القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة التفسير الأثري / جزء فيه: التفسير الصحيح؛ لقوله تعالى: ولا جنبا إلا عابري سبيل [النساء: 43]

2023-12-07

صورة 1
جزء فيه: التفسير الصحيح؛ لقوله تعالى: ولا جنبا إلا عابري سبيل [النساء: 43]

 

 

 

 

 

 

 

 

جزء فيه:

التفسير الصحيح؛

لقوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[ [النساء: 43].

 

 

 

تفسير:

العلامة المحدث الفقيه

فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري

حفظه الله ورعاه وجعل الجنة مثواه

 

    

                                                      المقدمة

 

الحمد لله الذي شرح صدر من أراد هدايته للإسلام، وفقه في الدين من أراد به خيرا، وفهمه فيما أحكمه من الأحكام.

أحمده أن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وخلع علينا خلعة الإسلام خير لباس، وشرع لنا من الدين ما وصى به نوحا وإبراهيم، وموسى وعيسى، وأوحاه إلى محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وأشكره وشكر المنعم واجب على الأنام.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، المبعوث لبيان الأحكام، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وتابعيهم الكرام([1]).

أما بعد:

فإن علم التفسير من أجل العلوم في الشريعة المطهرة، لأنه متعلق بالقرآن الكريم؛ فهما، واستنباطا، وبيانا، وتأويلا، ومنه يعرف مراد الله تعالى في فقه الآيات القرآنية، فهو أشد العلوم تعلقا بكتاب الله تعالى، بل هو سبيل علمه، ومنهج فهمه، وخير منهج لعلم تفسير آيات الله تعالى، وأعلاه مرتبة الرجوع إلى القرآن الكريم نفسه، ثم السنة النبوية، فإن لم نجد فيه التفسير الصحيح؛ رجعنا إلى آثار الصحابة، أو آثار التابعين، أو آثار تابعي التابعين، وهم خير القرون الثلاثة الأولى([2])، وتفضيلها على ما بعدها من القرون؛ لما اختصوا به من العلم النافع، وما لهم من الفهم الصحيح لمراد الله تعالى، ورسوله r، وما اختصوا به من العمل الصالح؛ كل ذلك بالأدلة الشرعية.

قال الحافظ ابن رجب / في «بيان فضل علم السلف على علم الخلف» (67): (فأفضل العلوم في تفسير القرآن، ومعاني الحديث، والكلام في الحلال والحرام، ما كان مأثورا عن الصحابة، والتابعين، وتابعيهم... فضبط ما روي عنهم في ذلك أفضل العلم؛ مع تفهمه، وتعقله، والتفقه فيه... وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة، فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق؛ إلا وهو في كلامهم موجود لمن فهمه وتأمله، ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة، والمآخذ الدقيقة، مالا يهتدي إليه من بعدهم، ولا يلم به).اهـ

قلت: فمن هنا عظمت لي الرغبة([3]) في تفسير: قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[ [النساء: 43]، عن طريق آثار السلف الصالح في التفسير بأسانيد صحيحة، لصحة فهمهم في تأويل الآيات، وإيضاح الأصح، والأرجح، والأكمل في حقها من المعاني الأثرية، يتم ذلك في نمط رفيع من الأدب، وحسن الخطاب لكتاب الله تعالى.

قلت: والقرآن العظيم سبيل السعادة، وطريق النجاة، بل هو حجة الله تعالى البالغة على سائر خلقه، كما أنه حجة المسلمين على صحة دينهم، وصدق نبيهم r، وهو عصمتهم من الزلل والتعقيب، وأمان لهم من الزيغ والإنحراف، يتلونه فيسعدون بأنواره، ويتدبرون في آياته؛ فتكشف لهم أسراره.

لذلك يجب على أهل التفسير أن يبذلوا جهدهم لتيسير فهم القرآن الكريم على المسلمين؛ بالقرآن، أو السنة، أو الآثار، بأسلوب واضح، وبيان ناصع، لا برأي فيه، ولا بتطويل، ولا بتكلف، ولا بتقليد، اللهم غفرا.

