الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / ذم الحمقى
ذم الحمقى
|
||||
ذم الحمقى
بقلم:
العلامة المحدث الفقيه
فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه وجعل الجنة مثواه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
]أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى[
المقدمة
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، يبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم!.
ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتاويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب([1])، مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب ([2])،يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم([3])، فنعوذ بالله من فتنة المضلين.([4])
فهذا كتاب لطيف في أعداء هذا الدين، وهم المبتدعة: «الحمقى» في الخارج والداخل في معرفة صفاتهم السيئة، وجهود السلف فيهم على مر العصور، وكر الدهور.
وذلك ليعلم الناس أن المبتدعة بجميع أنواعهم في البلدان الإسلامية ليس لهم أي احترام، أو توقير، أو تعظيم، أو محبة في الإسلام.([5])
وذلك لمحاداتهم لله تعالى، ولرسوله ﷺ، وللصحابة ﭫ، والسلف الكرام، وأهل الحديث العقلاء.([6])
قال تعالى: ]هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون[ [المنافقون: 4].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج28 ص232): (فساد اليهود والنصارى ظاهر لعامة المسلمين، أما أهل البدع، فإنه لا يظهر فسادهم لكل شخص). اهـ
لقد تضمن هذا الكتاب؛ معنى: الحماقة، وأنها غريزة مع اختلاف الناس فيها.
ويتضمن أيضا لأسماء الأحمق، وصفاته السيئة، وللتحذير من صحبته، ومن العمل بأعماله الباطلة.
وللعلم بأنني أردت في هذا الكتاب العظة، والتذكير من هؤلاء الحمقى؛ للتحذير من الاقتداء بهم، ومن صحبتهم، ومن الأخذ عنهم في أحكام الدين.
لذلك لا ننحط في أقوالنا، وأعمالنا إلى درجة هؤلاء الحمقى المغفلين بجميع صنوفهم.
وذلك لقلة فهمهم، وانحطاط مداركهم، وظهور غبائهم في الدنيا، والآخرة، وهذا يدل على أن درجات الحمقى منحطة لا ترتفع لا في الدنيا، ولا في الآخرة.
قال تعالى: ]نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا[ [الزخرف: 32].
قلت: إن ذكر الحمقى يحث المسلم على اتقاء أسباب الغفلة مع الحمقى([7])؛ لأن إذا كانت الغفلة مجبولة في الطباع، فإنها لا تكاد تقبل التغيير، ومن هنا لابد أن يقع المرء في الحمق، ويصاحب الحمقى، نعوذ بالله من الخذلان.([8])
وهأنذا أقدم للمسلمين هذا الكتاب في التحذير من الأحمق، الذي هو ذكرى لأولي الألباب.
والله أسأل التوفيق، والسداد، والهدى، والرشاد، عليه توكلت، وإليه أنيب.
كتبه
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على ذم الحمق، والحمقى في الشريعة المطهرة
* الحمق في اللغة: مصدر قولهم؛ حمق فلان، وهو مأخوذ من مادة: (ح م ق)؛ التي تدل على كساد الشيء، والضعف، والنقصان، والعجر.
ومن ذلك الحمق: نقصان العقل، والحمق: أصله الكساد، ويقال: الأحمق: الكاسد العقل.([9])
قال الجوهري اللغوي / في «الصحاح» (ج4 ص1465): (الحمق، والحمق: قلة العقل، يقال: حمق الرجل حمقا وحمقا وحماقة؛ فهو: أحمق.
وحمق: بالكسر يحمق حمقا؛ فهو: حمق، وامرأة حمقاء، وقوم ونسوة حمق، وحمقى وحماقى.
وحمقت السوق: كسدت، وأحمقت المرأة جاءت بولد أحمق: فهي محمق ومحمقة.
وأحمقت الرجل: إذا وجدته أحمق). اهـ
وقال ابن منظور اللغوي / في «لسان العرب» (ج2 ص1000): (الحمق: ضد العقل). اهـ
* والحمق في الاصطلاح: هو وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه.
قال ابن الأثير اللغوي / في «النهاية» (ج2 ص163): (الحموقة: هي فعولة من الحمق([10])؛ أي: خصلة ذات حمق، وحقيقة الحمق: وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه!). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج18 ص136): (وحقيقة الأحمق: من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه). اهـ
وقال الفقيه المناوي / في «التوقيف على مهمات التعاريف» (ص147): (الحمق: فساد في العقل). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص557): (والحمق: وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه). اهـ
فالحمق:
1) قلة العقل.
2) فساد العقل.
3) وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه.
4) الحمق غرور.
وإليك الدليل: في ذكر الآيات، والأحاديث، والآثار الواردة في الحمق، والأحمق، والحمقى([11]):
1) قال تعالى: ]ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10) وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (11) ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12) وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13) وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون (14) الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون (15) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (16) مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (17) صم بكم عمي فهم لا يرجعون (18) أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (19) يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير[ [البقرة: 8 - 20].
2) وقال تعالى: ]أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا[ [الفرقان: 43].
3) وقال تعالى: ]أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا[ [الفرقان: 44].
4) وقال تعالى: ]ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون[ [الأعراف: 179].
5) وعن جابر بن عبد الله t، قال: (قال لي رسول الله r هل نكحت يا جابر؟ قلت: نعم، قال: ماذا أبكرا أم ثيبا؟ قلت: لا بل ثيبا، قال فهلا جارية تلاعبك قلت: يا رسول الله إن أبي قتل يوم أحد، وترك تسع بنات، كن لي تسع أخوات، فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء([12]) مثلهن، ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن، قال: أصبت).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (4052) من طريق قتيبة، حدثنا سفيان، أخبرنا عمرو، عن جابر به.
6) وعن عائشة ڤ، قالت: (جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا ... الحديث).([13])
وهو حديث طويل؛ يسمى بحديث: «أم زرع»، وهذا الحديث يدل على ذم الحمق والحمقى، حيث بعض النسوة ذكرن أزواجهن بالذم فركبن الحموقة في ذلك؛ لأن نسوة فيهن حمق، وحمقى، ليس عندهن عقل.
7) وعن مجاهد قال: (كنت عند ابن عباس فجاءه رجل، فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا، قال: فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم، فيركب الحموقة).
أخرجه أبو داود في «سننه» (2197) من طريق حميد بن مسعدة، حدثنا إسماعيل، أخبرنا أيوب، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد به.
8) وعن محمد بن المنكدر، قال: (صلى جابر في إزار قد عقده([14]) من قبل قفاه([15]) وثيابه موضوعة على المشجب([16])، قال له قائل: تصلي في إزار واحد، فقال: إنما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك، وأينا كان له ثوبان على عهد النبي r). وفي رواية: (أردت أن يدخل علي الأحمق مثلك، فيراني كيف أصنع فيصنع مثله). وفي رواية: (خلنا على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب واحد ملتحفا به ورداءه موضوع، فقلنا: أتصلي في ثوب واحد وردائك موضوع؟ قال: نعم، أحببت أن يراني الجهال أمثالكم، إني رأيت رسول الله r يصلي في ثوب واحد). وفي رواية: (أفعل هذا ليراني الحمقى أمثالكم). وفي رواية: (أما والله ما صنعت هذا إلا من أجلكم).([17])
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص138)، ومسلم في «صحيحه» (3008)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج2 ص14) من طريق واقد بن محمد عن محمد بن المنكدر به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (3008)، وأبو القاسم الأصبهاني في «دلائل النبوة» (ج2 ص472)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص239) من وجه آخر عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن جابر بن عبد الله به.
وهذا الحديث روي من أوجه أخرى عن جابر بن عبد الله t به.
أخرجه البخاري في «صحيحه» (352)، و(353)، و(370)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص328 و335 و387)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص237 و241)، وفي «معرفة السنن» (ج2 ص198)، والسراج في «مسنده» (463)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج6 ص79)، وابن عدي في «الكامل» (ج4 ص41 و308).
وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (1379)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج5 ص31) من طريق داود بن قيس، عن عبيد الله بن مقسم قال: (رأيت جابر بن عبد الله يصلي في ثوب واحد قال: فقلت: أتصلي في ثوب واحد والثياب إلى جنبك؟ قال: نعم، من أجل أحمق مثلك).
وإسناده صحيح.
قال الحافظ ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص19): (أنه لا بأس للعالم أن يصف بالحمق من جهل دينه). اهـ
وقال الحافظ النووي في «المنهاج» (ج18 ص136): (المراد بالأحمق هنا الجاهل). اهـ
وعن عكرمة / قال: (صليت خلف شيخ أحمق بمكة ...).
أثر صحيح
أخرجه البخاري في «صحيحه» (788)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص292)، وأبو القاسم الحرفي في «حديثه» (ص248)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص68) من طريق عفان بن مسلم، وأبي سلمة قالا: ثنا همام ثنا قتادة عن عكرمة به.
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص218 و351)، وابن خزيمة في «صحيحه» (582) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عكرمة به.
وإسناده صحيح.
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (1765) من طريق هشام الدستوائي عن قتادة عن عكرمة به.
وإسناده صحيح.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (788)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص292 و339)، وعبد الزراق في «المصنف» (2506) من طريق همام عن قتادة عن عكرمة به.
وفي الحديث: (هذا أحمق مطاع)؛ يعني: في قومه.([18])
9) وعن إبراهيم بن أعين، قال: (سألت شريك بن عبد الله فقلت: يا أبا عبد الله أرأيت من قال: لا أفضل أحدا على أحد، قال: هذا أحمق، أليس قد فضل أبو بكر وعمر).
أثر صحيح
أخرجه أبو سعيد الأشج في «حديثه» (ص261)، والخلال في «السنة» (521)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2428) من طريقين عن سفيان بن عيينة عن شريك بن عبد الله به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره الذهبي في «السير» (ج8 ص205) من طريق إبراهيم بن أعين به.
10) وعن أبي عبيد / قال: (كتبت الحديث، وكتبت الفقه وأطراف أهل الكلام، فما رأيت قوما أحمق من الرافضة).
أثر صحيح
أخرجه السلفي في «المشيخة البغدادية» (ج1 ص425) من طريق أبي عون الفقيه الفرائضي، يقول: سمعت العباس الدوري، يقول: سمعت أبي عبيد القاسم بن سلام به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
11) وقال الإمام الأصمعي /: (إذا أردت أن تعرف عقل الرجل في مجلس واحد فحدثه بحديث لا أصل له، فإن رأيته أصغى إليه وقبله، فاعلم أنه أحمق، وإن أنكره فهو عاقل).([19])
قلت: وأخلاق الأحمق؛ هي: العجلة، والجفاء، والتبذير، والغرور، والفجور، والسفه، والجهل، والخيانة، والطيش، والبلادة، والظلم، والغفلة، والمكر، والكلام من غير منفعة، والثقة بكل أحد، وإفشاء السر، والغباء، والعنف، ولا يفرق بين عدو وبين صديق، ويتكلم ما يخطر على قلبه، ويتوهم أنه أعقل الناس، وهو أحمق الناس، وسرعة الجواب، وترك التثبت، والوقيعة في الأخيار، والاختلاط بالأشرار.([20])
لذلك فاحذر من صحبة الأحمق.
12) وعن أبي هريرة t، قال: كان ناس من أصحاب النبي r يكتبون من التوراة فذكروا، فقال رسول الله r: (إن أحمق الحمق وأضل الضلالة قوم رغبوا مما جاء به نبيهم إلى نبي غير نبيهم وإلى أمة غير أمتهم) ثم أنزل الله عز وجل: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم[ [العنكبوت: 51].
حديث لا بأس به
ومعناه: صحيح([21])
أخرجه الإسماعيلي في «معجم الشيوخ» (ج2 ص772 و773)، والديلمي في «مسند الفردوس» (ج2 ص660 و661)، والخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (ج2 ص543) من طريق فهير بن زياد الرقي([22])، حدثنا إبراهيم بن يزيد([23])، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن أبي هريرة t به.
قلت: وهذا سنده منكر؛ فيه إبراهيم بن يزيد أبو إسماعيل الخوزي، وهو متروك الحديث.([24])
وقال الشيخ الألباني في «الضعيفة» (ج12 ص787): (ضعيف جدا).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص562)، وفي «الجامع الكبير» (ج1 ص222).
وأخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص425)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج9 ص3072)، والطبري في «جامع البيان» (ج18 ص429)، وأبو داود في «المراسيل» (454) من طريق سفيان، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، قال: أتي النبي r بكتاب في كتف فقال: كفى بقوم حمقا، أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم أو كتاب غير كتابهم، فأنزل الله: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم[ [العنكبوت: 51]. وفي رواية: (جاء ناس من المسلمين بكتب قد كتبوها، فيها بعض ما سمعوه من اليهود).
هكذا مرسلا، وإسناده صحيح إلى يحيى بن جعدة.
وأورده الثعلبي في «الكشف والبيان» (ج7 ص286).
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج18 ص307) من طريق حجاج، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة به مرسلا.
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج9 ص68): (وقد أخرج الطبري وغيره من طريق عمرو بن دينار ...). وذكر هذا المرسل، وأتبعه بكلام جيد.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص562).
وقال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج18 ص429): (وذكر أن هذه الآية نزلت من أجل أن قوما من أصحاب رسول الله r انتسخوا شيئا من بعض كتب أهل الكتاب). اهـ
وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج52 ص169 و170)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج9 ص3072) من طريق أبي بكر محمد بن توبة، وجعفر المدائني عن روح بن عبادة حدثنا عمر بن سعيد بن أبي حسين حدثني عبد الله بن أبي مليكة قال: (أهدي عبد الله بن عامر بن كريز إلى عائشة ڤ هدية فظنت أنه عبد الله بن عمرو فردتها، وقالت: يتتبع الكتب([25])، وقد قال الله عز وجل: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب[ [العنكبوت: 51] فقيل لها إنه عبد الله بن عامر فقبلتها).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص565).
قلت: فهذه الأحاديث كلها فيها مقال إلا حديث عائشة ڤ؛ لكنه ممكن الاستشهاد بمثلها في معناها، وأن الكتب الباطلة لا يجوز أن يحتج بها في الإسلام، ولا التشاغل بها؛ بل يجب تركها، ويكتفي المسلمون بالرجوع إلى كتاب الله تعالى، وإلى سنة رسوله r في الأصول والفروع في الدين.
قال تعالى: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].
ويؤيده:
حديث: مرة بن شراحبيل الهمداني قال: (جاء أبو قرة الكندي بكتاب من الشام فحمله فدفعه إلى عبد الله بن مسعود t فنظر فيه، فدعا بطست ثم دعا بماء فمرسه فيه وقال: إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم الكتب وتركهم كتابهم). وفي رواية: (إني قرأت هذا بالشام فأعجبني فإذا هو كتاب من كتب أهل الكتاب). وفي رواية: (وجدته بالشام فأعجبني فجئتك به).([26])
قال حصين بن عبد الرحمن؛ فقال مرة الهمداني: (أما إنه لو كان من القرآن أو السنة لم يمحه، ولكن كان من كتب أهل الكتاب).
أثر صحيح
أخرجه الدارمي في «المسند» (494)، والخطيب في «تقييد العلم» (53)، والهروي في «ذم الكلام» (ج3 ص103) من طريق ابن فضيل، وأبي زبيد، وخالد بن عبد الله الطحان، ثلاثتهم: عن حصين بن عبد الرحمن السلمي عن مرة الهمداني به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام ابن الأثير / في «النهاية» (ج1 ص225): (وقيل: إن المثناة([27]) هي أن أحبار بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله تعالى.
فهو المثناة، فكأن ابن عمرو كره الأخذ عن أهل الكتاب، وقد كانت عنده كتب وقعت إليه يوم اليرموك منهم، فقال هذا لمعرفته بما فيها). اهـ
13) وعن إياس بن معاوية قال: (كل من لم يعرف عيبه فهو أحمق قيل له: يا أبا واثلة، فما عيبك؟ قال: كثرة الكلام).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج4 ص274)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص124) من طريق عبد القاهر بن السري، وداود بن أبي هند؛ كلاهما: عن إياس بن معاوية به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره المزي في «تهذيب الكمال» (ج3 ص436) من طريق عبد القاهر بن السري قال: قال إياس بن معاوية به.
14) وعن بشر بن الحارث / قال: (يأتي على الناس زمان لا تقر فيه عين حكيم، ويأتي على الناس زمان تكون الدولة فيه للحمقى على الأكياس).([28])([29])
وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج16 ص5): (أبو الحسن علي بن الحسن بن عنتر الحلي الأديب: شاعر لغوي متقعر رقيع أحمق، قليل الخير، له عدة تواليف أدبية فيها الغث والسمين). اهـ
ومعنى الحمق: هو الغلط في الوسيلة، والطريق إلى المطلوب مع صحة المقصود.
قلت: فالأحمق مقصوده صحيح، ولكن سلوكه الطريق فاسد، ورؤيته في الطريق الوصال إلى الغرض غير صحيحة.([30])
فهو كاسد العقل والرأي، فلا يشاور، ولا يلتفت في أمر.
فالحمق فساد في العقل، وفي الذهن.([31])
قلت: ومن علامة الأحمق خلوه عن العلم أصلا؛ فإن العقل لابد أن يحرك إلى اكتساب شيء من العلم وإن قل.
فإذا اغلب السن ولم يحصل شيئا من العلم دل على الحمق.([32])
قلت: والأحمق إن اقبلت عليه اغتر، وإن حلمت عنه جهل عليك، وإن احسنت إليه أساء إليك، ويظلمك إن انصفته.
لذلك إذا بلغك أن أحمق استفاد عقلا؛ فلا يصدق!.
قلت: فالأحمق رجل سفيه، لا يطاق في هذه الحياة.
فالحمق: ليس له حد، فهو يتجارى بصاحبه حتى يهلكه في الدنيا والآخرة.([33])
لكل داء دواء يستطب به |
|
|
إلا الحماقة أعيت من يداويها([34]) |
قلت: فالزم أهل العقل وجالسهم تفلح إن شاء الله تعالى.
فالعاقل المحروم من شيء من الدنيا خير من الأحمق المرزوق بشيء من الدنيا.
فالعاقل: لعله لا ينال بكثرة المال، لكنه نال العلم والدين، فلزمه.
والأحمق: لعله ينال بكثرة المال، لكنه لا ينال العلم والدين، فاجتنبه.
فيقال: فلان ذو حمق وافر، وعقل نافر، ليس معه من العقل؛ إلاما يوجب حجة الله تعالى عليه.
قلت: وعلامة الحمق:
1) سرعة الجواب.
2) وترك التثبت.
3) والإفراط في الضحك.
4) والوقيعة في الأخيار.
* والأحمق:
إن استغنى بطر.
وإن افتقر قنط.
وإن فرح أشر.
وإن قال فحش.
وإن سئل بخل.
وإن سأل ألح.
وإن قال لم يحسن.
وإن قيل له لم يفقه.
* وهذا يدل على مضار الأحمق:
1) الأحمق كاسد العقل، والرأي لا يحسن شيئا.
2) مجالسة الحمقى، ومصاحبتهم تعدي.
3) سرعة الانفعال، والتدخل في شئون الناس.
4) الأحمق مغرور في نفسه.
5) سرعة الجواب من غير روية.
6) الحمق شر كله؛ فيجب اجتنابه.
7) الأحمق عدو نفسه لما يسبب لنفسه من الضرر.
ﭑ ﭑ ﭑ
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة................................................................................................... |
5 |
2) |
تعريف الحمق في اللغة.......................................................................... |
9 |
3) |
تعريف الحمق في الاصطلاح................................................................ |
10 |
4) |
ذكر الدليل على ذم الحمق والحمقى في الشريعة المطهرة..................................................................................................... |
11 |
5) |
أخلاق الأحمق........................................................................................ |
17 |
6) |
التحذير من صحبة الأحمق............................................................... |
18 |
7) |
معنى الأحمق......................................................................................... |
23 |
8) |
علامات الحمق........................................................................................ |
25 |
9) |
صفات الأحمق........................................................................................ |
25 |
10) |
مضار الأحمق في الحياة........................................................................ |
26 |
([1]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص282)؛ تعليقا على كلمة الإمام أحمد هذه: (هذه حقيقة حال أهل البدع؛ كما قال الإمام أحمد في كتابه «الرد على الزنادقة والجهمية»: مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب). اهـ
([2]) قال تعالى: ]وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد[ [البقرة: 176].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص301): (قد جمعوا وصفي الاختلاف الذي ذمه الله في كتابه، فإنه ذم الذين خالفوا الأنبياء، والذين اختلفوا على الأنبياء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص284): (وأما قوله: بأنهم (متفقون على مخالفة الكتاب)؛ فهذا إشارة إلى تقديم غير الكتاب على الكتاب، كتقديم معقولهم، وأذواقهم، وآرائهم ونحو ذلك على الكتاب، فإن هذا اتفاق منهم على مخالفة الكتاب، ومتى تركوا الاعتصام بالكتاب والسنة؛ فلا بد أن يختلفوا، فإن الناس لا يفصل بينهم إلا كتاب منزل من السماء). اهـ
([3]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «درء تعارض العقل والنقل» (ج1 ص222)؛ (وهذا الكلام المتشابه الذي يخدعون به جهال الناس، هو الذي يتضمن الألفاظ المتشابهة المجملة التي يعارضون بها نصوص الكتاب والسنة). اهـ
([6]) فأدخلوا في الدين الباطل على أنه من الدين، وهو ليس من الدين؛ فكذبوا على الله تعالى: ]فويل يومئذ للمكذبين[ [الطور: 11].
قال تعالى: ]وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون[ [آل عمران: 78].
([9]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص1000)، و«مقاييس اللغة» لابن فارس (ج2 ص106)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج4 ص85)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج2 ص163)، و«الصحاح» للجوهري (ج4 ص1465).
([10]) ويقال: استحمق الرجل: إذا فعل فعل الحمقى. واستحمقته: وجدته أحمق.
وانظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج2 ص163).
([13]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (5189)، ومسلم في «صحيحه» (2448)، والقاضي عياض في «بغية الرائد لما تضمنه حديث: «أم زرع» من الفوائد» (ص4 و5 و6).
([16]) المشجب: عيدان تربط رؤوسها, وتفرق قوائمها, تعلق عليها الثياب.
قلت: فصلى جابر t في ثوب واحد مشتملا به، وكان رداؤه إلى جنبه.
ومراده: أن يعلم الناس الجهال في لباس الصلاة، وأن ذلك يكفي.
([17]) قلت: يريد جابر بن عبد الله t أن يبين لهؤلاء الجهال الرخصة الشرعية في الصلاة في الثوب الواحد, وأنه يجوز, والصلاة صحيحة.
([20]) انظر: «أخبار الحمقى والمغفلين» لابن الجوزي (ص26 و27)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج1 ص924)، و«الصحاح» للجوهري (ج4 ص1465)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص1000)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص557)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج18 ص136).
([21]) فمتنه يصلح للإستشهاد؛ كما يفعل عدد من أئمة الحديث؛ بمثل: هذا الحديث للمعنى اللغوي، منهم: الإمام البخاري /.
([22]) ووهم: محقق كتاب: «المسند» للدارمي؛ في: «فهير بن زياد»؛ حيث جعله من المجهولين، وهو: «يحيى بن زياد بن أبي داود الرقي»، وهو معروف لقبه: «فهير»، وهو صدوق عابد؛ كما في «التقريب» لابن حجر (ص1055)، روى له ابن ماجه في «السنن» من الطبقة الثامنة.
([23]) ووهم أيضا: محقق كتاب: «معجم الشيوخ» للإسماعيلي؛ في: «إبراهيم بن يزيد»، فظنه النخعي، فحكم بأنه: «ثقة»، وهو: «إبراهيم بن يزيد الخوزي»، وهو «متروك الحديث»؛ كما في «التقريب» لابن حجر (ص118).
([26]) ولذلك يجب ترك الكتب البدعية؛ مثل: «كتب الإخوانية»، و«كتب السرورية»، و«كتب التراثية»، و«كتب الصوفية»، و«كتب الداعشية»، و«كتب الربيعية»، و«كتب الأشعرية»، و«كتب العقلانية المعتزلة»، و«كتب الجهمية»، و«كتب المرجئة»، و«كتب القطبية»، و«كتب الإباضية»، وغيرها؛ إنما هلك هؤلاء باتباعهم كتب رؤوس الضلالة في هذا الزمان.
([27]) كذلك: المثناة كتب رؤوس البدع في هذا الزمان؛ مثل: «كتب حسن البنا»، و«كتب سلمان العودة»، و«كتب عبد الرحمن عبد الخالق»، و«كتب سفر الحوالي»، و«كتب القرضاوي»، و«كتب ربيع المدخلي»، و«كتب عائض القرني»، و«كتب سيد قطب»، وغيرهم.
أخرجه ابن بشكوال في «الفوائد المنتخبة» (ج1 ص364)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج10 ص210).
وإسناده حسن.