القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / نصب المشانيق لشنق ربيع بن هادي المدخلي الزنديق

2023-12-05

صورة 1
نصب المشانيق لشنق ربيع بن هادي المدخلي الزنديق

سلسلة

النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية

 

                     

6

                                                                                              

                                                              

                                                                                              

 

نصب المشانيق

لشنق

ربيع بن هادي المدخلي

الزنديق

 

 

تأليف

فضيلة الشيخ المحدث الفقيه

أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري

حفظه الله ورعاه

    

]أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى[

المقدمة

 

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، يبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم!.

ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتاويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب([1])، مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب ([2])،يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم([3])، فنعوذ بالله من فتنة المضلين.([4])

فهذا جزء لطيف في أعداء هذا الدين، وهم المبتدعة: «الزنادقة» في الخارج والداخل في معرفة حكمهم، وجهود الخلفاء فيهم على مر العصور، وكر الدهور.

وذلك ليعلم الناس أن المبتدعة بجميع أنواعهم في البلدان الإسلامية ليس لهم أي احترام، أو توقير، أو تعظيم، أو محبة في الإسلام.([5])

وذلك لمحاداتهم لله تعالى، ولرسوله ﷺ، وللصحابة ﭫ، والسلف الكرام، وأهل الحديث العقلاء.([6])

قال تعالى: ]هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون[ [المنافقون: 4].

وللعلم فإن أعداء هذا الدين من اليهود، والنصارى، والمجوس وغيرهم قد غاظهم ما رأوه من انتشار دين الإسلام.

وإقبال الناس على الدخول فيه، فاشتعلت نار الحقد على الإسلام في قلوبهم، وأجمعوا على الكيد لهذا الدين، فلم يقدروا على مقاومته بالسلاح والسنان، فعملوا على تدبير المؤامرات، والخطط للكيد له في خارجه وداخله.([7])

فأظهر كثير منهم الدخول في الإسلام بقصد إفساد عقيدة المسلمين، وتشتيت كلمتهم، وتفريق جماعتهم، والعمل على القضاء على دين الإسلام.

قلت: وقد حل بالإسلام بسبب هؤلاء الكفرة من المصائب والمحن، والتفرق والاختلاف ما حل مما هو معلوم لكل من تدبر التاريخ الإسلامي؛ إلا أن أولئك الكفرة لم يستطيعوا القضاء على دين الإسلام، رغم ما قاموا به منذ بزوغ فجر الرسالة إلى يومنا هذا من المؤامرات، والخطط الخبيثة، والحرب الضروس بضد الإسلام والمسلمين.([8])

وصدق الله تعالى إذ يقول: ]يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون[ [الصف:8].

قلت: فقد أتم الله تعالى نوره كما وعد؛ فهيأ سبحانه لهؤلاء: «الزنادقة» من تصدى لمكايدهم من خلفاء المسلمين وأمرائهم وعلمائهم، حيث وقفوا لهؤلاء المبتدعة بالمرصاد، فجردوا سيوفهم، وأقلامهم للدفاع عن دين الإسلام، ومحاربة «الزنادقة» المبتدعة، وغيرهم من أعداء هذا الدين في الداخل والخارج، وكشف شبهاتهم، والقضاء على حركاتهم الخبيثة ضد البلدان الإسلامية.

قلت: ولم يزل أعداء الدين من «الزنادقة» الحزبية يتربصون بهذا الدين وأهله الدوائر في هذا العصر في الداخل.

قال الإمام مالك $: (النفاق على عهد رسول هو الزندقة فينا اليوم).([9])

وقال الإمام أحمد $: (الزنادقة الذين ينتحلون الإسلام، وهم على دين غير ذلك). ([10])

وقال الإمام عبد الله بن المبارك $ في المبتدعة:(هم الزنادقة؛ لأن النفاق على عهد رسول الله هي الزندقة من بعده). ([11])

قلت: فبدأت حركات: «الزنادقة» تبرز في هذا العصر، حيث ظهرت تلك الحركات، وانتشرت في صفوف البلدان الإسلامية.

وخاصة في جهة المغرب، ثم انتشرت في المشرق، وقد نادت تلك الحركات في بداية ظهورها بالدعوة إلى الإسلام نفاقا!.

وكان معظم الذين قاموا بهذه الحركات، ودعوا إليها هم من أهل التحزب.

قلت: فقد استغل دعاة الحزبية تلك الأصول التي جاء بها الإسلام، للتمهيد لحركات «الزنادقة» ضد البلدان الإسلامية.([12])

قلت: فرفعوا الشعارات البراقة للتمويه على المسلمين، وأبطنوا دعواتهم الخبيثة بالحط من شأن حكام المسلمين، وبغضهم والنيل منهم.

قلت: وقد بدأت ملامح الدعوات الحزبية الخبيثة تبرز في شعاراتهم التي يفخرون بها عن طريق جمعياتهم المزعومة، وينبذون فيها حكاما ومحكومين بأسلوب ماكر خفي في بلدانهم في المشرق والمغرب.

ولم يكتف الحزبيون بمجال الأعمال الخيرية المشبوهة، والتهجم على حكام المسلمين، بل سلكوا في ذلك مجالات أخرى للكيد من تأليف الكتب الباطلة، واختلاق القصص المكذوبة، والأحاديث الضعيفة بجميع أنواعها لنصر أفكارهم الفاسدة في المساجد وغيرها.([13])

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين $ في «شرح القواعد المثلى» (ص255): (وعلى هذا فكل ملحد، وزنديق، ومبتدع يأتي بما عنده من الزندقة، والبدع، والإلحاد). اهـ

قلت: لذلك ارتبطت الحزبية «بالزندقة» ارتباطا، وثيقا منذ نشأتها في بلاد الإسلام، وأثرت كل واحدة منهما في الأخرى.

حتى إن البعض لا يكاد يفصل بين «الزندقة» و«الحزبية»، وذلك أن غالب من اتهم «بالزندقة» قديما كان من المتحزبة على مر العصور، وكر الدهور.

فالحزبية بتنظيمها السري تؤدي إلى: «الزندقة» إن من أبغض البلدان الإسلامية أبغض دينهم، ومن مكر بهم، مكر بدينهم ولابد.([14])

قلت: لذلك انتهت الحزبية بأصحابها إلى الهجوم على الإسلام، والنفاق به باطنا، وإن كانوا في الظاهر يدعون الإسلام!.

فقد نشر أهل الأهواء، العقائد الباطلة، والأفكار المشبوهة بين المسلمين؛ من: الخرافات والشركيات، والفلسفة والغناء، والرقص والثورات، والتقليد الأعمى، والأحاديث الضعيفة، والسياسات الغربية، والمعاصي والمحرمات، والتحزب والتنظيمات السرية، والغلو في الدين، والعلوم الآكاديمية، والدكتوراه الآكاديمية، والقتال بين الناس، وزرع الفتن في بلدانهم، وتعطيل الصفات ونشر الإرجاء والتجهم، والجهل بالدين، وغير ذلك، والكل بحسبه.

وقد أدرك العلماء تلك العلاقة القوية بين «الحزبية» و«الزندقة»، وأن منتهى الحزبيين هو «الزندقة»، كما أن بداية الزنادقة الحزبية، والتنظيمات السرية.

قلت: فالرابطة بين التنظيم الحزبي و«الزندقة» رابطة قوية، حتى أن أهداف الزنادقة، وأهداف الحزبية يصعب التفريق بينها. ([15])

فالحزبية تدفع أتباعها إلى: «الزندقة»، و«الزنادقة» يتخذون الحزبية وسيلة من وسائلها؛ غير أنهم لم يكونوا ليظهروا بدعهم، وذلك لخوفهم من المسلمين. ([16])

ولذلك فإن كثيرا ممن عرفوا بالحزبية، والنيل من الإسلام هم من المتهمين «بالزندقة» قديما وحديثا.

قلت: والحزبيون لم يقفوا عند افتخارهم بأفكارهم الباطلة، وبغض بلدان المسلمين وتنقصهم، بل ذهب الكثير منهم إلى تنقص الإسلام، والسخرية بشعائره، كما ظهر للناس واضحا في دعوة الإخوان المسلمين مثلا!، والدعوات الحزبية الأخرى.

وكذلك فعل عدد من: «زنادقة»([17]) الحزبية الذين صنفوا الكتب البدعية في النيل من السنة وأهلها، ودفعهم الحقد على أهل السنة والجماعة.

قلت: وهذا بلا شك يدل على الصلة القوية بين الحزبية و«الزندقة».

فالحزبية سلكوا طرقا عدة، وأساليب متنوعة لمحاربة السنة وأهلها، وإن من أهم الأساليب التي سلكوها في ذلك استغلالهم للدعوة إلى الله، وانتحالهم الأسماء البراقة في الإسلام لتحقيق أهدافهم، ومآربهم، ومصالحهم الدنيوية.

قلت: ولذا نجد أن الجماعات الحزبية ليست كغيرها من أصناف فرق الملل والنحل الأخرى، وإنما هي من ضمن هذه الفرق التي تجمعها العداوة للبلدان الإسلامية، والسعي للقضاء عليها بكل الوسائل المتاحة لها.([18])

قلت: ففرق الحزبية، وإن تعددت، فهي تجتمع على كل ما من شأنه تشويه السنة وأهلها، وإضعافها، وإفساد عقيدة المسلمين، والقضاء عليها.([19])

ولهذا يتضح أن جذور: «الزندقة» العقدية ليست مقصورة على طوائف الألحاد في الخارج، وإنما هي مزيج من العقائد والطوائف من أهل الأهواء والبدع في الداخل قديما وحديثا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج4 ص22): (وفي دولة بني بويه ونحوهم: الأمر بالعكس، فإنهم كان فيهم أصناف المذاهب المذمومة، قوم منهم: «زنادقة»، وفيهم: قرامطة كثيرة، ومتفلسفة، ومعتزلة، ورافضة، وهذه الأشياء كثيرة فيهم غالبة عليهم، فحصل في أهل الإسلام والسنة في أيامهم من الوهن ما لم يعرف). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج28 ص231): (ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين ... إذ تطهير سبيل الله ودينه، ومنهاجه وشرعته، ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج28 ص232): (فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب، ويلبسونها على الناس ولم تبين للناس: فسد أمر الكتاب وبدل الدين؛ كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله ... فلا بد أيضا من بيان حال هؤلاء؛ بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم([20])؛ فإن فيهم إيمانا يوجب موالاتهم، وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين فلا بد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم؛ بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق؛ لكن قالوها ظانين أنها هدى، وأنها خير وأنها دين؛ ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج2 ص41): (البدع لا تزال تخرج الإنسان من صغير إلى كبير حتى تخرجه إلى الإلحاد والزندقة). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص160): (من عرض عليه حق؛ فرده فلم يقبله، عوقب بفساد قلبه، وعقله، ورايه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج7 ص117): (وإذا تدبرت حججهم([21]) وجدت دعاوى لا يقوم عليها دليل). اهـ

وقال العلامة الشيخ السعدي $ في «تيسير الكريم الرحمن» (ص45): (فإن المعاصي يجر بعضها بعضا، فالغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير، ثم ينشأ عنه الذنب الكبير، ثم ينشأ عنها أنواع البدع، والكفر، وغير ذلك). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن $ في «الدرر السنية» (ج9 ص23): (العاقل يدور مع الحق أينما دار). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين $ في «القول المفيد» (ج1 ص390): (البدع غالبها شبهة، ولكن كثيرا منها سببه الشهوة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج7 ص392): (التمسك بالأقيسة - يعني: الآراء - مع الإعراض عن النصوص، والآثار طريق أهل البدع).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج1 ص121): (فقل من تجد في اعتقاده فسادا؛ إلا وهو يظهر في عمله). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الرد على البكري» (ج1 ص274): (فإن البدع في الدين سبب الفواحش وغيرها من المنكرات). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2 ص116): (أن فعل هذه البدع يناقض الاعتقادات الواجبة، وينازع الرسل عليهم السلام ما جاءوا به عن الله، وأنها تورث القلب نفاقا، ولو كان نفاقا خفيفا). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2 ص116): (فمن تدبر هذا، علم يقينا ما في حشو البدع من السموم المضعفة للإيمان، ولهذا قيل: إن البدع مشتقة من الكفر). اهـ

وقال العلامة الشاطبي $ في «الإفادات والإنشادات» (ص178): (فإن البدع في الدين هلاك، وهي في الدين أعظم من السم في الأبدان). اهـ

ولهذا نبه العلماء إلى أن إنكار منكر المبتدعة أولى من إنكار دين اليهود والنصارى.([22])

قلت: وجهاد هؤلاء أفضل من جهاد أهل الشرك.([23])

قال الإمام ابن القيم $ في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص214): (المعرض عن التوحيد مشرك، شاء أم أبى، والمعرض عن السنة مبتدع ضال، شاء أم أبى، والمعرض عن محبة الله وذكره عبد الصور، شاء أم أبى). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج2 ص229): (البدع مظان النفاق؛ كما أن السنن شعائر الإيمان). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج28 ص231): (ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم، وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين).اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص213): (القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «حادي الأرواح» (ج1 ص140): (الإعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح أصول الإيمان» (ص410): (دعاة الضلال في وقتنا الحاضر أكثر من دعاة الهدي؛ فلا يغتر بهم). اهـ

وقال العلامة الشاطبي $ في «الاعتصام» (ج2 ص335): (والراي إذا عارض السنة فهو بدعة وضلالة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص182): (وأهل الكلام الذين ذمهم السلف لا يخلو كلام أحد منهم على مخالفة السنة، ورد لبعض ما أخبر به الرسول ﷺ، كالجهمية والمشبهة، والخوارج والروافض، والقدرية، والمرجئة). اهـ

قلت: لذلك كان السلف يتهمون كل من تردد في قبول الأحاديث، أورد شيئا منها، والله المستعان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «منهاج السنة» (ج3 ص79)؛ عن أهل الأهواء: (يردون الأحاديث التي تعارض مقولاتهم([24])). اهـ

قلت: فأسباب تمادي أهل البدع في ضلالاتهم، أنهم يضعون لهم قاعدة باطلة، ويبنون عليها أحكاما باطلة لذلك، ثم يجرهم ذلك إلى قواعد جديدة باطلة، وهكذا تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، والعياذ بالله.

قال العلامة الشاطبي $ في «الاعتصام» (ج1 ص49): (المبتدع معاند للشرع، ومشاق له). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج7 ص392): (فكانوا متمسكين بظاهر من القول لا بظاهر القول([25])؛وعمدتهم عدم العلم بالنصوص التي فيها علم بما قيد وإلا فكل ما بينه القرآن وأظهره فهو حق؛ بخلاف ما يظهر للإنسان لمعنى آخر غير نفس القرآن يسمى ظاهر القرآن كاستدلالات أهل البدع من المرجئة والجهمية والخوارج والشيعة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج17 ص445): (الجهمية ليس معهم على نفي الصفات، وعلو الله على العرش ونحو ذلك نص أصلا لا آية ولا حديث ولا أثر عن الصحابة ﭫ.

بل الذي ابتدأ ذلك لم يكن قصده اتباع الأنبياء، بل وضع ذلك كما وضعت عبادة الأوثان، وغير ذلك من أديان الكفار مع علمهم بأن ذلك مخالف للرسل([26])؛ كما ذكر عن مبدلة اليهود ثم فشا ذلك فيمن لم يعرفوا أصل ذلك). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج13 ص142): (والمفترقة من أهل الضلال تجعل لها دينا، وأصول دين قد ابتدعوه برايهم ثم يعرضون على ذلك القرآن والحديث، فإن وافقه احتجوا به اعتضادا لا اعتمادا، وإن خالفه فتارة يحرفون الكلم عن مواضعه ويتأولونه على غير تاويله، وهذا فعل أئمتهم وتارة يعرضون عنه ويقولون: نفوض معناه إلى الله، وهذا فعل عامتهم، وعمدة الطائفتين في الباطن غير ما جاء به الرسول يجعلون أقوالهم البدعية محكمة يجب اتباعها، واعتقاد موجبها والمخالف إما كافر وإما جاهل لا يعرف هذا الباب، وليس له علم بالمعقول، ولا بالأصول). اهـ

قال العلامة الشاطبي $ في «الاعتصام» (ج1 ص106): (فاعلموا أن البدعة: لا يقبل معها عبادة من صلاة، ولا صيام، ولا صدقة، ولا غيرها من القربات، ومجالس صاحبها تنزع منه العصمة، ويوكل إلى نفسه، والماشي إليه وموقره معين على هدم الإسلام، فما الظن بصاحبها وهو ملعون على لسان الشريعة، ويزداد من الله بعبادته بعدا؟!، وهي مظنة إلقاء العداوة والبغضاء، ومانعة من الشفاعة المحمدية، ورافعة للسنن التي تقابلها، وعلى مبتدعها إثم من عمل بها، وليس له من توبة، وتلقى عليه الذلة والغضب من الله، ويبعد عن حوض رسول الله ﷺ، ويخاف عليه أن يكون معدودا في الكفار الخارجين عن الملة، وسوء الخاتمة عند الخروج من الدنيا، ويسود وجهه في الآخرة، ويعذب بنار جهنم، وقد تبرأ منه رسول الله ﷺ وتبرأ منه المسلمون، ويخاف عليه الفتنة في الدنيا زيادة إلى عذاب الآخرة).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج10 ص107): (وأما أهل الكفر، والبدع والشهوات فكل بحسبه قيل لسفيان بن عيينة: ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم فقال أنسيت قوله تعالى ]وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم[ [البقرة: 93]. أو نحو هذا من الكلام). اهـ

وعن قتادة $ قال: في قوله تعالى: ]وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم[ [البقرة: 93]؛ قال: (أشربوا حبه، حتى خلص ذلك إلى قلوبهم).([27])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج20 ص103): (أهل البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية بالسنة والإجماع). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «الفوائد» (ص101): (فإن اتباع الهوى يعمي عين القلب، فلا يميز بين السنة والبدعة، أو ينكسه فيرى البدعة سنة، والسنة بدعة). اهـ

وقال الحافظ الخطيب البغدادي $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص376): (ليس كل من ادعى العلم أحرزه، ولا كل من انتسب إليه كان من أهله).اهـ

قال العلامة الشيخ مقبل الوادعي $ في «قمع المعاند» (ج2 ص310): (مجالس السوء يجب على المسلم أن يبتعد عنها، فهو أسلم لدينه، وعرضه، ومروءته).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج10 ص568): (طريق السنة علم وعدل وهدى؛ وفي البدعة جهل وظلم وفيها اتباع الظن وما تهوى الأنفس).اهـ

اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.

 

 

                                                                                                             كتبـه

أبو عبد الرحمن الأثري

 

 

 

 

 

 

 

 

    

رب يسر

توضيح كلمة «زنديق» في الدين

 

قال الدكتور محمد بن عبدالرحمن الخميس: (زنديق: كلمة يونانية، أو فارسية أصلها: «زن دين»، فزن: المرأة، ودين: الدين، أي: دين المرأة، أي: دين الحماقة.

والفعل: تزندق.

فالزندقة: لها معنيان:

الأول: هو استبطان الكفر([28])، وإظهار الإسلام للدسيسة، فالزنديق على هذا من دخل الإسلام للشر، والإفساد، فهو أخص من المنافق([29])، وكلاهما كفر؛ لأن المنافق قد يظهر الإسلام خوفا فقط، ولا يريد الإفساد، والدسيسة للمسلمين، فكل زنديق منافق، ولا عكس فقد يكون منافقا، ولا يكون زنديقا، وذلك إذا أظهر الإسلام خوفا فقط بدون إرادة الدسيسة.

الثاني: ارتكاب البدعة: سواء كانت البدعة مكفرة أم لا، فالزنديق على هذا مرادف للمبتدع([30])؛ والمبتدع([31]): قد يكون كافرا، وقد يكون مسلما فاسقا([32])، وقد يكون مسلما ضالا، فكذلك الزنديق على هذا المعنى، وكثير من الجهمية([33]) زنادقة، لهذا المعنى؛ أي: مبتدعة، وذلك أن يكون الزنديق قد ارتكب البدعة مع حسن نيته، ولكنه يكون مسلما ضالا، وعلى هذا يقال من تعلم الكلام تزندق، ومن تمنطق تزندق).([34]) اهـ

قلت: فلفظ: «زنديق»: قد اتسع معناه إلى حد لا يسمح بتحديده على الكافر فقط، بل يطلق على ما دون الكافر؛ يعني: يطلق على المسلم إذا تشبه به في صفاته السيئة!، لأنه لفظ مشترك يطلق على أصناف مختلفة من الناس من أهل الكفر، وأهل البدع، وأهل الفسق سواء بسواء، لاشتراك بعضهم مع بعض في الإفساد في الأرض: والله ]لا يحب الفساد[ [البقرة:205]، ]والله لا يحب المفسدين[ [المائدة:64].

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

    

من اعتصم بالله نجا من الزنادقة

ذكر الدليل على التحقيق الصحيح في معرفة أقسام الزنادقة والزندقة

 

التعريف بالزنادقة:

الزنديق: فارسي معرب، وجمعه زنادقة.

والزنادقة، من الزندقة: وهي كلمة معربة عن الفارسية.

والزنديق: هو الذي لا يتمسك بشريعة.

والزنديق: هو الذي يقول بدوام الدهر.

والعرب تعبر عن هذا بقولهم: ملحد؛ أي: طاعن في الأديان.

والزنديق: هو النظار في الأمور، والمشهور على ألسنة الناس.

ويقال: هذا رجل «زندقي»، و«زنديق»؛ إذا كان شديد البخل.

ويقال: هذا «زنديق»، وهؤلاء «زنادقة»، و«زناديق»، و«زندقة الزنديق»؛ أنه لا يؤمن بالآخرة، ولا بوحدانية الخالق.([35])

والزندقة: الضيق، وقيل: «الزنديق» منه؛ لأنه ضيق على نفسه بالضلالة، وغيرها.

والزنديق: من الثنوية، وهو فارسي معرب، والجمع الزنادقة، وقد تزندق، والاسم: الزندقة.

والزندقة: هي النفاق؛ وهو إظهار الإيمان، وإبطال الكفر.([36])

فالزنادقة: هم الذين كانوا يسمون بــ«المنافقين» في صدر الإسلام، ويعيشون بين الناس، وإذا سنحت لهم فرصة ظهر شرهم، وكشروا عن أنيابهم ضد الحق وأهله في بلدان المسلمين؛ كما هو موجود في زماننا الآن تماما.([37])

قال الإمام المرداوي / في «الإنصاف» (ج1 ص332): (الزنديق: هو الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر، ويسمى منافقا في الصدر الأول). اهـ

إذا فالزنديق: هو الذي يظهر الإسلام، ويخفي الكفر، أو يظهر السنة، ويخفي البدعة، أو يظهر السلفية، ويخفي الحزبية السرية، أو يظهر الجهاد، ويخفي الثورة الخارجية، أو يظهر الإيمان، ويخفي الإرجاء، أو يظهر الأعمال الخيرية، ويخفي الأعمال الشرية، أو يظهر حفظ القرآن وتجويده، ويخفي حصول مآربه الدنيوية بالقرآن، ويظهر المسابقات بالقرآن، ويخفي المخطاطات بذلك في المساجد.

قلت: فهؤلاء كلهم يعيشون -للأسف- في بلدان المسلمين، وهم منافقون، يظهرون الخير للمسلمين من الحكام والمحكومين، ويبطنون الشر لهم، فإذا سنحت لهم فرصة أظهروا شرهم لهم، وكشروا عن أنيابهم ضدهم، فلا تسأل عن سفك الدماء، وهتك الأعراض، وقتل النساء، والأطفال، وتدمير البناء، وسرقة الأموال، وكثرة الأمراض، وإحراق المدن، وإحداث الفوضى، وتشريد الناس، وإهلاكهم بالجوع والعطش، والفقر، والحزن والهم، والبكاء، وضررهم في الشتاء بالبرد، والصيف بالحر، وفقدهم للآباء، والأمهات، والزوجات، والأبناء، والبنات، وغير ذلك من الدمار الشامل للناس وبلدانهم، هؤلاء هم المبتدعة([38]) الزنادقة، اللهم غفرا.

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح السنة» (ص292): (الزندقة: هي النفاق؛ وهو إظهار الإيمان، وإبطال الكفر. فالزنادقة: هم الذين كانوا يسمون بــ«المنافقين» في صدر الإسلام، ويعشون بين الناس، وإذا سنحت لهم فرصة ظهر شرهم، وكشرت عن أنيابهم ضد الحق وأهله؛ كما هو موجود في زماننا الآن). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص497): (هذا مع العلم بأن كثيرا من المبتدعة منافقون النفاق الأكبر، وأولئك كفار في الدرك الأسفل من النار، فما أكثر ما يوجد في الرافضة، والجهمية، ونحوهم، زنادقة منافقون، بل أصل هذه البدع هو من المنافقين الزنادقة). اهـ

قلت: ولا شك أن الناظر في كثير من رؤوس أهل البدع يجد أن النفاق قد كثر فيهم، وهذا مشاهد معلوم!، بل وحتى في أفراد بعض المبتدعة، فإن النفاق فيهم كثير، وقد يكون بعضهم قد قامت به بعض شعب النفاق، لأن البدع تحمل أصحابها على الشك، والحيرة مما قد لا يستطيع كثير من أهل البدع إظهاره أمام الناس؛ إما خوفا، أو لأمر آخر، وهذا هو النفاق، وهو الزندقة.([39])

 قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة السفارينية» (ص380): (والزنديق: هو المارق عن الدين، وقيل الزنديق هو المنافق، ولعل الزنديق أشد من المنافق؛ لأن المنافق ربما يتصنع للمسلمين، ويظهر أنه مسلم، كما هو الشأن في المنافقين في عهد الرسول r). اهـ

وقال الإمام ابن قدامة / في «المناظرة في القرآن» (ص50) عندما ذكر اعتقادات المبتدعة، وما أبطنوا من البدع: (وهذا هو النفاق في عهد رسول الله r وهو الزندقة اليوم، وهو: أن يظهر موافقة المسلمين في اعتقادهم، ويضمر خلاف ذلك، وهذا حال هؤلاء القوم لا محالة، فهم زنادقة بغير شك، فإنه لا شك في أنهم يظهرون تعظيم المصاحف إيهاما أن فيها القرآن، ويعتقدون في الباطن أنه ليس فيها إلا الورق والمداد، ويظهرون تعظيم القرآن، ويجتمعون لقراءته في المحافل، والأعرية -يعني الموضع الخالي- ... وليس في أهل البدع كلهم من يتظاهر بخلاف ما يعتقده غيرهم، وغير من أشبههم من الزنادقة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التسعينية» (ج1 ص259): (فإن التجهم، والرفض هما أعظم والبدع، أو من أعظم البدع التي حدثت في الإسلام، ولهذا كان الزنادقة المحضة؛ مثل الملاحدة من القرامطة، ونحوهم، إنما يتسترون بهذين: بالتجهم، والتشيع). اهـ

قلت: كل ذلك باسم الإسلام، وباسم الأعمال الخيرية، وباسم الجهاد، وباسم الدعوة، وباسم الإصلاح، وهذه الأمور لا يدركها إلا أهل العلم، واتخاذهم المساجد مقرا لهم، والتآمر فيما بينهم في جمع التبرعات فيها، والاستفادة من المصلين، ومن أموالهم.

ولا يزال هؤلاء سبب ريبة، وشك في الدين لكثير من الناس؛ لأنهم يظهرون شيئا، ويبطنون شيئا آخر، اللهم سلم سلم.

قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله -عضو هيئة كبار العلماء- في «إعانة المستفيد» (ج1 ص242): (التنبيه على خداع المخادعين، وأن يكون المؤمنون على حذر دائما من المشبوهين، ومن تضليلهم، وأنهم قد يتظاهرون بالصلاح، ويتظاهرون بالمشاريع الخيرية -كبناء المساجد-، ولكن ما دامت سوابقهم، وما دامت تصرفاتهم تشهد بكذبهم؛ فإنه لا يقبل منهم، ولا ننخدع بالمظاهر دون النظر إلى المقاصد، وإلى ما يترتب -ولو على المدى البعيد- على هذه المظاهر ... فتنبه المسلمين إلى الحذر في كل زمان، ومكان من تضليل المشبوهين، وأن كل من تظاهر بالخير، والصلاح، والمشاريع الخيرية لا يكون صالحا... فإننا نأخذ الحذر منه، ولا ننخدع). اهـ

وسئل العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز /. ما واجب علماء المسلمين حيال كثرة الجمعيات، والجماعات في كثير من الدول الإسلامية، وغيرها، واختلافها فيما بينها حتى إن كل جماعة تضلل الأخرى. ألا ترون من المناسب التدخل في مثل هذه المسألة؛ بإيضاح وجه الحق في هذه الخلافات، خشية تفاقمها، وعواقبها الوخيمة على المسلمين هناك؟.

فأجاب سماحته: (إن نبينا محمدا r بين لنا دربا واحدا يجب على المسلمين أن يسلكونه وهو صراط الله المستقيم، ومنهج دينه القويم، يقول الله تعالى: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[ ([40]).

كما نهى رب العزة، والجلال أمة محمد r عن التفرق، واختلاف الكلمة؛ لأن ذلك من أعظم أسباب الفشل، وتسلط العدو، كما في قوله جل وعلا: ]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[([41]) وقوله تعالى: ]شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه[([42]).

فهذه دعوة إلهية إلى اتحاد الكلمة، وتآلف القلوب، والجمعيات إذا كثرت في؛ أي: بلد إسلامي من أجل الخير، والمساعدة، والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين دون أن تختلف أهواء أصحابها([43])؛ فهي خير، وبركة، وفوائدها عظيمة.

أما إن كانت كل واحدة تضلل الأخرى، وتنقد أعمالها([44]) فإن الضرر بها حينئذ عظيم، والعواقب وخيمة. فالواجب على المسلمين توضيح الحقيقة، ومناقشة كل جماعة، أو جمعية، ونصح الجميع؛ بأن يسيروا في الخط الذي بينه الله تعالى لعباده، ودعا إليه نبينا محمد r، ومن تجاوز([45]) هذا، واستمر في عناده لمصالح شخصية، أو لمقاصد لا يعلمها إلا الله، فإن الواجب التشهير به، والتحذير منه ممن عرف الحقيقة([46])، حتى يتجنب الناس طريقهم، وحتى لا يدخل معهم من لا يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه، ويصرفوه عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله تعالى باتباعه في قوله جل وعلا: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[.([47])

ومما لا شك فيه أن كثرة الفرق والجماعات في المجتمع الإسلامي مما يحرص عليه الشيطان أولا وأعداء الإسلام من الإنس ثانيا؛ لأن اتفاق كلمة المسلمين، ووحدتهم، وإدراكهم الخطر الذي يهددهم، ويستهدف عقيدتهم يجعلهم ينشطون لمكافحة ذلك، والعمل في صف واحد من أجل مصلحة المسلمين، ودرء الخطر عن دينهم، وبلادهم، وإخوانهم، وهذا مسلك لا يرضاه الأعداء من الإنس والجن، فلذا هم يحرصون على تفريق كلمة المسلمين، وتشتيت شملهم، وبذر أسباب العداوة بينهم، نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق، وأن يزيل من مجتمعهم كل فتنة وضلال، إنه ولي ذلك والقادر عليه).([48]) اهـ

وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /:

ما هو موقف المسلم من الخلافات المذهبية المنتشرة بين الأحزاب، والجماعات؟.

فأجاب سماحته: (الواجب عليه أن يلزم الحق الذي يدل عليه كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وأن يوالي على ذلك، ويعادي على ذلك، وكل حزب، أو مذهب يخالف الحق يجب عليه البراءة منه، وعدم الموافقة عليه.

فدين الله تعالى واحد، وهو الصراط المستقيم، وهو عبادة الله تعالى وحده، واتباع رسوله محمد عليه الصلاة والسلام.

فالواجب على كل مسلم أن يلزم هذا الحق، وأن يستقيم عليه، وهو طاعة الله تعالى، واتباع شريعته التي جاء بها نبيه محمد عليه الصلاة، والسلام مع الإخلاص لله في ذلك، وعدم صرف شيء من العبادة لغيره سبحانه وتعالى، فكل مذهب يخالف ذلك، وكل حزب لا يدين بهذه العقيدة يجب أن يبتعد عنه، وأن يتبرأ منه، وأن يدعو أهله إلى الحق بالأدلة الشرعية مع الرفق، وتحري الأسلوب المفيد، ويبصرهم بالحق).([49]) اهـ

وقال الحافظ ابن حزم / في «الفصل» (ج4 ص227): (واعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله على أيديهم خيرا، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية، ولا رفع للإسلام راية، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرقون كلمة المؤمنين، ويسلون السيف على أهل الدين، ويسعون في الأرض مفسدين). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الحسبة في الإسلام» (ص26): (فأما الغش في الديانات؛ فمثل البدع المخالفة للكتاب والسنة، وإجماع السلف الأمة من الأقوال والأفعال). اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «الموقظة» (ص60) عن المبتدعة الزنادقة: (فمنهم من يفتضح في حياته، ومنهم من يفتضح بعد وفاته، فنسأل الله الستر والعفو). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «الأجوبة المفيدة» (ص60): (كل من خالف جماعة أهل السنة فهو ضال، ما عندنا إلا جماعة واحدة هم أهل السنة والجماعة، وما خالف هذه الجماعة فهو مخالف لمنهج الرسول r.

ونقول أيضا: كل من خالف أهل السنة والجماعة فهو من أهل الأهواء، والمخالفات تختلف في الحكم بالتضليل، أو بالتكفير حسب كبرها وصغرها، وبعدها وقربها من الحق([50])). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج2 ص482): (ومذهب  أهل السنة والجماعة قديم معروف ... فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم r، ومن خالف ذلك كان مبتدعا عند أهل السنة والجماعة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج2 ص178): (الطرائق المبتدعة؛ كلها يجتمع فيها الحق والباطل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص414): (البدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء: ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة؛ كبدعة الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج4 ص363): (أن الذي ابتدع مذهب الرافضة كان زنديقا([51]) ملحدا عدوا لدين الإسلام وأهله، ولم يكن من أهل البدع المتأولين؛ كالخوارج والقدرية، وإن كان قول الرافضة راج بعد ذلك على قوم فيهم إيمان لفرط جهلهم). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج5 ص170)؛ عن المبتدعة الذين علمهم مخلط فيه الحق والباطل: (فمبتدعة أهل العلم والكلام طلبوا العلم بما ابتدعوه، ولم يتبعوا العلم المشروع ويعملوا به). اهـ

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص356)؛ عن المبتدعة الزنادقة: (وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على آرائهم، تارة يستدلون بآيات على مذهبهم، ولا دلالة فيها، وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه، ومن هؤلاء فرق الخوارج، والروافض، والجهمية، والمعتزلة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم). اهـ

قلت: فلفظ: «زنديق»؛ لفظ مشترك قد أطلق على معان عدة، مختلفة فيما بينا على الرغم مما قد يجمع بينها من تشابه، فكان يطلق عليه من يؤمن بــ«المانوية»([52])، ويثبت أصلين أزليين للعالم: هما النور والظلمة، ثم اتسع المعنى من بعد اتساعا كبيرا حتى أطلق على كل صاحب بدعة، وكل ملحد، بل انتهى به الأمر أخيرا إلى أن يطلق على من يكون مذهبه مخالفا لمذهب أهل السنة والجماعة، أو حتى من كان يحيا حياة المجون من الشعراء، والممثلين، والمغنين، والفسقة، والكتاب الجهلة الذين يتكلمون بالباطل، ولا يبالون بذلك([53])، اللهم سلم سلم.([54])

قلت: واختلف في أصلها؛ أي: الزندقة:

فقيل: «زن دين»؛ أي: دين المرأة؛ أي: دين الحماقة.

وقيل: «زنده كرد»؛ وهي كلمة فارسية؛ بمعنى حي، و«زنده»: الحياة، و«كرد»: العمل.

وقيل: «زند كراي»؛ أي: من يقول بدوام الدهر.

قال العلامة الزبيدي اللغوي / في «تاج العروس» (ج6 ص373): (والصواب أن الزنديق نسبة إلى «الزند»، وهو كتاب: «ماني المجوسي»). اهـ

قلت: فالزنديق معروف في اللغة، وزندقته؛ أنه لا يؤمن بالآخرة، ولا يؤمن بوحدانية الخالق.

وليس في كلام العرب زنديق، وإنما تقول العرب: رجل زندق، وزندقي إذا كان شديد البخل، فإذا أرادت العرب معنى ما تقوله العامة؛ قالوا: ملحد، ودهري، وهذا هو المشهور عند الناس!.

قال العلامة الجوهري اللغوي / في «الصحاح» (ج4 ص1489): (الزنديق من الثنوية([55])، وهو معرب، والجمع: الزنادقة وقد تزندق، والاسم الزندقة).اهـ

وقال الإمام الخليل / في «العين» (ج2 ص766): (الزنديق ... زندقة الزنديق: ألا يؤمن بالآخرة، وبالربوبية). اهـ

وقال ابن منظور اللغوي / في «لسان العرب» (ج2 ص1871): (الزنديق: القائل ببقاء الدهر، فارسي معرب، وهو بالفارسية: زند كراي، يقول بدوام بقاء الدهر). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص471): (والمقصود هنا: أن الزنديق في عرف هؤلاء الفقهاء هو المنافق الذي كان على عهد النبي r. وهو أن يظهر الإسلام ويبطن غيره سواء أبطن دينا من الأديان: كدين اليهود، والنصارى، أو غيرهم، أو كان معطلا جاحدا للصانع، والمعاد، والأعمال الصالحة، ومن الناس من يقول: «الزنديق» هو الجاحد المعطل، وهذا يسمى الزنديق في اصطلاح كثير من أهل الكلام، والعامة، ونقلة مقالات الناس.

ولكن الزنديق الذي تكلم الفقهاء في حكمه: هو الأول؛ لأن مقصودهم هو التمييز بين الكافر وغير الكافر، والمرتد وغير المرتد، ومن أظهر ذلك أو أسره. وهذا الحكم يشترك فيه جميع أنواع الكفار والمرتدين، وإن تفاوتت درجاتهم في الكفر والردة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بغية المرتاد» (ص338): (لفظ الزندقة لا يوجد في كلام النبي r، كما لا يوجد في القرآن، وهو لفظ أعجمي معرب، أخذ من كلام الفرس بعد ظهور الإسلام وعرب، وقد تكلم به السلف، والأئمة في توبة الزنديق، ونحو ذلك. فأما الزنديق الذي تكلم الفقهاء في قبول توبته في الظاهر، فالمراد به عندهم المنافق، الذي يظهر الإسلام، ويبطن الكفر، وإن كان مع ذلك يصلي ويصوم، ويحج، ويقرأ القرآن، وسواء، كان في باطنه يهوديا أو نصرانيا، أو مشركا، أو وثنيا، وسواء كان معطلا للصانع وللنبوة، أو للنبوة فقط، أو لنبوة نبينا r فقط، فهذا زنديق، وهو منافق، وما في القرآن والسنة من ذكر المنافقين يتناول مثل هذا بإجماع المسلمين، ولهذا كان هؤلاء مع تظاهرهم بالإسلام قد يكونون أسوأ حالا من الكافر المظهر كفره من اليهود والنصارى). اهـ

قلت: وعند التأمل؛ لمن أطلق عليهم وصف: «الزندقة» نجد اختلافا ظاهرا:

v   فمنهم من يطلقه على: «ماني الثنوي المجوسي([56])»، ومعتنقي مذهبه.

v   ومنهم من يطلقه على فرقة خاصة؛ قرينه لليهود، والنصارى، كــ«الفرقة الشيعية»، و«الفرقة الصوفية».

v   ومنهم من يطلقه على أهل المجون، والخلاعة؛ من الشعراء، والممثلين، والمغنين، والفسقة، وغيرهم.

v   ومنهم من يطلقه على المبتدعة؛ من الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية، والمرجئة، والخارجية، وغيرهم.

v   ومنهم من يطلقه على غيرهم على حسب الضلالة فيهم، بغض النظر هل هم كفار، أو ليسوا بكفار، فنتبه.

إذا فالزندقة لم يكن معناها واحدا عند الناس على السواء؛ فمعناها في أذهان العلماء غير معناها في أذهان العامة، فاتنبه.

قلت: ويستخلص بعد بسط القول في توضيح ذلك أن «الزندقة» تطلق على معان، وهي:

1) التهتك، والاستهتار، والفجور من تبجج في القول يصل أحيانا إلى ما يمس الدين.

2) اتباع دين المجوس، وخاصة دين «ماني المجوسي»، وأتباعه «المانوية».

3) ملحدون لا دين لهم كــ«الشيوعية»؛ بمعنى: اللادينية، فالزنديق من لا يتدين بدين، وهذا هو المشهور عند العامة أتباع الجماعات الحزبية.

4) المبتدعة الذين توسعوا في التمسك بالبدع الظاهرة والباطنة، وحرفوا، وأولوا([57]) في الاعتقاد، والدين.([58])

قلت: وهذا من جملة ما أطلقه علماء أهل السنة على الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية، والمرجئة، والصوفية، وغيرهم([59]) الذين يقولون بالبدع، والأهواء في الدين، والدعوة، والجهاد، والاعتقاد، والعلم، والعمل.([60])

إذا فالزندقة تطلق على الملحدين، والمرتدين، والمبتدعين، والحزبيين، والقصاصين، والممثلين، والمغنين، والثوريين، والعقلانيين، والمفكرين([61])، والعاصين، ومن نهج منهجهم، وسلك مسلكهم، اللهم سلم سلم.

قلت: فكل من خالف ما ثبت في الدين، وأصر عليه، وعمل به، ولم يتب منه، فهو زنديق!، سواء كفر، أم لم يكفر([62])، فافهم لهذا.([63])

وقد نص جمع من أئمة السلف على أن الجهمية، وغيرهم من أهل البدع؛ من الزنادقة، ومن هؤلاء الأئمة: عبدالله بن المبارك([64])، ويزيد بن هارون([65])، وعبدالوهاب الوراق -صاحب الإمام أحمد-([66]) وغيرهم.([67])

قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص209)؛ بعد أن ذكر حديث «من بدل دينه فاقتلوه»([68]): (الجهمية عندنا زنادقة، من أخبث الزنادقة، نرى أن يستتابوا من كفرهم، فإن أظهروا التوبة تركوا...، وإن شهدت عليهم بذلك شهود فأنكروا، ولم يتوبوا قتلوا. كذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب t أنه سن في الزنادقة). اهـ

وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص200): (فرأينا هؤلاء الجهمية، أفحش زندقة، وأظهر كفرا، وأقبح تأويلا لكتاب الله، ورد صفاته فيما بلغنا عن هؤلاء الزنادقة الذين قتلهم علي t وحرقهم... ثم قال: فقال لي المناظر الذي ناظرني: أردت إرادة منصوصة في إكفار الجهمية باسمهم، وهذا الذي رويت عن علي t في الزنادقة!.

فقلت: الزنادقة والجهمية أمرهما واحد، ويرجعان إلى معنى واحد، ومراد واحد، وليس قوم أشبه بقوم منهم بعضهم ببعض، وإنما يشبه كل صنف، وجنس بجنسهم وصنفهم). اهـ

وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «النقض» (ج1 ص580): (الجهمية عندنا أخبث الزنادقة؛ لأن مرجع قولهم إلى التعطيل كمذهب الزنادقة سواء). اهـ

وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «النقض»» (ج2 ص904): (والتجهم عندنا باب كبير من الزندقة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص352): (... وهكذا كان الجهم يقول أولا: إن الله لا كلام له. ثم احتاج أن يطلق أن له كلاما لأجل المسلمين فيقول: هو مجاز؛ ولهذا كان الإمام أحمد، وغيره من الأئمة يعلمون مقصودهم، وأن غرضهم التعطيل، وأنهم زنادقة؛ والزنديق: المنافق. ولهذا تجد مصنفات الأئمة يصفونهم فيها بالزندقة، كما صنف الإمام أحمد «الرد على الزنادقة والجهمية»، وكما ترجم البخاري آخر كتاب الصحيح بــ«كتاب التوحيد والرد على الزنادقة والجهمية»).([69]) اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص302): (ومن تدبر كلام السلف والأئمة في هذا الباب، علم أن الجهمية النفاة للصفات كانوا عند السلف والأئمة من جملة الزنادقة). اهـ

قلت: وكذلك أهل البدع لا يخلو شيوخهم وكبراؤهم من النفاق والزندقة، ولذلك لما تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية على الفارابي، وابن سينا، وابن سبعين؛ وصفهم بالزندقة.([70])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بغية المرتاد» (ص341): (وبالجملة فقد ذكر الله تعالى من أمور المنافقين في السور المدنية ما يطول ذكره، وعامة ما يوجد النفاق في أهل البدع، فإن الذي ابتدع الرفض كان منافقا زنديقا، وكذلك يقال عن الذي ابتدع التجهم، وكذلك رؤوس القرامطة، والخرمية وأمثالهم لا ريب أنهم من أعظم المنافقين، وهؤلاء لا يتنازع المسلمون في كفرهم). اهـ

قلت: وأعظم منه كلام الإمام ابن قدامة لما تكلم على الأشاعرة لما زعموا أن ما بين دفتي المصحف إنما هو الحبر والورق، وليس فيه من كلام الله شئ قال في «مناظرة في القرآن العظيم» (ص78): (ثم كيف يحل لهم أن يوهموا العامة ما يقوى به اعتقادهم -الذي يزعمون أنه بدعة- من تعظيمهم للمصاحف في الظاهر، واحترامها عند الناس، وربما قاموا عند مجيئها، وقبلوها، ووضعوها على رؤوسهم! ليوهموا الناس أنهم يعتقدون فيها القرآن... وهذا عندهم اعتقاد باطل، فكيف يحل لهم أن يتظاهروا به، ويضمرون خلافه؟!([71]) وهذا هو النفاق في عهد رسول الله r، وهو الزندقة اليوم، وهو: أن يظهر موافقة المسلمين في اعتقادهم، ويضمر خلاف ذلك، وهذا حال هؤلاء القوم لا محالة، فهم زنادقة بغير شك). اهـ

وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص122): (وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده، ويريد القرآن؛ فلا تشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة، فقم من عنده ودعه، واعلم أن الأهواء كلها ردية تدعو كلها إلى السيف، وأردؤها وأكفرها: الروافض، والمعتزلة، والجهمية، فإنهم يردون الناس على التعطيل والزندقة). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبدالرحمن بن حسن / في «الدرر السنية» (ج3 ص215): (أن معنى استوى: استقر، وارتفع، وعلا، وكلها بمعنى واحد، لا ينكر هذا إلا جهمي زنديق، يحكم على الله، وعلى أسمائه، وصفاته بالتعطيل، قاتلهم الله). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج17 ص391)؛ عن ابن قتيبة([72])/: (وابن قتيبة هو من المنتسبين إلى أحمد، وإسحاق، والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة، وله في ذلك مصنفات متعددة... وكان معاصرا لإبراهيم الحربي، ومحمد بن نصر المروزي، وكان أهل المغرب يعظمونه، ويقولون: من استجاز الوقيعة في ابن قتيبة يتهم بالزندقة). اهـ

وقال الإمام حرب الكرماني / في «مسائله» (ص363)؛ عن القدرية المبتدعة: (يزعمون أن إليهم الاستطاعة، والمشيئة، والقدرة، وأنهم يملكون لأنفسهم الخير والشر... وأن العباد يعملون بدئا من أنفسهم من غير أن يكون سبق لهم ذلك في علم الله تعالى، وقولهم يضارع قول المجوسية والنصرانية، وهو أصل الزندقة). اهـ

 وقال الإمام حرب الكرماني / في «مسائله» (ص363)؛ عن الجهمية المبتدعة: (أعداء الله تعالى، وهم الذين يزعمون أن القرآن مخلوق، وأن الله تعالى لم يكلم موسى، وأن الله لا يتكلم، ولا يرى، ولا يعرف لله تعالى مكان، وليس لله عرش، ولا كرسي وكلام كثير أكره حكايته، وهم كفار زنادقة أعداء الله تعالى، فاحذروهم). اهـ

وقال الإمام البخاري / في «صحيحه» (ج10 ص401): كتاب التوحيد، والرد على الزنادقة والجهمية، وغيرهم.([73])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء التعارض» (ج5 ص320): (أن يقال: القول بتقديم غير النصوص النبوية عليها، من عقل، أو كشف، أو غير ذلك، يوجب أن لا يستدل بكلام الله تعالى، ورسوله r على شيء من المسائل العلمية، ولا يصدق بشيء من أخبار الرسول r؛ لكون الرسول أخبر به، ولا يستفاد من أخبار الله تعالى، ورسوله r هدى ولا معرفة بشيء من الحقائق، بل ذلك مستلزم لعدم الإيمان بالله تعالى ورسوله r، وذلك متضمن للكفر، والنفاق، والزندقة، والإلحاد، وهو معلوم الفساد بالضرورة من دين الإسلام، كما أنه في نفسه قول فاسد متناقض في صريح العقل، وهذا لازم لكل من سلك هذه الطريق). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء التعارض» (ج5 ص307)؛ بعد أن ذكر كلاما للدارمي في تستر أهل البدع، ومراوغتهم، وإخفائهم بعض ما يعتقدون: (وهذا الذي حكاه عثمان بن سعيد عن هذا الرجل([74]) هو لسان حال أئمة الجهمية المتشيعة، كالقرامطة الباطنية، من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم([75])، وهم رؤوس الملاحدة وأئمتهم([76])، وقد دخل كثير من إلحادهم على كثير من الشيعة والمتكلمين، من المعتزلة، والنجارية، والضرارية، والأشعرية، والكرامية، ومن أهل التصوف، والفقه والحديث والتفسير والعامة.

لكن عامة هؤلاء لا يعتقدون الزندقة، بل يقرون بنبوة الرسول r، لكن دخل فيهم نوع من الإلحاد، وشعبة من شعب النفاق، والزندقة أضعف إيمانهم، وحصل في قلوبهم نوع شك وشبهة في كثير مما جاء به الرسول، مع تصديقهم للرسول r.

وتجدهم في هذا الباب في حيرة واضطراب، وشك وارتياب، لم يحققوا ما ذكره الله تعالى في قوله: ]إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون[ [الحجرات: 15].

ولكن ليس كل من دخل عليه شعبة من شعب النفاق، والزندقة، فقبلها جهلا، أو ظلما، يكون كافرا منافقا في الباطن، بل قد يكون معه من الإيمان بالله، ورسوله ما يجزيه الله عليه، ولا يظلم ربك أحدا).([77]) اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء التعارض» (ج5 ص321): (وحقيقة هذا سلب الإيمان برسالة الرسول r، وعدم تصديقه، ثم إن لم يقم عنده المعارض المقدم بقى لا مصدقا بما جاء به الرسول r، ولا مكذبا به، وهذا كفر باتفاق أهل الملل، وبالاضطرار من دين الإسلام، وإن قام عنده المعارض المقدم كان مكذبا للرسول r، فهذا في الكفر الذي هو جهل مركب([78])، وذلك في الكفر الذي هو جهل بسيط([79])... ولهذا كان الأصل الفاسد مستلزما للزندقة، والإلحاد في آيات الله وأسمائه، فمن طرده أداه إلى الكفر، والنفاق، والإلحاد، ومن لم يطرده تناقض، وفارق المعقول الصريح، وظهر ما في قوله من التناقض والفساد). اهـ

قلت: وهذا لازم لكل من سلك هذه الطريق، والله المستعان.

    

رب يسر

المدخل

 

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، يبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم.

ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتنة المضلين.

أما بعد:

وإن ممن اتخذوا طريق الغي سبيلا، ودأبوا على رفض الحق، وظلم أهله: «ربيع المدخلي»، حتى وقع في الفخ الذي نصبه لأهل السنة، وقد وقع في أصول أهل البدع، بل أصبح من أسوئهم([80])، وصاحب مشكلات، إن سلم المسلمون البقية من شرها، فهم بخير، بل وافق الحزبية من: «الإخوانية»، و«القطبية»، و«السرورية»، و«التراثية»، وغيرهم من وجوه شتى، وقد جاء له أشياعه بأخطائه([81]) في هذه الأيام([82]) من وجوه عدة، فجر نفسه ومن معه إلى الفتن المشوشة في الدين.

قلت: ولو فتحنا هذا الباب في الدين، لأدى ذلك إلى الفرقة والاختلاف، والفوضى العلمية، والتفلت من قيود الشريعة بدعوى الاجتهاد بدون أصول وقواعد العلم. ([83])

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «المنتقى» (ج2 ص23): (الفتنة إنما حدثت، وتحدث بين شباب المسلمين بسبب الإصغاء إلى الأفكار الوافدة المشبوهة، والإعراض عن المنهج الصحيح).اهـ

* فأيها القارئ الكريم الأحداث التاريخية التي لها آثار كبيرة سيئة في افتراق الأمة كثيرة، وللأسف الشديد يهتم كثير من الكتاب في هذه الأيام إلى ترديدها ونشرها من غير تمحيص، ولا تدقيق، ولا بحث، ولا سؤال، بل من غير الرجوع فيها إلى أهل العلم الموثوق بعلمهم.

قلت: وهذا الصنيع المشين له آثاره السيئة الكبيرة في تأصيل الافتراق، وإذكاء العداوة واستمرارها، ونجد من ضمن هؤلاء الكتاب من يرفع صوته داعيا لتوحيد الكلمة بين المسلمين([84])، وضرورة وقوفهم صفا واحدا أمام الكفار، وهو: «بأفعاله يناقض أقواله»، فترى: «أقواله في الظاهر سلفية»، و«أفعاله مرجئية» ([85])، أو: «أقواله في الظاهر سنية»، و«أفعاله إخوانية»، أو: «أقواله في الظاهر علمية»، و«أفعاله خارجية»، أو: «أقواله في الظاهر حديثية»، و«أفعاله صوفية»، وهكذا، والله المستعان.

قال تعالى: ]فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون[ [المؤمنون: 53].

وقال تعالى: ]إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون[ [الأنعام: 159].

قال الحافظ البغوي / في «شرح السنة» (ج1 ص210): (هم أهل البدع والأهواء). اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص113): (الفرقة من أخس أوصاف المبتدعة).اهـ

قلت: فربيع المدخلي، وقع في هذه الفرقة الخبيثة، ففرق الشباب المسكين الذين يركضون خلفه بدون عقل: حيث فرقهم في «أمريكا»، و«إبريطانيا»، و«أوروبا»، و«ليبيا»، و«اليمن»، و«الجزائر»، و«المغرب»، و«الخليج»، و«بلد الحرمين»، وغير ذلك.

* كل ذلك ليحمي نفسه الأمارة بالسوء من أن يقال له أنك أخطأت في الدين، بل سرى هذا الخلاف فيه، وفي شيعته في كل فترة من الزمن.

فتراهم أبدا في تنازع، وتباغض، واختلاف، انقضت أعمارهم، ولم تتفق الآن كلماتهم في دعوتهم الفاشلة: ]تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون[ [الحشر:14].

قلت: فلوا كانوا يعقلون؛ لعملوا على اجتثاث الخلافيات من أصولها، وتابوا، وتوحدوا مع أهل السنة والجماعة، وتركوا ضلالات: «ربيع المدخلي»، ولم يقروا الخلافيات التي أحدثها بين شباب الأمة، ففرق جمعهم، وشتت شملهم، لينال مرامه في الشباب المسكين، فيقفون معه في ضلالاته، وينصرونه بجهل منهم بمقاصد الشرع، وعدم إحاطتهم بعلوم هذا الدين.

قال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس: 32].

وقال تعالى: ]إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون[ [هود: 34].

قال الإمام ابن القيم / في «بدائع الفوائد» (ج2 ص435): (فإن كل مغضوب عليه ضال، وكل ضال مغضوب عليه).اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «بدائع الفوائد» (ج2 ص168): (كل صاحب بدعة تجده محجوبا عن فهم القرآن).اهـ

*وللعلم فأتباع منهج السلف؛ كلما رأوا تفرق الناس إلى فرق شتى، وكلما رأوا كثرة أتباع المناهج المخالفة؛ ازدادوا ثباتا، ورسوخا، واقتناعا بصواب منهج الله تعالى، ورسوله r، والسلف الصالح الخالص الصافي، ويعلمون أن الإسلام في غربة الآن كما كان في غربة في بدايته، ويعلمون أن القابض على دينه الآن كالقابض على الجمر؛ لقلة أهل الحق، وكثرة أهل الباطل، وظلم أهل الباطل لأهل الحق القليلين، وكل هذا من وحي أحاديث رسول الله r.

قلت: وهذا لا يحملهم على اليأس، والقنوط، والقعود عن واجبهم في البلاغ والدعوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بل يؤدون الذي عليهم تقربا إلى الله تعالى، ومعذرة إليه.

قال تعالى: ]والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر[ [العصر:1 - 3].

قلت: وفي هذه الآية دليل على كثرة الخاسرين، والهالكين، وقلة الناجين.

والجهل العظيم الفرح بالكثرة، وهو الاستدلال بالكثرة على عيب السلفيين بالقلة، وهذا فيه خلط الحق بالباطل، وكشف عن جهل عميق بمنهج السلف الصالح.

قلت: وما كانت كثرة الأتباع دليلا على خير، ولا قلة الأتباع دليلا على شر؛ لا في الشرع، ولا في الواقع:

* أما الشرع:

فقد قال الله تعالى: ]وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين[ [يوسف:103].

وقال تعالى: ]وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله[ [الأنعام:116].

وقال تعالى: ]وما آمن معه إلا قليل[ [هود:40].

* وأما الواقع:

فهاهم أهل ملل الكفر أضعاف ملة الإسلام، بل النصارى ضعف المسلمين.

فهذا هو معيار المخذولين، والمخدوعين، والمغرورين في كثرة أتباع الجماعات الإسلامية. ([86])

* أيها الأخوة الكرام: لما كان الأمر كذلك، كانت مسألة العقيدة، والاعتصام بها، وسلوك منهج السلف الصالح([87])، ليست مسألة اجتهادية يأخذ بها من شاء، ويتركها من شاء، أو يأخذ بها من شاء، ويتركها من شاء، وإنما هي مسألة عقيدة توجه حياة العبد في هذه الدنيا، وتحدد موقفه يوم القيامة حينما يقدم على ربه تعالى.

قلت: ولو تفكر أولئك بخطر الانحراف عن: «العقيدة السلفية» الصحيحة، لسهل عليهم الانقياد إليها، وهان عليهم الرجوع عن الباطل والانحراف.

قال العلامة الشيخ المعلمي رحمه في «ما لا يسع المسلم جهله» (ص31): (وإنما المشروع أن يجاهد نفسه، ويصرفها عن الشبهات والوساوس، مستعينا بطاعة الله تعالى، والوقوف عند حدوده، مبتهلا إليه عز وجل أن يثبت قلبه بما شاء سبحانه، فهذا إنما يحمل على اتباع الشرع والاهتداء بهداه). اهـ

قلت: وليس هذا الانحراف في أوساط الجهال من المسلمين فقط، بل يقع فيه كثير من المنتسبين إلى العلم ([88])، ولا سيما المنخرطين في سلك التحزب، وما أكثرهم في بلدان المسلمين.

* وقد أخبر النبي r أن أمته ستفترق على ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، ثم بين r أن هذه الواحدة هي الجماعة، وأنها من كان على مثل ما عليه هو r وأصحابه y.

فعن عبد الله بن عمرو t، قال: قال رسول الله r: (إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي).

حديث حسن

أخرجه الترمذي في «سننه» (ج5 ص26)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص128)، وابن وضاح في «البدع» (ص92)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص100)، والآجري في «الشريعة» (ص15)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص369).

بأسانيد حسنة.

* والمتتبع لأصول الفرق جميعا يجدهم ينقسمون إلى أقسام.

فالفرقة الناجية: هم المتبعون للرسول r، وصحابته الكرام على منهج الحق ظاهرا وباطنا.

والفرق الهالكة الأخرى: هم المخالفون لذلك، المعترضون على منهج الحق، وهؤلاء المعترضون طوائف، منها: الذين يعترضون بالشبة الواهية الباطلة في الأصول؛ فاشتبهت عليهم في حكم الله تعالى وأمره، وحكم الرسول r وشرعه، ومنها: الذين يعترضون بعقولهم، وآرائهم، وأقيستهم، وأرادوا بذلك أن يقيسوا بها دين الله تعالى، ومنها: الذين يعترضون بعقولهم على حقيقة الإيمان وهم: «المرجئة»، ويخرجون الأعمال منه، وقد يصل ببعضهم الأمر إلى أن من ترك الأعمال بالكلية؛ فهو عندهم مؤمن ناقص الإيمان، ومنها: الذين يعترضون([89]) على شرع الله تعالى، وأمره بالسياسات الجائرة، التي يقدمونها على حكم الله تعالى، وعلى حكم رسوله r، فقدموا أوهامهم وضلالهم على الشرع، فتوهموا التعارض بين الشرع وبين سياساتهم، فقدموها على شرع الله تعالى، ورسوله r.

قلت: وللعلم «فالمرجئة» قد نبغت من قديم الزمان، وهي موجودة إلى الآن جعلوا لهم منهجا عقليا إرجائيا، وهذا المنهج الإرجائي؛ كان يسمى قديما: «الإرجاء»، وأصحابه: «المرجئة»، ويلتزم به الآن: «ربيع المرجيء، وشيعته المرجئة»، والإرجاء من البدع الهالكة، بل هو الشر المستطير.

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج1 ص136): (أصل كل شر، يعود إلى البدع). اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الإفادات والإنشادات» (ص178): (فإن البدع في الدين هلاك، وهي في الدين أعظم من السم في الأبدان). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج5 ص90): (لأهل البدع علامات؛ منها: أنهم يتعصبون لآرائهم، فلا يرجعون إلى الحق، وإن تبين لهم). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص213): (القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن). اهـ

* ولقد لمس أهل العلم لمس اليد مدى خطورة «المرجئة» في جزيرة العرب، ولاسيما خارجها، لأنها تعمل على تهميش منهج السلف في مسائل الإيمان، والانصراف عنها إلى مسائل أخرى إرجائية، بأساليب ملتوية وحذرة، تحت شعارات ومقالات جذابة خبيثة، تجذب الشباب بعيدا عن أساسيات دينهم، لمحاربة أهل السنة والجماعة، ومصالحة أهل البدع، لتنفيذ مآربهم ومصالحهم. ([90])

قلت: إن الأفكار السامة واضحة في أذهانهم، والأفكار السليمة غير واضحة في عقولهم.

لذلك: شقوا بانحرافهم، وشقوا بطغيانهم، وشقوا بجهلهم، وشقوا بتجاوزهم الحدود، وشقوا بإساءتهم للناس، وشقوا ببعدهم عن الله تعالى.

قلت: وهذه من أسباب الشقاء، والعلة، وعلة العلل الجهل، فأعدى أعداء المرء الجهل في الدين.

* ومن دواعي الاهتمام بهذا الجانب من: «الإرجاء»، في شتى أماكن: «المرجئيين»، أضف إلى ذلك: «الفرقة الربيعية» اعتمادهم عقيدة: «ربيع المدخلي» في الإرجاء، في حين يظن كثير من: «الربيعيين» أن عقيدة: «الإرجاء» لا وجود لها إلا أثرا من الآثار في بطون الكتب القديمة.

* وللعلم؛ فقد اطلع أهل العلم على: «كتب المدخلي» التي صدرت منه في بلد الحرمين وخارجها، والتي جدد فيها: «المدخلي» دعوة المسلمين ليتمسكوا بعقيدة: «المرجئة» في مسائل الإيمان، تحت مسمى العقيدة السلفية!. ([91])

* وهذه العقائد المنحرفة؛ إذا أردنا دحرها؛ فليس ثم من سبيل أفضل من إحياء آثار سلفنا الصالح ([92]) في الأصول، ومن حرم الأصول حرم الوصول.

قال تعالى: ]ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (116) متاع قليل ولهم عذاب أليم[ [النحل:116 - 117].

قلت: غير خاف سبب تكرارهم بـ «التنازل عن الأصول»، وذلك ليظهروا التسامح، والمرونة مع المخالفين لمنهج السلف وطريقتهم، ولتتسع الدائرة وتنداح حرصا على الكم دون الكيف، أسوة بجماعات سبقتهم في الظهور والتجربة، كما صرح: «ربيع المدخلي» بهذا المنهج الخبيث.

قلت: وقد طبق: «ربيع المدخلي» ([93]) في جماعته هذا الفكر من سنوات طويلة، فجمع الذين خرجوا من الجماعات الحزبية، من: «الإخوانية»، و«السرورية»، و«القطبية»، و«التراثية»، و«الثورية»، و«اليمنية»، وغيرهم، على أنهم من السلفيين!، مجرد أنهم انظموا في جماعته.

فماذا حصل بعد ذلك، فدبت فيهم الخلافيات مع مر الزمان في البلدان، حتى وصل بهم الخلاف، إلى تبديع بعضهم بعضا، وتضليل بعضهم بعضا.

قلت: فشتت الله شملهم في كل مكان، وذلك بسبب اجتماعهم على أكبر المنكرات من الإرجاء، وغيره.

وهذه المنكرات من البدع المهلكة، لأن البدع تفرق الناس، والسنن تجمعهم.

قال تعالى: ]لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون[ [المائدة:78 - 79].

وقال تعالى: ]قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل[ [المائدة:77].

وقال تعالى: ]فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون[ [المائدة:14].

وقال تعالى: ]بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون[ [الحشر:14].

وقال تعالى: ]وإن تولوا فإنما هم في شقاق[ [البقرة:137].

وقال تعالى: ]وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد[ [البقرة:176].

قلت: وقد سمعنا من بعض المنتسبين لدعوتهم أنهم يودون إلغاء في الردود ذكر الأسماء والتسميات، ويدرجون ضمنها الردود الصفراء بحجة تأليف القلوب، وتكثير سواد السلفيين في الجماعات الإسلامية، والانخراط فيها، والاشتراك معهم في إلقاء الدروس، والمحاضرات، والخطب، لأنهم أصبحوا بزعمهم كـ «الشعرة البيضاء في الثور الأسود»!. ([94])([95])

* فنقول لهؤلاء هل رسم منهج السلفية: «فلان»، و«علان»؛ لكي نقول هذا الكلام، كلا، بل إنما رسم منهج السلفية أهل الحديث، وفق الكتاب والسنة، بتفسير: الرعيل الأول، وتطبيق أهل القرون المفضلة من جيل الصحابة، والتابعين، وأتباع التابعين بإحسان، وتبعهم على ذلك التابعون بإحسان، فأصبح محجة بيضاء، وسبيلا لا حبا؛ يستوي ليله ونهاره([96])، لا يزيغ عنه إلا هالك، ولا يرغب عنه إلا مخذول قد توعده: الله بقوله: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].

قلت: فمن الحيف والطغيان في الميزان أن تقرن الدعوة السلفية مع الشعارات المحدثة المبتدعة.

قال تعالى: ]والسماء رفعها ووضع الميزان (7) ألا تطغوا في الميزان (8) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان[ [الرحمن:7 - 9].

قلت: إنه لمن المغالطة، والإجحاف أن يعد المنهج السلفي ضمن دائرة الشعارات والحزبيات المحدثة، وعلى من يصرح بهذا أن يتقي الله تعالى، ويحاسب نفسه، ويتجرد من الهوى.

فاتق الله يا هذا! ولا يحملنك العناد على أن تبطر الحق وترده، وتزيف الحقائق الثابتة.

* واعلم أن المنهج السلفي لم يكن في أعقاب الزمن من: «فلان»، و«علان»([97])، وإنما هو عقيدة خالصة، وشريعة قويمة، وتعاليم إلهيه، أوحاها الله تعالى إلى رسوله r، وطبقها مع أصحابه الكرام. ([98])

يقول الشيخ بكر أبو زيد / في «حكم الانتماء» (ص30): (وقد كان المسلمون وهم الصحابة y - قبل بزوغ بذرة التفرق والانشقاق - ليس لهم اسم يتميزون به ... لكن لما حصلت تلك الفرق الضالة، التي يشملها لفظ: «أهل الأهواء»؛ لغلبة اتباع الهوى عليهم، ولفظ: «أهل البدع»؛ لاتباعهم ما هو خارج عن الدين أجنبي عنه: و «أهل الشبهات»؛ لأنهم يلبسون الحق بالباطل ... لما حصلت تلك الفرق؛ منتسبة إلى الإسلام، منشقة عن العمود الفقري للمسلمين؛ ظهرت ألقابهم - أي: «أهل السنة والجماعة» - الشرعية المميزة لجماعة المسلمين؛ لنفي الفرق والأهواء عنهم، سواء ما كان من الأسماء ثابتا لهم بأصل الشرع: «الجماعة»، «جماعة المسلمين»، «الفرقة الناجية»، «الطائفة المنصورة»، أو بواسطة التزامهم بالسنن أمام: «أهل البدع»، ولهذا حصل الربط لهم بالصدر الأول، فقيل لهم: «السلف»، «أهل الحديث»، «أهل الأثر»، «أهل السنة والجماعة».

* وهذه الألقاب الشريفة تخالف أي لقب كان لأي فرقة كانت من وجوه:

الأول: أنها نسب لم تنفصل ولا لحظة واحدة عن الأمة الإسلامية منذ تكونها على منهاج النبوة؛ فهي تحوي جميع المسلمين على طريقة الرعيل الأول ومن يقتدي بهم في تلقي العلم، وطريقة فهمه، وبطبيعة الدعوة إليه.

* فلم يعد إذن محصورا في دور تاريخي معين، بل يجب أن يفهم على أن مدلوله مستمر استمرار الحياة، وضرورة انحصار الفرقة الناجية في: «أهل الحديث والسنة»، وهم أصحاب هذا المنهج، وهي لا تزال باقية إلى يوم القيامة؛ أخذا من قوله r: «لا تزال طائفة من أمتي منصورين على الحق، لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم». ([99])

الثاني: أنها تحوي كل الإسلام (الكتاب والسنة)؛ فهي لا تختص برسم يخالف الكتاب والسنة زيادة أو نقصا.

الثالث: أنها ألقاب؛ منها: ما هو ثابت بالسنة الصحيحة، ومنها: ما لم يبرز إلا في مواجهة مناهج أهل الأهواء، والفرق الضالة؛ لرد بدعتهم، والتميز عنهم، وإبعاد الخلطة بهم، ولمنابذتهم، فلما ظهرت البدعة؛ تميزوا بالسنة، ولما حكم الرأي؛ تميزوا بالحديث والأثر، ولما فشت البدع والأهواء في الخلوف؛ تميزوا بهدي السلف.

الرابع: أن عقد الولاء والبراء والموالاة، والمعاداة لديهم: هو على الإسلام لا غير، لا على رسم باسم معين، ولا على رسم محدد، إنما هو الكتاب والسنة فحسب.

الخامس: أن هذه الألقاب لم تكن داعية لهم للتعصب لشخص دون رسول الله r؛ فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله r، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى؛ فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لغيره ... بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا رسول الله r ...

* وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية: «أهل الحديث والسنة»، والذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله r...». انتهى المقصود اقتباسه من كلام الشيخ بكر.

قلت: وللعلم أن هناك اتهامات متبادلة عندما كثرت الأخطاء في مقالات كتاب: «الفرقة الربيعية»، «فربيع» يرمي هذا الأمر على عدد من أتباعه، وأتباعه يلقون المسؤولية على: «عبيد الجابري»، وكاهل الكتاب المتعالمين، والمتعالمون ينفون الاتهام، ويعيدونه على عدد من: «الربيعية» في الدول الذين يعدلون ويبدلون ويحذفون - لاسيما في أصوالهم الفاسدة - دون الرجوع إلى العلماء من أهل السنة والجماعة، ناهيك عن سوء نياتهم، ومخططاتهم، والأخطاء الشنيعة في المعلومات والمعاملات، وهي: كلها أخطاء من: «ربيع المدخلي الضال» الرأس العام على: «الفرقة الربيعية».

قال تعالى: ]وإن الظالمين لفي شقاق بعيد[ [الحج: 53].

وقال تعالى: ]وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد[ [البقرة:176].

وقال تعالى: ]وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا[ [المجادلة:2].

وقال تعالى: ]فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور[ [الحج:46].

قال الإمام ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج2 ص333): (وسنة الله في هؤلاء أن يسلبهم رياسة الدنيا والآخرة، ويصغرهم ([100]) في عيون الخلق مقابلة لهم بنقيض قصدهم؛ ]وما ربك بظلام للعبيد[ [فصلت:46]).اهـ

قلت: وقد خالف «ربيع المدخلي» السلف بآراء محدثة من محض كيسه، بالإضافة إلى ما تبعها من الأهواء المضلة، فأوهم أشياعه أن آراءه هذه المحدثة هي آراء السلف. اللهم غفرا.

قال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص157): (وهؤلاء لابد: أن يبتدعوا في الدين مع الفجور في العمل، فيجتمع لهم الأمران؛ فإن اتباع الهوى يعمى عين القلب؛ فلا يميز بين السنة والبدعة، أو ينكسه؛ فيرى البدعة سنة، والسنة بدعة).اهـ

قلت: فهذه آفة الضال إذا كثر ضلاله، واتبع هواه.

قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص184): (نكس القلب حتى يرى الباطل حقا، والحق باطلا، والمعروف منكرا، والمنكر معروفا، ويفسد ويرى أنه يصلح، ويصد عن سبيل الله وهو يرى أنه يدعو إليها، ويشتري الضلالة بالهدى، وهو يرى أنه على الهدى، ويتبع هواه وهو يزعم أنه مطيع لمولاه، وكل ذلك من عقوبات الذنوب الجارية على القلوب). اهـ

قلت: والحقيقة هذه أن مستوى هذه الجماعة العلمي متدن بوجه عام، وخاص، والله المستعان. ([101])

قال تعالى: ]أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين[ [البقرة: 16].

* وقد فتن: «المرجئة» بكثرة الجدال والتخاصم في الدين، وظنوا أن كثرة الكلام والجدال والخصام في مسائل الدين؛ هو علم، وهذا جهل محض. ([102])

أقول: فليس العلم بكثرة الكلام، ولا بكثرة المقالات، ولكنه نور يقذف في القلب، يفهم به العبد الحق، ويميز به بينه وبين الباطل، ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد.

* وقد كان النبي r: (أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصارا). ([103])

* ولهذا ورد النهي عن: (كثرة الكلام، والتوسع في القيل والقال). ([104])

قال تعالى: ]قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور[ [الرعد: 16].

وقال تعالى: ]وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الأحياء ولا الأموات[ [فاطر: 19 و20 و21 و22].

وقال تعالى: ]قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون[ [الزمر: 9].

وقال تعالى: ]قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم[ [المائدة: 15 و16].

وعن الإمام مالك بن أنس / قال: (العلم نور يجعله الله حيث يشاء). وفي رواية: (العلم نور يهدي الله به من يشاء). وفي رواية: (إنما العلم نور يجعله الله تعالى في القلب). ([105])

قلت: فمن أراد الله به خيرا أعطاه من ذلك النور.

والعلم الذي فرض الله تعالى أن يتبع، فإنما هو الكتاب والسنة، وما جاء عن الصحابة y، ومن بعدهم من الأئمة بإحسان.

ويكون تاويل قوله: «نور»؛ يريد به فهم العلم، ومعرفة معانيه. ([106])

فعن أبي همام، قال: سمعت شريكا سئل؛ عن قوله تعالى: ]يؤتي الحكمة من يشاء[ [البقرة: 269] قال: (الفهم). ([107])

وعن أبي العالية قال: في قوله تعالى: ]ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا[ [البقرة: 269] قال: (الكتاب والفهم فيه). ([108])

قلت: فحسن الفهم هو أصل كل خير.

قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص159): (وما أوتي أحد بعد الإيمان أفضل من الفهم عن الله تعالى، ورسوله r. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).اهـ

وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص19): (فإن من أدرك علم أحكام الله تعالى في كتابه نصا واستدلالا، ووفقه الله للقول والعمل بما علم منه: فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الريب، ونورت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة). اهـ

قلت: وعلى المسلم تجنب سوء الفهم الذي هو أصل كل ضلالة.

قال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ص63): (بل سوء الفهم عن الله تعالى، ورسوله r أصل كل بدعة، وضلالة نشأت في الإسلام؛ بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع، ولاسيما إن أضيف إليه سوء القصد، فيتفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حسن قصده، وسوء القصد من التابع، فيا محنة الإسلام وأهله).اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج1 ص87): (صحة الفهم، وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل، ولا أجل منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، ويمده حسن القصد، وتحري الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى، وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى).اهـ

قلت: فمن أراد الله به خيرا أعطاه من ذلك النور.

قلت: إن المرء حقا هو الذي يعبد ربه سبحانه وتعالى على بصيرة وعلم، قال تعالى: ]قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين[ [يوسف: 108].

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «العلم» (ص19): (العلم نور يستضيء به العبد؛ فيعرف كيف يعبد ربه سبحانه، وكيف يعامل عباده، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة). اهـ

قلت: ومن هنا نعلم الفرق بين مسلك علمائنا الربانيين، وقصدهم واعتدالهم في الدعوة إلى الله، وبين مسلك: «ربيع المرجيء»، وأتباعه المرجئة في الدعوة إلى الله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص287): (بل كل من تأمل ما تقوله الخوارج، و«المرجئة» في معنى الإيمان، علم بالاضطرار أنه مخالف للرسول r). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص555): (والسلف اشتد نكيرهم على: «المرجئة» لما أخرجوا العمل من الإيمان، ولا ريب أن قولهم بتساوي إيمان الناس من أفحش الخطأ، بل لا يتساوى الناس في التصديق، ولا في الحب، ولا في الخشية، ولا في العلم، بل يتفاضلون من وجوه كثيرة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص239): (وهؤلاء المتأخرون - مع ضلالهم وجهلهم - يدعون أنهم أعلم وأعرف من سلف الأمة ومتقدميها). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص225): (فما وافق الكتاب والسنة، فهو حق، وما خالف ذلك فهو باطل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج2 ص178): (الطرائق المبتدعة؛ كلها يجتمع فيها الحق والباطل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص414): (البدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء: ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة؛ كبدعة الخوارج، والروافض، والقدرية، و«المرجئة».). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الحسبة في الإسلام» (ص26): (فأما الغش في الديانات؛ فمثل البدع المخالفة للكتاب والسنة، وإجماع السلف الأمة من الأقوال والأفعال). اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «الموقظة» (ص60) عن المبتدعة الزنادقة: (فمنهم: من يفتضح في حياته، ومنهم: من يفتضح بعد وفاته، فنسأل الله الستر والعفو).اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «الأجوبة المفيدة» (ص60): (كل من خالف جماعة أهل السنة فهو ضال، ما عندنا إلا جماعة واحدة هم: أهل السنة والجماعة، وما خالف هذه الجماعة، فهو: مخالف لمنهج الرسول r.

* ونقول أيضا: كل من خالف أهل السنة والجماعة، فهو: من أهل الأهواء، والمخالفات تختلف في الحكم بالتضليل، أو بالتكفير حسب كبرها وصغرها، وبعدها وقربها من الحق) ([109]). اهـ

قلت: فينبغي لطالب العلم الحريص على سلامة عقيدته، ومنهجه: أن يحذر مقالات: «المرجئة»([110])، وأن يتمرس بكتب السنة، وكتب اعتقاد السلف الصالح، ويدمن الاطلاع عليها، ويطبق ما يتعلمه منها بقصد، واعتدال، وتوسط في الأمور؛ لا تفريط ولا إفراط، وليحذر الجفاء والشطط، وليلازم كتب العلماء الراسخين في السنة، ويقتبس من طريقة معالجتهم للظروف الراهنة المحيطة بنا، وليتجنب من يعرض عن منهج السلف، وكتبهم من: «المرجئة»، وغيرهم، أو يقدح في العلماء الراسخين، أو يتجاهلهم ويغفلهم.

* ومما لا شك فيه أن الكتب من أهم الوسائل التي يحصل بواسطتها العلم، وتزيد من خلالها المعرفة، وقد انتشرت كتب: «ربيع المدخلي» في عصرنا انتشارا في أوساط الشباب السطحي، وصحبت في طياتها الجهل والآفات الضارة من: «الإرجاء»، و«التنازل عن أصول الدين»، و«القدح في الصحابة الكرام»، و«التشكيك في بعض الصفات»، و«غمز علماء السنة»، و«تشجيع المتعالمين في الإفتاء في الدين»، وغير ذلك من الأفكار السيئة الهدامة، التي تأتي على الأخضر، واليابس فتهلكه.

قال الحافظ ابن الجوزي / في «تلبيس إبليس» (ص278): (قلة العلم أوجبت هذا التخليط). اهـ

قلت: وهذا الأمر يعتبر استعجالا من القوم في غير محله: وهو طلب وقوع الأمر قبل وقته، وهو صفة مذمومة في الشرع. ([111])

والذي يحرك هؤلاء المتعالمين هو: «ربيع المدخلي المرجيء»، لينصروه على باطله، ولا يدري أنه يأثم بفعله هذا المشين، لأنه يشجع هؤلاء على الكتابة قبل نضجهم في العلم، وهذا يدل على أن: «ربيعا» لا يحس قلبه بحقيقة الأضرار التي تلحق هؤلاء أنفسهم، والأضرار التي تلحق غيرهم، فبذلك يحمل: «ربيع المدخلي» إثم هؤلاء، وإثم هؤلاء يوم القيامة: ]ألا ساء ما يزرون[ [النحل: 25].

قلت: وهؤلاء يحملون أوزارهم، وأوزار الذين يضلونهم بغير علم.

قال تعالى: ]ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون[ [النحل: 25].

قال الإمام مجاهد / في «تفسيره» (ص421) عن الآية: (حملهم ذنوبهم أنفسهم، وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا).اهـ

وعن أبي هريرة t، أن رسول الله r قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا).([112])

وقد بوب الإمام البخاري في «صحيحه»: باب إثم من دعا إلى ضلالة أو سن سنة سيئة؛ لقول الله تعالى: ]ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم[ [النحل: 25].

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج13 ص302): (ووجه التحذير أن الذي يحدث البدعة قد يتهاون بها لخفة أمرها في أول الأمر، ولا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة، وهو أن يلحقه إثم من عمل بها من بعده، ولو لم يكن هو عمل بها بل لكونه كان الأصل في أحداثها). اهـ

قلت: فمن أحدث في الدين ما ليس منه، وشرع فيه ما لم يأذن به الله، وقلده الناس في ذلك، فإنه يضاعف عليه الإثم، والوزر جزاء وفاقا، لأن ضرره لم يقتصر على نفسه فحسب، بل تعداه إلى غيره ممن تبعه على ضلالته، وقلده في بدعته، فحمل وزره، ومثل أوزار أتباعه من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، الأمر الذي يستحق به مضاعفة العقوبة، فهو ضال مضل، ضال في نفسه بما أحدثه من بدع جعلها شرعا، ودينا زائدا على شرع الله، ومضل لغيره من ضعاف الإيمان، وقد جاء في ذلك وعيد شديد ينذر بسوء العاقبة.

وعن عبد الله بن مسعود t، قال: قال رسول الله r: (لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل). ([113])

قلت: وهذا نص يدل بمنطوقه على عظم وزر كل من سن ما لا يرضاه الله تعالى، أو أدخل في دين الله تعالى ما ليس منه بأي وجه من الوجوه، ولذلك فإن ابن آدم الأول يحمل وزر كل جريمة قتل تقع بين بني آدم؛ لأنه هو أول من سن جريمة القتل، والله المستعان.

وعن جرير بن عبدالله t قال: قال رسول الله r: (ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده). ([114])

قلت: وهذه النصوص تدل بمنطوقها على عظم وزر كل من سن ما لا يرضاه الله تعالى، أو أدخل في دين الله ما ليس منه بأي وجه من الوجوه ... وكل مبتدع، أو جاهل، أو مميع، أو حزبي قد سن ملا يرضاه الله تعالى، ورسوله r، واتبعه الناس في ذلك، فإنه يتحمل وزر ذلك كله في يوم يتبرأ المتبوع من التابع، ويدعو عليه بالويل والثبور.

قال تعالى: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم[ [البقرة: 166 - 167].

وقال تعالى: ]وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين[ [فصلت: 25].

وقال تعالى: ]وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار * قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد[ [غافر: 47 و48].

قال الحافظ ابن حبان / في «روضة العقلاء» (ص109): (العاقل يجتنب مماشاة المريب في نفسه، ويفارق صحبة المتهم في دينه؛ لأن من صحب قوما عرف بهم، ومن عاشر امرأ نسب إليه، والرجل لا يصاحب إلا مثله، أو شكله؛ فإذا لم يجد المرء بدا من صحبة الناس، تحرى صحبة من زانه إذا صحبه، ولم يشنه إذا عرف به، وإن رأى منه حسنة عدها، وإن رأى منه سيئة سترها، وإن سكت عنه ابتدأه، وإن سأله أعطاه). اهـ

وعن معاوية بن أبي سفيان قال: (بلغني أن رجالا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله r، فأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها). ([115])

قال الإمام ابن رجب / في «بيان فضل علم السلف على علم الخلف» (ص53): (ومن علامات ذلك - يعني: الجهل - عدم قبول الحق والانقياد إليه، والتكبر على من يقول الحق خصوصا إن كان دونهم في أعين الناس، والإصرار على الباطل خشية تفرق قلوب الناس عنهم). اهـ

قلت: فمن أراد فهم كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وجب عليه تصحيح دعوته ... ولا يتأتى تصحيحها إلا بعرضها على أفواه الشيوخ الضابطين الربانيين، ومتى استنكف عن ذلك استكبارا، واعتدادا بالنفس فقد وقع في الخطأ لا محالة، ومن هنا لحقه الإثم.

قلت: فإن لرسم الدعوة إلى الله تعالى ضوابطها، وقواعدها، وعلمها، ولا يتأتى ذلك إلا عن طريق علم الشيوخ الربانيين، فافهم لهذا ترشد.

* وقد قيل في حال من يأخذ العلم عن طريق الشيوخ، ومن لم يأخذ عنهم:

مـــن يـــأخذ العلــــم عــن شيخ مشافهــــة

 

 

يكــــن عن الزيغ والتصحيـــــف في حـــرم

ومــن يكــــن آخذا للعلــــم مــن صــحف

 

 

فعلمــــه عند أهـــــل العــــلم كالعــــــدم([116])

قلت: وإن تعجب فعجب قول دعاة الجهل: إن الدعوة إلى الله تعالى لا تحتاج إلى علم كبير، والنبي r يقول: (بلغوا عني ولو آية). ([117])

وهذا القول لا يصدر إلا ممن خانه فهمه، ولم يكن من أهل العلم آخذا علمه؛ فإن أصاب فعلى غير هدى، وإن أخطأ فهو به أجدى.

قال تعالى: ]أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم[ [الملك:22].

قلت: وهؤلاء يأثمون وإن أصابوا؛ لأن دعوتهم هذه على غير الحق.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «القواعد النورانية» (ص206): (كما لو حكم الحاكم بغير اجتهاد - يعني: من تقليد- فإنه آثم، وإن كان قد صادف الحق).اهـ

وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى» (ج1 ص69): (والمجتهد المخطئ أفضل عند الله تعالى من المقلد المصيب). اهـ

قال تعالى: ]خلق الإنسان من عجل[ [الأنبياء:37]؛ أي: طبع الإنسان العجلة، فيستعجل كثيرا من الأشياء، وإن كانت مضرة له ولغيره.

قلت: ولكن النفس السنية تطمئن إلى ربها سبحانه وتعالى، لأنها تعلم أن الله تعالى بالغ أمره، وقد جعل لكل شيء قدرا.

قلت: إذا استعجال «أتباع ربيع»([118]) البروز في العلم قبل النضوج، والرسوخ في مقام العلم، والكتابة فيه، وهو طريق المفلسين في العلم على مر العصور، فترى هؤلاء يقتحمون المسائل العلمية الأصولية والفروعية بتعالم بالغ ليظهروا علمهم المخلط بجهل بالغ لنشر بزعمهم تراث السلف، وتحقيق المسائل العلمية، فحلوا في رحاب العلم معولا يهدمه، ويخرق سياجه.

مـــــــن تحـــــــــلى بغير مــــــا هو فيــــــــه

 

 

فضحتـــــــــــــــه شواهـــــــد الامتحـــــــان

وجرى في العلــــــــوم جــــــري سكيـــت

 

 

خلفتـــــــــــه الجيـــــاد يوم الرهــــــــــــــان

قلت: و«ربيع([119]) وأتباعه» لما استعجلوا في الدعوة إلى الله بدون: «التصفية والتربية» فيها، حرموا العلم العلم النافع، والتوفيق، وعدم معرفة الحق، والتمييز فيه، والدعوة إليه، فهم: في الدين خبط، وخلط بين الحق والباطل.

* وقد عوضوا: العلم غير نافع، والخوض في الباطل، والدعوة الحزبية، والتنظيم السري، ووقعوا في الاختلاف والنزاع فيما بينهم، فضلوا ضلالا بعيدا في طيلة حياتهم إلى أن يموتوا.

والقاعدة الفقهية تقول: «من استعجل الشيء قبل أوانه، عوقب بحرمانه».

قلت: فهذه القاعدة تنطبق عليهم تماما، وقد عاقبهم الله تعالى بالحرمان من كل شيء، فبطلت دعوتهم، وهذا ظاهر، ولله الحمد.

فمعنى هذه القاعدة: أن من يؤصل له وسائل غير مشروعة في العلم، وفي الدعوة إلى الله، تعجلا: ليصل إلى مقصوده المزعوم، والمستحق له سعيه في الدين. ([120])

فيعامل، ويقابل، بضد مقصوده، وبنقيض أصله، وإبطاله، بسبب فساد وسائله في العلم والدين. ([121])

جزاء فعله المشين، واستعجاله لقطف الثمار، فقد نقض، وهدم دعوته بنفسه، ولا بد.

قلت: فالفاعل هنا يعامل، ويعارض بنقيض مقصوده، لأن مقصد الفاعل من فعله كان تحايلا على الشرع من جانب، أو استعجالا، لأمر مستحق، أو مباح من جانب آخر، بفعل أمر محرم.

ولذلك أهمل قصد الفاعل، وعومل بنقيض ما قصد عقوبة له، وزجرا لغيره، إلى جانب العقوبة المستحقة على الفعل نفسه في الدنيا، والقبر، ويوم القيامة. ([122])

قال الفقيه تاج الدين السبكي / في «الأشباه والنظائر» (ج1 ص168): (طلب الشارع: أن ينهى عنه، فيعمد المكلف إلى ارتكابه، لينال ما يترتب عليه...، وهنا يقال: عومل بخلاف مقصوده).اهـ

* إذا فالجاهل يرغب في الدعوة إلى الله أحيانا في الاستعجال، للحصول على أمر ما، فيسارع إليه قبل حصوله على العلم المطلوب شرعا، فيقع في الاستعجال المهلك، والتعجل المشين.

قلت: فمن استعجل في التصدر للعلم قبل أن يتعلم، ويتفقه في دين الله تعالى، ليري الناس أنه شيخ، أو طالب علم.

فإن الله تعالى يعاقبه بنقيض قصده، ويحرمه من بركة العلم، وعدم التوفيق فيه، ويفضحه، ويبين جهله أمام الناس، حتى يعرفوه، وتسقط مكانته، ولا بد. ([123])

* فهذا المتعالم يحاول أن يسابق الزمن([124])، ليحصل على مراده قبل أوانه، ومصيره في هذه الحالة: أن يعاقب بالحرمان منه، في طيلة حياته، ويؤخذ بالنكال، والجزاء، بسبب طلبه العجلة، والإسراع إلى تحصيل الشيء، والنيل منه قبل وقته.

قلت: وهذا مثل: من تكلم في العلم، قبل تعليمه للعلم، ومن تحلى بالدعوة إلى الله بغير بصيرة فيها، ورام الزعامة فيها قبل أوانها، وطلب تحقيق الكتب، وتدريسها بغير ميزانها.

وأخذ كل واحد منهم يخرص خرصا، ويظن ظنا، ويسلك بظنه طريقا غير نهج الكتاب والسنة والآثار: ]ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور[ [النور: 40]؛ فهذا ميزانهم. ([125])

قال تعالى: ]أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين[ [هود: 85].

وقال تعالى: ]إن هم إلا يخرصون[ [الزخرف: 20].

وقال تعالى: ]لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان[ [الحديد: 25].

وقال تعالى: ]إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا[ [النجم: 28].

قلت: فالشارع إذا ربط حكما في الدين، فعمد المكلف إلى استعجاله بأصول فاسدة، لينال ذلك الحكم، فهو يفوت عليه ولا بد، ولا يناله، لوجود الأمر الذي علق الشارع الحكم عليه، فلا بد من تطبيقه، والوصول إليه، لأنه أصل وضعه الشارع، لإصابة الحق([126])، فلا يمكن الوصول إليه، إلا بأصول الكتاب والسنة والآثار، فافهم لهذا ترشد.([127])

قال الفقيه تاج الدين السبكي / في «الأشباه والنظائر» (ج1 ص168): (إن كان الذي ربط الشارع به الحكم أمرا يتطلب إيقاعه، فإذا فعل نال الحكم المرتب عليه، كالثواب الذي ربطه الشارع بالصلاة وغيرها من الأعمال حثا على تلك، وهذا لا ينحصر... وإن لم يكن أمرا، وطلب الشارع إيقاعه، فإما أن ينهى عنه، فيعمد المكلف إلى ارتكابه لينال ما يترتب عليه... هنا يقال: عومل بخلاف مقصوده).اهـ

وقال الإمام ابن رجب الحنبلي / في «القواعد» (ص230): (من تعجل حقه، أو ما أبيح له، قبل وقته على وجه محرم، عوقب بحرمانه).اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات في أصول الشريعة» (ج4 ص331): (كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له، فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها، فعمله في المناقضة باطل). اهـ

قلت: فالشارع يعامل العبد بنقيض قصده الفاسد، ويسد عليه جميع الوسائل، والطرق التي يتوصل بها إلى الباطل، ولا بد.

* إذا من استعجل الشيء قبل أوانه، ولم تكن المصلحة في ثبوته عوقب بحرمانه. ([128])

استعجل الشيء: طلب سرعة حصوله، يعني: من تعجل حصول الأشياء قبل أوانها؛ أي: قبل حصول أسبابها؛ فإنه يعاقب على تصرفه هذا بالحرمان مما يترتب على الأسباب من استحقاق وفوائد، ومصالح، وفي هذا سد للذرائع، وعمل بالسياسة الشرعية في الدعوة إلى الله، وفي طلب العلم، وفي غير ذلك.

* وكذلك: «من استعجل ما أخره الشرع يجازى برده». ([129])

وبمعنى القاعدة: «من الأصول: المعاملة بنقيض المقصود الفاسد»، و«المعارضة بنقيض المقصود». ([130])

قال تعالى: ]ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله[ [فاطر: 43].

وقال تعالى: ]إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا[ [النجم: 28].

وقال تعالى: ]ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور[ [النور: 40].

وقال تعالى: ]قتل الخراصون[ [الذاريات: 10].

وقال تعالى: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم[ [الصف: 5].

وقال تعالى: ]ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون[ [النمل: 50].

وقال تعالى: ]ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين[ [آل عمران: 54].

وقال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس: 32].

قال اللغوي الراغب الأصفهاني / في «الذريعة إلى مكارم الشريعة» (ص166): (ومعلوم أن ميزان الدين الذي صوابه يوصل إلى الثواب العظيم، وخطؤه يفضي إلى العذاب الأليم).اهـ

قلت: وفي هذا من تحقيق مصالح العباد في دينهم ودنياهم، ونشر الخير فيهم، وسد وسائل الشر([131])، والفساد، والاعتداء على الناس بالأضرار في أنفسهم ملا يخفى.

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص228): (وقد استقرت سنة الله تعالى في خلقه شرعا، وقدرا على معاقبة العبد بنقيض قصده). اهـ

قلت: فاحذر يا عبدالله أن تكون أبا شبر، لأنه من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه، ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. ([132])

* وليتذكر هؤلاء قول الله تعالى: ]لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم[ [آل عمران:188].

وقوله تعالى: ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا (103) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف:103 - 104].

وقوله تعالى: ]من أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [الأنعام:144].

قلت: ولذلك غفل القوم عن حقيقة هذه الجهالة، وأنها عواطف جياشة، وحماس ملتهب، ينقصه الفهم الصحيح المطلوب الذي يصل إلى درجة العلم الصحيح، والدعوة الصحيحة ([133])]قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين[ [يوسف:108].

قلت: فكل الذي فعله: «ربيع المدخلي»، و«عبيد الجابري»، ومن تابعهما، على مر الزمان، هو من الجدال الباطل، والعداوة المشينة.

وقد انقضت أعمارهم، وضاعت أوقاتهم في القيل والقال، وبكثرة الجدالات، والجهالات، والخصومات، والعداوات في البلدان، بدون أي فائدة تذكر لهم، وثمرة في هذه الحياة، بل كل ذلك رجع عليهم من الأضرار والخلافات والانشقاقات في جماعتهم، وهذا ظاهر فيهم.

قال تعالى: ]ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون[ [الزخرف:58].

قلت: وإياك والمراء في الدين، فإن نفعه قليل، وهو يهيج العداوة والبغضاء بين الإخوان.

فعن عائشة ڤ، أن رسول الله r قال: «إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم».([134]) وفي رواية: (إن الله يبغض الألد الخصم).

وقوله r: «الألد» الخصم، أي: شديد اللدد، وهو شديد الجدال والتخاصم في الدين. ([135])

قلت: والذم إنما هو لمن خاصم بباطل، وبغير علم، ويدل في الذم من يطلب حقا؛ لكن لا يقتصر على قدر الحاجة، بل يظهر اللدد، والكذب في القول، لإيذاء خصمه، وكذلك من يحمله على الخصومة محض العناد لقهر خصمه، وكسره. ([136])

قال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج16 ص219): (الألد: شديد الخصومة؛ مأخوذ من لديدي الوادي، وهما جانباه؛ لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر، وأما الخصم، فهو الحاذق بالخصومة، والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حق، أو إثبات باطل) ([137]). اهـ

وعن الإمام الحسن البصري / قال: (في قوله تعالى: ]وهو ألد الخصام[، قال: كاذب القول).

أثر حسن.

أخرجه المروزي في «حديث ابن معين» (ص201)، والبغوي في «تفسير القرآن» (ج1 ص236)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص365) من طريقين عن عاصم عن الحسن البصري به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن ابن عباس قال: (في قوله تعالى: ]وهو ألد الخصام[، قال: شديد الخصومة).

أثر حسن لغيره.

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص365) من طريق بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس به.

قلت: وهذا سنده حسن في الشواهد.

وأخرجه الطستي في «مسائله» (ج2 ص478 - الدر المنثور) من طريق نافع بن الأزرق عن ابن عباس ؛ بلفظ: (الجدل المخاصم في الباطل).

وذكره السيوطي في «الإتقان» (ج2 ص97).

وعن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]وهو ألد الخصام[، قال: (جدل بالباطل).

أثر صحيح.

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص365)، والحامض في «حديثه» (ص220)، والهروي في «ذم الكلام» (ص50)، والطبري في «تفسير القرآن» (ج2 ص315)، وعبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص81) من طريقين عن قتادة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام السدي / قال: في قوله تعالى: ]وهو ألد الخصام[، قال: (فأعوج الخصام).

أثر صحيح.

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص365)، والطبري في «تفسير القرآن» (ج2 ص315) من طريق عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فالاعوجاج في الخصومة من الجدال واللدد. ([138])

وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق / قال: (إياكم والخصومة في الدين، فإنها تشغل القلب، وتورث النفاق).

أثر صحيح.

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص531)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص526)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص128)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج5 ص92)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص198) من طريق منصور بن أبي مزاحم حدثني عنبسة بن سعيد القاضي قال: سمعت جعفر بن محمد الصادق به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن عبد الله بن مسعود t قال: (إن من أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل).

أثر صحيح.

أخرجه أحمد في «الزهد» (ص233)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص108)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص80)، وابن وهب في «الجامع في الحديث» (ج1 ص445) من طرق عن الأعمش، عن صالح بن خباب، عن حصين بن عقبة، عن عبد الله بن مسعود به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال العراقي في «المغني» (ج3 ص112): «سنده صحيح».

وقال الهيثمي في «الزوائد» (ج10 ص303): «رجاله ثقات».

قلت: فالخصومة في الدين تولد الكراهية، والعداوة، والبغضاء بين المسلمين.

قال تعالى: ]إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء[ [المائدة:91].

قلت: إذا فالخصومة تهيج الغضب حتى ينسى المخاصم والمتنازع أوامر الله تعالى، وأوامر رسوله r عليه، فيعاند، ويستكبر على الله تعالى، ورسوله إذا ذكر له الدليل بسبب بغضه للحق وأهله، والله المستعان.

فعن الإمام مالك بن أنس / قال: (المراء في العلم يقسي القلب، ويورث الضغن).

أثر حسن.

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص530) من طريق أبي الأحوص قال: حدثنا سليمان بن داود قال: حدثنا ابن وهب قال: سمعت مالك بن أنس به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن عمرو بن قيس قال: قلت، للحكم بن عتيبة: (ما اضطر الناس إلى الأهواء؟ قال: الخصومات).

أثر صحيح.

أخرجه الآجري في «الشريعة» (ج1 ص192)، واللالكائي في «الاعتقاد» (218)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (97)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (536)، والأصبهاني في «الحجة» (ص214) من طرق عن سفيان، عن عمرو بن قيس به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص531): (فاعلم يا أخي أني لم أر الجدال والمناقضة، والخلاف، والمماحلة، والأهواء المختلفة، والآراء المخترعة من شرائع النبلاء، ولا من أخلاق العقلاء، ولا من مذاهب أهل المروءة، ولا مما حكي لنا عن صالحي هذه الأمة، ولا من سير السلف، ولا من شيمة المرضيين من الخلف، وإنما هو لهو يتعلم، ودراية يتفكه بها، ولذة يستراح إليها، ومهارشة العقول، وتذريب اللسان بمحق الأديان، وضراوة على التغالب، واستمتاع بظهور حجة المخاصم، وقصد إلى قهر المناظر، والمغالطة في القياس، وبهت في المقاولة، وتكذيب الآثار، وتسفيه الأحلام الأبرار، ومكابرة لنص التنزيل، وتهاون بما قاله الرسول r، ونقض لعقدة الإجماع، وتشتيت الألفة، وتفريق لأهل الملة، وشكوك تدخل على الأمة، وضراوة السلاطة، وتوغير للقلوب، وتوليد للشحناء في النفوس عصمنا الله وإياكم من ذلك، وأعاذنا من مجالسة أهله). اهـ

وعن عائشة ڤ قالت: (كان أبغض الرجال إلى رسول الله الألد الخصم).

أثر صحيح.

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص484)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص135) من طريق معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه عبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص81)، وفي «الأمالي في آثار الصحابة» (ص25) من طريق معمر، قال: أخبرني ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة به موقوفا.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام عبد الله بن شبرمة الكوفي / قال: (من بالغ في الخصومة أثم).

أثر حسن.

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص513) من طريق السري بن يحيى، نا عثمان بن زفر، نا ابن السماك، عن عبدالله بن شبرمة به.

قلت: وهذا سنده حسن.

قلت: فالجدال المذموم وجهان:

أحدهما: الجدال بغير علم.

قال تعالى: ]لذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا[ [غافر:35].

والثاني: الجدال بالشغب، والتمويه، نصرة للباطل بعد ظهور الحق وبيانه.

قال تعالى: ]وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق[ [غافر:5].

قلت: فبين الله تعالى في هاتين الآيتين الجدال المذموم، وأعلمنا أنه الجدال بغير حجة، والجدال في الباطل. ([139])

قال الإمام الأوزاعي /: (إذا أراد الله بقوم شرا ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل). ([140])

أثر صحيح.

أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (296)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص123)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» تعليقا (ص412) والخطيب في «اقتضاء العلم والعمل» (122)، والذهبي في «السير» (ج7 ص121) من طرق عن الأوزاعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام معروف الكرخي / قال: (إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له باب العمل، وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد الله بعبد شرا فتح له باب الجدل، وأغلق عنه باب العمل).

أثر حسن.

أخرجه الخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (123)، وابن حمكان في «الفوائد والأخبار» (ص162)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج8 ص361)، وابن الجوزي في «مناقب معروف الكرخي» (ص122)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ج2 ص210)، وابن البناء في «الرد على المبتدعة» (ص43) من طرق عن معروف الكرخي به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن الإمام مسلم بن يسار / قال: (إياكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته). يعني: الجدل.

أثر صحيح.

أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص109)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج7 ص187)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص273)، وعبدالله بن أحمد في «زوائده على الزهد» (ص251)، والآجري في «الشريعة» (ص56)، وفي «أخلاق العلماء» تعليقا (ص77)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص33)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص294)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (547)، وفي «الإبانة الصغرى» تعليقا (124)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص308) من طريق حماد بن زيد حدثنا محمد بن واسع عن مسلم بن يسار به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فما ثار قوم بفتنة إلا أوتوا الجدل، والمراء في الدين، اللهم غفرا.

قال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص434): (لما سمع هذا أهل العلم من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين لم يماروا في الدين، ولم يجادلوا، وحذروا المسلمين المراء والجدال، وأمروهم بالأخذ بالسنن، وبما كان عليه الصحابة y، وهذا طريق أهل الحق ممن وفقه الله تعالى). اهـ

وعن الإمام إبراهيم النخعي / قال، في قوله تعالى: ]وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة[ [المائدة:64]، (هم أصحاب الأهواء)، وفي رواية: (الجدال والخصومات في الدين).

أثر صحيح.

أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (820)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» تعليقا (ج2 ص845)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1772)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج4 ص222)، وسعيد بن منصور في «السنن» (722)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج6 ص102)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (558)، وفي «الإبانة الصغرى» (ص141)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص267) من طريقين عن العوام بن حوشب عن إبراهيم النخعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام أبي العالية / قال: (إياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء).

أثر صحيح.

أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص367)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص17)، وابن وضاح في «البدع» (ص75)، والمروزي في «السنة» (ص8)، والآجري في «الشريعة» (ص13)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (136)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص56)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص218)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج18 ص171)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص18) من طريقين عن عاصم الأحول، قال: قال أبو العالية فذكره.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام عمران القصير / قال: (إياكم والمنازعة والخصومة، وإياكم وهؤلاء الذين يقولون: أرأيت أرأيت).

أثر صحيح.

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (637)، والآجري في «الشريعة» (119)، من طريق محمد بن المثنى قال: حدثنا حماد بن مسعدة عن عمران القصير به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام عبد الكريم الجزري / قال: «ما خاصم ورع قط في الدين».

أثر حسن.

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (634)، والآجري في «الشريعة» (123)، من طريقين عن مروان بن شجاع، يقول: سمعت عبد الكريم الجزري به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن الإمام معاوية بن قرة / قال: (الخصومات في الدين تحبط الأعمال).

أثر صحيح.

أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (221)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (541)، والآجري في «الشريعة» (115)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (98)، وابن المقرئ في «المعجم» (ص367) من طريقين عن العوام بن حوشب عن معاوية بن قرة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال اللغوي الراغب الأصفهاني / في «الذريعة إلى مكارم الشريعة» (ص171): (واعلم أن سبيل إنكار الحجة، والسعي في إفسادها، أسهل من سبيل المعارضة بمثلها والمقابلة لها.

ولهذا يتحرى: المجادل الخصم أبدا بالدفاع، لا المعارضة بمثلها، وذلك إن الإفساد هدم، والإتيان بالمثل بناء وهو صعب).اهـ

قلت: ولأجل ذلك دعا الله تعالى الكفرة، والمبتدعة في الحجج إلى الإتيان بمثلها، لا إلى السعي في إفسادها.

فقال تعالى: ]قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات[ [هود: 13].

فرضي تعالى أن يأتوا بما فيه مشابهة له، وإن كان ذلك مفترى، فلا يستطيعون على ذلك. ([141])

فعن الإمام مجاهد بن جبر / قال: في قوله تعالى: ]قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات[ [هود: 13]؛ قال: (مثل القرآن).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج6 ص2009)، والطبري في «جامع البيان» (ج1 ص374) من طريق عيسى، وشبل، وورقاء عن ابن أبي نجيح، وابن جريج؛ كلاهما: عن مجاهد بن جبر به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص59)، والشوكاني في «فتح القدير» (ج1 ص53).

قلت: والافتراء: هو افتعال الكذب، واختلاقه. ([142])

وقال تعالى: ]فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب[ [البقرة: 258].

قال المفسر ابن عطية / في «المحرر الوجيز» (ج4 ص548): (ووقع التحدي في هذه الآية بعشر، لأنه قيدها بالافتراء، فوسع عليهم في القدر، لتقوم الحجة غاية القيام.

إذ عجزهم في غير هذه الآية، بسورة من مثله دون تقييد).اهـ

قلت: وهذه الفرق بادت إما معنويا، أو حسيا؛ فهل تحس منهم من أحد، أو تسمع لهم ركزا؟!.

* ونظرا لتفاوت الناس في الإدراك والمعرفة والتمييز؛ فهناك فئة من المجتمع لا تستطيع أن تميز بين الغث والسمين، والصحيح والسقيم، والسنة والبدعة، والحق والباطل، ونتيجة لاختلاط الحابل بالنابل رأينا نصحا للأمة الإسلامية، وتعاونا على البر والتقوى أن يخرج هذا الكتاب في الرد على أباطيل: «ربيع المدخلي» في شرحه لحديث: «صلح الحديبية»، وفيه أيضا محصلة فتاوى أهل العلم، الذين عاشوا مواجهة: «المرجئة الخامسة» في هذا العصر، وهؤلاء العلماء كانوا بمثابة الصيرفي الحاذق الذي يستطيع وبكل يسر وسهولة، أن يميز الزيف من الحقيقي، فكانت فتاويهم، نور يستضاء به في الظلمات.

قلت: وهذه الفتاوى للمشايخ([143]) حول ما أثاره: «ربيع المدخلي»، و«عبيد الجابري»،  وجماعتهما من أصول فاسدة في المنهج والعقيدة.

فجاءت هذه الفتاوى والبيانات([144]) التي صدرت من أهل العلم في التحذير من: «ظاهرة الإرجاء»، وبعض «الأصول الفاسدة»: «لربيع وجماعته» تحذيرا للمسلمين من الاغترار بها، والوقوع في شراك المخالفين لما عليه أهل السنة والجماعة.([145])

قلت: فكانت هذه الفتاوى السلفية شفاء للعليل، ووقاية للصحيح، وإرشاد للسائر ولله الحمد والمنة.

* وهي أيضا عبارة عن أجوبة لثلة من أهل العلم والهدى والإيمان عن سؤالات رفعت إليهم من طلبة العلم السلفيين تتعلق: «بالمدخلي» هذا وكتبه، ومقالاته المخالفة لمنهج واعتقاد السلف الصالح، وجاء السائلون إليهم بمخالفات: «ربيع المدخلي» من كتبه، ومقالاته، وأشرطته، فنقلوها كما هي بكل صدق، وإخلاص لم يزيدوا عليها، ولم ينقصوا، فلم يظلمه طلبة العلم فتيلا.([146])

* هذا ومما توافقت عليه العقول؛ ألا يقبل قول شخص، أو جماعة في أحكام الدين، إلا إذا كانوا من ذوي الاختصاص والعمل به.

قلت: وإن من عجائب وغرائب: «الجماعة الربيعية» أن ترى منهم اليوم مع عنايتهم بزعمهم بالفقه السلفي يقبلون أمر دينهم من: «ربيع المدخلي»، وممن هب ودب من الكتاب في: «الجماعة الربيعية»، دون تحر وتثبت لما يشكل عليهم في أمر دينهم، أو يعرض لهم من النوازل في حياتهم، مع إنهم يقرؤون، قول الله تعالى ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43]، وربما حزبهم الأمر، أو نزل بهم الخطب الجلل، ثم نراهم يتلفتون يمنة ويسرة يذيعون ويتلقون بألسنتهم ما يضرهم ولا ينفعهم، ويحسبونه هينا، وهو عند الله تعالى عظيم، ويقبلون الأحكام الباطلة من: «ربيع والكتاب»: ]ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا[ [النساء:83].

كالعيــــس في البيـــــداء يقتلها الظمـــــــــا

 

 

والمــــــــــاء فوق ظهورهــــا محمـــــول!

قلت: وما أكثر هذا الصنف في: «الفرقة الربيعية»، وما رأينا وسمعنا منهم: يتبادرون الفتيا قبل أربابها، ويعترضون على الأحكام السلفية، وليسوا من أصحابها، ويقومون أقوال أهل العلم، وما هم في القافلة إلا أذنابها([147])، فالله المستعان.

قال تعالى: ]إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أساتم فلها[ [الإسراء:7].

* وللعلم فكثير من الأمور التي يتساهل فيها العباد ويظنون أنها أمور يسيرة قد توردهم المهالك وهم غافلون.

قلت: ولذلك كثرت الخلافيات في هذه الأيام من: «ربيع وجماعته» في بعضهم مع بعض في البلدان لما أظهروه من باطل، وكثر فيهم القيل والقال حول مسائل كثيرة مهمة في أصول الدين، ينبغي للمسلم الحق معرفة الحق فيها.

* ولما رأيت تهاون هذه: «الجماعة المرجئية» في مسائل الدين، وعدم قيامهم بالبحث الصحيح عن الحكم في هذه المسائل التي أثارها: «المدخلي»، و«الجابري»، رأيت أن أهدي كل طالب علم هذا المجموع الثمين، في الرد على أصول: «ربيع المدخلي»، و«عبيد الجابري»  الفاسدة، ويضم أيضا فتاوى أصولية متنوعة لنخبة من المشايخ، وهم: الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، والشيخ صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ صالح بن محمد اللحيدان، والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغديان، والشيخ محمد ابن عبدالله السبيل، وتعمدت تكرار الفتاوى الأصولية في إبطال: «التنازل عن الرسالة»، و«التنازل عن الأصول»، لتأكيد الحكم، وبيان اتفاق العلماء عليه، والله المستعان.

قلت: والذي أراه، بعد استعراض هذه الفتاوى العلمية المهمة فيها، أنه ينبغي للمسلم الصادق المخلص العمل بمقتضاها، ويجب عليه أن يعرف أن الحق لا يعرف بالرجال، ولكن الرجال يعرفون بالحق.

ولا ينبغي للمسلم الحق أن يتلقط الشبهات ليرد بها الحق، فإن هذا العمل خطير أثره على المسلم في الدنيا والآخرة.

قال تعالى: ]وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون[ [يونس:36].

وعن النعمان بن بشير t قال: قال رسول الله r: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه). ([148])

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص t قال: قال رسول الله r: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا). ([149])

قلت: ومن رد قول الله تعالى، وقول الرسول r، فهذا سبب لزيغ قلبه، وذلك هو الهلاك في الدنيا والآخرة.

قال تعالى: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين[ [الصف:5].

قلت: وكل هذه الضلالات التي وقعوا فيها، بسبب تقليدهم: «لربيع المدخلي» التقليد الأعمى، فأي: شيء يصدره في خطأ، أو صواب، فهم: مقلدون له ويجمدون عليه، بدون رواية، ودراية.

* فالمقلدون الجامدون اتخذوا ذلك دينا ومذهبا بحيث لو أقمت عليه ألف دليل من النصوص لا يصغي إليه، بل ينفر عنه كل النفور، كحمر مستنفرة فرت من قسورة.

قلت: إن فرقة: «ربيع المدخلي» قد ارتكبت مخالفة أمر الله تعالى، وأمر رسله، وهدي أصحابه وأحوال أئمتهم، وسلكوا ضد طريق أهل العلم، وهؤلاء الخلف قد عكسوا طريق السلف وقلبوا أوضاع الدين، فزيفوا كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وأقوال خلفائه، وجميع أصحابه y، وعرضوها على أقوال من قلدوه، فما وافقها منها قالوا بها، أو انقادوا إليه مذعنين، وما خالف أقوال متبوعهم منها، قالوا احتج الخصم بكذا وكذا، ولم يقبلوه ولم يدينوا به، واحتال فضلاؤهم في ردها بكل ممكن، فهم الذين فرقوا الدين وصيروا أهله شيعا، كل فرقة تنصر متبوعها، وتدعو إليه، وتذم من خالفها، ولا يرون العمل بقولهم حتى كأنهم ملة أخرى سواهم، وكان الواجب على الجميع إن ينقادوا إلى كلمة سواء بينهم كلهم، وهي أن لا يطيعوا إلا الرسول الأعظم محمدا r، ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله.

قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن الحسن / في «فتح المجيد» (ج2 ص642): (ولا يخالف في ذلك إلا جهال المقلدة، لجهلهم بالكتاب والسنة، ورغبتهم عنهما، وهؤلاء وإن ظنوا أنهم اتبعوا الأئمة؛ فإنهم في الحقيقة قد خالفوهم، واتبعوا غير سبيلهم). اهـ

وعن الإمام عبد الله بن المعتز / قال: (لا فرق بين بهيمة تنقاد، وإنسان يقلد). (

Powered By Emcan