قلت: وهذا هو التمسك بالقرآن؛ ومن استمسك به، واتبع ما فيه أفلح ونجا، ومن أعرض عنه؛ فإن له معيشة ضنكا، ويحشره الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة أعمى، كما عمي في الدنيا عن هذا النور، جزاء وفاقا.

قال تعالى: ]ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى[([4]). [طه: 124-126].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (تضمن الله لمن قرأ القرآن، واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ثم تلا ]فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى[ [طه: 123]) ([5]).

قلت: فمن قرأ القرآن، وعمل بما فيه عصمه الله من الضلالة في الدنيا والآخرة، والله المستعان.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (أجار الله تابع القرآن من أن يضل في الدنيا، أو يشقى في الآخرة، ثم قرأ ]فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى[ [طه: 123]، قال: لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة) ([6]).

هذا؛ وبين يديك أخي المسلم الكريم هذا التفسير بالمأثور؛ في تفسير آية : ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[ [النساء: 43]؛ والمراد: منها المسافر لا يجد ماء، فيصلي بالتيمم؛ وهو تفسير عامة الصحابة الكرام([7])، وجماعة من التابعين، وهو الصحيح، فعض عليه بالنواجذ([8])، وتمسك به، واحكم به، وتعبد به، فإنه الحق من ربك سبحانه.

وقال الإمام ابن القيم /: (فالصحابة y أخذوا عن رسول الله r ألفاظ القرآن ومعانيه، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني أعظم من عنايتهم بالألفاظ، يأخذون المعاني أولا، ثم يأخذون الألفاظ).([9]) اهـ

وقال  المفسر الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص23): (القول إذا ظهر عن جماعة من الصحابة واستفاض، ولم يوجد له منهم مخالف؛ فهو إجماع، وحجة على من بعدهم). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج1 ص355): (فإنهم أصحاب رسول الله r، ولا مخالف لهم منهم، وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم، ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم؛ لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم، والنفس تسكن إليهم؛ فأين المهرب عنهم دون سنة، ولا أصل وبالله التوفيق). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ

وقال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص24)؛ عن تفضيل السلف على الخلف: (ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم خيرا، وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين وأعمالهم في جميع علوم الدين وأعماله؛ كالتفسير، وأصول الدين، وفروعه، والزهد، والعبادة، والأخلاق، والجهاد، وغير ذلك؛ فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة؛ فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير، وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم. وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوما). اهـ

وقال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص301): (علامة من أراد الله تعالى به خيرا سلوك هذا الطريق كتاب اللـه، وسنن رسول الله r، وسنن أصحابه y، ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25):  (فتارة يحكون الإجماع ولا يعلمون إلا قولهم). اهـ

سائلا المولى أن يتقبل مني ما كتبت، وأن يجعله في ميزان حسناتي، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

                                                                                   أبو عبدالرحمن الأثري

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                       

ذكر الدليل على أن الآية: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛

نزلت في المسافر لا يجد الماء؛ فيتيمم ويصلي.

 

1) عن علي بن أبي طالب t قال: في قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛  [النساء: 43]؛ قال: (إلا أن يكونوا مسافرين، ولا يجدون ماء فيتيمموا ويصلوا). وفي رواية: (نزلت في المسافر لايجد الماء فيتيمم ويصلي). وفي رواية (لا يقرب الصلاة إلا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة، فلا يجد الماء، فيتيمم، ويصلي حتى يجد الماء).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج3 ص960)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص157)، والطبري في «جامع البيان» (ج5 ص 197)، وإسماعيل بن إسحاق في «أحكام القرآن» (ص128)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص14 و108)، وفي «تفسير القرآن» (11805)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص216) من طريقين عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب t به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج1 ص211).

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص451).

فمعنى الآية: أن المسافر إذا أجنب، ولم يجد الماء تيمم وصلى، حتى يدرك الماء، فإذا أدرك الماء، وأجنب مرة ثانية اغتسل وصلى، ولا يتيمم؛ لوجود الماء.

هذا معنى:  ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا([10]).

قال تعالى: ]فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم[  [النساء: 43].

2) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛  [النساء: 43]؛ قال: (لا يقرب الصلاة، وهو جنب، إلا وهو مسافر، ولا يجد ماء يتيمم ويصلي).

أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (1208)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص721)، وفي «الأوسط» (ج2 ص14 و108)، والطحاوي في «أحكام القرآن» (ج1 ص114)، والطبري في «جامع البيان» (ج5 ص97)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص157)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج12 ص206)، وإسماعيل بن إسحاق في «أحكام القرآن» (ص120)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ص97)، وابن أبي زمنين في «تفسير القرآن» (ج1 ص374) من طريق شعبة بن الحجاج، وهشام الدستوائي عن قتادة عن أبي مجلز عن ابن عباس رضي الله عنهما به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

ومعنى الآية: فلا تقربوا الصلاة، وأنتم جنب، إلا أن تكونوا مسافرين تصيبكم الجنابة، وليس عندكم ماء، فقد حل لكم أن تتيمموا بالصعيد الطاهر، وتصلوا بهذا التيمم، وإن لم تغتسلوا بالماء، لغسل الجنابة، لتعذر وجود الماء([11]).

قال تعالى: ]فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا[ [النساء: 43].

3) وعن سعيد بن جبير /قال: في قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛  [النساء: 43]؛ قال: (المسافر لا يجد ماء فيتيمم ويصلي).

أثر صحيح

أخرجه إسماعيل بن إسحاق في «أحكام القرآن» (ص132)، والطبري في «جامع البيان» (ج5 ص97) من طريق سفيان الثوري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأشار إليه ابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص722)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج3 ص960).

4) وعن الحسن بن مسلم بن يناق /قال: في قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛ [النساء: 43]؛ قال: (هو المسافر). وفي رواية: (إلا أن يكونوا مسافرين، فلا يجدوا الماء، فيتيمموا).

أثر صحيح

أخرجه إسماعيل بن إسحاق في «أحكام القرآن» (ص133)، والطبري في «جامع البيان» (ج5 ص98)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص157) من طريق وكيع بن الجراح عن مسعر بن كدام عن بكير بن الأخنس عن الحسن بن مسلم بن يناق به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعلقه ابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص722).

5) وعن مجاهد /قال: في قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛ [النساء: 43]؛ قال: (هو الرجل يكون في السفر، فتصيبه الجنابة، فيتيمم ويصلي).

أثر صحيح

أخرجه إسماعيل بن إسحاق في «أحكام القرآن» (ص136)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ص99)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج12 ص206)، وعبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص163)، والطبري في «جامع البيان» (ج5 ص97)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص722)، والطحاوي في «أحكام القرآن» (ج1 ص114) من طريق معمر الأزدي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص451).

6) وعن مجاهد /قال: في قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛ [النساء: 43]؛ قال: (يعني: مسافرين لا يجدون ماء).

أثر صحيح

أخرجه إسماعيل بن إسحاق في «أحكام القرآن» (ص136)، والطبري في «جامع البيان» (ج5 ص98)، والطحاوي في «أحكام القرآن» (ج1 ص114)، وآدم ابن أبي إياس في «تفسير القرآن» (ص276) من طريق ورقاء، وعيسى الجرشي قالا: حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

فذكر مجاهد /في هذا التأويل أنه أريد به المسافر إذا أجنب، ولم يجد ماء، فيتيمم ويصلي، دون المقيم الجنب الذي يمر في المسجد.

7) وعن مجاهد /قال: في قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛ [النساء: 43]؛ قال: (يعني: مسافرين لا يجدون ماء، فيتيممون صعيدا طيبا، حتى يجدوا الماء فيغتسلوا).

أثر صحيح

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج5 ص97) من طريق شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج5 ص97) من طريق هارون عن ابن مجاهد عن مجاهد به.

8) وعن مجاهد /قال: في قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛ [النساء: 43]؛ قال: (المسافر).

أثر صحيح

أخرجه إسماعيل بن إسحاق في «أحكام القرآن» (ص135) من طريق ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن قيس بن سعد المكي عن مجاهد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

9) وعن سليمان بن موسى الدمشقي /قال: في قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛ [النساء: 43]؛ قال: (هم: المسافرون لا يجدون ماء).

أثر صحيح

أخرجه إسماعيل بن إسحاق في «أحكام القرآن» (ص136)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص302) من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن ابن جريج عن سليمان بن موسى به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

10) وعن رزيق بن حكيم قال: سألت سعيد بن المسيب عن راع في غنمه، أو راع تصيبه جنابة، وبينه وبين الماء ميلان أو ثلاثة، قال: (يتيمم صعيدا طيبا).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص324) من طريق ابن المبارك عن حكيم بن زريق عن أبيه به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

11) وعن الحكم بن عتيبة /قال: في قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛ [النساء: 43]؛ قال: (المسافر تصيبة الجنابة، فلا يجد ماء فيتيمم).

أثر صحيح

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج5 ص98) من طريقين عن منصور عن الحكم به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعلقه ابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص722).

13) وعن عبدالرحمن بن زيد /قال: في قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛ [النساء: 43]؛ قال: (هو المسافر الذي لا يجد الماء؛ فلا بد له أن يتيمم ويصلي، فهو يتيمم ويصلي).

أثر صحيح

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج5 ص98) من طريق ابن وهب قال: قال عبدالرحمن بن زيد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

والمراد: نهي الجنب عن قربان الصلاة حتى يغتسل، إلا أن يكون مسافرا وهو عابر سبيل-، فيعدم الماء، فيصلي بالتيمم([12]).

 13) وعن قتادة /قال: في قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛ [النساء: 43]؛ قال: (هو الرجل يكون في السفر، فتصيبة الجنابة، فيتيمم ويصلي).

أثر صحيح

أخرجه عبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص163)، والطبري في «جامع البيان» (ج5 ص98) من طريق معمر عن قتادة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعلقه ابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص722).

14) وقال مقاتل بن سليمان /في «تفسير القرآن» (ج1 ص374): (]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛ [النساء: 43]، ثم استثنى المسافر الذي لا يجد الماء، فقال سبحانه:]إلا عابري سبيل[).

ويؤيد ما سبق: أن ليس المراد من الآية الجنب المجتاز بالمسجد من غير لبث فيه.

فعن زيد بن أسلم /قال: (كان الرجل منهم يجنب، ثم يدخل المسجد فيحدث به).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص146) من طريق وكيع عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص231)؛ بلفظ: (كان أصحاب النبي r يجيئون، وهم جنب في المسجد).

ومعناه: يمشون في المسجد وهم جنب.

وعن عطاء بن يسار الهلالي /قال: (رأيت رجالا من أصحاب رسول الله r يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضؤوا وضوء الصلاة).

أثر صحيح

أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج4 ص1275) من طريق عبدالعزيز بن محمد الدراوردي عن هشام بن سعد القرشي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج2 ص313).

وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في «أحكام القرآن» (ص 127) من طريق معن بن عيسى قال: حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: (كان رجال من أصحاب رسول الله r تصيبهم الجنابة؛ فيتوضؤون ثم يأتون المسجد فيتحدثون فيه).

وإسناده حسن.

وعن الإمام أحمد /قال: في الجنب: (إذا توضأ لا بأس أن يجلس في المسجد) ([13]).

فيجوز للجنب المكث في المسجد إذا توضأ، وهو مذهب الحنابلة([14]).

قلت: لو كان معنيا به الجنب المجتاز، ولا يمكث في المسجد، لما توضؤوا فقط، واغتسلوا ولا بد، لأن الوضوء لايكفي لرفع الجنابة للجنب، كما ثبت في الشرع.

فالآية في شأن المسافر لا يجد الماء أن يتيمم ويصلي، لأنه هو عابر سبيل، وقد أجمع الصحابة y على هذا التفسير، ولم يوجد أي مخالف في الصحابة y ([15]).

وعن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r: (المؤمن لا ينجس).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (283)، ومسلم في «صحيحه» (371)، وأبو داود في «سننه» (231)، والترمذي في «سننه» (121)، والنسائي في «السنن الكبرى» (259)، وفي «المجتبى» (ج1 ص145)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص235)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص189)، وابن حبان في «صحيحه» (1259) من طرق عن حميد الطويل عن بكر بن عبد الله عن أبي رافع عن أبي هريرة t به.

قلت: فللجنب أن يدخل المسجد، ويبيت فيه، ويقيم فيه ما شاء، وتكون أحواله في المسجد كأحوال غير الجنب.

فوجب أن لا يمنع من ليس بنجس من المسجد، إلا بحجة، ولا نعلم حجة تمنع الجنب من دخول المسجد، لأن المؤمن ليس بنجس.

قلت: فيجوز للجنب المكث مطلقا، سواء كان متوضئا، أو غير متوضيء، وهو الصحيح([16]).

ويؤيده أيضا: أن قوله تعالى: ]ولا تقربوا الصلاة[. [النساء: 43]؛ على حقيقته؛ أي: لا تصلوا إذا كنتم على جنابة: ]حتى تغتسلوا[.  [النساء: 43].

فمنع الجنب من الصلاة حتى يغتسل، إلا أن يكون في السفر، ولا يجد ماء، فيصلي بالتيمم، وهذا تفسير الصحابة y، وعن جماعة من التابعين، وهو الصحيح.

قلت: ولم يقل: ولا تقربوا موضع الصلاة؛ أي: المسجد وغيره، وهذا يعني أننا لا نقرب أي مكان نصلي فيه ما دمنا على الجنابة.

وهذا الأمر فيه مشقة على الناس([17]).

ورجح الجصاص المفسر /في «أحكام القرآن» (ج3 ص169)؛ أن المراد به المسافر، حيث قال: (وما روي عن علي، وابن عباس: في تأويله أن المراد المسافر الذي لا يجد الماء فيتيمم؛ أولى من تأويل من تأوله على الاجتياز في المسجد.

وذلك: لأن قوله تعالى ]لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى[. [النساء: 43]؛ نهي عن فعل الصلاة في هذه الحال، لا عن المسجد؛ لأن ذلك حقيقة اللفظ، ومفهوم الخطاب.

وحمله على المسجد عدول بالكلام عن حقيقته... ومتى أمكننا استعمال اللفظ على حقيقته لم يجز صرف ذلك عن الحقيقة، وفي نسق التلاوة ما يدل على أن المراد حقيقة الصلاة، وهو قوله تعالى: ]حتى تعلموا ما تقولون[؛ [النساء: 43]).اهـ

وقال السمرقندي المفسر /في «بحر العلوم» (ج1 ص331): (قوله تعالى: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[. [النساء: 43]؛ يقول: ولا تقربوا الصلاة جنبا، إلا عابري سبيل؛ يعني: إلا أن يكون مسافرا، فلا يجد الماء فيتيمم ويصلي، وإن كان جنبا) ([18]). اهـ

قلت: وهذا يدل على أن هذا التفسير هو الصحيح في الآية، وأنه ذكر عدم تأدية الصلاة مع الجنابة، ولم يذكر عدم قرب الجنب موضع الصلاة في المسجد، إلا أن يكون مارا في المسجد غير ماكث فيه، فهذا بعيد، ولم يقل به أحد من الصحابة الكرام.

قلت: فترجيح تفسير: قوله تعالى: ]عابري سبيل[؛ [النساء: 43]، بالمسافر، يكفي أنه تفسير اثنين من الصحابة رضي الله عنهما: علي بن أبي طالب، وابن عباس، ولأنه لا يحتاج إلى تقدير في الآية، فمعنى: ] لا تقربوا الصلاة[. [النساء: 43]؛ على حقيقته، وليس مواضع الصلاة.

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

المقدمة................................................................................................

02

2)

ذكر الدليل على أن الآية: ]ولا جنبا إلا عابري سبيل[؛ نزلت في المسافر لا يجد الماء؛ فيتيمم ويصلي.............................

11

 



([1]) وانظر: «الروض المربع» للبهوتي (ص19).

([2]) قلت: وهؤلاء السلف الصالح أئمة علم التفسير، وهم الصحابة، والتابعون، وتابعو التابعين ممن التزم بالكتاب والسنة، ولم يتلبس ببدعة، اللهم سلم سلم.

([3]) قلت: والناس في هذا الزمان بحاجة ماسة لمن يشرح لهم معنى الآيات، ويوضح لهم أحكامها بالتفسير المأثور الصحيح؛ حتى يفقهوا ما يتلون من كتاب الله تعالى.

([4]) قلت: والنسيان هنا بمعنى: الترك.

([5]) أثر صحيح.

      أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (30454)، و(35788)، والطبري في «جامع البيان» (ج16 ص191)، وأبو الفضل الرازي في «فضائل القرآن» (ص119) من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما به.

     وإسناده صحيح.

([6]) أثر صحيح.

      أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج10 ص467)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص381)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص34)، وآدم بن أبي إياس في «تفسير القرآن» (ص982)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (2029)، وابن أبي حاتم  في «تفسير القرآن» (ج6 ص281)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص80)، وعبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص20)، وفي «المصنف» (6033)، والبستي في «تفسير القرآن» (ق/40/ط)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (193)، والواحدي في «الوسيط» (ج3 ص225)، والطبري في «جامع البيان» (ج16 ص191)، وسفيان الثوري في «تفسير القرآن» (622)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج6 ص264) من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما به.

وإسناده صحيح.

([7]) قلت: والخلاف في تفسير هذه الآية؛ وقع بعدهم، فلا يلتفت إليه بعد إجماع الصحابة الكرام على خلافه، فافطن لهذا ترشد.

([8]) قلت: ولا يلتفت إلى التفسير بالرأي، والاجتهاد، اللهم غفرا.

([9]) وانظر: «مختصر الصواعق المرسلة» (ج2 ص339).

([10]) فعابر السبيل: هو المسافر على الصحيح.

([11]) وانظر: «السنن الكبرى» للبيهقي (ج1 ص298)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج2 230)، و«تفسير القرآن» للطبري (ج5 ص97).

([12]) وانظر: «فتح الباري» لابن رجب (ج1 ص231).

([13]) «المسائل» رواية الكوسج (87).

([14]) وانظر: «المغني» لابن قدامة (ج1 ص97).

([15]) وقد روي عن عبدالله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن عباس، وجابر بن عبدالله، وأنس بن مالك y؛ أن الآية في الجنب يمر في المسجد مجتازا، وهو قائم، ولا يجلس في المسجد، وكلها ضعيفة لم تصح الأسانيد عنهم، فلا تغتر بمن صححها.

     وانظر: «تفسير القرآن» لعبدالرزاق (ج1 ص163)، و«جامع البيان» للطبري (ج5 ص99)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (ج2 ص443)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج4 ص451)، و«المسند» للدارمي (ج1 ص749)، و«تفسير القرآن» لسعيد بن منصور (ج4 ص1270)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج3 ص960)، و«تفسير القرآن» لابن المنذر (ج2 ص722)، و«أحكام القرآن» لإسماعيل بن إسحاق (ص127).

([16]) وانظر: «المحلى بالآثار» لابن حزم (ج1 ص39).

([17]) وانظر: «معالم التنزيل» للبغوي (ج2 ص220)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج2 ص90)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج1 ص469)، و«أحكام القرآن» للجصاص (ج3 ص169).

([18]) أي: لا يقرب الجنب الصلاة؛ إلا أن يكون مسافرا فيتيمم ويصلي.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan