الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / رفع الإلتباس عن خطر رفع العلم عن الناس وقلته بطريقة الاختلاس من إبليس الخناس
رفع الإلتباس عن خطر رفع العلم عن الناس وقلته بطريقة الاختلاس من إبليس الخناس
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
نسأله التوفيق لرشده ونرغب إليه في المزيد من فضله
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدا، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فهذا جزء لطيف في تخريج حديث: «هذا أوان يرفع العلم من قلوب الناس»؛ مما يجب على المسلم الحذر منه؛ أي: رفع العلم من قلبه، أو قلته فيه، وهو لا يشعر، فإن ذلك هو آفة العلم والعمل، بل هو الضلال المبين الذي هلك بسببه الجهال قديما وحديثا([1]):ﭐﱣﭐ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﱢ [النور: 4].
قلت: لذلك على المسلم أن يطلب العلم على الجادة؛ ليرفع الجهل عن نفسه، لأن الأصل في المرء الجهل.
ﭧﭐﭨﭐﱣ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﱢ [النحل: 78].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «العلم» (ص26): (أن ينوي بطلب العلم رفع الجهل عن نفسه، وعن غيره؛ لأن الأصل في الإنسان الجهل). اهـ
وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في «حلية طالب العلم» (ص325): (فكن طالب علم على الجادة؛ تقفو الأثر، وتتبع السنن، تدعو إلى الله على بصيرة، عارفا لأهل الفضل فضلهم وسابقتهم). اهـ
قلت: إذا فلا يستوي الذي يعلم، والذي لا يعلم، كما لا يستوي الحي والميت، ولا يستوي الأعمى والبصير، ولا تستوي الظلمات والنور؛ العلم نور يهتدي به المرء ويخرج به من الظلمات إلى النور، فالجهل ظلمات، والعلم نور([2]).
ﭧﭐﭨﭐﱣﭐ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌ ﱢ [الرعد: 16].
وﭧﭐﭨ ﭐﱣﱁ ﱂ ﱃ ﱄ*ﱆ ﱇﱈ ﱉ* ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ*ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱕ ﱢ [فاطر: 19 و20 و21 و22].
وﭧﭐﭨ ﭐﱣﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﱢ [الزمر: 9].
وﭧﭐﭨﭐﱣﭐ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ* ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﱢ [المائدة: 15 و16].
وعن الإمام مالك بن أنس رحمه الله قال: (العلم نور يجعله الله حيث يشاء). وفي رواية: (العلم نور يهدي الله به من يشاء(. وفي رواية: (إنما العلم نور يجعله الله تعالى في القلب(([3]).
قلت: فمن أراد الله به خيرا أعطاه من ذلك النور.
والعلم الذي فرض الله تعالى أن يتبع، فإنما هو الكتاب والسنة، وما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم، ومن تبعهم من الأئمة بإحسان.
ويكون تأويل قوله: (نور)؛ يريد به فهم العلم، ومعرفة معانيه([4]).
فعن أبي همام، قال: سمعت شريكا سئل عن قوله تعالى: ﭐﱣﭐ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﱢ [البقرة: 269] قال: (الفهم) ([5]).
وعن أبي العالية قال: في قوله تعالى: ﭐﱣﭐ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﱢ [البقرة: 269] قال: (الكتاب والفهم فيه) ([6]).
قلت: فحسن الفهم هو أصل كل خير.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في «الداء والدواء» (ص159): (وما أوتي أحد بعد الإيمان أفضل من الفهم عن الله ورسوله، ه. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء). اهـ
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في «الرسالة» (ص19): (فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا واستدلالا، ووفقه الله للقول والعمل بما علم منه: فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الريب، ونورت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة). اهـ
قلت: وعلى المسلم تجنب سوء الفهم الذي هو أصل كل ضلالة.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في «الروح» (ص63): (بل سوء الفهم عن الله تعالى، ورسوله ه أصل كل بدعة، وضلالة نشأت في الإسلام؛ بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع، ولاسيما إن أضيف إليه سوء القصد، فيتفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حسن قصده، وسوء القصد من التابع، فيا محنة الإسلام وأهله).اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في «إعلام الموقعين» (ج1 ص87): (صحة الفهم، وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل، ولا أجل منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، ويمده حسن القصد، وتحري الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى، وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى).اهـ
قلت: فمن أراد الله به خيرا أعطاه من ذلك النور.
قلت: إن المرء حقا هو الذي يعبد ربه سبحانه وتعالى على بصيرة وعلم، ﭧﭐﭨﭐﱣﭐ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﱢ [يوسف: 108].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «العلم» (ص19): (العلم نور يستضيء به العبد؛ فيعرف كيف يعبد ربه سبحانه، وكيف يعامل عباده، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة). اهـ
قلت: فهذه الرسالة في التحذير من جريمة الجهل جمعتها على وجه الاختصار في زمن كثر فيه الجهل حتى أصبحت هذه الجريمة مألوفة في كثير من البلدان الإسلامية ومن أنكرها استنكره الكثير، ورمي بالشذوذ في المجتمع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
هذا وعلى الله تعالى قصد السبيل هو مولانا ونعم النصير.
|
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على رفع العلم عن الناس، وقبضه منهم،
وثبوت الجهل فيهم والرضى به، والإعراض عن العلم
على ما في أيديهم من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ه
فماذا يغني عنهم حين تركوا أمر الله تعالى،
وأمر رسوله في هذا الزمان([7])
1) عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه؛ أن رسول الله ه وسلم نظر إلى السماء يوما، فقاله: «هذا أوان يرفع العلم، فقال له رجل من الأنصار يقال له: زياد بن لبيد: يا رسول الله، يرفع العلم وقد أثبت، ووعته القلوب، فقال له رسول الله ه: إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة، ثم ذكر ضلالة اليهود، والنصارى على ما في أيديهم من كتاب الله تعالى، قال: فلقيت شداد بن أوس، فحدثته بحديث عوف، فقال: صدق عوف، ألا أخبرك بأول ذلك يرفع؟ الخشوع حتى لا ترى خاشعا». وفي رواية: «وذكر له ضلالة أهل الكتاب، وعندهم ما عندهم من كتاب الله».
حديث صحيح
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص277)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج5 ص329)، وفي «العلم» (ص191)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص433)، و(ج15 ص115)، والترمذي في «سننه» تعليقا (2653)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص357)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج18 ص43)، وفي «مسند الشاميين» (ج1 ص55)، وفي «الأوئل» (81)، والخطيب البغدادي في «اقتضاء العلم العمل» (89)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص98)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص26)، والبخاري في «خلق أفعال العباد» (ص42)، وابن عبد البر في «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (ج4 ص38)، وفي «جامع بيان العلم» (ج1 ص152)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج5 ص138 و247)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (853)، وابن أبي عاصم في «الأوائل» (ص94)، والبزار في «المسند» (ج7 ص175) من طريق إبراهيم بن أبي عبلة عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير، أنه قال: حدثني عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط مسلم.
وقال الشيخ الألباني في «تعليقه على اقتضاء العلم» (ص58): إسناده صحيح على شرط مسلم.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، وقد احتج الشيخان بجميع رواته، والشاهد لذلك فيه شداد بن أوس؛ فقد سمع جبير بن نفير الحديث منهما جميعا، ومن ثالث من الصحابة وهو أبو الدرداء.
وذكره المزي في «تحفة الأشراف» (ج8 ص211)، وابن حجر في «إتحاف المهرة» (16050).
والحديث صححه الشيخ الألباني في «صحيح موارد الظمان» (ج1 ص135)
قلت: وفي هذا الحديث من الفقه أن الكتب المدونة مهما كثرت، وتعددت، والأدمغة الحافظة مهما أتقنت لا تغني شيئا إذا لم يكن العلم عند أهله الذين يتقنونه نظرا ويطبقونه عملا، وسلوكا؛ فاليهود والنصارى بأيديهم الكتب، ولكنهم أبعد الناس عن تعاليم الله تعالى وهداه!.
فهذه «التوراة» بأيدي اليهود، وهذا «الإنجيل» بأيدي النصارى ما يرفعون بهما رأسا([8]).
قال الحافظ البيهقي رحمه الله في «المدخل» (ج2 ص303): (يحتمل أن يكون المراد بقوله: «هذا أوان يذهب العلم ويختلس العلم»،تقريب الوقت؛ كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: «كل ما هو آت قريب»؛ ويحتمل أن يكون المراد به اختلاس الانتفاع بالعلم، وإن كانوا له حافظين كما اختلس من اليهود، والنصارى، قال الله عز وجل: ﭐﱣﭐ ﱌ ﱍ ﱎ ﱢ [آل عمران: 187]). اهـ
2) وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: كنا مع رسول اللهه فشخص ببصره إلى السماء، فقاله: «هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء»، فقال زياد بن لبيد الأنصاري: يا رسول الله، وكيف يختلس منا، وقد قرأنا القرآن، فوالله لنقرأنه، ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا؟ فقال ه: «ثكلتك أمك يا زياد، وإن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة، والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا يغني عنهم»([9]).
قال جبير بن نفير: فلقيت عبادة بن الصامت، فقلت له: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذي قال، قال: فقال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس، الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيه خاشعا».
حديث حسن
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص279)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج1 ص178)، والطبراني في «الأوائل» (81)، والترمذي في «سننه» (2653)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص99)، والدارمي في «المسند» (294)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (ج3 ص1205)، والبيهقي في «المدخل في السنن الكبرى» (854) من طريق عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي الدرداء رضي الله عنه به.
قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات فيه عبد الله بن صالح: هو كاتب الليث بن سعد، وقد توبع.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وقال الحاكم: هذا إسناد صحيح من حديث البصريين، وفيه شاهد رابع على صحة الحديث وهو عبادة بن الصامت.
ولعل متوهما يتوهم أن جبير بن نفير، رواه مرة عن عوف بن مالك الأشجعي، ومرة عن أبي الدرداء فيصير به الحديث معلولا، وليس كذلك؛ فإن رواة الإسنادين جميعا ثقات، وجبير بن نفير الحضرمي من أكابر تابعي الشام، فإذا صح الحديث عنه بالإسنادين جميعا، فقد ظهر أنه سمعه من الصحابيين جميعا.
والدليل الواضح على ما ذكرته أن الحديث، قد روي بإسناد صحيح، عن زياد بن لبيد الأنصاري. اهـ
وذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (16084)، والمزي في «تحفة الأشراف» (ج8 ص211).
والحديث حسنه البغوي في «مصابيح السنة» (ج1 ص178).
3) وعن زياد بن لبيد رضي الله عنه قال: ذكر رسول اللهه شيئا، وذاك عند أوان ذهاب العلم، قلنا: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم، ونحن نقرأ القرآن، ونقرئه أبناءنا ونساءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال ه: «ثكلتك أمك ابن أم لبيد، إن كنت أراك من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة، والإنجيل لا يفقهون مما فيهما شيئا». وفي رواية: «أوليس اليهود والنصارى فيهم كتاب الله، التوراة والإنجيل، ولم ينتفعوا بشئ!»، وفي رواية: «أوليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة، والإنجيل، لا يعملون بشيء مما فيهما».
حديث حسن
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص280)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج10 ص536)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص218)، وأبو القاسم البغوي في «معجم الصحابة» (ج2 ص497)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (ج4 ص54)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج2 ص317)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج2 ص472)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج9 ص508)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (ج3 ص1205)، وابن قانع في «معجم الصحابة» (477)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج5 ص305)، والبخاري في «التاريخ الأوسط» تعليقا (ج1 ص120)، وفي «التاريخ الكبير» (ج3 ص344)، وابن ماجه في «سننه» (4048)، وأبو خيثمة في «العلم» (52)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص100)، والطيالسي في «المسند» (1292) من طريقين عن سالم بن أبي الجعد، عن زياد بن لبيد رضي الله عنه به.
قلت: وهذا سنده رجاله ثقات، وهو حسن في المتابعات، والحديث صححه ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج2 ص79)، والشيخ الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (ج4 ص377).
وذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (4668)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج5 ص381).
وأخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج4 ص1170) من طريق جبير بن نفير؛ أن رسول الله هقال: «يوشك أن يرفع العلم» فقال زياد بن لبيد: يا رسول الله ... فذكره).
هكذا أورده ابن أبي حاتم مرسلا في أوله.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج2 ص79)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج5 ص380).
فقوله ه: «هذا أوان يرفع فيه العلم»؛ إنما هو إشارة منه ه إلى وقت يرفع فيه العلم، وهذا الوقت يكون بعده ه؛ لأن: «هذا»؛ إنما هو كلمة يشار بها إلى الأشياء، من ذلك قول الله تعالى: ﱣﭐ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱢ [الأنبياء: 103]، وقول الله تعالى: ﭐﱣﭐ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛﱢ [ق: 32]، فيكون الزمان الذي يرفع فيه العلم، أو يقل العلم بسبب الإعراض عنه من قبل أكثر الناس لقلة أتباع النبي ه؛ فيحرم الناس العلم من الذين أعرضوا عن أتباعهه قولا فعلا([10]).
قال الحافظ الطحاوي رحمه الله في «مشكل الآثار» (ج1 ص281): (ومما يدل على ما ذكرنا من هذا احتجاجه عليه السلام بضلالة أهل الكتابين اليهود والنصارى، وعند اليهود منهم: «التوراة»، وعند النصارى منهم: «الإنجيل»، ولم يمنعاهم من الضلالة وإنما كان ذلك بعد ذهاب أنبيائهم صلوات الله عليهم لا في أيامهم.
فكذلك ما تواعد رسول الله عليه السلام به أمته في حديث عوف هذا يحتمل أن يكون بعد أيامه وبعد ذهاب من تبعهه، وخلفه بالرشد، والهداية من أصحابه رضوان الله عليهم، ومن سائر أمته سواهم). اهـ
قلت: وعلامات زمان رفع العلم، أو قلة العلم في الناس، هو الزمان الذي لا خشوع فيه مع الناس في صلاتهم في المساجد، وبيوتهم([11])، وإذا لم يكن معهم الخشوع، كانت معهم القسوة، والاستكبار، والعجب([12])، نعوذ بالله من ذلك([13]).
ﭧﭐﭨﭐﱣﭐ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﱢ [البقرة: 45].
وإليك الدليل:
1) فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله هيقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» ([14]).
2) وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ه يقول: «من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد» ([15]).
3) وعن أبي وائل، قال: كنت جالسا مع عبد الله، وأبي موسى رضي الله عنهما، فقالا: قال رسول الله ه: «إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل»([16]).
4) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ه: «يتقارب الزمان، ويقبض العلم، وتظهر الفتن». وفي رواية: «ينقص العلم» ([17]).
قلت: وفي هذه الأحاديث في رفع العلم من الناس بسبب ذنوبهم، وإعراضهم عن العلم، والركون إلى الجهل، نعوذ بالله من الخذلان.
فقوله ه: «أن يرفع العلم»؛ أي: يقل شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى العدم لانشغال الناس بالدنيا وزينتها، وقد جاء عند البخاري في «صحيحه» (ج1 ص315): (أن يقل العلم، ويظهر الجهل).
وقوله هفي رواية: «ويثبت الجهل»؛ أي: لم يعد يستحيا منه لثباته في الناس وشيوعه؛ أي: هو الظهور والفشو.
وهذا واقع، والله في زماننا، فإنك ترى الرجل الطويل العريض ذا الهيئة، والمنصب، والمال، والدنيا العريضة، لا يحسن الوضوء، ولا الصلاة، ولا يدرك معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فهل هناك جهل أعظم من الجهل بالله تعالى وفرائضه، اللهم غفرا([18]).
ﭧﭐﭨﭐ ﱣﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱢ [المائدة: 66].
وبوب الحافظ البخاري رحمه الله في «صحيحه» (ج1 ص178)؛ باب رفع العلم وظهور الجهل.
وقال الحافظ البيهقي رحمه الله في «المدخل» (ج2 ص294)؛ باب: ما يخش من رفع العلم وظهور الجهل.
وقال الحافظ ابن ماجه رحمه الله في «السنن» (ج2 ص1345)؛ باب: ذهاب القرآن والعلم.
وقال الحافظ النووي رحمه الله في «المنهاج» (ج3 ص208)؛ باب: رفع العلم وقبضه وظهور الجهل.
قلت: فإذا تناقص العلماء([19])، وندروا، أو انقرضوا سود الناس جهالا لهم؛ إذ لابد للناس من سادة، فاتجهوا لهؤلاء بالسؤال، والفتوى، والحكم، فلم يعرفوا أحكام الله تعالى، فحكموا أهواءهم، وشهواتهم، فضلوا وأضلوا، نعوذ بالله من الخذلان([20]).
قلت: فيجب التحذير من ترئيس الجهلة؛ لأنهم قادة الضلالة، والعياذ بالله([21]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» (ج1 ص165): (الحث على حفظ العلم والتحذير من ترئيس الجهلة ... وذم من يقدم عليها بغير علم). اهـ
وقال الإمام الخطابي رحمه الله في «العزلة» (ص96): (قد أعلم رسول الله هأن آفة العلم ذهاب أهله، وانتحال الجهال، وترؤسهم على الناس باسمه، وحذر الناس أن يقتدوا بمن كان من أهل هذه الصفة، وأخبر أنهم ضلال مضلون). اهـ
قلت: والشاهد: أن «القرآن» هو كلام الله تعالى، وأن الانتفاع منه لا يكون بمجرد قراءته، وكتابته فحسب.
فهذا كتاب الله تعالى «التوراة» بين يدي اليهود، و«الإنجيل» بين يدي النصارى، وقد ضلوا عن سواء السبيل.
وهذا القرآن العظيم بين أيدي المسلمين، ولم ينتفع منه إلا القليل منهم.
قلت: وفي آخر الزمان لا يبقى منه إلا رسمه، ويرفع العمل به، فدل ذلك على التفريق بين القراءة والمقروء، فالمقروء هو كلام الله تعالى لا يختلف، ولكن فعل العبد الذي هو قراءته إن اتبعها بالعمل، والتدبر، والإيمان بما في كتاب الله تعالى انتفع، واهتدى، وإلا فلا.
قال الحافظ البغوي رحمه الله في «شرح السنة» (ج1 ص3): (وغلب على أهل الزمان هوى النفوس، فلم يبق من الدين إلا الرسم، ولا من العلم إلا الاسم، حتى تصور الباطل عند أكثر أهل الزمان بصورة الحق([22])، والجهل بصورة العلم، وظهر فيهم تحقيق قول الرسول ه: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»)([23]).اهـ
قلت: والحافظ البغوي رحمه الله يحكي ذلك في زمانه، فكيف لو اطلع على أفكار الجماعات الحزبية في هذا الزمان لطار لبه!.
قلت: ما أسرع الناس إلى البدع المضلة([24]).
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهقال: (عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله، عليكم بالعلم، فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر، أو يفتقر إلى ما عنده، وستجدون أقواما يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدع، والتنطع، والتعمق، وعليكم بالعتيق).
أثر صحيح
أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص251)، وابن حبان في «روضة العقلاء» (ص37)، وابن نصر في «السنة» (86)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص252)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (387)، والطبراني في «المعجم الكبير» (8845)، وابن وضاح في «البدع» (60)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (169)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص167)، واللالكائي في «الاعتقاد» (108)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص592)، وأبو القاسم في «الحجة» (ج1 ص303)، وأبو الفتح في «الحجة» (ج2 ص492) من طرق عن أبي قلابة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه به.
قلت:
انظر: «مجمع الزوائد» للهيثمي (ج1 ص126).
وقال البيهقي في «المدخل» (ص272): هذا مرسل.
وتابعه أبو إدريس الخولاني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه به.
أخرجه البيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (388)، وأبو الفتح في «الحجة» (ج2 ص492).
وإسناده صحيح.
وقال البيهقي في «المدخل» (ص272): وروي موصولا من طريق الشامين.
والتنطع في الكلام: التعمق، والمقصود به: المغالاة في الأمور زيادة على الوجه المشروع([25]).
والعتيق: القديم، والمقصود منه: ملازمة طريقة رسول الله ه، وطريقة أصحابه رضي الله عنهم.
والتبدع: معناه اختراع عبادة لم يشرعها رسول الله ه ([26]).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في «النونية» (ص190):
وتعــر مـن ثوبيـن مـن يلبسهـما |
يلـــق الـردى بمذمــة وهــوان |
ثوب من الجهل المركب فوقه |
ثوب التعصب بئست الثوبان |
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في «النونية» (ص304):
والجهل داء قاتل وشفـاؤه |
أمران في التركيب متفقـان |
نص من القرآن أو من سنة |
وطبيب ذاك العالم الرباني |
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا،
ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا...
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد،
وعـلى آلـه، وصحبـه أجمعيـن،
وآخر دعوانا أن الحمد الله
رب العالمين
الفهرسة
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة........................................ |
5 |
|
وجوب طلب العلم على الجادة................ |
6 |
3) |
وجوب رفع الجهل............................ |
6 |
4) |
لا يستوي العالم، ولا الجاهل في الدين.......... |
6 |
5) |
العلم نور...................................... |
7 |
6) |
حسن الفهم هو أصل كل خير.................. |
9 |
7) |
سوء الفهم هو أصل كل شر.................... |
10 |
8) |
ذكر الدليل على رفع العلم عن الناس........... |
13 |
9) |
ذكر الدليل على ضلالة اليهود والنصارى على ما في أيديهم من التوراة، والإنجيل................ |
13-16 17-19 |
10) |
ذكر الدليل على ضلالة المسلمين على ما في أيديهم من كتاب الله تعالى..................... |
13-16 17-19 |
11) |
علامات قلة العلم في الناس هو الزمان الذي لا خشوع في صلاتهم............................. |
22 |
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
12) |
التحذير من رؤوس الجهل..................... |
23 |
13) |
من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل. |
23 |
14) |
عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله........................................... |
29 |
أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج6 ص319)، وأبو عمرو ابن منده في «الفوائد» (ص94)، وابن وهب في «العلم» (ج1 ص758-جامع العلم)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج10 ص3180)، والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص755)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص38)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص253)، والجوهري في «مسند الموطأ» (ص88)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص757)، والقاضي عياض في «الإلماع» (ص217).
وإسناده صحيح.
وذكره القاضي عياض في «ترتيب المدارك» (ج1 ص57)، والذهبي في «السير» (ج8 ص107)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج7 ص20)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج6 ص308).
([4]) انظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج6 ص308)، و«جامع البيان» للطبري (ج5 ص578)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج1 ص289).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج5 ص577).
وإسناده حسن.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج3 ص288)، والشوكاني في «فتح القدير» (ج1 ص289).
([7]) قلت: وهذه التوراة كانت في يد اليهود، فماذا تغني عنهم، وهذا الإنجيل كان في يد النصارى، فماذا يغني عنهم، فضلوا وأضلوا، بسبب أنهم تركوا أمر الله تعالى، والعياذ بالله.
([9]) لقد أصاب أكثر المسلمين ما أصاب اليهود والنصارى من الجهل البسيط، والجهل المركب؛ فأكثرهم لا يحكمون كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ه في الأصول والفروع، فحكموا الجهل، وأعرضوا عن العلم، والله المستعان.
وانظر: «صحيح موارد الظمان» للشيخ الألباني (ج1 ص135).
([14]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص33)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص208)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص31)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص456)، وفي «العلم» (ص188)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج1 ص169)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (850)، وابن ماجة في «سننه» (ج1 ص20).
([15]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص213)، وفي «خلق أفعال العباد» (356)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2056)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص491)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص455)، وفي «العلم» (ص186)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1343)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (846).
([16]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص16)، وفي «خلق أفعال العباد» (354)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2056)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص489)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1345)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص357)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (845).
([17]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص471)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2057)، وأبو داود في «سننه» (ج5 ص15)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص357)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (847).
([19]) قلت: أو ابعادهم عن المناصب الدينية!، ذلك بسبب غلبة الجهل في الناس فيقدم للمناصب أهل الجهل على أهل العلم، وإليه الإشارة بقوله ه: «اتخذ الناس رؤوسا جهالا»، فيزداد حينئذ غلبة الجهل، وترئيس أهله!، اللهم غفرا.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص286 و287).
([20]) وانظر: «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج1 ص286)، و«المنتقى» للشيخ الفوزان (ج1 ص220)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص316).
([22]) قلت: كأنه رحمه الله يصف لنا حال «الجماعات الحزبية» وأشكالها في زماننا هذا الذي ظهر فيه الجهل، وقل فيه العلم، واتخذ الناس رؤوسا جهالا فضلوا وأضلوا، والعياذ بالله.