القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة التفسير الأثري / جزء فيه تفسير؛ قوله تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة [مريم: 95]

2023-12-07

صورة 1
جزء فيه تفسير؛ قوله تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة [مريم: 95]

سلسلة

التفسير الأثري

 

                                                                                              

 

6

 

 

 

                                                                                 

 

جزء فيه

تفسير؛ قوله تعالى: ]فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة[ [مريم: 95]

 

 

 

 

 

تأليف

العلامة المحدث

أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري

حفظه الله، ونفع به، وأطال عمره

    

وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله                                                   

المقدمة

 

الحمد لله الذي شرح صدر من أراد هدايته للإسلام، وفقه في الدين من أراد به خيرا، وفهمه فيما أحكمه من الأحكام.

أحمده أن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وخلع علينا خلعة الإسلام خير لباس، وشرع لنا من الدين ما وصى به نوحا وإبراهيم، وموسى وعيسى، وأوحاه إلى محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وأشكره وشكر المنعم واجب على الأنام.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، المبعوث لبيان الأحكام، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وتابعيهم الكرام([1]).

أما بعد:

فإن علم التفسير من أجل العلوم في الشريعة المطهرة، لأنه متعلق بالقرآن الكريم؛ فهما، واستنباطا، وبيانا، وتأويلا، ومنه يعرف مراد الله تعالى في فقه الآيات القرآنية، فهو أشد العلوم تعلقا بكتاب الله تعالى، بل هو سبيل علمه، ومنهج فهمه، وخير منهج لعلم تفسير آيات الله تعالى، وأعلاه مرتبة الرجوع إلى القرآن الكريم نفسه، ثم السنة النبوية، فإن لم نجد فيه التفسير الصحيح؛ رجعنا إلى آثار الصحابة، أو آثار التابعين، أو آثار تابعي التابعين، وهم خير القرون الثلاثة الأولى([2])، وتفضيلها على ما بعدها من القرون؛ لما اختصوا به من العلم النافع، وما لهم من الفهم الصحيح لمراد الله تعالى، ورسوله r، وما اختصوا به من العمل الصالح؛ كل ذلك بالأدلة الشرعية.

قال الحافظ ابن رجب / في «بيان فضل علم السلف على علم الخلف» (67): (فأفضل العلوم في تفسير القرآن، ومعاني الحديث، والكلام في الحلال والحرام، ما كان مأثورا عن الصحابة، والتابعين، وتابعيهم... فضبط ما روي عنهم في ذلك أفضل العلم؛ مع تفهمه، وتعقله، والتفقه فيه... وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة، فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق؛ إلا وهو في كلامهم موجود لمن فهمه وتأمله، ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة، والمآخذ الدقيقة، مالا يهتدي إليه من بعدهم، ولا يلم به).اهـ

قلت: فمن هنا عظمت لي الرغبة([3]) في تفسير: قوله تعالى: ]فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا[ [مريم: 95]، عن طريق آثار السلف الصالح في التفسير بأسانيد صحيحة، لصحة فهمهم في تأويل الآيات، وإيضاح الأصح، والأرجح، والأكمل في حقها من المعاني الأثرية، يتم ذلك في نمط رفيع من الأدب، وحسن الخطاب لكتاب الله تعالى.

قلت: والقرآن العظيم سبيل السعادة، وطريق النجاة، بل هو حجة الله تعالى البالغة على سائر خلقه، كما أنه حجة المسلمين على صحة دينهم، وصدق نبيهم r، وهو عصمتهم من الزلل والتعقيب، وأمان لهم من الزيغ والإنحراف، يتلونه فيسعدون بأنواره، ويتدبرون في آياته؛ فتكشف لهم أسراره.

لذلك يجب على أهل التفسير أن يبذلوا جهدهم لتيسير فهم القرآن الكريم على المسلمين؛ بالقرآن، أو السنة، أو الآثار، بأسلوب واضح، وبيان ناصع، لا برأي فيه، ولا بتطويل، ولا بتكلف، ولا بتقليد، اللهم غفرا.

قلت: وهذا هو التمسك بالقرآن؛ ومن استمسك به، واتبع ما فيه أفلح ونجا، ومن أعرض عنه؛ فإن له معيشة ضنكا، ويحشره الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة أعمى، كما عمي في الدنيا عن هذا النور، جزاء وفاقا.

قال تعالى: ]ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى[([4]). [طه: 124-126].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (تضمن الله لمن قرأ القرآن، واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ثم تلا ]فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى[ [طه: 123]) ([5]).

قلت: فمن قرأ القرآن، وعمل بما فيه عصمه الله من الضلالة في الدنيا والآخرة، والله المستعان.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (أجار الله تابع القرآن من أن يضل في الدنيا، أو يشقى في الآخرة، ثم قرأ ]فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى[ [طه: 123]، قال: لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة) ([6]).

هذا؛ وبين يديك أخي المسلم الكريم هذا التفسير بالمأثور؛ في تفسير آية: ]فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا[ [مريم: 95]؛ وهو تفسير عامة الصحابة الكرام([7])، وجماعة من التابعين، وهو الصحيح، فعض عليه بالنواجذ([8])، وتمسك به، واحكم به، وتعبد به، فإنه الحق من ربك سبحانه.

وقال الإمام ابن القيم /: (فالصحابة y أخذوا عن رسول الله r ألفاظ القرآن ومعانيه، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني أعظم من عنايتهم بالألفاظ، يأخذون المعاني أولا، ثم يأخذون الألفاظ).([9]) اهـ

وقال المفسر الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص23): (القول إذا ظهر عن جماعة من الصحابة واستفاض، ولم يوجد له منهم مخالف؛ فهو إجماع، وحجة على من بعدهم). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج1 ص355): (فإنهم أصحاب رسول الله r، ولا مخالف لهم منهم، وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم، ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم؛ لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم، والنفس تسكن إليهم؛ فأين المهرب عنهم دون سنة، ولا أصل وبالله التوفيق). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ

وقال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص24)؛ عن تفضيل السلف على الخلف: (ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم خيرا، وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين وأعمالهم في جميع علوم الدين وأعماله؛ كالتفسير، وأصول الدين، وفروعه، والزهد، والعبادة، والأخلاق، والجهاد، وغير ذلك؛ فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة؛ فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير، وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم. وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوما). اهـ

وقال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص301): (علامة من أراد الله تعالى به خيرا سلوك هذا الطريق كتاب اللـه، وسنن رسول الله r، وسنن أصحابه y، ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (فتارة يحكون الإجماع ولا يعلمون إلا قولهم). اهـ

سائلا المولى أن يتقبل مني ما كتبت، وأن يجعله في ميزان حسناتي، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

                                                                                   أبو عبدالرحمن الأثري

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

ونعم المولى، ونعم النصير

ذكر الدليل على أن أناسا من هذه الأمة بسبب جهلهم، سوف يضيعون الصلاة، وذلك بأنهم: يصلون لغير وقتها([10])، أو يؤخرونها عن وقتها([11])، أو يتركونها، أو يخلون بواجباتها، أو يضيعون أوقاتها المحددة شرعا، من طريق الرؤية الشرعية، إلى تأدية الصلاة على التقاويم الحسابية الفلكية، فكل ذلك من تضييع الصلاة، وقد أخبر الله تعالى عن ذلك، ورسوله r في آخر الزمان

 

اعلم رحمك الله: أن الله تعالى جعل لكل صلاة: وقتا محدودا في أولها، وفي آخرها، ولم يأذن تعالى في فعلها قبل دخول وقتها، ولا بعد خروج وقتها.

قال تعالى: ]إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا[ [النساء: 103].

أي: مؤقتا بوقت محدد مبين.([12])

* والصلاة قبل الوقت، أو بعده أمر غير مشروع، والوقت شرط في صحتها، فيتجب الصلاة في وقتها المحدد شرعا، ولا يجوز تقديمها عن الوقت، ولا تأخيرها عن الوقت([13])، ولا ينبغي تأخيرها في وسط الوقت بعد إن شرع الله تعالى تأدية الصلاة في أول وقتها، مثل: «صلاة العصر»، و«صلاة المغرب»، و«صلاة العشاء».([14])

قال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص76): (فقد توعد الله سبحانه من فوت الصلاة عن وقتها بوعيد التارك لها، قال تعالى: ]فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون[ [الماعون:5]، وقد فسر أصحاب رسول الله r: السهو عنها؛ بأنه تأخيرها عن وقتها؛ كما ثبت ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وفيه حديث مرفوع.

وقال تعالى ]فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا[ [مريم: 59]، وقد فسر الصحابة، والتابعون إضاعتها بتفويت وقتها.

* والتحقيق: أن إضاعتها تتناول تركها، وترك وقتها، وترك واجباتها وأركانها، وأيضا فإن مؤخرها عن وقتها عمدا متعد لحدود الله كمقدمها عن وقتها). اهـ

وإليك الدليل:

(1) قال تعالى: ]فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا[ [مريم: 59-60].

2) وعن عطاء بن أبي رباح / قال: في قوله تعالى: ]فخلف من بعدهم خلف[ [مريم: 59]؛ قالوا: (هم أمة محمد r). ([15])

3) وعن قتادة بن دعامة / قال: في قوله تعالى: ]فخلف من بعدهم خلف[ [مريم: 59]؛ قال: (هم في هذه الأمة). ([16])

4) وعن مجاهد / قال: في قوله تعالى: ]فخلف من بعدهم خلف[ [مريم: 59]؛ قال: (من هذه الأمة). وفي رواية: (هم أمة محمد r). وفي رواية: (في هذه الأمة من المتأخرين). ([17])

قال ابن الحيري المفسر / في «الكفاية في التفسير» (ج9 ص290): (هذه الأمة من المتأخرين، الذين كانوا في آخر الزمان عند اقتراب الساعة). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص77): (وقد جعل الله سبحانه للعبادات أمكنة، وأزمنة، وصفات؛ فلا ينوب مكان عن المكان الذي جعله الله مكانا ميقاتا لها). اهـ

5) وعن إبراهيم النخعي / قال: في قوله تعالى: ]أضاعوا الصلاة[ [مريم: 59]؛ قال: (صلوها لغير وقتها). ([18])

6) وعن عمر بن عبد العزيز / قال: في قوله تعالى: ]أضاعوا الصلاة[ [مريم: 59]؛ قال: (لم تكن إضاعتهم إياها تركها، ولكن أضاعوا المواقيت). وفي رواية: (ولكن أخروها عن وقتها). ([19])

وقوله تعالى: ]فسوف يلقون غيا[ [مريم:59]؛ أي: عذابا، وهلاكا، وخسرانا، وشرا. ([20])

قال المفسر الواحدي / في «الوسيط» (ج3 ص188): (قال الأكثرون: أخروها عن وقتها).اهـ

قلت: فالويل، والغي لمن ضيعوا أوقات الصلوات الخمس يوم القيامة.

7) وعن القاسم بن مخيمرة / قال: في قوله تعالى: ]أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات[ [مريم: 59]؛ قال: (تأخيرها عن وقتها).

وفي رواية: (أخرجوا الصلاة عن ميقاتها). وفي رواية: (أضاعوا المواقيت). ([21])

قلت: فأخروها عن مواقيتها، وصلوها بغير وقتها.

8) وعن زيد بن أسلم / قال: في قوله تعالى: ]فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة[ [مريم: 59]؛ قال: (تركوا الصلاة). ([22])

9) وعن محمد بن كعب القرضي / قال: في قوله تعالى: ]أضاعوا الصلاة[ [مريم: 59]؛ قال: (تركوا الصلاة). ([23])

وذكر الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص76): أن إضاعة الصلاة تتناول تركها، وترك وقتها، وترك واجباتها، وأركانها، وأن مؤخرها عن وقتها عمدا، متعد لحدود الله تعالى، كمقدمها عن وقتها.

10) وعن محمد بن سيرين / قال: (إن للصلاة وقتا وحدا محدودا، فإن الذي يصلي قبل الوقت مثل الذي يصلي بعد الوقت).([24])

قلت: والذي يصلي قبل وقت دخول الصلاة، أو بعد الوقت، أو يؤخرها إلى وسط الوقت بعد علمه، فهذا خالف القرآن، والسنة، والإجماع.([25])

قال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص74): (ولا مشروع إلا ما شرعه الله تعالى، ورسوله r، وهو سبحانه ما شرع فعل الصلاة، والصيام، والحج؛ إلا في أوقات مختصة به، فإذا فاتت تلك الأوقات لم تكن مشروعة). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص76): (والصلاة في الوقت واجبة على كل حال، حتى أنه يترك جميع الواجبات، والشروط؛ لأجل الوقت). اهـ

11) وعن ابن القاسم قال: أخبرني مالك: أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق حين كانت بنو أمية يؤخرون الصلاة: أنه كان يصلي في بيته، ثم يأتي المسجد فيصلي معهم، فكلم في ذلك، فقال: (أصلي مرتين أحب إلي من أن لا أصلي شيئا).([26])

قال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج13 ص311): (فإن الله تعالى قد حد أوقات الصلاة على لسان رسول الله r، وجعل لكل وقت صلاة). اهـ

12) وعن أنس بن مالك t قال: (ما أعرف فيكم اليوم شيئا كنت أعهده على عهد رسول الله r، ليس قولكم: لا إله إلا الله، قال: قلت: يا أبا حمزة الصلاة؟ قال: قد صليتم حين تغرب الشمس، أفكانت تلك صلاة رسول الله r؟ قال: فقال: على أني لم أر زمانا خيرا لعامل من زمانكم هذا، إلا أن يكون زمانا مع نبي). وفي رواية: (إنكم تصلون الظهر مع المغرب، أهكذا كان رسول الله r يصلي؟!).

حديث صحيح

أخرجه أحمد في «الـمسند» (13861)، وابن الـمبارك في «الزهد» (1512)، وأبو يعلى في «الـمسند» (3330)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (1723)، و(1724)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (3195) من طريق عفان، وعبدالله بن المبارك، وهدية بن خالد؛ كلهم عن سليمان بن الـمغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك t به.

قلت: وهذا سنده صحيح على شرط مسلم.

وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج3 ص56).

والشاهد: قوله t: (قد صليتم حين تغرب الشمس)؛ يعني: صلوا صلاة العصر مع غروب الشمس، وهي طالعة كما بين أنس بن مالك t.

قلت: وسبب قول أنس بن مالك t هذا أن بعض الأمراء كان يؤخر صلاة الظهر، والعصر إلى آخر وقتها، وهذا هو الغروب مع أن الشمس طالعة بجهة المغرب، لأنهم يستحيل أن يصلوا صلاة العصر والشمس قد غربت بالكلية فلا ترى، فهم صلوا صلاة الظهر والعصر متأخرة في وقت غروب الشمس، وهي طالعة، فسماه أنس بن مالك t غروبا مع أن الشمس لم تغرب بالكلية، وقرصها يرى في الأفق.([27])

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (529)، و(530)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج13 ص366)، و(ج15 ص70)، وأبو يعلى في «الـمسند» (4149)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج2 ص208) من طريق غيلان بن جرير، وحصين بن عبدالله، والزهري، ومعاوية بن قرة؛ أربعتهم عن أنس بن مالك t قال: (ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبي r، قيل: الصلاة، قال: أليس صنعتم ما صنعتم فيها).

وفي رواية: (لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت).

وبوب الحافظ البخاري في «صحيحه» (ج2 ص13): (باب تضييع الصلاة عن وقتها).

قلت: وهذا يدل على أن صلاة الظهر ضيعت، لأنه جعلت في وقت غروب الشمس، وهذا وقت صلاة المغرب!.

قال تعالى: ]ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه[ [الطلاق: 1].

قال الإمام العيني / في «عمدة القاري» (ج4 ص159): (باب تضييع الصلاة عن وقتها؛ أي: هذا باب في بيان تضييع الصلوات عن وقتها، وتضييعها: تأخيرها إلى أن يخرج وقتها، وقيل: تأخيرها عن وقتها المستحب، والأول أظهر؛ لأن التضييع إنما يظهر فيه). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص13): (قوله: (قيل الصلاة)؛ أي: قيل له الصلاة هي شيء مما كان على عهده r، وهي باقية، فكيف يصح هذا السلب العام؟، فأجاب: بأنهم غيروها أيضا بأن أخرجوها عن الوقت). اهـ

قال أبو عبد الرحمن الأثري: كيف لو أن أنس بن مالك t أدرك زماننا، ويرى كيف ضيعت أوقات الصلوات كلها عن طريق الفلكيين، لطار لبه!، فليبكي الناس على تضييع أوقات الصلوات المفروضة، اللهم غفرا.

13) فعن الزهري قال: (دخلت على أنس بن مالك t بدمشق، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (530)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج2 ص308).

وأخرجه أحمد في «الـمسند» (11977)، وأبو يعلى في «الـمسند» (4184)، والترمذي في «سننه» (2447) من طريق زياد بن الربيع ، ومحمد بن عبدالله بن بزيع عن ابن عمران الجوني يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: (ما أعرف شيئا اليوم مما كنا عليه على عهد رسول الله r. قال: قلنا له: فأين الصلاة؟ قال: أولم تصنعوا في الصلاة ما قد علمتم).

وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج3 ص57).

ويؤيد ذلك: ما أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج2 ص13-فتح الباري) من طريق عبدالرحمن بن العريان الحارثي قال: سمعت ثابتا البناني قال: (كنا مع أنس بن مالك t، فأخر الحجاج(

Powered By Emcan