القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / التذكرة في عقوبة أصحاب الكنوز في يوم الآخرة

2023-12-05

صورة 1
التذكرة في عقوبة أصحاب الكنوز في يوم الآخرة

                                                                                              

 

             سلسلة

من شعار أهل الحديث

82

 

 

                                                                                 

التذكرة

في

عقوبة أصحاب الكنوز في يوم الآخرة

 

 

 

 

 

تأليف

فضيلة الشيخ المحدث الفقيه

أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري

حفظه الله ورعاه

    

فتوى

الفقيه ابن العربي المالكي /

في

أنه يجب على الأغنياء أن ينفقوا من أموالهم على الفقراء بجميع أنواعهم: شهريا ([1])، وهذا الإنفاق غير الزكاة المفروضة عليهم في السنة باتفاق العلماء، وهذا الإنفاق من حقهم على الأغنياء، ثبت هذا الحكم في الشريعة المطهرة

 

قال الإمام ابن العربي / في «أحكام القرآن» (ج1 ص88): (وليس في المال حق سوى الزكاة، وإذا وقع أداء الزكاة، ونزلت بعد ذلك حاجة، فإنه يجب صرف المال إليها، باتفاق من العلماء). اهـ.

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

    

فتوى

شيخ الإسلام ابن تيمية /

في

أنه يجب على التجار أن ينفقوا من أموالهم على المحتاجين بجميع أنواعهم: شهريا، وهذا الإنفاق زائد في الحقوق للضعفاء، على الزكاة المفروضة في السنة، فمن قصر في ذلك أثم، وله وعيد شديد يوم القيامة

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص316): (وأما الزكاة: فإنها تجب حقا لله تعالى في ماله.

* ولهذا يقال: ليس في المال حق سوى الزكاة؛ أي: ليس فيه حق يجب بسبب المال سوى الزكاة.

* وإلا ففيه واجبات بغير سبب المال، كما تجب النفقات؛ للأقارب، والزوجة، والرقيق، والبهائم.

* ويجب حمل العاقلة، ويجب: قضاء الديون، ويجب الإعطاء في النائبة، ويجب إطعام الجائع، وكسوة العاري فرضا على الكفاية، إلى غير ذلك من الواجبات المالية، لكن بسبب عارض). اهـ.

 

ﭑ ﭑ ﭑ

    

رب يسر وأعن

المقدمة

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران: 102].

]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء: 1].

]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 - 71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فهذا الكتاب وضعته في معرفة عقوبة الغني تارك الصدقة المفروضة للمستحقين، أحببت أن أضعه بين يدي القارئ، ليكون على علم بهذا الوعيد الشديد.

* وللعلم: أن المال في حقيقة الأمر، هو مال الله تعالى، والعباد مستخلفون فيه.

* وإخراج المسلم لصدقة ماله، اعتراف منه، بفضل الله تعالى عليه، إذ جعله في موقف المعطي، ولم يجعله في موقف الآخذ.

* ولا شك: أن النية الصادقة، والمعاملة السمحة، والبذل السخي، من الأمور الضرورية، للوصول بالصدقة إلى مرتبتها العالية، والثواب العظيم، والنعيم المقيم.

قال تعالى: ]خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها[ [التوبة:103].

وقال تعالى: ]وتعاونوا على البر والتقوى[ [المائدة: 2].

وقال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا[ [البقرة: 264].

قلت: فكل غني في حاجة إلى أن يتزكى، ويتطهر، ويتزكى بالبذل، والإنفاق، ويتطهر من رذيلة الشح، وحب الأنانية؛ لقوله تعالى: ]خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها[ [التوبة:103].

* وقد ذكر رسول الله r: أحاديث في الحث على الصدقة، والترغيب فيها، وبيان ثوابها، وعظم أجرها.

فعن أبي هريرة t، عن النبي r قال: (سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه). ([2])

* ولما كانت الأموال: محبوبة عند الناس، حبا، جما، كانت الصدقة، والإنفاق في سبيل الله تعالى: اختبارا، حقيقيا، للمؤمنين، وتمحيصا لهم، وتخليصا لهم من الأثرة، والأنانية، والتفكيرفي الذات.

* والمسلم عندما يتصدق بماله: بسخاء، وصدق، ينطلق في ذلك من حب لله تعالى، أقوى من حبه للمال.

* كما ينطلق في ذلك من تفكيره في الفقراء والمساكين، والضعفاء واليتامى، وكل ذلك يجعله يشعر بشعور غيره، ويهتم بالمشاركة الوجدانية بعباد الله تعالى، فخير الناس أنفعهم للناس.

قال تعالى: ]والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم[ [المعارج: 24 و25].

وقال تعالى: ]وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل[ [السجدة: 26].

* والإسلام بتشريعه الخالد، للصدقة يسعى؛ لإيجاد مجتمع متكافل: يعطف فيه الغني على الفقير، ويحترم الفقير: الغني.

* وتبنى فيه العلاقة على أساس المودة والرحمة، لا وجود فيها للأمراض الفتاكة: كالحسد، والبغض، والكراهية، لأن كل واحد فيه أدى ما يجب عليه طواعية، وبرضا نفس.

* ولقد اعتنى الإسلام بعلاج مشكلة الفقر، ورعاية الفقراء والضعفاء، ولم يكتف بسد عوزهم، وانتشالهم من فقرهم، بل قرن ذلك دائما، بالتربية، والتوجيه، والتأكيد على أن ما يدفعه الغني: حق واجب عليه، وما يأخذه الفقير: ملك له ليس عليه فيه غضاضة.

قال تعالى: ]وأحضرت الأنفس الشح[ [النساء: 128].

وقال تعالى: ]لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون[ [آل عمران: 92].

وقال تعالى: ]والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم[ [المعارج: 24 و25].

وقال تعالى: ]فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة * ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة * أولئك أصحاب الميمنة[ [البلد: 11-18].

وقال تعالى: ]إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم[ [التوبة: 60].

* وبهذه الأصول السامية، قضى الإسلام على مشكلة الفقر، وأراح الفقراء، وأخذ بأيديهم لما فيه خيرهم في عاجلهم وآجلهم.

* ولم تقف عناية الإسلام، عند الدعوة إلى الرحمة بالمسكين، والترغيب في إطعامه، ورعايته، والترهيب من إهماله، والقسوة عليه.

* بل تجاوزت ذلك، فجعلت في عنق كل مؤمن حقا، للمسكين، وأن يحض غيره على إطعامه، ورعايته.

* وجعلت ترك هذا الحض قرين الوعيد الشديد، وموجبا لسخطه سبحانه وعذابه في الآخرة. ([3])

قال تعالى: ]كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين[ [المدثر: 38-46].

وقال تعالى: ]وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية * ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه * خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه * إنه كان لا يؤمن بالله العظيم * ولا يحض على طعام المسكين * فليس له اليوم هاهنا حميم * ولا طعام إلا من غسلين * لا يأكله إلا الخاطئون[ [الحاقة: 25-37].

وقال تعالى: ]كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضون على طعام المسكين[ [الفجر: 17 و18].

وقال تعالى: ]أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين[ [الماعون: 1 و2 و3].

وقال تعالى: ]فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا تنهر[ [الضحى: 9 و10].

وقال تعالى: ]قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين[ [المدثر: 43 و44].

* ومن أشد المصائب التي يبتلى بها العبد: داء البخل الذي يجعله يظن أن بخله يحفظ أمواله من الضياع، أو أنه يزيده مالا فوق ماله، مع أنه لو علم أن ما يصيبه من الخسران في دنياه بانفضاض الناس من حوله، وكراهيتهم له، ثم ما يحيق به من العذاب في آخرته.

* فإنه لو أدرك ذلك لكانت حسرته على نفسه شديدة، وأليمة، ويكفي أن يقرأ هؤلاء الأغنياء البخلاء، ما جاء في كتاب الله تعالى، عما أعد لهم من عذاب، وهوان، فقد قال تعالى: ]ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة[ [آل عمران: 180].

وقال تعالى: ]والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون[ [التوبة: 34 و35].

* فإن هذه العقوبات التي سوف تقع على مانعي الصدقة يوم القيامة، لم أجدها: محررة تحريرا، كافيا في تقرير العلم النافع في هذا الموضوع.

* بالإضافة إلى حاجة الناس لبحث، يلم شتات هذا الموضوع.

* وللصدقة الواجبة: وهي غير الزكاة المفروضة، منزلة عظيمة من الدين، يدل على عظم مكانتها عند الله تعالى.

* لذلك: وضع الله تعالى، التحذير الشديد، والوعيد العظيم، لمن منع الصدقة الواجبة من الأموال غير الزكاة المفروضة، وقصر في أدائها.

* ولا يخفى ما عليه الناس في وقتنا هذا من توسع في باب التجارة بجميع أنواعها.

* والتجار في عصرنا هذا يريدون الفرار من دفع الصدقة الواجبة الشهرية، للفقراء والمساكين.

* والله تعالى: فرض في أموالهم، صدقة واجبة غير الزكاة، لمواساة الفقراء، وإقامة المصالح العامة للأمة، وأن الفائدة في ذلك: للأغنياء، تطهير أنفسهم من رذيلة البخل([4])، وتربيتها بفضائل الرحمة: للفقراء، والضعفاء، وسائر المستحقين.

* مع سد ذريعة المفاسد، وهي تضخم الأموال، والكنوز، وحصرها في أناس معدودين، كما أشار إليه سبحانه: في قوله، في قسمة الفيء: ]كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم[ [الحشر: 7].

فالمال: مال الله تعالى، والأغنياء والفقراء: عباده، ولا تمايز بينهما؛ إلا بالتقوى، والعمل الصالح.

قال تعالى: ]إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين[ [الذاريات: 58].

* والزيادة عن القدر الواجب: صدقة، أجرها كبير، وفضلها جزيل.

* فالحد الأدنى للثواب عشرة أضعاف: تضاعف إلى سبعمائة: ضعف، بل إلى أضعاف كثيرة.

قال تعالى: ]مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم * الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون[ [البقرة: 261 و262].

وقال تعالى: ]آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير[ [الحديد: 7].

وقال تعالى: ]من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم[ [الحديد: 11].

وقال تعالى: ]وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم[ [المزمل: 20].

* فالصدقة، بمنزلة رباط قوي، بين العبد وربه سبحانه، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين إخوانه المسلمين.

* وتنشأ بسببها صلات، وعواطف، ومحبة، فأحس الغني، حاجة أخيه الفقير، فأدى الغني حق أخيه عليه، من زكاة ماله المفروضة، وزاده من صدقة الواجب عليه، فسد جوعه، وستر عورته، وفرج كربته([5])، قال تعالى: ]من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون[ [النحل: 97].

* فإذا كانت الزكاة المفروضة تؤدى امتثالا للأمر، واستجابة لله تعالى، ورسوله r.

* فإن الصدقة الواجبة، تقدم بدافع من الرغبة في الخير، والمحبة للفضل، والمشاعر الطيبة.

* فالصدقة الواجبة الشهرية: حق في عنق أهل الكنوز.

* فالشارع حث التجار على الصدقة الواجبة، دفعا لما يشوب البيع.

* والأصل في دفع الصدقة الواجبة؛ براءة الذمة يوم القيامة.

 * فهذا مال عند التجار، يعتبر فيه الإنفاق، فوجب أن يتصدق منه في كل شهر، لكي يؤدي فيه هذه الصدقة في الدين.

* وقد وردت النصوص في الوعيد الشديد، لمن يكنز الأموال ثم لا يؤديها: للفقراء، والمساكين، والضعفاء.

قال تعالى: ]يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون[ [التوبة: 35].

وقال تعالى: ]ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير[ [آل عمران: 180].

وعن عبد الرحمن الأعرج قال: حدثني أبو هريرة t، أنه سمع رسول الله r، يقول: (يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع([6])). وفي رواية: (يكون كنز أحدهم شجاعا أقرع يفر منه صاحبه، ويطلبه: أنا كنزك، ولا يزال الله به حتى يلقمه أصابعه).

حديث صحيح

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح» (4659)، وأبو حفص البجيري في «المستخرج على صحيح البخاري» (ج1 ص196).

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص14)، و (ج10 ص113)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص530)، والطبراني في «مسند الشاميين» (ج4 ص267)، وأبو يعلى في «المسند» (ج11 ص206) من طريق ورقاء بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، حدثنا أبو الزناد؛ أن عبد الرحمن الأعرج حدثه، أنه قال: حدثني أبو هريرة t؛ أنه سمع رسول الله r يقول: (يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع، يفر منه صاحبه وهو يطلبه، حتى يلقمه أصابعه). وفي رواية: (أنا كنزك، فلا يزال به حتى يلقمه إصبعه).

وإسناده صحيح.

وأخرجه عبد الله بن وهب في «الجامع في الأحكام» (ص117) من طريق ابن لهيعة عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة t، أن النبي r قال: (يتبع أحدكم كنزه يوم القيامة، وهو شجاع أقرع، فلا يزال يفر منه، حتى يلقمه أصبعه، فيجعلها في فيه).

وإسناده صحيح.

قلت: فالشارع يثبت أن في كل مال حقا، وهذا الحق هو ما يعبر عنه بالزكاة المفروضة، أو الصدقة الواجبة. ([7])

قال تعالى: ]والذين في أموالهم حق معلوم[ [المعارج: 24].

وقال تعالى: ]خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها[ [التوبة:103].

قلت: ففي الامتناع عن أداء الزكاة، أو الصدقة: إثم عظيم، وضرر كبير على الفقراء، وتعرض لغضب الله تعالى، وعاجل عذابه الذي لا يصيب الذين ظلموا خاصة، بل يعم الجميع، فنعوذ بالله من الخذلان.

* وقد شدد الإسلام على مانعي الصدقة، وأوقفهم عند حدهم، لأنهم يهدمون بناء المجتمع: بطمعهم، وجشعهم، وأنانيتهم، والله المستعان.

قال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض[ [البقرة: 267].  

وقال تعالى: ]وتعاونوا على البر والتقوى[ [المائدة: 2].

وقال تعالى: ]ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون[ [البقرة: 177].

* وهذا الإنفاق يدل على احترام المسلم الفقير، وهذا الاحترام من ثوابت الإسلام.

عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). ([8])

* نعم هناك: أنواع من الأموال في أيدي الأغنياء، ذكرها الله تعالى في كتابه، والرسول r في سنته، وأشارا إلى زكاتها ، وأداء حق الله تعالى فيها: إجمالا، وتفصيلا.

قال تعالى: ]وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون[ [النحل: 44].

* هذا الوجوب الشرعي؛ لسد حاجة النفس المسلمة، لا يقتصر على أموال الزكاة، بل يجاوزها، إلى جواز: فرض الوظائف المالية على الأغنياء، إذا قصروا في كفالة الفقراء بجميع أنواعها.

قال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج6 ص145): (وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة.

برهان ذلك: قول الله تعالى: ]وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل[ [الإسراء: 26] ، وقال تعالى: ]وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم[ [النساء: 36]). اهـ.

* فكل عمل يعمله المسلم يجد له مقابلا في الدنيا والآخرة.

قال تعالى: ]إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أساتم فلها[ [الإسراء:7].

وقال تعالى: ]وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا[ [النساء:83].

هذا وأسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب، والسداد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                                                                                               كتبه

أبو عبد الرحمن الأثري

 

 

 

 

    

ذكر الدليل على ذكر عقوبات أصحاب الكنوز لأموالهم،

الذين لا يؤدون الحقوق التي عليهم، للفقراء، والمساكين، والضعفاء، وهي فرض عليهم: غير الزكاة المفروضة، وهي حقوق زائدة على الزكاة، يجب أن ينفقوا أموالهم للمستحقين في كل شهر على قدر الحاجة، فلا يمتنع أصحاب الكنوز من دفع أموالهم للضعفاء، وأن يشعروا بهم في هذه الحياة، وهي حقوق واجبة عليهم في أموالهم

 

اعلم رحمك الله: أن الزكاة هي الحق الوحيد الواجب في المال، بسبب ملك الغني له.

* لكن هناك حقوق أخرى، قد تجب على الأغنياء، لأسباب أخرى: عارضة، هي حق للضعفاء بجميع أنواعهم على الأغنياء.

* فلا شك: أن للفقراء بجميع أنواعهم، حقا في أموال أصحاب الكنوز، غير الزكاة المفروضة.

* وذلك في حال وقوع الفقير في حاجة ماسة، فإنه يجب على الغني: مواساته بماله، فيبذله له لتفريج كربته، وإخراجه من هذه الشدة والضيق، وهذا باتفاق العلماء.

 قال الإمام ابن العربي / في «أحكام القرآن» (ج1 ص88): (وليس في المال حق سوى الزكاة، وإذا وقع أداء الزكاة، ونزلت بعد ذلك حاجة، فإنه يجب صرف المال إليها، باتفاق من العلماء). اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص316): (وأما الزكاة: فإنها تجب حقا لله تعالى في ماله.

* ولهذا يقال: ليس في المال حق سوى الزكاة؛ أي: ليس فيه حق يجب بسبب المال سوى الزكاة.

* وإلا ففيه واجبات بغير سبب المال، كما تجب النفقات؛ للأقارب، والزوجة، والرقيق، والبهائم.

* ويجب حمل العاقلة، ويجب: قضاء الديون، ويجب الإعطاء في النائبة، ويجب إطعام الجائع، وكسوة العاري فرضا على الكفاية، إلى غير ذلك من الواجبات المالية، لكن بسبب عارض). اهـ.

* فيكون للفقير في مال الغني: حق واجب شهريا، غير الزكاة المفروضة في السنة([9])، ومن لم يفعل ذلك عليه الإثم المبين.

* فيجب على الغني: مواساته بماله، فيبذله في تفريج كربته، وإخراجه من الشدة، والضنك الذي هو فيهما.

* وأصحاب الكنوز: أنواع كثيرة، يجب عليهم أن ينفقوا أموالهم على الفقراء والمساكين. ([10])

* مثل: الأغنياء، والتجار الكبار، وأصحاب المناصب العالية: الدينية والمدنية، والقضاة، والقراء الكبار للقرآن الكريم، وغيرهم، الذين يكنزون الأموال الكثيرة في البنوك، ولا ينفقونها على الفقراء، والمساكين، والمحتاجين([11])، بل لا ينفقونها إلا على خاصة أنفسهم، وأهليهم، وأولادهم!.

* مع أن المال المكنوز في حساباتهم، هو مال الله تعالى، وهم: مستخلفون فيه، فيجب عليهم أن ينفقوا هذا المال على مراد الله تعالى، ومراد رسوله r، وبما بينه الله تعالى في القرآن، وبما بينه الرسول r في السنة.

* ومن فرط في حق واجب فسيحاسب عليه يوم القيامة، وله وعيد شديد في هذا اليوم العصيب، الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون.

وإليك الدليل:

1) عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة t، أن رسول الله r قال: (الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر([12])، فأما الذي هي له أجر: فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال بها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها([13])، ذلك من المرج([14]) أو الروضة([15]) كانت له حسنات، ولو أنه انقطع طيلها، فاستنت([16]) شرفا أو شرفين كانت آثارها([17])، وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر، فشربت منه ولم يرد أن يسقي كان ذلك حسنات له، فهي لذلك أجر، ورجل ربطها تغنيا([18]) وتعففا ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهي لذلك ستر، ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء([19]) لأهل الإسلام، فهي على ذلك وزر، وسئل رسول الله r عن الحمر، فقال: ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: ]فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره[ [الزلزلة: 8]).

حديث صحيح

* وهذا هو المحفوظ.

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح» (2371)، و(2860)، و(3646)، و(4962)، و(4963)، و(7356)، ومالك بن أنس في «الموطأ» (ج1 ص571 و572)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج4 ص312)، وفي «المجتبى» (ج6 ص216)، والبزار في «المسند» (ج15 ص345)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (901)، وابن البجيري في «المستخرج على صحيح البخاري» (643)، ومصعب الزبيري في «حديثه» (176)، والبغوي في «شرح السنة» (ج6 ص24)، وابن القاسم في «الموطأ» (178)، وأبو نعيم في «المستخرج على صحيح البخاري» (262)، وابن حبان في «المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع» (10 ص527)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار المختلفة المأثورة» (ج2 ص26)، وفي «أحكام القرآن» (337)، وابن بكير في «الموطأ» (ج2 ص298 و299)، وابن بشران في «البشرانيات» (1070)، وابن عساكر في «الأربعين في الحث على الجهاد» (28)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص15)، وفي «شعب الإيمان» (ج7 ص136)، والجوهري في «مسند الموطأ» (353)، والحداد في «جامع الصحيحين» (ج3 ص163)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج5 ص406)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج2 ص290 و291)، وعبد المؤمن الدمياطي في «فضل الخيل» (ص70)، وعبد الله بن وهب في «الموطأ» (ص74 و75)، وابن الرسام في «الأربعين من الأحاديث النبوية عن أربعين من مشايخ الإسلام» (ق/97/ط المدونة الكبرى للمخطوطات، ط الثانية، المجموعة الثالثة، إعداد أهل الأثر بمملكة البحرين، في سنة: 1444هـ)، والشحامي في «العوالي عن مالك بن أنس» (13)، وابن الجوزي في «الحدائق في علم الحديث» (ج2 ص402) من طريق القعنبي، ويحيى بن بكير، وعبد الله بن يوسف، وأبي مصعب الزهري، وعبد الرحمن بن القاسم، وإسماعيل بن أبي أويس، وروح بن عبادة، وعبد الله بن وهب، ومصعب بن عبد الله الزبيري، وغيرهم؛ جميعهم: عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة t به.

* وهذا اللفظ، هو المحفوظ، من حديث: مالك بن أنس، بهذا الاختصار.

2) وعن أبي هريرة t قال: قال النبي r: (تأتي الإبل([20]) على صاحبها، على خير ما كانت([21])، إذا هو لم يعط فيها حقها، تطؤه([22]) بأخفافها([23])، وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت، إذا لم يعط فيها حقها، تطؤه بأظلافها([24])، وتنطحه بقرونها، وقال: ومن حقها أن تحلب على الماء). ([25])

قال: (ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة([26]) يحملها على رقبته لها يعار([27])، فيقول: يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلغت، ولا يأتي ببعير يحمله على رقبته له رغاء([28])، فيقول: يا محمد، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا، قد بلغت).

حديث صحيح

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح» (1402)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص14)، وفي «المجتبى» (ج5 ص23)، والطبراني في «مسند الشاميين» (ج4 ص269)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج4 ص151) من طريق شعيب بن أبي حمزة، حدثنا أبو الزناد، أن عبد الرحمن ابن هرمز الأعرج حدثه، أنه سمع أبا هريرة t به.

وأورده المزي في «تحفة الأشراف» (ج9 ص566).

قلت: وهذا اللفظ في هذا الحديث، أيضا، هو المحفوظ، مختصرا.

* ورواه شعيب بن أبي حمزة، حدثنا أبو الزناد؛ أن عبد الرحمن الأعرج حدثه؛ أنه قال: حدثني أبو هريرة t، أنه سمع رسول الله r، يقول: (يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع([29])). وفي رواية: (يكون كنز أحدهم شجاعا أقرع يفر منه صاحبه، ويطلبه: أنا كنزك، ولا يزال الله به حتى يلقمه أصابعه).

حديث صحيح

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح» (4659)، وأبو حفص البجيري في «المستخرج على صحيح البخاري» (ج1 ص196).

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص14)، و(ج10 ص113)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص530)، والطبراني في «مسند الشاميين» (ج4 ص267)، وأبو يعلى في «المسند» (ج11 ص206) من طريق ورقاء بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، حدثنا أبو الزناد؛ أن عبد الرحمن الأعرج حدثه، أنه قال: حدثني أبو هريرة t؛ أنه سمع رسول الله r يقول: (يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع، يفر منه صاحبه وهو يطلبه، حتى يلقمه أصابعه). وفي رواية: (أنا كنزك، فلا يزال به حتى يلقمه إصبعه).

وإسناده صحيح.

وأخرجه عبد الله بن وهب في «الجامع في الأحكام» (ص117) من طريق ابن لهيعة عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة t، أن النبي r قال: (يتبع أحدكم كنزه يوم القيامة، وهو شجاع أقرع، فلا يزال يفر منه، حتى يلقمه أصبعه، فيجعلها في فيه).

وإسناده صحيح.

* ورواه حفص بن ميسرة، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، جميعهم: عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة t؛ أن رسول الله r قال: (تأتي الإبل التي لم تعط الحق منها، تطأ صاحبها بأخفافها، وتأتي البقر والغنم تطأ صاحبها بأظلافها، وتنطحه بقرونها، ويأتي الكنز شجاعا أقرع فيلقى صاحبه يوم القيامة، فيفر منه صاحبه مرتين، ثم يستقبله فيفر، فيقول: ما لي ولك، فيقول: أنا كنزك، أنا كنزك، فيتقيه بيده فيلقمها).

حديث صحيح

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1786)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج3 ص68)، وابن حبان في «المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع» (ج8 ص47).

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأورده المزي في «تحفة الأشراف» (14041).

قلت: وهذا اللفظ هو المحفوظ أيضا، في هذا الحديث، مختصرا.

* ورواه معمر بن راشد، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع، يفر منه صاحبه، فيطلبه، ويقول: أنا كنزك، قال: والله لن يزال يطلبه، حتى يبسط يده فيلقمها فاه).

حديث صحيح

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح» (6957)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص316)، والبغوي في «شرح السنة» (ج5 ص479).

* وهو في «الصحيفة»، لهمام بن منبه (ص72).

* ورواه قرة بن حبيب القنوي، وعبد الصمد بن النعمان، والحسن بن موسى الأشيب، وهاشم بن قاسم، جميعهم: عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من آتاه الله مالا، فلم يؤد زكاته، مثل له([30]) ماله يوم القيامة شجاعا([31]) أقرع([32]) له زبيبتان([33]) يطوقه([34]) يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني: شدقيه([35])- ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا: ]ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله [ [آل عمران: 180]). ([36])

حديث صحيح

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح» (1403)، و(4565)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص28)، وفي «المجتبى» (ج5 ص39)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص355)، وابن شاذان في «حديثه» (84)، والحداد في «جامع الصحيحين» (ج2 ص137)، والبزار في «المسند» (ج15 ص379)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص81)، وفي «شعب الإيمان» (ج5 ص506)، وفي «البعث والنشور» (1138).

وأورده المزي في «تحفة الأشراف» (ج9 ص217).

وهذا الحديث، هو المحفوظ، مختصرا.

وخالف: عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، مالك بن أنس، فرواه عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة t كان يقول: (من كان عنده مال لم يؤد زكاته، مثل له([37]) يوم القيامة، شجاعا([38]) أقرع([39])، له زبيبتان([40])، يطلبه حتى يمكنه، يقول: أنا كنزك).

حديث صحيح

أخرجه مالك بن أنس في «الموطأ» (ج1 ص348)، والشافعي في «الموطأ» (ص474)، وفي «الأم» (ج2 ص3 و62)، وفي «المسند» (87)، و(98)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (679)، والبيهقي في «معرفة السنن» (ج3 ص212)، وابن بكير في «الموطأ» (ج1 ص512)، ومصعب الزبيري في «حديثه» (58)، والحدثاني في «الموطأ» (209)، والشحامي في «زوائده على عوالي مالك» (44)، والعقيلي في «الضعفاء» (ج2 ص248)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (342)، والقعنبي في «الموطأ» (400).

هكذا: موقوفا، على أبي هريرة.

قال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج17 ص145): (وهذا الحديث أيضا: موقوف في «الموطأ»، غير مرفوع.

* وقد أسنده: عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، أيضا: عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة t، عن النبي r، بالإسناد الأول.

* ورواه عبد العزيز بن الماجشون، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر ، عن النبي r، وهو عندي: خطأ منه في الإسناد). اهـ.

وقال الحافظ النسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص28): (عبد العزيز ابن أبي سلمة: أثبت عندنا من عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار؛ ورواية: عبد الرحمن، أشبه عندنا بالصواب). اهـ.

وقال الإمام الداني في «أطراف الموطأ» (ج3 ص463): (هذا في «الموطأ»: موقوف مختصر، ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه؛ خرجه البخاري عنه، وخرج مسلم معناه: من طريق زيد بن أسلم، وسهيل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ مرفوعا، منوطا بحديث: «الخيل ثلاثة»، وقال الدارقطني: «قول مالك أشبه بالصواب»). اهـ.

قال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج10 ص154): (يرويه عبد الله بن دينار: واختلف عنه؛ فرواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي r.

* ووقفه: مالك، عن عبد الله بن دينار، وقول مالك: أشبه بالصواب). اهـ.

يعني: الموقوف على أبي هريرة.

قلت: والأشبه أن الوجهين، محفوظان عن عبد الله بن دينار.

وقال الحافظ العقيلي في «الضعفاء» (ج2 ص248): (حديث: مالك، أولى).

وقال الإمام القنازعي في «تفسير الموطأ» (ج1 ص258): (قول أبي هريرة: «من منع زكاة ماله مثل له يوم القيامة شجاع أقرع»؛ يعني: صور له ماله يوم القيامة ثعبانا أقرع، قد تجمع السم في رأسه، حتى تساقط شعره، فصار أقرع.

* «له زبيبتان»؛ يعني: له رغوة في شدقيه من زبده من كلتا الناحيتين، شبههما بالزبيبتين في انتفاخهما، يسلط على الذي منع زكاة ماله، فيعذبه في النار لمنعه إياها، قال الله عز وجل: ]والذين يكنزون الذهب والفضة[؛ يعني: ولايزكونها، إلى قوله تعالى: ]فذوقوا ما كنتم تكنزون[ [التوبة: 34 - 35]). اهـ.

قلت: فلم يبعد أن يكون الحديث، ثبت على الوجهين، فحدث في حالين، فمرة: يروى على الرفع، ومرة: يروى على الوقف.

* إذا، فلا تصح دعوى العلة في الحديث المرفوع، لثبوت الرفع بأسانيد صحاح، كما أن الموقوف على أبي هريرة، قد اشتمل على نص الحديث المرفوع للبيان، فلا يرجع على أصل المرفوع حينئذ بالخطأ من الراوي.

3) وعن ابن عمر عن النبي r قال: (إن الذي لا يؤدي زكاة ماله، يمثل الله عز وجل له ماله يوم القيامة، شجاعا أقرع، له زبيبتان، ثم يلزمه، أو يطوقه، يقول: أنا كنزك، أنا كنزك).

حديث صحيح

أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص28)، وفي «المجتبى» (ج5 ص38)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص98 و137 و156)، والعقيلي في «الضعفاء» (ج2 ص248)، وابن خزيمة في «مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي r» (ج4 ص12)، وأبو عبيد في «غريب الحديث» (ج3 ص129)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج17 ص146)، والجصاص في «أحكام القرآن» (ج4 ص303) من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر ﭭ به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

4) وعن جابر بن عبد الله الأنصاري t قال: سمعت رسول الله r يقول: (ما من صاحب إبل، لا يفعل فيها حقها، إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط([41])، وقعد لها بقاع قرقر تستن عليه بقوائمها، وأخفافها([42])، ولا صاحب بقر، لا يفعل فيها حقها، إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها، وتطؤه بقوائمها، ولا صاحب غنم، لا يفعل فيها حقها، إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، ليس فيها جماء([43]) ولا منكسر قرنها، ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه، إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعا أقرع([44])، يتبعه فاتحا فاه، فإذا أتاه فر منه، فيناديه([45]): خذ كنزك الذي خبأته، فأنا عنه غني، فإذا رأى أن لا بد منه، سلك يده([46]) في فيه، فيقضمها قضم الفحل) ([47]).

قال أبو الزبير: سمعت عبيد بن عمير يقول هذا القول، ثم سألنا جابر بن عبد الله عن ذلك فقال مثل قول عبيد بن عمير.

وقال أبو الزبير: سمعت عبيد بن عمير، يقول: قال رجل: يا رسول الله، ما حق الإبل؟، قال: (حلبها على الماء([48])، وإعارة دلوها، وإعارة فحلها، ومنيحتها([49])، وحمل عليها في سبيل الله).

أخرجه مسلم في «المسند الصحيح» (988)، والدارمي في «المسند» (1763)، و(1765)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص321)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج8 ص348)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص27)، وابن حبان في «المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع» (ج8 ص48)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج3 ص69)، وابن الجارود في «المنتقى في السنن المسندة» (335)، وأبو عبيد في «الأموال» (923)، وفي «غريب الحديث» (ج2 ص55)، والأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (ج2 ص220)، والحداد في «جامع الصحيحين» (ج2 ص138 و141)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص183)، وفي «شعب الإيمان» (ج5 ص511) من طريق عبد الرزاق بن همام، وحجاج بن محمد المصيصي، ومحمد بن بكر البرساني؛ جميعهم: عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله الأنصاري t به.

* ورواه جرير بن عبد الحميد، ومحمد بن فضيل، وعبد الله بن نمير، وأسباط بن محمد، وسعيد بن مسلمة، وإسحاق بن يوسف الأزرق، ويعلى بن عبيد؛ جميعهم: عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله t، عن النبي r قال: (ما من صاحب إبل، ولا بقر، ولا غنم، لا يؤدي حقها، إلا أقعد([50]) لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه ذات الظلف بظلفها، وتنطحه ذات القرن بقرنها، ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن، قلنا: يا رسول الله، وما حقها؟، قال: إطراق فحلها([51])، وإعارة دلوها، ومنيحتها، وحلبها على الماء، وحمل عليها في سبيل الله، ولا من صاحب مال لا يؤدي زكاته، إلا تحول يوم القيامة شجاعا أقرع، يتبع صاحبه حيثما ذهب، وهو يفر منه، ويقال: هذا مالك الذي كنت تبخل به، فإذا رأى أنه لا بد منه، أدخل يده في فيه، فجعل يقضمها كما يقضم الفحل).

حديث صحيح

أخرجه مسلم في «المسند الصحيح» (988)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص17)، وفي «المجتبى» (ج5 ص27)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص428)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج8 ص350)، والدارمي في «المسند» (1762)، وابن البختري في «حديثه» (137)، و(381)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج3 ص70)، وابن زنجويه في «الأموال» (1361)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص182)، وفي «شعب الإيمان» (ج5 ص510)، وابن أبي عاصم في «الجهاد» (88)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج4 ص214)، وفي «الاستذكار» (ج3 ص178).

5) وعن أبي ذر t قال: انتهيت إلى النبي r وهو جالس في ظل الكعبة: فلما رآني قال: (هم الأخسرون ورب الكعبة، قال: فجئت حتى جلست، فلم أتقار([52]) أن قمت، فقلت: يا رسول الله، فداك أبي وأمي([53])، من هم؟ قال: هم الأكثرون أموالا، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا([54]) -من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله- وقليل ما هم، ما من صاحب إبل، ولا بقر، ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت، وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما نفدت([55]) أخراها، عادت عليه أولاها، حتى يقضى بين الناس).

وفي رواية: (عن أبي ذر t قال: انتهيت إلى النبي r قال: والذي نفسي بيده -أو: والذي لا إله غيره، أو كما حلف- ما من رجل تكون له إبل، أو بقر، أو غنم، لا يؤدي حقها، إلا أتي بها يوم القيامة، أعظم ما تكون وأسمنه تطؤه بأخفافها، وتنطحه بقرونها، كلما جازت أخراها ردت عليه أولاها، حتى يقضى بين الناس).

حديث صحيح

وهو المحفوظ.

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح» (1460)، و(6638)، ومسلم في «المسند الصحيح» (990)، والترمذي في «الجامع المختصر من السنن عن رسول الله r» (617)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص8 و19)، وفي «المجتبى» (ج5 ص10)، وابن ماجه في «السنن» (1785)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص152 و157 و158 و169)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (34386)، ووكيع في «الزهد» (166)، والحميدي في «المسند» (140)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج8 ص345)، والدارمي في «المسند» (1766)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (ج3 ص196)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج3 ص71)، وفي «حلية الأولياء» (ج7 ص364)، وابن خزيمة في «مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي r» (ج4 ص9)، وأبو عبيد في «الأموال» (922)، وهناد في «الزهد» (607)، وابن أبي الدنيا في «الأهوال» (177)، وابن زنجويه في «الأموال» (1355)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (578)، والبزار في «المسند» (ج9 ص400)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج5 ص38)، والبغوي في «معالم التنزيل» (ج4 ص42)، والأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (ج3 ص203)، والطبري في «تهذيب الآثار» (ج1 ص242)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص97)، و(ج7 ص6)، و(ج10 ص27)، وفي «شعب الإيمان» (ج5 ص512)، و(ج14 ص518)، والآجري في «الأربعين» (25)، والحداد في «جامع الصحيحين» (ج4 ص322)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج2 ص200)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص295 و296)، والكلاباذي في «معاني الأخبار» (330)، وابن حبان في «المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع» (ج8 ص48)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج4 ص97) من طريق وكيع بن الجراح، وزائدة بن قدامة، وعيسى بن يونس، ومحمد بن خازم الضرير، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وحفص بن غياث، وداود بن نصير الطائي، وسلام بن سليم، وعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، وعبد الله بن نمير، وسفيان بن عيينة، جميعهم: عن الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر t به.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال الحافظ أبو نعيم في «الحلية» (ج7 ص364): (ثابت مشهور، متفق عليه، رواه الناس عن الأعمش).

وقوله r: (حتى يقضى بين الناس)، أي: يوم القيامة في وقت الحساب، ولم يذكر زيادة: «حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله: إما إلى الجنة، وإما إلى النار».

فهي: زيادة شاذة في الحديث، لا تصح.

* فلا شك أن للفقراء حقا في أموال أصحاب الكنوز، وأول هذه الحقوق هو الزكاة، والصدقة. ([56])

* وقد يكون للفقير في مال الغني حق واجب غير الزكاة، وذلك في حال وقوع الفقير في حاجة شديدة، فإنه يجب على الغني مواساته بماله، فيبذله في تفريج كربته، وإخراجه من هذه الشدة والضيق، وهذا باتفاق العلماء.

قال الإمام ابن العربي / في «أحكام القرآن» (ج1 ص88): (وليس في المال حق سوى الزكاة، وإذا وقع أداء الزكاة، ونزلت بعد ذلك حاجة، فإنه يجب صرف المال إليها، باتفاق من العلماء). اهـ.

* فالزكاة هي الحق الوحيد الواجب في المال بسبب ملك الغني له.

* ولكن هناك حقوق أخرى قد تجب، لأسباب أخرى: عارضة؛ كإطعام الجائع، وفك الأسير بدفع دينه، وكسوة الفقير، ومساعدة الضعفاء.

* وقد يتعين ذلك على الغني بعينه، إذا علم أنه إن لم يفعل ذلك؛ أي: لم يقم به غيره من الأغنياء، لأن هذا من فروض الكفاية، فيتعين عليه حينئذ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص316): (وأما الزكاة: فإنها تجب حقا لله تعالى في ماله.

* ولهذا يقال: ليس في المال حق سوى الزكاة؛ أي: ليس فيه حق يجب بسبب المال سوى الزكاة.

* وإلا ففيه واجبات بغير سبب المال، كما تجب النفقات؛ للأقارب، والزوجة، والرقيق، والبهائم.

* ويجب حمل العاقلة، ويجب: قضاء الديون، ويجب الإعطاء في النائبة، ويجب إطعام الجائع، وكسوة العاري فرضا على الكفاية، إلى غير ذلك من الواجبات المالية، لكن بسبب عارض). اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى الكبرى» (ج2 ص50): (في المال حقوق سوى الزكاة؛ مثل: صلة الرحم من النفقة الواجبة، وحمل العقل عن المعقول عنه واجب: بالإجماع.

* ومثل: إطعام الجائع، وكسوة العاري، ونحو ذلك، فهو فرض كفاية، فمن غلب ظنه أن غيره لا يقوم بذلك: تعين عليه.

* ومثل: الإعطاء في النوائب، مثل: النفقة في الجهاد، وقرى الضيف، فهو واجب بالسنة الصحيحة). اهـ.

* فيكون للفقير في مال الغني: حق واجب شهريا، غير الزكاة المفروضة في السنة.([57])

* فيجب على الغني، مواساته بماله، فيبذله في تفريج كربته، وإخراجه من الشدة، والضنك الذي هو فيهما.

* ويحاسب الغني على الجار إذا كان معسرا، ولم يساعده.

* فللمعسر حق في مال الموسر.

* وعلى قدر إنفاق الغني على الفقير يكون له الأجر، فمن أنفق درهمين مثلا: هو أفضل ممن أنفق درهما، فكلما زاد في الإنفاق، زاد في الأجر.

عن أبي هريرة t، قال: قال رسول الله r: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل: الجبل). ([58])

* ولا شك أن المال يوقظ عند المسلم الفقير: الشعور برحمة الله تعالى، وأنه سرى به عن المكروبين، وأزال حرمان المحرومين، وأعطى ما يسد رمق الجوع.

* وكان الصحابة y: يسارعون إلى بذل الفضل، وليس الفرض فقط، وذلك راجع إلى صدق الإيمان، وحب الله تعالى على القلب، حتى صار حب المال في أفضل درجات الاعتدال، وهي الصورة التي يجب أن يتحلى بها المسلم في هذه الحياة.

عن أنس t قال: (لما نزلت: ]لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون[ [آل عمران: 92]، جاء أبو طلحة إلى رسول الله r فقال: يا رسول الله يقول الله تبارك وتعالى في كتابه: ]لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون[ [آل عمران: 92]، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، -قال: وكانت حديقة كان رسول الله r يدخلها، ويستظل بها ويشرب من مائها -، فهي إلى الله عز وجل وإلى رسوله r، أرجو بره وذخره، فضعها أي رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله r: بخ يا أبا طلحة، ذلك مال رابح، قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين، فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه). ([59])  

قلت: وهذا الحديث يدل على أن الصدقة على الأقارب أفضل، وفيها: أجران، أجر الصدقة، وأجر القرابة.

فوائد الحديث:

1) حرص الصحابة y: على التواصل، والتكاتف، بين أفراد المجتمع، بلغة الحب، والإخاء، مما له الأثر الكبير في تماسك المجتمع وبنائه.

2) ليكن لك صدقة واضحة في مجتمعك، فإذا كان عندك شيء فلا تتوان، ولا تتردد في تقديمه وبذله، ولا تنتظر أحدا يطلب منك بذله، وتقديمه.

3) فقه الصحابة y، وفهمهم للقرآن الكريم، وللسنة النبوية.

4) بذل الغالي، والنفيس في سبيل رفعة هذا الدين.

5) تأليف القلوب بين الأقارب.

6) أن الصدقة على الأقارب، أفضل منها على سائر الناس.

7) أن الذي تقدمه من مالك، هو الذي يبقى لك يوم القيامة.

8) اعتبار الصحابة y بالقرآن، واتباعهم له، وتطبيقهم لما فيه.

9) النفقة مما يحب العبد، وهو الأفضل.

10) الصدقة على الأقارب فيها أجران: أجر الصدقة، وأجر القرابة. ([60])

 قلت: فالفقير الذي لا تتوافر له مقومات الحياة العصرية الحاجية، والتي تليق بمثله يجب كفالته. ([61])

* ويتأكد هذا إذا كان جارا، فإن الجار المسلم له حقان: حق الإسلام، وحق الجوار.

* فمن فرط في حق واجب فسيحاسب عليه. ([62])

* ويكره الإسلام، أن تكون الفوارق بين أفراد الأمة، بحيث تعيش منها: جماعة في مستوى الترف، وتعيش جماعة أخرى في مستوى الشظف. ([63])

 

 

هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك - إن شاء الله - سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

فتوى الفقيه ابن العربي المالكي في أنه يجب على الأغنياء أن ينفقوا من أموالهم على الفقراء بجميع أنواعهم: شهريا، وهذا الإنفاق غير الزكاة المفروضة عليهم في السنة باتفاق العلماء، وهذا الإنفاق من حقهم على الأغنياء، ثبت هذا الحكم في الشريعة المطهرة..........

5

2)

فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في أنه يجب على التجار أن ينفقوا من أموالهم على المحتاجين بجميع أنواعهم: شهريا، وهذا الإنفاق زائد في الحقوق للضعفاء، على الزكاة المفروضة في السنة، فمن قصر في ذلك أثم، وله وعيد شديد يوم القيامة......................................

6

3)

المقدمة................................. ...................................................................

7

4)

ذكر الدليل على ذكر عقوبات أصحاب الكنوز لأموالهم، الذين لا يؤدون الحقوق التي عليهم، للفقراء، والمساكين، والضعفاء، وهي فرض عليهم: غير الزكاة المفروضة، وهي حقوق زائدة على الزكاة، يجب أن ينفقوا أموالهم للمستحقين في كل شهر على قدر الحاجة، فلا يمتنع أصحاب الكنوز من دفع أموالهم للضعفاء، وأن يشعروا بهم في هذه الحياة، وهي حقوق واجبة عليهم في أموالهم.....................................................................................................

21

 

 



([1]) خاصة: الأقرباء منهم: الأقربون أولى بالمعروف.

     قال تعالى: ]يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين[ [البقرة:215].

     * وقصة أبي طلحة t قال له النبي r: «أرى أن تجعلها في الأقربين».

     أخرجها البخاري في «صحيحه» (1461)، ومسلم في «صحيحه» (998).

([2]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (660)، ومسلم في «صحيحه» (1031).

([3]) وانظر: «الزكاة» للطيار (ص17 و18).

([4]) فأشد الناس حاجة إلى تطهير أنفسهم، وأموالهم، وتزكيتها؛ هم: التجار، وذلك أن عملهم في تقليب التجارة، وطرائقهم في الحصول على الكسب، لا يخلو من شوائب وشبهات.

([5]) ولا يظن ظان أنه لا مقابل، ولا أثر سيعود على الفرد والمجتمع من أداء الزكاة، والصدقة، بل الأمر على خلاف ذلك.

([6]) الحية المعروفة.

([7]) ويمكن للغني أن ينفق ماله على حفر الآبار، وبناء المساجد، وبناء المراكز، وغيرها؛ لأهل السنة والجماعة، عند الحاجة في دول أفريقيا، وغيرها.

([8]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص57)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص67).

([9]) وهذا فيما يتعلق بالحقوق الواجبة، وأما الحقوق المستحبة: فهي كثيرة، فمن قام بها أثيب، وأخلف الله عليه خيرا، وكان ذلك من تمام شكر نعمة الله على العبد، ومن لم يفعل ذلك، فلا إثم عليه.

([10]) خاصة: طلبة السنة المحتاجين، فيجب على الأغنياء أن ينفقوا أموالهم عليهم، شهريا.

     * وممكن أن يصل بهم الإنفاق إلى شراء السيارات لهم، والبيوت، والأثاث، والهواتف النقالة، وصرف المكافآت الشهرية، وغير ذلك، على حسب الحاجة لهم في هذه الحياة، في داخل الدولة وخارجها.

([11]) ولا يشعرون بالفقراء، ولا يحسون بحاجاتهم في هذه الحياة!.

([12]) وزر: ذنب، وإثم.

([13]) طيلها: حبلها الذي تربط به، فأصابت؛ أي: أكلت وشربت، ومشيت.

([14]) المرج: الأرض الواسعة ذات النبات الكثير تمرج فيه الدواب، أي: تخلى، تسرح مختلطة كيف شاءت.

([15]) الروضة: الموضع الذي يستنقع فيه الماء.

([16]) استنت: جرت بنشاط، شرفا أو شرفين: شوطا أو شوطين.

([17]) آثارها: يريد الأرض بحوافرها.

([18]) تغنيا: أي استغناء عن الناس.

([19]) نواء: مناواة، وعداوة.

     انظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج2 ص277 و463)، و(ج3 ص145 و391)، و(ج4 ص315)، و(ج5 ص123).

([20]) «تأتي الأبل»: التي كان يملكها في الدنيا، يخلقها الله تعالى يوم القيامة.

([21]) «على خير ما كانت»: في الدنيا من القوة والسمن.

([22]) «تطؤه»: تدوسه وتعلوه.

([23]) «بأخفافها»: جمع خف، وهو للإبل كالقدم من الإنسان.

([24]) «بأظلافها»: جمع ظلف، وهو من الغنم كالخف من البعير.

([25]) «أن تحلب على الماء»: عند ورودها لتشرب، ويعطى من لبنها من حضر من المساكين ومن ليس لديهم لبن.

     انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص268 و269 و270).

([26]) «بشاة»: واحدة الغنم، ذكرا أم أنثى.

([27]) «يعار»: هو صوت الغنم.

([28]) «رغاء»: صوت الإبل.

     انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص269).

([29]) الحية المعروفة.

([30]) «مثل له»: صير له.

([31]) «شجاعا»: الحية الذكر، والثعبان.

([32]) «أقرع»: لا شعر على رأسه لكثرة سمه وطول عمره.

([33]) «زبيبتان»: نابان يخرجان من فمه، أو نقطتان سوداوان فوق عينيه، وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه.

([34]) «يطوقه»: يجعل في عنقه كالطوق.

     انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص268).

([35]) «شدقيه»: جانبي الفم.

([36]) الآية [آل عمران: 180]؛ وتتمتها: ]ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير[.

     انظر: «أعلام الحديث» للخطابي (ج1 ص747)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (ج3 ص130)، و«تفسير الموطأ» للقنازعي (ج1 ص258)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص269).

([37]) «مثل له»: صور له.

([38]) «شجاعا»: هو الحية المعروفة.

([39]) «أقرع»: أي برأسه بياض.

([40]) «الزبيبة»: نكتة سوداء، فوق عين الحية.

     انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص268).

([41]) «أكثر ما كانت قط»: هكذا هو في الأصول بـ«الثاء» المثلثة.

([42]) «تستن عليه بقوائمها وأخفافها»؛ أي: ترفع يديها وتطرحهما معا على صاحبها.

([43]) «جماء»: هي الشاة التي لا قرن لها، كجلحاء.

([44]) «شجاعا أقرع»: الشجاع الحية الذكر، ويكون في الصحارى.

([45]) «فيناديه»؛ أي: ينادي الشجاع صاحب الكنز.

([46]) «سلك يده»؛ معنى سلك: أدخل.

([47]) «فيقضمها قضم الفحل»: يقال قضمت الدابة شعيرها تقضمه إذا أكلته.

     انظر: «المنهاج» للنووي (ج7 ص75 و76).

([48]) «حلبها على الماء»: أي يوم ورودها، قال النووي: وفي حلبها في ذلك اليوم رفق بالماشية وبالمساكين لأنه أهون على الماشية وأرفق بها وأوسع عليها من حلبها في المنازل وهو أسهل على المساكين وأمكن في وصولهم إلى موضع الحلب ليواسوا.

([49]) «ومنيحتها»: قال أهل اللغة المنيحة؛ ضربان أحدهما: أن يعطي الآخر شيئا هبة، وهذا النوع يكون في الحيوان والأرض والأثاث وغير ذلك، الثاني: أن يمنحه ناقة، أو بقرة، أو شاة ينتفع بلبنها ووبرها وصوفها وشعرها زمانا، ثم يردها، ويقال: منحه يمنحه بفتح «النون» في المضارع، وكسرها، قال في «النهاية»: ويقال المنحة أيضا بكسر «الميم».

     انظر: «المنهاج» للنووي (ج7 ص76).

([50]) «أقعد»: كذا بزيادة الهمزة هنا في النسخ كلها خطها وطبعها.

([51]) «إطراق فحلها»؛ أي: إعارته للضراب.

     انظر: «المنهاج» للنووي (ج7 ص74 و76).

([52]) «فلم أتقار»: أي لم يمكنني القرار والثبات.

([53]) «فداك أبي وأمي»: بفتح «الفاء» في جميع النسخ، لأنه ماضي خبر، بمعنى الدعاء، ويحتمل كسر «الفاء»، والقصر لكثرة الاستعمال، أي: يفديك أبي وأمي، وهما أعز الأشياء عندي.

([54]) «إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا»: أي إلا من أشار بيده إلى الجوانب في صرف ماله إلى وجوه الخير.

     انظر: «المنهاج» للنووي (ج7 ص77 و78).

([55]) «كلما نفدت»: هكذا ضبطناه: نفدت بـ«الدال» المهملة، ونفذت بـ«الذال» المعجمة، وفتح «الفاء»، وكلاهما صحيح.

([56]) وممكن على الغني أن يصرف المال على تدريس الفقير في المدرسة، أو الجامعة، أو الروضة، أو غير ذلك من حاجاته في هذه الحياة.

([57]) ولا يجوز إعطاء المال لأهل التحزب، ولا لأتباعهم، لا في الداخل ولا في الخارج، لأن هؤلاء يضعون المال في غير حقه الشرعي، كما هو مشاهد منهم في البلدان.

([58]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1410)، و(7430)، ومسلم في «صحيحه» (1014).

([59]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (2758)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص694).

([60]) وانظر: «شرح رياض الصالحين» لشيخنا ابن عثيمين (ج3 ص161)، و«التوضيح في شرح الجامع الصحيح» لابن الملقن (ج10 ص432)، و«شرح الموطأ» للزرقاني (ج4 ص665)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج4 ص481)، و«دليل الفالحين في شرح رياض الصالحين» للبكري (ج3 ص126).

([61]) خاصة: طلبة أهل الأثر، يجب كفالتهم، وكذلك: كفالة الفقراء والمحتاجين من أتباع أهل الأثر في الداخل والخارج؛ شهريا.

([62]) وهذا فيما يتعلق بالحقوق الواجبة، وأما الحقوق المستحبة: فهي كثيرة، فمن قام بها أثيب، وأخلف الله عليه خيرا، وكان ذلك من تمام شكر نعمة الله على العبد، ومن لم يفعل ذلك، فلا إثم عليه.

([63]) يقال: شظف العيش، يعني: ضاق واشتد.

     انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج9 ص176).


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan