القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / ذم التقليد

2023-12-04

صورة 1
ذم التقليد

41

سلسلة

النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية

 

 

 

 

 

 

ذم

التقليد

 

 

تأليف

العلامة المحدث الفقيه فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري

حفظه الله ورعاه، وجعل الجنة مثواه

 

 

    

درة نادرة

للإمام المزني $

في

ذم التقليد والمقلدة

 

قال الإمام المزني $: (ويقال لمن حكم بالتقليد: هل لك فيما حكمت من حجة؟ فإن قال: نعم، أبطل([1]) التقليد، لأن الحجة أوجبت ذلك عنده، لا التقليد، فإن قال: بغير حجة قيل له: فلم أرقت الدماء وأبحت الفروج وأتلفت الأموال، وقد حرم الله كل ذلك فأبحته بغير حجة؟ فإن قال: أنا أعلم أني قد أصبت، وإن لم أعرف الحجة، لأن معلمي من كبار العلماء، ورأيته في العلم مقدما فلم يقل ذلك إلا بحجة خفيت عني، قيل: فتقليد معلم معلمك أولى من تقليد معلمك؛ لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عن معلمك، كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عنك؟ فإن قال: نعم، ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه، وكذلك من هو أعلى، حتى ينتهي إلى العالم من أصحاب رسول الله ﷺ، فإن أبى ذلك: نقض قوله، وقيل له: وكيف يجوز تقليد من هو أصغر وأقل علما، ولا يجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علما، وهذا متناقض؟ فإن قال: لأن معلمي، وإن كان أصغر فقد جمع علم من فوقه إلى علمه، فهو أبصر بما أخذ، وأعلم بما ترك، قيل: وكذلك من تعلم من معلمك، فقد جمع علم معلمك، وعلم من فوقه إلى علمه، فلزمك تقليده، وترك تقليد معلمك، وكذلك أنت أولى أن تقلد نفسك من معلمك؛ لأنك جمعت علمه، وعلم من فوقه إلى علمك، فإن قاد قوله: جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله ﷺ، وكذلك على الصحابي تقليد من دونه، وكذلك تقليد الأعلى الأدنى أبدا، في قياس قوله، مع ما يلزمه من تصويب من قلد غير معلمه في تخطئة معلمه، فيكون بذلك مخطئا لمعلمه، ولتقليده إياه).([2])

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

    

وملجأي إلى الله تعالى

المقدمة

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران:102].

]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].

]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 و71].

أما بعد،

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فهذا كتاب حافل في موضوعه، مفيد في بابه، جمعت فيه جملة من أقوال أئمة الإسلام من السلف والخلف في ذم التقليد جملة وتفصيلا منهم: الأئمة الأربعة؛ وهم: الإمام أبو حنيفة $، والإمام مالك $، والإمام الشافعي $، والإمام أحمد $ في نهيهم عن تقليدهم، وذمهم للتقليد في الأصول والفروع:

فهذا الإمام أبو حنيفة $ ينبذ كل طريقة بعيدة عن الأصلين: الكتاب والسنة، وينهى عن تقليده!.

وهذا الإمام مالك $ يحرص على العلم، والتمسك بالوحيين: الكتاب والسنة، وينهى عن تقليده!.

وهذا الإمام الشافعي $ يأمر بوجوب الرجوع إلى الحكمين: الكتاب والسنة، وينهى عن تقليده!.

وهذا الإمام أحمد $ يحث على الأخذ بالنورين: الكتاب والسنة، وينهى عن تقليده!. ([3])

قلت: وقد بينوا لتلاميذتهم في عدم تعصبهم لأقوالهم، وترك تقليدهم، ووجوب الأخذ بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح، وقد تبين إخلاصهم من حالهم وسيرتهم، وعبادتهم وزهدهم، وورعهم وخوفهم، وعدم تعصبهم لآرائهم، وشدة اتباعهم لله تعالى، ولرسوله r، وآثار الصحابة y، ومواقفهم من مخالفيهم، سواء كانت  المخالفة في الأصول، أم في الفروع في الدين.([4])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج20 ص211): (وهؤلاء الأئمة الأربعة رضي الله عنهم قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه، وذلك هو الواجب عليهم). اهـ

قلت: فهؤلاء الأئمة الأربعة، كلهم مجمعون على وجوب التمسك بالكتاب، والسنة، والرجوع إليهما، وترك كل قول يخالفهما.

وعليك أن تعلم أن هؤلاء العلماء الفضلاء الذين اجتهدوا في طلب الحق فأخطئوه، ولم يتعمدوا قط مخالفة النصوص، أو معارضتها؛ بل هم: متفقون بلا خلاف على وجوب إتباع حديث المصطفى r إذا ثبتت صحته.

قال الإمام المزني $ في «مختصره» (ص1): (اختصرت هذا الكتاب([5]) من علم محمد بن إدريس الشافعي $، ومن معنى قوله لأقربه على من أراده، مع إعلامه بنهيه عن تقليده، وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه، ويحتاط فيه لنفسه). اهـ

وقال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص115): (قال تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر[ [النساء: 59]؛ فلم يبح الله تعالى الرد الى أحد عند التنازع دون القرآن وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

وقد صح إجماع جميع الصحابة y أولهم عن آخرهم، وإجماع جميع التابعين أولهم عن آخرهم على الامتناع والمنع من أن يقصد منهم أحد إلى قول إنسان منهم أو ممن قبلهم فيأخذه كله، فليعلم من أخذ بجميع قول أبي حنيفة، أو جميع قول مالك، أو جميع قول الشافعي، أو جميع قول أحمد بن حنبل y ممن يتمكن من النظر، ولم يترك من اتبعه منهم إلى غيره أنه قد خالف إجماع الأمة كلها عن آخرها؛ واتبع غير سبيل المؤمنين نعوذ بالله من هذه المنزلة.

وأيضا فإن هؤلاء الأفاضل قد نهوا عن تقليدهم، وتقليد غيرهم، فقد خالفهم من قلدهم، وأيضا فما الذي جعل رجلا من هؤلاء أو من غيرهم أولى بأن يقلد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أو على بن أبي طالب، أو ابن عباس، أو عائشة أم المؤمنين. فلو ساغ التقليد لكان هؤلاء أولى بأن يتبعوا من أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، ومن ادعى من المنتسبين إلى هؤلاء أنه ليس مقلدا فهو نفسه أول عالم بأنه كاذب ثم سائر من سمعه. لأنا نراه ينصر كل قولة بلغته لذلك الذي انتمى إليه وإن لم يعرفها قبل ذلك. وهذا هو التقليد بعينه). اهـ

وقال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص114): (والتقليد حرام، ولا يحل لأحد أن يأخذ بقول أحد بلا برهان، وبرهان ذلك قوله تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون[ [الأعراف: 3]. اهـ

وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل $؛ وقيل له: إن قوما يدعون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان؟ فقال الإمام أحمد: (أعجب لقوم سمعوا الحديث وعرفوا الإسناد وصحته يدعونه، ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره، قال الله: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [[النور: 62] وتدري ما الفتنة؟ الكفر، قال الله تعالى: ]والفتنة أكبر من القتل[ [البقرة: 217] فيدعون الحديث عن رسول الله r وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي).([6])

وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله $ في «تيسير العزيز» (ص1091): (وكلام الأئمة مثل هذا كثير، فخالف المقلدون ذلك، وجمدوا على ما وجدوه في الكتب المذهبية، سواء كان صوابا أم خطأ مع أن كثيرا من هذه الأقوال المنسوبة إلى الأئمة ليست أقوالا لهم منصوصا عليها، وإنما هي تفريعات، ووجوه، واحتمالات، وقياس على أقوالهم، ولسنا نقول: إن الأئمة على خطأ، بل هم إن شاء الله على هدى من ربهم، وقد قاموا بما أوجب الله عليهم من الإيمان بالرسول r ومتابعته، ولكن العصمة منتفية عن غير الرسول r، فهو الذي لا ينطق عن الهوى ]إن هو إلا وحي يوحى[ [النجم:4] فما العذر في اتباعهم، وترك اتباع الذي لا ينطق عن الهوى؟!). اهـ

وعن الفضل بن زياد قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: نظرت في المصحف فوجدت فيه طاعة رسول الله r في ثلاثة وثلاثين موضعا، ثم جعل يتلو: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ [النور:63]، وجعل يكررها ويقول: وما الفتنة الشرك لعله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ؛ فيزيغ قلبه فيهلكه([7])، وجعل يتلو هذه الآية: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم[ [النساء:65].

وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن الحسن $ في «فتح المجيد» (ج2 ص650): (والأئمة رحمهم الله لم يقصروا في البيان، بل نهوا عن تقليدهم إذا استبانت السنة، لعلمهم أن من العلم شيئا لم يعلموه، وقد يبلغ غيرهم وذلك كثير كما لا يخفى على من نظر في أقوال العلماء). اهـ

قلت: ومن رد قول الله تعالى، وقول الرسول r، فهذا سبب لزيغ قلبه، وذلك هو الهلاك في الدنيا والآخرة.

قال تعالى: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين[ [الصف:5].

وقال الإمام ابن بطة $ في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص361): (فالله الله إخواني احذروا مجالسة من قد أصابته الفتنة فزاغ قلبه، وعشيت بصيرته، واستحكمت للباطل نصرته، فهو يخبط في عشواء، ويعشو في ظلمة أن يصيبكم ما أصابهم، فافزعوا إلى مولاكم الكريم فيما أمركم به من دعوته، وحضكم عليه من مسألته، فقولوا: ]ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب[ [آل عمران: 8]). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن $ في «إتمام المنة» (ص78): (وقد نهى الأئمة y عن تقليدهم، وأمروا بالنظر والاحتياط للدين). اهـ

وقال العلامة المعصومي $ في «هدية السلطان» (ص71): (فترى كل واحد منهم يعظم إمامه المجتهد الذي يقلده تعظيما لا يبلغ به أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا وجد حديثا يوافق مذهبه فرح به، وانقاد له وسلم! وإن وجد حديثا صحيحا سالما من النسخ والمعارض مؤيدا لمذهب غير إمامه فتح له باب الاحتمالات البعيدة وضرب عنه الصفح والتعارض، ويلتمس لمذهب إمامه وجها من الترجيح مع مخالفته للصحابة والتابعين والنص الصريح.

والمقلدون الجامدون اتخذوا ذلك دينا ومذهبا بحيث لو أقمت عليه ألف دليل من النصوص لا يصغي إليه، بل ينفر عنه كل النفور كحمر مستنفرة فرت من قسورة). اهـ

وقال العلامة المعصومي $ في «هدية السلطان» (ص80): (ولا يخفى أن كل طائفة من المقلدين قد أنزلوا جميع الصحابة، وجميع التابعين، وجميع علماء الأمة من أولهم إلى آخرهم، لا من قلدوهم، في مكان من لا يعتد بقوله، ولا ينظر في فتواه، ولا يشتغل بها إلا للرد عليهم إذا خالف قولهم قول متبعوهم. حتى إنه إذا خالف قول متبوعهم نصا عن الله تعالى، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالواجب تأويله، وإخراج ذلك النص عن دلالته، والتحيل لدفعه بكل طريق حتى يصح قول متبوعهم، فإلى الله المشتكى من بدعة هؤلاء وتعصبهم الهادمين للدين، حتى كادت تثلب عرش الإيمان، وتهدم ركنه لولا أن الله تعالى ضمن لهذا الدين أن لا يزال فيه من يتكلم بإعلامه ويذب عنه، فمن أسوأ حالا وأدبا على الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين، وأشد استخفافا بحقوقهم ممن لا يلتفت إلى قول واحد منهم؛ إلا إلى قول صاحبه الذي اتخذه وليجة من دون الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم؟.

إن فرقة التقليد قد ارتكبت مخالفة أمر الله تعالى، وأمر رسله، وهدي أصحابه وأحوال أئمتهم، وسلكوا ضد طريق أهل العلم، وهؤلاء الخلف قد عكسوا طريق السلف وقلبوا أوضاع الدين، فزيفوا كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال خلفائه، وجميع أصحابه رضي الله عنهم، وعرضوها على أقوال من قلدوه، فما وافقها منها قالوا بها، أو انقادوا إليه مذعنين، وما خالف أقوال متبوعهم منها، قالوا احتج الخصم بكذا وكذا، ولم يقبلوه ولم يدينوا به، واحتال فضلاؤهم في ردها بكل ممكن، فهم الذين فرقوا الدين وصيروا أهله شيعا، كل فرقة تنصر متبوعها، وتدعو إليه، وتذم من خالفها، ولا يرون العمل بقولهم حتى كأنهم ملة أخرى سواهم، وكان الواجب على الجميع إن ينقادوا إلى كلمة سواء بينهم كلهم وهي أن لا يطيعوا إلا الرسول الأعظم محمدا صلى الله عليه وسلم، ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله). اهـ

قال الإمام المزني $ في «مختصره» (ص1): (اختصرت هذا الكتاب([8]) من علم محمد بن إدريس الشافعي $، ومن معنى قوله لأقربه على من أراده، مع إعلامه بنهيه عن تقليده، وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه، ويحتاط فيه لنفسه). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن الحسن $ في «فتح المجيد» (ج2 ص642): (ولا يخالف في ذلك إلا جهال المقلدة، لجهلهم بالكتاب والسنة، ورغبتهم عنهما، وهؤلاء وإن ظنوا أنهم اتبعوا الأئمة؛ فإنهم في الحقيقة قد خالفوهم، واتبعوا غير سبيلهم). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر $ في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1138): (وخوفا من أن يطلع الطالب على ما هم فيه يعني: المقلدة - من النقص، والقصر فيزهد فيهم، وهم مع ما وصفنا يعيبون من خالفهم، ويغتابونه، ويتجاوزون القصد في ذمه؛ ليوهموا السامع لهم أنهم على حق، وأنهم أولى باسم العلم وهم: ]كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا[ [النور:39]). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز $ في «الفتاوى» (ج8 ص38): (وأنا والحمد لله لست بمتعصب([9])، ولكن أحكم الكتاب والسنة، وأبني فتاواي على ما قاله الله ورسوله، لا على تقليد([10]) الحنابلة ولا غيرهم، الفتاوى التي تصدر مني إنما أبنيها على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على حسب ما ظهر لي، وهذا هو الذي سرت عليه منذ عرفت العلم، منذ أن كنت في الرياض قبل القضاء، وبعد القضاء، وكذلك في المدينة ، وما بعد المدينة ، وإلى الآن والحمد لله). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «شرح الفتن» (ص5): (الإسلام دين صحيح له أصول، له قواعد، لابد من تعلمها، وأن نعرفها، لا نأخذ الإسلام بالتقليد، أو قول فلان، أو قول فلان، بل نأخذه من الكتاب والسنة، وذلك بالتعلم، وليس بالقراءة أنك تقرأ على نفسك لا تعلم على العلماء). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «مدارج السالكين» (ج2 ص197): (وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة).اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز $ في «الفتاوى» (ج1 ص343): (عليك أن تأخذ بالحق وأن تتبع الحق إذا ظهر دليله، ولو خالف فلانا، وعليك أن لا تتعصب، وتقلد تقليدا أعمى). اهـ

وقال العلامة المعصومي $ في «هدية السلطان» (ص83): (قال الله عز وجل: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب (166) وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار [[البقرة: 166-167].

اعلم أن هذه الآية أشد زلزالا على المقلدين لجمودهم على أقوال الناس وآرائهم في الدين، سواء كانوامن الأحياء أم من الميتين، وسواء التقليد في العقائد والعبادات، أم في الحلال والحرام، إذ كل هذا إنما يؤخذ عن الله تعالى، ورسوله، ليس لأحد فيه رأي ولا قول، ويدخل فيه الأئمة المضلون.

ويزعم بعض المفسرين أن أمثال هذه الآيات خاص بالكفار؛ نعم أنها خاصة بالكفار كما قالوا، ولكن من الخطأ إن يفهم من هذا الكلام ما يفصل بين المسلمين والقرآن، إذ يصرفون كل وعيد فيه إلى المشركين، واليهود، والنصارى فينصرفون عن الاعتبار المقصود([11])). اهـ

وقال الإمام محمد بن أحمد المقري من شيوخ المالكية - في «قواعده» (ص177 إيقاظ الهمم): (حذر الناصحون من أحاديث الفقهاء([12])، وتحميلات الشيوخ، وتخريجات المتفقهين، وإجماعات المحدثين). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر $ في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1138): (فعليك يا أخي بحفظ الأصول والعناية بها، واعلم أن من عنى بحفظ السنن والأحكام المنصوصة في القرآن، ونظر في أقاويل الفقهاء فجعله عونا له على اجتهاده، ومفتاحا لطرائق النظر، وتفسيرا لجمل السنن المحتملة للمعاني، ولم يقلد أحدا منهم تقليد السنن التي يجب الانقياد إليها على كل حال دون نظر، ولم يرح نفسه مما أخذ العلماء به أنفسهم من حفظ السنن وتدبرها، واقتدائهم في البحث، والتفهم والنظر، وشكر لهم سعيهم فيما أفادوه، ونبهوا عليه، وحمدهم على صوابهم الذي هو أكثر أقوالهم، ولم يبرئهم من الزلل كما لم يبرئوا أنفسهم منه، فهذا هو الطالب المتمسك بما عليه السلف الصالح، وهو المصيب لحظه والمعاين لرشده، والمتبع لسنة نبيه r، وهدي صحابته y، وعمن اتبع بإحسان آثارهم، ومن أعف نفسه من النظر، وأضرب عما ذكرنا، وعارض السنن برأيه، ورام أن يردها إلى مبلغ نظره فهو ضال مضل، ومن جهل ذلك كله أيضا وتقحم في الفتوى بلا علم فهم أشد عمى وأضل سبيلا:

لقـــد أسمعـــت لـــو ناديــت حـيـا

 

ولكـــن لا حيــــــــاة لمــــن تنــــــــادي

وقــــــد علمـــــــت أننـــــي لا أسلــــم

 

مـــــن جاهــــــل معانـــــــد لا يعلــــــم

ولســـت بنـــاج مـــن مقالــــة طاعـــن

 

ولو كنت في غــار على جبـــل وعــــر

ومن ذا الذي ينجو من الناس سالما

 

ولو غــاب عنهـــم بين خافيتـــي نســر

واعلم يا أخي أن السنن والقرآن هما أصل الرأي والعيار عليه، وليس الرأي بالعيار على السنة بل السنة عيار عليه، ومن جهل الأصل لم يصب الفرع أبدا). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص522): (وأما أن تترك السنن لقول أحد من الناس فلا، كائنا من كان). اهـ

وعن الإمام يحيى بن أكثم، يقول: (لا تقلدوا مالكا ولا الأوزاعي، ولا سفيان الثوري، ولا أبا حنيفة، ولكن اختاروا، ولكن ينبغي للذي يختار يبصر كيف يختار).

أثر صحيح

أخرجه أبو طاهر السلفي في «المشيخة البغدادية» (ج2 ص76) من طريق جعفر بن أحمد، نا أحمد بن أبي الحواري، قال: سمعت يحيى بن أكثم به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص484): (وأعجب من هذا أنهم يعني: الأئمة - مصرحون في كتبهم ببطلان التقليد وتحريمه، وأنه لا يحل القول به في دين الله تعالى). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص488): (فمن قلدتموه من الأئمة قد نهوكم عن تقليدهم فأنتم أول مخالف لهم). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص469): (وإذا كان المقلد ليس من العلماء باتفاق العلماء لم يدخل في شيء من هذه النصوص([13])).اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص572): (ولا نترك الحديث تقليدا لأحد). اهـ

قلت: وقد ذم الله تعالى الذين فرقوا دينهم؛ منهم: فرقة المقلدة.

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص524): (إن الله سبحانه ذم الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا: ]كل حزب بما لديهم فرحون[ [المؤمنون: 53]؛ وهؤلاء هم أهل التقليد بأعيانهم، بخلاف أهل العلم؛ فإنهم وإن اختلفوا لم يفرقوا دينهم ولم يكونوا شيعا، بل شيعة واحدة متفقة على طلب الحق، وإيثاره عند ظهوره، وتقديمه على كل ما سواه، فهم طائفة واحدة قد اتفقت مقاصدهم وطريقهم؛ فالطريق واحد، والقصد واحد، والمقلدون بالعكس: مقاصدهم شتى، وطرقهم مختلفة، فليسوا مع الأئمة في القصد ولا في الطريق). اهـ

قلت: وقد ذم الله تعالى الذين تقطعوا أمرهم زبرا؛ منهم: فرقة المقلدة.

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص524): (أن الله سبحانه ذم الذين تقطعوا أمرهم بينهم زبرا: ]كل حزب بما لديهم فرحون[ [المؤمنون: 53]؛ والزبر: الكتب المصنفة التي رغبوا بها عن كتاب الله، وما بعث الله تعالى به رسوله ﷺ، فقال تعالى: ]يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم (51) وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون (52) فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون [ [المؤمنون: 51 -53] فأمر تعالى الرسل بما أمر به أممهم: أن يأكلوا من الطيبات، وأن يعملوا صالحا، وأن يعبدوه وحده، وأن يطيعوا أمره وحده، وأن لا يتفرقوا في الدين؛ فمضت الرسل وأتباعهم على ذلك، ممتثلين لأمر الله، قابلين لرحمته، حتى نشأت خلوف قطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب مما لديهم فرحون، فمن تدبر هذه الآيات ونزلها على الواقع تبين له حقيقة الحال، وعلم من أي الحزبين هو، والله المستعان). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص524): (قال تعالى: ]ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون[ [آل عمران: 104] فخص هؤلاء بالفلاح دون من عداهم، والداعون إلى الخير هم الداعون إلى كتاب الله، وسنة رسوله، لا الداعون إلى رأي فلان وفلان). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص491): (أعجب من هذا كله من شأنكم معاشر المقلدين أنكم إذا وجدتم آية من كتاب الله توافق رأي صاحبكم أظهرتم أنكم تأخذون بها، والعمدة في نفس الأمر على ما قاله، لا على الآية، وإذا وجدتم آية نظيرها تخالف قوله لم تأخذوا بها، وتطلبتم لها وجوه التأويل، وإخراجها عن ظاهرها حيث لم توافق رأيه، وهكذا تفعلون في نصوص السنة سواء، وإذا وجدتم حديثا صحيحا يوافق قوله أخذتم به، وقلتم: «لنا قوله ﷺ كيت وكيت»، وإذا وجدتم مائة حديث صحيح بل وأكثر تخالف قوله لم تلتفتوا إلى حديث منها، ولم يكن لكم منها حديث واحد فتقولون: لنا قوله ﷺ كذا وكذا، وإذا وجدتم مرسلا قد وافق رأيه أخذتم به وجعلتموه حجة هناك، وإذا وجدتم مائة مرسل تخالف رأيه أطرحتموها كلها من أولها إلى آخرها، وقلتم: لا نأخذ بالمرسل). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج2 ص491): (أعجب من هذا كله أنكم إذا أخذتم بالحديث مرسلا كان أو مسندا موافقته رأي صاحبكم ثم وجدتم فيه حكما يخالف رأيه لم تأخذوا به في ذلك الحكم، وهو حديث واحد، وكأن الحديث حجة فيما وافق رأي من قلدتموه، وليس بحجة فيما خالف رأيه). اهـ

 

وعن عبد الله بن المعتز $ قال: (لا فرق بين بهيمة تنقاد، وإنسان يقلد).([14])

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص989): (وهذا كله نفي للتقليد وإبطال له لمن فهمه وهدي لرشده). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص484): (فإنهم بنوا يعني: الأئمة - على الحجة، ونهوا عن التقليد، وأوصوهم([15])! إذا ظهر الدليل أن يتركوا أقوالهم ويتبعوه، فخالفوهم([16]) في ذلك كله). اهـ

قال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله $ في «تيسير العزيز» (ص548): (أن الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم، قد نهوا عن تقليدهم مع ظهور السنة).اهـ

قلت: والمقصود: هنا أنه يجب على المسلم أن يقدر كلام الله تعالى، وكلام رسوله r.

قال تعالى: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [[النور: 62].

قلت: وما كان أحدهم إذا سمع نص الكتاب، أو نص السنة، وصح لديه أن يعمد إلى معارضته: بقول، أو قياس، أو ذوق، أو سياسة، أو واقع.([17])

فرحم الله تعالى علماء هذه الأمة الذين حفظوا لها دينها.

قال الإمام العز بن عبد السلام $ في «قواعد الأحكام» (ج2 ص228): (معظم الناس خاسرون، وأقلهم رابحون، فمن أراد أن ينظر في خسره وربحه فليعرض نفسه على الكتاب والسنة فإن وافقهما فهو الرابح إن صدق ظنه في موافقتهما، وإن كذب ظنه فيا حسرة عليه، وقد أخبر الله تعالى بخسران الخاسرين وربح الرابحين، وأقسم بالعصر إن الإنسان لفي خسر إلا من اجتمع فيه أربعة أوصاف:

أحدها: الإيمان.

والثاني: العمل الصالح.

والثالث: التواصي بالحق.

والرابع: التواصي بالصبر). اهـ

هذا؛ وأسأل الله تعالى أن يجعلنا خير خلف لخير سلف.

                                                                                                               كتبـه

أبو عبد الرحمن الأثري

    

عونك يا رب يسر

ذكر الدليل

على ذم فرقة التقليد في الدين

 

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج4 ص28): (وهذا باب واسع لو تتبعناه لجاء سفرا كبيرا، فنسأل حينئذ فرقة التقليد: هل يجوز أن يخفى على من قلدتموه بعض شأن رسول الله r؛ كما خفي ذلك على سادات الأمة أولا؟ فإن قالوا: «لا يخفى عليه» وقد خفي على الصحابة y مع قرب عهدهم؛ بلغوا في الغلو مبلغ مدعي العصم في الأئمة([18])، وإن قالوا: «بل يجوز أن يخفى عليهم» وهو الواقع وهم مراتب في الخفاء في القلة والكثرة، قلنا: فنحن نناشدكم الله تعالى الذي هو عند لسان كل قائل وقلبه، وإذا قضى الله تعالى، ورسوله r أمرا خفي على من قلدتموه هل تبقى لكم الخيرة بين قبول قوله ورده أم تنقطع خيرتكم وتوجبون العمل بما قضاه الله تعالى، ورسوله r عينا لا يجوز سواه؟ فأعدوا لهذا السؤال جوابا، وللجواب صوابا؛ فإن السؤال واقع؛ والجواب لازم. والمقصود أن هذا هو الذي منعنا من التقليد، فأين معكم حجة واحدة تقطع العذر، وتسوغ لكم ما ارتضيتموه لأنفسكم من التقليد). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص490): (من أعجب أمركم أيها المقلدون أنكم اعترفتم، وأقررتم على أنفسكم بالعجز عن معرفة الحق بدليله من كلام الله تعالى، وكلام رسوله ﷺ، مع سهولته وقرب مأخذه). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص492): (طرف من تخبط المقلدين في الأخذ ببعض السنة وترك بعضها الآخر). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص533): (فأي مستراح في هذا لفرقة التقليد). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص539): (وهذا عكس طريقة فرقة أهل التقليد من كل وجه). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص540)؛ بعدما ذكر طريقة أهل العلم في الاحتجاج بالدليل: (وهذا كله خلاف طريقة المقلدين). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص522): (أن فرقة التقليد قد ارتكبت مخالفة أمر الله تعالى، وأمر رسوله ﷺ، وهدي أصحابه ﭫ، وأحوال أئمتهم، وسلكوا ضد طريق أهل العلم، أما أمر الله فإنه أمر برد ما تنازع فيه المسلمون إليه، وإلى رسوله ﷺ). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص555): (وطريقة فرقة التقليد خلاف ذلك). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص556): (فأين هذا من قول فرقة التقليد). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص560): (ثم حدثت بعد هؤلاء فرقة([19]) هم: أعداء العلم وأهله). اهـ

وقال العلامة الصنعاني $ في «إرشاد النقاد» (ص141): (وأما الأئمة الأربعة؛ فإن كلا منهم مصرح بأنه لا يقدم قوله على قول رسول الله r). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج19 ص262): (والمقصود هنا أن التقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله تعالى، ورسولهr  بما يخالف ذلك كائنا من كان المخالف لذلك). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن الحسن $ في «فتح المجيد» (ص339): (وقد عمت البلوى بهذا المنكر يعني: التقليد - خصوصا ممن ينتسب إلى العلم، نصبوا الحبائل في الصد عن الأخذ بالكتاب والسنة، وصدوا الناس عن متابعة الرسول r، وتعظيم أمره ونهيه). اهـ

قلت: لقد عظمت جنايات المقلدين على أحاديث رسول الله r، وعلى أئمة مذاهبهم الذين تبرءوا عن إثبات مقال لهم يخالف نصا ثبوتيا.

فإنها إذا وردت بخلاف ما قرره من قلدوه، حرفوها عن مواضعها، وحملوها على غير ما أراده r.

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج1 ص7): (المتعصب ليس في زمرة العلماء). اهـ

وقال الإمام ابن حزم $ في «المحلى بالآثار» (ج4 ص509)؛ عن مثل المقلدة الذين في زماننا: (إلا هؤلاء المقدمون، نصرا لتقليدهم الفاسد، ونعوذ بالله من الخذلان). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر $ في «جامع بيان العلم» (ج2 ص993): (قالوا: والمقلد لا علم له، ولم يختلفوا في ذلك). اهـ

قلت: فكل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده.([20])

قال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص265) عن التقليد: (هو قبول رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة). اهـ

قلت: إذا فالتقليد هو أن يتبع الإنسان غيره في قول، أو فعل، أو اعتقاد، أو سلوك من غير دليل، ولا نظر، ولا تأمل، ودون إدراك، ولا وعي.([21])

وقال الإمام الشافعي $ في «الرسالة» (ص219): (قد يجهل الرجل السنة فيكون له قول يخالفها، لا أنه عمد خلافها، وقد يغفل المرء ويخطئ في التأويل).اهـ

قلت: فكيف يجوز تقليد قوم يخطئون ويصيبون: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].

قال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله $ في «تيسير العزيز الحميد» (ص548): (أن الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم، قد نهوا عن تقليدهم مع ظهور السنة). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر $ في «جامع بيان العلم» (ج2 ص144): (يقال لمن قال بالتقليد: لم قلت به وخالفت السلف في ذلك؟ فإنهم لم يقلدوا فإن قال: قلدت؛ لأن كتاب الله عز وجل لا علم لي بتأويله، وسنة رسوله لم أحصها والذي قلدته قد علم ذلك فقلدت من هو أعلم مني قيل له: أما العلماء إذا اجتمعوا على شيء من تأويل الكتاب، أو حكاية سنة عن رسول الله r أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق لا شك فيه، ولكن قد اختلفوا فيما قلدت فيه بعضهم دون بعض، فما حجتك في تقليد بعض دون بعض، وكلهم عالم ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه). اهـ

وقال الإمام العز بن عبد السلام $ في «قواعد الأحكام» (ج2 ص135): (ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، ومع هذا يقلده فيه، ويترك من الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبه جمودا على تقليد إمامه، بل يتحلل لدفع ظواهر الكتاب والسنة، ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده).اهـ

قلت: والمقلدون الجامدون اتخذوا ذلك دينا ومذهبا بحيث لو أقمت عليه ألف دليل من النصوص لا يصغى إليه، بل ينفر عنه كل النفور؛ كحمر مستنفرة فرت من قسورة.([22])

وقال الإمام ابن حزم $ في «التلخيص» (ص53 الرد على من أخلد إلى الأرض): (هل أباح: مالك، وأبو حنيفة، والشافعي ﭫ؛ قط لأحد تقليدهم حاشا لله من هذا، بل والله قد نهوا عن ذلك، ومنعوا منه، ولم يفسحوا لأحد فيه).اهـ

وقال شيخنا الإمام محمد بن صالح العثيمين $ في «الخلاف بين العلماء» (ص28): (فالواجب على من علم بالدليل إن يتبع الدليل، ولو خالف من خالف من الأئمة). اهـ

وقال العلامة الفلاني $ في «الإيقاظ» (ص169): (يحرم على المفتي أن يفتي بضد لفظ النص، وإن وافق مذهبه). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في «الأجوبة المفيدة» (ص46): (نأخذ من أقوال العلماء والفقهاء ما وافق الدليل من كتاب وسنة، ونترك ما خالف الدليل). اهـ

قلت: فوجب العمل بالدليل الراجح الصحيح، وهو ظاهر القول، ولا يجوز العدول عنه؛ إلا بدليل، وعلى ذلك السلف الصالح، والله المستعان.

قال الحافظ ابن عبد البر $ في «جامع بيان العلم» (ج2 ص996): (ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد؛ فأغنى ذلك عن الإكثار). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج20 ص210): (واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصوما في كل ما يأمر به، وينهى عنه إلا رسول الله r، ولهذا قال غير واحد من الأئمة: كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا رسول الله r). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج2 ص15): (أما التقليد الباطل المذموم فهو: قبول قول الغير بلا حجة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج19 ص191): (بل يضل عن الحق من قصد الحق، وقد اجتهد في طلبه فعجز عنه فلا يعاقب وقد يفعل بعض ما أمر به فيكون له أجر على اجتهاده وخطؤه الذي ضل فيه عن حقيقة الأمر مغفور له.

وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم.

وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله: قال تعالى: ]ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [[البقرة: 286]، وفي الصحيح أن الله قال: قد فعلت([23])). اهـ

قلت: فالمقلدة من أصحاب المذاهب يتركون الحديث الذي صح بعد موت إمامهم ويأخذون بالحديث الضعيف؛ لأن يوافق أهواءهم في الحكم.

فالإمام معذور واتباعه غير معذورين، وقولهم: إن أمامهم لم يأخذ بهذا الحديث، لا ينتهض حجة لاحتمال أنه لم يظفر به، أو ظفر به لكنه لم يصح عنده.

وهذا الأمر الذي ذكرناه يقع فيه كثير من المقلدة، فإذا وجدوا عن أصحاب إمام مسألة جعلوها مذهبا لذلك الإمام، وهو تعصب، فإن مذهب الإمام حقيقة هو ما قاله، ولم يرجع عنه إلى أن مات، لا ما فهم أصحابه من كلامه، فقد لا يرى الإمام ذلك الأمر الذي فهمه من كلامه، ولا يقول به لو عرض عليه.([24])

قلت: فإن قلت: فما أصنع بالأحاديث التي صحت بعد موت إمامي، ولم يأخذ بها؟

فالجواب: ينبغي لك أن تعمل بها، فإن إمامك لو ظفر بها وصحت عنده، لربما كان أمرك بها، فإن الأئمة كلهم أسرى في يد الشريعة، ومن فعل ذلك فقد حاز الخير بكلتا يديه.

ومن قال: لا أعمل بحديث إلا أن أخذ به إمامي، فاته خير كثير، كما عليه كثير من المقلدين لأئمة المذاهب.

وكان الأولى لهم العمل بكل حديث صح بعد إمامهم، تنفيذا لوصية الأئمة، فإن اعتقدنا فيهم أنهم لو ظفروا بتلك الأحاديث التي صحت بعدهم، لأخذوا بها، وعملوا بها. ([25])

وقال الإمام العز بن عبد السلام $ في «قواعد الأحكام» (ج2 ص228): (والشرع ميزان يوزن به الرجال، والأقوال، والأعمال والمعارف، والأحوال، فمن رجحه ميزان الشرع فهو أرجح، ولا إثم على أحد من المخطئين إذا قام بما أوجب الله تعالى عليه من المبالغة في الاجتهاد، وفي تعرف الأحكام؛ لأنه أدى ما عليه.

فمن أصاب الحق منهم أجر أجرين؛ أحدهما: على اجتهاده، والثاني: على صوابه، ومن أخطأ بعد بذل الجهد عفي عن خطئه، وأجر على قصده على الصواب في مقدمات اجتهاده). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص469): (وقد نهى الأئمة الأربعة عن تقليدهم، وذموا من أخذ أقوالهم بغير حجة). اهـ

وقال الإمام العز بن عبد السلام $ في «قواعد الأحكام» (ج2 ص157): (فسبحان الله ما أكثر من أعمى التقليد بصره حتى حمله على مثل ما ذكر). اهـ

وقال الإمام أبو شامة المقدسي الشافعي $ في «المؤمل» (ص132): (فكيف حال من يترك ذلك؛ لأنه لا يجده في كتب المتأخرين المقلدين، أو يجد فيها خلافه). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص560): (فعدل هؤلاء المتأخرون المقلدون إلى التيمم([26])، والماء بين أظهرهم). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص573): (وكانوا يسمون المقلد الإمعة، ومحقب دينه... وكانوا يسمونه الأعمى الذي لا بصيرة له، ويسمون المقلدين أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يركنوا إلى ركن وثيق... وكما سماه الشافعي: حاطب ليل). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص522): (أن فرقة التقليد قد ارتكبت مخالفة أمر الله تعالى، وأمر رسوله ﷺ، وهدي أصحابه ﭫ، وأحوال أئمتهم رحمهم الله، وسلكوا ضد طريق أهل العلم). اهـ

قلت: والله تعالى أمر عند التنازع الرجوع إلى الكتاب والسنة.

وأما المقلدون إذا تنازع الناس رجعوا إلى من قلدوه، أو إلى مذهبهم حتى لو علموا بالخطأ، وهذا من أعظم البدع في الدين أن يترك أمر الله تعالى، وأمر رسوله ﷺ إلى العصبية المذهبية. ([27])

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص484): (وأعجب من هذا أن أئمتهم نهوهم عن تقليدهم؛ فعصوهم وخالفوهم، وقالوا: نحن على مذاهبهم!). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص535): (والمقلد لا يعرف الحق من الباطل، ولا الحالي من العاطل). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص488): (وإذا كان هذا هو الهدى فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تؤفكون). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج20 ص333): (فإن الله أوجب على كل مجتهد أن يقول بموجب ما عنده من العلم، والله يخص هذا من العلم والفهم ما لا يخص به هذا، وقد يكون هذا هو المخصوص بمزيد العلم والفهم في نوع من العلم، أو باب منه، أو مسألة وهذا هو مخصوص بذلك في نوع آخر). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين $ في «مختارات من إعلام الموقعين» (ص9): (أجمع الناس على أن المقلد ليس معدودا من أهل العلم، وأن العلم معرفة الحق بدليله). اهـ

وقال العلامة الشوكاني $ في «القول المفيد» (ص108): (وإن التقليد لم يحدث إلا بعد انقراض خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وإن حدوث التمذهب بمذاهب الأربعة، إنما كان بعد انقراض عصر الأئمة الأربعة، وإنهم كانوا على نمط من تقدمهم من السلف في هجر التقليد، وعدم الاعتداد به، وإن هذه المذاهب إنما أحدثها عوام المقلدة لأنفسهم من دون أن يأذن بها إمام من الأئمة المجتهدين). اهـ

قلت: إذا فلا يجوز تنزيل أصحاب المذاهب بمنزلة الرسول r، وفي تنزيل أقوالهم بمنزلة النصوص الشرعية.

لذلك لم يكون عجبا أن تجد الأقوال الكثيرة من علماء المذاهب، والأئمة الأربعة، وغيرهم الناهية عن التقليد المذموم. ([28])

قال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله $ في «تيسير العزيز» (ص1091): (وكلام الأئمة مثل هذا كثير، فخالف المقلدون ذلك، وجمدوا على ما وجدوه في الكتب المذهبية، سواء كان صوابا أم خطأ مع أن كثيرا من هذه الأقوال المنسوبة إلى الأئمة ليست أقوالا لهم منصوصا عليها، وإنما هي تفريعات ووجوه واحتمالات وقياس على أقوالهم، ولسنا نقول: إن الأئمة على خطأ، بل هم إن شاء الله على هدى من ربهم، وقد قاموا بما أوجب الله عليهم من الإيمان بالرسول r ومتابعته، ولكن العصمة منتفية عن غير الرسول r، فهو الذي ]وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [[النجم: 3 -4]. فما العذر في اتباعهم وترك اتباع الذي لا ينطق عن الهوى؟!). اهـ

وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله $ في «تيسير العزيز» (ص1087): (وقد وقع في هذا التقليد المحرم خلق كثير ممن يدعي العلم، والمعرفة بالعلوم؛ ويصنف التصانيف في الحديث والسنن!، ثم بعد ذلك تجده جامدا على أحد هذه المذاهب، ويرى الخروج عنها من العظائم!). اهـ

وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله $ في «تيسير العزيز» (ص1087): (ومثل هؤلاء يعني: المقلدة - ليسوا من أهل العلم، كما حكى الإجماع على أنهم ليسوا منهم: أبو عمر بن عبد البر وغيره). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن $ في «فتح المجيد» (ج2 ص642): (وقد تقدم حكاية الإجماع على ذلك، وبيان أن المقلد ليس من أهل العلم، وقد حكى أيضا أبو عمر بن عبد البر وغيره الإجماع على ذلك). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج20 ص211): (وهؤلاء الأئمة الأربعة رضي الله عنهم قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه، وذلك هو الواجب عليهم). اهـ

قلت: فهؤلاء الأئمة الأربعة، كلهم مجمعون على وجوب التمسك بالكتاب، والسنة، والرجوع إليهما، وترك كل قول يخالفهما.

وعليك أن تعلم أن هؤلاء العلماء الفضلاء الذين اجتهدوا في طلب الحق فأخطأوه، لم يتعمدوا قط مخالفة النصوص، أو معارضتها؛ بل هم: متفقون بلا خلاف علىوجوب إتباع حديث المصطفى r إذا ثبتت صحته.

قال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله $ في «تيسير العزيز» (ص548): (أن الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم، قد نهوا عن تقليدهم مع ظهور السنة).اهـ

قلت: والمقصود: هنا أنه يجب على المسلم أن يقدر كلام الله تعالى، وكلام رسوله r.

قال تعالى: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [[النور: 62].

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج2 ص143): (فرضي الله عن أئمة الإسلام، وجزاهم عن نصيحتهم للأمة خيرا، ولقد امتثل وصيتهم وسلك سبيلهم أهل العلم والدين من أتباعهم.

وأما المتعصبون فإنهم عكسوا القضية، ونظروا في السنة، فما وافق أقوالهم منها قبلوه، وما خالفها تحيلوا في رده، أو رد دلالته!). اهـ

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص488): (فمن قلدتموه من الأئمة قد نهوكم عن تقليدهم؛ فأنتم أول مخالف لهم). اهـ

قلت: فقد وضح لك من أقوال الأئمة أنه متى جاء عن رسول الله ﷺ حديث ثابت فواجب المصير إلى ما دل عليه في الحكم. ([29])

قال تعالى: ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [[الأحزاب: 21].

وقال تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [[النساء: 65].

وقال تعالى: ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا [[الأحزاب: 36].

وقال تعالى: ]وإن تطيعوه تهتدوا [[النور: 54].

وقال تعالى: ]ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما [[الأحزاب: 71].

وقال تعالى: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [[النور: 63].

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج1 ص7): (تالله إنها فتنة عمت فأعمت، ورمت القلوب فأصمت، ربا عليها الصغير، وهرم فيها الكبير، واتخذ لأجلها القرآن مهجورا، وكان ذلك بقضاء الله وقدره في الكتاب مسطورا، ولما عمت بها البلية، وعظمت بسببها الرزية، بحيث لا يعرف أكثر الناس سواها، ولا يعدون العلم إلا إياها؛ فطالب الحق من مظانه لديهم مفتون، ومؤثره على ما سواه عندهم مغبون.

نصبوا لمن خالفهم في طريقهم الحبائل وبغوا له الغوائل، ورموه عن قوس الجهل والبغي والعناد، وقالوا لإخوانهم كما قال فرعون لملئه في موسى ]إنا نخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد [[غافر: 26].

ورحم الله ابن القيم حيث قال بعد ذكر صفات المسترشد: (ثم خلف من بعدهم خلوف فرقوا دينهم، وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون، وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا، وكل إلى ربهم راجعون، جعلوا التعصب للمذاهب ديانتهم التي بها يدينون، ورءوس أموالهم التي بها يتجرون، وآخرون منهم قنعوا بمحض التقليد وقالوا: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون[ [الزخرف: 23]، والفريقان بمعزل عما ينبغي اتباعه من الصواب، ولسان الحق يتلو عليهم: ]ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب[ [النساء: 123]. اهـ

وقال ابن عبد البر:

لقد أسمعت لو ناديت حيا

 

 

ولكن لا حياة لمن تنادي

وقد علمت أنني لا أسلم

 

 

من جاهل معاند لا يعلم([30])

وقال صالح بن عبد القدوس الشاعر([31]):

يا أيها الدارس علما ألا

 

 

تلتمس العون على درسه

لن تبلغ الفرع الذي رمته

 

 

إلا ببحث منك عن أسه([32])

وقال منذر بن سعيد:

كبيرهم يصغر عند الحفل

 

 

لأنه قلد أهل الجهل([33])

 

 

وقال ابن معدان:

وكـــل ســـاع بغيــر علـــــــــم

 

 

فرشــــــــده غيــر مستبـــــــــان

والعلــــــــم حـــق لــه ضيــــاء

 

 

في القلب والعقل واللسـان([34])

 

وقال عمار الكلبي:

إن الرواة على جهل بما حملوا

 

 

مثل الجمال عليها يحمل الودع

لا الودع ينفعه حمل الجمال له

 

 

ولا الجمال بحمل الودع تنتفع([35])

 

 

وقال الخشني:

قطعت بلاد الله للعلم طالبا

 

 

فحملت أسفارا فصرت حمارها

إذا ما أراد الله حتفا بنملة

 

 

أتاح جناحين لها فأطارها([36])

وقال منذر بن سعيد:

انعق بما شئــت تجــد أنصـــارا

 

 

ورم أسفــــــارا تجـــــد حمـــارا

يحمل ما وضعت من أسفـــــار

 

 

مثلــــــــه كمثـــــــــل الحمــــــار

يحمــل أسفـــارا لــه ومــا درى

 

 

إن كان ما فيها صوابا أو خطا([37])

 

وقال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص115): (قال تعالى؛ مادحا لقوم لم يقلدوا: ]فبشر عباد (17) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب [[الزمر: 17-18]). اهـ

قلت: والتقليد الحرام للعلماء هو: أخذ أقوالهم بغير دليل من الكتاب، أو السنة.([38])

وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله في «التعليق على مقدمة المجموع» (ص244): (العامة لا ينبغي أن يقلدوا الفتوى أبدا؛ لأنهم يضيعون ويضيعون، وكذلك المقلدون).([39]) اهـ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج22 ص249): (وأما أن يقول قائل: إنه يجب على العامة تقليد فلان أو فلان فهذا لا يقوله مسلم). اهـ

وعن عصام بن يوسف قال: شهدت مسجدا فيه من أصحاب أبي حنيفة: زفر([40])، ويعقوب([41])، وأسد([42])؛ سمعتهم يقولون: سمعنا أبا حنيفة يقول: (لا يحل لأحد أن يفتي بشيء من كلامنا حتى يعقله من حيث قلنا).

أثر صحيح

أخرجه أبو موسى المديني في «الأمالي» (ص49)، وابن عبد البر في «الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء» (ص144) من طريق أحمد بن سهل، سمعت الفضل بن سالم، سمعت حمدان بن سهل، سمعت عصام بن يوسف به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وهذا الإسناد توبع بالذي بعده أيضا.

وذكره الفلاني في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص209)، والشيخ الألباني في «صفة الصلاة» (ج1 ص24).

وعن عصام بن يوسف([43])  قال: سمعت أربعة من أصحاب أبي حنيفة؛ منهم: محمد بن الحسن، وأسد بن عمرو، يقولون: سمعنا أبا حنيفة يقول: (حرام على الرجل أن يأخذ بقولنا حيث يتبين الذي قلنا من أين قلنا، فإنا إنما قلنا من كتاب، وسنة). وفي رواية: (لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعلم من أين قلناه).

أثر صحيح

أخرجه أبو موسى المديني في «الأمالي» (ص49) من طريق الصلت بن عبدالقوي بن عبدالجبار بن حمزة الترمذي سمعت حمدان بن سهل سمعت عصام بن يوسف به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وهذا الإسناد توبع بالذي قبله.

وذكره الفلاني في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص209)، والقرشي في «الجواهر المضية» (ج1 ص347)، وابن عابدين في «الحاشية» (ج6 ص293)، وابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج2 ص309).

قال العلامة الفلاني $ في «إيقاظ الهمم» (ص210): (ومعنى: قوله؛ (من أين قلناه أي: ما لم يعلم دليل قولنا وحجته). اهـ

قلت: وفي كلام الأئمة إشارة إلى أنهم لا يبيحون لغيرهم أن يقلدوهم فيما يقولون بغير أن يعلموا دليل قولهم. ([44])

ويعني: قول الإمام أبي حنيفة $ إذا قلت قولا من اجتهادي، وهو يخالف كتاب الله تعالى؛ فاتركوا قولي لكتاب الله تعالى.

إذا قلت قولا من اجتهادي، وهو يخالف خبر الرسول r، فاتركوا قولي لخبر رسول الله r.

قلت: إذا إذا صح الحديث([45]) فهو مذهب الإمام أبي حنيفة $.

وعن زفر بن الهذيل قال: سمعت أبا حنيفة يقول: (لا يحل لمن يفتي من كتبي أن يفتي حتى يعلم من أين قلت).

أثر صحيح

أخرجه ابن عبد البر في «الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء» (ص267) من طريق أبي نصر محمد بن حاتم المازني الحافظ قال: أخبرنا عبد الصمد بن الفضل البلخي قال: سمعت عصام بن يوسف قال: سمعت زفر بن الهذيل به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «صفة الصلاة» (ج1 ص24).

وعن زفر بن الهذيل قال: كنا نختلف إلى أبي حنيفة، ومعنا أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، فكنا نكتب عنه، قال زفر: فقال يوما أبو حنيفة ؛ لأبي يوسف: ويحك يا يعقوب لا تكتب كل ما تسمعه مني، فإني قد أرى الرأي اليوم، فأتركه غدا، وأرى الرأي غدا، وأتركه بعد غد([46])).

أثر حسن

أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (ج13 ص424) من طريق علي بن إسحاق المادراني قال: سمعت العباس بن محمد يقول: سمعت أبا نعيم يقول: سمعت زفر بن الهذيل به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن أبي نعيم قال: سمعت أبا حنيفة يقول: لأبي يوسف: (لا تروي عني شيئا، فإني والله ما أدري أمخطئ أنا، أم مصيب([47])). وفي رواية: (يقول لأبي يوسف: يا يعقوب لا ترو عني شيئا، فوالله ما أدري أمخطئ أم مصيب).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (ج13 ص424)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (426) من طريق محمد بن أبي عمر الدوري المقرئ([48]) حدثنا أبو  نعيم به.

قلت: وهذا سنده صحيح.                   

وعن الإمام أبي حنيفة $ قال: (عجبا للناس يقولون: إني أفتي بالرأي([49])، ما أفتي إلا بالأثر).

أثر حسن

أخرجه ابن خسرو في «مسند الإمام أبي حنيفة» (ج1 ص165) من طريق عبدالعزيز بن أبي زرمه يقول: سمعت نعيم بن عمرو يقول: سمعت أبا حنيفة $ به.

قلت: وهذا سنده حسن.

قال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله $ في «تيسير العزيز» (ج2 ص1090): (فلم يقل هذا الإمام يعني: أبا حنيفة - ما يدعيه جفاة المقلدين له: أنه لا يقول قولا يخالف كتاب الله، حتى أنزلوه بمنزلة المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى). اهـ

وقال الإمام ابن حزم $ في «الإيصال» (ص494): (فواجب على أصحابه يعني: الحنفية أن يقبلوه كما أخبر بعلمه عن نفسه). اهـ

وعن عبد الله بن المعتز $ قال: (لا فرق بين بهيمة تنقاد، وإنسان يقلد).([50])

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص989): (وهذا كله نفي للتقليد وإبطال له لمن فهمه وهدي لرشده). اهـ

وعن عبد الله بن وهب قال: قال مالك: (لم يكن من فتيا الناس أن يقال: لم قلت هذا؟ كانوا يكتفون بالرواية، ويرضون بها).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص628) من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن أبي زيد في «الجامع» (ص148).

وقال أشهب، سمعت مالكا / يقول: (ما الحق إلا واحد، قولان مختلفان لا يكونان صوابا جميعا، ما الحق والصواب إلا واحد.

قال أشهب: وبه يقول الليث بن سعد).([51])

وقال أشهب /: سئل مالك بن أنس / عن اختلاف أصحاب رسول الله r فقال: (خطأ وصواب فانظر في ذلك).([52]) يعني: في الدليل.

وقال ابن وهب: سئل مالك عمن أخذ بحديثين مختلفين حدث بهما ثقة عن أصحاب رسول الله r أتراه من ذلك في سعة؟ فقال: (لا والله حتى يصيب الحق، وما الحق إلا واحد، قولان مختلفان يكونان صوابا جميعا، وما الحق والصواب إلا في واحد).([53])

وقال ابن القاسم، عن مالك، أنه قال: في اختلاف أصحاب رسول الله r: (مخطئ ومصيب فعليك بالاجتهاد).([54]) يعني: في تتبع الدليل، ومعرفته والأخذ به.

وقال ابن القاسم، سمعت مالكا، والليث، يقولان في اختلاف أصحاب رسول الله r ليس كما قال ناس: (فيه توسعة ليس كذلك، إنما هو خطأ وصواب).([55])

قلت: هذه عبارة علمية صدرت من إمام أهل السنة في زمانه ممن تلقى العلم من التابعين الذين أخذوه عن الصحابة الكرام عن الرسول r، وهو إمام عالم بالأدلة الشرعية، ومقاصد الشرعية.

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص922): (الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص80): (والواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس على الأصول على الصواب منها وذلك لا يعدم). اهـ

قلت: فعلى الناظر في مسائل الخلاف أن يختار القول الذي يرجحه الدليل بغض النظر عن طبيعة هذا القول من حيث اليسر والغلظة، وليس وجود الخلاف بمسوغ لأحد أن يأخذ بأي القولين شاء دون نظر وتثبت.([56])

وعن معن بن عيسى قال: سمعت مالك بن أنس يقول: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكلما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكلما لم يوافق الكتاب والسنة، فاتركوه).

أثر حسن

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص775)، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص149)، والفلاني في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص264)، وأبو شامة في «المؤمل» (ص133) من طريق موسى بن إسحاق نا إبراهيم بن المنذر نا معن بن عيسى به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وذكره الشيخ الألباني في «صفة الصلاة» (ج1 ص26)، والقاضي عياض في «ترتيب المدارك» (ج1 ص146)، والشاطبي في «الموافقات»  (ج5 ص331).

قال الإمام أبو شامة المقدسي الشافعي / في «المؤمل» (ص133): (فهذا الإمام مالك بن أنس / قد سبق إمامنا الشافعي؛ بهذا الكلام وهو الحق، وذلك الظن بجميع الأئمة، وإن لم ينقل عنهم). اهـ

وقال الإمام الشافعي $: (إذا وجدتم سنة من رسول الله ﷺ خلاف قولي فخذوا بالسنة ودعوا قولي فإني أقول بها).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «مناقب الإمام الشافعي» (ج1 ص472)، والسمعاني في «أدب الإملاء والاستملاء» (321)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج51 ص389)، والذهبي في «السير» (ج10 ص77) من طريقين عن الربيع بن سليمان عن الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره أبو شامة المقدسي في «خطبة الكتاب المؤمل» (ص218)، وابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج4 ص45).

وقال الإمام الشافعي $: (إذا جاء عن أصحاب النبي ﷺ أقاويل مختلفة، ينظر إلى ما هو أشبه بالكتاب والسنة فيؤخذ به).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي حاتم في «آداب الإمام الشافعي» (ج1 ص472)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص440) من طريق يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: وإنما كان الأمر كذلك؛ لأن أقاويلهم المختلفة بمثابة الأدلة المتعارضة فيرجح أحدهما بمرجح.

وقال الإمام الشافعي $: (إذا صح لكم الحديث عن رسول الله ﷺ فخذوا به ودعوا قولي).

أثر صحيح

أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (ج5 ص497) من طريق ابن خزيمة قال: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي به.  

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره أبو شامة المقدسي في «خطبة الكتاب المؤمل» (ص78).

قال الحافظ ابن حبان $ في «صحيحه» (ج5 ص498): (وللشافعي $ عليه في كثرة عنايته بالسنن، وجمعه لها، وتفقهه فيها، وذبه عن حريمها، وقمعه من خالفها). اهـ

قلت: فلا عذر لأحد بعد السنة في ضلالة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه ضلالة، وقد بينت الأمور، وثبتت الحجة، وانقطع العذر.

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص538): (أنهم يعني: الصحابة - لم يكونوا يدعون ما يعرفون من السنة تقليدا لهؤلاء الثلاثة كما تفعله فرقة التقليد، بل من تأمل سيرة القوم رأى أنهم كانوا إذا ظهرت لهم السنة لم يكونوا يدعونها لقول أحد كائنا من كان). اهـ

وقال الإمام الشافعي $: (لقد ضل من ترك حديث رسول الله ﷺ لقول من بعده).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386) من طريق يوسف بن القاسم الميانجي حدثني الحسين بن الفتح قال: حدثني أبو محمد بن صاعد، نا بحر، نا الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الإمام الشافعي $: (إذا جاء عن أصحاب النبي ﷺ أقاويل مختلفة ينظر إلى ما هو أشبه بالكتاب والسنة فيؤخذ به).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص440)، وابن أبي حاتم في «آداب الإمام الشافعي» (ص280) من طريق يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص530)، والفلاني في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص333) من طريق أبي العباس أخبرنا الربيع بن سلمان به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الإمام الخطيب البغدادي $ في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص440): (فأما إذا اختلفت الصحابة على قولين لم يكن قول بعضهم حجة على بعض , ولم يجز تقليد واحد من الفريقين , بل يجب الرجوع إلى الدليل). اهـ

وبوب الإمام الخطيب البغدادي $ في «الكفاية» (ج2 ص560)؛ باب: القول في ترجيح الأخبار.

قلت: فكيف الحال اليوم بمن يقدمون آراء الرجال - عالمهم وجاهلهم - على هدي نبيهم ﷺ. اللهم غفرا.([57])

فإذا ظهر هذا وتقرر تبين أن التعصب لمذهب الإمام المقلد ليس هو باتباع أقواله كلها كيفما كانت، بل بالجمع بينها وبين ما ثبت من الأخبار والآثار، ويكون الخبر هو المتبع، ويؤول كلام ذلك الإمام تنزيلا له الخبر، والأمر عند المقلدين، أو أكثرهم بخلاف هذا إنما هم يؤولونه تنزيلا له على نص إمامهم.([58])

وقد نص الإمام الشافعي $ على ترك قوله إذا ظفر بحديث ثابت عن رسول الله ﷺ على خلافه، فالتعصب له على الحقيقة إنما هو امتثال أمره في ذلك، وسلوك طريقته في قبول الأخبار، والبحث عنها والتفقه فيها. ([59])

وقال الإمام الشافعي $: (إذا وجدتم عن رسول الله ﷺ خلاف قولي فخذوا بالسنة ودعوا قولي فإني أقول بها). ([60])

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «مناقب الإمام الشافعي» (ج1 ص472)، والسمعاني في «أدب الإملاء والاستملاء» (321)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج51 ص389)، والذهبي في «السير» (ج10 ص77) من طريقين عن الربيع بن سليمان عن الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الإمام الشافعي $: (إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله ﷺ فقولوا بسنة رسول الله ﷺ ودعوا ما قلت).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص389)، والبيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (249)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص217)، وفي «مناقب الإمام الشافعي» (ج1 ص472)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص107)، وأبو شامة في «المؤمل» (ص109)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج51 ص386) من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الإمام الشافعي $: (كل ما قلت: وكان عن النبي ﷺ خلاف قولي مما يصح فحديث النبي ﷺ أولى ولا تقلدوني).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي حاتم في «آداب الإمام الشافعي» (67)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص106)، والبيهقي في «مناقب الشافعي» (ج1 ص473)، وفي «معرفة السنن» (ج2 ص454)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج51 ص386) من طريق حرملة بن يحيى عن الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «صفة الصلاة» (ج1 ص31).

وذكره أبو شامة المقدسي في «المؤمل» (ص218)، وابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج4 ص45)، والفلاني في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص205 و340).

قلت: فقد وضح لك مما سبق ذكره أنه متى جاء عن رسول الله ﷺ حديث ثابت فواجب المصير إلى ما دل عليه من حكم.

قال تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [[النساء: 65].

قال الإمام أبو شامة المقدسي $ في «المؤمل» (ص135) في هذه الآية: (فنفى تعالى الإيمان عمن لم يحكم رسوله ﷺ فيما وقع التنازع فيه، ولم يسلم لقضائه). اهـ

وقال الإمام مجاهد؛ في قوله تعالي: ]هذا صراط علي مستقيم [[الحجر: 41]، قال: (الحق يرجع إلى الله تعالى، وعليه طريقه).

أثر صحيح

أخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا (ج4 ص1736)، والطبري في «جامع البيان» (ج14 ص33)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2264)، وآدم ابن أبي إياس في «تفسير مجاهد» (ص416).

وإسناده صحيح.

وقال الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول: (ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله ﷺ، وتعزب عنه، فمهما قلت من قول، أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله ﷺ بخلاف ما قلت، فالقول: ما قال رسول الله ﷺ، وهو قولي، قال: وجعل يردد هذا الكلام).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (ج1 ص6)، وفي «مناقب الإمام الشافعي» (ج1 ص475)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج51 ص389)، والفلاني في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص232)، وأبو شامة في «المؤمل» (ص129) من طريق أبي عمرو ابن السماك: أن أبا سعيد الجصاص حدثهم، قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج2 ص363)، والشيخ الألباني في «صفة الصلاة» (ج1 ص28).

وعن الربيع بن سليمان قال: وقد قال للشافعي رجل: تأخذ بهذا يا أبا عبد الله، فقال: (متى رويت عن رسول الله حديثا صحيحا، ولم آخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب). وفي رواية: (إذا صح عندي الحديث عن رسول الله ﷺفلم آخذ به). وفي رواية: (متى سمعتني حدثت بحديث عن رسول الله ﷺ صحيح).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «مناقب الإمام الشافعي» (ج1 ص474)، وفي «المدخل إلى علم السنن» (250)، وفي «معرفة السنن» (237)، والهروي في «ذم الكلام» (398)، وابن أبي حاتم في «آداب الإمام الشافعي» (ص126 و127)، والذهبي في «العلو» (406)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص106)، وابن عبد الهادي المقدسي في «مناقب الأئمة الأربعة» (ص113)، وابن الجوزي في «صفة الصفوة» (ج2 ص256)، والفلاني في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص339)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج51 ص387)، والهكاري في «اعتقاد الإمام الشافعي» (33)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص150)، وأبو القاسم السمرقندي في «الأمالي» (ق/234/ط) من طرق عن الربيع بن سليمان به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «صفة الصلاة» (ج1 ص31).

وذكره الذهبي في «السير» (ج10 ص34)، وابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج4 ص40)، والسيوطي في «مفتاح الجنة» (ص83).

وعن أبي ثور قال: سمعت الشافعي يقول: (كل حديث عن النبي ﷺ فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني).

أثر حسن

أخرجه ابن أبي حاتم في «آداب الإمام الشافعي» (ص94)، وابن عبد الهادي المقدسي في «مناقب الأئمة الأربعة» (ص114)، والذهبي في «السير» (ج10 ص35)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج51 ص398) من طريق أبي محمد البستي السجستاني فيما كتب إلي، عن أبي ثور به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج10 ص253 و254)، والشيخ الألباني في «صفة الصلاة» (ج1 ص31).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفرقان» (ص37): (إذ المقصود أنهم كانوا - يعني السلف - متفقين على أن القرآن لا يعارضه إلا قرآن لا رأي، ولا معقول، وقياس، ولا ذوق ووجد، وإلهام، ومكاشفة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الجواب الباهر» (ص37): (فإذا بينت له السنة لم يجز له مخالفة النبي ﷺ، ولا التعبد بما نهى عنه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج19 ص123): (الأنبياء عليهم السلام معصومون عن الإقرار على الخطأ، بخلاف الواحد من العلماء والأمراء؛ فإنه ليس معصوما من ذلك، ولهذا يسوغ بل يجب أن نبين الحق الذي يجب اتباعه، وإن كان فيه بيان خطأ من أخطأ من العلماء والأمراء). اهـ

وقال الإمام ابن رجب $ في «جامع العلوم والحكم» (ص85): (ومن أنواع النصح لله تعالى، وكتابه، ورسوله - وهو مما يختص به العلماء - رد الأهواء المضلة بالكتاب والسنة على موردها، وبيان دلالتهما على ما يخالف الأهواء كلها).اهـ

وقال الإمام الشافعي $ في «الأم» (ج7 ص317): (الحق عند الله تعالى واحد؛ يقال فيه: نعم الحق واحد لا يتعدد).

قلت: فالحق واحد عند الله تعالى، ولا يجوز إلا ذلك، لأن علم الله تعالى في أحكامه واحد في الأصول والفروع.([61])

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج6 ص160): (قول الشافعي: «إذا صح الحديث فهو مذهبي»([62]) هذا المعنى صريح في مدلوله، وأن مذهبه ما دل عليه الحديث، لا قول له غيره، ولا يجوز أن ينسب إليه ما خالف الحديث ويقال: هذا مذهب الشافعي. ولا يحل الإفتاء بما خالف الحديث على أنه مذهب الشافعي، ولا الحكم به، صرح بذلك جماعة من أئمة أتباعه، حتى كان منهم من يقول للقارئ إذا قرأ عليه مسألة من كلامه: قد صح الحديث بخلافها، اضرب على هذه المسألة فليست مذهبه، وهذا هو الصواب قطعا، ولو لم ينص عليه، فكيف إذا نص عليه وأبدى فيه وأعاد، وصرح فيه بألفاظ كلها صريحة في مدلولها؟ فنحن نشهد بالله أن مذهبه وقوله الذي لا قول له سواء ما وافق الحديث، دون ما خالفه، وأن من نسب إليه خلافه فقد نسب إليه خلاف مذهبه).اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج3 ص573): (ونهى عن تقليده يعني: الإمام الشافعي - وتقليد غيره؛ فجزاه الله عن الإسلام خيرا، لقد نصح لله تعالى، ورسوله ﷺ، والمسلمين، ودعا إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ﷺ، وأمر باتباعهما دون قوله، وأمرنا بأن نعرض أقواله عليهما؛ فنقبل منها ما وافقهما، ونرد ما خالفهما؛ فنحن نناشد المقلدين؛ هل حفظوا في ذلك وصيته وأطاعوه، أم عصوه وخالفوه). اهـ

قال أبو عبد الرحمن الأثري: بل المقلدة عصوه، وخالفوه!.

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج6 ص161): (وهذا المعنى صريح في مدلوله، وأن مذهبه ما دل عليه الحديث، لا قول له غيره، ولا يجوز أن ينسب إليه ما خالف الحديث، ويقال: «هذا مذهب الشافعي» ولا يحل الإفتاء بما خالف الحديث على أنه مذهب الشافعي، ولا الحكم به، صرح بذلك جماعة من أئمة أتباعه... وهذا هو الصواب قطعا). اهـ

وقال الإمام ابن القاص $ في «التلخيص» (ص111 - المؤمل): (ذكر المزني في كتابه المترجم بـ «الجامع الكبير» في المتيمم إذا دخل في الصلاة، ثم رأى الماء أن الشافعي: نهى عن التقليد نصحا منه لكم، فله أجر صوابكم، وهو برئ من خطئكم ﭬ، وقبل منه نصحكم). اهـ

وقال الإمام أبو علي السنجي $ في «شرح التلخيص» (ص111 - المؤمل): (وإنما ذكر المزني هذا في هذه المسألة؛ لأنها أول مسألة خالف الشافعي فيها في «جامعه الصغير والكبير» حيث ذهب فيها إلى مذهب أهل الكوفة أنه يخرج من صلاته، ويتوضأ ويستأنف، فبسط العذر لنفسه في مخالفة الشافعي؛ لأنه منعه من تقليده، وتقليد غيره). اهـ

وقال الإمام أبو شامة المقدسي الشافعي $ في «المؤمل» (ص112): (فالمزني $ امتثل أمر إمامه في النهي عن تقليده، فخالفه في هذه المسألة لما ظهر له من جهة النظر والرأي، فما الظن به لو وجد حديثا مصرحا بخلاف نصه، فهو إن شاء الله حينئذ كان أشد مبادرة إلى مخالفة نص إمامه، وإن كان في الحقيقة موافقا لا مخالفا؛ لأنه قد أمر إذا وجد الحديث على خلاف قوله أن يترك قوله، فهو إنما ترك قوله بقوله، فهو موافق ممتثل للأمر). اهـ

وقال الإمام المزني $ في «مختصره» (ص93): (اختصرت هذا الكتاب من علم الشافعي، ومن معنى قوله، لأقربه على من أراده، مع إعلامه نهيه عن تقليده، وتقليد غيره لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه). اهـ

وقال الإمام أبو شامة المقدسي الشافعي $ في «المؤمل» (ص110): (أي: مع إعلامي من أراد علم الشافعي نهى الشافعي عن تقليده، وتقليد غيره). اهـ

وقال الإمام الماوردي $ في «الحاوي» (ج1 ص33): (وقوله: (ويحتاط لنفسه): أي ليتطلب الاحتياط لنفسه؛ بالاجتهاد في المذاهب، فترك التقليد بطلب الدلالة). اهـ

وقال الإمام أبو شامة المقدسي الشافعي $ في «المؤمل» (ص111): (فعلى هذا كان السلف الصالح يتبعون الصواب حيث كان، ويجتهدون في طلبه، وينهون عن التقليد). اهـ

وقال الإمام أبو شامة المقدسي الشافعي $ في «المؤمل» (ص116): (ثم إن المصنفين من أصحابنا يعني: من المقلدة الشافعية - قد وقع في مصنفاتهم خلل كثير من وجهين عظيمين:

الأول: أنهم يختلفون كثيرا فيما ينقلون من نصوص الشافعي $، وفيما يصححونه منها ويختارونه، وما ينسبونه إلى القديم والجديد، ولا سيما المتأخرين منهم، وصارت لهم طرق مختلفة خراسانية وعراقية، فترى هؤلاء ينقلون عن إمامهم خلاف ما ينقله هؤلاء، والمرجع في هذا كله إلى إمام واحد، وكتبه مدونة مروية موجودة، أفلا كانوا يرجعون إليها، وينقون تصانيفهم من كثرة اختلافهم عليها.

الوجه الثاني: ما يفعلونه في الأحاديث النبوية والآثار المروية من كثرة استدلالهم بالأحاديث الضعيفة على ما يذهبون إليه نصرة لقولهم، ومن تغيير لفظ ما صح منها، والزيادة فيه، والنقص منه لقلة خبرتهم بذلك). اهـ

وقال الإمام أبو شامة المقدسي الشافعي $ في «المؤمل» (ص116)؛ عن فقهاء الشافعية: (قد وقع في مصنفاتهم خلل كثير). اهـ

وقال الحافظ البيهقي $ في «بيان الخطأ» (ص95 و96): (وجدت في بعض ما نقل من كتب الشافعي وحول منها إلى غيره خللا في النقل، وعدولا عن الصحة بالتحويل، فرددت مبسوط كتبه القديمة والجديدة إلى ترتيب «المختصر»؛ ليتبين لمن تفكر في مسائله من أهل الفقه ما وقع فيه من التحريف والتبديل، ويظهر لمن نظر في أخباره من أهل العلم بالحديث ما وقع فيه الخلل بالتقصير في النقل). اهـ

وقال الإمام أبو شامة المقدسي الشافعي $ في «المؤمل» (ص125): (وأئمة الحديث المعتبرون هم القدوة في فنهم فوجب الرجوع إليهم في ذلك، وعرض آراء الفقهاء على السنن والآثار الصحيحة، فما ساعده الأثر فهو المعتبر وإلا فلا نبطل الخبر بالرأي). اهـ

وقال الإمام أبو شامة المقدسي الشافعي $ في «المؤمل» (ص127): (فإذا ظهر هذا وتقرر تبين أن التعصب لمذهب الإمام المقلد ليس هو باتباع أقواله كلها كيفما كانت، بل بالجمع بينها وبين ما ثبت من الأخبار والآثار، ويكون الخبر هو المتبع، ويؤول كلام ذلك الإمام تنزيلا له الخبر.

والأمر عند المقلدين أو أكثرهم بخلاف هذا إنما هم يؤولون الخبر تنزيلا له على نص إمامهم. ثم الشافعيون كانوا أولى بما ذكرناه لنص إمامهم ﭬ على ترك قوله إذا ظفر بحديث ثابت عن رسول الله ﷺ على خلافه، فالتعصب له على الحقيقة إنما هو امتثال أمره في ذلك، وسلوك طريقته في قبول الأخبار، والبحث عنها والتفقه فيها). اهـ

وقال الربيع بن سليمان قال الشافعي: (قد أعطيتك جملة تغنيك إن شاء الله: لا تدع لرسول الله ﷺ حديثا أبدا إلا أن يأتي عن رسول الله ﷺ خلافه، فتعمل بما قلت لك في الأحاديث إذا اختلفت).([63])

وقال الإمام أبو شامة المقدسي الشافعي $ في «المؤمل» (ص110): (هذا وهم مقلدون لإمامهم الشافعي $، فهلا اتبعوا طريقته في ترك الاحتجاج بالضعيف، وتعقبه على من احتج بذلك، وتبيين ضعفه). اهـ

وقال الإمام أبو شامة المقدسي الشافعي $ في «المؤمل» (ص119): (وإذا كان هذا الخلل قد وقع منهم في نقل نصوص إمامهم فما الظن بما ينقلونه من نصوص باقي المذاهب؟، فترى في كتبهم من ذلك أشياء ينكرها أصحاب تلك المذاهب، وكان الخلل إنما جاءهم من تقليد بعضهم بعضا فيما ينقله من مذهب غيره أو من نص إمامه، ويكون الأول قد غلظ فيتبعه من بعده، والغلط جائز على كل أحد إلا من عصمه الله تعالى، ولكن لو أن كل من ينقل عن أحد مذهبا أو قولا راجع في ذلك كتابه إن كان له مصنف أو كتب أهل مذهبه لقل ذلك الخلل، وزال أكثر الوهم وبطل، والله الموفق). اهـ

وعن الإمام أحمد بن حنبل $ قال: (من رد حديث رسول الله؛ فهو على شفا هلكة).

أثر صحيح.

أخرجه الأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص192)، وابن مفلح في «المقصد الأرشد» (136)، وابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (ج2 ص15) والذهبي في «السير» (ج11 ص297) وابن الجوزي في «مناقب الإمام أحمد»، (ص249)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص289)، واللالكائي في «أصول الاعتقاد»، (733)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ج ص)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (97) من طرق عن الفضل بن زياد قال: سمعت أحمد بن حنبل به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره الشيخ الألباني في«صفة الصلاة» (ج1 ص32).

قلت: إنا نتبع، ولا نبتدع، ونقتدي، ولا نبتدي، ولن نضل ما تمسكنا بالآثار.

وقال قوام السنة الأصبهاني $ في «الحجة» (ج1 ص364): (وشعار أهل السنة اتباعهم السلف الصالح، وتركهم كل ما هو مبتدع محدث). اهـ

وقال أبو داود في «المسائل» (ص 277): قلت لأحمد، الأوزاعي هو أتبع من مالك؟ قال: (لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء، ما جاء عن النبي ﷺ، وأصحابه فخذ به، ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير).([64])

وقد فرق الإمام أحمد بين التقليد والاتباع، فقال أبو داود في «المسائل» (ص476): سمعت أحمد، يقول: (الاتباع: أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي وعن أصحابه، ثم هو من بعد في التابعين مخير). ([65])

قلت: يعني يتخير الدليل في أقوالهم إذا اختلفوا في الأحكام.

وقال الإمام أحمد بن حنبل $: (رأي الأوزاعي، ورأي مالك، ورأي سفيان، ورأي أبي حنيفة؛ كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار).

أثر صحيح.

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1082) من طريق العباس بن الفضل، قال: سمعت سلمة بن شبيب يقول: سمعت أحمد بن حنبل به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره الشيخ الألباني في «صفة الصلاة» (ج1 ص32).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج20 ص330): (وأحمد كان معتدلا عالما بالأمور يعطي كل ذي حق حقه). اهـ

وقال الإمام ابن الجوزي $ في «آفة أصحاب الحديث» (ص178): (وممن نال مرتبة الكمال: الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل؛ فإنه قرأ القرآن بالقراءة المشهورة، ولم يتشاغل بالشواذ، وسمع الحديث الكثير، وأوغل في معرفة أصوله، حتى ميز صحيحه من سقيمه، ثم أقبل على الفقه حتى صار مجتهدا ذا مذهب). اهـ

وقال الإمام أحمد بن حنبل $: (لا تقلدني، ولا تقلد مالكا، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا).([66])

قال الإمام ابن حزم $ في «الإحكام» (ج6 ص118): (إن الفقهاء الذين قلدوا مبطلون للتقليد، وأنهم نهوا أصحابهم عن تقليدهم، وكان أشدهم في ذلك الشافعي فإنه $ بلغ من التأكيد في اتباع صحاح الآثار والأخذ بما أوجبته الحجة، حيث لم يبلغ غيره، وتبرأ من أن يقلد جملة، وأعلن بذلك، نفع الله به وأعظم أجره فقد كان سببا إلى خير كثير). اهـ

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

 

 

    

وما توفيقي إلا بالله

ذكر الدليل على تحريم التقليد في الشريعة المطهرة

 

* تعريف التقليد لغة واصطلاحا:

أما التقليد في اللغة: التقليد مأخوذ من الفعل قلد يقلد تقليدا، فهو بتشديد اللام في ماضيه، ومضارعه مع كسرها في المضارع، فهو مصدر: «قلد» على وزن «فعل»، وهو مأخوذ من القلادة، وهي ما يحيط بالعنق ونحوه.

يقال: قلد القلادة، جعلها في عنقه.

وقلدت المرأة تقليدا جعلت القلادة في عنقها.

ويقال: قلد البعير، إذا جعل في عنقه حبلا يقاد به.

ومنه تقليد الهدي: إذا جعل له شعارا يعرف به كالقلادة. ([67])

قال الأزهري اللغوي $ في «معجم اللغة» (ج3 ص3030): (والقلادة: ما جعل في العنق، جامع للإنسان والبدنة والكلب، وتقليد البدنة: أن يعلق في عنقها عروة مزادة أو خلق نعل فيعلم أنها هدي، وتقلدت السيف: وتقلدت الأمر، وقلد فلان فلانا عملا تقليدا). اهـ

وقال الفيرزآبادي اللغوي $ في «القاموس المحيط» (ج3 ص3030): (القليد: الشريط، والقلادة: ما جعل في العنق، وتقلد: لبسها، والمقلد؛ كمعظم: موضعها، وقلدتها قلادة: جعلتها في عنقها). اهـ

وقال ابن منظور اللغوي $ في «لسان العرب» (ج6 ص3718): (والقلادة: ما جعل في العنق، يكون للإنسان، والفرس، والكلب، والبدنة التي تهدى ونحوها؛ وقلدت المرأة فتقلدت هي، وقد قلده قلادا وتقلدها؛ ومنه التقليد في الدين، وتقليد الولاة الأعمال، وتقليد البدن: أن يجعل في عنقها شعار يعلم به أنها هدي). اهـ

قلت: ومادة قلد في اللغة لها معان عدة منها: الجمع، والشرب، والغرق، واللوي.

يقال: قلد الماء في الحوض؛ اللبن في السقاء، والشراب في البطن، يقلده: جمعه فيه، والشيء على الشيء: لواه، والحبل: فتله، فهو قليد، ومقلود، ويتقالدون الماء: يتناوبونه، وأقلد البحر عليهم: أغرقهم.([68])

قال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص265): (إنه مأخوذ من القلادة في العنق، فكأن المقلد جعل ذلك الحكم الذي قلد فيه المجتهد؛ كالقلادة في عنق من قلده). اهـ

وقال العلامة ابن بدران $ في «نزهة الخاطر» (ج2 ص450): (كأن المقلد يطوق المجتهد إثم ما غشه به في دينه، وكتمه عنه من علمه). اهـ

وقال السمرقندي الفقيه $ في «ميزان الأصول» (ص675): (سمي تقليدا: لأنه جعل عاقبة ما قلده، قلادة في عنقه، إن كان حقا أو باطلا). اهـ

وقال العلامة أبو الخطاب $ في «التمهيد» (ج4 ص395): (مشتق من تطويق المقلد للمقلد، وما يتعلق بذلك الحكم من خير وشر؛ كتطويق قلادته، وخص بذلك، لأن القلادة ألزم الملابس لعنق الإنسان). اهـ

قلت: ومن هنا يتبين لنا أن التقليد في اللغة يستعمل لمعان كثيرة ذات دلالات سلبية، وأشهرها:

(1) الانقياد، والخضوع بلا اختيار.

(2) الإحاطة.

(3) التفويض؛ يقال: قلد الوالي فلانا العمل، فوضه إليه: كأنه جعله قلادة في عنقه.

(4) الإحكام؛ يقال: قلد الشيء على الشيء لواه، وقلد الحبل يقلده قلدا: فتله.

(5) التسليم؛ يقال: قلد فلانا سلمه إياه.

(6) التخريف؛ يقال: قلد الشيخ حبله خرف فلا يلتفت لرأيه.

(7) المحاكاة العمياء؛ يقال: قلد القرد الإنسان؛ أي: حاكاه، وتشبه به.

(8) الاتباع من غير نظر، ولا روية؛ يقال: قلد فلان فلانا اتبعه فيما يقول أو يفعل من غير حجة، ولا دليل.

(9) اللزوم؛ يقال: قلدوا الخيل، ولا تقلدوها الأوتار؛ أي: قلدوها، وألزموها طلب أعداء الدين، والدفاع عن المسلمين.

(10) التحمل: تقول تقلد الأمر؛ أي: احتمله.

قلت: وكل هذه المدلولات كما نرى تدل على معان سلبية.([69])

وإنما سمي بذلك لأن المقلد يقبل قول المقلد بغير حجة، فيلزم المقلد ما كان في ذلك القول من خير وشر.

وأما التقليد في الاصطلاح: (هو التزام المكلف في حكم شرعي مذهب من ليس قوله حجة في ذاته.

أو: (أن يعتمد الإنسان في فهم الحكم من الدليل على غيره لا على نفسه).([70])

* والتقليد مذموم شرعا، والذم يفيد التحريم.

وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «شرح نظم الورقات» (ص210): (التقليد هو: قبول قول القائل بلا حجة يذكرها ذلك القائل للمقلد السائل). اهـ

قال تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون [[البقرة: 170].

وقال تعالى: ]وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (23) قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[ [الزخرف: 23 و24].

وقال تعالى: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا [[الأحزاب: 67].

قلت: فبين الله تعالى عن الكفرة في معرض الذم.

وقال تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [[التوبة: 31].

قلت: فأخبر الله تعالى عن أهل الكتاب على وجه الذم.

وقال تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون [[الأعراف: 3].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج2 ص15): (أما التقليد الباطل المذموم فهو: قبول قول الغير بلا حجة؛ ([71]) قال الله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون [[البقرة: 170]. وفي المائدة،([72]) وفي لقمان: ]أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير[([73]) وفي الزخرف: ]قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[([74]) وفي الصافات: ]إنهم ألفوا آباءهم ضالين (69) فهم على آثارهم يهرعون[([75]) وقال تعالى: ]يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا (66) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[([76]) وقال تعالى: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب[ [البقرة: 166] وقال تعالى: ]فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار[ [غافر: 47] وفي الآية الأخرى: ]من عذاب الله من شيء[ [إبراهيم: 21] وقال تعالى: ]ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم[ [النحل: 25].

فهذا الاتباع والتقليد الذي ذمه الله هو اتباع الهوى: إما للعادة والنسب كاتباع الآباء، وإما للرئاسة كاتباع الأكابر، والسادة، والمتكبرين، فهذا مثل تقليد الرجل لأبيه، أو سيده، أو ذي سلطانه... وقد بين الله أن الواجب الإعراض عن هذا التقليد إلى اتباع ما أنزل الله على رسله؛ فإنهم حجة الله التي أعذر بها إلى خلقه). اهـ

قلت: وهذه الآيات التي ساقها شيخ الإسلام ابن تيمية للتدليل على فساد التقليد، وذمه، قد استدل بها، وبما شابهها من القرآن كثير من العلماء.([77])

ويقول الحافظ ابن عبد البر بعد أن ساق هذه الآيات في «جامع بيان العلم» (ج2 ص134): (وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أؤلئك من جهة الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما، وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد، كما لو قلد رجل فكفر، وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها، كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا، وإن اختلفت الآثام فيه). اهـ

وقال الإمام ابن حزم $ في «الإحكام» (ج2 ص858): (التقليد على الحقيقة إنما هو قبول ما قاله قائل دون النبي ﷺ بغير برهان، فهذا هو الذي أجمعت الأمة على تسميته تقليدا، وقام البرهان على بطلانه). اهـ

وقال أبو عبد الله بن خواز منداد البصري المالكي $: (كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده). ([78]) اهـ

وقال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص265): (هو قبول رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة). اهـ

قلت: إذا فالتقليد الذي نحن بصدد بحثه هو أن يتبع الإنسان غيره في قول، أو فعل، أو اعتقاد، أو سلوك من غير دليل، ولا نظر، ولا تأمل، وبدون إدراك، ولا وعي.([79])

فالتقليد اتباع الانسان غيره فيما يقول أو يفعل، معتقدا الحقيقة فيه من غير نظر، وتأمل في الدليل، كأن هذا المتبع جعل قول الغير، أو فعله قلادة في عنقه.([80])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج19 ص262): (والمقصود هنا أن التقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله تعالى، ورسوله ﷺ بما يخالف ذلك، كائنا من كان المخالف لذلك). اهـ

وقال الإمام الشافعي $ في «الرسالة» (ص219): (قد يجهل الرجل السنة فيكون له قول يخالفها، لا أنه عمد خلافها، وقد يغفل المرء، ويخطئ في التأويل).([81]) اهـ

قلت: فكيف يجوز تقليد قوم يخطئون ويصيبون: ]إن هذا لشيء يراد[ [ص: 6].

وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله $ في «تيسير العزيز الحميد» (ص548): (إن الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم، قد نهوا عن تقليدهم مع ظهور السنة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج19 ص261): (ولهذا نقل غير واحد الإجماع على أنه لا يجوز للعالم أن يقلد غيره إذا كان قد اجتهد واستدل وتبين له الحق الذي جاء به الرسول ﷺ؛ فهنا لا يجوز له تقليد من قال خلاف ذلك بلا نزاع). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر $ في «جامع بيان العلم» (ج2 ص975) وهو يعقد في كتابه بابا بعنوان: (فساد التقليد ونفيه والفرق بين، التقليد والاتباع). ثم يقول: (قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه.... وهذا كله نفي للتقليد، وإبطال له لمن فهمه وهدي لرشده). اهـ

ويقول الإمام ابن القيم $: في أنواع التقليد التي يحرم العمل بها والإفتاء بها؛ في «إعلام الموقعين» (ج2 ص182): (فهو ثلاثة أنواع: أحدها: الإعراض عما أنزل الله، وعدم الالتفات إليه، اكتفاء بتقليد الآباء. الثاني: تقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل لأن يؤخذ بقوله. الثالث: التقليد بعد قيام الحجة، وظهور الدليل على خلاف قول المقلد، والفرق بين هذا وبين النوع الأول أن الأول قلد قبل تمكنه من العلم والحجة، وهذا قلد بعد ظهور الحجة له؛ فهو أولى بالذم ومعصية الله ورسوله، وقد ذم الله سبحانه هذه الأنواع الثلاثة من التقليد في غير موضع من كتابه). اهـ

ثم ذكر بعض الآيات السابقة في ذم التقليد.

قلت: ولا شك أن هذه الأنواع الثلاثة يتوجه النهي عنها لكل أحد من المسلمين عالما كان أو غير عالم.

وأما الالتزام بقول عالم واحد في كل ما يأمر به، وينهى عنه فتلك منزلة ليست لأحد من الناس إلا لرسول الله ﷺ لأنه الوحيد الذي لا يتأتى منه الخطأ في أمور الشرع، وما عداه من الأمة يخطئ ويصيب، ومن كان حاله كذلك فلا ينبغي أن يتبع في كل شيء، وقد جاءت الآثار الكثيرة بالتحذير من زلة العالم؛ لأن الرجل وإن كان عالما كبيرا؛ فإن الزلل والخطأ وارد عليه. ([82])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج35 ص121): (أما وجوب اتباع القائل في كل ما يقوله، من غير ذكر دليل يدل على صحة ما يقول، فليس بصحيح؛ بل هذه المرتبة هي مرتبة الرسول التي لا تصلح إلا له). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج2 ص8): (فالواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحب الله ورسوله، وأن يبغض ما أبغضه الله ورسوله مما دل عليه في كتابه، فلا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله ﷺ، ولا يقول إلا لكتاب الله عز وجل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج19 ص260): (قد ذم الله تعالى في القرآن من عدل عن اتباع الرسل عليهم السلام إلى ما نشأ عليه من دين آبائه.

وهذا هو التقليد الذي حرمه الله تعالى، ورسوله ﷺ، وهو أن يتبع غير الرسول ﷺ فيما خالف فيه الرسول ﷺ، وهذا حرام باتفاق المسلمين على كل أحد؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). اهـ

فالتقليد: عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول، أو يفعل، معتقدا أن الحق فيه دون سواه من غير نظر، وتأمل في الدليل.

وسمي تقليدا؛ لأن هذا المتبع يجعل قول غيره، أو فعله قلادة في عنقه.

وهذا هو التقليد المذموم: وهو الإعراض عم أنزل الله تعالى، وعدم الالتفات إليه؛ كتقليد الآباء، والرؤساء، والسادة.

وتقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل لأن يؤخذ بقوله.

والتقليد بعد ظهور الحجة، وقيام الدليل عند المرء على خلاف قول المقلد. ([83])

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج2 ص265): (لا يجوز للمفتي أن يعمل بما يشاء من الأقوال والوجوه من غير نظر من الترجيح ولا يعتد به، بل يكتفي في العمل بمجرد كون ذلك قولا قاله إمام أو وجها ذهب إليه جماعة، فيعمل بما يشاء من الوجوه والأقوال حيث رأى القول وفق إرادته وغرضه عمل به، فإرادته وغرضه هو المعيار وبها الترجيح، وهذا حرام باتفاق الأمة). اهـ

وقال الإمام ابن قدامة $ في «روضة الناظر» (ص196): (وأما الإجماع فإن الصحابة ﭫ اشتهر عنهم في وقائع لا تحصى إطلاق الخطأ على المجتهدين ثم ذكر الآثار في ذلك ثم قال: وهذا اتفاق منهم على أن المجتهد يخطئ). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج2 ص192): (والمصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وإبطاله وبيان زلة العالم ليبينوا بذلك فساد التقليد، وأن العالم قد يزل ولا بد؛ إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله، وينزل قوله منزلة قول المعصوم؛ فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الأرض، وحرموه، وذموا أهله وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم، فإنهم يقلدون العالم فيما زل فيه وفيما لم يزل فيه، وليس لهم تمييز بين ذلك). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر $ في «التمهيد» (ج1 ص547): (ولكن الناس لا يسلم منهم أحد من الغلط، وإنما دخلت الداخلة على الناس من قبل التقليد؛ لأنهم إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينا يرد به ما خالفه دون أن يعرف الوجه فيه فيقع الخلل). اهـ

قلت: إذن فهم مقلدون للمذاهب، ولا يحيدون عنها، والتقليد إنما هو شأن العوام كما هو معلوم والمقلد في نظر العلماء العاملين ليس بعالم.

وقال الحافظ ابن رجب$ في «الحكم الجديرة بالإذاعة» (ج1 ص245): (فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول ﷺ وعرفه أن يبينه للأمة، وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة، فإن أمر رسول الله ﷺ أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي أي عظيم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ.

ومن هنا رد الصحابة ﭫ ومن بعدهم من العلماء على كل من خالف سنة صحيحة، وربما أغلظوا في الرد، لا بغضا له؛ بل هو محبوب عندهم، معظم في نفوسهم؛ لكن رسول الله ﷺ أحب إليهم، وأمره فوق أمر كل مخلوق.

فإذا تعارض أمر الرسول ﷺ، وأمر غيره فأمر الرسول ﷺ أولى أن يقدم ويتبع).([84])

وقال الحافظ ابن رجب$ في «الحكم الجديرة بالإذاعة» (ج1 ص246): (وهذه النكتة تخفى على كثير من الجهال بسبب غلوهم في التقليد). اهـ

قلت: فأهل هذا النوع خالفوا الرسول ﷺ من أجل داعي الشهوات، والله المستعان.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج20 ص210): (واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصوما في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله ﷺ، ولهذا قال غير واحد من الأئمة: كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ). اهـ

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

ونسأل الله المعونة على ما يرضى،

والعصمة من اتباع الهوى

ذكر الدليل على بدعة التقليد، وإثم المقلدين

المعاندين

 

قال تعالى: ]وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (23) قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم [[الزخرف: 23 و24].

وقال تعالى: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا [[الأحزاب: 67].

وقال تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [[التوبة: 31].

وقال تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون [[البقرة: 170].

وقال تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون [[الأعراف: 3].

قال الإمام ابن حزم $ في «الإيصال» (ص410): (وأما من قامت عليه الحجة فيما أفتى به، وعرف أنه رأي مجرد مخالف للقرآن والسنة، وأنه لم يأت به نص فتمادى على قوله، وأفتى بتقليد فقط دون اجتهاد، فهؤلاء هم الذين ابتدعوا هذه البدعة([85])، وهم الآثمون لتركهم عمدا ما أمرهم الله تعالى به من الرد عند التنازع إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ﷺ إن كانوا مؤمنين). اهـ

قلت: ولقد أعاذ الله تعالى الصحابة ﭫ من التقليد الأعمى، وجميع الأئمة المجتهدين، وأهل العلم الصادقين، ولم يعذ منه المقلدين المعاندين قديما وحديثا، اللهم غفرا: ]فاعتبروا يا أولي الأبصار [[الحشر: 2].

وقال الإمام ابن حزم $ في «الإيصال» (ص477): (فليعلم أهل الحق، وغير أهل الحق، أننا من هذا الذي تكلمنا فيه على ما مضى عليه رسول الله ﷺ، وجميع الصحابة، وجميع التابعين وخيار الفقهاء من إبطال التقليد). اهـ

قلت: فالحق واحد لا يتعدد، وذلك لأن حكم الله تعالى لا يتعدد، وهو واحد لا يختلف، وقد ذم الله تعالى الاختلاف والتقليد.

قال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال [[يونس: 32].

وقال تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [[النساء: 82].

وقال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا [[آل عمران: 105].

قال الإمام ابن حزم $ في «الإيصال» (ص463): (إبطال التقليد: ومعنى هذا التقليد أن نأخذ قوله كله، وإن جميع عصر الصحابة لم يكن فيهم واحد يقلد أحدا هذا التقليد، ولا تابعا يقلد صاحبا كذلك، ولا تابعا يقلد تابعا أكبر منه فيأخذ بقوله كله، فصح يقينا أن هؤلاء المقلدين لأبي حنيفة، ومالك، والشافعي الذين لا يخالفون من قلدوه منهم قد خالفوا الإجماع من الأمة كلها بيقين، وهذا عظيم جدا، وإنما حدثت هذه البدعة([86]) في القرن الرابع، فصح أنها بدعة سوء، وحادث في الدين، وكل بدعة ضلالة). اهـ

وقال الإمام ابن حزم $ في «المحلى بالآثار» (ج2 ص156): (فصح أن الحق في الأقوال ما حكم الله تعالى به فيه، وهو واحد لا يختلف). اهـ

قلت: فالمقلد يحكم بغير هدى، ولا بينة في الدين.

والعلماء المقلدون غير معصومين من الخطأ، فتقليدهم سبب للوقوع في الخطأ في الدين.

وقد اتفق العلماء على أن من عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه.([87])

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج2 ص228): (وأما هدي الصحابة فمن المعلوم بالضرورة أنه لم يكن فيهم شخص واحد يقلد رجلا واحدا في جميع أقواله، ويخالف من عداه من الصحابة بحيث لا يرد من أقواله شيئا، ولا يقبل من أقوالهم شيئا، وهذا من أعظم البدع([88]) وأقبح الحوادث). اهـ

وقال الإمام ابن حزم $ في «أصول الأحكام» (ج2 ص858): (فنحن نسألهم أن يعطونا في الأعصار الثلاثة المحمودية - وهي: عصر الصحابة، وعصر التابعين، وعصر تابعي التابعين - رجلا واحدا قلد عالما كان قبله فأخذ بقوله كله، ولم يخالفه في شيء؛ فإن وجدوه ولن يجدوه والله أبدا؛ لأنه لم يكن قط فيهم فلهم متعلق على سبيل المسامحة، وإن ولم يجدوه فليوقنوا أنهم قد أحدثوا بدعة في دين الله تعالى لم يسبقهم إليها أحد... وليعلم من قرأ كتابنا أن هذه البدعة العظيمة - نعني: التقليد - إنما حدثت في الناس، وابتدئ بها بعد الأربعين ومائة من تاريخ الهجرة، وبعد أزيد من مائة عام وثلاثين عاما بعد وفاة رسول الله ﷺ، وأنه لم يكن قط في الإسلام قبل الوقت الذي ذكرنا مسلم واحد فصاعدا على هذه البدعة، ولا وجد فيهم رجل يقلد عالما بعينه فيتبع أقواله في الفتيا). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج35 ص233): (فأما من لم يعرف إلا قول عالم واحد وحجته؛ دون قول العالم الآخر وحجته؛ فإنه من العوام المقلدين؛ لا من العلماء الذين يرجحون ويزيفون). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج2 ص236): (اتخاذ أقوال رجل بعينه بمنزلة نصوص الشارع لا يلتفت إلى قول من سواه بل ولا إلى نصوص الشارع إلا إذا وافقت نصوص قوله، فهذا والله هو الذي أجمعت الأمة على أنه محرم في دين الله، ولم يظهر في الأمة إلا بعد انقراض القرون([89]) الفاضلة). اهـ

وقال الإمام ابن حزم $ في «المحلى بالآثار» (ج2 ص155): (وذم الله التقليد جملة([90])، فالمقلد عاص، والمجتهد مأجور، وليس من اتبع رسول الله ﷺ مقلدا؛ لأنه فعل ما أمره الله تعالى به، وإنما المقلد من اتبع من دون رسول الله ﷺ؛ لأنه فعل ما لم يأمره الله تعالى به، وأما غير أهل الإسلام؛ فإن الله تعالى يقول: ]ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [[آل عمران: 85]. اهـ

قلت: فالتقليد في ذلك مذموم شرعا، والذم يفيد التحريم.

يدل لذلك: قوله تعالى: ]وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (23) قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[([91]) [الزخرف: 23 و24].

وقال تعالى: حكاية عن الكفار في معرض الذم: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا [[الأحزاب: 67].

وقال تعالى: إخبارا عن أهل الكتاب على وجه الذم: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [[التوبة: 31].

قلت: والضلال، والشك حصل بسبب التقليد([92])، كمثل كثير من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الكفار.

وكذلك من كثير من: «الإخوان»، و«السرورية»، و«الصوفية»، و«الربيعية»، و«اليمنية»، و«التبليغية»، و«التراثية»، و«الداعشية»، و«القطبية» وغيرهم من المبتدعة.

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

    

                                      رب يسر

مسائل في التقليد

 

المسألة الأولى: أن التقليد إنما أبيح للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها؛ فلا يجاوز بها بمحلها.

فيقلد المسلم عند الضرورة المجتهد العدل الذي استوت أحواله في دينه، واعتدلت أقواله وأفعاله بالصلاح في الأصول والفروع.

وقام بأداء أوامر الله تعالى، واجتنب نواهيه، وظهر منه سمات الخير فيه، وحكم بالكتاب والسنة والآثار.

ويرجع إليه طلبة العلم في الدين، ويأخذ الناس عنه الفتاوى، ويبحث في العلم في كل حين.

وقد أجمع أهل العلم على جواز تقليد من توافرت فيه هذه الصفات من الاجتهاد والعدالة. ([93])

قال تعالى: ]وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (43) بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون [ [النحل: 43].

قلت: فالله تعالى جعل السؤال عن البينات، وهي الأدلة والحجج.

و«البينات» جار ومجرور؛ متعلق بـ«نوحي»؛ أي: نوحي إليهم بالبينات.

ويجوز أن يتعلق بمحذوف؛ تقديره: بعثوا بالبينات، فأرسلناهم بالبينات والزبر. ([94])

قلت: فهذه الآية تعم كل من لا يعلم؛ في كل ما لا يعلم مما لا يتمكن من معرفته بنفسه. ([95])

قال العلامة الشنقيطي $ في «أضواء البيان» (ج3 ص274): (قوله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر[؛ أن من جهل الحكم: يجب عليه سؤال العلماء والعمل بما أفتوه به). اهـ

وقال تعالى: ]وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم [[النساء: 83].

قلت: فعلى المسلم أن يتحرى في الأمر، ويسأل أهل العلم، ويستوضحهم في الدين.

وبوب الحافظ البيهقي في «المدخل» (ج2 ص599)؛ باب: من له الفتوى والحكم.

وقال تعالى: ]فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم[ [البقرة: 173].

قلت: فيصار إلى التقليد عند الضرورة.

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج4 ص43): (وهذا هو الواجب على كل مسلم؛ إذ اجتهاد الرأي إنما يباح للمضطر؛ كما تباح له الميتة والدم عند الضرورة: ]فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم[ [البقرة: 173].

 وكذلك الاجتهاد في التقليد، والاجتهاد في القياس إنما يصار إليه عند الضرورة.([96])

فعن أحمد بن حنبل قال: سألت الشافعي عن القياس، فقال: (عند الضرورات).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص631) من طريق أبي بكر بن زياد الفقيه قال: سمعت الميموني يقول: سمعت أحمد بن حنبل به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج4 ص43).

وبوب الحافظ البيهقي في «المدخل» (ج2 ص638)؛ باب تقليد العامي للعالم.

وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله في «التعليق على مقدمة المجموع» (ص244): (فالمقلد ليس بعالم؛ إنما هو حاك فقط، يحكي قول غيره، العالم هو الذي يفتش عن حكم المسألة في الكتاب والسنة، وأقوال العلماء، وأما مجرد أن يأخذ كتاب: «زاد المستقنع» مثلا - أو غيره من كتب الفقه، ويفتي بحسبه، فهذا ليس من العلماء، لكن الضرورات لها أحكام، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية كلمة أعجبتني، وهي: «أن التقليد بمنزلة أكل الميتة، لا يجوز إلا عند الضرورة»، وكذلك استفتاء المقلد بمنزلة أكل الميتة؛ يجوز إذا لم نجد عالما مجتهدا). اهـ

وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص136): (ومذهب مالك وجمهور العلماء رضوان الله عليهم: وجوبه أي: في الاجتهاد والنظر في الأدلة -، وإبطال التقليد؛ لقوله تعالى: ]فاتقوا الله ما استطعتم [[التغابن: 16]، وقد استثنى مالك $ أربع عشرة صورة؛ لأجل الضرورة؛ ثم ذكر منها: يجب على العوام عند الضرورة - تقليد المجتهدين في الأحكام، ويجب عليهم الاجتهاد في أعيان المجتهدين؛ كما يجب على المجتهدين الاجتهاد في أعيان الأدلة، وهو قول جمهور العلماء). اهـ

وعن وهب بن منبه $ قال: (الفقيه: العفيف الزاهد؛ المتمسك بالسنة، أولئك أتباع الأنبياء في كل زمان). ([97])

وعن معاذ بن جبل ﭬ قال: (فإن أعجبك العالم فقلده دينك، وإن زل فلا يزهدنك ذلك فيه، فإن العبد يذنب، ثم يتوب فيتاب عليه).([98])

وقال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص716): (ولا ينبغي أن يفتي حتى تكون له نية، وكفاية، ووقار، وسكينة، وقوة على ما هو فيه). اهـ

وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «شرح نظم الورقات» (ص211): (نقول: إن التقليد يجوز عند الضرورة، ودليله: قوله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر[ [الأنبياء: 7]، لكنه قيد ذلك: بقوله تعالى: ]إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7]، فإذا كنا نعلم؛ فإننا لا نسأل؛ لأننا بعلمنا نكون من أهل الذكر.

فالتقليد يجوز عند الضرورة، كما قلنا، لكن يجب على المقلد إذا تبين له الحق أن يدع التقليد). اهـ

وقال الفقيه الرازي $ في «المحصول» (ج2 ص527): (يجوز للعامي أن يقلد المجتهد في فروع الشرع([99]». اهـ

وقال العلامة الشاطبي $ في «الموافقات» (ج5 ص336): (فتاوى المجتهدين بالنسبة إلى العوام كالأدلة الشرعية بالنسبة إلى المجتهدين). اهـ

يعني: في اللزوم عند الضرورة.

وذكر الرازي $ في «المحصول» (ج2 ص535)؛ عن بعض أهل العلم: (أنه يجوز لمن بعد الصحابة تقليد الصحابة([100]) ﭫ). اهـ

وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين: طالب العلم المبتدئ هل يبدأ في طلب العلم بالبحث عن الأدلة أم يقلد في ذلك أئمة أحد المذاهب: ما توجيه سماحتكم حفظكم الله تعالى؟

فأجاب فضيلته بقوله: الطالب المبتدئ في العلم يجب عليه البحث عن الدليل بقدر إمكانه ؛ لأن المطلوب الوصول إلى الدليل، ولأجل أن يحصل له التمرن على طلب الأدلة، وكيفية الاستدلال فيكون سائرا إلى الله على بصيرة وبرهان، ولا يجوز له التقليد إلا لضرورة؛ كما لو بحث فلم يستطع الوصول إلى نتيجة، أو حدثت له حادثة تتطلب الفورية، فلم يتمكن من معرفة الحكم بالدليل قبل فوات الحاجة إليها، فله حينئذ أن يقلد بنية أنه متى تبين له الدليل رجع إليه).([101]) اهـ

قلت: فالتقليد في دين الله تعالى لا يجوز، لا تقليد حي، ولا ميت، إلا عند الضرورة القصوى.

قلت: ويتعين على المسلم أن يطلب حكم الله تعالى، وحكم رسوله ﷺ في أحكام الأصول، وأحكام الفروع.

قال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ص586): (ينبغي للمتعلم أن يقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة، وعرف بالستر والصيانة). اهـ

وعن محمد بن سيرين $ قال: (إنما هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم).

أثر صحيح

أخرجه مسلم في «مقدمة: صحيحه» (ج1 ص14)، وابن سمعون في «الأمالي» (73)، والجوهري في «مسند الموطأ» (ص36)، والطيوري في «الطيوريات» (57)، و(58)، و(60)، والهروي في «ذم الكلام» (1381)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (844)، و(845)، و(846)، وفي «الكفاية» (ص121)، والدارمي في «المسند» (399)، (438)، و(343)، وابن خير في «الفهرسة» (ص8)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج2 ص15)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج2 ص194)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج2 ص278)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص252) من طريق مهدي بن ميمون، وأيوب، وابن عون وغيرهم؛ كلهم عن محمد بن سيرين به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال تعالى: ]ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون[ [آل عمران: 79].

 

عن مجاهد $ قال: في قوله تعالى: ]كونوا ربانيين[ [آل عمران: 79]؛ قال: «الربانيون: الفقهاء».([102])

وعن أبي رزين $ قال: في قوله تعالى: ]كونوا ربانيين[ [آل عمران: 79]؛ قال: «فقهاء علماء».([103])

قال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص133): (أما من يسوغ له التقليد فهو العامي: الذي لا يعرف طرق الأحكام الشرعية، فيجوز له أن يقلد عالما، ويعمل بقوله، قال الله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل: 43].

وقال تعالى: ]أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [[النساء: 59].

قلت: والعلماء من أولي الأمر، فيجوز طاعتهم إذا وافقوا الكتاب والسنة، وتقليدهم عند الضرورة.([104])

فعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله: ]أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [[النساء: 59]، قال: (يعني: أهل الفقه والدين، وأهل طاعة الله الذين يعلمون الناس معاني دينهم، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، فأوجب الله سبحانه طاعتهم على عباده).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (3506)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص765)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج4 ص185)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص123)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج5 ص419)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص73)، والطبري في «جامع البيان» (9867)، والبيهقي في «المدخل إلى  علم السنن» (ج2 ص638)، والواحدي في «الوسيط في تفسير القرآن» تعليقا (ج1 ص71) من طريق عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح حدثنا  علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﭭ به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (ج2 ص238)، وأبو المظفر السمعاني في «تفسير القرآن» (ج1 ص440)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج3 ص149)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص505).

وعبد الله بن صالح المصري كاتب الإمام الليث بن سعد، وهو صدوق مأمون، وقد روى هذه الصحيفة بعد أن كتبها، وهو ثبت في كتابه. ([105])

وعلي بن أبي طلحة نهل التفسير من مناهل تفسير التابعين، لأنه نشأ في عصر كان زاخرا بالعلماء الذين تتلمذوا على أيدي الصحابة ﭫ.

منهم: مجاهد بن جبر المكي، وسعيد بن جبير الأسدي، وعكرمة مولي ابن عباس، وغيرهم ممن برز في علم تفسير كتاب الله تعالى.

فأخذ علي بن أبي طلحة التفسير عنهم في صحيفته، واشتهرت صحيفته في التفسير بين العلماء. ([106])

وقد احتج بها الإمام أحمد، والإمام البخاري، والإمام النحاس، والإمام الذهبي وغيرهم. ([107])

قلت: وبين علي بن أبي طلحة، وبين ابن عباس مجاهد أحيانا، وسعيد بن جبير أحيانا، وعكرمة أحيانا.

فإسناده يعتبر صحيحا على الأصل، ووافق الثقات، ولم يوجد ما ينكر في المتن، فهو موافق للأصول في الدين.

وقد تابعه سعيد بن جبير عن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]وأولي الأمر منكم [[النساء: 59]؛ قال: (العلماء).

أخرجه ابن عدي في «الكامل» (ج3 ص942) من طريق محمد بن كثير المصيصي عن هارون  بن حيان عن خصيف بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.

قلت: وهذا سنده لا بأس به في المتابعات والشواهد.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص505).

وتابعه عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس ﭭ به.

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (90) من طريق محمد بن عبيد الله عن عطاء بن أبي رباح.

وإسناده ضعيف، لا يصح.

قال الإمام الطحاوي $ في «مشكل الآثار» (ج4 ص184): (أفلا ترى أن ابن عباس ﭭ قد وصف أولي الأمر بطاعة الله عز وجل، وتعليم الناس معاني دينهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر). اهـ

وعن  عطاء  بن  أبي  رباح $ قال: (في قوله تعالى: ]وأولي الأمر منكم[ [النساء: 59]؛ قال: (أولو الفقه والعلم، وطاعة الرسول: اتباع الكتاب والسنة). وفي رواية: (أهل العلم).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (3501)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص297)، وسعيد بن منصور في«تفسير القرآن» (ج4 ص1289)، وابن وهب في «تفسير القرآن» (ج2 ص9)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص1289)، وفي «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص639)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج4 ص184)، والطبري في «جامع البيان» (9869)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (101)، و(102)، و(103)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ص103)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص72) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1417) من طريق  هشيم، ويعلى بن عبيد، وعبد الله بن المبارك؛ كلهم: عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره الشوكاني في «فتح القدير» (ج1 ص481)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص506)، وفي «مفتاح الجنة» (ص36)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج3 ص149).

وعن مجاهد بن جبر $ قال: في قوله تعالى: ]وأولي الأمر منكم[ [النساء: 59]؛ قال: (يعني: أولي الفقه في الدين والعقل). وفي رواية: (هم: أهل العلم). وفي رواية: (الفقهاء).

أثر صحيح

أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص166)، وابن أبي الدنيا في «العقل» (70)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص1290)، وفي «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص640)، وآدم بن أبي إياس في «تفسير القرآن» (ص161 و162)، ومسلم بن خالد في «تفسير القرآن» (ق/8/ط)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج12 ص213)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص293)، والطبري في «جامع البيان» (9866)، و(9868)، و(9874)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص765) من طريق ورقاء، وشبل، وابن علية، وسفيان الثوري، وحصين بن عبد الرحمن؛ كلهم: عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج3 ص149).

وأخرجه أبو خيثمة في «العلم» (ص124)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (93)، وتمام الرازي في «الفوائد» (ج1 ص370)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص292)، وابن وهب في «الجامع في تفسير القرآن» (ج1 ص100)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج4 ص1287)، والطيوري في «الطيوريات» (ج2 ص435 و436)، والطبري في «جامع البيان» (ج5 ص94)، ووكيع في «نسخته» (20) من طرق عن الأعمش عن مجاهد قال: هم: (الفقهاء والعلماء).

قلت: وهذا سنده صحيح، والأعمش توبع على الإسناد.

وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج8 ص254)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص506).

 وأخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (3507)، والطبري في «جامع البيان» (9864)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (653)، و(656)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (97)، و(98)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1418)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص73)، وعبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص166) من طريق سفيان الثوري، وإسماعيل بن زكريا، ومندل العنزي، وعبد الله بن إدريس، وأبي جعفر الرازي؛ كلهم: عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال: (هم: الفقهاء والعلماء). وفي رواية: (أهل العلم، وأهل الفقه).

وإسناده حسن في المتابعات، والليث بن أبي سليم قد توبع على الإسناد.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص506).

وأخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (95) من طريق أبي سعيد الأشج حدثنا تليد عن منصور عن مجاهد قال: (الفقهاء).

وإسناده ضعيف، لا يصح.

وأخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (99) من طريق معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن مجاهد به.

وإسناده حسن في المتابعات.

وعن الحسن البصري $ قال: في قوله تعالى: ]وأولي الأمر منكم[ [النساء: 59]؛ قال: (أولي الفقه والعلم). وفي رواية: (هم: العلماء).

أثر صحيح

أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ق/20/ط)، و(ج1 ص166)، والطبري في «جامع البيان» (9871)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج2 ص474)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (3514)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (104)، وآدم بن أبي إياس في «العلم» (ص97)، وسعيد بن منصور في «السنن» (ج4 ص1289)، والبيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (269)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص766) من طريق معمر، ومنصور بن زاذان، والمبارك بن فضالة؛ كلهم: عن الحسن البصري به.

قلت: هذا سنده صحيح.

وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج3 ص149).

وعن أبي العالية الرياحي $ قال: في قوله تعالى: ]وأولي الأمر منكم[ [النساء: 59]؛ قال: هم: أهل العلم، ألا ترى أنه يقول سبحانه: ]ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم [[النساء: 83].

 

أثر حسن

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج12 ص213)، والطبري في «جامع البيان» (9873) من طريق وكيع، وابن أبي جعفر عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية به.

قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات، والشواهد.

وعلقة ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج4 ص327).

وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج2 ص64)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص506).

وقال تعالى: ]فاتقوا الله ما استطعتم [[التغابن: 16].

ولذلك لا يجوز للمقلد عند الضرورة العدول عن تقليد المجتهد الرباني.

وقال تعالى: ]واتقوا الله ويعلمكم الله [[البقرة: 282].

قال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «العلم» (ص168): (والأرجح أن يأخذ بما يغلب على ظنه أنه أقرب إلى الصواب؛ لكون قائله أعلم، وأورع). اهـ

وقال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص716): (ولعامي تقليد مفضول من المجتهدين، ويلزمه إن بان له الأرجح تقليده، ويقدم الأعلم على الأورع، ويخير مستويين). اهـ

المسألة الثانية: أهمية التقليد تظهر في أمر واحد عند الاضطرار، والضرورة، وذلك أن الاجتهاد بمعرفة الحكم بدليله يتعسر أحيانا.

فيتعذر على المسلم معرفة الدليل بأسرع وقت ممكن، فيحتاج إلى مزيد وقت للنظر والبحث أحيانا.

وذلك للحصول على الحكم الصحيح من الكتاب والسنة، فمتى سيبلغ ليعرف الحكم الشرعي، فكانت الحاجة للتقليد قوية في هذا الوقت الحرج.

فيقلد المسلم العالم الثقة في دينه([108])، لأنه لو لم يقلد فقد وقع في الحرج، ولعله يؤدي به إلى هلاكه.

فرفع التقليد عن المسلم في هذا الوقت الحرج، والضرر المنفي في الشرع المطهر.([109])

قلت: والشرع المطهر لا يأتي بما فيه حرج، والتقليد بهذه الطريقة يحصل منه العلم، وطمأنينة القلب في الدين. ([110])

وقال تعالى: ]وما جعل عليكم في الدين من حرج [[الحج: 78].

وقال تعالى: ]فاتقوا الله ما استطعتم [[التغابن: 16].

وقال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل: 43].

وقال الإمام القرافي $ في «شرح تنقيح الفصول» (ص406): (الجواب: أن تلك الأمور يعني: شعائر الإسلام الظاهرة - إن انتهت إلى حد الضرورة بطل التقليد بالضرورة، ولا نزاع في ذلك، لأن تحصيل الحاصل محال لاسيما والتقليد إنما يفيد الظن الذي هو دون الضرورة بكثير، وإن لم ينته إلى حد الضرورة تعين التقليد للحاجة في النظر إلى أدوات مفقودة في حق العامي). اهـ

وقال الإمام ابن حزم $ في «المحلى بالآثار» (ج2 ص149): (ولا يحل لأحد أن يقلد أحدا، لا حيا ولا ميتا، وعلى كل أحد من الناس الاجتهاد حسب طاقته، فمن سأل عن دينه فإنما يريد معرفة ما ألزمه الله عز وجل في هذا الدين، ففرض عليه إن كان أجهل البرية أن يسأل عن أعلم أهل موضعه بالدين الذي جاء به رسول الله ﷺ فإذا دل عليه سأله، فإذا أفتاه قال له: هكذا قال الله عز وجل ورسوله؟ فإن قال له: نعم. أخذ بذلك وعمل به أبدا، وإن قال له هذا رأيي، أو هذا قياس، أو هذا قول فلان، وذكر له صاحبا أو تابعا أو فقيها قديما أو حديثا، أو سكت أو انتهره أو قال له: لا أدري. فلا يحل له أن يأخذ بقوله، ولكنه يسأل غيره.

برهان ذلك: قول الله عز وجل: ]أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم[ [النساء: 59]؛ فلم يأمر الله عز وجل قط بطاعة بعض أولي الأمر، فمن قلد عالما أو جماعة علماء فلم يطع الله تعالى، ولا رسوله ﷺ، ولا أولي الأمر، وإذا لم يرد إلى من ذكرنا فقد خالف أمر الله عز وجل، ولم يأمر الله عز وجل قط بطاعة بعض أولي الأمر دون بعض.

فإن قيل: فإن الله عز وجل قال: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل: 43]. وقال تعالى: ]ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم[ [التوبة: 122].

قلنا: نعم، ولم يأمر الله عز وجل أن يقبل من النافر للتفقه في الدين رأيه، ولا أن يطاع أهل الذكر في رأيهم، ولا في دين يشرعونه لم يأذن به الله عز وجل، وإنما أمر تعالى بأن يسأل أهل الذكر عما تعلموه من الذكر الوارد من عند الله تعالى فقط، لا عمن قاله من لا سمع له ولا طاعة، وإنما أمر الله تعالى بقبول نذارة النافر للتفقه في الدين فيما تفقه فيه من دين الله تعالى الذي أتى به رسول الله ﷺ لا في دين لم يشرعه الله عز وجل، ومن ادعى وجوب تقليد العامي للمفتي فقد ادعى الباطل، وقال قولا لم يأت به قط نص قرآن، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس، وما كان هكذا فهو باطل؛ لأنه قول بلا دليل، بل البرهان قد جاء بإبطاله، قال الله تعالى ذاما لقوم قالوا: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[ [الأحزاب: 67] والاجتهاد إنما معناه بلوغ الجهد في طلب دين الله عز وجل الذي أوجبه على عباده). اهـ

وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص137): (انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر([111]). اهـ

المسألة الثالثة: يجوز تقليد المسلم المتمكن من الاجتهاد، والعلم في فن من فنون العلم عند الضرورة؛ مثل: الفقه، أو الحديث، أو التفسير، أو غير ذلك؛ إذا اعتدلت أقواله وأفعاله بالصلاح في الدين، لأن يعتبر من أهل العلم في الدين.

وذهب إليه عامة أهل العلم، لأن المجتهد قد لا توجد، أو توجد لكنه لا يعرف هذه المسألة، لأن العلم لا يحاط به. ([112])([113])

قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7].

قلت: فيجوز تقليد من له نوع اجتهاد في العلم، لأن الاجتهاد يتجزأ.

فيقلد المسلم عند الضرورة المجتهد في نوع من العلم، أو في مسائل، أو في مسألة، لأن وصل إلى العلم بها وبدليلها.

قلت: وليس من شرط المجتهد أن يكون عالما بكل مسألة ترد إليه، فمن عرف كتاب الله تعالى، وسنة نبيه ﷺ؛ نصا واستنباطا استحق الاجتهاد، أو بعض الاجتهاد؛ يعني: متوسطا في الاجتهاد.

قال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص713): (الاجتهاد يتجزأ).اهـ

وقال الإمام الزركشي $ في «البحر المحيط» (ج8 ص242): (مسألة الصحيح جواز تجزؤ الاجتهاد، بمعنى أنه يكون مجتهدا في باب دون غيره). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص13): (ولا يقولن قائل: من لم يعرف الأحاديث كلها لم يكن مجتهدا، لأنه إن اشترط في المجتهد علمه بجميع ما قاله النبي ﷺ، وفعله فيما يتعلق بالأحكام.

فليس في الأمة على هذا مجتهد، وإنما غاية العالم: أن يعلم جمهور ذلك ومعظمه، بحيث لايخفى عليه إلا القليل من التفصيل، ثم إنه قد يخالف ذلك القليل من التفصيل الذي يبلغه فيكون معذورا). اهـ

والحاصل: أن المجتهد لابد أن يكون محيطا بأدلة الشرع، متمكنا من اقتباس الأحكام منها، عارفا بفقهها، ولغتها، فاهما بأصول الحديث، ضابطا لأصول الفقه، عالما بالتفسير. ([114])

والمقصود: أنه لابد أن تثبت له الملكة في العلم. ([115])

وقال العز بن عبد السلام $ في «قواعد الأحكام» (ج2 ص135): (لا يجب تقليد الأفضل، وإن كان هو الأولى؛ لأنه لو وجب تقليده لما قلد الناس الفاضل والمفضول في زمن الصحابة والتابعين من غير نكير.

بل كانوا مسترسلين في تقليد الفاضل والأفضل، ولم يكن الأفضل يدعو الكل إلى تقليد نفسه، ولا المفضول يمنع من سأله عن وجود الفاضل، وهذا مما لا يرتاب فيه عاقل). اهـ

قلت: لذا لا يخلو العصر من مجتهد مطلق، أو مجتهد متمكن، أو مجتهد في جزء، لأنه لا يخلو عصر من طلبة علم من أهل الحديث، وهم: أهل الاجتهاد في التمكن في أحكام الأصول والفروع في الدين.([116])

فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي قال: «بلغوا عني ولو آية».([117])

قال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «شرح رياض الصالحين» (ج5 ص431): (بلغوا عني: يعني بلغوا الناس بما أقول، وبما أفعل، وبجميع سنته عليه الصلاة والسلام «بلغوا عني ولو آية» من كتاب الله: ولو هنا للتقليل، يعني: لا يقل الإنسان أنا لا أبلغ إلا إذا كنت عالما كبيرا، لا، إنما يبلغ الإنسان ولو آية بشرط أن يكون  قد علمها، وأنها من كلام الرسول ﷺ، ولهذا قال في آخر الحديث: «ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»: من كذب على الرسول متعمدا يعلم أنه كاذب، فليتبوأ مقعده من النار، هنا اللام للأمر لكن المراد بالأمر هنا الخبر، يعني: فقد تبوأ مقعده من النار؛ والعياذ بالله، أي: فقد استحق أن يكون من ساكني النار؛ لأن الكذب على الرسول ليس كالكذب على واحد من الناس؛ الكذب على الرسول كذب على الله عز وجل، ثم هو كذب على الشريعة). اهـ

 

وعن ثوبان ﭬ قال: قال رسول الله : «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله».([118])

قلت: وهذا الحديث يدل على أن أهل الحديث؛ هم: الطائفة المنصورة الناجية، وهي التي تقوم بنشر العلم والسنة بين الناس على مر العصور، وكر الدهور إلى قيام الساعة؛ كما قال الإمام أحمد، والإمام ابن المديني، والإمام البخاري، والإمام ابن المبارك وغيرهم.([119])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص12): (فلا يجوز أن يدعي انحصار حديث رسول الله ﷺ في دواوين معينة، ثم لو فرض انحصار حديث رسول الله ﷺ فيها، فليس كل ما في الكتب يعلمه العالم، ولا يكاد ذلك يحصل لأحد، بل قد يكون عند الرجل الدواوين الكثيرة وهو لا يحيط بما فيها).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص5): (وأما إحاطة واحد بجميع حديث رسول الله ﷺ، فهذا لا يمكن ادعاؤه قط). اهـ

وقال الفقيه النفراوي $ في «الفواكه الدواني» (ج2 ص357) عن المقلد: (ولكن بشرط أن لا يتتبع رخص المذاهب وإلا امتنع إجماعا؛ إلا أن يضطر لتقليد الرخصة يوما؛ فيجوز للضرورة). اهـ

قلت: وإن كان عالما لم يبلغ درجة الاجتهاد، فيجوز له أن يفتي، ويجتهد في البحث، وغلب على ظنه الحكم فيحكم([120])، وكذلك طالب العلم يجوز له أن يفتي بما علم من الفقه، وقد اجتهد فيه.([121])

قال الحافظ ابن عبد البر $ في «جامع بيان العلم» (ج2 ص993): (وقال أهل العلم والنظر: حد العلم التبيين، وإدراك المعلوم على ما هو فيه، فمن بان له الشيء فقد علمه). اهـ

وقال العلامة الشيخ ابن غصون $ في «الفتاوى» (ج13 ص262): (كل إنسان يجتهد على قدر حاله، والاجتهاد أنواع: اجتهاد مطلب، وغيره؛ مثل: إذا كان الإنسان مثلا: طالب علم، يقرأ بعض الكتب، وإذا رأى هذا القول أرجح، والحديث، أو النص الشرعي يدعمه، أو عن فلان معروف بالتحقيق، ثم اختار هذا القول؛ فهذا نوع من الاجتهاد). اهـ

وقال العلامة الشيخ ابن غصون $ في «الفتاوى» (ج13 ص262): (وهناك مجتهد مفيد في مذهب إمامه، ومثل المجتهد في مسألة واحدة، كأن يكون مجتهدا في الفرائض فقط، أو في علم الأصول فقط، أو في المعاملات فقط، أو في مسائل الحج، أو مسائل العبادات فقط، وهذا هو المقصود بتجزء الاجتهاد، وهو لا بأس به). اهـ

وقال العلامة الشيخ ابن غصون $ في «الفتاوى» (ج13 ص263): (مطلوب من الإنسان أن يجتهد في تحري معرفة الحلال والحرام والأحكام). اهـ

وقال العلامة الشيخ ابن غصون $ في «الفتاوى» (ج13 ص264): (الاجتهاد معناه: الاجتهاد في الفتوى، أو الاجتهاد في الحكم.

هذا معناه: أن الإنسان إذا أراد أن يفتي اجتهد، أو أن يحكم بين الناس اجتهد، أو أن يبين حكما شرعيا اجتهد.

بمعنى أنه يبحث، ويراجع، ويتحرى القول الذي هو أقرب للصواب لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأقرب لمدلول الآيات الكريمة، أو الأحاديث النبوية، والنصوص الشرعية هذا هو الاجتهاد، فإذا كان الإنسان يحسن هذا الشيء؛ فذلك هو الاجتهاد). اهـ

وقال العلامة الشيخ ابن غصون $ في «الفتاوى» (ج13 ص265): (أما إذا وجد إنسان يجتهد ولو اجتهادا محدودا أو ضيقا، بمعنى: أن يجتهد لكل واقعة، أو لكل حادثة، أو يبحث عن القول الراجح، أو الدليل في بعض القضايا؛ فإنه نافع). اهـ

وقال العلامة الشيخ ابن غصون $ في «الفتاوى» (ج13 ص265): (ولهذا فإن على كل إنسان أن يجتهد، وأن يتحرى معرفة الحق، والوصول إليه ثم العمل به.

وهو: يعني أن على كل إنسان يستطيع أن يجتهد إذا كان عنده معرفة، وملكة، ويقدر على أخذ الأحكام من كتب التفاسير، وكتب الحديث، وكتب أهل العلم أن يفعل ذلك.

فإن كان الإنسان عنده مؤهل، وعنده قدرة، وفي وسعه أن يأخذ الأحكام من مظانها من كتب أهل العلم؛ فإن مثل هذا يجتهد، ويأخذ من الأقوال ما يعتقد أنه أقرب للحق، وأقرب للدليل.

وهذا واجب على كل مسلم؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم واحد فليس هناك أحد يشارك النبي صلى الله عليه وسلم في تحتم وجوب الطاعة). اهـ

وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص144): (فاتفقوا على تعينه في حقه، وإن كان لم يجتهد؛ فأكثر أهل السنة على أنه لا يجوز له التقليد، وهو مذهب مالك $). اهـ

قال تعالى: ]فاتقوا الله ما استطعتم [[التغابن: 16].

قلت: ومن يبلغ درجة أهلية النظر، والاستدلال، والترجيح، وعرف مذهب العلماء، ومعرفته بالقواعد، والأصول، وله قوة للاستنباط من أدلة الأحكام الشرعية، فهذا يتعين عليه العمل بالاجتهاد في الدين.

وقد بين الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج4 ص216)؛ أنه ليس من شروط الاجتهاد في مسألة بلوغ رتبة الاجتهاد في جميع المسائل، بل متى علم أدلة المسألة الواحدة، وطرق النظر فيها، فهو مجتهد، وإن جهل حكم غيرها.

قلت: فيجوز تجزؤ الاجتهاد في الشريعة المطهرة.

قال الإمام الزركشي $ في «البحر المحيط» (ج8 ص242): (فهذا هو المجتهد في الجزئي، والمتجه أنه يجب عليه العمل بما قام عنده على الدليل، ولا يسوغ له التقليد). اهـ

وقال الإمام ابن عابدين $ في «حاشيته على الدر المختار» (ج1 ص68): (ولا يخفى أن ذلك لمن كان أهلا للنظر في النصوص، ومعرفة محكمها من منسوخها). اهـ

وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص141): (يجوز أن يحصل صفة الاجتهاد في فن دون فن، وفي مسألة دون مسألة؛ خلافا لبعضهم). اهـ

وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص140): (اتفقوا على جواز الاجتهاد بعد وفاته عليه السلام). اهـ

قلت: وهذا يعتبر في الاجتهاد الوسط، وإن كان غير معتبر؛ فهو مقلد.

قلت: فمن ترجح عنده تقليد عالم بالدليل بما قضى اجتهاده في الدين، وبذل جهده في اتباع ما أنزل الله تعالى، فلا يجوز الإنكار عليه، ويقال له يجب عليك أن تقلد العالم الأخر مع علمه بخطئه في الحكم([122])، أو باجتهاده فيه في الجملة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج20 ص292): (فمن ترجح عنده تقليد الشافعي يعني: باجتهاده - لم ينكر على من ترجح عنده تقليد مالك([123]) ومن ترجح عنده تقليد أحمد لم ينكر على من ترجح عنده تقليد الشافعي ([124])، ونحو ذلك). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج1 ص452): (وأما تقليد من

بذل جهده في اتباع ما أنزل الله تعالى، وخفي عليه بعضه، فقلد فيه من هو أعلم منه([125])، فهذا محمود غير مذموم، ومأجور غير مأزور). اهـ

قلت: وباب الاجتهاد في ذاته مفتوح، وفضل الله تعالى واسع؛ لكن لابد أن يكون الاجتهاد على معاني الكتاب والسنة.

قلت: ولا يخلو عصر من العصور من مجتهد؛ سواء كان مطلقا، أو متوسطا في الدين، وهو مذهب الحنابلة، وعدد من الشافعية، والمالكية، واختاره الإمام ابن دقيق العيد وغيره([126])، وهو الصحيح.

عن المغيرة بن شعبة ﭬ عن النبي ﷺ قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون). ([127])

قلت: فمن قام بحفظ الفقه، وفهمه ونقله، فهذا يعتمد نقله، وفتواه في الدين.

قلت: فليستح من يدعي على أنه لا اجتهاد اليوم، ولا يوجد أي مجتهد اليوم في الدين. ([128])

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج1 ص452): (أنه سبحانه ذم من أعرض عما أنزله إلى تقليد الآباء.

وهذا القدر من التقليد هو مما اتفق السلف والأئمة الأربعة على ذمه وتحريمه.([129])

وأما تقليد من بذل جهده في اتباع ما أنزل الله وخفي عليه بعضه فقلد فيه من هو أعلم منه فهذا محمود غير مذموم، ومأجور غير مأزور). اهـ

قلت: والمسلم إذا أدى مستطاعه في الاجتهاد في الأحكام، فلا بأس بعد ذلك أن يقلد مجتهدا من أهل العلم الربانيين.

قلت: ومع قولنا بأن الاجتهاد لم ينقطع بعد، فهو لا يستلزم أن يسلم لكل من يدعي الاجتهاد أنه مجتهد؛ كالمتعالم وغيره.

نعم إن شهدت له علومه، ووجدت فيه علامات القبول، فهذا يسلم له ذلك وإلا فلا. ([130])

قلت: وأما من اعتمد على مجرد نقل الفتوى من غيره؛ بدون فهم، وربما زعم أنه فهمها، أو حرفها، فما أبعد هذا عن درجة الاجتهاد، والأتباع. ([131])

وهذا حال أهل هذا الزمان من المذهبيين، والحزبيين، بل هو حال أكثر الناس منذ أزمان، مع دعواهم الوصول إلى الغايات، والانتهاء إلى النهايات، وهم لم يرتقوا عن درجة البدايات اللهم غفرا.

قال الإمام الذهبي $ في «السير» (ج8 ص92): (ولم يبق اليوم، إلا هذه المذاهب الأربعة، وقل من ينهض بمعرفتها([132])، كما ينبغي، فضلا عن أن يكون مجتهدا).([133]) اهـ

المسألة الرابعة: يحرم تقليد المتساهل([134])،والمميع في الدين، وهو من لا يعطي الفتوى حقها من النظر، ولا يقوم بموجب النظر والبحث في العلم، وهو يتناقض في كل حين في الفتاوى، وينشر الضلال في المسلمين؛ مع زعمه أنه يبحث، ويفتي بالسنة!، وهو ليس كذلك، بل هو كسلان في العلم، وهو لا يشعر.

وقد أجمعت الأمة على تحريم تقليد المتساهل في الفتوى، وتتبع الرخص فيها، والمراد: أخذ المقلد أسهل، وأخف أقوال أهل العلم عليه في المسائل.([135])

قال تعالى: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ [الأعراف:33].

وقال تعالى: ]ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض[ [المؤمنون:71].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص22): (وذلك أن غاية كثير من العلماء أن يعلم قول أهل العلم الذين أدركهم في بلاده، ولا يعلم أقوال جماعات غيرهم). يعني: من أهل العلم في البلدان الأخرى!.

وقال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص716): (ويحرم التساهل فيها، - يعني: الفتوى - وتقليد معروف به([136]». اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص22): (وكثيرا من المتأخرين لا يعلم إلا قول اثنين، أو ثلاثة من الأئمة المتبوعين، وما خرج عن ذلك، فإنه عنده يخالف الإجماع؛ لأنه لا يعلم به قائلا، وما زال يقرع سمعه خلافه). اهـ

وقال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص324): (ينبغي لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المفتين، فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها، ومن لم يكن من أهلها منعه منها، وتقدم إليه بأن لا يتعرض لها، وأوعده بالعقوبة إن لم ينته عنها). اهـ

وبوب الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص327)؛ ما جاء من الوعيد لمن أفتى وليس هو من أهل الفتوى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج18 ص51): (فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله، فمن لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم). اهـ

وقال الحافظ ابن الصلاح $ في «علوم الحديث» (ص56): (لا تقبل رواية - أو فقه - من عرف بالتساهل في سماع الحديث). اهـ

وقال الإمام النووي $ في «المجموع» (ج1 ص46): (يحرم التساهل في الفتوى، ومن عرف به حرم استفتاؤه، فمن التساهل أن لا يتثبت، ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر). اهـ

وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله في «التعليق على مقدمة المجموع» (ص248): (والتساهل في الفتوى لاشك أنه حرام، ولو قيل: إنه من كبائر الذنوب لم يبعد، لأن الله قال: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ [الأعراف:33]، فلا يجوز التساهل). اهـ

وقال الإمام النووي $ في «المجموع» (ج1 ص46): (ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة والتمسك بالشبه). اهـ

وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «شرح مختصر التحرير» (ج2 ص51): (وقوله: (ويرد متساهل في رواية)؛ الذي يعلم أنه يتساهل بالرواية ترد روايته). اهـ

وجاء عن الذهبي $ في «ميزان الاعتدال» (ج3 ص484)؛ في ترجمة: (محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق؛ أنه قال عنه: (محدث فاضل مكثر، لكنه يحدث من غير أصول، ذهبت أصوله، وهذا التساهل قد طم، وعم!). اهـ

وقال الحافظ الذهبي $ في «السير» (ج16 ص388)؛ في ترجمة: «الوراق» هذا: (التحديث من غير أصل قد عم اليوم، وطم!). اهـ

قلت: رحم الله الإمام الذهبي كيف لو أدرك زماننا!.

المسألة الخامسة: يحرم تقليد العالم الفاسق مطلقا، لأنه ليس بأهل للفتوى في الدين، والفسق: هو الخروج عن الطاعة إلى المعصية.

وقد صرح أهل العلم، بأنه لا يجوز تقليد الفاسق، ومنع التقليد له بإجماع العلماء على ذلك، وقد نقله غير واحد من أهل العلم. ([137])

قال تعالى: ]ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض[ [المؤمنون:71].

قال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص324): (ينبغي لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المفتين، فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها، ومن لم يكن من أهلها منعه منها، وتقدم إليه بأن لا يتعرض لها، وأوعده بالعقوبة إن لم ينته عنها). اهـ

وبوب الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص327)؛ ما جاء من الوعيد لمن أفتى وليس هو من أهل الفتوى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج18 ص51): (فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله، فمن لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم). اهـ

قلت: فلا يعتد بفتاوى أهل التساهل في الدين، ممن عدهم العوام من العلماء في الدين، لأنهم يتكلمون في الأحكام بغير علم، فلذلك يتناقضون في الفتاوى على حسب جهلهم في الدين. ([138])

قال العلامة الشاطبي $ في «الموافقات» (ج4 ص62): (الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها، وإن كثر الخلاف؛ كما أنها في أصولها كذلك، ولا يصلح فيها غير ذلك). اهـ

المسألة السادسة: يحرم تقليد المتعالم الجاهل مطلقا، لأن الجهل ضد العلم، والجاهل غير العالم، وقد صرح أهل العلم بمنع الجاهل من الفتوى، ومنع المسلم من تقليده في الدين.

وقد أجمعت الأمة على منع تقليد الجاهل مطلقا، وذلك لأنه تضييع لأحكام الشريعة المطهرة([139])، ومن شروط التقليد كون المقلد مجتهدا في معرفة الدليل أحيانا، وهذا الشرط ممنوع هنا.

قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7].

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين $ في «شرح الكافية الشافية» (ج1 ص182): (البلاء كل البلاء من الجاهل([140])جهلا مركبا؛ الذي يجادلك بغير علم، ويتكلم بين العامة بغير علم، ويتكلم مع العلماء بالمجادلة بغير علم). اهـ

عن الإمام سفيان الثوري $ قال: (تعوذوا بالله من فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر([141])، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون).

أثر صحيح

أخرجه أبو الفتح المقدسي في «الحجة» (577)، وعبد الله بن المبارك في «الزهد»؛ «زيادات» نعيم بن حماد : (ص18)، والبيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1651)، وفي «شعب الإيمان» (ج2 ص308)، و(ج7 وص36)، وأحمد في «العلل» (ج3 ص118)، والآجري في «مسألة الطائفين» (ص26)، وفي «أخلاق العلماء» (ص61)، وفي «فرض طلب العلم» (39)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص192)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج6 ص377)، و(ج7 ص36) من طرق عن سفيان الثوري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن القيم في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص351).

قال الإمام أبو الفتح المقدسي $ في «الحجة» (ج2 ص570)؛ باب: التحذير من علماء السوء؛ ممن ترك كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ، واعتمد على رأيه، وجلب الناس بمنطقة، وتزين لهم بعلمه وزهده، وتصنع بقراءته وتعبده؛ وما يصدون بذلك عن الحق، ويقطعون عن الخير، ويمنعون من طلب العلم.

وعن الإمام عبدالله بن المبارك $ قال: (كان يقال: تعوذوا بالله من فتنة العالم الفاجر، ومن شر فتنة العابد الجاهل؛ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون).([142])

قال الإمام ابن القيم $ في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص160): (الناس إنما يقتدون بعلمائهم وعبادهم فإذا كان العلماء فجرة والعباد جهلة عمت المصيبة بهما وعظمت الفتنة على الخاصة والعامة). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص160): (ومن تأمل الفساد الداخل على الأمة، وجده من هذين المفتونين([143])). اهـ

وعن الإمام سفيان الثوري $ قال: (كان يقال: العلماء ثلاثة: عالم بالله يخشى الله ليس بعالم بأمر الله، وعالم بالله عالم بأمر الله يخشى الله، فذاك العالم الكامل، وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله لا يخشى الله، فذلك العالم الفاجر).

أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (375)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج7 ص370)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (1919) من طريق علي بن خشرم، ومحمد بن يوسف قالا: سمعنا سفيان الثوري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام أبي مسلم الخولاني $ قال: (العلماء ثلاثة: فرجل عاش في علمه وعاش معه الناس فيه، ورجل عاش في علمه ولم يعش معه فيه أحد، ورجل عاش الناس في علمه وكان وبالا عليه).

أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (373)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج14 ص55)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج5 ص121) من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال أبو مسلم الخولاني به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه معمر الأزدي في «الجامع» (20472)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1546)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج2 ص283) من طريق أيوب عن أبي قلابة $ قال: (العلماء ثلاثة...).

وإسناده صحيح.

وعن أبي عمران الجوني عن هرم بن حيان أنه قال: (إياكم والعالم الفاسق، فبلغ عمر بن الخطاب ﭬ، فكتب إليه، وأشفق منها: ما العالم الفاسق؟، قال: فكتب إليه هرم: يا أمير المؤمنين، والله ما أردت به إلا الخير: يكون إمام يتكلم بالعلم، ويعمل بالفسق، فيشبه على الناس، فيضلون).

أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (308)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج7 ص96) من طريق سهل بن محمود، وبشر بن الحكم قالا: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي حدثنا أبو عمران الجوني به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره الذهبي في «السير» (ج4 ص49).

وعن الإمام الفضيل بن عياض $ قال: (إنما هما عالمان: عالم دنيا، وعالم آخرة، فعالم الدنيا: علمه منشور، وعالم الآخرة: علمه مستور، فاتبعوا عالم الآخرة، واحذروا عالم الدنيا، لا يصدنكم بشره، ثم تلا هذه الآية: ]إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[ [التوبة:34].

الأحبار: العلماء.

والرهبان: العباد.

أثر صحيح

أخرجه الآجري في «أخلاق العلماء» (ص86)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص92) من طريق أبي يعلى، والفضل بن زياد قالا: سمعنا عبدالصمد بن يزيد قال سمعت الفضيل بن عياض به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن رجب في «شرح حديث أبي الدرداء»: «العلماء ورثة الأنبياء» (ص330).

وعن الإمام سفيان بن عيينة $ قال: (أجهل الناس من ترك ما يعلم، وأعلم الناس من عمل بما يعلم، وأفضل الناس أخشعهم لله عز وجل).

أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (342) من طريق أحمد بن محمد عن سفيان بن عيينة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الإمام ابن رجب $: (وهكذا كان حال العلماء الربانيين؛ كالحسن، وسفيان، وأحمد).([144]) اهـ

قلت: فترى هذا العالم المفتون عنده شيء من العلم، ويطلق عليه اسم العالم عند العامة، وهو عند السلف ليس بعالم؛ لأنه ليس بعالم بالله تعالى، ولا يخشاه.([145])

فهذا كان عند السلف هو العالم المفتون، وإن نسب عند العامة بالعلم، فهي نسبة صورية في الظاهر، وهو من المقلدة على الصحيح.

قال الحافظ ابن حجر $ في «فتح الباري» (ج13 ص316): (أهل الجهل ليسوا عدولا، وكذلك أهل البدع، فعرف أن المراد بالوصف.... أهل السنة والجماعة، وهم: أهل العلم الشرعي، ومن سواهم، ولو نسب إلى العلم: فهي نسبة صورية لا حقيقية).اهـ

وترى العالم الآخر عنده من العلم، وقد جمع بين العلم بالله تعالى، والعلم بأمره وخشيته، فجمع بين العلمين الذي عليه علماء السلف، وسلك كلا الطريقين، فجمع بين الأمرين، فهذا العالم الرباني.

قال تعالى: ]إنما يخشى الله من عباده العلماء[ [فاطر:28].

قلت: من يخشى الله تعالى فهو عالم.([146])

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «أثر العلماء» (ص16): (وبين سبحانه أن العلماء هم أخشى الناس لله تعالى، فقال تعالى: ]إنما يخشى الله من عباده العلماء[ [فاطر:28]. اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «أثر العلماء» (ص16): (العلماء: هم الذين يعرفون شرع الله تعالى، ويفقهونه، ويعملون به؛ المتبعون لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله ﷺ، والسلف الصالح على هدى وبصيرة). اهـ

وقال الإمام ابن رجب $ في «سيرة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز» (ج2 ص481): (علماء السلف كانوا يقسمون العلماء ثلاثة أقسام:

قسم يعرفون الله، ويخشونه، ويحبونه، ويتوكلون عليه، وهم: العلماء بالله تعالى.

وقسم يعرفون أمر الله تعالى، ونهيه وحلاله وحرامه، وهم العلماء بأمر الله تعالى.

وقسم يجمعون بين الأمرين([147])، وهم أشرف العلماء، حيث جمعوا بين العلم بالله، والعلم بأمر الله.

وكذلك أكثر السلف يجمعون بين العلم بالله تعالى الذي تقتضي خشيته، ومحبته والتبتل إليه، وبين العلم بالله تعالى الذي يقتضي معرفة الحلال والحرام، والفتاوى والأحكام). اهـ

عن أنس بن مالك ﭬ أن رسول الله ﷺ قال: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل). وفي رواية: (لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم، ويظهر الجهل).([148])

وقال الإمام الخطابي $ في «العزلة» (ص320): (يريد: والله أعلم ظهور الجهال المنتحلين للعلم المترئسين على الناس به قبل أن يتفقهوا في الدين، ويرسخوا في علمه). اهـ

وقال الإمام الخطابي $ في «العزلة» (ص320): (قد أعلم رسول الله ﷺ أن آفة العلم ذهاب أهله وانتحال الجهال، وترؤسهم على الناس باسمه.

وحذر الناس أن يقتدوا بمن كان من أهل هذه الصفة، وأخبر أنهم ضلال مضلون). اهـ

وقال الإمام ابن رجب $ في «شرح حديث أبي الدرداء: العلماء ورثة الأنبياء» (ج2 ص293): (فظهر بهذا أن أكمل العلماء وأفضلهم: العلماء بالله، وبأمره الذين جمعوا بين العلمين، وتلقوهما معا من الوحيين أعني: الكتاب والسنة - وعرضوا كلام الناس في العلمين معا على ما جاء في الكتاب والسنة، فما وافق قبلوه وما خالف ردوه). اهـ

وقال الإمام ابن رجب $ في «شرح حديث أبي الدرداء: العلماء ورثة الأنبياء» (ص317): (ومن جمع هذه العلوم: فهو من العلماء الربانيين، العلماء بالله، العلماء بأمر الله، وهم أكمل ممن قصر علمه على العلم بالله دون العلم بأمره). اهـ

قلت: فمن قايس بين الأمرين: عرف فضل العلماء بالله تعالى وبأمره؛ على العلماء([149]) بالله فقط.

قال الإمام ابن رجب $ في «شرح حديث أبي الدرداء: العلماء ورثة الأنبياء» (ص330): (وهكذا كان حال العلماء الربانيين: كالحسن البصري، وسفيان الثوري، وأحمد). اهـ

وعن الإمام الشعبي $ قال: (اتقوا الفاجر من العلماء، والجاهل من المتعبدين؛ فإنهما آفة لكل مفتون).([150])

قلت: فإنه قد يقال: للمرء عالم وهو فاجر، وقد يقال: للمرء عابد وهو جاهل.([151])

وبوب الحافظ البيهقي في «المدخل» (ج2 ص748)؛ باب: ما يكره لأهل العلم، وغيرهم من التكبر والتجبر، وإلزام الناس مخاطبتهم بما يخاطب به الجبابرة، والسكون إليه، والسرور به.

قال تعالى: ]فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة[ [النحل:36].

وعن محمد بن حرب قال: قال عبد الله بن حسن؛ لابنه: (يا بني: احذر الجاهل).([152])

وعن سلمة بن بلال قال: كان فتى يعجب علي بن أبي طالب ﭬ، فرآه يوما، وهو يماشي رجلا متهما، فقال له:

فلا تصحب أخا الجهل

 

 

وإيــــــــــاك وإيــــــــــــاه

فكـم مـن جاهـــل أردى

 

 

حليمــــا حيـن آخـــــاه([153])

قلت: والجاهل هذا هو الأحمق؛ الذي يجب هجره، وعدم تقليده في الدين.

فعن يسير بن عمرو قال: (اهجر الأحمق، فليس للأحمق خير من هجرانه).([154])

قال الحافظ ابن حبان $ في «روضة العقلاء» (ص164): (والواجب على العاقل ترك صحبة الأحمق). اهـ

وقال الحافظ ابن حبان $ في «روضة العقلاء» (ص164): (أظلم الظلمات الحمق).اهـ

وقال الحافظ ابن حبان $ في «روضة العقلاء» (ص167): (ومن شيم([155]) الأحمق: العجلة، والخفة، والعجز، والفجور،، والجهل).اهـ

قلت: فالعاقل يجب عليه مجانبة من هذا نعته، وترك مخالطة من هذه صفته.

وهذا الجاهل ليس من أهل الذكر.

وقال تعالى: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ [الأعراف:33].

وقال تعالى: ]ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض[ [المؤمنون:71].

وقال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم[ [الأسراء:36].

وقال تعالى: ]فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [القصص:50].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» (ص29): (ولم يدخل في هذا من يغلبه الهوى ويصرعه، حتى ينصر ما يعلم أنه باطل، أو من يجزم بصواب قول، أو خطئه، من غير معرفة منه بدلائل ذلك القول نفيا وإثباتا؛ فإن هذين في النار.

كما قال النبي ﷺ: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، فأما الذي في الجنة، فرجل علم الحق فقضى به، وأما اللذان في النار: فرجل قضى للناس على جهل، ورجل علم الحق وقضى بخلافه) ([156])، والمفتون كذلك). اهـ

وعن إسحاق بن راهويه قال: قال سفيان بن عيينة: (أعلم الناس بالفتوى أسكتهم فيه، وأجهل الناس بالفتوى أنطقهم فيه).([157])

وقال العلامة الشاطبي $ في «الاعتصام» (ج2 ص234) عن الجاهل المفتي: (وإن لم نعتبره فلابد من رجوعه إلى درجة العامي). اهـ

وعن عبد الله بن المعتز $: (كما لا ينبت المطر الكثير الصخر، كذلك لا ينفع البليد كثرة التعليم).([158])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفرقان» (ص274): (يحرم اتباع من يتكلم بلا علم). اهـ

قال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ص584): (والبلادة داء عسير برؤه، عظيم ضره). اهـ

وإن عناء أن تفهم جاهلا

 

 

فتحسب جهلا أنه منك أفهم([159])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» (ص47): (وقد فرق الله بينهما من هذا الوجه، فأثاب المجتهد على اجتهاده([160])، وأثاب العالم على علمه ثوابا لم يشركه فيه ذلك الجاهل). اهـ

وقال الإمام ابن رجب $: (واعلم أنه إنما أهلك أهل العلم([161])، وأوجب إساءة ظن الجهال بهم ، وتقديم جهال المتعبدين عليهم ما دخل عليهم من الطمع في الدنيا).([162]) اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج4 ص286): (وهذا باب عظيم يقع فيه المفتي الجاهل، فيغر الناس، ويكذب على الله تعالى، ورسوله ﷺ، ويغير دينه، ويحرم ما لم يحرمه الله، ويوجب ما لم يوجبه الله تعالى، والله المستعان). اهـ

فعن عبدالله بن عمرو بن العاص ﭬ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا).([163])

المسألة السابعة: يحرم تقليد مجهول الاجتهاد، أو مجهول العدالة، ولا أخذ العلم عليه، وقد صرح أهل العلم بالمنع من تقليده، وذلك لأنه جاهل في الدين، ولو كان من أهل العلم لأشتهر بين أهل السنة بالعلم، فكيف يجوز تقليد مجهول الحال في الدين، وذهب أكثر أهل العلم إلى المنع من تقليده([164])، حتى تعلم عدالته.

قال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص715): (ويلزم ولي الأمر عند الأكثر منع من لم يعرف بعلم، أو جهل حاله، ولا تصح من مستور الحال([165]».اهـ

قلت: فلا يجوز تقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل أن يؤخذ بقوله، وذلك بأن يقلد أقواما يجهل أحوالهم، ولم يعلم أهليتهم، وأحقيتهم للتقليد، أو يقلدهم لمجرد الهوى.

قال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا[ [الأسراء:36].

قلت: فنهى الله تعالى المسلم أن يقفوا ما ليس له بعلم، والشخص إذا قلد من لم يعرف أهليته للتقليد فقد قفا ما ليس له به علم.([166])

قال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «شرح مختصر التحرير» (ص644): (لا يجوز أن تقدم إلا على ما علمت جوازه، ودليل ذلك: قول الله تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا[ [الأسراء:36]. اهـ

قلت: فكل من وجب قبول قوله، فلابد من معرفة حاله.

قال تعالى: ]ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض[ [المؤمنون:71].

قال الإمام ابن جماعة $ في «المنهل الروي» (ص261): (أجمع جماهير أئمة العلم بالحديث، والفقه، والأصول على أنه يشترط فيمن يحتج بحديثه العدالة والضبط.

فالعدالة: أن يكون مسلما بالغا عاقلا سليما من أسباب الفسق، وخوارم المروءة.

تعرف العدالة: بتنصيص عدلين عليها، أو بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل([167])، أو غيرهم من العلماء([168])، وشاع الثناء عليه([169]) بها كفى فيها). اهـ

المجهول: هو غير المعروف، وهو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه والحديث، ولا عرفه العلماء بالعلم.

فلا يجوز الاحتجاج به، ولا تقوم به حجة.

ذكر ذلك الإمام ابن الصلاح في: «علوم الحديث» (ص223)، والحافظ ابن حجر في: «النكت» (ج1 ص387)، والحافظ الخطيب في: «الكفاية» (ص88)، والحافظ السيوطي في: «تدريب الراوي» (ج1 ص372)، وغيرهم.

وهو مجهول الحال إذا عرف شخصه؛ فهو خفي من حيث العدالة فهو مجهول العدالة.

ويسمى المجهول بالنقل؛ أي هو ممن لا يعرف عنه الاشتغال بالعلم، ولا بتلقي العلم عن الشيوخ.

المسألة الثامنة: وإذا كان في البلد جماعة من المجتهدين الربانيين، فيجوز للمسلم أن يقلد عند الضرورة ما شاء منهم([170])، وعلى ذلك جمهور العلماء.([171])

قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7]؛ أي: فيسأل المسلم أي مجتهد في العلم، ولا يكلف أكثر من ذلك عند الضرورة، لرفع الحرج عنه في الدين.

وقال تعالى: ]وفوق كل ذي علم عليم[ [يوسف: 76].

وقال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [[البقرة: 286].

وقال تعالى: ]وما جعل عليكم في الدين من حرج [[الحج: 78].

وقال تعالى: ]فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم[ [البقرة:173].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفرقان» (ص274): (وإذا قلد غيره حيث يجوز ذلك كان جائزا، أي: ليس اتباع أحدهم واجبا على جميع الأمة كاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم). اهـ

قال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص410): (ولا يلزم الفرض إلا من أطاقه).اهـ

وقال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص127): (وقد قيل: إن العامي يقلد أوثق المجتهدين في نفسه، ولا يكلف أكثر من ذلك). اهـ

وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله في «التعليق على مقدمة المجموع» (ص312): (هذا هو الأصل؛ لأن المسألة مسألة علم، فيقلد الأعلم). اهـ

وقال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص127): (وأما الجواب عن تقليد العامي، فهو أن فرضه: تقليد من هو من أهل الاجتهاد). اهـ

قال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص716): (ولعامي تقليد مفضول من المجتهدين، ويلزمه إن بان له الأرجح تقليده، ويقدم الأعلم على الأورع، ويخير مستويين). اهـ

وقال العلامة الخزرجي $ في «فتح المجيد» (ص63): (لا يقلد إلا من علمت أهليته، ولو بالاستفاضة، وهي دون التواتر، وفوق خبر الواحد). اهـ

وقال الإمام أبو علي الطبري $: (فرضه اتباع عالمه بشرط أن يكون عالمه مصيبا، كما يتبع عالمه بشرط أن لا يكون مخالفا للنص).([172]) اهـ

المسألة التاسعة: يجوز للمسلم تقليد العالم الرباني الميت عند الضرورة، وذهب إلى ذلك جمهور العلماء؛ لأن العلوم لا تموت بموت أصحابها، ولا تفقد بفقد أصحابها، ولذا يعتد بها في الخلاف والإجماع. ([173])

والقول بالجواز هو مذهب الحنفية، والمالكية، وأكثر الشافعية، وأكثر الحنابلة.

وكذلك يجوز للعامي التقليد عند الضرورة، وعليه أن يقلد الصحابة([174]) ڤ إذا لم يجد من يقلده من العلماء الربانيين الأحياء.

قال الإمام البربهاري $ في «شرح السنة» (ص517): (واعلم أن الدين إنما هو بالتقليد([175])، والتقليد لأصحاب رسول الله ﷺ). اهـ

قلت: لأن العلم لا يموت بموت صاحبه، لذلك يعتد بقول العالم الميت إذا وافق الكتاب والسنة، وهذا بالإجماع.

قال تعالى: ]فاتقوا الله ما استطعتم [[التغابن: 16].

وقال تعالى: ]وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم [[النساء: 83].

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج4 ص118): (اعلم أن فتاوى الصحابة ﭫ أولى أن يؤخذ بها من فتاوى التابعين، وفتاوى التابعين أولى من فتاوى تابعي التابعين، وهلم جرا، وكلما كان العهد بالرسول ﷺ أقرب كان الصواب أغلب... والصواب في أقوالهم أكثر من الصواب في أقوال من بعدهم؛ فإن التفاوت بين علوم المتقدمين، والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين).([176]) اهـ

وقال الإمام النووي $ في «المجموع» (ج1 ص55): (وفي جواز تقليد الميت وجهان: الصحيح جوازه؛ لأن المذاهب لا تموت بموت أصحابها، ولهذا يعتد بها بعدهم في الإجماع والخلاف). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج22 ص366): (وأما جهة الراي والتنازع، فإن تنازع العلماء، واختلافهم في صفات العبادات، بل وفي غير ذلك من أمور الدين صار شبهة لكثير من أهل الأهواء من الرافضة وغيرهم). اهـ

قلت: فكل صاحب هوى قد يجد من شاذ الآراء، أو مشتبهها ما يفتن به، ويلبس على الناس دينهم، اللهم غفرا.

وقال العلامة الخزرجي $ في «فتح المجيد» (ص65): (يجوز تقليد الميت على الصحيح). اهـ

قال الحافظ البيهقي $ في «جزء الجويباري» (ص227): (فزجر المصطفى ﷺ في هذا الخبر - يعني: (من قال في كتاب الله برايه فأصاب فقد أخطأ)([177])- عن الكلام في كتاب الله بالرأي، وسنته مقيسة عليه حتى لا يحل لأحد أن يقول: قال رسول الله إلا بعد التثبت والعلم به، كما لا يحل لأحد أن يقول في كتاب الله برأيه إلا بعد المعرفة به، وسماع ممن يعرفه). اهـ

فاتباع الآراء والرجال دون ما جاء به الرسول ﷺ اتباع للهوى، وعدول عن الصراط المستقيم.

قال تعالى: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[ [الأنعام: 153].

فالصراط المستقيم واحد، والحيد عنه يكون إلى سبل متشعبة، ولقد قال ابن مسعود ﭬ: «ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر». وفي رواية: (فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة).

أثر صحيح

أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص93)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص166)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص136)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» تعليقا (ج2 ص989) من طريق الأعمش عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود به.

وإسناده صحيح.

وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج1 ص180)؛ ثم قال: (رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح).

وأخرجه ابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص147) من طريق هبيرة، وأبي الأحوص عن ابن مسعود قال: (إذا وقع الناس في الشر، قل: لا أسوة لي في الشر).

وأخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص132) من طريق الأعمش عن أبي عبد الرحمن قال: قال عبد الله فذكره.

وأخرجه ابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص97) من طريق ابن وهب أخبرني من سمع الأوزاعي يقول: حدثني عبدة بن أبي لبابة أن ابن مسعود به.

وهذا إسناد منقطع فيه راوي لم يسم.

وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص461).

قال العلامة الشاطبي $ في «الموافقات» (ج4 ص63): (الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها، وإن كثر الخلاف؛ كما أنها في أصولها كذلك ولا يصلح فيها غير ذلك... قال تعالى: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[ [الأنعام: 153]. فبين أن طريق الحق واحد، وذلك عام في جملة الشريعة وتفاصيلها). اهـ

قلت: فمن رد الحق مرج عليه أمره، واختلط عليه، والتبس عليه وجه الصواب فلم يدر أين يذهب، كما قال تعالى: ]بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج[ [ق:5].

وعن العرباض بن سارية ﭬ عن النبي ﷺ قال: (فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي). ([178])

قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج2 ص223): (أنه ﷺ قال في نفس هذا الحديث: «فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا» وهذا ذم للمختلفين، وتحذير من سلوك سبيلهم، وإنما كثر الاختلاف وتفاقم أمره بسبب التقليد وأهله، وهم الذين فرقوا الدين وصيروا أهله شيعا، كل فرقة تنصر متبوعها، وتدعو إليه، وتذم من خالفها، ولا يرون العمل بقولهم حتى كأنهم ملة أخرى سواهم.

هذا والنبي واحد والقرآن واحد والدين واحد والرب واحد؛ فالواجب على الجميع أن ينقادوا إلى كلمة سواء بينهم كلهم، وأن لا يطيعوا إلا الرسول، ولا يجعلوا معه من يكون أقواله كنصوصه، ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله؛ فلو اتفقت كلمتهم على ذلك وانقاد كل واحد منهم لمن دعاه إلى الله ورسوله، وتحاكموا كلهم إلى السنة وآثار الصحابة لقل الاختلاف). اهـ

المسألة العاشرة: ويحرم على المسلم أن يقلد عند اختلاف الفتوى، وليس له أيضا اتباع هواه، ولا الأخذ بالاستحسان، بل يجب عليه الاجتهاد في طلب الدليل على قدر استطاعته، لأن أحد القولين خطأ، ولأن الحق واحد، وقد تعارضت عليه الفتوى، فيلزمه الأخذ بأرجحهما بالدليل([179])، وقد أجمع الصحابة ڤ، والتابعون عن النهي عن التقليد في الأحكام، وكذلك أجمع العلماء من أهل الحديث المتقدمين على ذلك، وهو قول جمهور العلماء من المتأخرين. ([180])

قلت: فيجب الاجتهاد في طلب الدليل، وإبطال التقليد.

وقال الإمام النووي $ في «المجموع» (ج1 ص47): (ينبغي أن لا يقتصر في فتواه على قوله: في المسألة خلاف، أو قولان، أو وجهان، أو روايتان، أو يرجع إلى رأي القاضي، ونحو ذلك.

فهذا ليس بجواب، ومقصود المستفتي بيان ما يعمل به، فينبغي أن يجزم له بما هو الراجح، فإن لم يعرفه توقف حتى يظهر أو يترك الإفتاء). اهـ

وقال الإمام النووي $ في «المجموع» (ج1 ص47): (يلزم المفتي أن يبين الجواب بيانا يزيل الإشكال). اهـ

وقال الإمام النووي $ في «المجموع» (ج1 ص54): (إذا لم يكن عارفا بأهليته، فلا يجوز له استفتاء من انتسب إلى العلم، وانتصب للتدريس والإقراء، وغير ذلك من مناصب العلماء بمجرد انتسابه وانتصابه لذلك). اهـ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج22 ص249): (وأما أن يقول قائل: إنه يجب على العامة تقليد فلان، أو فلان، فهذا لا يقوله مسلم!). اهـ

وقال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص116): (وقد صح إجماع جميع الصحابة ڤ؛ أولهم عن آخرهم وإجماع جميع التابعين؛ أولهم عن آخرهم على الامتناع والمنع من أن يقصد منهم أحد إلى قول إنسان منهم، أو ممن قبلهم فيأخذه كله). اهـ

قلت: فثبت الإجماع من السلف على النهي عن التقليد لما ثبت في الكتاب والسنة والآثار التمسك بالفتاوى الصحيحة عند الاختلاف، والتنازع في الأصول والفروع.

قال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص116)؛ عن الذي يأخذ بآراء الرجال: (أنه قد خالف إجماع الأمة كلها عن آخرها؛ واتبع غير سبيل المؤمنين، نعوذ بالله من هذه المنزلة). ([181]) اهـ

وقال الإمام القرافي $ في «شرح تنقيح الفصول» (ص420): (لا يجوز التقليد في أصول الدين لمجتهد، ولا للعوام عند الجمهور؛ لقوله تعالي: ]ولا تقف ما ليس لك به علم [[الإسراء: 36]، ولعظم الخطر في الخطأ). اهـ

وقال الإمام القرافي $ في «شرح تنقيح الفصول» (ص405): (مذهب مالك، وجمهور العلماء وجوب الاجتهاد، وإبطال التقليد). اهـ

قلت: وبناء على ذلك يجب على جميع المكلفين البحث، والنظر، والاستدلال.

وانعقد الإجماع على وجوب العلم بالله تعالى، ومعرفته، وتوحيده. ([182])

والعلم لا يحصل بالتقليد؛ لأن العلم هو التصديق الجازم المطابق الذي لا يقبل الشك، وهذا لا يحصل بالتقليد.

قال تعالى: ]وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون [[العنكبوت: 12].

قلت: فأمروهم أن يقلدوهم في سبيلهم الباطل مع حمل الخطايا، فرد الله تعالى عليهم قولهم، وكذبهم في ذلك، فدل ذلك على أنه لا يصح التقليد، وأنه مذموم في الدين. ([183])

قال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص144): (ولا يجوز التقليد في أصول الدين لمجتهد ولا للعوام عند الجمهور لقوله تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم [[الإسراء: 36]، ولعظم الخطر في الخطأ). اهـ

قلت: فيحرم التقليد في أصول الدين؛ مثل: أركان الإسلام ونحوها.

وقد أجمعت الأمة على عدم إشاعة التقليد فيها، ولأنها ثبتت تواترا، ونقلته الأمة من خلفها عن سلفها، فمعرفة العامي لها مثل معرفة العالم في الأصل، فالناس متساوون في طرق علم ذلك. ([184])

قال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص132): (يعلم ضرورة من دين الرسول ﷺ كالصلوات الخمس، والزكوات، وصوم شهر رمضان، والحج، وتحريم الزنا، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك: فهذا لا يجوز التقليد فيه، لأن الناس كلهم يشتركون في إدراكه، والعلم به، فلا معنى للتقليد فيه). اهـ

وقال الإمام القرافي $ في «شرح تنقيح الفصول» (ص394) في الترجيح: (والأكثرون اتفقوا على التمسك به). اهـ

وقال الإمام القرافي $ في «شرح تنقيح الفصول» (ص406): (وأما التقليد في الفروع، فحجة الجمهور؛ قوله تعالي: ]فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون [[التوبة: 122]. اهـ

قلت: فلا يجوز التقليد في الفروع؛ ما دام يتبين بسهولة صحة الحكم بدليله.([185])

وقال الإمام القرافي $ في «شرح تنقيح الفصول» (ص405): (وقد استثنى مالك $ أربع عشرة صورة؛ لأجل الضرورة؛ الأولى: قال ابن القصار: قال مالك يجب على العوام تقليد المجتهدين في الأحكام). اهـ

وقال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص867): (وبهذا تعلم: أن المنع من التقليد إن لم يكن إجماعا؛ فهو مذهب الجمهور). اهـ

وقال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص867): (هذه من حكاية الإجماع على عدم جواز تقليد الأموات... وكذلك ما سيأتي من أن عمل المجتهد برأيه إنما هو رخصة له عند عدم الدليل، ولا يجوز لغيره أن يعمل به بالإجماع.

فهذان الإجماعان يجتثان التقليد من أصله، فالعجب من كثير من أهل الأصول حيث لم يحكوا هذا القول، إلا عن بعض المعتزلة!). اهـ

وقال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص868)؛ عن السلف في القرون الأولى: (فإنه لا تقليد فيهم ألبتة، ولا عرفوا التقليد، ولا سمعوا به). اهـ

وقال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص870): (ومن لم يسعه ما وسع أهل هذه القرون الثلاثة، الذين هم خير قرون هذه الأمة على الإطلاق، فلا وسع الله عليه.

وقد ذم الله تعالى المقلدين في كتابه العزيز في كثير من الآيات فقال تعالى: ]إنا وجدنا آباءنا [[الزخرف: 23]، وقال تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله[ [التوبة: 31]، وقال تعالى: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[              [الأحزاب: 67].اهـ

وقال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص119): (وإنما افترض الله تعالى علينا اتباع رسوله محمد ﷺ فمن اتبعه وأقر به مصدقا بقلبه، ولسانه فقد وفق، وهو مؤمن حقا). اهـ

وقال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص114): (والتقليد حرام ولا يحل لأحد أن يأخذ بقول أحد بلا برهان). اهـ

قال تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء: 82].

وقال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس: 32].

وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].

وقال تعالى: ]إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا[ [النجم: 28].

وقال تعالى: ]من يطع الرسول فقد أطاع الله[ [النساء: 80].

وقال تعالى: ]وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا[ [الحشر: 7].

وقال تعالى: ]وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك[ [المائدة: 49].

وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء: 59].

قال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص116): (فلم يبح الله تعالى الرد إلى أحد عند التنازع دون القرآن وسنة نبيه ﷺ). اهـ

وقال تعالى: ]واتقوا الله ويعلمكم الله[ [البقرة: 282].

وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله[ [الحجرات: 1].

وقال تعالى: ]ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه[ [الطلاق: 1].

وقال تعالى: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ [النور: 63].

وقال تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون[ [الأعراف: 3].

وقال تعالى: ]فبشر عباد (17) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب[ [الزمر: 17 و18].

قلت: فعلى القول بتحريم التقليد، فالمقلد آثم لتركه النظر في الدليل من عالم من أهل السنة والجماعة، واعتماده على التقليد الأعمى.([186])

والله تعالى نهى المسلم عن اتباع ما ليس له به علم، ومنه التقليد الأعمى.

قال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم[ [الأسراء:36].

وقال تعالى: ]وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ [الأعراف:33].

فالآية دلت على تحريم القول على الله بلا علم، والتقليد قول على الله بلا علم فيكون محرما.

قلت: وعلى هذا فالحرج موجود فيمن يقلد بدون نظر من يخطئ ويصيب، فيترتب عليه ضياع الأمور وفسادها، بخلاف النظر، والاستدلال، فيكون به صلاح الأمور واستقامتها. ([187])

قال الإمام الشافعي $ في «الرسالة» (ص505): (أما الكتاب والسنة فيدلان على ذلك، لأنه إذا أمر النبي ﷺ بالاجتهاد، فالاجتهاد أبدا لا يكون إلا على طلب شيء، وطلب الشيء لا يكون إلا بدلائل). اهـ

وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص142): (والمنقول عن مالك $ أن المصيب واحد([188])، واختاره الإمام فخر الدين الرازي). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص43): (وهو قول عامة السلف، والفقهاء: أن حكم الله تعالى واحد). اهـ

وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص141)؛ عن تصويب المجتهدين في أصول الدين ([189]): (اتفق سائر العلماء على فساده). اهـ

وقال الإمام الرازي $ في «المحصول» (ج2 ص539): (لا يجوز التقليد في أصول الدين، لا للمجتهد، ولا للعوام). اهـ

وقال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص128)؛ عن التقليد في أصول الدين: (فلا يجوز فيه التقليد). اهـ

وقال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص868)؛ عن السلف في القرون الثلاثة الأولى: (فإنه لا تقليد فيهم ألبتة، ولا عرفوا التقليد، ولا سمعوا به.

بل كان المقصر منهم: يسأل العالم عن المسألة التي تعرض له فيفتيه بالنصوص التي يعرفها من الكتاب والسنة، وهذا ليس من التقليد في شيء، بل هو من باب طلب حكم الله في المسألة، والسؤال عن الحجة الشرعية).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج20 ص251): (وليس لأحد أن يعارض الحديث عن النبي ﷺ بقول أحد من الناس). اهـ

وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله $ في «تيسير العزيز الحميد» (ص546): (وكلام أحمد في ذمه التقليد، وإنكار تأليف كتب الرأي كثير مشهور). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج19 ص262): (والمقصود هنا أن التقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله ورسوله بما يخالف ذلك كائنا من كان المخالف لذلك). اهـ

المسألة الحادية عشرة: إذا عرف المقلد نصا، ودليلا شرعيا يخالف المجتهد الذي قلده، راجعه فيه؛ فإن ظهر الدليل للمجتهد، ترك المقلد قول المجتهد الذي قلده، ولزمه أن يتمسك بالدليل والنص في الدين.([190])

وقال تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون [[الأعراف: 3].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص43): (وهو قول عامة السلف، والفقهاء: أن حكم الله واحد). اهـ

وقال الإمام النووي $ في «روضة الطالبين» (ج11 ص150): (إن تبين أنه خالف قطعيا؛ كنص كتاب، أو سنة متواترة، أو إجماع، أو ظنا محكما بخبر الواحد، أو بالقياس الجلي، فيلزمه نقض حكمه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفرقان» (ص273): (وقد يراد بالشرع قول: أئمة الفقه، كأبي حنيفة، والثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وداود، وغيرهم؛ فهؤلاء أقوالهم يحتج لها بالكتاب والسنة). اهـ

قلت: فالاختلاف شر؛ والله تعالى يقول: ]ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك [[هود: 118-119]، والأدلة الشرعية من القرآن والسنة لا تكاد تحصى في النهي عن الاختلاف.

لذلك يجب جمع الأمة على قول واحد، وهو القول الراجح بدلا من تشتيت الأمة، وتفريقها إلى مذاهب متفرقة في الدين.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج7 ص71): (ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه). اهـ

قال الإمام القرافي $ في «الفروق» (ج2 ص109): (تنبيه: كل شيء أفتى فيه المجتهد، فخرجت فتياه فيه على خلاف الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح، لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس، ولا يفتي به في دين الله تعالى.

فإن هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه، وما لا نقره شرعا؛ بعد تقرره بحكم الحاكم أولى أن لا نقره شرعا؛ إذا لم يتأكد، وهذا لم يتأكد فلا نقره شرعا، والفتيا بغير شرع حرام، فالفتيا بهذا الحكم حرام). اهـ

قال الإمام أحمد $: (من قلد الخبر، رجوت له أن يسلم إن شاء الله).([191])

قلت: ومراد الإمام أحمد $ بذلك الالتزام بالنص، والتقيد به، وعدم الخروج عنه إلى رأي فلان، وعلان.([192])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفرقان» (ص273): (وقد يراد بالشرع قول: أئمة الفقه، كأبي حنيفة، والثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وداود، وغيرهم، فهؤلاء أقوالهم يحتج لها بالكتاب والسنة). اهـ

وقال الفقيه الرازي $ في «المحصول» (ج2 ص539): (لا يجوز التقليد في أصول الدين، لا للمجتهد، ولا للعوام... لنا: أن تحصيل العلم في أصول الدين واجب على الرسول ﷺ؛ فوجب أن يجب علينا، وإنما قلنا: أنه كان واجبا على الرسول ﷺ: لقوله تعالى: ]فاعلم أنه لا إله إلا الله [[محمد: 19]. وإنما قلنا: إنه لما كان واجبا على الرسول ﷺ وجب أيضا على أمته؛ لقوله تعالى: ]واتبعوه [[الأعراف: 158]. اهـ

المسألة الثانية عشرة: التمذهب هذا لم يلزم في عصر أوائل الأمة، وهم: الصحابة([193]) ﭫ، فلا يلزمنا.

قلت: ولو جاز هذا التمذهب لسوف يتبع العبد أي: مذهب شاء بما يناسب هواه([194])، وهذا يؤدي إلى أن يلتقط رخص المذاهب متبعا هواه([195])، ومتخيرا بين التحريم والتحليل ما يوافق هواه؛ كما يفعل المقلدة في هذا الزمان في البلدان الإسلامية([196]).

قال العلامة المعصومي $ في «هدية السلطان» (ص94): (والحق أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ألزم الناس أن يلتزموا بمذهب واحد من الأئمة بعينه، وإنما أوجب أتباعه ، فمن خالف سنة رسول الله بعد ثبوتها كان خلافه مردودا عليه، ولم يكن معذورا قط). اهـ

وقال العلامة المعصومي $ في «هدية السلطان» (ص86): (فالتقليد المذهبي صار داء عضالا، وبلاء عظيما، عم هذا البلاء العالم، ولا نجد من يؤثر ما صح من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله على ما في كتبهم، وأقوال مشايخهم؛ إلا أفرادا قليلين). اهـ

وقال العلامة المعصومي $ في «هدية السلطان» (ص49): (فإن كان الأمر هكذا، فالحذر كل الحذر من التقليد الجامد، لأنه لا شك أن من يقلد مذهبا واحدا بعينه في كل مسألة ربما يترك العمل بكثير من الأحاديث الصحاح ويخالفها، ولا شك أنه ليس هذا إلا ضلال، فلهذا قد صرح كثير من المحققين من الحنفية وغيرهم: أنه لا يلزم تقليد مذهب بعينه). اهـ

قال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص716): (ولا يلزمه - يعني: العامي - التمذهب بمذهب يأخذ برخصه وعزائمه، ولا أن لا ينتقل من مذهب عمل به فيتخير، ويحرم عليه تتبع الرخص ويفسق به). اهـ

قلت: إن التمذهب قاد الأمة إلى التعصب في مراحل التاريخ حتى وصل الحال بهم إلى أن يكفر بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، ويترك بعضهم الصلاة خلف بعض، وهكذا، مما أدى إلى تسلط الأعداء على الأمة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج22 ص254): (من أسباب تسليط الله التتر عليها كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها حتى تجد المنتسب إلى الشافعي يتعصب لمذهبه على مذهب أبي حنيفة حتى يخرج عن الدين، والمنتسب إلى أبي حنيفة يتعصب لمذهبه على مذهب الشافعي وغيره حتى يخرج عن الدين، والمنتسب إلى أحمد يتعصب لمذهبه على مذهب هذا أو هذا، وفي المغرب تجد المنتسب إلى مالك يتعصب لمذهبه على هذا أو هذا، وكل هذا من التفرق والاختلاف الذي نهى الله ورسوله عنه، وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل المتبعين الظن وما تهوى الأنفس المتبعين لأهوائهم بغير هدى من الله مستحقون للذم والعقاب، وهذا باب واسع لا تحتمل هذه الفتيا لبسطه؛ فإن الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين والفرع المتنازع فيه من الفروع الخفية فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع). اهـ

قلت: ووجد من المتمذهبين من يتعصبون لمذاهبهم حتى بلغ الحال ببعضهم إلى حد التكفير، والاقتتال، والحق وسط بين الغالي، والجافي. ([197])

ففرقوا الأمة، وجعلوها شذر مذر: ]من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون [[الروم: 32].

قال العلامة الشوكاني $ في «أدب الطلب» (ص85) عن المقلدة: (فضموا إلى شنعة التقليد شنعة أخرى هي أشنع منها، وإلى بدعة التعصب بدعة أخرى هي أفضع منها). اهـ

قلت: والمقلد المتعصب يكون على جهالة، أو باطل، فإذا جاءه صاحب السنة وبين له الحجة، فتراه أنه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافه بأنه ناقص، وإن ذلك المسلم هو الذي هداه، فلا يعترف بخطئه.

ولهذا ترى من المتعصبين من المنتسبين إلى العلم من يشق عليه الاعتراف بخطئه إذا تبين له الحق من غيره، ويشق عليه ذلك إذا كان غيره هو الذي بين له.

بل إذا كان غيره هو الذي بين الحق، فيرى أن اعترافه بذلك الحق يكون اعترافا لذلك المبين بالعلم، والفضل، والإصابة، فيعظم ذلك في عيون الناس، ولعله يتبعه كثير منهم. ([198])([199])

وإنك لتجد من المنتسبين إلى العلم من المتعصبة من يحرص على تخطئة غيره، وهو على خطأ.

قلت: ويصل بالحاقد المتعصب في عدم رجوعه إلى الحق، ونظره إلى اتباعه، بأن يفر من صاحب الحق ويقول لأتباعه الذين تركوه، وأن يقول: مثل ما حكى الله تعالى عن فرعون: ]قال آمنتم له قبل أن آذن لكم [[طه: 71].

قلت: بل قد يقول لهم: أنه سيلبس عليكم دينكم، ويلقي في قلوبكم الشبهات: ]إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد [[غافر: 26]؛ ولكن: ]والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون [[يوسف: 21].

قلت: وكم يزعم المقلدة المتعصبة على أنهم يأخذون بالحق، ويتركون آراء الرجال... لكن ذلك إن صح نظريا.

أما عند التطبيق؛ فتأخذهم العزة بالإثم، ويتبعون أهواءهم الظاهرة والخفية؛ نسأل الله العافية.

وقد يكون الحق في صف القليل لا الكثير، أو الضعيف لا القوي، أو الفقير لا الغني.

إذا فالحق لا يعرف كثرة ولا قلة، ولا شهرة ولا خفاء، ولا صغرا ولا كبرا، ولا ضعفا ولا قوة، ولا غنى ولا فقرا؛ إن الحق لا يعرف إلا بالحجة والبرهان، فلا يعرف في مذاهب شتى.

قلت: وقد يكون الحق في صف الصغير لا الكبير، فلابد هنا أن نترك التعصب ونقف مع الصغير، ونصره على الكبير، ولا يكون ذلك إلا بترك التقليد والتعصب للكبير كائنا من كان.([200])

ولا يكون المسلم عالما حتى يسمع ممن هو أسن منه، ومن هو مثله، ومن هو دونه في السن([201])، هذه طريقة علماء الأثر.

قال الإمام ابن مفلح $ في «الآداب الشرعية» (ج2 ص110)؛ فصل: في أخذ العلم عن أهله وإن كانوا صغار السن.

وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «شرح نظم الورقات» (ج2 ص51): (فالحاصل: أنه إذا استفتاك شخص مقلد، وقال: ما هو مذهب فلان في كذا؟.

وأنت تعرف أن الصواب في خلافه، فإنه لا يجوز أن تفتيه؛ لأنك إذا أفتيته فقد أفتيته أن يخالف الحق، الذي تعلم أو يغلب على ظنك أنه الحق). اهـ

وقال الحافظ الذهبي $ في «السير» (ج8 ص94): (ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها، وسعة علم، وحسن قصد، فلا يسعه التزام بمذهب واحد في كل أقواله، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في مسائل، ولاح له الدليل، وقامت عليه الحجة، فلا يقلد فيها إمامه، بل يعمل بما تبرهن، ويقلد الإمام الآخر بالبرهان، لا بالتشهي). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج4 ص262): (هل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة، أم لا؟، لا يلزمه، وهو الصواب المقطوع به؛ إذ لا واجب؛ إلا ما أوجبه الله تعالى، ورسوله ، ولم يوجب الله تعالى، ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دينه دون غيره، وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة، مبرأ أهلها من هذه النسبة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج19 ص69): (من نصب إماما: فأوجب طاعته مطلقا اعتقادا أو حالا، فقد ضل في ذلك؛ كأئمة الضلال الرافضة الإمامية، حيث جعلوا في كل وقت إماما معصوما تجب طاعته، فإنه لا معصوم بعد الرسول ﷺ، ولا تجب طاعة أحد بعده في كل شيء). اهـ

وسئل العلامة الشيخ صالح بن علي بن غصون $: ما حكم الشرع في الاختلاف بين المذاهب الأربعة، والعمل بها وما أفضل المذاهب؟

فأجاب فضيلته: (المذاهب الأربعة كلها والحمد لله مذاهب خير وعلم وهدى، والأئمة الأربعة هم أعلام علماء، اشتهروا بما وهبهم الله من العلم، وبما أعطوا من الفضل، والزهد والتقوى، وما لهم من المكانة في صدر هذه الأمة، ومن أجل ذلك صار لكل واحد منهم أتباع يأخذون عنه ويكتبون، ويدونون كتبا على مذهبه، وما من واحد من الأئمة الأربعة يرى أن قوله واجب الاتباع، أو أنه أولى بالصواب من غيره، بل كل منهم يرى أنه مجتهد، وأنه معرض للخطأ والصواب، وكلهم يعتقدون أن المخطئ له أجر الاجتهاد، أجر واحد وهو عن اجتهاده، وأن له أجرين حال الإصابة: أجر الإصابة وأجر الاجتهاد، ولا أحد منهم يعتقد أن متابعة هؤلاء الأئمة واجبة وفرض، وأنما هذا لا يكون إلا للنبي ﷺ، فهو وحده متابعته وطاعته واجبة، ولا يسوغ لأحد أن يلتمس غير طريق محمد بن عبد الله ﷺ.

وأئمتنا وأسلافنا رحمهم الله، ما أحد منهم قال: إن هذا المذهب أرجح كفة من المذهب الثاني، فالمذاهب كلها بنيت على اجتهاد، وعلى بذل جهود جبارة في تحري العلم المتلقى من كتاب الله، ومن سنة رسول الله ﷺ، وليس أحد ملزما بأن يتبع مذهبا بعينه، بل الإنسان مخير إن أراد أن يتفقه على أحد المذاهب الأربعة، فهو طيب يتفقه على واحد منها، وإن كان لديه قدرة أن يتفقه خارج المذاهب الأربعة، فليس هناك أحد يمنعه، لكن بشرط أن يكون عنده من المؤهلات والقدرة ما يجعله قادرا على أن يأخذ الأحكام من كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ، ويختار الذي يراه أنه الأرجح.

والذي عليه أهل التحقيق، وأهل الاعتدال من العلماء هو أنهم يبحثون فإذا رأوا القول الذي هو أقرب للدليل من الكتاب أو من السنة أخذوا به، سواء كان هذا القول في مذهب الإمام أحمد بن حنبل، أو في مذهب الإمام الشافعي، أو في مذهب الإمام مالك، أو في مذهب الإمام أبي حنيفة، لا فرق بين إمام وإمام، ولا فرق بين مذهب ومذهب، والأئمة رحمهم الله كلهم ثابت عنهم أنه كل واحد يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي ﷺ، فقد قال الإمام مالك: «كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب القبر»، يعني النبي ﷺ، وقال الإمام الشافعي: «إذا صح الحديث فهو مذهبي»، وقال الإمام أبو حنيفة: «ما جاء عن النبي ﷺ فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة فعلى الرأس والعين، وما جاء عمن بعدهم فهم رجال ونحن رجال». ([202]) اهـ

وقال العلامة المعصومي $ في «هدية السلطان» (ص38): (وأما المذاهب فهي آراء أهل العلم وأفهامهم في بعض المسائل واجتهاداتهم، وهذه الآراء، والاجتهادات، والفهوم لم يوجب الله تعالى، ولا رسوله على أحد اتباعها، فإن فيها الصواب والخطإ، ولا صواب خالصا إلا ما ثبت عن رسول الله ، وكثيرا ما ذهب الأئمة إلى مسألة، فبان لهم الحق في غيرها فرجعوا عنها!!).([203]) اهـ

وقال العلامة المعصومي $ في «هدية السلطان» (ص38): (وأما اتباع مذهب من هذه المذاهب الأربعة أو غيرها، فليس بواجب ولا مندوب، وليس على المسلم أن يلتزم واحدا منها بعينه، بل من التزم واحدا منها بعينه في كل مسألة فهو متعصب مخطئ مقلد تقليدا أعمى، وهو ممن فرقوا دينهم وصاروا شيعا، وقد نهى الله تعالى عن التفرق في الدين؛ فقال تعالى: ]إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء [[الأنعام: 159]. وقال تعالى: ]ولا تكونوا من المشركين (31) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون [[الروم: 31 -32].

فدين الإسلام دين واحد، لا مذاهب فيه ولا طرق يجب اتباعها إلا طريق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، قال الله تعالى: ]قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين [[يوسف: 108] وهذه المذاهب قد كثر فيها التنازع من المقلدين لها بغير علم! وقد قال الله تعالى: ]ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين[ [الأنفال: 46]. وقال جل جلاله آمرا بالاتحاد والاعتصام بكتابه: ]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [[آل عمران: 103]. اهـ

المسألة الثالثة عشرة:

أركان التقليد:

أركان التقليد فيما ظهر لي ثلاثة:

(1) مقلد: بكسر اللام، وهو اسم فاعل من التقليد، وهو المكلف الذي يلتزم قول غيره، أو مذهبه ممن ليس مذهبه حجة في ذاته.

(2) مقلد: بفتح اللام، وهو اسم مفعول، وهو من يلتزم مذهبه الذي ليس حجة في ذاته.

(3) مقلد فيه: وهو العلم الذي حصل التقليد، والالتزام فيه. ([204])

* حكم التقليد:

الشريعة المطهرة؛ شريعة ربانية: وهي شاملة كاملة، لم تترك قضية، ولا مشكلة في الحياة؛ إلا وعالجتها، ولا جانبا؛ إلا وأحاطت به.

والتقليد قضية من القضايا التي تواجه الشعوب... والتقليد: هو مرض يفتك بالشعوب، ويهدم كيانها إذا لم يعالج بكتاب الله تعالى، وبسنة رسوله ﷺ، وبآثار الصحابة ﭫ.

ومن ناحية الحكم الشرعي للتقليد: فهو يختلف باختلاف نوعه، وكيفيته، ومدى خطورته وأثره، كما يختلف باختلاف المقلد والمقلد، والعلاقة الشرعية بينهما، واعتقاد المقلد في تقليده للمبتدعة والكفرة:

(1) فيكون التقليد كفرا إذا كان في العقائد؛ لأصول الإسلام، أو الأحكام القطعية في الشريعة، كالتقليد لعقائد المبتدعة، والكفرة في عقائدهم الباطلة.

(2) ويكون التقليد فسقا؛ حين يكون في الأخلاق الفاسدة، وارتكاب المعاصي؛ كشرب المسكرات ونحوه.

(3) ويكون التقليد مباحا، كالتقليد في الإنتاج المادي، والأمور العسكرية وغير ذلك.

(4) ويكون التقليد واجبا؛ كالتقليد للصحابة الكرام في الأصول والفروع.

(5) ويكون التقليد ضرورة؛ كالتقليد لعلماء السنة في الدين.

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضــــــــــــوع

الصفحة

(1)

درة نادرة للإمام المزني  في ذم التقليد والمقلدة.....................

5

(2)

المقدمة.....................................................................

6

(3)

ذكر الدليل على ذم فرقة التقليد في الدين.........................

25

(4)

ذكر الدليل على تحريم التقليد في الشريعة المطهرة............

70

(5)

ذكر الدليل على بدعة التقليد، وإثم المقلدين المعاندين.............

83

(6)

مسائل في التقليد.......................................................

88

 

 

 

 

 

 

 

 

 



([1]) وأبطل $ الفتاوى بالتقليد، لأنها فتاوى لا توافق الشرع.

([2]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (762)، وابن عبد البر في «العلم» (ج2 ص992 و993).

     وإسناده صحيح.

     وذكره الفلاني في «إيقاظ الهمم» (ص180).

([3]) وانظر: «الحاشية» لابن عابدين (ج1 ص63)، و«رسم المفتي» له (ج1 ص4)، و«الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء» لابن عبد البر (ص36 و120 و144)، و«الجواهر المضية» للقرشي (ج1 ص347)، و«منازل الأئمة الأربعة» للسلماسي (ص170)، و«مناقب الأئمة الأربعة» للمقدسي (ص71)، و«صفة الصلاة» للشيخ الألباني (ص25 و26 و28 و31)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص309)، و«الإحكام» لابن حزم (ج6 ص145)، و«المجموع» للنووي (ج1 ص63)، و«آداب الشافعي» لابن أبي حاتم (ص93)، و«عقود الجواهر المنيفة» للزبيدي (ص149 و158 و162)، و«تاريخ بغداد» للخطيب (ج13 ص255 و278)، و«الخيرات الحسان في مناقب الإمام أبي حنيفة» للهيتمي (ص70 و74 و78)، و«تبييض الصحيفة في مناقب الإمام أبي حنيفة» للسيوطي (ص29)، و«مناقب الإمام أحمد» لابن الجوزي (ص182 و192)، و«إيقاظ همم أولي الأبصار» للفلاني (ص609)، و«مناقب الإمام مالك» للزواوي (ص106)، و«مناقب الإمام أبي حنيفة» للمكي (ص67).

([4]) وانظر: «صفة الصلاة» للشيخ الألباني (ص24 و26 و28 و31)، و«آداب الشافعي» لابن أبي حاتم (ص278 و279)، و«الجرح والتعديل» له (ج1 ص13)، و«مناقب الإمام أبي حنيفة» للكردري (ص57 و162)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص302 و363)، و«إيقاظ همم أولي الأبصار» للفلاني (ص609)، و«مناقب الإمام أبي حنيفة» للذهبي (ص20)، و«تذكرة الحفاظ» له (ج1 ص168)، و«أخبار أبي حنيفة» للصيمري (ص10)، و«مناقب الإمام أبي حنيفة» للمكي (ج1 ص79)، و« المدخل إلى علم السنن» للبيهقي (ج1 ص630)، و«مناقب الإمام الشافعي» له (ج1 ص276 و277)، و«عقود الجواهر المنيفة» للزبيدي (ص170)، و«مناقب الأئمة الأربعة» للمقدسي (ص64 و66 و68 و75 و79 و84 و101 و105 و127 و131)، و«منازل الأئمة الأربعة» للسلماسي (ص168 و170 و171 و183 و201 و237)، و«مناقب الإمام مالك» للزواوي (ص103 و106)، و«الإحكام» لابن حزم (ج6 ص149)، و«جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج2 ص32)، و«المجموع» للنووي (ج1 ص63)، و«الاحتجاج بالشافعي» للخطيب (ص8)، و«مناقب الإمام أحمد» لابن الجوزي (ص192).

([5]) ومراده رحمه الله أن هذا الكتاب وهو كتاب «الأم» للشافعي لابد أن يوجد فيه من الخطأ، فلا تأخذ كل ما فيه بالتقليد، فلابد عليك من النظر فيما وافق الكتاب والسنة والآثار فخذ به فإنه الصواب في الدين.

([6]) أثر صحيح.

     نقله عنه ابن تيمية في «الصارم المسلول» (ج2 ص116 -117)، برواية: أبي طالب.

     وذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب في «التوحيد» (ص229).

([7]) أثر صحيح.                                                                             

     أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص260).

     وإسناده صحيح.

     وانظر: «المسائل» لعبد الله بن أحمد (ج3 ص1355)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج19 ص83)، و«الصارم المسلول» له (ج2 ص116 و117).

([8]) ومراده رحمه الله أن هذا الكتاب وهو كتاب «الأم» للشافعي لابد أن يوجد فيه من الخطأ، فلا تأخذ كل ما فيه بالتقليد، فلابد عليك من النظر فيما وافق الكتاب والسنة والآثار فخذ به فإنه الصواب في الدين.

([9]) قلت: هذا الكلام قاصم لظهر المتعصبين المتعالمة.

([10]) وهذا فيه قمع للمقلدة الذين يدعون أنهم يتبعون منهج الشيخ ابن باز رحمه الله في الأصول والفروع.

([11]) لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

([12]) يعني: لما يذكرون من الأحاديث الضعيفة في كتبهم الفقهية.

([13]) قوله تعالى: ]نرفع درجات من نشاء[ [الأنعام: 83]، ]يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات[ [المجادلة: 11].

([14]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص989)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (615).

     وإسناده صحيح.

     وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص462)، والفلاني في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص170).

([15]) أوصوا اتباعهم.

([16]) يعني: المقلدة المتعصبة.

([17]) وانظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (ص265)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج1 ص7) و(ج3 ص469)، و«التعريفات» للجرجاني (ص64)، و«الرد على من أخلد إلى الأرض» للسيوطي (ص138)، و«الإحكام» للآمدي (ج4 ص221)، و«مذكرة أصول الفقة» للشنقيطي (ص490)، و«روضة الناظرين» لابن قدامة (ص205)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ص408)، و«الانتقاء» لابن عبد البر (ص145)، و«المسائل» لأبي داود (ص113)، و«المجموع» للنووي (ج1 ص63)، و«الإحكام» لابن حزم (ج6 ص149).

([18]) فصار المقلدة في التقليد لفلان وعلان؛ مثل: الرافضة الذين يقلدون أئمتهم بدون دراية، وهم يسخرون من الرافضة لمثل هذا التقليد، وهم واقعون في هذا التقليد الأعمى، وهم لا يشعرون!.

([19]) وهي: «فرقة التقليد».

([20]) انظر: «جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج2 ص143).

([21]) انظر: «التقليد والتبعية» للعقل (ص47).

([22]) انظر: «هدية السلطان إلى مسلمي بلاد اليابان» للمعصومي (ص71).

([23]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص146) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

([24]) وانظر: «إيقاظ همم أولي الأبصار» للفلاني (ص358 و359).

([25]) وانظر: «إيقاظ همم أولي الأبصار» للفلاني (ص357 و358).

     قلت: فعلم أن من قلد كل إمام على ما فهم من كلامه، فهو جاهل بحقيقة المذاهب.

([26]) يقصد الإمام ابن القيم $ أن المقلدين تركوا الدليل، وأخذوا بالتقليد، والدليل بين أظهرهم!: ]إن هذا لشيء يراد [[ص: 6].

([27]) وانظر: «إيقاظ همم أولي الأبصار للإقتداء بسيد المهاجرين والأنصار، وتحذيرهم عن الابتداع الشائع في القرى والأمصار من تقليد المذاهب مع الحمية والعصبية بين فقهاء الأعصار» للفلاني (ص420).

([28]) وانظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص291)، و«الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء» لابن عبد البر (ص145).

([29]) وانظر: «خطبة الكتاب المؤمل» لأبي شامة المقدسي (ص135).

([30]) «جامع بيان العلم» (ج2 ص1139).

([31]) انظر: «تاريخ الإسلام» للذهبي (ج4 ص411).

([32]) «جامع بيان العلم» (ج2 ص1140).

([33]) «جامع بيان العلم» (ج2 ص1032).

([34]) «جامع بيان العلم» (ج2 ص1139).

([35]) «جامع بيان العلم» (ج2 ص1132).

([36]) «جامع بيان العلم» (ج2 ص1032).

([37]) «جامع بيان العلم» (ج2 ص1032).

([38]) أما إذا أخذت بأقوالهم فيما أصابوا فيه الدليل من الكتاب أو السنة، فهذا لا يسمى تقليدا، بل يسمى اتباعا للدليل.

     وانظر: «نزهة الخاطر» لابن بدران (ج2 ص449 و450)، و«القول المفيد» للشوكاني (ص59).

([39]) «جامع بيان العلم وفضله» (ج2 ص922).

([40]) زفر بن الهذيل العنبري الفقيه.

([41]) يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف القاضي.

([42]) أسد بن عمرو بن عامر أبو المنذر البجلي قاضي واسط.

     انظر: «لسان الميزان» لابن حجر (ج2 ص90)، و«السير» للذهبي (ج8 ص35)، و«تاريخ الإسلام» له (ج4 ص8)، و«الثقات» لابن حبان (ج6 ص339)، و«الجواهر المضية» للقرشي (ج1 ص140).

([43]) انظر: «تاريخ الإسلام» للذهبي (ج5 ص396).

([44]) وانظر: «إيقاظ همم أولي الأبصار» للفلاني (ص210)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص309)، و«صفة الصلاة» للشيخ الألباني (ج1 ص24).

([45]) قلت: ولم يصح عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله لفظ: (إذا صح الحديث فهو مذهبي)؛ فقد ذكر في كتب الفقهاء الحنفية بدون إسناد، فهو أثر ضعيف، لعلهم ذكروه بمعنى الآثار التي ذكرناها عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله، أما بهذا اللفظ فلا يوجد.

     وانظر: «إيقاظ الهمم» للفلاني (ص240).

([46]) قلت: ولا يعاب العالم في اجتهاداته العلمية، لأن غاية العالم المجتهد أن يكون الدليل قدوته في الأحكام، فمتى ما ظهر له الدليل وتبين أنه أخطأ في اجتهاده رجع إلى الدليل، وأخذ به، وهذا هو الانصاف.

([47]) قلت: ومراده أن يتثبت في قوله بالدليل قبل أن يأخذ به، هل أصاب الدليل، أم لا، فهو يجتهد في الإفتاء في الأحكام، فممكن يصيب، أو يخطئ على حسب الاجتهاد، فافهم لهذا.

([48]) وقد تحرف عند الخطيب في «تاريخ بغداد» (ج13 ص4403): (محمد بن أبي عمر)؛ إلى: (حماد بن أبي عمر).

([49]) قلت: كان رحمه الله يفتي بالاجتهادات، فمرة يصيب، ومرة يخطئ.

     وانظر: «مناقب الإمام أبي حنيفة» للذهبي (ص29)؛ باب ذكر من وصفه بالفقه.

     وانظر: «جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج2 ص148)، و«عقود الجواهر المنيفة» للزبيدي (ص161).

([50]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص989)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (615).

     وإسناده صحيح

     وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص462)، والفلاني في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص170).

([51]) أثر صحيح.

       أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص922)، وابن حزم في «الإيصال إلى فهم الخصال» (ص407).

     وإسناده صحيح.

      وذكره الشاطبي في «الموافقات» (ج5 ص75).

([52]) أثر صحيح.

       أخرجه ابن أبي نصر في «جذوة المقتبس في ذكر تاريخ علماء الأندلس» (ج1 ص140)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص906)، وابن حزم في «الإيصال إلى فهم الخصال» (ص407).

      وإسناده صحيح.

([53]) أثر صحيح.

        أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص906)، وابن حزم في «الإيصال إلى فهم الخصال» (ص408).

       وإسناده صحيح، وذكره الشاطبي في «الموافقات» (ج5 ص75)، والقاضي عياض في «ترتيب المدارك» (ج1 ص192).

([54]) أثر صحيح.

        أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص906)، وابن حزم في «الإيصال إلى فهم الخصال» (ص407).

       وإسناده صحيح.

      وذكره ابن الصلاح في «آداب المفتي» (ص125).

([55]) أثر صحيح.

        أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص906)، وابن حزم في «الإيصال إلى فهم الخصال» (ص407).

       وإسناده صحيح.

([56]) انظر: «زجز السفهاء عن تتبع رخص الفقهاء» للدوسري (ص36)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج1 ص188)، و«بيان الدليل» لابن تيمية (ص305)، و«الموافقات» للشاطبي (ج4 ص90)، و(ج5 ص134)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج5 ص236 و237)، و«الإحكام» لابن حزم (ج6 ص883).

([57]) انظر: «سلسلة الآثار الصحيحة» للداني (ص127).

([58]) انظر: «المؤمل» لأبي شامة (ص127).

([59]) انظر: «المصدر السابق».

([60]) قال الإمام الخطيب $ في «مسألة الاحتجاج بالشافعي» (ص73): (وإنما قال - يعني: الشافعي - هذا تعظيما للأثر، وحثا على التمسك بالسنة). اهـ

([61]) وانظر: «المدخل إلى علم السنن» للبيهقي (ج2 ص438).

([62]) هذا النص يؤخذ من الإمام الشافعي $ من عموم معنى الآثار التي ذكرها في الأخذ بالحديث الصحيح، أما منصوص عنه بهذا اللفظ، فلا يصح عنه بهذا اللفظ، فانتبه.

([63]) «الأم» (ج7 ص198) للشافعي، وأخرجه البيهقي في «مناقب الإمام الشافعي» (ج1 ص472) من طريق الربيع بن سليمان، عن الشافعي به.

     وإسناده صحيح.

([64]) وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص469)، والفلاني في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص360).

([65]) وذكره الشيخ الألباني في «صفة الصلاة» (ج1 ص32)، وابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص469).

([66]) أثر صحيح.

     نقله عنه ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص469)، والفلاني في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص360)، والدهلوي في «الانصاف» (ص305).

([67]) انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج3 ص365)، و«المعجم الوسيط» (ج2 ص76)، و«معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج5 ص19)، و«المصباح المنير» للفيومي (ج2 ص403)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص229)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج3 ص3030)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص860)، و«القاموس المحيط» للفيرزآبادي (ص398)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج4 ص395)، و«تاج العروس» للزبيدي (ج2 ص537)، «الصحاح» للجوهري (ج2 ص537).

([68]) انظر: «القاموس المحيط» للفيرزآبادي (ص398)، و«العين» للخليل (ج3 ص1516)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج6 ص3717 و3718)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص229)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص265).

([69]) انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج3 ص367)، و«معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج5 ص19)، و«المعجم الوسيط» (ج2 ص1750)، و«الصحاح» للجوهري (ج2 ص527)، و«التمهيد» لأبي الخطاب (ج4 ص395)، و«التعريفات» للجرجاني (ص64)، و«التقليد والتبعية» للعقل (ص45)، و«إجابة السائل شرح بغية الآمل» للصنعاني (ص403)، و«الأصول من علم الأصول» لشيخنا ابن عثيمين (ص77)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص529)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص229).

([70]) انظر: «رسالة التقليد» لابن القيم (ص22)، و«التمهيد» لأبي الخطاب (ج4 ص395)، و«المدخل» لابن بدران (ص388)، و«التقليد» للشثري (ص16 و29)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص265)، و«السيل الجرار» له (ج4 ص55)، و«التعريفات» للجرجاني (ص64)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج6 ص270)، و«المستصفى» للغزالي (ج2 ص123)، و«الإحكام» للآمدي (ج4 ص221)، و«فتح المجيد في أحكام التقليد» للخزرجي (ص59)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج2 ص66)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص529)، و«معجم مصطلحات أصول الفقه» لسانو (ص143)، و«شرح مختصر التحرير» لشيخنا ابن عثيمين (ص210)، و«الطريقة المثلى في الإرشاد إلى ترك التقليد واتباع ما هو الأولى» لأبي الخير الطيب (ص155).

([71]) أي: بلا حجة توجب هذا القبول، وعلى هذا فكل ما أوجبت الحجة قبوله ليس تقليدا.

     انظر: «الإحكام» للآمدي (ج4 ص297)، و«إجابة السائل شرح بغية الآمل» للصنعاني (ص403)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص265)، و«المسودة» آل تيمية (ص553).

([72]) آية المائدة المشار إليها في قوله تعالى: ]وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون [[المائدة: 104].

([73]) آية لقمان هي قوله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير[ [لقمان: 21].

([74]) سورة الزخرف [24].

([75]) سورة الصافات [69-70].

([76]) سورة الأحزاب [66-67].

([77]) وانظر: «المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص531).

([78]) انظر: «جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج2 ص143).

([79]) انظر: «التقليد والتبعية» للعقل (ص47).

([80]) انظر: «محيط المحيط» للبستاني (ج2 ص175)، و«الطريقة المثلى» لأبي الخير الطيب (ص155 و156).

([81]) الله أكبر: هذا هو الإمام حقا، وصدق أهل مكة وبروا؛ حين سموه: «ناصر الحديث».

([82]) انظر: «الدرة البهية في التقليد والمذهبية» للشريف (ص28).

([83]) وانظر: «معجم مصطلحات أصول الفقه» لسانو (ص144)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ص539).

([84]) وانظر: «إيقاظ همم أولي الأبصار» للفلاني (ص93).

([85]) فالدين بالاتباع، لا بالابتداع.

([86]) يعني: بدعة التقليد التي أحدثها المقلدة في كل زمان، والله المستعان.

([87]) وانظر: «تيسير العزيز الحميد» للشيخ عبد الله بن سليمان (ص490).

([88]) والإمام ابن القيم لم يكن هو أول من قال إن هذا التقليد بدعة، ولا آخر من قال، والله المستعان.

([89]) قرن الصحابة، وقرن التابعين، وقرن تابعي التابعين.

([90]) وهذا من جنس ما ذم الله تعالى المشركين من أجله؛ فإنهم قلدوا الآباء تقليدا أعمى، وأطاعوا السادة، والعلماء في زلاتهم، فبذلك استحقوا العذاب الأليم.

([91]) قلت: وأدلة ذم التقليد كثيرة.

([92]) والتقليد المذموم من قلد في باطل.

     وانظر: «المسودة» آل تيمية (ص461).

([93]) وانظر: «روضة الناظر وجنة المناظر» لابن قدامة (ج2 ص384)، و«المستصفى» للغزالي (ج2 ص390)، و«إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول» للشوكاني (ص271)، و«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص382)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج4 ص403)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص403 و405)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج6 ص201)، و«نهاية السول» للإسنوي (ج3 ص265)، و«جمع الجوامع» للسبكي (ج2 ص384)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص13)، و«إرشاد المقلدين عند اختلاف المجتهدين» للشنقيطي (ص102 و103)، و«الحاشية على الروض المربع» لابن قاسم (ج7 ص593)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج4 ص311)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج20 ص208)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص280)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج2 ص177)، و«المحصول» للرازي (ج6 ص24).

([94]) وانظر: «أضواء البيان» للشنقيطي (ج3 ص274 و275)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج5 ص630 و631)، و«الجدول في إعراب القرآن» لصافي (ج14 ص271 و272)، و«التبيان في إعراب القرآن» لأبي البقاء العكبري (ج2 ص796 و797)، و«الشافي الوجيز في إعراب كتاب الله العزيز» للسنجاري (ص335).

([95]) قلت: فأمر الله تعالى من لا يعلم بالسؤال، فيسأل العالم الرباني فقط.

([96]) وانظر: «إعلام الموقعين عن رب العالمين» لابن القيم (ج4 ص43).

([97]) أثر حسن.

     أخرجه الآجري في «الشريعة» (3)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (38).

     وإسناده حسن.

([98]) أثر صحيح.

     أخرجه آدم بن أبي إياس في «العلم» (156)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج5 ص97)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج58 ص438).

     وإسناده صحيح.

([99]) وهذا للضرورة.

([100]) وذهب إلى تقليد الصحابي: الإمام الشافعي وغيره.

     وانظر: «المحصول» للرازي (ج2 ص564)، و«أصول الفقه» للزحيلي (ج2 ص1133)، و«بيان المختصر» للأصفهاني (ج3 ص329)، و«إرشاد المقلدين عند اختلاف المجتهدين» للشنقيطي (ص130 و131).

([101]) «العلم» (ص168).

([102]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (177)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص326).

     وإسناده صحيح.

([103]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (179)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص326).

     وإسناده صحيح.

([104]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج5 ص94)، و«المسند» للدارمي (ج1 ص72)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص14).

([105]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج2 ص693)، و«هدي الساري» لابن حجر (ص434)، و«تقريب التهذيب» له (ص515).

([106]) فعلي بن أبي طلحة يروي عن ابن عباس من كتاب، وهو كتاب صحيح، إلا ما خالف فيه الحفاظ الثقات، وقد روى عن ابن عباس بطريق الوجادة، وقد أجاز العلماء العمل بذلك اعتمادا على ما يوثق به؛ مثل: الإمام الشافعي وغيره.

([107]) وانظر: «الناسخ والمنسوخ» للنحاس (ص14)، و«صحيفة علي بن أبي طلحة» (ص24 و25 و26)، و«الجامع الصحيح» من كتاب «التفسير» للبخاري (ج6 ص20)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج2 ص188)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج3 ص134)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص294).

([108]) وهو من علماء السنة والأثر، مثل: الشيخ ابن باز $، والشيخ ابن عثيمين $، وغيرهما.

([109]) والله تعالى أمر العامي وغيره بسؤال أهل العلم عما حكم الله تعالى به في أي حكم في الأصول والفروع.

     قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل: 43].

     فأمر الله تعالى في هذه الآية سؤال العالم الرباني، ولم يأمر بسؤال أي أحد، فأفهم لهذا ترشد.

([110]) قلت: فالتقليد هنا ليس معناه تقديم آراء الرجال على الوحي المنزل من الله تعالى. فأنتبه.

     فالتقليد المذموم: هو قبول قول الرجل بلا حجة في الدين.

     قال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص868): (التقليد إنما هو العمل بالرأي، لا بالرواية). اهـ

([111]) وذلك للضرورة، لكنه يقلد علماء السنة.

([112]) انظر: «المستصفى» للغزالي (ج2 ص384)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص402)، و«التمهيد» لأبي الخطاب (ج4 ص401)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص418)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج20 ص204 و212)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص275)، و«الطرق الحكمية» له (ص174 و175)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص353)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص473)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص24)، و«المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص533)، و«بيان المختصر» للأصفهاني (ج3 ص291)، و«فتح المجيد في أحكام التقليد» للخزرجي (ص63)، و«روضة الطالبين» للنووي (ج11 ص103)، و«إرشاد النقاد» للصنعاني (ص142)، و«إرشاد المقلدين عند اختلاف المجتهدين» للشنقيطي (ص174).

([113]) فكل عالم بحسبه، ومرتبة العلم درجات في الدين.

([114]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج20 ص239).

([115]) وتثبت هذه الملكة بطول الممارسة، وكثرة الملازمة للعلم.

([116]) وانظر: «العلم» لشيخنا ابن عثيمين (ص27).

([117]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (3274)، وابن الفرات في «حديثه» (ق/43/ط)، وابن قراجا في «معجم الشيوخ» (ص268)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص159)، والترمذي في «سننه» (2669)، وأبو خيثمة في «العلم» (45)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج13 ص157).

([118]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص523)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص450)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص504)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص3).

([119]) وانظر: «السنن» للترمذي (ج4 ص485)، و«ذم الكلام» للهروي (ج3 ص292)، و«شرف أصحاب الحديث» للخطيب (ص30 و57 و61)، و«الدينار» للذهبي (ص63)، و«معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص3)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص306)، و«الحجة» للأصفهاني (ج1 ص246)، و«الصحيحة» للشيخ الألباني (ج1 ص543).

([120]) قلت: وإذا ضاق عليه الوقت عن الاجتهاد جاز له التقليد للضرورة.

([121]) وانظر: «الذخيرة» للقرافي (ج1 ص144)، و«الطريقة المثلى في الإرشاد إلى ترك التقليد واتباع ما هو الأولى» لأبي الخير الطيب (ص164).

([122]) كما يفعل المتمذهبة والحزبية لاتباعهم الهمج، والله المستعان.

([123]) بما قضى الآخر باجتهاده.

([124]) لأن هذا طريق الاجتهاد في المسائل الاجتهادية، ولا بأس بتبيين من أخطأ في اجتهاده.

([125]) وهذا في الجملة يسمي: تقليدا، وإلا فهو الاتباع، فتنبه.

     فنحن لسنا مقلدين، بل متبعون على حسب الاجتهاد الوسط، وهذه مرتبة وسطية بين الاجتهاد المطلق، والتقليد المذموم، وهذه المرتبة يستطيع عليها أكثر الخلق، فعليهم أن يطلبوا العلم لنيل هذه المرتبة في الدين، ليعرفوا أحكام الأصول والفروع، فلا عذر لجاهل على وجه الأرض في هذا الزمان بما بينا.

     وانظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (ص121)، و«الدرر السنية» (ج1 ص57).

([126]) وانظر: «التقرير والتحبير» لابن أمير الحاج (ج3 ص339)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج2 ص624)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج8 ص236 و340)، و«الفتاوى الكبرى» لابن حجر الهيتمي (ج4 ص302).

([127]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (868)، ومسلم في «صحيحه» (1921) من حديث المغيرة بن شعبة ﭬ.

([128]) فلا يدري هذا المسكين أن الله تعالى هيأ لكل زمان رجاله في العلم؛ فهم: يقومون بهذا الدين على حسب اجتهادهم في كل زمان.

([129]) والمشكلة: ظن المقلدة بأن أئمة المذاهب الأربعة هم واضعوها.

     والواقع: أن الإمام أبا حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد؛ هم متبعون للكتاب والسنة والآثار.

     ولم يضعوا لهم هذه المذاهب، بل ما فعله هؤلاء الأئمة، إلا هو تحرير لقواعدهم، ولأصولهم التي تخيروها على وفق ما فهموه من الكتاب والسنة والآثار، فأفهم لهذا.

([130]) قلت: أما من ليس كذلك، كالمقلد، أو المتعالم، فهو موزور غير مأجور، ولو أصاب الحكم.

     وانظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج12 ص13)، و«المحلى بالآثار» لابن حزم (ج2 ص149).

([131]) قلت: فليستح من يدعي الفقه اليوم، وهو متعالم جاهل بالفقه جملة وتفصيلا.

([132]) فلا يدعي ذلك وهو لا يعرف فقه المذاهب الأربعة.

([133]) قلت: والناس في هذا الزمان؛ ممن لم يتفقهوا على أهل الحديث، فهم غاية ما عندهم إلا الثقافة الجامعية، يأخذون من هنا وهناك، والله المستعان.

([134]) والمتساهل: مأخوذ من السهل، وهو اللين.

     انظر: «معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج3 ص110).

([135]) انظر: «روضة الطالبين» للنووي (ج11 ص111)، و«الفتاوى» له (ص167)، و«المسودة» آل تيمية (ص537)، و«جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج2 ص91 و92)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص588)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص282)، و«الفتاوى الكبرى» للهيتمي (ج4 ص324)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص31)، و«الصحاح» للجوهري (ج3 ص1041)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص272)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج6 ص307)، و«المنهل الروي» لابن جماعة (ص285).

([136]) يعني: معروفا بالتساهل في الدين، فهذا لا يجوز تقليده في الفقه.

([137]) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص352)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص63)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص403)، و«الإحكام» للآمدي (ج4 ص311)، و«المسودة» آل تيمية (ص555)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج2 ص545)، و«إجابة السائل» للصنعاني (ص545)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج2 ص156)، و«معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج4 ص502)، و«المنهل الروي» لابن جماعة (ص261)، و«مختصر التحرير» لابن النجار (ص261).

([138]) قلت: فالشريعة ليس فيها أي تناقض في الأحكام، ولا يصلح فيها ذلك.

([139]) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص384)، و«المدخل لمذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص390)، و«الذخيرة» للقرافي (ج1 ص140)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص402)، و«التقليد» للشثري (ص129).

([140]) مثل: «القرضاوي»، و«عبد الرحمن بن عبد الخالق»، و«سفر الحوالي»، و«سلمان العودة»، و«عدنان عرعور»، و«علوي السقاف»، و«ربيع المدخلي»، و«عبيد الجابري»، و«صالح السحيمي»، و«سليمان الرحيلي»، و«إبراهيم الرحيلي»، و«محمد العريفي»، و«ناصر العمر»، و«عبد المجيد الزنداني»، و«عائض القرني» وغيرهم من أهل الجهل المركب.

     قال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس: 32].

     قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «البيان» (ص12): (الذين يعملون بلا علم؛ هؤلاء أهل الضلال). اهـ

([141]) قلت: ولا شك أن فتنة هؤلاء فتنة لكل مفتون.

     فإن الناس يتشبهون بهؤلاء لما يظنون أنهم من العلماء في الدين والعلم؛ فهم حجة لكل مفتون.

([142]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص666) من طريق أحمد بن زهير نا محمد بن المقاتل نا ابن المبارك به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([143]) يعني: العالم المفتون، والجاهل المفتون.

([144]) انظر: «شرح حديث أبي الدرداء: العلماء ورثة الأنبياء» لابن رجب (ص330).

([145]) فيعرف أمر الله تعالى، ونهيه وحلاله وحرامه في الجملة، لكنه لا يعمل من ذلك إلا ما يهواه!.

([146]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج22 ص132)، و«جامع بيان العلم» لابن عبد البر (1195)، و«شرح حديث أبي الدرداء: العلماء ورثة الأنبياء» لابن رجب (ص391).

([147]) قال الإمام ابن رجب $ في «سيرة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز» (ج2 ص481): (وأما المتأخرون: فقل فيهم من جمع بين العلمين الذي كان عليه علماء المسلمين). اهـ

([148]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (5231)، ومسلم في «صحيحه» (2671)، والآجري في «فرض طلب العلم» (67)، والخطابي في «العزلة» (ص320).

([149]) هؤلاء العباد في الدين.

     قال الإمام ابن رجب $ في «شرح حديث أبي الدرداء: العلماء ورثة الأنبياء» (ص318): (ونحن إنما نقول إن العلماء بالله، والعلماء بأمره أفضل من العباد، ولو كان العباد من العلماء بالله). اهـ

([150]) أثر حسن.

     أخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1650)، وفي «شعب الإيمان» (ج3 ص315)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج14 ص36) من طريق سفيان بن هارون البرجمي حدثنا محمد بن نشر قال: قال الشعبي به.   

     قلت: وهذا سنده حسن.

     وانظر: «الإكمال» لابن ماكولا (ج1 ص276).

([151]) وانظر: «الحجة على تارك المحجة» لأبي الفتح المقدسي (ج2 ص570 و573).

([152]) أثر حسن.

     أخرجه ابن حبان في «روضة العقلاء، ونزهة الفضلاء» (ص167).

     وإسناده حسن.

([153]) أخرجه ابن حبان في «روضة العقلاء، ونزهة الفضلاء» (ص165).

([154]) أثر حسن.

     أخرجه ابن حبان في «روضة العقلاء، ونزهة الفضلاء» (ص164).

     وإسناده حسن.

([155]) الشيم: الأخلاق.

([156]) حديث حسن.

     أخرجه أبو داود في «سننه» (3573)، والترمذي في «سننه» (1322)، والنسائي في «سننه» (ج3 ص461)، وابن ماجه في «سننه» (2315) عن بريدة ﭬ.

([157]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص350).

     وإسناده صحيح.

([158]) أثر حسن.

     أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (841).

     وإسناده حسن.

([159]) انظر: «الفقيه والمتفقه» للخطيب (ص585).

([160]) قلت: فهذا اجتهد، فقال باجتهاد، وله من نشر العلم ما يغمر فيه خطأه في الدين.

     وانظر: «رفع الملام» لابن تيمية (ص47).

([161]) يعني: أهل الدنيا من أصحاب المناصب الدينية.

([162]) «شرح حديث أبي الدرداء: العلماء ورثة الأنبياء» (ج2 ص333).

([163]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص33)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص208)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص31)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص456)، وابن ماجة في «سننه» (ج1 ص20)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص162).

([164]) وانظر: «روضة الناظر وجنة المناظر» لابن قدامة (ج2 ص384)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج4 ص311)، و«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص390)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص544)، و«المجموع» للنووي (ج1 ص70)، و«إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول» للشوكاني (ص269)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج7 ص542)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص403).

([165]) يعني: الفتوى من مجهول الحال.

([166]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص72)، و«مختصر التحرير» لابن النجار (ص624 و715).

([167]) وهذه الطريق أقوى في إثبات العدالة من مجرد تزكية شخص، أو شخصين يجوز عليهما الخطأ في اجتهادهما.

([168]) ويجب أن يكونوا من علماء السنة والأثر.

([169]) من تزكيته: وذلك أن ينص عالم، أو اثنان من علماء السنة على أن فلانا ثقة، أو عدل، أو ما يقوم مقام هذا القول من العبارات، فتقبل هذه التزكية.

     ولا تقبل تزكية المتمشيخة، ولا من الدكاتيرة، ولا من المقلدة، ولا من المتعالمة، ولا من المتمذهبة للشخص، ولا يلتفت لها، ولا يعتد بها في الدين.

     كذلك تعرف العدالة: باختيار الأحوال، وتتبع الأقوال والأفعال التي تصدر من الشخص، ولم يبدل في الدين، ولم يحرف، ولم يغير في العلم والفتاوى.

     والنظر إلى كتبه، وشروحه، ودروسه في العلم التي يحصل معها العلم، وأنه عالم من علماء أهل السنة والأثر من ناحية غلبة الظن بالعدالة.

([170]) وانظر: «التمهيد» لأبي الخطاب (ج4 ص403)، و«الإحكام» للآمدي (ج4 ص316)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص385)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص271)، و«إجابة السائل» للصنعاني (ص408)، و«المسودة» لآل تيمية (ص462)، و«المستصفى» للغزالي (ج2 ص390)، و«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص390)، و«المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص527)، و«نهاية السول» للإسنوي (ص701 و702).

([171]) قلت: وجمهور العلماء على تقديم الأعلم، لأن الأعلم أقرب إلى إصابة الحق لقوته في العلم.

     وإذا علم الأفضل منهم لزمه تقليده، وإن لم يعلمه يخير.

([172]) نقله عنه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص127).

([173]) وانظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص279)، و«المسودة» لآل تيمية (ص522)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص70)، و«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص385)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص515)، و«إجابة السائل شرح بغية الآمل» للصنعاني (ص499)، و«المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص527)، و«روضة الطالبين» للنووي (ج11 ص99)، و«المجموع» له (ج1 ص55)، و«فتح المجيد في أحكام التقليد» للخزرجي (ص65 و66)، و«مقدمة في أصول الفقه» لابن القصار (ص170).

([174]) والصحابة الكرام ما كانوا يفتون بالتقليد مبلغين به عن فلان، وفلان، بل كانوا مبلغين عن نبيهم ﷺ، فهم له: رواة لا مقلدون، ولا مقلدون، فأفهم لهذا.

([175]) التقليد هنا هو: الاتباع.

([176]) قلت: وأما المتأخرون من مقلدي الأئمة يأخذون بفتوى إمامهم، ويتركون فتوى الصحابة، والتابعين، بل ويتركون فتوى: سفيان الثوري وابن المبارك، وسفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وابن راهويه، وابن المديني، والبخاري، وحماد بن سلمة، وابن أبي ذئب، وغيرهم، اللهم غفرا.

([177]) حديث ضعيف.

     أخرجه الترمذي في «سننه» (ج5 ص200)، وأبو داود في «سننه» (ج3 ص320) من حديث جندب ﭬ.    

     وإسناده ضعيف فيه سهيل بن أبي حزم، وهو ضعيف؛ كما في «التقريب» لابن حجر (ص421).

([178]) حديث صحيح.

     أخرجه أبو داود في «سننه» (ج4 ص200)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص45) وأحمد في «المسند» (ج4 ص126)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص18)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص16) بإسناد صحيح.

([179]) قلت: فالمسلم مطالب باتباع الكتاب والسنة، فمتى غلب على ظنه أن قول مفت هو حكم الله تعالى فوجب عليه العمل به.

([180]) وانظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص118)، و«عمدة القاري» للعيني (ج5 ص361)، و«نزهة الخاطر» لابن بدران (ج2 ص444)، و«إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول» للشوكاني (ص866)، و«القول المفيد في حكم التقليد» له (ص69)، و«رفع الملام عن الأئمة الأعلام» لابن تيمية (ص5 و6 و7)، و«النبذ في أصول الفقه» لابن حزم (ص114 و117)، و«المحلى بالآثار» له (ج2 ص149)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج2 ص68)، و«المسودة» آل تيمية (ص458)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص420)، و«سلم الوصول» للمطيعي (ص731).

([181]) أي: منزلة التقليد الأعمى.

([182]) وانظر: «الإحكام» للآمدي (ج4 ص300)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص51)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص537)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص401)، و«نهاية السول» للإسنوي (ص702 و703).

([183]) قلت: فالعوام يشاركون العلماء في معرفة الله تعالى، وطرق توحيده، لأنها أمور يدركها العبد بالأدلة، ويتفكر فيها بعقله، فيعلم بما يدركه من توحيد الله تعالى.

([184]) وانظر: «القول المفيد» للشوكاني (ص64)، و«إرشاد الفحول» له (ص266)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص430)، و«شرح السنة» للبغوي (ج1 ص289)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج4 ص398)، و«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص389)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص538)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص53).

([185]) وانظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (ص267)، و«القول المفيد» له (ص64)، و«الإحكام» لابن حزم (ج2 ص233).

([186]) وانظر: «شرح السنة» للبغوي (ج1 ص289)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص266)، و«التمهيد» لأبي الخطاب (ج4 ص396)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج5 ص382)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص433)، و«المدخل» لابن بدران (ص389)، و«الإحكام» للآمدي (ج4 ص300)، و«المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص528 و532).

([187]) وتقليد المسلم للعالم ضرورة لا يحصل به فساد، ولا ضياع البتة، لأن ذلك تدعو إليه حاجته من الأحكام.

     وهذا أيسر على النفوس، لأن ما جاء عن النبي ﷺ من العلم النافع أفضل للناس.

     قال تعالى: ]ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر[ [القمر: 17].

      ففهم الشريعة ميسور لمن أراده.

([188]) وهذا هو الصحيح.

     وانظر: «المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص522)، و«رفع الملام عن الأئمة الأعلام» لابن تيمية (ص24 و25 و26).

([189]) فليس كل مجتهد بمصيب في الأصول والفروع، لذلك فيجب الرجوع إلى الدليل عند التنازع، ليتبين الراجح من المرجوح.

     وانظر: و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج2 ص121)، و«مختصر التحرير» لابن النجار (ص714)، و«سلم الوصول» للمطيعي (ص731).

([190]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص71)، و(ج19 ص262)، و(ج20 ص225)، و«الاتباع» لابن أبي العز (ص23)، و«المسودة» آل تيمية (ص411)، و«العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج4 ص1217)، و«المسائل» للكرماني (ج3 ص978)، و«شرح نظم الورقات» لشيخنا ابن عثيمين (ص210 و211).

 

 

([191]) أثر صحيح.

     نقله عنه أبو يعلى في «العدة» (ج4 ص1217).

([192]) وانظر: «المسودة» آل تيمية (ص411).

([193]) فيجب التسليم لفقهاء الصحابة الكرام، لأنه السلامة في الدين.

     فإذا رغبت في معرفة فقه الصحابة ﭫ، فأطلب الفقه عند أهل الحديث، وهم يعلمونك فقه الصحابة ﭫ، فتكون بعد ذلك من الطلبة الفقهاء.

     قال العلامة الشوكاني $ في «أدب الطلب» (ص182): (لا ينبغي لعالم أن يدين بغير ما دان به السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ من الوقوف على ما تقتضيه أدلة الكتاب والسنة). اهـ

([194]) وكم رأينا من المقلدة، وهم يتلقطون فتاوى أهل العلم بدون رواية، ولا دراية؛ ثم يزعمون أنهم يحكمون الأدلة، فإذا هي أقوال من سبقهم أخذوها بالتقليد!.

     قال الحافظ الخطيب $ في «جامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص174): (فإن العلم هو: الفهم والدراية، وليس بالإكثار، والتوسع في الرواية). اهـ

([195]) وإن عدنا للواقع والحقيقة، فكم يزعم اليوم ممن ينتسبون إلى العلم؛ الاجتهاد في الأحكام، ولم يجدوا أثره، ولا رسمه، وإن نظرت إلى ما يفتون به، فهم مقلدة متعصبة لأي مذهب من المذاهب المتحزبة.

     قال تعالى: ]أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون (35) وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون[ [يونس: 35 و36].

     لذلك لا تكونوا إمعة تقولون إن قلد الناس قلدنا، وإن تمسكوا تمسكنا، ولكن وطنوا أنفسكم على التمسك بالكتاب والسنة مطلقا، سواء قلد الناس أو تمسكوا.

([196]) انظر: «بدعة التعصب المذهبي» للعباسي (ص88)، و«إجابة السائل» للصنعاني (ص466)، و«أدب الطلب» للشوكاني (ص41 و85)، و«مختصر التحرير» لابن النجار (ص716)، و«أصول الفقه» للزحيلي (ج2 ص1126 و1137).

([197]) فهذه فوضى عصبية لم يشهد لها التاريخ مثيل في فعل المتمذهبين.

([198]) قد يكون الحق على خلاف بعض ما ورثناه من آبائنا، أو تلقيناه من مشايخنا.

([199]) قد يكون الحق في صف المغمور، لا المشهور، فلا يكون هذا الباطل المشهور هو الحق. فتنبه.

([200]) فالعلم ليس عن حداثة السن ولا قدمه ولكن الله تعالى يضعه حيث يشاء في عبادة.

([201]) وإنما الناس أهلكهم التكبر.

([202]) «ثمر الغصون من فتاوى الشيخ ابن غصون» (ج13 ص289).

([203]) يقرر المصنف $ الأمور المعروفة لدى طلبة العلم أن أمورا في المذاهب قيلت بالرأي فقط، وهي أمور اجتهادية ليس فيها نص، فهذه ليس واجبا اتباعها، وإنما يجوز أن غلب على ظنه صحتها.

([204]) انظر: «التقليد» للشثري (ص38)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص860)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج6 ص270 و271 و292)، «المحلى بالآثار» لابن حزم (ج2 ص149)، و«الإيصال» له (ص463)، و«أصول الفقه» للزحيلي (ج2 ص1131).


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan