن الصحابة بلغوا عن النبي r لفظ القرآن ومعانيه جميعا؛ كما ثبت ذلك عنهم مع أن هذا مما يعلم بالضرورة عن عادتهم). اهـ

* وبهذا يتبين ضرورة أن يعتني طالب العلم بتفسير الصحابة y، ومن أخذ عنهم من التابعين. ([45])

قلت: وطريقة السلف في العلم أسلم([46])، وأعلم، وأحكم. ([47])

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص249): (ثم إذا رجعنا إلى مذهب السلف، ومذهب الخلف: وجدنا أن مذهب السلف أسلم، وأعلم، وأحكم). اهـ

وعن ابن عباس قال: (تفسير القرآن على أربعة وجوه:

1) تفسير تعلمه العلماء.

2) وتفسير تعرفه العرب بلغتها.

3) وتفسير لا يعذر أحد بجهالته. وفي رواية: [وتفسير لا يعذر الناس بجهالته من حلال أو حرام].

4) وتفسير لا يعلمه إلا الله، فمن ادعى علمه فهو كاذب. وفي رواية: [لا يعلم تأويله إلا الله].

أثر صحيح

أخرجه ابن الأنباري في «إيضاح الوقف والابتداء» (ص90) من طريق الفريابي قال: حدثنا سفيان الثوري عن ابن جابر عن ابن عباس به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص18).

وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج1 ص75) من طريق مؤمل قال: حدثنا سفيان الثوري عن أبي الزناد قال: قال ابن عباس : (التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته([48])، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى ذكره).

وإسناده حسن في المتابعات.

وذكره ابن تيمية في «الفتوى الحموية الكبرى» (ص295).

وأخرجه ابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج1 ص131) من طريق عبدالله بن الوليد العدني عن سعيد عن محمد بن السائب الكلبي عن ابن عباس أنه قال: (تفسير القرآن على أربعة وجوه: فتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعذر الناس بجهالته من حلال أو حرام، وتفسير تعرفه العرب بلغتها، وتفسير لا يعلم تأويله إلا الله، من ادعى علمه فهو كاذب).

وإسناده حسن في المتابعات.

وأخرجه ابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج3 ص461- الدر المنثور) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس به.

وإسناده حسن في المتابعات.

وأخرجه عبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ص295 الفتوى الحموية).

وقال الإمام ابن قتيبة / في «تأويل مشكل القرآن» (ص118): (وهل يجوز لأحد أن يقول: إن رسول الله r لم يكن يعرف المتشابه؟!.

* وإذا جاز أن يعرفه مع قول الله تعالى: ]وما يعلم تأويله إلا الله[ [آل عمران: 7]؛ جاز أن يعرفه الربانيون من صحابته، فقد علم عليا التفسير، ودعا لابن عباس).اهـ

قلت: وهذا يدل أن الرسول r ما مات إلا وقد فسر جميع القرآن للصحابة الكرام. ([49])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «مقدمة أصول التفسير» (ص 330): (يجب أن يعلم أن النبي r بين لأصحابه معاني القرآن؛ كما بين لهم ألفاظه؛ فقوله تعالى: ]لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النمل: 44]؛ يتناول هذا، وهذا). اهـ

قلت: إذا القرآن الكريم فسره الرسول r، وبين معانيه ووضحه.

* وما مات r حتى بين للصحابة الكرام تفسير القرآن الكريم كله.

والبيان يكون على طرق: البيان المباشر لتفسيره r للقرآن، وبيانه للقرآن بالتطبيق العملي في حياة المسلمين في زمنه؛ فهو r حينما علم الناس الصلاة، فسر لهم معنى: قوله تعالى: ]وأقيموا الصلاة[ [البقرة: 43]، وهو r حينما بين للناس أحكام الزكاة، فسر لهم عمليا أحكام الزكاة، وحينما صلى بالناس في مواقيت الصلوات الخمس، بين لهم معنى: قوله تعالى: ]وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل[ [هود:114]، ومعنى: قوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا[ [الإسراء: 78]، وما كان يتخلق بالقرآن r في نفسه، فهذا كله كان r مفسرا، ومطبقا للقرآن.

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

 

    

ذكر الدليل

 على كشف الجهل المركب، «للمتعالم»، في تفسيره، لقوله تعالى: ]بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن:20]، على أن البرزخ الفاصل، هو، الماء نفسه بين: العذب، والملح، وأن هذا الماء، لا يطغى على هذا الماء، وهذا التفسير، ليس بصحيح، لأنه لا تحتمله لغة العرب بوجه، لأنه من الأمور الحسية، التي تشاهد على وجه الأرض، وأن البرزخ: هو الحاجز من الأرض اليابسة، وهو المانع من اختلاط هذا الماء، بهذا الماء، وهذا أمر مشاهد بين الناس.

 

قلت: فتسميته لهذا البرزخ، وجعله: نهرا عذبا، وبحرا ملحا، على أنه يلتقي: العذب، والملح: في آن واحد، وعلى أن التقاء ماء العذب، وماء الملح، هو الفاصل، والبرزخ بينهما، وأن هذا ماءه لا يطغى على هذا الماء.

* فهذا تفسير باطل([50])؛ لأن ذلك لا تحتمله لغة العرب بوجه، ولا حقيقة له في تفسير الصحابة، وتفسير التابعين.

* بل كما أنه كذب على الله تعالى، وكذب على القرآن، فهو: كذب على اللغة العربية.

قلت: فليس المراد بذلك، ما ذهب إليه هذا: «المتعالم»، فإنه لا يساعده اللفظ الذي ذكره في تفسير الآية.

* فإنه تعالى قد قال: ] بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن:20]؛ أي: وجعل بينهما برزخا، وهو الحاجز من الأرض اليابسة، وهو حسي، مشاهد.

* لئلا يبغي هذا النهر، على هذا البحر، فيفسد كل واحد منهما الآخر، لبعد هذا، عن هذا. ([51])

عن قتادة /قال: (البرزخ الذي بينهما: الأرض التي بينهما). ([52])

وعن قتادة، والحسن البصري قالا: في قوله تعالى: ]بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن:20]؛ البرزخ: الأرض التي بينهم، ]لا يبغيان[؛ لا يطمان على الناس). ([53])

وعن الحسن البصري / قال: في قوله تعالى: ]وجعل بينهما برزخا[ [الفرقان: 53]؛ قال: (هو اليبس). ([54])

وعن قتادة / قال: في قوله تعالى: ]بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن: 20]؛ قال: (حجز المالح عن العذب، والعذب عن المالح، والماء عن اليبس، واليبس عن الماء، فلا يبغي بعضه على بعض بقوته ولطفه وقدرته). ([55])

وقال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج22 ص202): قوله تعالى: ]بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن: 20]؛ يقول تعالى ذكره: بينهما حاجز وبعد، لا يفسد أحدهما صاحبه فيبغي بذلك عليه، وكل شيء كان بين شيئين فهو برزخ عند العرب، وما بين الدنيا والآخرة برزخ). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج7 ص249): (ولكن الله تعالى: جعل بينهما: برزخا: من الأرض، حتى لا يبغي أحدهما: على الآخر، ويحصل النفع بكل منهما). اهـ

وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج13 ص318): (فإنه تعالى قد قال: ]بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن:20]؛ أي: وجعل بينهما برزخا، وهو: الحاجز من الأرض؛ لئلا يبغي هذا، على هذا، وهذا: على هذا، فيفسد كل واحد منهما الآخر، ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه). اهـ

قلت: فالماء الفاصل بين العذب، وبين الملح، لا يسمى برزخا في لغة العرب.

* وهذا الماء ليس بمانع من دخول هذا الماء، على هذا الماء، كما هو معلوم في الحس، والمشاهدة. ([56])

* ولا يعارض التفسير الذي سبق، قوله تعالى: ]وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج[ [الفرقان: 53]؛ فإن تفسير هذه الآية: هو التفسير السابق. ([57])

* و]مرج[: أرسل: ]البحرين[؛ العذب، والملح: وخلاهما، وخلقهما: ]يلتقيان[؛ يعني: متجاورين، متلاقيين في مسير واحد، في منطقة واحدة من الأرض، فهذا في جهة، وهذا في جهة: ]بينهما برزخ[؛ حاجز، وحائل من سكان الأرض، ومن الأرض اليابسة نفسها، وهي المانعة عن اختلاط هذا، بهذا: ]لا يبغيان[؛ لا يختلطان، ولا يبغي أحدهما: على الآخر، لأن بينهما: حاجز من الأرض. ([58])

قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج22 ص202): (وقوله تعالى: ]مرج البحرين يلتقيان[ [الرحمن: 19]؛ يقول تعالى ذكره: مرج رب المشرقين، ورب المغربين: البحرين يلتقيان، يعني بقوله: ]مرج[ [الفرقان: 53]: أرسل وخلى، من قولهم: مرج فلان دابته: إذا خلاها وتركها). اهـ

وعن ابن عباس قال: في قوله تعالى: ]مرج البحرين[ [الرحمن: 19]؛ يقول: (أرسل). ([59])

 وقال الحافظ البخاري في «صحيحه» (ص543)؛ في كتاب: «بدء الخلق»، في باب: «صفة النار وأنها مخلوقة»: ]مرج البحرين[ [الرحمن:19]؛ مرجت دابتك: (تركتها).

وقال الحافظ البخاري في «صحيحه» (ص864)؛ في كتاب: «التفسير»، في «تفسير سورة الرحمن»: (]مرج البحرين[ [الرحمن:19]؛ اختلط البحران، من مرجت دابتك: تركتها).

* والمعنى: أرسل الله تعالى، وأجرى: البحر الملح، والنهر العذب: ]يلتقيان[؛ أي: يتجاوران عن بعد، وبينهما: أرض يابسة، تحجز الماء الملح، أن يدخل على الماء العذب، وتحجز الماء العذب، أن يدخل على الماء الملح: ]بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن:20]؛ هذا هو التفسير الصحيح، لهذه الآية.

* فلا الملح: يطغى على العذب، فيجعله: ملحا، ولا العذب يجعل البحر الملح، مثله.

* فقد حجز الله تعالى: بينهما، بحاجز من الأجرام الأرضية، فترى هذا النهر: يجري شمالا، وهذا البحر يجري شمالا، في منطقة واحدة، وحجزهما: الله تعالى بأرض، لكي لا يبغي أحدهما: على الآخر. ([60])

* لأن الله تعالى: خلق في الأرض: بحارا تحيط بها، والأرض: تحيط بالماء للبحار، وتحيط بالماء للأنهار، فهي: محيطة بها. ([61])

* ثم إنهما: لا يبغيان على الأرض نفسها، ولا يغطيانها، بفضل الله تعالى وقدرته، لتكون الأرض بارزة يتخذها الناس: مكانا.

* فتمنع الأرض: بقدرة الله تعالى عن الامتزاج بين البحرين، فلا يختلطان: فيتغير طعمهما، وأصل: البغي، التطاول.

وعن قتادة / قال: في قوله تعالى: ]لا يبغيان[ [الرحمن: 20]؛ (على اليبس، وما أخذ أحدهما من صاحبه فهو بغي، فحجز أحدهما عن صاحبه بقدرته ولطفه وجلاله تبارك وتعالى). ([62])

* والمراد: بالبحرين، الماء العذب في جميع الدنيا، والماء الملح في جميعها. ([63])

والعذب: يعنى، به ماء الآبار، والأنهار، والعيون في أقطار الدنيا.

والملح: يعنى، به ماء البحار، وماء المحيطات.

* وهذا الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية.

جاء موضحا في غير هذه الآية:

كقوله تعالى: ]وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج[ [فاطر: 12].

* والله تعالى مراده: أن يبين لنا صفات المياه في جميع الدنيا على الأرض.

وقوله تعالى: ]مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن:20]؛ أي: لا يبغي أحدهما: على الآخر، فيمتزج به.

* وهذا البرزخ: هو برزخ من الأرض اليابسة، وهو الفاصل بين البحرين. ([64])

وقوله تعالى: ]أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون[ [النمل: 61].

* فإنه حاجز: حجز الله تعالى به بين البحرين. ([65])

وقوله تعالى: ]وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا[ [الفرقان: 53].

* فكل هذه الآيات، من الآية المذكورة، وهذا البرزخ المراد: منه، هو الحاجز من([66]) الأرض، كما هو ظاهر الآيات.

قال العلامة القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج15 ص386): (قوله تعالى: ]مرج البحرين[ [الرحمن: 19]؛ أي: أرسلهما، من «مرج فلان دابته»، إذا خلاها، وتركها.

* والمعنى: أرسل وأجرى: البحر الملح، والبحر العذب: ]يلتقيان[؛ أي: يتجاوران: ]بينهما برزخ[؛ أي: حاجز من قدرة الله تعالى، وبديع صنعه: ]لا يبغيان[؛ أي: لا يبغي؛ أحدهما: على الآخر: بالممازجة، وإبطال: الخاصية). اهـ

قال أبو زكريا الفراء / في «معاني القرآن» (ج3 ص115): (قوله تعالى: ]بينهما برزخ[ [الرحمن:20]؛ حاجز، ]لا يبغيان[: لا يبغي العذب على الملح، فيكونا: عذبا، ولا يبغي الملح على العذب ،فيكونا: ملحا). اهـ

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

    

ذكر الدليل

على التفسير الصحيح؛ لقوله تعالى:

]مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن:19 و20].

 

قال تعالى: ]مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن:19 و20].

* والبرزخ: هو الحاجز، والحد بين الشيئين، ومنه: قوله تعالى: ]بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن:20].

* وجمعه: برازخ، وأصله: برزة؛ فعرب. ([67])

قال الإمام ابن الأثير / في «النهاية» (ج1 ص244): (البرزخ: ما بين كل شيئين من حاجز، والبرازخ: جمع، برزخ). اهـ

وقال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (ج1 ص308): (البرزخ: الحائل بين الشيئين؛ كأن بينهما برازا؛ أي: متسعا من الأرض، ثم صار كل حائل برزخا). اهـ

وقال أبو بكر الرازي / في «مختار الصحاح» (ص20): (البرزخ: الحاجز بين الشيئين). اهـ

وقال الإمام الأزهري / في «تهذيب اللغة» (ج1 ص311): (البرزخ: ما بين كل شيئين). اهـ

فقوله تعالى: ]مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن:19 و20]؛ أي: هو الحاجز من الأرض، الذي يمنع دخول الأنهار على البحار، ويمنع دخول البحار على الأنهار.

* ومنه: قوله تعالى: ]وجعل بينهما برزخا[ [الفرقان: 53]؛ أي: حاجزا، والبرزخ: الحاجز، والمهلة: متقاربات في المعنى: وذلك أنك تقول: بينهما، حاجز: أن يتزاورا، فتنوي بـ«الحاجز»: المسافة البعيدة، وتنوي: الأمر المانع، فصار المانع في المسافة. ([68])

وعن ابن عباس قال: (في قوله تعالى: ]بينهما برزخ[ [الرحمن:20]؛ قال: حاجز، ]لا يبغيان[ [الرحمن:20]؛ قال: لا يختلطان). ([69])

وعن ابن عباس قال: (في قوله تعالى: ]بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن:20]؛ بينهما من البعد ما لا يبغي كل واحد منهما على صاحبه). ([70])

وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم / قال: في قوله تعالى: ]بينهما برزخ لا يبغيان[ [الرحمن: 20]؛ منعهما أن يلتقيا بالبرزخ الذي جعل بينهما من الأرض، قال: والبرزخ: بعد الأرض الذي جعل بينهما). ([71])

وعن قتادة بن دعامة / قال: في قوله تعالى: ]بينهما برزخ[ [الرحمن: 20]؛ برزخ الجزيرة، واليبس: ]لا يبغيان[ [الرحمن: 20]؛ على اليبس، ولا يبغي أحدهما: على صاحبه، وما أخذ أحدهما: من صاحبه؛ فهو بغي، يحجز أحدهما: عن صاحبه، بلطفه، وقدرته، وجلاله). ([72])

وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى / قال: (في قوله تعالى: ]بينهما برزخ[ [الرحمن:20]؛ بينهما بعد: ]لا يبغيان[ [الرحمن: 20]؛ قال: لا يبغي: أحدهما على صاحبه). ([73])

وعن مجاهد بن جبر / قال: (في قوله تعالى: ]بينهما برزخ[ [الرحمن:20]؛ قال: حاجز من الله: ]لا يبغيان[ [الرحمن: 20]؛ قال: لا يختلطان). وفي رواية: (لا يبغي أحدهما على الآخر؛ لا العذب على المالح، ولا المالح على العذب). ([74])

وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم / قال: (في قوله تعالى: ]لا يبغيان[ [الرحمن: 20]؛ قال: لا يبغي أحدهما أن يلتقي مع صاحبه)([75]). للبعد بينهما بسبب حاجز الأرض.

وعن مجاهد / قال: في قوله تعالى: ]برزخا[ [الفرقان: 53]؛ قال: (محبسا). ([76])

قلت: فثبت في قوله تعالى: ]لا يبغيان[ [الرحمن: 20]؛ على أقوال، وكلها بمعنى واحد.

الأول: لا يبغي أحدهما على الآخر.

الثاني: لا يختلطان.

الثالث: لا يبغيان على اليابس من الأرض.

الرابع: لا يبغيان، أن يلتقيا. ([77])

قال العلامة الشيخ ابن سحمان النجدي / في «تبرئة الشيخين الإمامين» (ص155): (وإذا ثبت الإجماع عن الصحابة y، بنقل الثقات، فلا عبرة بمن خالفهم، وادعى الإجماع على ما فهمه). اهـ

قلت: فجعل الله تعالى بينهما: حاجزا من الأرض، لا يسيل الملح على العذب، ولا يسيل العذب على الملح.

قال تعالى: ]وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا[ [الفرقان: 53]؛ لا يختلط البحر: بالعذب، ولا يختلط العذب: بالبحر.

* وقوله تعالى: ]وحجرا محجورا[؛ حجر الله تعالى: العذب، عن الملح، والملح، عن العذب. ([78])

قال تعالى: ]هذا عذب فرات وهذا ملح([79]) أجاج[ [الفرقان: 53].

وعن حصيف / قال: في قوله تعالى: ]وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا[ [الفرقان: 53]؛ قال: (حجازا، محجوزا). ([80])

تنبيه: وأما ما؛ أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج17 ص474): من طريق القاسم بن الحسن، قال: ثنا الحسين بن داود المصيصي، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد / قال: في قوله تعالى: ]وجعل بينهما برزخا[ [الفرقان: 53]؛ قال: (حاجزا لا يراه أحد، لا يختلط العذب في البحر).

أثر ضعيف .

قلت: وهذا سنده منكر، فيه القاسم بن الحسن، وهو مجهول، والحسين بن داود المصيصي، وهو ضعيف، وابن جريج: يرسل، ويدلس. ([81])

وأخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج12 ص166) من طريق الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي، ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد به.

قلت: وهذا سنده كسابقه: لا يصح، لعنعنة ابن جريج، ولم يتابع عليه، وقد خالف ما ثبت عن مجاهد، بخلاف هذا التفسير؛ فابن جريج: يرسل ويدلس، عن الضعفاء، فإن ابن جريج لم يسمع من مجاهد، فيتقى في ذلك.

قال الحافظ العراقي في «تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل» (ص 212): (قال ابن الجنيد سألت: يحيى بن معين، سمع ابن جريج من مجاهد، قال: حرفا أو حرفين في القراءة، لم يسمع غير ذلك، وكذلك قال البرديجي، وغيره). اهـ

وذكره الحافظ ابن حجر: في «المرتبة الثالثة»؛ من المدلسين في «تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس» (ص41)؛ وقال: (قال الدارقطني: شر التدليس تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس؛ إلا فيما سمعه من مجروح). اهـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

المقدمة.....................................................................................................

5

2)

قاعدة في أصول التفسير.........................................................................

12

3)

ذكر الدليل  على كشف الجهل المركب،   «للمتعالم»، في تفسيره، لقوله تعالى: (بينهما برزخ لا يبغيان) [الرحمن:20]، على أن البرزخ الفاصل، هو، الماء نفسه بين: العذب، والملح، وأن هذا الماء، لا يطغى على هذا الماء، وهذا التفسير، ليس بصحيح، لأنه لا تحتمله لغة العرب بوجه، لأنه من الأمور الحسية، التي تشاهد على وجه الأرض، وأن البرزخ: هو الحاجز من الأرض اليابسة، وهو المانع من اختلاط هذا الماء، بهذا الماء، وهذا أمر مشاهد بين الناس.....................................................................................................

43

4)

ذكر الدليل على التفسير الصحيح؛ لقوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان) [الرحمن:19 و20].......................

52

 

 

 

 

 

 

 

 



([1]) وانظر: «الروض المربع» للبهوتي (ص19).

([2]) قلت: وهؤلاء السلف الصالح أئمة علم التفسير، وهم الصحابة، والتابعون، وتابعو التابعين ممن التزم بالكتاب والسنة، ولم يتلبس ببدعة، اللهم سلم سلم.

([3]) قلت: والناس في هذا الزمان بحاجة ماسة لمن يشرح لهم معنى الآيات، ويوضح لهم أحكامها بالتفسير المأثور الصحيح؛ حتى يفقهوا ما يتلون من كتاب الله تعالى.

([4]) قلت: والنسيان هنا بمعنى: الترك.

([5]) أثر صحيح.

      أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (30454)، و(35788)، والطبري في «جامع البيان» (ج16 ص191)، وأبو الفضل الرازي في «فضائل القرآن» (ص119) من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما به.

     وإسناده صحيح.

([6]) أثر صحيح.

      أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج10 ص467)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص381)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص34)، وآدم بن أبي إياس في «تفسير القرآن» (ص982)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (2029)، وابن أبي حاتم  في «تفسير القرآن» (ج6 ص281)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص80)، وعبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص20)، وفي «المصنف» (6033)، والبستي في «تفسير القرآن» (ق/40/ط)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (193)، والواحدي في «الوسيط» (ج3 ص225)، والطبري في «جامع البيان» (ج16 ص191)، وسفيان الثوري في «تفسير القرآن» (622)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج6 ص264) من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما به.

وإسناده صحيح.

([7]) قلت: والخلاف في تفسير هذه الآية؛ وقع بعدهم، فلا يلتفت إليه بعد إجماع الصحابة الكرام على خلافه، فافطن لهذا ترشد.

([8]) قلت: ولا يلتفت إلى التفسير بالرأي، والاجتهاد، اللهم غفرا.

([9]) وانظر: «مختصر الصواعق المرسلة» (ج2 ص339).

([10]) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص477).

([11]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج9 ص47)، ومسلم في «صحيحه» (2463).

([12]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (4619)، ومسلم في «صحيحه» (2462).

([13]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (2459).

([14]) أخطأ في الدليل؛ لأنه فسره بغير المراد به.

([15]) وأخطأ في المدلول؛ حيث أتى بمعنى مخالف لما كان عليه السلف.

     وانظر: «شرح مقدمة التفسير» لشيخنا ابن عثيمين (ص125).

([16]) أثر حسن.

     أخرجه الطبري في «جامع البيان» (109).

     وإسناده حسن.

     وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص10).

([17]) وهنا قرينة تدل على أن المراد به الحقيقة اللغوية؛ بمثل: قوله تعالى: ]خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل[ [التوبة: 103]؛ فهنا الصلاة: بمعنى الدعاء في اللغة العربية، لا الصلاة الشرعية.

     قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص234): (فالواجب إذا تلونا القرآن الكريم أن نحمل آياته على ما يدل عليه اللسان العربي، فإن لم نفعل فقد حرفنا الكلم عن مواضعه). اهـ

([18]) انظر: «التحرير والتنوير» لابن عاشور (ج1 ص10).

([19]) وانظر: «جامع بيان العلم» لابن عبدالبر (ج2 ص198)، و«جامع البيان» للطبري (ج1 ص60)، و (ج7 ص257)، و«الموافقات» للشاطبي (ج3 ص338)، و«الصحيح» للبخاري (ج6 ص32)، و«الرد على البكري» لابن تيمية (ج2 ص729)، و«الفتاوى» له (ج20 ص14)، و«التحرير والتنوير» لابن عاشور (ج1 ص10)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج1 ص319)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص553)، و«تلخيص الحبير» له (ج1 ص26)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج1 ص66)، و«السنن» لأبي داود (ج1 ص406).

([20]) وإن لم يقل بالأخذ بلغة العرب في التفسير، فكيف سيفسر القرآن دون الرجوع إلى لغة العرب.

([21]) قلت: فالاعتماد عند السلف على اللغة في تفسير القرآن والسنة في الأصول والفروع.

     فهذا أصل يجب التقيد به في تفسير القرآن والسنة.

([22]) فتفسير الصحابة الذي لا يدرك بالرأي والاجتهاد، فهذا يعد من قبيل الرواية؛ لأن الظاهر في مثل هذا أن يكون عن سماع من رسول الله r.

     قال ابن الطيب / في «المعتمد في أصول الفقه» (ج2 ص174): (فأما إذا قال الصحابي قولا لا مجال للاجتهاد فيه، فحسن الظن به يقتضي أن يكون قاله عن طريق، فإذا لم يكن الاجتهاد، فليس إلا أنه سمعه عن النبي r). اهـ

([23]) كذلك تفسير الصحابة المعتمد على اللغة العربية: فهذا النوع يجب العمل به؛ لأنهم أهل اللسان الذين نزل إليهم الذكر الحكيم.

     ولغتهم المرجع في فهمه، وأمثلة هذا النوع كثيرة جدا.

([24]) وانظر: «التحبير في علم التفسير» للسيوطي (ص324).

([25]) فإذا خفي على أحد التفسير الصحيح للنص، فاعلم أنه لم يرجع إلى لغة العرب عند تفسيره للنص، بل رجع إلى ما دون السلف، والله المستعان.

([26]) فإذا خفي عليكم شيء من تفسير القرآن، فاتبعوه في ذلك لغة العرب.

([27]) فيجب قبول تفسير الصحابة الكرام، والاحتجاج به في الأحكام في الأصول والفروع.

([28]) فهل السلف يفسرون بغير لغة العرب، حتى نعترض على تفاسيرهم.

     فهم عرب تنقل عن مثلهم اللغة.

([29]) وانظر: «المستدرك» للحاكم (ج2 ص258)، و«البرهان في علوم القرآن» للزركشي (ج2 ص157)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص128)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج1 ص179).

([30]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (663).

     وإسناده صحيح.

([31]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن الأنباري في «إيضاح الوقف والابتداء» (ص57).

     وإسناده صحيح.

     وذكره القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» (ج1 ص23).

([32]) وقد صرح الحاكم / في «معرفة علوم الحديث» (ص149)؛ بأن تفسير الصحابة من الموقوفات.

     وانظر: «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج1 ص179)، و«تدريب الراوي» له (ج1 ص193).

([33]) وانظر: «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج1 ص179)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص128)، و«البرهان في علوم القرآن» للزركشي (ج2 ص182)، و«شرح مقدمة التفسير» لشيخنا العثيمين (ص21)، و«معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص149).

([34]) وانظر: «شرح مقدمة التفسير» لشيخنا العثيمين (ص25).

([35]) وانظر: «مقدمة في أصول التفسير» لابن تيمية (ص6).

([36]) وانظر: «مقدمة في أصول التفسير» لابن تيمية (ص122 و125 و138)، و«الفتاوى» له (ج13 ص361)، و«درء تعارض العقل والنقل» له أيضا (ج1 ص314)، و«لوامع الأنوار البهية» للسفاريني (ج1 ص20)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص123 و126)، و«البرهان في علوم القرآن» للزركشي (ج2 ص159)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج1 ص13)، و«جامع البيان» للطبري (ج9 ص43)، و(ج15 ص188)، و(ج26 ص12).

([37]) ومن ذلك تفسير كتاب الله تعالى.

([38]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج7 ص5)، ومسلم في «صحيحه» (210)، و(211).

([39]) وانظر: «مقدمة في أصول التفسير» لابن تيمية (ص122 و138)، و«الإقناع في مسائل الإجماع» لابن القطان (265).

([40]) وإذا كان صوابا وجب اتباعه.

([41]) وانظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص123 و126 و128)، و«الصواعق المرسلة» له (ج2 ص509)، و«التحبير في علم التفسير» للسيوطي (ص327)، و«الإتقان في علوم القرآن» له (ج4 ص181)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج1 ص7).

([42]) فيجب حمل النصوص على معانيها المعهودة عند السلف.

([43]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج15 ص134)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج1 ص12).

([44]) وتخفى على قوم هذه المعاني، فإذا لم توافق مذهبهم قالوا: هذا من المتشابه، وهذا اختلاف.

([45]) وانظر: «التحبير لقواعد التفسير» للدكتور حمد العثمان (ص85).

([46]) لذلك يجب سلوك طريقة السلف في الأصول والفروع، وترك كلام المتأخرين إذا خالفوا السالفين.

     * فلا نقول أن السلف أعلم، ثم إذا رأينا مذهبنا خالف السلف، تركنا مذهب السلف، ورجحنا مذهبنا، فإن هذا الفعل ليس على طريقة السلف في الإفتاء بالعلم.

([47]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج4 ص157)، و«درء تعارض العقل والنقل» له (ج5 ص378)، و«الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج3 ص1133).

([48]) قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج1 ص76): (وإنما هو خبر عن أن من تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به). اهـ.

([49]) فلذلك نقول: أن رسول الله r فسر جميع القرآن، وذلك بقوله، وفعله، وتقريره.

     فما مات r؛ إلا وقد بين القرآن الكريم.

([50]) وهو تفسير القصاص الجهلة في هذا الزمان.

([51]) انظر: «تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج7 ص249)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج13 ص318)، و«جامع البيان» للطبري (ج22 ص202 و203).

([52]) أثر صحيح.

     أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص202).

     وإسناده صحيح.

([53]) أثر صحيح.

     أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (3083).

     وإسناده صحيح.

([54]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج12 ص165).

     وإسناده صحيح.

([55]) أثر حسن.

     أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص202).

     وإسناده حسن.

([56]) وأحيانا؛ تكون الأنهار بقرب البحار، وتكون العيون، بقرب البحار، ولا يبغي بعضهم على بعض، لوجود البرزخ، وهو: الحاجز من الأرض فيما بينهم.

     * وهذا هو المراد: من البرزخ، وهو الحاجز من الأرض اليابسة.

([57]) وبيأتي تفسيره.

([58]) كما نشاهده على وجه الأرض.

([59]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج10 ص3324)، والطبري في «جامع البيان» (ج22 ص202).

     وإسناده صحيح.

([60]) فليس المراد من الآية: أن هناك ماء متكون، بين: ماء الملح، وماء العذب، وهو الحاجز بينهما، فهذا ليس من سنن الخلق، فتنبه.

([61]) فإن البحرين: يكون بينهما: حاجز أرضي محسوس، لسكان الأرض.

     * فأرسل الله تعالى: البحر الملح، والبحر العذب: متجاورين، متلاقيين في مسير واحد في منطقة واحدة، بينهما: حاجز من الأرض، لا يبغي أحدهما: على الآخر.

([62]) أثر صحيح.

     أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص203).

     وإسناده صحيح.

([63]) وممكن أن يقال أيضا: أن بحر الملح يكون في جانب، وبحر العذب في جانب، من الأرض، وفي نهاية كل ماء من الأرض: يصب أحدهما: في الآخر، وذلك في نهاية: حدود المياه: (فيلتقيان)؛ هناك.

([64]) وأما أن يقال: أنه حاجز لطيف، لا يراه الخلق، بين ماء الملح، وبين ماء العذب، فهذا لا يصح في اللغة.

([65]) فلا يمكن في موضع واحد: يجري ماء الملح، وماء العذب، في مجرى واحد، بدون حاجز من الأرض، فإنه لا بد من اختلاط هذا بهذا، لأن ذلك من سنة الله تعالى في خلقه.

([66]) وانظر: «محاسن التأويل» للقاسمي (ج15 ص286)، و«بحر العلوم» للسمرقندي (ج3 ص361)، و«زاد المسير في علم التفسير» لابن الجوزي (ج8 ص112)، و«تذكرة الأريب» له (ج2 ص195)، و«أنوار التنزيل وأسرار التأويل» للبيضاوي (ج2 ص452 و453)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج6 ص338 و339)، و«تفسير القرآن» للمراغي (ج27 ص112 و113)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج29 ص89)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج8 ص271)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج5 ص327)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج27 ص150)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج17 ص162).

([67]) انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج3 ص8)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ج1 ص248)، و«مفردات ألفاظ القرآن» للراغب (ص118)، و«التعريفات» للجرجاني (ص63)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج1 ص311)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج1 ص244).

([68]) انظر: «تهذيب اللغة» للأزهري (ج1 ص311).

([69]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج15 ص6)، والبخاري في «صحيحه» تعليقا، بصيغة الجزم (ص864)، والطبري في «جامع البيان» (ج22 ص201 و202)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج14 ص112-الدر المنثور)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج4 ص333).

     وإسناده صحيح.

     وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج14 ص112)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج6 ص322).

([70]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج15 ص6).

     وإسناده صحيح.

     وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج8 ص622).

([71]) أثر صحيح.

     أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص202).

     وإسناده صحيح.

([72]) أثر صحيح.

     أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص202 و203).

     وإسناده صحيح.

     وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج14 ص114).

([73]) أثر حسن.

     أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص201).

     وإسناده حسن.

     وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج14 ص114).

([74]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي إياس في «تفسير القرآن» (ص637)، والبخاري في «صحيحه» تعليقا، بصيغة الجزم (ص863)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج4 ص330)، والطبري في «جامع البيان» (ج22 ص203).

     وإسناده صحيح.

     وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج14 ص114)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج8 ص622).

([75]) أثر صحيح.

     أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص204).

     وإسناده صحيح.

([76]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج12 ص165)، وابن أبي إياس في «تفسير القرآن» (ج1 ص505)، والطبري في «جامع البيان» (26252).

     وإسناده صحيح.

([77]) انظر: «تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج15 ص6)، و«جامع البيان» للطبري (ج22 ص201 و202)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج14 ص114)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص622)، و«تغليق التعليق» له (ج4 ص330)، و«المحرر الوجيز» لابن عطية (ج8 ص166)، و«تفسير القرآن» لابن تيمية (ج6 ص170 و172)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج13 ص318).

([78]) انظر: «الدر المنثور» للسيوطي (ج5 ص141)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج12 ص167).

([79]) ولا يقال: «مالح»، إلا في لغة ضعيفة.

     وقد أجاز ذلك عدد من أهل اللغة.

     انظر: «أضواء البيان» للشنقيطي (ج6 ص340).

([80]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج12 ص168).

     وإسناده صحيح.

([81]) انظر: «تحفة التحصيل» للعراقي (ص212)، و«تعريف أهل التقديس» لابن حجر (ص41)، و«تهذيب التهذيب» له (ج4 ص245)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج2 ص236).


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan