القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / تعريف الغاوي عن غرائب الفتاوي

2023-12-04

صورة 1
تعريف الغاوي عن غرائب الفتاوي

 

    

وأدام الله التوفيق

المقدمة

 

الحمد لله الذي أوضح الطريق لأوليائه، وأظلم السبل على معانديه وأعدائه، أحمده على جزيل نعمائه، وأشكره على كثير عطائه، وصلى الله على نبيه سيد المرسلين المبعوث إلى كافة الخلق أجمعين.

أما بعد،

فإن من أصول دعوة أهل الحديث الرجوع إلى المعين الصافي للسنة النبوية، والدعوة إلى إحياء منهج السلف الصالح في الأصول والفروع، وتنقيت ركام الجهل، وعلاج عيوب التقليد.([1])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص15): (أما التقليد الباطل المذموم فهو: قبول قول الغير بلا حجة؛ قال الله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون[ [البقرة: 170] ). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص262): (والمقصود هنا أن التقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله ورسوله بما يخالف ذلك كائنا من كان المخالف لذلك). اهـ

وقال الشوكاني / في «القول المفيد» (ص108): (أن التقليد لم يحدث إلا بعد انقراض خير القرون ... وإن هذه المذاهب إنما أحدثها عوام المقلدة لأنفسهم من دون أن يأذن بها إمام من الأئمة المجتهدين!). اهـ

وقال العز بن عبد السلام / في «قواعد الأحكام» (ج2 ص135): (ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين! يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه؛ بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، ومع هذا يقلده، ويترك الكتاب والسنة!). اهـ

وقال ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص996): (ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد). اهـ

قلت: وهذا المنهج هو القائم على ترك الجهل، ونبذ التقليد، والاعتماد على الكتاب، والسنة، والآثار، وهذه الأصول هي أساس الدعوة الأثرية التي بلغت بركاتها أقطار الأرض.

بل هذه الدعوة المباركة غزت بعدتها وعتادها أعتى القلوب، وأعدى النفوس، فما برحت أن خالطت بشاشة القلوب، واستلت عداوات النفوس، وشرحت الصدور؛ لما كان قد انشرح له صدر أصحاب رسول الله r، وعلمت أنه الحق.

وبناء على ذلك: فإني لا أحل لمن لم يتشرب قلبه المنهج الأثري القائم على نبذ التقليد، واعتماد الدليل؛ أن يقرأ هذا البحث؛ فإنك لست محدثا قوما بحديث لا تبلغه عقولهم؛ إلا كان لبعضهم فتنة؛ وأي: فتنة أعظم من فتنة الجهل، وفتنة من يرى التقليد هو العلم، ويعد اتباع الدليل فتنة إذا ما قرأ بحثا قائما على ضد ما يراه هذا المقلد.

أقول ذلك: لأني في هذا البحث([2]) قد ناقشت تقليد المقلدة، وجعلت مسألة: «صوم يوم عرفة» قابلة للنقد، والعرض على الدليل.([3])

قال الحافظ ابن رجب / في «الفرق بين النصيحة والتعيير» (ص22): (وأما بيان خطأ من أخطأ من العلماء قبله، إذا تأدب في الخطاب، وأحسن في الرد والجواب فلا حرج عليه، ولا لوم يتوجه إليه). اهـ

أقول هذا كله: لشدة ثقتي بصحة ما توصلت إليه، ولأني لم أترك سبيلا من سبل التحري، والتثبت إلا وسلكته، وكبحت نفسي بالحلم والأناة؛ حتى عزمت على نشر ما أثمره ذلك الجهد والتدبر والاستدلال.

قلت: وإن لم تكن هذه المسألة ليست من مسائل العقيدة في الظاهر؛ لكنها بحق أنها خرجت من حديث أبي قتادة t وهو يحتوي على ألفاظ مضطربة، وألفاظ فيها مجازفات، وألفاظ شاذة، وأحاديث ممزوجة بعضها مع بعض بل فيه ألفاظ شركية، فحاشى لرسول الله r أن يقولها.

لذلك ابتدأت التفكير في نسف هذا الحديث ومناقشته على طريقة أئمة الجرح والتعديل بعد أن تنبهت لخطر هذا الحديث على المسلمين، ولابد من الدفاع عن السنة النبوية. ([4])

وقد أعانتني النتائج المهمة التي توصلت لها في كتابي «جزء فيه تخريج صوم يوم عرفة»، فازددت يقينا من صحة ما كانت قد قادتني إليها الأدلة من السنة والآثار وأقوال العلماء.

وقد بدأت إعلان ذلك في دروسي .. وتكرر إلي الطلب بنشر بحثي في هذه المسألة مطبوعا ... ومما عاجلني بإخراج بحثي في تخريج حديث أبي قتادة t في «صوم يوم عرفة» أني مع ما أتوقعه من تشنيع المقلدين الحزبيين علي فيه([5])، إلا أني ضنين بنسبة نتائجه إلي، معتز بما توصلت إليه فيه؛ لأني لا أعلم أحدا من قرون متطاولة قد أفصح بما ذكرته، ولا قرر ما حررته.

قلت: وأول من أثار نقد حديث: «صوم يوم عرفة» هو الإمام البخاري / في كتابه: «التاريخ الكبير» (ج5 ص192 و198)، وكتابه: «التاريخ الأوسط» (ج1 ص411)، ثم تتابع الأئمة في نقد الحديث، اللهم سدد.

فأذكر كل قارئ لهذه الكتب([6]) التي ألفتها في عدم صوم النبي r، والصحابة رضي الله عنهم ليوم عرفة؛ أن ينصح لنفسه بحسن القراءة وتمام التفهم، والتجرد من الإلف العلمي، والتحرر من قيود التقليد، وأن يقبل على القراءة وهو مستعد لتغيير فهمه السابق دله الدليل على بطلان فهمه لحديث أبي قتادة r في «صوم يوم عرفة»، باحثا عن العثرات فيه، راغبا في اكتشاف الزلات في المقلدة.([7])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج32 ص239): (وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء). اهـ

وأن يحرص على مخالفة سنن الذين في قلوبهم زيغ من أهل التحزب؛ فلا يتبع المتشابه، بل يرد المتشابه إلى المحكم.

قال ابن عبد الهادي الحنبلي / في «جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر» (ص139): (من نشأ على أمر، وأفنى عمره فيه قل أن يخرج من قلبه، ولو تاب منه، ولو رجع عن بعضه لا يمكن أن يرجع عن كله!). اهـ

قلت: وعليه بعد ذلك من واجب إحسان النية وحمل الكلام على أفضل محامله، وعلى الصواب ما أمكن.

فعن عمر بن الخطاب t قال: (فلا تظن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرا، وأنت تجد لها من الخير محملا).

أثر حسن

أخرجه المحاملي في «الأمالي» (ص395)، وابن أبي الدنيا في «مداراة الناس» (ص50)، والطامذي في «الفوائد» (ص44) من طريق نافع بن عامر الجمحي عن سليمان بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب t به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وتابعه سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب به.

أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج44 ص360)، والخطيب في «المتفق والمفترق» (ج1 ص305) من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب به.

وعلقه أبو الشيخ في «التوبيخ والتنبيه» (ص189).

وذكره ابن كثير في «تفسيره» (ج4 ص227)، وابن رجب في «النصيحة والتعيير» (ص26).

قلت: وسوء الظن بالمسلم من سوء الخلق، اللهم سلم.

وبوب ابن أبي الدنيا / في «مداراة الناس» (ص83)؛ باب: ذم سوء الخلق.

وبوب أبو الشيخ / في «التوبيخ والتنبيه» (ص183)؛ باب: الأمر بفحش الطعن بالمسلمين.

قال تعالى: ]والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض[ [التوبة:71].

قلت: والمفروض أن يكون الأخ واثقا من أخيه، مطمئنا إليه، فلا يؤول كلامه إلا بخير ما دام يجد في الكلام مجالا للتأويل الحسن.

قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم[ [الحجرات:12].

يقول الله تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة، والتخون للأهل، والأقـارب، والنــاس في غيـر مـحـلـه، لأن بعـض ذلـك يـكون إثـمـا مـحـضا،

فليجتنب كثير منه احتياطا.([8])

قال الحافظ ابن رجب / في «الفرق بين النصيحة والتعيير» (ص26): (ومن حمل كلامه، والحال على ما ذكر، فهو ممن يظن بالبريء الظن السوء، وذلك من الظن الذي حرمه الله، ورسوله r، وهو داخل في؛ قوله سبحانه وتعالى: ]ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا[ [النساء:112]، فإن الظن السوء ممن لا يظهر منه - أعني هذا الظان - أمارات السوء، مثل: كثرة البغي، والعدوان، وقلة الورع، وإطلاق اللسان، وكثرة الغيبة، والبهتان، والحسد للناس، على ما آتاهم الله من فضله والامتنان، وشدة الحرص على المزاحمة على الرئاسات قبل الأوان، فمن عرفت منه هذه الصفات التي لا يرضى بها أهل العلم والإيمان، فإنه إنما يحمل تعرضه للعلماء، ورده عليهم على الوجه الثاني فيستحق حينئذ مقابلته بالهوان، ومن لم تظهر منه أمارات بالكلية تدل على شيء، فإنه يجب أن يحمل كلامه على أحسن محملاته، ولا يجوز حمله على أسوأ حالاته. وقد قال عمر t: «لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا([9])). اهـ

قلت: فالعلة إذا تتبع الأخ، وسوء الظن به، اللهم غفرا.

وأنصح القارئ المبتغي للحق؛ بما نصح به شيخ الإسلام ابن تيمية / أحد مناظريه؛ بقوله له: (المعاني الدقيقة تحتاج إلى إصغاء، واستماع، وتدبر).([10]) اهـ

قلت: فإن خالف حزبي هذه الأخلاق؛ فليعلم أنه أول مخذول؛ فالحق أبلج، والباطل لجلج، والدين محفوظ؛ فلن ينفعه أن يشنـع علـى الحـق، ولا أن يسعـى إلى

 

إشعال الفتن([11])، لأن ليست له حجة ولو ركب كل مركب، فليرح وليسترح!.([12])

قال الله تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون [ [الأعراف: 3].

قال ابن كثير / في «تفسيره» (ج2 ص209): (قال تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم[؛ أي: اقتفوا آثار النبي الأمي الذي جاءكم بكتاب أنزل إليكم من رب كل شيء ومليكه؛ ]ولا تتبعوا من دونه أولياء[؛ أي: لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره، فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره). اهـ

وقال الله تعالى: ]فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين [ [القصص: 50].

قال ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج1 ص18): (قال تعالى: ]فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين [ [القصص: 50]. فقسم الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما: إما الاستجابة لله تعالى، والرسول r، وما جاء به، وإما اتباع الهوى فكل ما لم يأت به الرسول r فهو من الهوى). اهـ

هذا؛ والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومن الله أسأل المعونة، والتوفيق، والإرشاد إلى أوضح الطريق.

                                                   

                                                                                                           كتبه

                                                                                           أبو عبد الرحمن الأثري

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

 

    

وبه نستعين

استغراب

شيخنا الفقيه الإمام الشيخ ابن عثيمين /

بعض الفتاوى لأهل العلم في الأحكام!

 

فقد يظن الناس في عاداتهم أن من حولهم في بلدانهم قد اتفقوا على حكم ما، ويظنوا على حسب اجتهادهم من القديم أن لا مخالف لهم؛ لاعتقادهم أن ذلك الحكم قد حكموا بمقتضى الأدلة، فيجتمع في أذهانهم دليلان: النص والإجماع!، فيحكموا على حسب اجتهادهم أنه لا خلاف([13])، والأمر قد يكون بالأدلة بالعكس، والله المستعان.

قال شيخنا الإمام محمد بن صالح العثيمين / في «الخلاف بين العلماء» (ص20): (وما أكثر ما نسمع من ينقل الإجماع، ولكنه عند التأمل لا يكون إجماعا.

ومن أغرب ما نقل في الإجماع فيه، أن بعضهم قال: أجمعوا على قبول شهادة العبد. وآخرون قالوا: أجمعوا على أنها لا تقبل شهادة العبد. هذا من غرائب النقل، لأن بعض الناس إذا كان من حوله قد اتفقوا على رأي، ظن أن لا مخالف لهم، لاعتقاده أن ذلك مقتضى النصوص، فيجتمع في ذهنه: دليلان: النص والإجماع، وربما يراه مقتضى القياس الصحيح، والنظر الصحيح فيحكم أنه لا خلاف، وأنه لا مخالف لهذا النص القائم عنده مع القياس الصحيح عنده، والأمر قد كان بالعكس). اهـ

قلت: فانظر كيف استغرب شيخنا ذلك في نقل الإجماع على خلاف حقيقته، وهذا الأمر بنفس حكم صوم يوم عرفة، فإن البعض ينقل الإجماع في صومه، وهو مختلف فيه بين العلماء المتقدمين والمتأخرين، والإجماع فيه قائم بين الصحابة الكرام على عدم صومه، لأن النبي r لم يصمه، فنقل الإجماع على صوم يوم عرفة من غرائب النقل!، والله المستعان.

سئل العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين / تعالى: هب أن رجلا خالف كثيرا من أهل العلم في مسألة خلافية هل يبغض هذا الشخص في الله، وهل تشن عليه الهجمات ؟!.

فأجاب فضيلته: (لا، أبدا. لو خالف الإنسان جمهور العلماء في مسألة قام الدليل على الصواب بقوله فيها، فإنه لا يجوز أن نعنف عليه، ولا يجوز أن تحمى نفوس الناس دونه أبدا، بل يناقش هذا الرجل ويتصل به؛ كم من مسألة غريبة على أفهام الناس، ويظنون أن الإجماع فيها محقق، فإذا بحث الموضوع وجد أن لقول هذا

الرجل من الأدلة ما يحمل النفوس العادلة على القول بما قال به واتباعه).([14]) اهـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

    

«فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول»

ذكر الدليل على أن العلماء الذين يفتون الناس بصيام يوم عرفة،

هـــــــــم الذين يفتون الناس أن يوم عرفة يوم عيد!، فيقولوا بالتكبير

مـــــن صباح يوم عرفة، ولا تكبير إلا يوم عيد، ثم يفتوا الناس بصيام

هذا العيد! ([15])، وهذا الذي أفتوا به من التعارض قد وقعــــوا فــــــــــيـــــه

بحسب اجتهادهم وادراكهم لفهم الحــــــديث، لأن لا تـــــــــعــــــارض في

الأحاديث النبوية في الشريعة المطهرة

 

واستمع إلى هذا الفتاوى الغريبة في حكم صوم يوم عرفة.

قال ابن رجب / في «فتح الباري» (ج6 ص124): (وقد اختلف العلماء في أول وقت هذا التكبير وآخره.

فقالت طـائفـة: يـكـبـر مـن صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام

 

التشريق. فإن هذه أيام العيد([16])، كما في حديث عقبة بن عامر t، عن النبي r، قال: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام).([17]) خرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وصححه، وقد حكى الإمام أحمد هذا القول إجماعا من الصحابة([18])، حكاه عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس y.

فقيل له: فابن عباس اختلف عنه؛ فقال: هذا هو الصحيح عنه، وغيره لا يصح عنه؛ نقله الحسن بن ثواب، عن أحمد، وإلى هذا ذهب أحمد؛ لكنه يقول: إن هذا في حق أهل الأمصار). اهـ

وقال العلامة ابن قاسم الحنبلي النجدي / في «حاشية الروض» (ج2 ص518): (وقال النووي: هو الراجح، وعليه العمل في الأمصار، وقال شيخ الإسلام: أصح الأقوال في التكبير، الذي عليه جمهور السلف والفقهاء، من الصحابة والأئمة، أن يكبر من فجر يوم عرفة، إلى آخر أيام التشريق، عقب كل صلاة، لما في السنن: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب، وذكر لله)([19])، ولما رواه الدارقطني عن جابر، ولأنه إجماع من أكابر الصحابة، وقال ابن كثير وغيره: هو أشهر الأقوال الذي عليه العمل). اهـ

وقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في «الفتاوى» (ج3 ص108): (فـ «عيد الفطر» أوجبه الله تعالى على المسلمين وشرعه، ومن به عليهم شكرا لله تعالى على توفيقه إياهم؛ لإكمال صيام رمضان، وما شرع فيه من قيام ليله، وغير ذلك من القربات، والطاعات المنقسمة إلى فرض؛ كالصلاة، وصدقة الفطر، وإلى مندوب، وهو ما سوى ذلك من القربات المشروعة فيه، وللجميع من المزايا، ومزيد المثوبة ما لا يعلمه إلا الله تعالى، و«عيد الأضحى» شرع شكرا لله تعالى على أداء ركن آخر من أركان الإسلام، وهو حج بيت الله الحرام، وقد فرض الله فيه صلاة العيد، وشرع فيه وفي «أيام التشريق» ذبح القرابين من الضحايا، والهدايا التي المقصود منها طاعة الله تعالى، والإحسان إلى النفس، والأهل بالأكل، والتوسع، والهدية للجيران، والصدقة على المساكين، وشرع فيه وفي «أيام التشريق»، وفي «عيد الفطر» من التكبير، والتهليل، والتحميد ما لا يخفى، ولهذا قال r: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب).

وفي حديث آخر زيادة: (وذكر لله تعالى)؛ كما من تعالى بشرعه إظهار السرور، والفرح، ولابروز بأحسن مظهر، وأكمل نظافة، والامبساط، والفراغ في ذلك اليوم، والتهاني بذلك العيد، والراحة من الأعمال توفيرا للسرور، والأنس، وغير ذلك، وكل ذلك يدخل في مسمى العيد حتى أذن فيه بتعاطي شيء من اللعب المباح في حق من لهم ميل إليه: كالجويريات، والحبشة الذين لهم من الولع باللعب ما ليس لغيرهم, كما أقر فيه r الجويريتين على الغناء المباح بين يديه r: وأقر الحبشة على اللعب بالدرق، والحراب في المسجد يوم العيد، وبذلك يعرف أن المسلمين لم يخلوا بحمد الله في السنة من عيد). اهـ

قلت: وقد نص العلماء بالأكل، والشرب، والتكبير، والعمل الصالح، لا الصوم في أيام التشريق، وقد نص الإمام البخاري، وغيره بذلك.

قال الإمام البخاري / في «صحيحه» (ج2 ص561): (باب فضل العمل في أيام التشريق). اهـ

وقال الحافظ ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص561): (باب فضل العمل في أيام التشريق:

وقال ابن عباس: ]ويذكروا اسم الله في أيام معلومات[ [الحج: 28] أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق، وكان ابن عمر، وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما، وكبر محمد بن علي خلف النافلة. فيه: ابن عباس قال عليه السلام: (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه)، قالوا: ولا الجهاد فى سبيل الله؟، قال: (ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء). وقال المهلب: العمل في أيام التشريق هو التكبير المسنون، وهو أفضل من صلاة النافلة؛ لأنه لو كان هذا الكلام حضا على الصلاة والصيام في هذه الأيام لعارض قوله عليه السلام: (أيام أكل وشرب». اهـ

قلت: فهذه فتاوى من يفتي بصوم يوم عرفة لغير الحاج، وهي تدل على أن يوم عرفة يوم فرح وسرور، وأكل وشرب، وذكر لله تعالى للمسلمين جميعا، لأنه يوم عيد؛ وذلك لأن قرن في حديث عقبة بن عامر t بأعياد المسلمين الحجاج وغير الحجاج، وهي: «عيد الفطر»، و«عيد الأضحى»، و«أيام التشريق»، وهذا الأيام عند المسلمين لا تصام في الشريعة المطهرة، مع ذلك كله يأمرون الناس بصيام يوم عرفة لحديث ضعيف([20])، فيتركون الأحاديث الصحيحة في عدم صومه من النبي r، ويتركون أيضا إجماع الصحابة، وهذا من غرائب الفتاوي، والله المستعان.

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج13 ص19): (وبهذا تعلم أن التكبير المطلق، والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام: «يوم عرفة»، و«يوم النحر»، و«أيام التشريق» الثلاثة). اهـ

قلت: وقد ثبت التكبير عن الصحابة الكرام في فجر يوم عرفة، مما يدل على أن يوم عرفة يوم عيد للمسلمين؛ لأن التكبير هذا لا يكون إلا يوم عيد([21])، والله المستعان.

وإليك الدليل:

1) فعن شقيق بن سلمة قال: (كان علي بن أبي طالب t يكبر بعد صلاة الفجر من يوم عرفة ثم لا يقطع حتى يصلي الظهر من آخر أيام التشريق، ويكبر بعد العصر). وفي رواية: (أنه كان يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة، إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، ويكبر بعد العصر).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (5631)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص299)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج4 ص301)، والطبراني في «فضل عشر ذي الحجة» (ص48)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص314)، وفي «فضائل الأوقات» (ص419)، وفي «الخلافيات» (ج4 ص122)، وعبد الله بن أحمد في «المسائل» (129) من طريق زائدة بن قدامة عن عاصم بن بهدلة عن شقيق بن سلمة به.

قلت: وهذا سنده حسن، وجوده الشيخ الألباني في «الإرواء» (ج3 ص153).

وقال ابن حجر /  في «فتح الباري» (ج2 ص536): (وأصح ما ورد فيه -يعني: التكبير أيام التشريق- قول علي، وابن مسعود). اهـ

وأخرجه المحاملي في «صلاة العيدين» (ق/23/ط) من طريق زائدة بن قدامة عن عبد الأعلى الثعلبي عن أبي عبد الرحمن السلمي: (كان علي t يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق).

وإسناده حسن.

وأخرجه أبو يوسف في «الآثار» (ص154)، ومحمد بن الحسن في «الآثار» (208) من طريق أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن علي بن أبي طالب t به.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج2 ص442).

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (5632)، والطبراني في «فضل عشر ذي الحجة» (ص49)، والبيهقي في «الخلافيات» (ج4 ص123)  من طريق أبي جناب عن عمير بن سعد به.

وأخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (ج4 ص304)، والطبراني في «فضل عشر ذي الحجة» (ص49) من طريق الحجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة به.

وأخرجه الطبراني في «فضل عشر ذي الحجة» (ص48) من طريق الثوري عن أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب به.

وأخرجه الطبراني في «فضل عشر ذي الحجة» (ص49)، والمحاملي في «صلاة العيدين» (ق/23/ط) من طريق شريك عن أبي إسحاق به.

2) وعن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود t: (أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق).

أثر حسن

أخرجه الطبراني في «فضل عشر ذي الحجة» (ص50) من طريق محل بن محرز الضبي عن إبراهيم بن يزيد النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود t به.

قلت: وهذا سنده حسن.

قال ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص536): (وأصح ما ورد فيه -يعني: التكبير أيام التشريق- قول علي، وابن مسعود). اهـ

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (5633)، وابن حزم في «المحلى» (ج5 ص91)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج4 ص301)، والمحاملي في «صلاة العيدين» (ق/23/ط)، والبيهقي في «الخلافيات» (ج4 ص125)، والشافعي في «اختلاف العراقيين» (ج8 ص495-الملحق بالأم) من طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد النخعي: (أن عبد الله كان يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر).

وإسناده صحيح.

وذكره البيهقي في «معرفة السنن» (ج5 ص105).

وقال البيهقي / في «السنن الكبرى» (ج3  ص313): (أما مذهب عبد الله بن مسعود في ذلك؛ فقد رواه الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله موصولا، ورواه جماعة عن ابن مسعود).

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9537)، وفي «فضل عشر ذي الحجة» (ص52) من طريق الحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود t به.

وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج2 ص200)؛ ثم قال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون.

وقال البيهقي / في «معرفة السنن» (ج5 ص107): (قد روينا عن علي بن أبي طالب، وعن ابن عباس في إحدى الروايتين عنه: أنهما كانا يكبران من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق).

وأخرجه أبو يوسف في «الآثار» (ص154) من طريق أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود t به.

وأخرجه المحاملي في «صلاة العيدين» (ق/23/ط)، والبيهقي في «الخلافيات» (ج4 ص125)، والشافعي في «اختلاف العراقيين» (ج8 ص495-الملحق بالأم)  من طريق عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود t به.

وإسناده صحيح.

3) وعن عمر بن الخطاب t: (أنه كان يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة، إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق). وفي رواية: (ثم يمسك صلاة العصر).

أثر حسن

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (5635)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج4 ص300)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص314)، وفي «الخلافيات» (ج4 ص122)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص54)،  والطبراني في «فضل عشر ذي الحجة» (ص51)، والمروزي في «أحكام العيدين» (ج2 ص433-الدر المنثور) من طريق أبي عوانة، وشعبة عن حجاج بن أرطاة قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يحدث عن عبيد بن عمير عن عمر بن الخطاب t به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وذكره القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» (ج3 ص4).

وبوب الطبراني في «فضل عشر ذي الحجة» (ص51)؛ باب: من كان يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق.

4) وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه كان يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وكان لا يكبر في المغرب).

أثر صحيح

أخرجه مسدد في «المسند» (ج1 ص306-المطالب العالية)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص313)، وفي «الخلافيات» (ج4 ص122)، وفي «فضائل الأوقات» (ص419)، والمحاملي في «صلاة العيدين» (ق/24/ط)، والمروزي في «صلاة العيدين» (ج2 ص443-الدر المنثور)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص299) من طريق يحيى بن سعيد القطان عن الحكم بن فروخ عن عكرمةعن ابن عباس رضي الله عنهما به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «الإرواء» (ج3 ص125)، وقـال البوصـيـري في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص66): رواه مسدد موقوفا،

ورجاله ثقات.

وذكره البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (ج5 ص105).

وقال البيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص313): (وقد روي في ذلك عن عمر، وعلي، وابن عباس y). اهـ

وأخرجه المحاملي في «صلاة العيدين» (ق/24/ط)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص166) من طريق خصيف عن عكرمة عن ابن عباس t به.

5) وعن الوليد بن مزيد قال: سمعت الأوزاعي؛ وسئل عن التكبير يوم عرفة، قال: (يكبر من غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق كما كبر علي وعبد الله t).

أثر حسن

أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج2 ص55)، والبيهقي في «الخلافيات» (ج4 ص123) من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب أنبأ العباس بن الوليد بن مزيد عن أبيه به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وقال البيهقي / في «فضائل الأوقات» (ص419): (وقد استحب الشافعي /، ما حكي عن بعض السلف: أنه كان يبتدئ بالتكبير خلف صلاة الصبح من يوم عرفة). اهـ

وقال ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج5 ص91): (والتكبير إثر كل صلاة، وفي الأضحى، وفي أيام التشريق، ويوم عرفة؛ حسن كله؛ لأن التكبير فعل خير).اهـ

وبوب البيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص313)؛ باب: من استحب أن يبتدئ بالتكبير خلف صلاة الصبح من يوم عرفة.

قلت: وقد صح أن يوم عرفة؛ يوم عيد، واستحب التكبير فيه، فليزم إن لا يصام، كالأعياد الأخرى! ([22])، اللهم غفرا.

وإليك الدليل:

فعن عقبة بن عامر t قال: قال رسول الله r: (يوم عرفة([23])، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب).

حديث صحيح

أخرجه أبو داود في «سننه» (2419)، والترمذي في «سننه» (ج3ص148)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2829) و(4181)، وفي «السنن الصغرى» (ج5 ص252)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص152)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص23)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2100)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص104)، و(ج4 ص21) من طرق عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال سمعت عقبة بن عامرt به.

قلت: وهذا سنده صحيح على شرط مسلم.

   وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

والحديث صححه الشيخ الألباني في «الإرواء» (ج4 ص130).

وقولـه r (عيدنا أهـل الإسـلام)؛ هـذا عـام لـجـمــيـع الـمسـلمـين من الحجاج،

وغيرهم([24])، ولم يثبت أي دليل يخصص هذا العام بأن هذا خاص بمن كان بعرفة من الحجاج ([25])

فالحديث يدل على أن هذه الأيام الخمسة  -بما فيها يوم عرفة- أيام أكل وشرب للحاج، وغير الحاج، وهذا المعنى يوجد في العيدين، وأيام التشريق أيضا، فإن الناس كلهم فيها في ضيافة الله عز وجل؛ لا سيما عيد النحر؛ فإن الناس يأكلون من لحوم نسكهم أهل الموقف، وغيرهم، فلا يصومن أحد.

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص459): (وقال ابن أبي جمرة: الحديث دال على أن العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيره؛ قال ولا يعكر على ذلك كونها أيام عيد؛ كما تقدم من حديث عائشة، ولا ما صح من قوله عليه الصلاة والسلام أنها أيام أكل وشرب؛ كما رواه مسلم لأن ذلك لا يمنع العمل فيها بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى ولم يمنع فيها منها إلا الصيام). اهـ

لذلك ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، فكرهوا به صوم يوم عرفة، وجعلوا صومه؛ كصوم يوم النحر.([26])

قال ابن أسد / في «معجم الشيوخ» (ص330)؛ عن صيام يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى: (قال بعض العلماء: بأن النهي عن الصوم في هذين اليومين يقتضي التحريم، وأن الصوم فيها غير مشروع، ومن صام هذه الأيام لا يصح صومه([27])، وهو قول الشافعي /). اهـ

قال العلامة الشوكاني / في «نيل الأوطار» (ج4 ص240): (قوله r (عيدنا أهل الإسلام)؛ فيه دليل على أن يوم عرفة، وبقية أيام التشريق التي بعد النحر أيام عيد). اهـ

وقال العلامة المباركفوري / في «تحفة الأحوذي» (ج3 ص481): (قوله r: (يوم عرفة)؛ أي: اليوم التاسع من ذي الحجة، (ويوم النحر)؛ أي: اليوم العاشر من ذي الحجة، (وأيام التشريق)؛ أي: اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، (عيدنا) بالرفع على الخبرية، (أهل الإسلام) بالنصب على الاختصاص (وهي)؛ أي: الأيام الخمسة، (أيام أكل وشرب) في الحديث دليل على أن يوم عرفة، وأيام التشريق أيام عيد؛ كما أن يوم النحر يوم عيد، وكل هذه الأيام الخمسة؛ أيام أكل وشرب). اهـ

وعن علي بن أبي طالب t قال: (يستحب الغسل يوم الفطر، ويوم عرفة، ويوم الأضحى، ويوم الجمعة, وليس بحتم).

أثر صحيح

أخرجه الخلعي في «الخلعيات» (ص344) من طريق شجاع بن الوليد, قال: حدثنا الرحيل بن معاوية, عن عمرو بن مرة, عن أبي الخير, عن علي t به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وأخرجه مسدد في «المسند» (ج1 ص285-المطالب العالية) من طريق يحيى عن شعبة عن عمرو بن مرة عن زاذان به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال البوصيري في «إتحاف المهرة» (ج2 ص494): رجاله ثقات.

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص94) من طريق حفص عن حجاج عن عمرو بن مرة به.

وهذا الأثر يدل على أن يوم عرفة يوم عيد، وذلك لاستحباب الغسل فيه، لأن الغسل يستحب أيام الأعياد، كما بين علي بن أبي طالب t.

قلت: فإذا أفتى الناس بصوم يوم عرفة مع وجود الأحاديث الصحيحة، وإجماع الصحابة أنه يوم عيد، وتكبير، وأكل وشرب، وذكر لله تعالى، فقد نسبنا السنة النبوية إلى التعارض بين أدلتها، وهذا محض الخطأ في الاجتهاد في الدين.

قلت: والسنة النبوية مبرأة من كل عيب، خالية من أي نقص، منزهة عن التعارض، والتناقض، والاضطراب([28])، وكيف لا تكون كذلك، وهي وحي من الله تعالى على نبيه محمد r ([29])، قال تعالى: ]وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)[ [النجم: 3 و4].

قال ابن قدامة / في «روضة الناظر» (ص208): (واعلم أن التعارض: هو التناقض، ولا يجوز ذلك في خبرين؛ لأن خبر الله تعالى، ورسوله r لا يكون كذبا([30])؛ فإن وجد ذلك في حكمين: فإما أن يكون أحدهما كذبا من الراوي، أو يكون الجمع بينهما بالتنزيل على حالين، أو في زمانين، أو يكون أحدهما منسوخا). اهـ

وقال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص535): (وليس في نص القرآن، ولا نص الحديث عن رسول الله r تعارض؛ لقول الله تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء: 82], وقال مخبرا عن نبيه r: ]وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)[ [النجم: 3 و4], فأخبر أنه لا اختلاف في شيء من القرآن, وأن كلام نبيه r وحي من عنده, فدل ذلك على أن كله متفق, وأن جميعه مضاف بعضه إلى بعض, ومبني بعضه على بعض إما بعطف, أو استثناء, أو غير ذلك). اهـ

  قلت: فالسنة وحي؛ كالقرآن، وما كان وحيا من الله تعالى، فهو منزه عن الاختلاف، والتناقض، والتعارض، والاضطراب؛ لقول الحق تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء: 82], وقال تعالى: ]قل إنما أنذركم بالوحي[ [الأنبياء: 45], وقال تعالى: ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة[ [الأحزاب:21].

فلا تعارض، ولا اختلاف بين نصوص القرآن، ونصوص السنة، وما نقل من أفعاله r، فالتعارض الحقيقي لا وجود له بين الأحاديث النبوية مطلقا، أي: سواء كانت قطعية، أم ظنية، وأنه إذا جاء حديثان يوهم ظاهرهما التنافي والتخالف؛ فإن مرد ذلك إلى قصور في فهم المجتهد، وإدراكه لا في الأحاديث ذاتها.([31])

قلت: والنبي r منزه عن التعارض، والاختلاف في أخباره.([32])

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج1 ص10 و11): (ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق؛ فيكون عالما بما يبلغ صادقا فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلا في أقواله وأفعاله، متشابه السر، والعلانية في مدخله، ومخرجه وأحواله). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص191): (فإن الإنسان قد يعرف أن الحق مع غيره، ومع هذا يجحد ذلك لحسده إياه، أو لطلب علوه عليه، أو لهوى النفس، ويحمله ذلك الهوى على أن يعتدي عليه، ويرد ما يقول بكل طريق، وهو في قلبه يعلم أن الحق معه، وعامة من كذب الرسل علموا أن الحق معهم، وأنهم صادقون لكن إما لحسدهم، وإما لإرادتهم العلو والرياسة، وإما لحبهم دينهم الذي كانوا عليه، وما يحصل لهم به من الأغراض؛ كأموال، ورياسة، وصداقة أقوام، وغير ذلك؛ فيرون في اتباع الرسل ترك الأهواء المحبوبة إليهم، أو حصول أمور مكروهة إليهم، فيكذبونهم، ويعادونهم فيكونون من أكفر الناس؛ كإبليس، وفرعون مع علمهم بأنهم على الباطل، والرسل على الحق، ولهذا لا يذكر الكفار حجة صحيحة تقدح في صدق الرسل؛ إنما يعتمدون على مخالفة أهوائهم كقولهم لنوح: ]أنؤمن لك واتبعك الأرذلون[ [الشعراء: 111] ومعلوم أن اتباع الأرذلين له لا يقدح في صدقه؛ لكن كرهوا مشاركة أولئك). اهـ

 

 

 

هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا،

وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك

على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين،

وآخر دعوانا أن الحمد الله

رب العالمين

 

 

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

المقدمة......................................................................................................

05

2)

ذم التقليد والمقلدين..............................................................................

5 و6

3)

يجب الرد على خطأ المخطئ................................................................

7

4)

تحريم اتباع زلات العلماء.....................................................................

9

5)

من نشأ على أمر، وأفنى عمره فيه قل أن يتركه.............................

9

6)

يجب احسان الظن بأهل العلم............................................................

10

7)

يجب حسان الظن بطلبة العلم..........................................................

11

8)

لابد من العلم لمعرفة الأحكام الدقيقة .............................................

12

9)

يجب اتباع الكتاب والسنة ....................................................................

13

10)

استغراب شيخنا الفقيه الإمام الشيخ ابن عثيمين / بعض الفتاوى لأهل العلم في الأحكام!..........................................................

     14

    

11)

ذكر الدليل على أن العلماء الذين يفتون الناس بصيام يوم عرفة، هـــــــــم الذين يفتون الناس أن يوم عرفة يوم عيد!، فيقولوا بالتكبير مـــــن صباح يوم عرفة، ولا تكبير إلا يوم عيد، ثم يفتوا الناس بصيام هذا العيد! ، وهذا الذي أفتوا به من التعارض قد وقعــــوا فــــــــــيـــــه بحسب اجتهادهم وادراكهم لفهم الحــــــديث، لأن لا تـــــــــعــــــارض في الأحاديث النبوية في الشريعة المطهرة......................................................................................................

17

 

 



([1]) انظر: «رسالة التقليد» لابن القيم (ص22)، و«المدخل» لابن بدران (ص388)، و«الإحكام» لابن حزم (ج2 ص836)، و«جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج2 ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج19 ص261)، و«الأجوبة المفيدة» للشيخ الفوزان (ص46).

([2]) فأوصلني هذا البحث الأثري إلى نسف هذا التقليد، وبيان أن: «صوم يوم عرفة» ليس له من الحق نصيب.

([3]) وقد صدقت مع المنهج الأثري في نبذه التقليد، واعتماده على الدليل.

([4]) لأنه ماذا أعمل، والحق أمامي أراه كالشمس، والأدلة تتوارد تترى على إحقاقه، وإزهاق الباطل الذي في حديث أبي قتادة t.

([5]) وقد تحولت هذه المسألة تحولا خطيرا عندما تبناها العلماء من المتأخرين، فتتابع المقلدة كعادتهم على ذلك حتى هذا العصر، بدون أن ينتبهوا لخطر ألفاظ حديث أبي قتادة t، اللهم غفرا.

([6]) القائمة على التأصيل العلمي، وهو القائم على منهج قويم من الاستقراء، والتتبع، والدراسة.

([7]) وإلا فماذا يرجو ذووا الهمم العلية، والعقول الذكية، والنفوس الزكية من تعلم العلوم، إذا كان دأبهم التقليد الأعمى!.

([8]) انظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص227).

([9]) أثر حسن.

     أخرجه المحاملي في «الأمالي» (ص395)، وابن أبي الدنيا في «مداراة الناس» (ص50)، والطامذي في «الفوائد» (ص44) من طريق نافع بن عامر الجمحي عن سليمان بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب t به.

     قلت: وهذا سنده حسن.

    وتابعه سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب به.

     أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج44 ص360)، والخطيب في «المتفق والمفترق» (ج1 ص305) من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب به.

     وعلقه أبو الشيخ في «التوبيخ والتنبيه» (ص189).

    وذكره ابن كثير في «تفسيره» (ج4 ص227)، وابن رجب في «النصيحة والتعيير» (ص26).

([10]) نقله عنه ابن عبد الهادي في «العقود الدرية» (ص72).

([11]) وحتى من فتن أهل التحزب بقولهم؛ أنني لم أسبق في ذلك ولم يكن لي أي سلف في تضعيف حديث أبي قتادة، إذا فأين أئمة الإسلام الذين ضعفوا الحديث، من مثل: الإمام البخاري رحمه الله، والإمام العقيلي رحمه الله، والإمام ابن عدي رحمه الله، والإمام محمد بن طاهر المقدسي رحمه الله، وغيرهم؛ ولكن تأبى مرضى القلوب إلا أن تنضح بما فيها.

([12]) وبذلك تميز الأنام عن الأنعام!.

([13]) فيشنوا الحرب بجهلهم، أو اجتهادهم على من خلاف هذا الحكم في بلدانهم، والحكم بالصواب مع من خلافهم بالدليل من الكتاب، أو السنة، أو الآثار؛ اللهم غفرا.

     قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «إلى متى الخلاف» (ص40)؛ وهو يرد على هؤلاء: (يظنون أن الإجماع فيها محقق، فإذا بحث الموضوع وجد أن لقول هذا الرجل من الأدلة ما يحمل النفوس العادلة على القول بما قال به، واتباعه!). اهـ

([14]) انظر: «إلى متى الخلاف» له (ص40).

([15]) قلت: وهذا من غرائب الفتاوي، بل من أغرب ما نقل لأهل العلم، فهم مع إفتائهم للناس بأن صوم يوم عرفة يوم عيد، ويكبر له من فجره، كتكبير يوم عيد الفطر، وعيد الأضحى، فإنه في نفس الوقت يفتون الناس بصيامه!، وهو يوم عيد، ويستدلون بحديث عقبة بن عامر t المذكور!، وهذا من التناقض، بل من التعارض، وسنة النبي r لا تعارض بينها، كما هو مقرر في أصول الفقه.

     وانظر: «أسباب الخلاف بين العلماء» لشيخنا ابن عثيمين (ص20).

([16]) فإذا كان يوم عرفة يوم عيد في الإسلام، وأهل الأمصار يكبرون فيه، فكيف تأمرون الناس بصيامه لحديث ضعيف في صومه؛ ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5]؟!.

([17]) حديث صحيح.

     أخرجه أبو داود في «سننه» (2469)، والترمذي في «سننه» (ج3 ص148)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص152).

     وإسناده صحيح.

([18]) فإذا أجمع الصحابة الكرام على أن يوم عرفة يوم عيد، ويكبر له من فجره إلى آخر أيام التشريق، فلماذا تأمرون الناس بصيامه، وتخالفون إجماع الصحابة الكرام، والذي يخالف الصحابة الكرام في فتواه، بلا شك تعتبر فتواه باطلة، وإن زعم أنه يستدل بدليل.

([19]) حديث صحيح.

     أخرجه أبو داود في «سننه» (2469)، والترمذي في «سننه» (ج3 ص148)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص152).

     وإسناده صحيح.

([20]) وهو حديث أبي قتادة t في صوم يوم عرفة.

([21]) وانظر: «المبسوط» للسرخسي (ج2 ص42)، و«تحفة الفقهاء» للسمرقندي (ج1 ص174)، و«بدائع الصنائع» للكاسائي (ج1 ص195), و«الخلافيات» للبيهقي (ج4 ص117).

([22]) وانظر: «المجموع» للنووي (ج5 ص40)، و«المغني» لابن قدامة (ج2 ص393)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج2 ص442).

([23]) وأنكر الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج21ص163) لفظ: (يوم عرفة) وفيه نظر لثبوته، فلا يلتفت إليه.

([24]) وعيد الأضحى بما فيه يوم النحر، وأيام التشريق لجميع المسلمين؛ كما هو معلوم، فهذه الأيام؛ أيام أكل وشرب.

([25]) علما بأن قول بعض العلماء بأن هذا خاص بالحجاج، فهذا لا يخصص العام في الحديث فتنبه.

([26]) وانظر: «شرح معاني الآثار» للطحاوي (ج2ص76).

([27]) وكذلك من صام يوم عرفة، فصومه لا يصح، لأنه يوم عيد، والصوم في أيام العيد غير مشروع، بل منهي عنه في الشريعة، فافطن لهذا.

([28]) قلت: ولكنه قد يأتي نادرا تعارض ظاهري أي: في الظاهر- وليس هو تعارض بين الأحاديث، ووضع العلماء لدفع ذلك التعارض الظاهري عددا من المسالك، تضبطها مجموعة من القواعد والشروط، فلابد من المرجع إليها، لإزالة الإشكال.

([29]) وانظر: «البرهان في علوم القرآن» للزركشي (ج2 ص53)، و«الإحكام» لابن حزم (ج2 ص170)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج3 ص89)، و«اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص170)، و«الفحول» للشوكاني (ص275).

([30]) قلت: وحديث: «صوم يوم عرفة» من هذا القبيل، فإنه حديث ضعيف، والحديث الضعيف كذب على النبي r، والله المستعان.

([31]) وانظر: «فتح المغيث» للسخاوي (ج3 ص76)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص285)، و«نخبة الفكر» لابن حجر (ص37)، و«الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (ج2 ص170)، و«اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص170)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص353)، و«الموافقات» للشاطبي (ج3 ص31).

([32]) وانظر: «الكفاية في أصول الرواية» للخطيب (ص606).


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan