القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / تحذير القرآن من عبادة الرهبان

2023-12-03

صورة 1
تحذير القرآن من عبادة الرهبان

 

 

 

 

 

 

 

 

تحذير القرآن

من

عبادة الرهبان

 

دراسة أثرية منهجية علمية في كشف الرهبان المتنصبة، وأتباعهم المتحزبة في الإسلام، وما ابتدعوا في الدعوة إلى الله تعالى من فساد عريض بين المسلمين، فلم يجر الله تعالى على أيديهم خيرا، ولا زالوا يفرقون كلمة المسلمين في بلدانهم، ويشككون المؤمنين في دينهم، ويسعون في الأرض مفسدين، ويأكلون أموال المسلمين بالباطل، ويستعملون هذه الأموال لنشر أفكارهم المشبوهة، ودعم أتباعهم في الخارج والداخل؛ لذلك رفضهم الرسول  rجملة من الإسلام.

 

تأليف

العلامة أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري

حفظه الله، ونفع به، وأطال عمره

    

مصايد، ومكايد

الحزبية المبتدعة للجهال من الناس

في البلدان

 

عن الإمام مقاتل بن حيان / قال: (أهل هذه الأهواء آفة أمة محمد r، إنهم يذكرون النبي r، وأهل بيته، فيتصيدون بهذا الذكر الحسن الجهال من الناس([1])، فيقذفون بهم في المهالك، فما أشبههم بمن يسقي الصبر باسم العسل، ومن يسقي السم القاتل باسم الترياق، فأبصرهم؛ فإنك إن لا تكن أصبحت في بحر الماء؛ فقد أصبحت في بحر الأهواء الذي هو أعمق غورا، وأشد اضطرابا، وأكثر صواعق، وأبعد مذهبا من البحر وما فيه، فتلك مطيتك التي تقطع بها سفر الضلال: اتباع السنة).([2])

 

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

فتوى

العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

في

التحذير من المشبوهين في الدين، وإن تظاهروا بالأعمال الخيرية

 

 

قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «إعانة المستفيد» (ج1 ص243): (التنبيه على خداع المخادعين، وأن يكون المؤمنون على حذر دائما من المشبوهين ومن تضليلهم، وأنهم قد يتظاهرون بالصلاح، ويتظاهرون بالمشاريع الخيرية ــ كبناء المساجد!ــ ولكن ما دامت سوابقهم، وما دامت تصرفاتهم تشهد بكذبهم؛ فإنه لا يقبل منهم، ولا ننخدع بالمظاهر دون النظر إلى المقاصد، وإلى ما يترتب ولو على المدى البعيد- على هذه المظاهر ... ففيه تنبيه المسلمين إلى الحذر في كل زمان ومكان من تضليل المشبوهين، وأن كل من تظاهر بالخير والصلاح والمشاريع الخيرية لا يكون صالحا ... فإننا نأخذ الحذر منه ولا ننخدع).اهـ

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

    

فتوى

العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

في

جهل المترهبنة المتثقفة في الدين، وأنه لا يتعمد عليهم في الفتاوى في العلم، لا في الأصول، ولا في الفروع

 

قال العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في «وجوب التثبت في الأخبار واحترام العلماء» (ص50): (إن وجود المثقفين، والخطباء المتحمسين لا يعوض الأمة عن علمائها... وهؤلاء قراء وليسوا فقهاء فإطلاق لفظ العلماء على هؤلاء إطلاق في غير محله، والعبرة بالحقائق لا بالألقاب فكثير ممن يجيد الكلام، ويستميل العوام وهو غير فقيه، والذي يكشف هؤلاء أنه عندما تحصل نازلة يحتاج إلى معرفة الحكم الشرعي فيها فإن الخطباء، والمتحمسين تتقاصر أفهامهم، وعند


 

 

 ذلك يأتي دور العلماء.

فلننتبه لذلك، ونعطي علماءنا حقهم، ونعرف قدرهم، وفضلهم، وننزل كلا منزلته اللائقة به). اهـ

ﭑ ﭑ ﭑ

 

    

فتاوى

العلماء في تبيين الحق، وعدم السكوت عن الباطل

 

 

قال العلامة الشيخ ابن باز / في «الفتاوى» (ج9 ص397): (فلا يجوز لأهل العلم السكوت، وترك الكلام للفاجر، والمبتدع، والجاهل؛ فإن هذا غلط عظيم).اهـ

وقال العلامة الشيخ الألباني /: (الخطأ إذا وقع علنا وجب إنكاره علنا، وإذا وقع سرا وجب إنكاره سرا).([3]) اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح إغاثة اللهفان» (بتاريخ: 3/2/1441هـ): (الداعية الذي لا يحذر من دعاة الضلال يعتبر من الكاتمين للعلم). اهـ

وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: (الباطل لا يصير حقا بعظمة قائله، وجلالته).([4]) اهـ

ﭑ ﭑ ﭑ

    

قال تعالى: ]ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب[ [آل عمران :179].

المقدمة

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

]ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران :102].

]ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].

]ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 و71].

أما بعد،

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فهذه لمحة عن الفرق الضالة في هذا الزمان الحاضر للحذر من شرها، ومن محدثاتها، كما حذر منها القرآن والسنة والسلف.

قال تعالى: ]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[ [آل عمران: 103].

وقال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم [ [آل عمران: 105].

وقال تعالى: ]إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون[ [الأنعام: 159].

وقال تعالى: ]فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون[ [المؤمنون: 53].

قلت: فما جاء التفرق في القرآن؛ إلا مذموما، ومتوعدا عليه، اللهم سلم.

قال تعالى: ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا[ [الأحزاب: 21].

وعن العرباض بن سارية t قال: (وعظنا رسول الله r موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»).([5])

قلت: وهذا الاعتصام بكتاب الله تعالى، وسنة نبيه ه، والتسليم لشرع الله تعالى هو العروة الوثقى المنجية من الهلاك.

قال تعالى: ]ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور[ [الأحزاب: 21].

قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج1 ص460): (فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتباع الدليل، والاعتصام بالله، يوجب له القوة والعدة والسلاح). اهـ

قلت: فأخبر النبي ه أنه سيكون هناك اختلاف وتفرق، وأوصى عند ذلك بلزوم سنته ه ، ولوزم أمة الإجابة.

قال أبو نعيم في «تثبيت الإمامة» (ص196): (فالجماعة التي أمر رسول الله ه وأصحابه بملازمتهم هم: الصحابة والتابعون من العلماء لا الجماعة الفسقة الجهلة الغاغة([6]) ...). اهـ

قلت: وما يخرج عن الصراط المستقيم سبل لا حصر لها، ومن مال إليها خرج عن صراط الله بمقدار ذلك الميل، وقد صور ذلك لنا رسول الله ه أحسن تصوير.

فعن عبد الله بن مسعود t قال: (خط لنا رسول الله r خطا ثم قال: هذا سبيل الله؛ ثم خط خطوطا عن يمينه، وعن شماله ثم قال هذه سبل([7]) متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ ]إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله[.([8])

قلت: فتعدد السبل الشيطانية لا عصمة منه إلا التمسك بحبل الله تعالى الذي هو كتابه ودينه، والذي بعث به نبيه المعصوم محمد r فقام به بيانا، وتفصيلا بسنته وهديه؛ فلم يقبضه ربه إليه؛ إلا وقد أبان الحق من الباطل، وترك أمته على البيضاء النقية لا يزيغ عنها إلا هالك.

قال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص80): (فهذا التفسير يدل على شمول الآية لجميع طرق البدع، لا تختص ببدعة دون أخرى). اهـ

وعن عبد الله بن عمرو t، قال: قال رسول الله r: (إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي).([9])

وعن عبد الله بن مسعود t، قال: قال رسول الله r: (لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل).([10])

قلت: وهذا نص يدل بمنطوقه على عظم وزر كل من سن ما لا يرضاه الله تعالى، أو أدخل في دين الله تعالى ما ليس منه بأي وجه من الوجوه، ولذلك فإن ابن آدم الأول يحمل وزر كل جريمة قتل تقع بين بني آدم؛ لأنه هو أول من سن جريمة القتل، والله المستعان.

وعن جرير بن عبدالله t قال: قال رسول الله r: (ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده).([11])

قلت: وهذه النصوص تدل بمنطوقها على عظم وزر كل من سن ما لا يرضاه الله تعالى، أو أدخل في دين الله ما ليس منه بأي وجه من الوجوه... وكل مبتدع، أو جاهل، أو مميع، أو حزبي قد سن ملا يرضاه الله تعالى، ورسوله r، واتبعه الناس في ذلك، فإنه يتحمل وزر ذلك كله في يوم يتبرأ المتبوع من التابع، ويدعو عليه بالويل والثبور.

   قال تعالى: ‏]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب «166» وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم‏[‏ ‏[‏البقرة‏:‏166‏-167]‏.

   وقال تعالى: ‏]وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين‏[‏‏ [فصلت‏:‏25‏]‏.

وعن الإمام إبراهيم النخعي / قال، في قوله تعالى: ]وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة[ [المائدة:64]، (هم أصحاب الأهواء)، وفي رواية: (الجدال والخصومات في الدين).

أثر صحيح

أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (820)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» تعليقا (ج2 ص845)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1772)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج4 ص222)، وسعيد بن منصور في «السنن» (722)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج6 ص102)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (558)، وفي «الإبانة الصغرى» (ص141)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص267) من طريقين عن العوام بن حوشب عن إبراهيم النخعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام أبي العالية / قال: (إياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء).

أثر صحيح.

أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص367)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص17)، وابن وضاح في «البدع» (ص75)، والمروزي في «السنة» (ص8)، والآجري في «الشريعة» (ص13)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (136)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص56)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص218)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج18 ص171)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص18) من طريقين عن عاصم الأحول، قال: قال أبو العالية فذكره.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام عمران القصير / قال: (إياكم والمنازعة والخصومة، وإياكم وهؤلاء الذين يقولون: أرأيت أرأيت).

أثر صحيح.

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (637)، والآجري في «الشريعة» (119)، من طريق محمد بن المثنى قال: حدثنا حماد بن مسعدة عن عمران القصير به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فالدين واحد، وهو ما جاء به رسول الله ه، لا يقبل الانقسام إلى جماعات حزبية، وإلى مذاهب مختلفة عصبية([12])، فديانات الجماعات الحزبية الموجودة الآن لا يقبل الله هذه الديانات منهم فانتبه.

قال تعالى: ]أفغير دين الله يبغون[ [آل عمران: 83].

وقال تعالى: ]ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[ [آل عمران: 85].

وقال تعالى: ]إن الدين عند الله الإسلام[ [آل عمران: 19].

إذا: فإن مجرد الانتساب إلى الإسلام دون العمل به، فهذا لا يكفي فيه، بل من أدخل فيه ما ليس منه من المخالفات الشرعية الكثيرة، أو القليلة، فإنه ابتغى غير الإسلام دينا، فلن يقبل منه ذلك، سواء كان من المسلمين، أو من المبتدعين، فانتبه.([13])

قال تعالى: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة: 3].

وقال تعالى: ]ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى[ [لقمان: 22].

وقال تعالى: ]ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن[ [النساء: 125].

وقال تعالى: ]أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض[ [آل عمران: 83].

قلت: والإسلام؛ الانقياد والخضوع، والاستسلام بالتوحيد والطاعة لله تعالى، ولرسوله ه، فمن اتبعه كان مرضيا عند الله تعالى، ومن خالفه كان باغيا لغير دين الله تعالى.([14])

قال المراغي المفسر / في «تفسيره» (ج2 ص204): (قوله تعالى: ]ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه[؛ لأن الدين إذا لم يصل بصاحبه إلى هذا الخضوع والانقياد لله تعالى كان رسوما، وتقاليد لا تجدي شيئا، بل تزيد النفوس فسادا، والقلوب ظلاما، ويكون حينئذ مصدر الشحناء، والعداوة بين الناس في الدنيا، ومصدر الخسران في الآخرة بالحرمان من النعيم المقيم، والعذاب الأليم، وقوله تعالى: ]وهو في الآخرة من الخاسرين[؛ لأنه أضاع ما جبلت عليه الفطر السليمة من توحيد الله تعالى، والانقياد له، كما جاء في الحديث: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه»([15])، وخسر نفسه إذ لم يزكها بالإسلام لله، وإخلاص السريرة له؛ كما قال تعالى: ]قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين[). اهـ

وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسيره» (ج1 ص373): (قوله تعالى: ]ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه[؛ أي: من سلك طريقا سوى ما شرعه الله تعالى، فلن يقبل منه([16]): ]وهو في الآخرة من الخاسرين[؛ كما قال النبي ه في الحديث الصحيح: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»)([17]). اهـ

وعن أبي هريرة t، قال: قيل للنبي ه: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: (أنا ومن معي) قال: فقيل له: ثم من يا رسول الله؟ قال: (الذين على الأثر) قيل له: ثم من يا رسول الله؟ قال: (فرفضهم).([18])

حديث حسن

أخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص155) من طريق صفوان، أخبرنا محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة t به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص243)، والآجري في «الشريعة» (1147) من طريق ليث يعني: ابن سعد-، عن محمد، عن أبيه العجلان، عن أبي هريرة t، أنه قال: سئل رسول الله ه أي الناس خير؟ فقال: (أنا، والذين معي، ثم الذين على الأثر، ثم الذين على الأثر)، ثم كأنه رفض من بقي.

وإسناده حسن.

وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص78)، وفي «الإمامة» (ص241)، والخلال في «السنة» (ص436) من طريق أبي عاصم عن محمد بن عجلان به.

وإسناده حسن.

وأخرجه الكلاباذي في «معاني الأخبار» (ص372) من طريق أبي حمزة عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة t به.

وإسناده حسن.

قال الكلاباذي / في «معاني الأخبار» (ص372): (ورد الخبر بقوله: من خير الناس؟ فقال: (أنا ومن معي) فوجب الحكم به ... فيستوي آخر هذه الأمة بأولها في الخيرية، وذلك أن القرن الذي بعث فيهم رسول الله ه، إنما كانوا أخيارا؛ لأنهم آمنوا بالنبي ه، حين كفر به الناس، وصدقوه حين كذبه الناس، ونصروه حين خذله الناس، وهاجروا وآووا ونصروا، وكل هذه الأفعال وجدت في آخر هذه الأمة([19])...). اهـ

وسئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز /: هل الملل والنحل والطرق الموجودة الآن هي التي ينطبق عليها قول الرسول ه: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، والقول الآخر: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)؟ أفيدونا بالصواب جزاكم الله خيرا؟.

فأجاب فضيلته: (كل طريقة، وكل نحلة يحدثها الناس تخالف شرع الله، فهي داخلة في قول رسول الله ه: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وداخلة في الحديث الصحيح: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة؛ قيل: ومن هي يا رسول الله؟ قال: الجماعة»).

وفي رواية أخرى: (ما أنا عليه وأصحابي)؛ فكل طريقة، أو عمل، أو عبادة يحدثها الناس يتقربون بها إلى الله، ويرونها عبادة، ويبتغون بها الثواب، وهي تخالف شرع الله؛ فإنها تكون بدعة، وتكون داخلة في هذا الذم والعيب الذي بينه رسول الله ه.

فالواجب على جميع أهل الإسلام أن يزنوا أقوالهم وأعمالهم وعباداتهم بما قاله الله تعالى، ورسوله ه، وما شرعه الله تعالى، وما ثبت عن الرسول ه، بما وافق الشرع وما جاء في كتابه، وما ثبت عن رسوله ه ويعرضوها عليها؛ فهذا هو الحق المقبول، وما خالف كتاب الله، أو خالف السنة من عباداتهم وطرقهم فهو المردود، وهو الداخل في قول الرسول ه: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» ([20]). اهـ

قلت: وهكذا دعاة الضلال في كل زمان، لابد أن يحدثوا الضلالات للناس، وينحاز إليهم العامة الجهلة، وهذه حكمة من الله تعالى في هذا الصنف من الناس.

قال تعالى: ]قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث[ [المائدة: 100].

* وقد وصف النبي ه الوصف الدقيق للرهبان المتحزبة، ومن رهبانيتهم في الإسلام في آخر الزمان للحذر منها، واجتنابها وعدم الدخول فيها.

فعن حذيفة بن اليمان ا قال: «كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني؛ فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟؛ قال: نعم قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة([21]) إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟، فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟، قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم؟؛ قلت: فإن لم يكن لهم جماعة، ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت، وأنت على  ذلك».

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص615)، ومسلم في « صحيحه » (ج12 ص235-النووي)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1317)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص432)، والبغوي في «شرح السنة» (ج5 ص14)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص444)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص403)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص342)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج15 ص9 و17)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج8 ص190)، وفي «دلائل النبوة» (ج6 ص490)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص272)، وابن وضاح في «البدع» (ص77) من طرق عن حذيفة بن اليمان ا به.

وفي رواية لأبي داود في «سننه» (ج4 ص444): «تكون هدنة على دخن، ثم تكون دعاة الضلالة».

وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (ج13 ص299)؛ بإسناد صحيح؛ بلفظ: «قلت: يا رسول الله هل بعد هذا الخير شر؟ قال فتنة عمياء صماء عليها دعاة([22]) على أبواب النار، فإن مت يا حذيفة، وأنت عاض على جذر خشبة يابسة خير لك من أن تتبع أحدا منهم».

وفي رواية لابن حبان في «صحيحه» (5963)؛ بإسناد صحيح: «هدنة على دخن لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه...يا حذيفة، تعلم كتاب الله، واتبع ما فيه ثلاث مرات يكررها».

قال الحافظ البغوي / في «شرح السنة» (ج15 ص15): (قوله ه: «وفيه دخن»؛ أي: لا يكون الخير محضا، بل فيه كدر، وظلمة، وأصل الدخن أن يكون في

 لون الدابة كدورة إلى السواد). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج13 ص36): («الدخن»: هو الحقد، وقيل: الدغل وقيل: فساد القلب، ومعنى الثلاثة متقارب. يشير إلى أن الخير الذي يجيء بعد الشر لا يكون خيرا خالصا بل فيه كدر). اهـ

وقال الإمام أبو عبيد / في «غريب الحديث» (ج2 ص262)؛ في تفسيره للحديث: (لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه، والهدنة: السكون بعد الهيج، وأصل الدخن أن يكون في لون الدابة، أو الثوب، أو غير ذلك كدورة إلى سواد فوجهه أنه يقول: تكون القلوب هكذا لا يصفو بعضها لبعض، ولا ينصع حبها؛ كما كانت، وإن لم تكن فيهم فتنة). اهـ

قلت: وهذا بيان من النبي ه بأن الدعاة إلى الفتن عند وقوعها؛ إنما هم الدعاة إلى النار، نعوذ بالله منها.([23])

قلت: فالشر الفتنة، ووهن عرى الإسلام في الناس، واستيلاء الضلال فيهم، وفشو البدعة بينهم.([24])

قال العلامة علي القاري / في «مرقاة المفاتيح» (ج9 ص257): (قوله ه:
«نعم وفيه دخن»؛ بفتحتين أي: كدورة إلى سواد، والمراد أن لا يكون خيرا صفوا بحتا، بل يكون مشوبا بكدورة، وظلمة). اهـ

وقال الفقيه الطيبي / في «الكاشف» (ج10 ص52): (قوله ه: «نعم، وفيه دخن»؛ أي: يكون بعد ذلك الشر خير، والحال أن في ذلك الخير شرا، والمعنى: أن ذلك لا يصفو بل يشوبه كدورة، ومنه قولهم: هدنة على دخن؛ أي: سكون لعلة لا للصلح، وأصل: الدخن أن يكون في لون الدابة كدورة إلى السواد). اهـ

قلت: فتعرف منهم، وتنكر؛ أي: ترى فيهم ما تعرفه أنه من الدين، ومن الخير، وهو ليس من الدين، ولا من الخير، لأنهم يستنون بغير سنة الرسول ه، فتعرف فيهم الخير فتقبل، وترى فيهم الشر فتنكر، فتعرف وتنكر، والله المستعان.

قال الفقيه الطيبي/ في «الكاشف» (ج10 ص53): (قوله ه: «دعاة على أبواب جهنم» أي: جماعة يدعون الناس إلى الضلالة، ويصدونهم عن الهدى؛ بأنواع من التلبيس لإدخالهم إياهم في جهنم، دخولهم فيها.

وجعل كل نوع من أنواع التلبيس بمنزلة باب من أبواب جهنم. «من جلدتنا» أي: من أنفسنا وعشيرتنا. قيل: معناه من أهل ملتنا. ويتكلمون بما قال الله تعالى، وقال رسول الله ه، أي: بالمواعظ، والحكم، وما في قلوبهم شيء من الخير يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم!). اهـ

قال العلامة علي القاري / في «مرقاة المفاتيح» (ج9 ص259): (قوله ه:

 «ولا يستنون بسنتي»؛ أي: من حيث العمل، والمعنى: أنهم لا يأخذون بالكتاب والسنة. و قوله ه: «وسيقوم فيهم رجال، قلوبهم قلوب الشياطين»؛ أي: كقلوبهم في الظلمة، والقساوة، والوسوسة، والتلبيس، والآراء الكاسدة، والأهواء الفاسدة. «في جثمان إنس» بضم الجيم؛ أي: في جسده، والمراد به جنس الإنس؛ فيطابق الجمع السابق). اهـ

وقال العلامة علي القاري : في «مرقاة المفاتيح» (ج9 ص273): (وأصل الدخن هو الكدورة، واللون الذي يضرب إلى السواد فيكون فيه إشعار إلى أنه صلاح مشوب بالفساد). اهـ

تتمخض هذه الشروحات عن أمور:

1) أن هذه مرحلة ليست خيرا خالصا، وإنما مشوبة بكدر يعكر صفو الخير، ويجعل مذاقه ملحا أجاجا!.

2) أن هذا الكدر يفسد القلوب، ويجعلها ضعيفة؛ حيث يدب إليها داء الأمم؛ وتتخطفها الشبهات!.

3) أن الفتنة التي تقع عمياء صماء([25])؛ والمراد بكونها عمياء صماء أن تكون بحيث لا يرى منها المخرج، ويقع الناس على غرة من غير بصيرة، فيعمون فيها، ويصمون عن تأمل الحق، واستماع النصح!.

4) أن اجتماع الناس من الحزبية على الفتنة يكون بسبب فساد ما في قلوبهم، وهي مشوبة بشيء من البدع، وارتكاب المناهي، بل يفعلون هدنة فيما بينهم مع خداع، وخيانة، ونفاق!: بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون [الحشر:14]. فلو كانوا يعقلون لعملوا على اجتثاث الخلاف من أصوله، فتوحدوا على الكتاب والسنة والآثار، ولم يصروا على الاختلاف، والتفرق فيما بينهم، والله المستعان.

5) أن الهدنة([26]) تكون على دخن فيها لما بين دعاة الضلالة من الفساد الباطن تحت الصلاح الظاهر!، فهي فتنة عمياء صماء؛ عليها دعاة على أبواب جهنم، والعياذ بالله.

6) أن أصل الدخن هو: الكدورة، واللون الذي يضرب إلى السواد، فيكون فيه إشعار إلى أنه صلاح منسوب بالفساد ذلك فيما يكون بين الجماعات الحزبية، والفرق الضالة([27])!، من «القديمة»، و«الجديدة».

7) أن ظهور دعاة الضلال يقترن بذلك ظهور البدع، والمعاصي فيمن يتبعهم، والمراد ظهور جماعة يدعون الناس إلى البدع، والمعاصي، والضلال، نعوذ بالله من الخذلان!.

8) أن قلوب المبتدعة في حين الهدنة مع بعضهم بعضا؛ لا تكون صافية عن الحقد، والبغض فيما بينهم، كما كانت صافية قبل ظهورهم البدع فيهم، نعم يقع شر هو فتنة عظيمة، وبلية جسيمة، يعمى فيها الناس عن أن يروا الحق، ويصم أهلها عن أن يسمعوا فيها كلمة الحق، والنصيحة!.

9) أن يكون وصف الفتنة للناس لما فيها من الظلام، وعدم ظهور الحق فيها، وشدة أمرها، وصلابة أهلها في العصبية للباطل، وعدم التفات بعضهم إلى بعض في المشاهدة والمكانة!.

10) أن المبتدعة على ضلالة وهم: السبب فيها، بل هم كائنون على شفا جرف من النار يدعون الناس إليها حتى يتفقوا على الدخول فيها!، والعياذ بالله.

11)  أن النبي ه جعل دعوة الدعاة([28])، وإجابة المدعوين سببا لإدخالهم
 إياهم في جهنم، ودخولهم فيها!، والعياذ بالله.
([29])

وكان أيوب السختياني / يسمي «أصحاب الأهواء» كلهم خوارج ويقول: «اختلفوا في الاسم، واجتمعوا على السيف».

أثر صحيح

أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (290)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات»

 (1236)، والفريابي في «القدر» (ص215)، والهروي في «ذم الكلام» (977) بإسناد صحيح.

قال الإمام ابن حزم / في «الفصل» (ج4 ص227): (واعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله على أيديهم خيرا، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية، ولا رفع للإسلام راية، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرقون كلمة المؤمنين، ويسلون السيف على أهل الدين، ويسعون في الأرض مفسدين). اهـ

قلت: ولا يزال هؤلاء سبب ريبة وشك في الدين؛ لكثير من الناس، لأنهم يظهرون شيئا، ويبطنون شيئا آخر، اللهم سلم سلم.

قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «إعانة المستفيد» (ج1 ص243): (التنبيه على خداع المخادعين، وأن يكون المؤمنون على حذر دائما من المشبوهين ومن تضليلهم، وأنهم قد يتظاهرون بالصلاح، ويتظاهرون بالمشاريع الخيرية ــ كبناء المساجد!ــ ولكن ما دامت سوابقهم، وما دامت تصرفاتهم تشهد بكذبهم؛ فإنه لا يقبل منهم، ولا ننخدع بالمظاهر دون النظر إلى المقاصد، وإلى ما يترتب ولو على المدى البعيد- على هذه المظاهر ... ففيه تنبيه المسلمين إلى الحذر في كل زمان ومكان من تضليل المشبوهين، وأن كل من تظاهر بالخير والصلاح والمشاريع الخيرية لا يكون صالحا ... فإننا نأخذ الحذر منه ولا ننخدع).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص132)؛ عن المبتدعة: (ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظم كتبهم، أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم، بأن هذا الكلام لا يدري ما هو؟ أو من قال: إنه صنف هذا الكتاب؟... وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق؛ بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ، والعلماء، والملوك، والأمراء، وهم يسعون في الأرض فسادا، ويصدون عن سبيل الله). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في «وجوب التثبت في الأخبار واحترام العلماء» (ص50): (إن وجود المثقفين، والخطباء المتحمسين لا يعوض الأمة عن علمائها... وهؤلاء قراء وليسوا فقهاء فإطلاق لفظ العلماء على هؤلاء إطلاق في غير محله، والعبرة بالحقائق لا بالألقاب فكثير ممن يجيد الكلام، ويستميل العوام وهو غير فقيه، والذي يكشف هؤلاء أنه عندما تحصل نازلة يحتاج إلى معرفة الحكم الشرعي فيها فإن الخطباء، والمتحمسين تتقاصر أفهامهم، وعند


 

 

 ذلك يأتي دور العلماء.

فلننتبه لذلك، ونعطي علماءنا حقهم، ونعرف قدرهم، وفضلهم، وننزل كلا منزلته اللائقة به). اهـ

وعن العرباض بن سارية t قال: قال رسول الله ه: (قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك).

حديث حسن

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (43)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص126)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص96)، وفي «المدخل إلى الصحيح» (ج1 ص55)، والآجري في «الشريعة» (ص47)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج18 ص247)، وفي «مسند الشاميين» (2017)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص27)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ص482)، والمخلص في «سبعة مجالس من أماليه» (ج4 ص164)، والزنجاني في «المنتقى من فوائده» (ص50).

وإسناده حسن.

قلت: فالله بعث محمدا ه بالهدى، ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الظالمون، بعثه بالحنيفية السمحة، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ من ظلمة الشرك، والبدعة، والمعصية إلى نور التوحيد، والسنة، والطاعة، دعا الناس إلى المحجة البيضاء، وإلى السنة الغراء حتى تركهم وما من خير؛ إلا دلهم عليه، وما من شر؛ إلا حذرهم منه.

ولذا تلقاها أهل السنة والجماعة بالقبول والتسليم، فآمنوا بالله على ما يليق بهذا الدين، فكان هذا مما أغاظ أعداء الله في الخارج والداخل، فصاروا يفكرون في الطريقة التي يطعنون بها في بلدان المسلمين، التي هي فيها سبب اجتماعهم وعزتهم، فرأوا أن الكيد للإسلام على الحيلة أنجع، فأظهروا حبهم للإسلام والمسلمين في بلدانهم، لا رغبة في حبهم، بل للكيد للمسلمين والإسلام باسم الإسلام، وسلكوا لذلك طرقا شتى، ومن ذلك طعنهم في نصوص الأصول والفروع، بل زعموا كذبا وزورا أن العمل بها في هذا العصر لا يصلح، فيعملون منها ما يشاءون، ويتركون ما يشاءون؛ لذلك لجئوا إلى تحريف النصوص وتأويلها عن معناها الحقيقي بحجة: «الرؤية العصرية»؛ فسرت هذه الآفة في جميع الفرق الضالة  ]فأولئك هم الظالمون [ [البقرة: 229].([30])

قلت: ولا يضل إلا من ارتكب سبب الضلالة فالله يضله([31]): ]بل الظالمون في

 ضلال مبين[ [لقمان: 11].

قال تعالى: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [ [النحل:43].

وقال تعالى: ]يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم [ [الفتح: 11].

وقال الإمام البربهاري / في «السنة» (ص382): (وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار، أو يرد الآثار، أو يريد غير الآثار؛ فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع!). اهـ

وقال تعالى؛ عن أمثال الحزبية: ]وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون (48) وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين (49) [ [النور: 48 و49].

هذا وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من أهل السنة والجماعة؛ بمنه وكرمه، وأن يرينا الحق حقا، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا، ويرزقنا اجتنابه، إنه سميع مجيب.

وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.

                                                                                           كتبه

أبو عبد الرحمن الأثري

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

التمهيد

ذكر الدليل على أن الرهبانية البدعية، لم تفرض على أمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمر بها؛ بل مرفوضة في الدين، ويحرم التعبد بالترهب في العبادة، فلا رهبانية في الإسلام

 

1) قال تعالى: ]ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها[ [الحديد: 27].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج1 ص78): (وقال سبحانه، عن الضالين: ]ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله[ [الحديد: 27]؛ وقد ابتلي طوائف([32]): من المسلمين من: «الرهبانية» المبتدعة بما الله به عليم). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج7 ص156): (الرهبانية: قال تعالى: ]ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله[ [الحديد: 27]، وقد ابتلي طوائف من المسلمين من: الرهبانية المبتدعة بما الله به عليم). اهـ

قلت: وإذا رأيت: «المتنصبة»، و«أتباعهم» في عباداتهم لله تعالى، تبين باليقين: أن هؤلاء القوم من: «الرهبان العباد»، وأنهم أسسوا لهم: «رهبانية» في الإسلام؛ ابتدعوها من قبل أنفسهم، لم يفرضها الله عليهم.([33])

قال تعالى: ]ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها[ [الحديد: 27].

والرهبانية: الترهب: التعبد.

و«ترهب»: الراهب: انقطع للعبادة.

و«الراهب»: المتعبد.

والرهبان: جمع راهب.([34])

قال الفيومي اللغوي / في «المصباح المنير» (ص126): (والرهبانية: من ذلك؛ قال تعالى: ]ورهبانية ابتدعوها[ [الحديد: 27] مدحهم عليها ابتداء؛ ثم ذمهم على ترك شرطها؛ بقوله: ]فما رعوها حق رعايتها[ [الحديد: 27]). اهـ

قلت: ففي هذه الآية يبين الله تعالى أن الذي يلزم نفسه بالتمسك بالدين فعلا، فيجب عليه أن يلتزم به جملة وتفصيلا، وإلا وقع في: «الرهبانية» المذمومة([35])، ولابد.

قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج6 ص567): (قوله تعالى: ]إلا ابتغاء رضوان الله[ [الحديد: 27]؛ فيه قولان:

أحدهما: أنهم قصدوا بذلك رضوان الله، والآخر: ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله.

وقوله تعالى: ]فما رعوها حق رعايتها[ [الحديد: 27]؛ أي: فما قاموا بما التزموه حق القيام.

* وهذا ذم لهم من وجهين:

أحدهما: في الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله تعالى.

والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل). اهـ

قال الإمام ابن العربي المالكي / في «أحكام القرآن» (ج4 ص1745): (قوله تعالى: ]ما كتبناها عليهم[ [الحديد: 27]؛ من وصف: «الرهبانية»).اهـ

قلت: فإن ناسا من بني إسرائيل ابتدعوا بدعا لم يكتبها الله عليهم، ابتغوا بها رضوان الله فما رعوها حق رعايتها، فعاتبهم الله تعالى، وعاقبهم.([36])

قال القرطبي المفسر / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج17 ص263): (قوله تعالى: ]فما رعوها حق رعايتها[؛ أي: فما قاموا بها حق القيام.

وهذا خصوص؛ لأن الذين لم يرعوها بعض القوم، وإنما تسببوا بالترهب إلى طلب الرياسة على الناس وأكل أموالهم، كما قال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا إن كثيرا من: «الأحبار والرهبان» ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[ [التوبة: 34]، وهذا في قوم أداهم: «الترهب» إلى طلب الرياسة في آخر الأمر).اهـ

* لذلك صارت: «الرهبانية» اسما الآن: لمن تعدى حدود الله تعالى في الدين، وأفرط فيه بالمخالفات في الأصول والفروع، والمنهج، والدعوة إلى الله.([37])

فـ: «المتنصبة»، وأتباعهم: ابتدعوا الآن: «رهبانية» في الإسلام، قد ابتدعوها بسبب خبث أنفسهم، وجهلهم في الدين.

قال تعالى: ]ما كتبناها عليهم[ [الحديد: 27]؛ معناها: لم تكتب عليهم البتة.

قال الحافظ ابن الجوزي / في «زاد المسير» (ج8 ص176): (قوله تعالى: ]ورهبانية ابتدعوها[ [الحديد: 27]؛ ليس هذا معطوفا على ما قبله، وإنما انتصب بفعل مضمر، يدل عليه ما بعده، تقديره: وابتدعوا: «رهبانية» ابتدعوها، أي: جاءووا بها من قبل أنفسهم، وهي غلوهم في العبادة، وحمل المشاق على أنفسهم).اهـ

وقال العلامة الشوكاني / في «فتح القدير» (ج4 ص240): (وذلك لأنهم غلوا في العبادة، وحملوا على أنفسهم المشقات). اهـ

قلت: فإنهم ما رعوها؛ لتبديل دينهم، وتغييرهم له، فاتبعوا: «الرهبانية البدعية» في حياتهم، فضلوا وأضلوا.([38])

قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج2 ص391): (قوله تعالى: ]ورهبانية ابتدعوها[ [الحديد: 27]؛ أي: لم نشرعها لهم، بل هم ابتدعوها من عند أنفسهم، ولم نكتبها عليهم). اهـ

وقال العلامة القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج16 ص60)؛ عن أفعال رهبان النصارى المشينة: (فيتنعمون وحدهم في أديرتهم([39])، ويسلبون أموال الشعب «بالحيل»، و«المخادعات»([40]) وهم: كسالى بطالون، يعيشون من أتعاب([41]) غيرهم!).اهـ

* وما أشبه الليلة بالبارحة!.

قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[ [التوبة: 34].

وقال تعالى: ]ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد[ [إبراهيم: 3].

وقال تعالى: ]لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا[ [آل عمران: 99].

قلت: فعلماء السوء، وعباد الضلال، يأكلون أموال الناس بالباطل عن طريق مناصبهم، ورياستهم، وتبرعاتهم في البلدان الإسلامية، ويصرفون الناس عن أتباع القرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار الصحابية، والأقوال السلفية.([42])

2) وعن عروة، وعمرة، عن عائشة قالت: دخلت امرأة عثمان بن مظعون، اسمها خولة بنت حكيم على عائشة، وهي باذة الهيئة([43])، فسألتها: ما شأنك؟ فقالت: زوجي يقوم الليل، ويصوم النهار، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له عائشة، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا عثمان، إن الرهبانية لم تكتب علينا، أما لك في أسوة حسنة؟([44]) فوالله إن أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأنا).

حديث صحيح

أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (10375)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص226)، والطبراني في «المعجم الكبير» (8319)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج6 ص257)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص358)، والواحدي في «الوسيط» (ج4 ص255)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج3 ص363)، وأبو القاسم البغوي في «معجم الصحابة» (ج4 ص65)، وابن حبان في «صحيحه» (9)، والبزار في «المسند» (1458-كشف الأستار) من طريق معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن به.

قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين.

وقال الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج7 ص79): (وهذا سند صحيح على شرطهما). اهـ

وقال الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج4 ص287): (وإسناده صحيح؛ رجاله رجال الشيخين، وهو وإن كان ظاهره الإرسال، فإن الغالب أن عروة تلقاه من خالته عائشة t).([45]) اهـ

وانظر: «صحيح الجامع» للشيخ الألباني (7946).

والحديث صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (ج5 ص112 و113).

وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج4 ص301): (وأسانيد أحمد رجالها ثقات؛ إلا أن طريق «إن أخشاكم» أسندها أحمد، ووصلها البزار: برجال ثقات). اهـ

وذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج17 ص205).

وأخرجه أبو داود في «سننه» (1369)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص268)، والبزار في «المسند» (ج18 ص107)، وابن أبي الدنيا في «العيال» (493) من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، وفيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عثمان، أرغبة عن سنتي؟ قال: فقال: لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب، قال: فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقا).

قلت: وهذا سنده حسن.

وقال الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (ج5 ص112): (وهذا إسناده حسن، صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث).

وأورده الهيثمي في «كشف الأستار» (ج2 ص173)، وأشار إليه في «مجمع الزوائد» (ج4 ص301).

وذكره المزي في «تحفة الأشراف» (ج11 ص580)، وابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج17 ص384)، وفي «أطراف المسند» (ج9 ص172).

والحديث حسنه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج7 ص79).

وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (316)، وأبو يعلى في «المسند» (7242) من طريق محمد بن الخطاب البلدي، حدثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى t؛ وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عثمان، أما لك في أسوة).

وإسناده حسن في المتابعات.

وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج4 ص302)؛ ثم قال: (رواه أبو يعلى، والطبراني بأسانيد، وبعض أسانيد الطبراني رجاله ثقات). اهـ

وأخرجه أبو القاسم البغوي في «معجم الصحابة» (ج4 ص65)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج3 ص395) من طريق حماد بن زيد قال: أخبرنا معاوية بن عياش الجرمي، عن أبي قلابة أن عثمان بن مظعون؛ فذكره، وفيه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عثمان إن الله لم يبعثني بالرهبانية، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة).

وهذا مرسل، بإسناد لا بأس به في المتابعات.

وقال الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج4 ص286): (وهذا إسناد مرسل لا بأس به في الشواهد). اهـ

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج5 ص431).

3) وعن سعد بن أبي وقاص t، قال: لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي كان من ترك النساء، بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا عثمان، إني لم أومر بالرهبانية، أرغبت عن سنتي؟).

حديث حسن

أخرجه الدارمي في «المسند» (2215) من طريق ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص t به.

قلت: وهذا سنده حسن، وحسنه الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (ج5 ص113)، وفي «الصحيحة» (ج1 ص750).

وقال الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج4 ص287): (وسنده حسن).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج1 ص160): (كان النبي r يكره مشابهة أهل الكتابين في هذه الآصار والأغلال، وزجر أصحابه عن «التبتل» ([46])، وقال: «لا رهبانية في الإسلام»([47])).اهـ

قلت: فلا يجوز أن تعبد الله تعالى، بالترهب البدعي.([48])

قال الحافظ البغوي / في «شرح السنة» (ج2 ص371): (ويروى «لا رهبانية في الإسلام»، وذلك مثل الاختصاء، واعتناق السلاسل، وما أشبه ذلك، مما كانت: «الرهبانية تتكلفه وتبتدعه»، وضعت عن هذه الأمة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج1 ص152): (فعلم أن مشابهتها([49]): لليهود، والنصارى، وفارس والروم، مما ذمه الله تعالى، ورسوله r، وهو المطلوب). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج1 ص475): (والنصارى تجيز لأحبارهم، ورهبانهم: شرع الشرائع ونسخها، فلذلك لا ينضبط للنصارى شريعة تحكى مستمرة على الأزمان).([50]) اهـ

وقال الفقيه ابن العربي المالكي / في «أحكام القرآن» (ج2 ص368): (كانت شريعة من قبلنا: «بالرهبانية» وشريعتنا: «بالسمحة الحنيفية»). اهـ

وقال تعالى: ]قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل[ [المائدة: 77].

وقال الفقيه ابن العربي المالكي / في «أحكام القرآن» (ج2 ص636): (نهى الله سبحانه أهل الكتاب عن الغلو في الدين من طريقيه: في التوحيد، وفي العمل؛ فغلوهم في التوحيد: نسبتهم له الولد سبحانه، وغلوهم في العمل ما ابتدعوه من: «الرهبانية» في التحليل والتحريم، والعبادة والتكليف). اهـ

قلت: فلم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم بالرهبانية، إنما بعث بالحنفية السمحة.([51])

وبوب الحافظ عبد الحق الإشبيلي / في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج3 ص262)؛ باب: ما جاء في الرهبانية، والتشديد على النفس، وفترة المجتهد، وما يحذر منه.

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

    

قال تعالى: ]بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون[ [الأنبياء: 18].

ذكر الدليل على أن المتنصبة المقلدة يعتبرون من الرهبان الذين يعبدون الله تعالى في دينه بالتقليد المذموم، والجهل المركب؛ لأنهم ينتسبون إلى العلم، مع حرصهم على نيل المناصب الدينية والدنيوية لكسبهم الأموال؛ بجميع أنواعها؛ بل إن هؤلاء يعبدون الله تعالى على حرف في الدين فهم: ليسوا بقدوة في الدعوة إلى الله، والعلم، وأن هذه: «الرهبنة» ضلوا بسببها، ثم أكلوا عن طريقها أموال المسلمين بالباطل، ثم بسبب هذه المناصب، والأموال يصدون الناس عن سبيل الله تعالى في الأصول والفروع في الدين([52])

 

اعلم رحمك الله: أن معرفة فرق الرهبان، ومذاهبها، وشبهاتها، وشهوتها؛ فيه خير كثير للمسلمين العقلاء؛ لأن هؤلاء الرهبان: عندهم شبهات، وضلالات، وشهوات.

فقد يغتر المسلم الجاهل بهم، وينخدع فيهم، فينتمي إليهم، وهو لا يشعر بهم، لما لهم من دعوة باطلة، وأفكار خبيثة، فالخطر شديد من الرهبان في الإسلام، فانتبه.

وقد وعظ الله تعالى الناس كافة، وحذرهم من الرهبان، ومن عباداتهم الباطلة، ومن دعواتهم الفاسدة، ومن شرهم، وبين تعالى أنهم يأكلون أموال الناس بالباطل: ]ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد[ [إبراهيم: 3].

وإليك الدليل:

1) قال تعالى: ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا (103) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف: 103، 104].

2) وقال تعالى: ]قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون[ [يوسف: 77].

قلت: فأنتم، وأمثالكم من دعاة الباطل أسوأ صنعا فيما صنعتم في الشباب الجهلة الذين أحسنوا فيكم الظن، فجاءوا في جهتكم؛ فأوقعتموهم في شر الباطل، وإلى الآن في ضلالهم، وشرهم القديم([53])، نعوذ بالله من الخذلان.

قال تعالى: ]وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون[ [الزخرف: 37].

وقال تعالى: ]ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون (18) إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين[ [الجاثية: 18، 19].

3) وقال تعالى: ]إنك لفي ضلالك القديم[ [يوسف: 95].

قلت: فيجوز أن يقال للمرء الضال فعلا؛ بمثل هذا الكلام، ويحتج عليه بهذه الآية؛ لأن القرآن حجة على الجميع، فافهم لهذا ترشد.

4) وقال تعالى: ]ومن الناس من يعبد الله على حرف[ [الحج: 11].

يعني: على جهل، وشك، وضلال في الدين؛ فيعبده بلسانه دون قلبه.([54])

قلت: ومن عادة هذا الصنف لا يثبت، ولا يصيب الحق عند المحن، والفتن، وهذا الضلال في: «المتنصبة المقلدة»، وأشكالهم في هذا الزمان: ]ذلك هو الضلال البعيد[ [الحج: 12].

قال تعالى: ]أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا[ [الفرقان: 44].

وقال تعالى: ]ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار[ [إبراهيم: 42].

وعن نوف البكالي / قال في الآية: ]ومن الناس من يعبد الله على حرف[ [الحج: 11]: (إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل: «قوم يجتالون الدنيا بالدين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، يلبسون للناس لباس مسوك([55]) الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب).([56])

5) وقال تعالى: ]أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون[ [العنكبوت: 4].

يعني: أن يعجزونا، وأن يفوتونا بأعمالهم السيئة من الضلالات، والمعاصي؛ حتى نجزيهم بها في الدنيا والآخرة، حتى لا نقدر عليهم فنعذبهم؛ أي: قد حسبوا ذلك، وليس كما ظنوا، فساء ما يقضون.([57])

قال ابن عطية المفسر في «المحرر الوجيز» (ج6 ص625): (قوله تعالى: ]الذين يعملون السيئات[ [العنكبوت: 4]؛ وإن كان الكفار المراد الأول بحسب النازلة التي الكلام فيها؛ فإن لفظ الآية يعم كل عاص، وعامل سيئة من المسلمين وغيرهم). اهـ

قلت: فمن كان يخشى ذلك؛ فليعمل الأعمال الصالحات قبل الممات.([58])

قال تعالى: ]من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم (5) ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين[ [العنكبوت: 5، 6].

6) وقال تعالى: ]أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون[ [الجاثية: 21].

7) وقال تعالى: ]أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم (29) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم[ [محمد: 29-30].

قلت: و: «المقلد الحزبي» هذا إذا خالفه واحد من طلبة العلم رماه بالافتراء أمام الملأ: بأنه على الأفكار الشاذة لينفر الناس عنه بالإرهاب الفكري، ]واسترهبوهم[ [الأعراف: 116].

وإذا دققت الأمر، وجدت أن هذا: «المتعصب»: هو على الأفكار الشاذة في أحكام الأصول والفروع؛ لأن المتعصبين في الدين؛ هم: الشاذون.

 قال تعالى: ]واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم[ [الأعراف: 116].

والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.([59])

قال الأزهري اللغوي / في «معجم تهذيب اللغة» (ج2 ص1484): (قوله تعالى: ]واسترهبوهم وجآءو بسحر عظيم[ [الأعراف: 116]؛ أي: أرهبوهم، وترهب غيره: إذا توعده). اهـ

وقال تعالى: ]والله أعلم بما تصفون[ [يوسف: 77]، وهذا فيه تبيين من الله تعالى إلى تكذيبهم.

قلت: وهؤلاء «المتنصبة المقلدة» في امتداد حياتهم يفترون على الله تعالى، ويكذبون على رسوله r، وفي الدين في الأصول والفروع، وهم يعلمون ذلك ثم يدعون أنهم على الحق المبين، والعياذ بالله، فلم يفلحوا، ولن يفلحوا إلى أن يموتوا لحسابهم عند الله تعالى: ]ويل لكل أفاك أثيم[ [الجاثية: 7].

قال تعالى: ]وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون[ [آل عمران: 78].

وقال تعالى: ]إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون[ [النحل: 116].

وقال تعالى: ]وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون[ [النحل: 62].

وقال تعالى: ]انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا[ [النساء: 50].

وقال تعالى: ]ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون[ [آل عمران: 75].

وقال تعالى: ]وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون[ [آل عمران: 78].

وقال تعالى: ]فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم[ [الأنعام: 144].

قلت: فهؤلاء المبتدعة أهلكوا أنفسهم في الشر، وأهلكوا أتباعهم، وذلك بما أملت عليهم أنفسهم الشيطانية: ]ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون[ [المجادلة: 18]

قال تعالى: ]قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا[ [يوسف: 83].

قلت: واغترار هؤلاء بحلم الله تعالى يعد من طمس البصيرة، وإلا فكيف يغتر عبد بحلم الله تعالى، وهو يقرأ قوله U: ]ويحذركم الله نفسه[ [آل عمران:28].

وما أكثر هذا الصنف في عالم البشر اليوم، قد سقط الحياء منه، وتبلد حسه، وظهر فسقه، وطار شره بين الخلائق، وزاحم أهل الظلم، والفساد في الشر، والعناد نعوذ بالله من الخذلان.

إذا فالواجب على العاقل أن يحذر مخالطة أصحاب الأهواء، فإن نارها تحت الرماد، ونسأل الله السلامة.

قال الإمام القحطاني / في «القصيدة النونية» (ص7):

لا يصحب البدعي إلا مثله

 

 

تحت الدخان تأجج النيران

فأين المتعظون؟ أين المعتبرون؟ أين أولو الأحلام والنهى؟ أما طالعوا عقوبات الله فيمن سبق، وعظيم سطوته بمن عصى، وعائد، وكذب؟ أتاهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون، أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، وحذرهم بأسه، وعقابه، وأليم عذابه، وعظيم سطوته، فما ارتدعوا، ولا انزجروا، ورجعوا قد أنذرهم على ألسن رسله فظلوا في طغيانهم يعمهون، وفي الضلال سادرون، وحاق بهم من العذاب ما كانوا به يستهزؤن، وأتاهم من حيث لا يشعرون.([60])

قال تعالى: ]أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون[ [النحل:45].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص144): (وبنو آدم هم جهال ظلموا أنفسهم يستعجل أحدهم ما ترغبه لذته، وبترك ما تكرهه نفسه مما هو لا يصلح له، فيعقبهم ذلك من الألم والعقوبات، إما في الدنيا، وإما في الآخرة ما فيه عظم العذاب، والهلاك الأعظم). اهـ

قلت: ومن هنا يجب التحذير من المتعالمين([61]) الذين هم من أسباب الفتن، والمحن، والبلاء، وعدم نصر المسلمين على عدوهم ليجتنبوا، ويصار إلى أهل الرسوخ، ليستدفع البلاء بهم من الله تعالى، وتدرأ الفتن، وترسوا السفينة إلى بر الأمان في البلدان.

* والسنة النبوية كشفت للمسلمين هذا الصنف من الناس.

8) فعن عبد الله بن عمرو بن العاص t قال: سمعت رسول الله r يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص33)، وفي «خلق أفعال العباد» (ص47)، وفي «التاريخ الكبير» (ج1 ص257)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص208)، وفي «التمييز» (ص175)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص31)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص456)، وعبد الرزاق بن أحمد في «زوائده على جزء نافع بن أبي نعيم» (ص59)، وابن المقرئ في «المعجم» (ص91)، وابن ماجة في «سننه» (ج1 ص20)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص162)، والخطابي في «العزلة» (ص91)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص162)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ج1 ص274)، وفي (ق/58/ط)، وأبو القاسم الدمشقي في «الفوائد» (ص42)، وابن مردويه في «المنتقى» (ص241)، والفربري في «زوائده على صحيح البخاري» (ج1 ص194)، وابن رشيق في «جزئه» (ص56)، وابن نقطة في «تكملة الإكمال» (ج2 ص376)، والدبيثي في «ذيل تاريخ مدينة السلام» (ج4 ص109)، وعبد الغني المقدسي في «العلم» (ص84)، والعصمي في «جزئه» (ص125)، وابن طولون في «الفهرست الأوسط» (ج3 ص376)، و(ج5 ص65) من طريق عروة بن الزبير عن عبد الله بن عمرو به.

قلت: وكم شهد من شاهد على: «المتحزبة» ممن كان معهم، أنهم ضالون([62]) ومنحرفون: ]وشهد شاهد من أهلها[ [يوسف: 26].

واعلم أن الذي يبقى في طول هذه المدة على السوء، ونشر السوء إلى الآن، فاعلم أن الله تعالى ابتلاه إلى بالسوء في حياته، ولم يصرفه عنه؛ لأنه يريد السوء، ونشر السوء، ولم يخلص لله تعالى في دينه، وذلك لأن الله تعالى يقول: ]كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين[ [يوسف: 24].

قلت: والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فافطن لهذا.

قال تعالى: ]إذ أنتم جاهلون[ [يوسف: 89].

وقال تعالى: ]وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين[ [يوسف: 103].

قلت: وإذا رأيت: «المتنصبة»، و«أتباعهم» في عباداتهم لله تعالى، تبين باليقين: أن هؤلاء القوم من: «الرهبان العباد»، وأنهم أسسوا لهم: «رهبانية» في الإسلام؛ ابتدعوها من قبل أنفسهم، لم يفرضها الله عليهم.([63])

قال تعالى: ]ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها[ [الحديد: 27].

والرهبانية: الترهب: التعبد.

و«رهب»، و«رهبا» خاف، والاسم: «الرهبة»، فهو: «راهب»، وأصله: من الرهبة، وهي الخوف.

و«ترهب»: الراهب: انقطع للعبادة.

و«الراهب»: المتعبد.

و«أرهبه»، و«استرهبه»: أخافه.

والرهبان: جمع راهب.([64])

قال الفيومي اللغوي / في «المصباح المنير» (ص126): (والرهبانية: من ذلك؛ قال تعالى: ]ورهبانية ابتدعوها[ [الحديد: 27] مدحهم عليها ابتداء؛ ثم ذمهم على ترك شرطها؛ بقوله: ]فما رعوها حق رعايتها[ [الحديد: 27]). اهـ

قلت: ففي هذه الآية يبين الله تعالى أن الذي يلزم نفسه بالتمسك بالدين فعلا، فيجب عليه أن يلتزم به جملة وتفصيلا، وإلا وقع في: «الرهبانية» المذمومة([65])، ولابد.

لذلك؛ قال تعالى: ]واضمم إليك جناحك من الرهب[ [القصص: 32]؛ بمعنى: الرهبة: وهي الخوف والخشية من الله تعالى.([66])

قلت: فيجب على العبد إذا تطوع أن يلتزم بما فرض الله عليه في الدعوة إلى الله، فلا يبدل، ولا يغير في الدين.

قال تعالى: ]قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني[ [يوسف: 108].

قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج6 ص567): (قوله تعالى: ]إلا ابتغاء رضوان الله[ [الحديد: 27]؛ فيه قولان:

أحدهما: أنهم قصدوا بذلك رضوان الله، والآخر: ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله.

وقوله تعالى: ]فما رعوها حق رعايتها[ [الحديد: 27]؛ أي: فما قاموا بما التزموه حق القيام.

* وهذا ذم لهم من وجهين:

أحدهما: في الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله تعالى.

والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل). اهـ

قلت: فهذا الذي فعله: «المتنصبة» الرهبان في مناصبهم الدينية، وأتباعهم: «الرهبان»؛ فإنهم: لم يلتزموا بالدين على أمر الله تعالى، وأمر رسوله r؛ بل ابتدعوا في الدين مالم يأمر به الله تعالى، ولم يأمر به الرسول r من الأفكار البدعية، ثم زعموا أن هذه الأفكار المشبوهة([67]) هي: قربة تقربهم إلى الله تعالى.

قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج2 ص60): (والقصد: أن الله سبحانه وتعالى ذم من لم يرع قربة ابتدعها لله تعالى حق رعايتها([68])؛ فكيف بمن لم يرع قربة شرعها الله لعباده، وأذن بها، وحث عليها). اهـ

وقال العلامة القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج16 ص60)؛ عن الراهب المنحرف: (فمن يقاومه: يقاوم الشيطان). اهـ

* والرهبانية: هي من: «رهبة النصارى»، فلا: «رهبانية» في الإسلام، والرهبانية: هي التعمق، والتنطع، والغلو في الدين، والتعمد في المشاق.

لذلك صارت: «الرهبانية» اسما الآن: لمن تعدى حدود الله تعالى في الدين، وأفرط فيه بالمخالفات في الأصول والفروع، والمنهج، والدعوة إلى الله.([69])

فـ: «المتنصبة»، وأتباعهم: ابتدعوا الآن: «رهبانية» في الإسلام، قد ابتدعوها بسبب خبث أنفسهم، وجهلهم في الدين.

قال تعالى: ]ما كتبناها عليهم[ [الحديد: 27]؛ معناها: لم تكتب عليهم البتة.

قال الحافظ ابن الجوزي / في «زاد المسير» (ج8 ص176): (قوله تعالى: ]ورهبانية ابتدعوها[ [الحديد: 27]؛ ليس هذا معطوفا على ما قبله، وإنما انتصب بفعل مضمر، يدل عليه ما بعده، تقديره: وابتدعوا: «رهبانية» ابتدعوها، أي: جاءووا بها من قبل أنفسهم، وهي غلوهم في العبادة، وحمل المشاق على أنفسهم).اهـ

وقال العلامة الشوكاني / في «فتح القدير» (ج4 ص240): (وذلك لأنهم غلوا في العبادة، وحملوا على أنفسهم المشقات). اهـ

قلت: فإنهم ما رعوها؛ لتبديل دينهم، وتغييرهم له، فاتبعوا: «الرهبانية البدعية» في حياتهم، فضلوا وأضلوا.([70])

قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج2 ص391): (قوله تعالى: ]ورهبانية ابتدعوها[ [الحديد: 27]؛ أي: لم نشرعها لهم، بل هم ابتدعوها من عند أنفسهم، ولم نكتبها عليهم). اهـ

وقال العلامة القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج16 ص60)؛ عن أفعال رهبان النصارى المشينة: (فيتنعمون وحدهم في أديرتهم([71])، ويسلبون أموال الشعب «بالحيل»، و«المخادعات»([72]) وهم: كسالى بطالون، يعيشون من أتعاب([73]) غيرهم!).اهـ

* وما أشبه الليلة بالبارحة!.

قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[ [التوبة: 34].

وقال تعالى: ]ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد[ [إبراهيم: 3].

وقال تعالى: ]لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا[ [آل عمران: 99].

قلت: فعلماء السوء، وعباد الضلال، يأكلون أموال الناس بالباطل عن طريق مناصبهم، ورياستهم، وتبرعاتهم في البلدان الإسلامية، ويصرفون الناس عن أتباع القرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار الصحابية، والأقوال السلفية.([74])

قال تعالى: ]وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون (52) فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون (53) فذرهم في غمرتهم حتى حين (54) أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين (55) نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون[ [المؤمنون: 52 - 56].

وعن الضحاك / قال: (أحبارهم: قراؤهم، ورهبانهم: علماؤهم).([75])

أثر حسن

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (988)، والطبري في «جامع البيان» (ج11 ص417)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج7 ص324- الدر المنثور) من طريق حجاج بن حمزة حدثنا جعفر بن عون أنبأنا سلمة بن نبيط عن الضحاك به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وذكره الثعلبي في «الكشف والبيان» (ج5 ص34)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج7 ص324).

وعن الفضيل بن عياض / قال: (الأحبار: العلماء، والرهبان: العباد).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (1012) من طريق عمران بن موسى الطرسوسي حدثنا عبدالصمد بن يزيد قال: سمعت الفضيل بن عياض به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج2 ص350)، والشوكاني في «فتح القدير» (ج2 ص355)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج7 ص324).

قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج2 ص168): (قوله تعالى: ]ليأكلون أموال الناس بالباطل[ [التوبة: 34]؛ يعني: أهل ملتهم، وذلك أنهم كانت لهم: مأكلة كل عام من سفلتهم([76]) من الطعام، والثمار على تكذيبهم بمحمد r، ولو أنهم آمنوا بمحمد r لذهبت تلك المأكلة).([77]) اهـ

وقال أبو السعود المفسر / في «إرشاد العقل السليم» (ج4 ص62): (قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا[؛ [التوبة: 34]؛ شروع في بيان حال: الأحبار، والرهبان في إغوائهم لأراذلهم([78]): إثر بيان سوء حال الأتباع في اتخاذهم لهم أربابا يطيعونهم في الأوامر، والنواهي، واتباعهم لهم فيما يأتون، وما يذرون: ]إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل[؛ يأخذونها بطريق الرشوة لتغيير الأحكام، والشرائع، والتخفيف، والمسامحة فيها، وإنما عبر عن ذلك بالأكل بناء على أنه معظم الغرض منه، وتقبيحا لحالهم، وتنفيرا للسامعين عنهم: ]ويصدون[؛ الناس: ]عن سبيل الله[؛ عن دين الإسلام، أو عن المسلك المقرر في التوراة، والإنجيل إلى ما افتروه، وحرفوه بأخذ الرشا، أو يصدون عنه بأنفسهم بأكلهم الأموال بالباطل). اهـ

وقال العلامة السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج3 ص226): (هذا تحذير من الله تعالى لعباده المؤمنين، عن كثير من الأحبار، والرهبان، أي: من العلماء([79])، والعباد([80])، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، أي: بغير حق، ويصدون عن سبيل الله.

فإنهم: إذا كانت لهم رواتب من أموال الناس، أو بذل الناس لهم من أموالهم؛ فإنه لأجل علمهم وعبادتهم، ولأجل هداهم، وهدايتهم.

وهؤلاء يأخذونها، ويصدون الناس عن سبيل الله، فيكون أخذهم لها، على هذا الوجه، سحتا([81]) وظلما.

فإن الناس ما بذلوا لهم من أموالهم، إلا ليدلوهم على الطريق المستقيم.([82])

ومن أخذهم لأموال الناس بغير حق، أن يعطوهم ليفتوهم أو يحكموا لهم بغير ما أنزل الله تعالى.

* فهؤلاء الأحبار، والرهبان([83])، ليحذر منهم هاتان الحالتان: أخذهم لأموال الناس بغير حق، وصدهم الناس عن سبيل الله تعالى). اهـ

وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج4 ص278): (قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[؛ الأحبار: من اليهود، والرهبان: من النصارى؛ والرهبان: عباد النصارى، والقسيسون: علماؤهم.

والمقصود: التحذير من علماء السوء، وعباد الضلال؛ كما: قال سفيان بن عيينة([84]): (من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى).([85])

وفي الحديث الصحيح: («لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة([86])» قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟»). وفي رواية: (فارس والروم، قال: «فمن الناس إلا هؤلاء؟»).([87])

والحاصل: التحذير من التشبه بهم في أقوالهم، وأحوالهم؛ ولهذا: قال تعالى: ]ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[؛ وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين، وفي مناصبهم، ورياستهم في الناس يأكلون أموالهم بذلك؛ كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف، ولهم عندهم خرج وهدايا، وضرائب تجيء إليهم فلما بعث الله رسوله r استمروا على ضلالهم، وكفرهم، وعنادهم طمعا منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات؛ فأطفأها الله بنور النبوة، وسلبهم إياها وعوضهم الذل والصغار، وباؤوا بغضب من الله تعالى.

وقوله تعالى: ]ويصدون عن سبيل الله[؛ أي: وهم مع أكلهم الحرام: يصدون الناس عن اتباع الحق، ويلبسون الحق بالباطل، ويظهرون لمن اتبعهم من الجهلة؛ أنهم يدعونه إلى الخير، وليسوا كما يزعمون، بل هم: دعاة إلى النار، يوم القيامة لا ينصرون). اهـ

قلت: فهذا القسم من الناس([88]) عالة على البلدان الإسلامية، فإذا فسدوا، فسدت أحوال الناس في البلدان.

وهل أفسد دين الناس، إلا علماء السوء، ورهبان الجهل.

قال العلامة القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج8 ص192): (قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[ [التوبة: 34]؛ أي: بالطريق المنكر من الرشا في الأحكام، والتخفيف، والمسامحة في الشرائع، وغير ذلك. و(الأكل)؛ مجاز عن الأخذ، بعلاقة العلية والمعلولية: لأنه الغرض الأعظم منه، وفيه من التقبيح لحالهم، وتنفير السامعين عنه ما لا يخفى: ]ويصدون عن سبيل الله[؛ أي: عن دين الإسلام وحكمه، واتباع الدلائل، إلى ما يهوون، أو عن المسلك المقرر في التوراة والإنجيل، إلى ما افتروه وحرفوه). اهـ

قلت: هذه إشارة إلى أن سبب ذلك هو: إيثارهم حب المال، وكنزه على أمر الله تعالى.

قال تعالى: ]ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل[ [البقرة: 188]؛ فنهى الله تعالى: أكل أموال المسلمين بالحرام.

قال فخر الدين محمد الرازي / في «التفسير الكبير» (ج5 ص34): (قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[ [التوبة: 34]؛ اعلم أنه تعالى لما وصف رؤساء اليهود والنصارى: بالتكبر، والتجبر، وادعاء الربوبية، والترفع على الخلق، وصفهم في هذه الآية: بالطمع، والحرص على أخذ أموال الناس، تنبيها على: أن المقصود من إظهار تلك الربوبية، والتجبر، والفخر، أخذ أموال الناس بالباطل، ولعمري من تأمل أحوال أهل الناموس، والتزوير في زماننا وجد هذه الآيات كأنها ما أنزلت إلا في شأنهم، وفي شرح أحوالهم، فترى الواحد منهم يدعي أنه لا يلتفت إلى الدنيا، ولا يتعلق خاطره بجميع المخلوقات، وأنه في الطهارة، والعصمة مثل الملائكة المقربين حتى إذا آل الأمر إلى الرغيف الواحد تراه يتهالك عليه، ويتحمل نهاية الذل والدناءة في تحصيله. وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: قد عرفت أن الأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى بحسب العرف، فالله تعالى حكى عن كثير منهم أنهم ليأكلون أموال الناس بالباطل، وفيه أبحاث:

البحث الأول: أنه تعالى قيد ذلك بقوله: ]كثيرا[ ليدل بذلك على أن هذه الطريقة طريقة بعضهم لا طريقة الكل، فإن العالم لا يخلو عن الحق، وإطباق الكل على الباطل؛ كالممتنع هذا يوهم أنه كما أن إجماع هذه الأمة على الباطل لا يحصل، فكذلك سائر الأمم.

البحث الثاني: أنه تعالى عبر عن أخذ الأموال بالأكل وهو قوله: ]ليأكلون[ والسبب في هذه الاستعارة، أن المقصود الأعظم من جمع الأموال هو الأكل، فسمي الشيء باسم ما هو أعظم مقاصده، أو يقال من أكل شيئا فقد ضمنه إلى نفسه ومنعه من الوصول إلى غيره، ومن جمع المال فقد ضم تلك الأموال إلى نفسه([89])، ومنعها من الوصول إلى غيره، فلما حصلت المشابهة بين الأكل، وبين الأخذ من هذا الوجه، سمي الأخذ بالأكل، أو يقال: إن من أخذ أموال الناس، فإذا طولب بردها، قال أكلتها وما بقيت، فلا أقدر على ردها، فلهذا السبب سمي الأخذ بالأكل.

البحث الثالث: أنه قال تعالى: ]ليأكلون أموال الناس بالباطل[؛ وقد اختلفوا: في تفسير هذا الباطل على وجوه:

الأول: أنهم كانوا يأخذون الرشا في تخفيف الأحكام، والمسامحة في الشرائع، والثاني: أنهم كانوا يدعون عند الحشرات والعوام منهم: أنه لا سبيل لأحد إلى الفوز بمرضاة الله تعالى؛ إلا بخدمتهم وطاعتهم، وبذل الأموال في طلب مرضاتهم، والعوام: كانوا يغترون بتلك الأكاذيب، الثالث: التوراة كانت مشتملة على آيات دالة على مبعث محمد r، فأولئك الأحبار والرهبان، كانوا يذكرون في تأويلها وجوها فاسدة، ويحملونها على محامل باطلة، وكانوا يطيبون قلوب عوامهم بهذا السبب، ويأخذون الرشوة، والرابع: أنهم كانوا يقررون عند عوامهم أن الدين الحق هو الذي هم عليه فإذا قرروا ذلك قالوا وتقوية الدين الحق واجب ثم قالوا: ولا طريق إلى تقويته إلا إذا كان أولئك الفقهاء أقواما عظماء أصحاب الأموال الكثيرة، والجمع العظيم، فبهذا الطريق يحملون العوام على أن يبذلوا في خدمتهم نفوسهم وأموالهم، فهذا هو الباطل الذي كانوا به يأكلون أموال الناس، وهي بأسرها حاضرة في زماننا، وهو الطريق لأكثر الجهال والمزورين([90]) إلى أخذ أموال العوام والحمقى من الخلق.

ثم قال تعالى: ]ويصدون عن سبيل الله[؛ لأنهم كانوا يقتلون على متابعتهم، ويمنعون عن متابعة الأخيار من الخلق، والعلماء في الزمان، وفي زمان محمد عليه الصلاة والسلام كانوا يبالغون في المنع عن متابعته بجميع وجوه المكر والخداع.([91])

قال المصنف t: غاية مطلوب الخلق في الدنيا المال والجاه، فبين تعالى في صفة الأحبار، والرهبان: كونهم مشغوفين بهذين الأمرين، فالمال هو المراد بقوله تعالى: ]ليأكلون أموال الناس بالباطل[؛ وأما الجاه: فهو المراد بقوله تعالى: ]ويصدون عن سبيل الله[؛ فإنهم لو أقروا بأن محمدا على الحق لزمهم متابعته، وحينئذ فكان يبطل حكمهم، وتزول حرمتهم؛ فلأجل الخوف من هذا المحذور كانوا يبالغون في المنع من متابعة محمد r، ويبالغون في إلقاء الشبهات، وفي استخراج وجوه المكر والخديعة([92])، وفي منع الخلق من قبول دينه الحق، والاتباع لمنهجه الصحيح). اهـ

وقال الإمام البيضاوي / في «أنوار التنزيل» (ج1 ص403): (قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[ [التوبة: 34]؛ يأخذونها: بالرشا في الأحكام سمي أخذ المال: أكلا؛ لأنه الغرض الأعظم منه([93])، ويصدون عن سبيل الله: عن دينه، ويجوز أن يراد به الكثير من الأحبار، والرهبان: فيكون مبالغة في وصفهم بالحرص على المال). اهـ

وقال الإمام أبو المظفر السمعاني / في «تفسير القرآن» (ج2 ص304): (قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[ [التوبة: 34]؛ قال أهل التفسير: إن المراد منه أخذ الرشاء في الأحكام، والمآكل التي كانت لعلمائهم على سفلتهم؛ وقوله تعالى: ]ويصدون عن سبيل الله[؛ معناه: أنهم يمنعون الناس عن الإسلام). اهـ

وقال الإمام ابن أبي زمنين / في «تفسير القرآن» (ج2 ص203): (قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[ [التوبة: 34]؛ يعني: ما كانوا يأخذون من الرشا في الحكم، وعلى ما حرفوا من كتاب الله تعالى). اهـ

وقال الإمام الواحدي / في «الوسيط» (ج2 ص491): (قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[ [التوبة: 34]؛ يعني: ما كانوا يأخذونه من الرشى في الحكم، وما كانوا يصيبونه من المأكل من سفلتهم، ]ويصدون عن سبيل الله[؛ ويصرفون الناس عن الإيمان بمحمد r). اهـ

9) وعن خولة بنت قيس الأنصارية ڤ، قالت: سمعت النبي r، يقول: (إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة).

وفي رواية: (إن الدنيا خضرة حلوة، وإن رجالا يتخوضون في مال الله، ورسوله؛ بغير حق، لهم النار يوم القيامة)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (3118)، وفي «التاريخ الكبير» (ج5 ص1450)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص410)، والطبراني في «المعجم الكبير» (577)، و(578)، و(617)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (10303)، وابن حجر في «الأمالي المطلقة» (ص179)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (7598)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (1116)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج7 ص34)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج2 ص357)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (1587)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (3272)، وفي «الزهد» (153)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (4892)، و(4893)، والفاكهي في «الفوائد» (260)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج8 ص60)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج35 ص165)، والبغوي في «شرح السنة» (2730)، وفي «مصابيح السنة» (ج3 ص99)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج7 ص91) من طريق حيوة بن شريح، وسعيد بن أبي أيوب، عن أبي الأسود محمد بن عبدالرحمن بن نوفل أنه سمع النعمان بن أبي عياش يقول: أنه سمع خولة بنت قيس ([94]) ڤ به.

وقال ابن حجر: هذا حديث صحيح.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج6 ص409)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (1588)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (4890)، و(4891)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (1143)، وعبدالرزاق في «المصنف» (6962)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج5 ص450)، والطبراني في «المعجم الكبير» (580)، و(581)، و(582)، و(583)، وفي «المعجم الأوسط» (5318)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج13 ص242)، والحميدي في «المسند» (353)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج7 ص311)، وفي «معرفة الصحابة» (7584)، وابن الأعرابي في «الزهد» (96)، و(97)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (3260)، و(3261)، و(3262)، وابن حبان في «صحيحه» (4512) من طرق عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح ([95])، أخبره: أنه سمع عبيد سنوطا يحدث عن خولة بنت قيس ڤ: امرأة حمزة بن عبد المطلب، قالت: قال رسول الله r: (إن الدنيا خضرة حلوة، فمن أخذها بحقها، بورك له فيها، ورب متخوض([96]) في مال الله، ومال رسوله، له النار يوم يلقى الله). وفي رواية: (إن الدنيا خضرة حلوة، ورب متخوض في مال الله، ورسوله، له النار يوم القيامة). وفي رواية: (فمن أخذه بحقه، فإنه يبارك له فيه).

قلت: وهذا سنده حسن.

وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج6 ص219).

قوله r: (إن رجالا)؛ إن رجالا، رجال نكرة في سياق الإثبات.

والنكرة في سياق الإثبات، لا تدل على العموم، وإنما تدل على الإطلاق.

وكأنه قال: إن من الرجال، إن من الرجال من يتخوضون في مال الله تعالى. ([97])

فيكون المعنى: يتصرفون في أموال المسلمين بالباطل. ([98])

* والتخوض في المال، إما يكون سابقا، أو لاحقا:

أما التخوض السابق، معناه: أن يكتسب المال من أي: وجه كان من حلال، أم حرام؛ يعني: لا يبالي يكسب المال من حلال، أم من حرام.

وأما التخوض اللاحق، وهو الذي يكون بعد اكتساب المال؛ بأن لا يحسن التصرف فيه، بل يضيعه، ويسرف فيه، ويتصرف منه تصرفات محرمة، لا ترضي الله تعالى.

* وفي هذا الحديث: وعيد شديد للذين يتصرفون في الأموال، وفي كسبها من غير الطرق المشروعة، أو بإنفاقها في غير سبل الخيرات.

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج6 ص219): (قوله r: «من مال الله»؛ مظهر أقيم: مقام المضمر؛ إشعارا، بأنه لا ينبغي التخوض في مال الله تعالى، ورسوله r، والتصرف فيه بمجرد التشهي([99])).اهـ

وقال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج7 ص34): (قوله r: «إن رجالا يتخوضون»؛ بالخاء، والضاد: المعجمتين، من الخوض: وهو المشي في الماء، وتحريكه، ثم استعمل في التصرف في الشيء؛ أي: يتصرفون في مال الله تعالى، الذي جعله لمصالح المسلمين بغير: قسمة([100]) حق، بل بالباطل). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح رياض الصالحين» (ج2 ص538): (قال المؤلف / فيما نقله؛ عن خولة: زوجة حمزة بن عبد المطلب t، أن النبي r قال: «إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة»؛ هذا أيضا مما يدل على تحريم الظلم في الأموال الذي هو خلاف العدل.

وفي قوله r: «يتخوضون»؛ دليل على أنهم: يتصرفون تصرفا طائشا غير مبني على أصول شرعية، فيفسدون الأموال ببذلها فيما يضر، مثل: من يبذل أمواله في الدخان، أو في المخدرات، أو في شرب الخمور، أو ما أشبه ذلك، وكذلك أيضا يتخوضون فيها بالسرقات، والغصب، وما أشبه ذلك، وكذلك يتخوضون فيها بالدعاوى الباطلة([101])، كأن يدعي ما ليس له وهو كاذب، وما أشبه ذلك.

* فالمهم أن كل من يتصرف تصرفا غير شرعي في المال- سواء ماله أو مال غيره- فإن له النار يوم القيامة إلا أن يتوب، فيرد المظالم إلى أهلها، ويتوب مما يبذل ماله فيه من الحرام؛ كالدخان، والخمر، وما أشبه ذلك، فإنه ممن تاب الله عليه، لقول الله تعالى: ]قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون * أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين[ [الزمر: 53-56]). اهـ

قلت: فمن أخذ من التبرعات، أو المقاسم، أو غيرها شيئا بغير حق له في ذلك، فقد تخوض في مال الله تعالى بغير حق، ويأتي بما غل يوم القيامة. ([102])

قال الحافظ العيني / في «عمدة القاري» (ج12 ص179) عن الخوض في المال: (هو التخليط في تحصيله من غير وجهه كيف أمكن). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج6 ص219): (قوله r: «يتخوضون في مال الله بغير حق»؛ أي: يتصرفون في مال المسلمين بالباطل، وهو أعم من أن يكون بالقسمة، وبغيرها).اهـ

قلت: وفي ذلك ردع للمتحزبة: أن يأخذوا من المال شيئا بغير حقه، أو يمنعوه من أهله.

قلت: فأخبر النبي r عن أناس يتصرفون في أموال المسلمين بالباطل، وأنهم يأخذونها بغير حق. ([103])

فالذين يقومون على جمع الزكاة، والصدقات، وجمع التبرعات، وأموال الوقف، وغير ذلك([104])، ويتخوضون فيها بالباطل، فإنهم يدخلون تحت هذا الحديث([105]).

فالذين يقومون على هذه الأموال من قبل الجمعيات، والأفراد، الذين يتولون هذه الأموال، فإن أكثرهم يخوضون فيها بغير علم، وبغير فهم لمصاريفها الشرعية الصحيحة. ([106])

قال تعالى: ]ذرهم في خوضهم يلعبون[ [الأنعام: 91].

قلت: فهؤلاء لهم النار يوم القيامة، إلا أن يتوبوا، فيردوا المظالم إلى أهلها.

وقوله r: (فلهم)؛ يدل على سرعة العذاب، وقربه الشديد ممن يتصرفون في الأموال بغير حق. ([107])

* وفي الحديث: التحذير من التحايل لكسب الأموال بغير حق، أو إنفاقها في غير مواضعها.

* وفي الحديث: بيان أن الأموال العامة ليست مرتعا لمن ولاه الله تعالى عليها، لأنه سيحاسب عليها يوم القيامة.

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح رياض الصالحين» (ج2 ص539): (وفي هذا الحديث: تحذير من بذل المال في غير ما ينفع، والتخوض فيه؛ لأن المال جعله الله تعالى، قياما للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، فإذا بذله في غير مصلحة كان من المتخوضين في مال الله تعالى بغير حق)([108]).اهـ

قلت: فجعل الله تعالى المال قياما للناس، تقوم به مصالح دينهم ودنياهم.

* وفي هذا الحديث: حذر النبي r بعض الرجال من العمال وغيرهم: أن يتخوضوا؛ أي: يتصرفوا في مال الله تعالى.

* وهذا معنى عام في كل ما يخص المال من حيث جمعه، وكسبه من غير حله، وإنفاقه في غير مواضعه الصحيحة.

* وإضافة المال إلى الله تعالى يقصد به من أموال الغنائم، وأموال التبرعات، وأموال خاصة، وغير ذلك التي جعلها الله تعالى لمصالح الناس.

فيأخذها العمال بغير حق؛ أي: بالباطل، فيأخذون منها أكثر مما يستحقون بزعمهم على أمورهم، أو يعطون من لا يستحق، أو غير ذلك مما ليس بحق.

10) وعن أبي بشر قبيصة بن مخارق t قال: تحملت([109]) حمالة، فأتيت رسول الله r أسأله فيها، فقال r: (أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها، ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة:

* رجل تحمل حمالة([110])، فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك.

* ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش.

* ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال سدادا من عيش.

فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا).

أخرجه مسلم في «صحيحه» (1044)، وأبو القاسم البغوي في «معجم الصحابة» (ج4 ص210 و211)، وأبو داود في «سننه» (1640)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص477)، والحميدي في «المسند» (819)، وابن قانع في «معجم الصحابة» (1548)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص73)، و(ج7 ص21 و23)، والدارقطني في «السنن» (ج2 ص120)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2375)، و(2360)، و(2361)، وابن الجارود في «المنتقى» (367)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص17 و18)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص396)، وعبدالرزاق في «المصنف» (20008)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2371)، و(2372)، وفي «المجتبى» (ج5 ص88 و89)، والبغوي في «شرح السنة» (1625)، وفي «مصابيح السنة» (ج2 ص32)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج6 ص437)، وأبو عبيد في «الأموال» (1723)، والطيالسي في «المسند» (1327)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (1443)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص210 و211)، وابن زنجويه في «الأموال» (820)، وابن حبان في «صحيحه» (3291)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (ج4 ص2332)، والطبراني في «المعجم الكبير» (950)، و(951)، و(952)، و(953)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج4 ص467) من طرق عن هارون بن رئاب، قال: حدثني كنانة بن نعيم العدوي، عن قبيصة بن مخارق الهلالي t به.

والمعنى المراد:

قوله r: (تحملت حمالة)؛ الحمالة بفتح الحاء: ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة، كأن يقع قتال أو خصام بين فريقين، فيصلح إنسان ذات بينهم على مال يتحمله، ويلتزمه على نفسه، والتحمل: هو أن يحمل الحمالة عنهم على نفسه، ويسأل الناس فيها. ([111])

* إما ظرفية، أي: أسأل رسول الله r المال في شأن إعطائي مقدار الحمالة التي تحملتها.

* وإما سببية، وهي التي تأتي للتعليل، أي: أسأل رسول الله r المال بسبب الحمالة التي تحملتها.

وكل من الظرفية، والسببية من معاني: «في»؛ كما هو معلوم عند النحاة.

وقوله r: (أقم حتى تأتينا الصدقة)؛ أي: حتى تأتينا الزكاة، لأن من تحمل الحمالة يدخل في عموم الغارمين المنصوص على أنهم من مستحقي الزكاة في القرآن الكريم.

وأصل الصدقة؛ ما يعطى للفقراء ابتغاء وجه الله تعالى، وتطلق على الزكاة المفروضة، كما تطلق على صدقة التطوع.

وقوله r: (حتى يصيبها، ثم يمسك):

* يصيبها: أي يجدها، ويحصل عليها، يقال أصاب الشيء إذا وجده وحصل عليه.

* يمسك: أي يسكت عن المسألة، تقول: أمسكت عن الكلام إذا سكت.

وقوله r: (أصابته جائحة اجتاحت ماله)؛ الجائحة: المصيبة العظيمة التي تحل في مال إنسان فتستأصله كله، يقال: أصابتهم سنة شديدة اجتاحت أموالهم، وجاحتها.

 وقوله r: (قواما من عيش، أو قال سدادا([112]) من عيش):

* قواما: بكسر القاف، ويجوز فتحها، هو ما يقوم به أمر الإنسان من مال ونحوه، بحاجته الضرورية، وقوله r: «من عيش»؛ بيان للمراد من القوام هنا.

* سدادا: بكسر السين، ويجوز بفتحها، ولكن الكسر أفصح، هو ما تسد به حاجة المعوز، وقوله r: «أو قال سدادا من عيش»؛ شك من الراوي.

وقوله r: (من ذوي الحجا)؛ أي: من أصحاب العقل، فالحجا: العقل، والفطنة، وجمعه: أحجاء.

وقوله r: (السحت): بضم السين، هو الحرام الذي لا يحل كسبه من المال، سمي بذلك لأنه يسحت البركة، أي: يذهبها، وأصل السحت: مصدر سحت، إذا قشر الشيء؛ قليلا قليلا حتى استأصله، والسحت أيضا: العذاب.

* يقول هذا الصحابي عن نفسه: إنه قد تحمل حمالة، فأتى رسول الله r يسأل فيها، أي التزم في سبيل إصلاحه بين فريقين مختصمين من قومه؛ أن يدفع من ماله ما يحل به عقدة خلافهما، فهو بهذا يدخل في قسم الغارمين الذين يستحقون ما غرموه من أموال الصدقة، أخذا؛ من قوله تعالى: ]إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم[ [التوبة: 60].

ولما سأل رسول الله r فيها، قال له الرسول r: «أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها»؛ أي: بمقدار الحمالة التي تحملتها، ودل قول الرسول r هذا على؛ أن من تحمل حمالة يدخل في ضمن المستحقين الذين تدفع لهم الصدقة، أي: الزكاة، وإذا فتشنا عنه ضمن الأصناف الثمانية المذكورين في الآية؛ وجدناه من صنف الغارمين.

ومن عظيم حكمة الرسول r أنه لم يدع هذه الحادثة تمر دون أن يعطي فيها بيانا شاملا يحدد فيه أصناف الناس الذين تحل لهم المسألة، وهي استجداء أموال الصدقة، ردعا للذين تحدثهم نفوسهم باستجداء الصدقات طمعا، واستكثارا بدون أن يكون لهم حق شرعي بها في نظام الإسلام، لأن أخذ أموال الصدقات دون استحقاق شرعي؛ عدوان على المستحقين، وظلم لا يأذن الله تعالى به، ومكسب حرام يسحت آكله حتى يستأصله، ويهلكه.

* أصناف الناس الذين تحل لهم المسألة:

* أما أصناف الناس الذين تحل لهم المسألة؛ فثلاثة، بينها رسول الله r في هذا الحديث بيانا تاما، وهي كما يلي:

الصنف الأول: «رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك»؛ فالغارم له أن يسأل حتى ينال مقدار الإلتزام الذي التزمه في حمالته، فإذا ناله؛ وجب عليه أن يمسك عن المسألة، وليس له حق في أن يأخذ ما زاد عليه.

الصنف الثاني: «ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش».

ويدخل هذا الصنف ضمن الفقراء، والمساكين الذين نصت عليهم الآية، فهو في الأصل رجل غني بماله، ولكن أصابته مصيبة اجتاحت ماله، فأمسى فقيرا ذا حاجة، فحلت له المسألة، ولكن الشارع هنا لا يأذن لهذا الرجل بأن يستمر في المسألة حتى يعوض مقدار ما اجتيح من أمواله، ويزيد عليها، وإنما يأذن له بأن يسأل حتى ينال من أموال الصدقات ما يكون فيه الكفاية بالمعروف، دون زيادة، ولا استكثار.

الصنف الثالث: «ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال سدادا من عيش».

ويدخل هذا الصنف أيضا ضمن الفقراء، والمساكين الذين نصت عليهم الآية.

* وأنهى رسول الله r كلامه في بيان الأصناف الثلاثة؛ بوعيد من يتجاوز حدود الله فيما أحل من المسألة، فقال r: «فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا»؛ فكل ما ينال عن طريق مسألة غير مشروعة: مال سحت، ومكسب حرام، ولم يكتف الرسول r بقوله: «سحت»، بل أكد ذلك بقوله: «يأكلها صاحبها سحتا»، إشارة إلى ما في كلمة السحت من معنى: الاستئصال، والعذاب.

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج5 ص169): (هذه ثلاثة أشياء تحل فيها المسألة، فالذين تحل لهم المسألة ثلاثة:

الأول: إنسان تحمل حمالة، يعني: ضمن في ذمته شيئا كإصلاح بين الناس تحمل من أجله شيئا من المال، ومن ذلك: لو تحمل حمالة إصلاح مسجد على أنه سيرجع بما أنفق على المسلمين، فهذا أيضا تحمل حمالة؛ وكذلك الدية إذا وجبت عليه لكونه من العاقلة.

المهم: كل من تحمل حمالة فله أن يسأل حتى يصيب هذه الحمالة، ثم يمسك، فإذا تحمل عشرة ألاف مثلا، وحصل عشرة ألاف؛ فالواجب الإمساك.

وإن زاد التبرع عما تحمل؛ وجب عليه أن يرده إلى صاحبه إن علمه، فإن جهله فإنه يستأذن في ذلك الحاكم الشرعي؛ لأن الحاكم الشرعي ولي من لا ولي له، ويصرف في مثل هذا الذي تحمل: إن كان تحمل لعمارة مسجد، يصرف في عمارة مسجد، وإن كان تحمل في دية، فإنه يصرف في الفقراء، أو في غيره من وجوه الخير، لكن لا بد من استئذان المحكمة «أي: الحاكم الشرعي»؛ حتى لا يحصل في ذلك خوض وكلام.

والظاهر أنه يشترط أن يكون فقيرا لقوله r: «حتى يصيبها ثم يمسك»؛ وكذلك إذا تحمل حمالة بنية الرجوع، فيرجع على بيت المال أو ما أشبه ذلك.

الثاني: «ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش»؛ هذا أيضا رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله كحريق، وغرق، وما أشبه ذلك، فهذا أيضا تحل له المسألة «حتى يصيب سدادا من عيش»؛ يعني: حتى يصيب ما يكفيه.

والثالث: «ورجل أصابته فاقة»؛ أي: حاجة، وكان معروفا بالغنى، فتحل له المسألة، لكن يقول r: «حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال سدادا من عيش»؛ يعني: هذا الرجل معروف بالغنى، فأصيب بفقر وحاجة، فلا بد من شهود ثلاثة من أصحاب العقل، والمعرفة، والدراية من قومه، أي: من قبيلته يشهدون بأن فلانا أصابته جائحة، فتحل له المسألة، والمراد بذلك: تحل له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو سدادا من عيش.

وقوله r: «فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا»؛ يعني: تكون حراما عليه، فدل هذا على فوائد منها:

1) أنه يجوز صرف الزكاة في صنف واحد؛ وأهل الزكاة ثمانية: الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمون، وفي سبيل الله، وابن السبيل، وجه الدلالة: قول النبي r: «أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها»؛ ولم يقل: نأمر لك منها.

2) أنه يجوز إعطاء الفقير شيئا كثيرا؛ لأن الصدقة التي تأتي إلى الرسول r ليست شاة، أو بعيرا، بل هي عدد كبير، لكن إما أن تأتي إلى رسول الله r جملة واحدة، وإما أن تأتي متفرقة، فهل نعطي هذا الفقير حتى يصبح غنيا، ويقال: إنه غني، أو نعطي الفقير بمقدار حاجته؟

الجواب: الفقهاء رحمهم الله يقولون: يعطى الفقير ما يكفيه لسنة فقط، ليس يعطى ما يكون به غنيا، لأن هذا قد يستهلك مالا كثيرا يحرم به غيره من الفقراء المحتاجين، فيعطى ما يكفيه سنة، وإنما قيدوه بسنة؛ لأن الغالب أنه إذا دارت السنة بدأت أموال الزكاة تتدفق على الفقراء، لا سيما إذا كان غالب الأغنياء يقيدون ذلك برمضان مثلا، فيعطى هذا الرجل لمدة سنة، ولن يأتي عليه سنة إلا وقد حلت زكاة أخرى يعطى منها.

3) جواز حبس الفقير، ووعده لانتظار الصدقة، لقوله r: «أقم»؛ يعني: عندنا، ولم يقل: إذهب، وإذا جاء وقت الصدقة فائت، بل إذا بقي يشاهده من يبذل الصدقة فهو أحسن، حتى إذا توفرت عنده أعطاه.

4) أن من البينات ما يحتاج إلى ثلاثة رجال، وذلك إذا أصاب الغني فاقة وحاجة، فإنه لا بد من ثلاثة رجال، ونصاب الشهود).اهـ

قلت: فالحديث فيه بيان لمن تحل له المسألة، وحددهم النبي r، بثلاثة أنواع، وهم:

1) رجل أصابته مصيبة، فهو يسأل من أجل السداد.

2) رجل استدان: من أجل الإصلاح بين الناس، فهو يسأل كي يؤدي الدين.

3) رجل يشهد له ثلاثة من أهل الخير بباطنة: أنه يستحق المسألة.

وما عدا هؤلاء الثلاثة: فالصدقة له سحت.

* معاني الكلمات:

1) تحملت: تكفلت مالا، لإصلاح ذات البين.

2) بحمالة: هي أن تقع بين القوم تشاجر في الدماء، والأموال، ويخاف من ذلك فتن عظيمة، فيتوسط الرجل بينهم، لإصلاح ذات البين، ويضمن لهم ما يرضيهم، دفعا للفتنة.

3) الجائحة: الآفة؛ كالغرق، والحرق، وفساد الزرع.

4) لا تصلح: لا تحل.

5) إلا في ثلاث: في ثلاث أحوال.

6) رجل: حال رجل، والمراد: بها لا تحل، إلا لضرورة ملجئة، كهذه الأحوال.

7) حتى يشهد: غاية لإصابة الحاجة، أي: أصابته الحاجة إلى أن ظهرت لعقلاء قومه، وصارت بينة.

8) الحجا: العقل.

9) إلا قد حلت: فما شهدوا له، إلا قد حلت.

10) قواما: بكسر القاف، أي: ما يقوم بحاجته الضرورية.

11) أو سدادا: بكسر السين، ما يكفي حاجته.

والسداد: بالكسر: كل شيء سددت به خللا: فهو سداد، وهو: ما يسد به الفقر، ويدفع، ويكفي الحاجة.

12) السحت: هو الحرام الذي لا يحل كسبه، لأنه يسحت البركة، أي: يذهبها. ([113])

قال الإمام القرطبي / في «المفهم» (ج3 ص88): (قوله r: «فما سواهن من المسألة سحت»؛ السحت: الحرام، وسمي به: لأنه يسحت، ويمحق، وفيه لغتان: سكون الحاء، وضمها). اهـ

قلت: وهؤلاء القوم؛ يضاهئون: يشابهون، ويوافقون النصارى الرهبان في أفكارهم الخبيثة.([114])

قال تعالى: ]ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون[ [التوبة: 30].

وعن ابن عباس قال: في قوله تعالى: ]يضاهون[ ([115])؛ قال: (يشبهون).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (978)، والطبري في «جامع البيان» (ج14 ص206) من طريق أبي صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره الشوكاني في «فتح القدير» (ج2 ص355)، والقرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» (ج8 ص118).

قلت: فـ«عبد الرحمن بن عبد الخالق» الراهب، وأتباعه: «الرهبان» يضاهون فكر: «الرهبان» من النصارى: «أصحاب الصوامع»، و«الكنائس» في سياستهم البدعية: من قولهم بالمظاهرات، والاعتصامات، والمسرات، والثورات، والفوضى في البلدان الإسلامية.

قال تعالى: ]يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون[ [التوبة: 42].

وقال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس: 32].

وقال تعالى: ]والله مخرج ما كنتم تكتمون[ [البقرة: 72].

قلت: ولا تعرف الحق بالرجال، بل اعرف الحق تعرف أهله، وعادة الضعفاء يعرفون الحق بالرجال لا الرجال بالحق، والعاقل يعرف الحق، ثم ينظر في قول نفسه، فإن كان حقا قبله، وإن كان باطلا رده، وهذا هو المنهج الذي سار عليه أئمتنا بصفائه ونقائه، وهو حبل الله تعالى.

والاعتصام بحبل الله تعالى يتضمن الاجتماع على الحق، والتعاون على البر والتقوى، والتناصر على أعداء الله تعالى في الداخل والخارج، وأعداء المسلمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص71): (ولكن من علم أن هذا خطأ فيما جاء به الرسول r ثم اتبعه على خطئه، وعدل عن قول الرسول r، فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله، لا سيما إن اتبع في ذلك هواه، ونصره باللسان واليد، مع علمه بأنه مخالف للرسول r؛ فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه.

ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه).اهـ

قلت: والزمان الذي نعيشه يموج باتجاهات مختلفة، وأفكار متعددة، وانتماءات متنوعة، بل وجماعات هدامة، وكل جماعة تحتكر الحق لنفسها، وتزعم أنها هي التي تمثل الإسلام الصحيح، ولا شيء سواها!.

قال تعالى؛ عن الأحزاب: ]فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون[ [المؤمنون: 53].

وقال تعالى: ]ولا تكونوا من المشركين (31) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون[ [الروم: 31-32].

وقال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم[ [آل عمران: 105].

وقال تعالى: ]إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون[ [الأنعام: 159].

وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].

وقال تعالى: ]فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله[ [آل عمران: 7].

وقال تعالى: ]ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير[ [الحج:8].

11) وعن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: (لتتبعن سنة من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم، قيل: يا رسول الله، اليهود، والنصارى؟ قال: فمن).([116])

12) وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (لتركبن سنة من كان قبلكم، حلوها، ومرها).

أثر صحيح

 أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج14 ص96) من طريق أبي خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن الحكم، قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

13) وعن عبد الله بن مسعود t قال: (أنتم أشبه الناس سمتا، وهديا ببني إسرائيل؛ لتسلكن طريقهم حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل)

أثر صحيح

 أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج14 ص96) من طريق سفيان، عن أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان الأودي، عن هزيل بن شرحبيل الأودي قال: قال عبد الله بن مسعود t به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فإن لكل جماعة من الجماعات الحزبية التي خرجت عن صف جماعة المسلمين الحقيقية؛ نصيبا من هذه النصوص من الوقوع فيما نهى الله عنه، وحذر منه الرسول r؛ من مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين، واتباع المتشابه، وابتغاء الفتنة، وابتغاء التأويل الفاسد، والجدال والمراء في الدين بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير، والقول على الله بغير علم، واتباع الأهواء، واتباع طرائق الأمم الهالكة، والتفرق في دين الله تعالى، فكل جماعة سلكت طرقا من هذه المناهج من مقل أو مكثر.([117])

قال الإمام ابن القيم / في «مسألة السماع» (ص350): (فأخبر r: أنه لابد من أن يكون في الأمة من يتشبه باليهود والنصارى، وبفارس الروم، وظهور هذا الشبه في الطوائف([118])؛ إنما يعرفه من عرف الحق وضده، وعرف الواجب والواقع، وطابق بين هذا وهذا، ووازن بين ما عليه الناس اليوم، وبين ما كان عليه السلف الصالح).اهـ

قلت: وبدعة: «الرهبة» لها تأثيرها في النفوس من سوء الأخلاق، وسوء الأضرار، من ذلك: أكل أموال الناس بالحيل المشينة، والعياذ بالله.

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «الملخص في شرح كتاب التوحيد» (ص193): (المعنى الإجمالي للحديث: يخبر r خبرا؛ معناه: النهي عما يتضمنه هذا الخبر: أن أمته لا تدع شيئا مما كان يفعله اليهود والنصارى إلا فعلته كله، لا تترك منه شيئا، ولو كان شيئا تافها.

ويؤكد هذا الخبر: بأنواع من التأكيدات، وهي: اللام الموطئة للقسم، ونون التوكيد، ووصف مشابهتهم بأنها كمشابهة قذة السهم للقذة الأخرى.

ثم وصفها بما هو: أدق في التشبه بهم؛ بحيث لو فعلوا شيئا تافها غريبا لكان في هذه الأمة من يفعله تشبها بهم). اهـ

قال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ج1 ص747): (قوله ه: (حذو القذة بالقذة)؛ أي: لتفعلن أفعالهم، ولتتبعن طرائقهم؛ حتى تشبهوهم، وتحاذوهم، كما تشبه قذة السهم القذة الأخرى.

* ثم إن هذا لفظ خبر؛ معناه: النهي عن متابعتهم... فقد اتبع كثير من أمته سنن اليهود، والنصارى، وفارس، في شيمهم، ومراكبهم، وملابسهم، وإقامة شعارهم... واتخاذ الأحبار، والرهبان أربابا من دون الله تعالى، والإعراض عن كتاب الله تعالى، والإقبال على كتب الضلال ([119]): من السحر، والفلسفة، والكلام.

* والتكذيب بصفات الله تعالى: التي وصف الله تعالى بها نفسه، أو وصفه بها رسوله ه ، ووصفه بما لا يليق به من النقائص، والعيوب؛ إلى غير ذلك مما اتبعوا فيه: اليهود، والنصارى). اهـ

وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ج1 ص749): (فأخبر ه أن أمته ستفعل ما فعلته: اليهود([120])، والنصارى([121])، وفارس من الأديان، والعادات، والاختلاف).اهـ

قلت: وهذا خرج مخرج الذم لمن يتبع اليهود، والنصارى([122]) في دينهم الباطل.

وقال العلامة القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج16 ص58)؛ عن الرهبان: (بل اتخذوها يعني: الرهبانية- آلة للترؤس والسؤدد، وإخضاع الشعب لأهوائهم). اهـ

وقال العلامة القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج16 ص60): (فالطريقة الرهبانية: هي اختراع شيطاني قبيح). اهـ

وقال العلامة القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج16 ص60): (وهؤلاء الرهبان لا نفع منهم للرعية). اهـ

وقال الفقيه ابن العربي / في «أحكام القرآن» (ج2 ص368): (كانت شرعة من قبلنا بالرهبانية، وشريعتنا بالحنيفية السمحة). اهـ

وقال العلامة ابن بدران /في «العقود الياقوتية» (ص48): (فالأهواء متى حلت بصاحبها أخذته عن الحق، وجعلت الباطل ساريا في لحمه ودمه، فإذا خالطه أحد حصلت له العدوى منه). اهـ

قلت: وما وقع هؤلاء في الضلالة؛ إلا بسبب التقليد: في أقوالهم، وأفعالهم في الدين.

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج1 ص7): (تالله إنها فتنة عمت فأعمت، ورمت القلوب فأصمت، ربا عليها الصغير، وهرم فيها الكبير، واتخذ لأجلها القرآن مهجورا، وكان ذلك بقضاء الله وقدره في الكتاب مسطورا). اهـ

قلت: فابتدعوا «الرهبانية الشيطانية»، فأسسوا لهم حزبا خبيثا، حتى وصل بهم الأمر أنهم أكلوا أموال الناس بالباطل عن طريق ما يسمى: «بالأعمال الخيرية»، بل جعلوا أتباعهم الرعاع والهمج أن يطيعوهم في كل ما يقولون من الباطل في الأصول والفروع، وفي المنهج والدعوة!.

14) وقال تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله[ [التوبة: 31].

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد» (ج2 ص265): (فمن أطاع العلماء في مخالفة أمر الله تعالى، ورسوله r، فقد اتخذهم أربابا من دون الله: باعتبار التصرف الشرعي؛ لأنه اعتبرهم مشرعين، واعتبر تشريعهم شرعا يعمل به). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «إعانة المستفيد» (ج2 ص159): (دل على أن طاعة الأحبار، والرهبان: في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله؛ أنه يعتبر شركا بالله عز وجل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص70): (وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله وعكسه؛  يكونون على وجهين:

أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله، فيتبعونهم على التبديل؛ فيعتقدون تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله اتباعا لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل؛ فهذا كفر، وقد جعله الله تعالى، ورسوله r شركا، وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون.

 الثاني: أن يكون اعتقادهم، وإيمانهم بتحريم الحلال، وتحليل الحرام ثابتا، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص؛ فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب كما ثبت في «الصحيحين» عن النبي r أنه قال: إنما الطاعة في المعروف). ([123]) اهـ

وقال العلامة القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج8 ص192): (ثم بين تعالى حال الأحبار والرهبان في إغوائهم لأراذلهم، إثر بيان سوء حال الأتباع في اتخاذهم لهم أربابا يطيعونهم في الأوامر والنواهي، واتباعهم لهم فيما يأتون، وما يذرون). اهـ

وقال ابن جزي المفسر / في «تفسير القرآن» (ص252): (قوله تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا[ [التوبة: 31]؛ أي: أطاعوهم؛ كما يطاع الرب تعالى، وإن كانوا لم يعبدوهم). اهـ

وقال الإمام البيضاوي / في «أنوار التنزيل» (ج1 ص403): (قوله تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا[ [التوبة: 31]؛ بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله تعالى، وتحليل ما حرم الله تعالى، أو بالسجود لهم). اهـ

15) وعن عدي بن حاتم، t قال: (أتيت النبي r  وفي عنقي صليب من ذهب قال: فسمعته يقول: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله[ [التوبة: 31] قال: قلت: يا رسول الله إنهم لم يكونوا يعبدونهم قال: أجل ولكن يحلون لهم ما حرم الله، فيستحلونه، ويحرمون عليهم ما أحل الله، فيحرمونه، فتلك عبادتهم لهم). وفي رواية: (أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه). وفي رواية: (لسنا نعبدهم: فقال r: أليس يحرمون حلال الله فتحرمونه ...). وفي رواية: (يا رسول الله، أما إنهم لم يكونوا يصلون لهم؟ قال: صدقت، ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه، ويحرمون ما أحل الله لهم فيحرمونه).

حديث حسن لغيره

أخرجه الترمذي في «سننه» (ج5 ص287)، والبغوي في «معالم التنزيل» تعليقا (ج4 ص39)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج7 ص106)، والنحاس في «معاني القرآن» (ج3 ص202)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (989)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج5 ص34)، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص283)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص116)، وفي «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص636)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج10 ص114)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج3 ص230-الدر المنثور)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص92)، والسمرقندي في «بحر العلوم» (ج2 ص35)، والطيوري في «الطيوريات» (ج1 ص241 و242)، وابن بشران في «الأمالي» (ج2 ص170)، والواحدي في «الوسيط» (ج2 ص49)، والسهمي في «تاريخ جرجان» (ص541)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص129)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج23 ص119)، والجصاص في «أحكام القرآن» (ج3 ص104)؛ تعليقا: من طرق عن عبد السلام بن حرب الملائي، عن غطيف بن أعين، عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم t به.

قلت: وهذا سنده لا بأس به؛ فيه: غطيف بن أعين، قال الذهبي عنه في «الكاشف» (ص323): لينه بعضهم، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج7 ص311).

قلت: فمثله حسن في الشواهد.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج4 ص275)، وابن الأثير في «جامع الأصول» (ج2 ص49)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج7 ص327).

وأورده الشيخ الألباني / في «الصحيحة» (ج7 ص861).

ويشهد له:

ما أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص272)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج5 ص245)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج6 ص145)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص116)، وفي «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص635)، وسفيان الثوري في «تفسير القرآن» (ص124)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص109)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص103)، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص290)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج3 ص230-الدر المنثور)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج10 ص114 و115) من طريق العوام بن حوشب، وسفيان الثوري، والأعمش؛ كلهم عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي البختري سعيد بن فيروز الطائي ([124])  قال: سأل رجل حذيفة t، فقال: يا أبا عبد الله أرأيت؛ قوله تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله[ [التوبة: 31] أكانوا يعبدونهم؟ قال: (لا ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه). وفي رواية: (أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم أطاعوهم في المعاصي). وفي رواية: (أما إنهم لم يكونوا يصومون لهم، ولا يصلون لهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا أحله الله لهم حرموه، فتلك كانت ربوبيتهم).

قلت: وهذا سنده رجاله ثقات.

وتابع؛ حبيب بن أبي ثابت: عطاء بن السائب عن أبي البختري عن حذيفة بن اليمان t قال: في قوله تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله[ [التوبة: 31] قال: (لم يعبدوهم، ولكنهم أطاعوهم في المعاصي).

أخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج10 ص114)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص45).

قلت: وهذا سنده رجاله ثقات أيضا.

* فرواية: حذيفة تشهد له، وإن كانت موقوفة؛ لكن مثلها لا يقال بالرأي؛ فلها حكم المرفوع، وبهذا يرقى الحديث إلى درجة الحديث الحسن.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص64): (حديث حسن). اهـ

وقال الشيخ الألباني في «غاية المرام» (ص20): (حسن).

ونقل تحسين الترمذي له: المباركفوري في «تحفة الأحوذي» (ج8 ص494)، والحديث حسنه الشيخ الألباني في «صحيح سنن الترمذي» (2471).

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج12 ص303)، وآدم بن أبي أياس في «تفسير مجاهد» (ص367)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج5 ص34) من طريق ابن فضيل، وأبي الأحوص، وجرير، وورقاء؛ كلهم: عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري -وهو ثقة ثبت- قال: في قوله تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله[ [التوبة: 31] قال: (أطاعوهم فيما أمروهم به من حرام الله وحلاله، فجعل الله طاعتهم لهم عبادة). وفي رواية: (فعبدوهم بذلك). وفي رواية: (أما إنهم لو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم([125])، ولكنهم أمروهم، فجعلوا حلال الله حرامه، وحرامه حلاله، فأطاعوهم فكانت تلك الربوبية).

وإسناده صحيح، وهذا تفسير أبي البختري للآية.

16) وعن الحسن البصري / قال؛ في قوله تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا[ [التوبة: 31] قال: (في الطاعة).([126])

أثر صحيح

أخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج10 ص115) من طريق محمد بن أبي عدي عن أشعث بن عبد الملك عن الحسن البصري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الحافظ البيهقي / في «شعب الإيمان» (ج7 ص54)؛ فصل: من هذا الباب مجانبة الفسقة، والمبتدعة ومن لا يعينك على طاعة الله عز وجل.

قلت: فبين هذا الحديث؛ أن من عبادة الرهبان هي: طاعتهم في آرائهم التي تصدر منهم على أنها من الدين وهي: ليست من الدين؛ لأنهم جعلوا رهبانهم آلهة لهم يشرعون لهم ما يخالف الكتاب والسنة([127])، وفي هذا اتباع: «الرهبانية الضالة».([128])

قال تعالى: ]وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون[ [آل عمران: 78].

قلت: فيخبر تعالى عن اليهود: أن منهم فريقا يحرفون الكلم عن مواضعه، ويزيلونه عن المراد به، ليوهموا الجهلة؛ أنهم في كتاب الله تعالى كذلك، وينسبونه إلى الله تعالى، وهو كذب على الله تعالى، وهم يعلمون بهذا الكذب، والله المستعان.

قال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحمدان / في «الدر النضيد» (ص246): (وفي الحديث: دليل على أن طاعة الأحبار، والرهبان في معصية الله تعالى: عبادة لهم من دون الله تعالى). اهـ

وقال الشيخ العلامة سليمان بن عبد الله آل الشيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ص1094): (قوله r: (أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ...)؛ إلى آخره: صرح r في هذا الحديث بأن عبادة الأحبار والرهبان هي طاعتهم في تحريم الحلال، وتحليل الحرام، وهو طاعتهم في خلاف حكم الله تعالى، ورسوله r). اهـ

قلت: فكيف كانت عبادتهم: إذا أمروهم بشيء ائتمروا،  وإذا نهووهم عن شيء انتهوا لقولهم، وهم يجدون في كتاب الله ما أمروا به وما نهوا عنه، فقلدوا الرجال، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، فحصل لهم الوزر([129]): ]ألا ساء ما يزرون[ [النحل: 25].

قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج2 ص167): (قوله تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا[ [التوبة: 31]؛ يعني: أطاعوهم من دون الله). اهـ

قلت: هؤلاء لم يأمروهم أن يسجدوا لهم، ولكن أمروهم بمعصية الله تعالى([130])، وأمروهم بمخالفة الكتاب، فأطاعوهم في التقليد الأعمى، فسماهم الله تعالى بذلك: «أربابا»، نعوذ بالله من الخذلان.

قال تعالى: ]يخربون بيوتهم بأيديهم[ [الحشر: 2]؛ فهدموا بيوتهم بأيديهم.

وقال تعالى: ]تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون[ [البقرة: 229].

وقال تعالى: ]وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون[ [البقرة: 230].

قال أبو الليث السمرقندي / في «بحر العلوم» (ج2 ص53): (قوله تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا[ [التوبة: 31]؛ يعني: أهل الصوامع، والمتعبدين منهم. أربابا من دون الله، يعني: اتخذوهم كالأرباب يطيعونهم في معاصي الله). اهـ

وقال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص283): (فسمى النبي r اتباع من دون النبي r في التحليل، والتحريم عبادة، وكل من قلد مفتيا يخطىء، ويصيب فلا بد له ضرورة من أن يستحل حراما، ويحرم حلالا، وبرهان ذلك تحريم بعضهم ما يحله سائرهم، ولابد أن أحدهم مخطىء، أفليس من العجب: إضراب المرء عن الطريق التي أمره خالقه بسلوكها، وضمن له بيان نهج الصواب فيها، وأمره أن يكون همه نفسه لا ما سواها؛ فيترك ذلك كله، ويقصد إلى طريق لم يؤمر بسلوكها، ولا ضمن له نهج الصواب فيها). اهـ

وقال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص291): (هذه صفة المقلدين: لا يحرمون إلا ما جاء عن صاحبهم تحريمه، ولا يحلون إلا ما جاءهم عن صاحبهم تحليله نبرأ إلى الله تعالى من مثل هذا الاعتقاد). اهـ

قلت: فنازعوا الله تعالى في شرعه، وأحكامه، ودينه؛ فكانوا أربابا من دون الله، نعوذ بالله من الخذلان.

وهذا النص واضح الدلالة: لم يتخذوا الأحبار، والرهبان أربابا؛ بمعنى: الاعتقاد بألوهيتهم، لكن أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم، فتنبه: ]فاعتبروا ياأولي الأبصار[ [الحشر: 2].

قلت: وهذا من الشرك؛ لأنهم وقعوا في الشرك، وهم لا يشعرون.

وهذا الذي وقع فيه أتباع: «عبد الرحمن بن عبد الخالق» تماما، وإلى الآن، لم يتوبوا، ولن يتوبوا بسبب الهوى المضل، والأموال التي بأيدهم بسبب حب الدنيا، والله المستعان.([131])

قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتح المجيد» (ج2 ص653): (قوله: «عن عدي بن حاتم»؛ أي: الطائي المشهور.

وفي الحديث: دليل على أن طاعة الأحبار، والرهبان في معصية الله: عبادة لهم من دون الله، ومن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله؛ لقوله تعالى: ]وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون[؛ ويظهر ذلك: قوله تعالى: ]ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون[ [الأنعام: 121].

وهذا قد وقع فيه كثير من الناس مع من قلدوهم، لعدم اعتبارهم الدليل إذا خالف المقلد، وهو من هذا الشرك.

ومنهم من يغلو في ذلك واعتقد أن الأخذ بالدليل - والحالة هذه - يكره، أو يحرم؛ فعظمت الفتنة. ويقول: هم أعلم منا بالأدلة، ولا يأخذ بالدليل إلا المجتهد. وربما تفوهوا بذم من يعمل بالدليل، ولا ريب أن هذا من غربة الإسلام). اهـ

وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحمدان / في «الدر النضيد» (ص245): (وفي الحديث: دليل على طاعة الأحبار، والرهبان: في معصية الله تعالى عبدة لهم من دون الله تعالى، ومن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله تعالى). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «الملخص في شرح كتاب التوحيد» (ص300): (ما يستفاد من الحديث: بيان لنوع من أنواع الشرك: وهو شرك الطاعة). اهـ

وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ص1093): (قوله: فقلت له: أنا لسنا تعبدهم؛ ظن عدي t؛ أن العبادة المراد: بها التقرب إليهم بأنواع العبادة؛ من السجود، والذبح، والنذر، ونحو ذلك، فقال: إنا لسنا نعبدهم). اهـ

وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ج2 ص1098): (قوله: (وعبد بالمعنى الثاني، من هو من الجاهلين)؛ وذلك: كاعتقادهم العلم في أناس من جهلة المقلدين، فيحسنون لهم البدع، والشرك؛ فيطيعونهم، ويظنون أنهم علماء مصلحون: ]ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون[ [البقرة: 12]). اهـ

قلت: فليحذر الذين يلوذون عن أمر الله تعالى، وأمر رسوله r، ويدبرون عن الدين معرضين، فيصيبهم في عاجل الدنيا عذاب من الله تعالى موجع: على خلافهم أمر رسول الله r، فيطبع على قلوبهم، فلا يومن أن يظهروا الضلالات في أقوالهم، وأفعالهم.([132])

قال تعالى: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ [النور: 63].

وقال تعالى: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين[    [الصف: 5].

وقال تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء: 65].

قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتح المجيد» (ج2 ص649): (ولا يخالف في ذلك إلا جهال المقلدة([133])، لجهلهم بالكتاب، والسنة، ورغبتهم عنهما، وهؤلاء: وإن ظنوا أنهم قد اتبعوا الأئمة؛ فإنهم في الحقيقة قد خالفوهم، واتبعوا غير سبيلهم). اهـ

قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].

قال تعالى: ]فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [القصص: 50].

قال تعالى: ]ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا (60) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا[ [النساء: 60-61].

قلت: فاتحاكم إلى غير حكم الله تعالى، وغير حكم رسوله r من منهج المنافقين، وهو الفساد في الأرض.([134])

قال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص269): (وظن قوم: أنهم تخلصوا من التقليد بوجه به تحققوا بالدخول فيه، وتوسطوا عنصره... فإن كانت آية، أو حديثا؛ تأولوا: فيها التأويلات البعيدة، وحرفوهما عن مواضعهما؛ فدخلوا: في قوله تعالى: ]يحرفون الكلم عن مواضعه[ [النساء: 46]؛ فإن أعياهم ذلك؛ قالوا هذا خصوص، وهذا متروك، وليس عليه العمل). اهـ

وقال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص269): (التقليد على الحقيقة: إنما هو قبول ما قاله قائل دون النبي r: بغير برهان). اهـ

وقال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص271): (والعجب: أنهم ينسون التقليد، ويقولون: إن المقلد عاص لله تعالى، ويقولون: لا يجوز أن يؤخذ من أحد ما قامت عليه حجة، ويقولون: ليس أحد بعد رسول الله r؛ إلا ويؤخذ من قوله ويترك، ثم إنهم مع هذا لا يفارقون قول صاحبهم بوجه من الوجوه). اهـ

قال تعالى: ]قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض[ [يوسف: 72]؛ فدلت الآية على أن كل معصية فساد في الأرض([135])، لقوله تعالى: ]ما جئنا لنفسد في الأرض[.

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «الملخص في شرح كتاب التوحيد» (ص305): (المعاصي إفساد في الأرض). اهـ

قلت: وعبد الرحمن بن عبد الخالق وأتباعه؛ إذا قيل لهم تعالوا إلى حكم الله تعالى، وحكم رسوله r، وحكم الصحابة y: رأيتهم يصدون عن الحكم المنزل من الله تعالى صدودا، ويصدون؛ بمعنى: يعرضون؛ لأن مصدره: صدودا، وما أكثر من اتصف بهذا الوصف؛ خصوصا ممن يدعي العلم([136])؛ فإنهم صدوا عما توجبه الأدلة من الكتاب، والسنة، والأثر([137]) إلى آراء رؤوس الضلالة ممن يخطئ كثيرا، ويصيب قليلا، ولابد([138])، فتدبر تجد ذلك في حال الأكثر: ]ويأبى الله إلا أن يتم نوره[ [التوبة: 32].

قال تعالى: ]أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون[ [المائدة: 50].

قلت: وهذا فيه التحذير من الاغترار بآراء أهل الأهواء والبدع، وإن زخرفوها بالدعاوى الفارغة.

قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].

وقال تعالى: ]أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا[ [الفرقان: 43]؛ فالمبتدع لا يهوى شيئا إلا ركبه!.

وقال تعالى: ]فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين[ [الصافات: 157].

وقال تعالى: ]قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين[ [البقرة: 111].

وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج3 ص123): (ينكر الله تعالى: على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل: على كل خير، الناهي عن كل شر؛ وعدل إلى ما سواه من الآراء، والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال؛ بلا مستند من شريعة الله تعالى). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «الملخص في شرح كتاب التوحيد» (ص304): (الله تعالى يذكر من صفات المنافقين؛ أنهم: إذا نهوا عن ارتكاب المعاصي التي تسبب الفساد في الأرض: بحلول العقوبات، وأمروا بالطاعة التي فيها صلاح الأرض؛ أجابوا: بأن شأننا الإصلاح؛ لأنهم: تصوروا الفساد بصورة الصلاح: لما في قلوبهم من المرض). اهـ

وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج2 ص305): (هذه الآية: ذامة لمن عدل عن الكتاب، والسنة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل([139])، وهو المراد: بالطاغوت هاهنا). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «الملخص في شرح كتاب التوحيد» (ص307): (ما خالف شرع الله تعالى؛ فهو من حكم الجاهلية). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «الملخص في شرح كتاب التوحيد» (ص307): (الجاهلية: ما كان قبل الإسلام: وكل ما خالف الإسلام؛ فهو من الجاهلية). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج18 ص51): (فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله، فمن لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم). اهـ

قلت: فلا يعتد بفتاوى أهل التساهل في الدين، ممن عدهم العوام من العلماء في الدين، لأنهم يتكلمون في الأحكام بغير علم، فلذلك يتناقضون في الفتاوى على حسب جهلهم في الدين. ([140])

قال العلامة الشاطبي $ في «الموافقات» (ج4 ص62): (الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها، وإن كثر الخلاف؛ كما أنها في أصولها كذلك، ولا يصلح فيها غير ذلك). اهـ

فيحرم تقليد المتعالم الجاهل مطلقا، لأن الجهل ضد العلم، والجاهل غير العالم، وقد صرح أهل العلم بمنع الجاهل من الفتوى، ومنع المسلم من تقليده في الدين.([141])

وقد أجمعت الأمة على منع تقليد الجاهل مطلقا، وذلك لأنه تضييع لأحكام الشريعة المطهرة، ومن شروط التقليد كون المقلد مجتهدا في معرفة الدليل أحيانا، وهذا الشرط ممنوع هنا.

قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7].

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين $ في «شرح الكافية الشافية» (ج1 ص182): (البلاء كل البلاء من الجاهل([142])جهلا مركبا؛ الذي يجادلك بغير علم، ويتكلم بين العامة بغير علم، ويتكلم مع العلماء بالمجادلة بغير علم). اهـ

18) وعن الإمام سفيان الثوري $ قال: (تعوذوا بالله من فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر([143])، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون).

 

أثر صحيح

أخرجه أبو الفتح المقدسي في «الحجة» (577)، وعبد الله بن المبارك في «الزهد»؛ «زيادات» نعيم بن حماد (ص18)، والبيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1651)، وفي «شعب الإيمان» (ج2 ص308)، و(ج7 وص36)، وأحمد في «العلل» (ج3 ص118)، والآجري في «مسألة الطائفين» (ص26)، وفي «أخلاق العلماء» (ص61)، وفي «فرض طلب العلم» (39)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص192)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج6 ص377)، و(ج7 ص36) من طرق عن سفيان الثوري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن القيم في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص351).

قال الإمام أبو الفتح المقدسي $ في «الحجة» (ج2 ص570)؛ باب: التحذير من علماء السوء؛ ممن ترك كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ، واعتمد على رأيه، وجلب الناس بمنطقة، وتزين لهم بعلمه وزهده، وتصنع بقراءته وتعبده؛ وما يصدون بذلك عن الحق، ويقطعون عن الخير، ويمنعون من طلب العلم.

وعن الإمام عبدالله بن المبارك $ قال: (كان يقال: تعوذوا بالله من فتنة العالم الفاجر، ومن شر فتنة العابد الجاهل؛ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون).([144])

قال الإمام ابن القيم $ في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص160): (الناس إنما يقتدون بعلمائهم وعبادهم فإذا كان العلماء فجرة والعباد جهلة عمت المصيبة بهما وعظمت الفتنة على الخاصة والعامة). اهـ

وقال الإمام ابن القيم $ في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص160): (ومن تأمل الفساد الداخل على الأمة، وجده من هذين المفتونين).([145]) اهـ

19) وعن الإمام الشعبي $ قال: (اتقوا الفاجر من العلماء، والجاهل من المتعبدين؛ فإنهما آفة لكل مفتون).([146])

ولما كان الأمر كذلك، وجب علينا أن نقف مع الحجة، والاستدلال، تاركين التعصب للرجال، نسير مع الحق أين سارت ركائبه، ونستقل مع الصواب حيث استقلت مضاربه.

إذا بدا لنا الدليل أخذنا به، وطرنا إليه، وإذا دعانا الرسول r إلى أمر انقدنا إليه، وعولنا في أحكام ديننا عليه؛ فنصوصه أجل في صدورنا، وأعظم في نفوسنا، من أن نقدم عليها قول أحد من الناس، أو نعارضها برأي، أو قياس.([147])

هذا؛ وقد وجدنا بالسبر، والتتبع لأحوال الخلق: أن الخلاف قلما ينجو من غوائله من سار عليه، واتخذه طريقا، وندر أن يسلم من مغبته من قل علمه، ونزر ورعه.

إن من الناس من يولع بالخلاف أبدا؛ حتى إنه ليرى أن أفضل الأمور: أن لا يوافق أحدا على قول، ولا يجامعه على رأي، ولا يواتيه على محبة.

ومن كانت هذه عادته،فإنه لا يبصر الحق، ولا ينصره، ولا يعتقده دينا، ومذهبا، إنما يتعصب لرأيه، وينتقم لنفسه، ويسعى في مرضاتها؛ حتى إنك لو رمت أن ترضيه، وتوخيت: أن توافقه على الرأي الذي يدعوك إليه، تعمد لخلافك فيه، ولم يرض به حتى ينتقل إلى نقيض قوله الأول، فإن عدت في ذلك إلى وفاقه، عاد فيه إلى خلافك.

فمن كان بهذه الحال: فعلى اللبيب مباعدته والنفار عن قربه؛ فإن رضاه غاية لا تدرك.([148])

فالمرء قد يغلب عليه طبعه، وتسيطر عليه نفسه، وتحدق به خظوظه؛ فلا يرى الحق إلا معه، ولا يبصر الصواب إلا في رأي إمامه ومتبوعه، فيدفعه ذلك إلى مجاوزة الحد، ومجانبة الصواب، حتى ينأى به عن حدود السنة والكتاب.

بل ربما دفعه ذلك إلى الاجتراء على رسول الله r بالوضع، أو ذكر الضعيف من الحديث، وليس هذا بمستغرب عليه؛ فإن العصبية تفعل بصاحبها الأفاعيل.

وقد صح بهذا الخبر عن النبي r.

فعن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله r: (من أعان قومه على ظلم، فهو كالبعير المتردي ينزع بذنبه).

حديث حسن

أخرجه أبو داود في «سننه» (5118)، والطيالسي في «المسند» (344)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص234)، وأبو يعلى في «المسند» (5304)، وابن حبان في «صحيحه» (5942)، والرامهرمزي في «أمثال الحديث» (ص105)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص393 و401 و449) من طريق شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وإسرائيل بن يونس، وغيرهم؛ كلهم: عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبدالله بن مسعود عن أبيه به.

قلت: وهذا سنده حسن، وقد صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (1383).

وأخرجه أبو داود في «سننه» (5117)، وأحمد في «المسند» (3726)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص234) من طريق زهير بن معاوية عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبدالله بن مسعود عن أبيه به موقوفا.

قلت: وهذا سنده حسن.

ومعنى الحديث: أنه من أعان قومه، أو غيرهم على باطل، أو مشكوك فيه: غير متيقن منه، فقد وقع في الإثم وهلك؛ كالبعير إذا تردى في بئر؛ فصار ينزع بذنبه، ولا يقدر على خلاصه.([149])

وأي ظلم من المرء لدينه، ولرسوله r، وللمؤمنين، وللنفس، أعظم من نصرة غير الحق، أو الوقوف في وجه من يدعو إليه، أو الانحياز إلى من يتلبس بثياب الباطل، والظلم، والكذب.

قال تعالى: ]أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون[ [البقرة: 75].

وقال تعالى: ]ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون[ [النحل: 116].

وقال تعالى: ]ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون[ [هود: 113].

قال أبو حامد الغزالي / في «إحياء علوم الدين» (ج4 ص299): (إن الطباع مجبولة على حب الأنبياء صلوات الله عليهم، وعلى حب الصحابة رضي الله تعالى عنهم، مع أنهم لم يشاهدوا.

بل حب أرباب المذاهب؛ مثل: الشافعي، وأبي حنيفة، ومالك، وغيرهم؛ حتى إن الرجل قد يجاوز به حبه لصاحب مذهبه حد العشق فيحمله ذلك على أن ينفق جميع ماله في نصرة مذهبه، والذب عنه، ويخاطر بروحه في قتال من يطعن في إمامه ومتبوعه؛ فكم من دم أريق في نصرة أرباب المذاهب). اهـ

هذا؛ وكثيرا ما تكون الخلافات ظاهرها اختلافات في مسائل علمية، أو قضايا فكرية، أو طرق تطبيقية.

وباطنها حظ النفس، وحب الذات، واتباع الهوى الذي يعمي ويصم، لكنها تكسى لباس الحرص على إظهار الحق؛ والحرص على العلم، ومصلحة الإسلام والمسلمين، وغير ذلك مما يدق ويخفى على العامة.

قال تعالى: ]والله يعلم المفسد من المصلح[ [البقرة: 220].

قلت: وهذا المتعالم المفتون مادام على هذا الجهل المركب فهو مخاصم، ومماري، ومحدث بالباطل.

وأيها المتعالم لا تزال ظالما ما كنت مخاصما حاقدا، ولا تزال آثما ما كنت مماريا عصبيا، ولا تزال كاذبا ما كنت محدثا مفتريا.

فعن بلال بن سعد / قال: (إذا رأيت الرجل لجوجا([150]) مماريا([151]) معجبا برايه فقد تمت خسارته).

أثر صحيح

أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج5 ص228)، وابن حبان في «روضة العقلاء» (ص79)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج6 ص341)، ومحمد بن طاهر في «الحجة» (ج2 ص584)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص524) من طرق عن الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فما ضل قوم بعد هدى؛ إلا أوتوا الجدل والخصام، والعياذ بالله

قال تعالى: ]ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون[ [الزخرف: 58].

وقال تعالى: ]خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين[ [النحل: 4].

وقال تعالى: ]أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين[ [يس: 77].

وقال تعالى: ]ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام[ [البقرة: 204].

فعن قتادة / قال: في قوله تعالى: ]ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام[ [البقرة: 204]؛ قال: (هو المنافق).

أثر صحيح

أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (1/ق24/ط)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (1456)، والطبري في «جامع البيان» (ج4 ص232) من طريق معمر عن قتادة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فإياك والمراء في الدين، فإن نفعه قليل، وهو يهيج العداوة، والبغضاء بين الإخوان.

فعن عائشة ڤ، أن رسول الله r قال: (إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم). وفي رواية: (إن الله يبغض الألد الخصم).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص101)، و (ج8 ص117)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2054)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص214)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5945)، و(10969)، وفي «المجتبى» (ج8 ص247)، والحميدي في «المسند» (ج1 ص132)، والدارمي في «النقض» (ج2 ص873)، وأبو عثمان البحيري في «الفوائد» (30)، وابن منده في «التوحيد» (710)، و(711)، و(712)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص126)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج5 ص274)، وفي «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص561)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص108)، وفي «الأسماء والصفات» (ج2 ص466)، وفي «معرفة السنن والآثار» (6168)، وفي «شعب الإيمان» (8071)، و(8072)، والبعلي في «حديثه» (1/30/ط)، وطاهر بن محمد المقدسي في «صفوة التصوف» (1/776/ط)، والبغوي في «شرح السنة» (ج10 ص97)، وفي «معالم التنزيل» (ج1 ص236)، وابن مردويه في «تفسير القرآن» (ج2 ص479 الدر المنثور)، وابن وهب في «الموطأ» (229)، وفي «الجامع في الحديث» (441)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص55)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (257)، وفي «الغيبة والنميمة» (18)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص481)، والمروزي في «حديث يحيى بن معين» (ص181)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج8 ص252)، والثعلبي في «الكشف والبيان» تعليقا (ج2 ص123)، وابن سمعون الواعظ في «الأمالي» (316)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج2 ص479 الدر المنثور)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص483 و484)، والسلفي في «معجم السفر» (1316)، والذهبي في «معجم الشيوخ» (303)، والبعلبكي في «حديث ابن مجد» (1/3/ط)، وابن راهويه في «المسند» (1242)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ص200)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج10 ص322)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص137) من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة ڤ به.

وقوله r: «الألد» الخصم، أي: شديد اللدد، وهو شديد الجدال، والتخاصم في الدين.([152])

قلت: والذم إنما هو لمن خاصم بباطل، وبغير علم، ويدل في الذم من يطلب حقا؛ لكن لا يقتصر على قدر الحاجة، بل يظهر اللدد، والكذب في القول، لإيذاء خصمه، وكذلك من يحمله على الخصومة محض العناد لقهر خصمه، وكسره.([153])

قال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج16 ص219): (الألد: شديد الخصومة مأخوذ من لديدي الوادي، وهما جانباه؛ لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر، وأما الخصم، فهو الحاذق بالخصومة، والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حق، أو إثبات باطل).([154]) اهـ

ومعن الإمام الحسن البصري / قال: (في قوله تعالى: ]وهو ألد الخصام[، قال: كاذب القول).

أثر حسن

أخرجه المروزي في «حديث ابن معين» (ص201)، والبغوي في «معالم التنزيل» (ج1 ص236)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص365) من طريقين عن عاصم عن الحسن البصري به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن ابن عباس قال: (في قوله تعالى: ]وهو ألد الخصام[، قال: شديد الخصومة).

أثر حسن لغيره

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص365) من طريق بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس به.

قلت: وهذا سنده حسن في الشواهد.

وأخرجه الطستي في «مسائله» (ج2 ص478 - الدر المنثور) من طريق نافع بن الأزرق عن ابن عباس بلفظ: (الجدل المخاصم في الباطل).

وذكره السيوطي في «الإتقان» (ج2 ص97).

وعن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]وهو ألد الخصام[، قال: (جدل بالباطل).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص365)، والحامض في «حديثه» (ص220)، والهروي في «ذم الكلام» (ص50)، والطبري في «جامع البيان» (ج2 ص315)، وعبدالرزاق في «تفسيرالقرآن» (ج1 ص81) من طريقين عن قتادة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام السدي / قال: في قوله تعالى: ]وهو ألد الخصام[، قال: (فأعوج الخصام).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص365)، والطبري في «جامع البيان» (ج2 ص315) من طريق عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فالاعوجاج في الخصومة من الجدال واللدد.([155])

فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق / قال: (إياكم والخصومة في الدين، فإنها تشغل القلب، وتورث النفاق).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص531)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص526)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص128)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج5 ص92)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص198) من طريق منصور بن أبي مزاحم حدثني عنبسة بن سعيد القاضي قال: سمعت جعفر بن محمد الصادق به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن عبدالله بن مسعود t قال: (إن من أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل).

أثر صحيح

أخرجه أحمد في «الزهد» (ص233)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص108)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص80)، وابن وهب في «الجامع في الحديث» (ج1 ص445) من طرق عن الأعمش، عن صالح بن خباب، عن حصين بن عقبة، عن عبد الله بن مسعود به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال العراقي في «المغني» (ج3 ص112): «سنده صحيح».

وقال الهيثمي في «الزوائد» (ج10 ص303): «رجاله ثقات».

قلت: فالخصومة في الدين تولد الكراهية، والعداوة، والبغضاء بين المسلمين.

قال تعالى: ]إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء[ [المائدة:91].

إذا فالخصومة تهيج الغضب حتى ينسى المخاصم والمتنازع أوامر الله تعالى، وأوامر رسوله r عليه، فيعاند، ويستكبر على الله تعالى، ورسوله r إذا ذكر له الدليل بسبب بغضه للحق وأهله، والله المستعان.

فعن الإمام مالك بن أنس / قال: (المراء في العلم يقسي القلب، ويورث الضغن).

أثر حسن

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص530) من طريق أبي الأحوص قال: حدثنا سليمان بن داود قال: حدثنا ابن وهب قال: سمعت مالك بن أنس به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن عمرو بن قيس قال: قلت، للحكم بن عتيبة: (ما اضطر الناس إلى الأهواء؟ قال: الخصومات).

أثر صحيح

أخرجه الآجري في «الشريعة» (ج1 ص192)، واللالكائي في «الاعتقاد» (218)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (97)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (536)، والأصبهاني في «الحجة» (ص214) من طرق عن سفيان، عن عمرو بن قيس به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص531): (فاعلم يا أخي أني لم أر الجدال والمناقضة، والخلاف، والمماحلة، والأهواء المختلفة، والآراء المخترعة من شرائع النبلاء، ولا من أخلاق العقلاء، ولا من مذاهب أهل المروءة، ولا مما حكي لنا عن صالحي هذه الأمة، ولا من سير السلف، ولا من شيمة المرضيين من الخلف، وإنما هو لهو يتعلم، ودراية يتفكه بها، ولذة يستراح إليها، ومهارشة العقول، وتذريب اللسان بمحق الأديان، وضراوة على التغالب، واستمتاع بظهور حجة المخاصم، وقصد إلى قهر المناظر، والمغالطة في القياس، وبهت في المقاولة، وتكذيب الآثار، وتسفيه الأحلام الأبرار، ومكابرة لنص التنزيل، وتهاون بما قاله الرسول r، ونقض لعقدة الإجماع، وتشتيت الألفة، وتفريق لأهل الملة، وشكوك تدخل على الأمة، وضراوة السلاطة، وتوغير للقلوب، وتوليد للشحناء في النفوس عصمنا الله وإياكم من ذلك، وأعاذنا من مجالسة أهله). اهـ

وعن عائشة ڤ قالت: (كان أبغض الرجال إلى رسول الله الألد الخصم).

أثر صحيح

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص484)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص135) من طريق معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ڤ به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه عبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص81)، وفي «الأمالي في آثار الصحابة» (ص25) من طريق معمر، قال: أخبرني ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة ڤ به موقوفا.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام عبدالله بن شبرمة الكوفي / قال: (من بالغ في الخصومة أثم).

أثر حسن

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص513) من طريق السري بن يحيى، نا عثمان بن زفر، نا ابن السماك، عن عبدالله بن شبرمة به.

قلت: وهذا سنده حسن.

قلت: فالجدال المذموم وجهان:

أحدهما: الجدال بغير علم.

قال تعالى: ]الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا[ [غافر:35].

والثاني: الجدال بالشغب، والتمويه، نصرة للباطل بعد ظهور الحق وبيانه.

قال تعالى: ]وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق[ [غافر:5].

قلت: فبين الله تعالى في هاتين الآيتين الجدال المذموم، وأعلمنا أنه الجدال بغير حجة، والجدال في الباطل.([156])

قال الإمام الأوزاعي /: (إذا أراد الله بقوم شرا ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل).([157])

أثر صحيح

أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (296)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص123)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» تعليقا (ص412) والخطيب في «اقتضاء العلم والعمل» (122)، والذهبي في «السير» (ج7 ص121) من طرق عن الأوزاعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام معروف الكرخي / قال: (إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له باب العمل، وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد الله بعبد شرا فتح له باب الجدل، وأغلق عنه باب العمل).

أثر حسن

أخرجه الخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (123)، وابن حمكان في «الفوائد والأخبار» (ص162)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج8 ص361)، وابن الجوزي في «مناقب معروف الكرخي» (ص122)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ج2 ص210)، وابن البناء في «الرد على المبتدعة» (ص43) من طرق عن معروف الكرخي به.

قلت: وهذا سنده حسن.

20) وقال تعالى: ]مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون[ [العنكبوت: 41].

قال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص274): (فمن اتخذ رجلا إماما يعرض عليه قول ربه تعالى، وقول نبيه r، فما وافق فيه قول ذلك الرجل قبله، وما خالفه ترك قول ربه تعالى، وقول نبيه r، وهو يقرأ: أن هذا قول الله تعالى، وقول رسوله r، والتزم قول إمامه، فقد اتخذ دون الله تعالى وليا، ودخل في جملة الآية المذكورة). اهـ

21) وقال تعالى: ]والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون[ [البقرة: 257].

22) وقال تعالى: ]ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت([158]) والطاغوت([159]) ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا[ [النساء:51].

قلت: والجبت: اسم عام لكل ما فيه مخالفة لأمر الله تعالى، وأمر رسوله r في الاعتقاد، والمنهج، والدعوة، والطاعون كذلك: هو الباطل من البدع وغيرها.([160])

قال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص275): (ولا وليجة أعظم ممن جعل رجلا بعينه عيارا: على كلام الله تعالى، وكلام رسوله r، وكلام سائر علماء الأمة). اهـ

وقال تعالى: ]وأن احكم بينهم بما أنزل الله[ [المائدة: 49].

قال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص275): (فهذا لازم في كل حكم). اهـ

وقال تعالى: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب (166) وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار[ [البقرة: 166 و167].

وقال تعالى: ]يوم تقلب وجوههم في النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا (66) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا (67) ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا[ [الأحزاب: 66-68].

قال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص275): (فمن لم يأت بكتاب الله تعالى، شاهد لقوله، أو ببرهان على صدق قوله، وإلا فليس صادقا، لكنه كاذب آفك: مفتر على الله تعالى.

ومن أطاع سادته، وكبراءه، وترك ما جاءه بنص القرآن، واستحق الوعيد بالنار). اهـ

قال تعالى: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب[ [البقرة: 166].

قلت: ففي هذه الآية، سوف يتبرأ رؤوس الضلالة الذين أسسوا لهم جماعة ضالة في الدعوة إلى الله، وذلك لما رأوا عذاب الله لهم، والوعيد الشديد لهم تبرأوا من أتباعهم الذين أضلوهم بغير علم لعل يرفع عنهم العذاب، رغم أنهم في الحياة الدنيا إذا كثر أتباعهم فرحوا بهم، وإذا ضلوا أحدا سعدوا به أن صار من أتباعهم: ]بل أنتم قوم تجهلون[ [النمل: 55]، ]ولكني أراكم قوما تجهلون[ [الأحقاف: 23].

قال تعالى: ]ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون[          [الأنعام: 111].

قلت: فمن أراد من دعاة الضلالة أن يتبرأ من أتباعه السذج، فعليه أن يتبرأ منهم في حياته قبل موته، ثم يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا، ويعلن توبته، والبراءة من ضلالاته، وجهالاته مخلصا لله تعالى في ذلك، ثم يعمل الصالحات عن طريق أهل السنة، أما أن يتبرأ من أتباعه يوم القيامة، ويعلن توبته بعد موته، والبراءة منهم، ومن ضلالاته، فهذا لا فائدة من ذلك كله؛ فـ«هيهات... هيهات».

قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا[ [التحريم: 8].

وقال تعالى: ]وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما[ [النساء: 18].

وقال تعالى: ]وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (90) آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين[ [يونس: 90-91].

وقال تعالى: ]إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب([161]) فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما[ [النساء: 17].

وقال تعالى: ]قال إنكم قوم تجهلون[ [الأعراف: 138].

وقال تعالى: ]إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون[ [هود: 29].

وعن قتادة / قال: في قوله تعالى: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا[ [البقرة: 166]؛ وهم: الجبابرة، والقادة، والرءوس في الشرك، والشر، ]من الذين اتبعوا[؛ وهم: الأتباع الضعفاء، ]ورأوا العذاب[.

أثر صحيح

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (2411)، وابن أبي زمنين في «تفسير القرآن» (ج1 ص193) من طريق يزيد بن زريع قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

ويزيد بن زريع سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل الاختلاط.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج2 ص122)، والشوكاني في «فتح القدير» (ج1 ص166).

قلت: فأخبر تعالى أن المتبعين على الضلالة في الدين؛ يتبرءون من أتباعهم الذين أضلوهم بغير علم: حين يعاينون عذاب الله تعالى لهم، ولم يخصص بذلك منهم بعضا دون بعض، بل عم الله تعالى جميعهم.([162])

فداخل في ذلك كل متبوع على الضلالات؛ أنه يتبرأ من أتباعه الذين كانوا يتبعونه على الضلال في الدنيا؛ إذ عاينوا عذاب الله تعالى في الآخرة، نعوذ بالله من الخذلان.

وعن مجاهد / قال: في قوله تعالى: ]وتقطعت بهم الأسباب[ [البقرة: 166]؛ قال: (الوصال الذي كان بينهم في الدنيا). وفي رواية: (تواصلهم في الدنيا).

أثر صحيح

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (2415)، (2416)، و(2417) وسفيان الثوري في «تفسير القرآن» (ص54)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (240)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج1 ص278)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص285) من طريق جرير، وسفيان الثوري؛ كلاهما: عن عبيد المكتب عن مجاهد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن مجاهد / قال: في قوله تعالى: ]وتقطعت بهم الأسباب[ [البقرة: 166]؛ قال: (المودة)؛ يعني: بين المتبوعين، والأتباع. وفي رواية: (تواصل كان بينهم بالمودة في الدنيا).

أثر صحيح

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (2418)، وآدم بن أبي إياس في «تفسير مجاهد» (ص218) من طريق حجاج، وورقاء، وشبل؛ كلهم: عن ابن أبي نجيح، وابن جريج؛ كلاهما: عن مجاهد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (2420) من طريق الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد / قال: (تواصل كان بينهم بالمودة في الدنيا).

والحسين: وهو ابن داود المصيصي، وقد توبع.

وعن ابن عباس قال: في قوله تعالى: ]وتقطعت بهم الأسباب[ [البقرة: 166]؛ قال: (المودة).

أثر صحيح

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (2421)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج1 ص278)، والحاكم في «المستدرك على الصحيحين» (ج2 ص272)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص123 الدر المنثور) من طريق قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن قتادة / قال: في قوله تعالى: ]وتقطعت بهم الأسباب[ [البقرة: 166]؛ أسباب الندامة يوم القيامة، وأسباب المواصلة التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها، ويتخالون بها، ويتحابون بها، فصارت عليهم عداوة يوم القيامة: ]ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا[ [العنكبوت: 25]؛ ويتبرأ بعضكم من بعض، وقال الله تعالى: ]الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين[ [الزخرف: 68]؛ فصارت كل خلة عداوة على أهلها، إلا خلة المتقين).

أثر صحيح

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (2422) من طريق يزيد بن زريع قال: ثنا سعيد عن قتادة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج11 ص393)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج2 ص124).

وعن قتادة / قال: في قوله تعالى: ]وتقطعت بهم الأسباب[ [البقرة: 166]؛ قال: (هو الوصل الذي كان بينهم في الدنيا).

                                                   أثر صحيح

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (2423)، وعبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص28) من طريق معمر عن قتادة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعلقه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج1 ص278).

قلت: فأخبر الله تعالى أن الذين ظلموا أنفسهم من أهل الأهواء الذين ماتوا وهم: مبتدعة؛ يتبرأ عند معاينتهم عذاب الله تعالى: المتبوع من التابع، وتتقطعت بهم الأسباب.

وقد أخبر الله تعالى أن بعضهم يلعن بعضا، وأن الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو، إلا المتقين من أهل الصلاح، والإصلاح في الدين، وأن المبتدعين لا ينصر يومئذ بعضهم بعضا.

وقد أخبر الله تعالى أن أعمالهم البدعية تصير عليهم حسرات، وكل هذه المعاني أسباب يتسبب في الدنيا بها إلى مطالب، فقطع الله تعالى منافعها في الآخرة عن المبتدعين، والكافرين في الدنيا؛ لأنها كانت بخلاف طاعته، ورضاه: فهي منقطعة بأهلها، فلا خلال بعضهم بعضا عند ورودهم على ربهم، ولا تقبل عبادتهم البدعية، ولا طاعتهم لشياطينهم.

قال تعالى: ]وقفوهم إنهم مسئولون (24) ما لكم لا تناصرون[ [الصافات: 24 و25].

قال تعالى: ]ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين[ [البقرة: 168]، يعني: تزيين الشيطان.

قال تعالى: ]وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار[ [البقرة: 167]، يعني: ندامات.([163])

فقال الأتباع الجهلة: لو أن لنا كرة نرجع إلى الدنيا، فنتبرأ من الذين اتبعناهم؛ كما تبرءوا منا في الآخرة؛ فـ«هيهات.. هيهات».([164])

قال تعالى: ]ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين[ [الأنعام: 27].

فعن قتادة بن دعامة / قال: في قوله تعالى: ]وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا[ [البقرة: 167]؛ قال: (رجعة إلى الدنيا).([165])

                                                   أثر صحيح

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (2430)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج2 ص124- الدر المنثور) من طريق يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة بن دعامة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال تعالى: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة: 3].

قال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص296): (فالدين قد كمل، فلا مدخل لأحد فيه: بزيادة، ولا نقص، ولا تبديل). اهـ

 

هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا ... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

مصايد، ومكايد الحزبية المبتدعة للجهال من الناس في البلدان........

5

2)

فتوى العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في التحذير من المشبوهين في الدين، وإن تظاهروا بالأعمال الخيرية.......................

7

3)

فتوى العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في جهل المترهبنة المتثقفة في الدين، وأنه لا يتعمد عليهم في الفتاوى في العلم، لا في الأصول، ولا في الفروع...........................................................................

8

4)

فتاوى العلماء في تبيين الحق، وعدم السكوت عن الباطل.......................................................................................................

9

5)

المقدمة.....................................................................................................

10

6)

ذكر الدليل على أن الرهبانية البدعية، لم تفرض على أمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمر بها؛ بل مرفوضة في الدين، ويحرم التعبد بالترهب في العبادة، فلا رهبانية في الإسلام................................

35

7)

ذكر الدليل على أن المتنصبة المقلدة يعتبرون من الرهبان الذين يعبدون الله تعالى في دينه بالتقليد المذموم، والجهل المركب؛ لأنهم ينتسبون إلى العلم، مع حرصهم على نيل المناصب الدينية والدنيوية لكسبهم الأموال؛ بجميع أنواعها؛ بل إن هؤلاء يعبدون الله تعالى على حرف في الدين فهم: ليسوا بقدوة في الدعوة إلى الله، والعلم، وأن هذه: «الرهبنة» ضلوا بسببها، ثم أكلوا عن طريقها أموال المسلمين بالباطل، ثم بسبب هذه المناصب، والأموال يصدون الناس عن سبيل الله تعالى في الأصول والفروع في الدين..................................................................................................

48

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



([1]) كما تتصيد الرافضة: الجهال من الناس: «باسم أهل البيت!»، وتتصيد الخوارج: الجهال من الناس: «باسم تطبيق الشريعة والجهاد!»، وتتصيد الربيعية: الجهال من الناس: «باسم السنة والسلفية!»، وتتصيد الأشاعرة: الجهال من الناس: «باسم أهل السنة والجماعة!»، وتتصيد التراثية: الجهال من الناس: «باسم التوحيد والسلفية!»، وتتصيد الإخوانية: الجهال من الناس: «باسم الإسلام والإصلاح والأعمال الخيرية!»، وتتصيد الصوفية: الجهال من الناس: «باسم حب النبي r!»، وتتصيد القطبية: الجهال من الناس «باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!»، وتتصيد السرورية: الجهال من الناس «باسم السنة!»، وتتصيد الداعشية: الجهال من الناس: «باسم الجهاد!»،  وتتصيد التبليغية: الجهال من الناس: «باسم الدعوة!»، وتتصيد الثورية: الجهال من الناس: «باسم التغيير!»، وتتصيد المتنصبة: الجهال من الناس: «باسم العلم والإفتاء بفقه المذاهب!»، وتتصيد المقلدة: الجهال من الناس: «باسم الفقه!»، وهكذا.

([2]) نقله عنه الذهبي في «السير» (ج6 ص340)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج28 ص430)، والشاطبي في «الموفقات» (ج1 ص142).

([3]) «سلسلة الهدى والنور، من «شريط مسجل»، رقم: (243).

([4]) «الجواهر المضية» (ص22).

([5]) حديث صحيح.

      أخرجه أبو داود في «سننه» (4607)، والترمذي في «سننه» (2678)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص67)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص126) بإسناد صحيح.

     قلت: والتأسي والاقتداء بالرسول ه طريقة الاعتصام بالكتاب والسنة.

([6]) الغاغة: واحدة الغاغ، وهو الكثير المختلط من الناس.

      انظر: «الرائد» لجبران (ص573).

([7]) يعني: الأهواء والآراء المختلفة في الضلالات، مثل: الجماعات الحزبية الموجودة في الساحة الإسلامية في هذا الزمان.

([8]) حديث حسن.

      أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص435)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص67)، والطيالسي في «المسند» (ص33)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص343)، وابن أبي زمنين في «السنة» (ص36)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج5 ص112)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج5 ص1422).

      وسنده حسن.

([9]) حديث حسن.

      أخرجه الترمذي في «سننه» (ج5 ص26)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص128)، وابن وضاح في «البدع» (ص92)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص100)، والآجري في «الشريعة» (ص15 و16)، والعقيلي في «الضعفاء» (ج2 ص262)، ومحمد بن نصر المروزي في «السنة» (ص23)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص15)، وفي «الحدائق» (ج1 ص541 و452)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص369)، والديلمي في «الفردوس» (ج3 ص439)، والأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص107)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص489)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج1 ص161).

      بأسانيد حسنة.

([10]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص364)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1303).

([11]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص704).

([12]) والنبي ه ترك أمته على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك نعوذ بالله من الخذلان.

([13]) قلت: كذلك الذين يعملون ببعض الإسلام، ويتركون بعضه، أو يعملون ببعض الأحكام، ويتركون بعضها، أو يعملون ببعض السنة، ويتركون بعضها فهذا أيضا لا يكفي في الإسلام، ولن يقبل منهم ذلك، والله المستعان.

     قال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة[ [البقرة: 208]؛ أي: خذوا جميع أحكام الإسلام، واعملوا بها، فهذا هو الإسلام الصحيح الذي يجب الانتساب إليه.

([14]) وانظر: «تفسير القرآن» للمراغي (ج3 ص204)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج1 ص372)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج1 ص416)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج2 ص820)، و«ثلاثة الأصول» للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص66)، و«شرح ثلاثة الأصول» للشيخ الجامي (ص23).

([15]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1319) من حديث أبي هريرة t.

([16]) لقد أدخلت «الفرقة الربيعية» الإرجاء الخبيث في دين الله تعالى، وادعت أنه من الإسلام، وهو ليس من الإسلام، بل هو دين «المرجئة الخامسة»، لأنها ابتغت غير الإسلام دينا فلن يقبل منها هذا الدين، إذا فهي في الآخرة خاسرة.

     قال تعالى: ]وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون[ [آل عمران: 78].

     وقال تعالى: ]قل هو من عند أنفسكم[ [آل عمران: 165].

     وقال تعالى: ]لقد ابتغوا الفتنة[ [التوبة: 48].

([17]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج4 ص355)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1343).

([18]) قوله: (فرفضهم)، قال السندي /: أي: تركهم ولم يذكر لهم فضلا.

([19]) أمة الإجابة في آخر الزمان، وهم: أهل الأثر ومن تابعهم من المسلمين في آخر الزمان.

([20]) انظر: «فتاوى نور على الدرب» له (ص18 و19).                   

([21]) هم في هذا الزمان: «الإخوانية»، و«التراثية»، و«السرورية»، و«القطبية»، و«الصوفية»، و«الأشعرية»،  و«اللادنية»، و«الداعشية»، و«التبليغية»، و«الربيعية»، و«الإباضية»، وغيرهم من دعاة الباطل في هذا العصر، نعوذ بالله من الخذلان.

       قال تعالى: ]ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون[ [الأنفال: 37].

 

([22]) كـــ«أهل الرأي والعقل».                                                          

([23]) وانظر: «الإحسان إلى تقريب صحيح ابن حبان» لابن بلبان (ج13 ص292)، و«معالم السنن» للخطابي (ج4 ص377)، و«المنهاج» للنووي (ج12 ص237).

([24]) وانظر: «الكاشف عن حقائق السنن» للطيبي (ج10 ص51)، و«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (ج9 ص257).

([25]) قلت: والمراد منه صممه عن استماع الحق، وعماه عن النظر إلى الدلائل، والله المستعان.

([26]) قلت: يقال: هدن؛ سكن.

([27]) قلت: فعلى المسلم أن يعتزل دعاة الضلالة، ويصبر على غصص الزمان، والتحمل لمشاقه، وشدائده إلى أن يموت على السنة، والحمد لله تعالى.

([28]) قلت: ويدخل في الدعاة من قام بالفتنة في طلب الحكم، والملك من: «الخوارج»، و«الروافض»، و«الإباضية»، و«الإخوانية»، و«الصوفية»، و«الداعشية»، و«الربيعية»، و«التراثية»، و«السرورية»، و«القطبية» وغيرهم ممن لم يوجد فيهم شروط الإمارة، والإمامة، والولاية، وهذا ظاهر في الثورات التي قامت في «تونس»، و«اليمن»، و«ليبيا»، و«سوريا»، و«مصر»، وغير ذلك.

     وانظر: «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (ج9 ص258).

([29]) وانظر: «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (ج9 ص258 و272)، و«الكاشف عن حقائق السنن» للطيبي (ج10 ص51 و60)، و«المنهاج» للنووي (ج12 ص237)، و«عون المعبود شرح سنن أبي داود» للعظيم آبادي (ج11 ص316).

([30]) وانظر: «الفصل في الملل والأهواء والنحل» لابن حزم (ج2 ص109).

([31]) وانظر: «شرح السنة» للشيخ الفوزان (ص446).

([32]) منهم: «المقلدة»، و«المتنصبة»، و«المتحزبة»، و«المتفقهة»، و«المتصوفة»، و«المتربعة»، و«المتثقفة»، وغيرهم في البلدان الإسلامية.

       قلت: ووقع هؤلاء في «الرهبانية» البدعية، بسبب الغلو في التقليد.

      فالمقلدون على عمى: حيث أطاعوا من قلدوهم في أخطائهم، وردوا في الأحكام: صريح نصوص الكتاب، والسنة، والآثار، والله المستعان.

([33]) وإذا رأيت القوم في البلدان، وما يقومون به من سياسة: «رهبان النصارى» وغير ذلك، دخل في ذهنك؛ أنهم من: «الرهبان»، وقد ابتدعوا: «الرهبانية» في الإسلام، ولابد.

([34]) وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص126)، و«العين» للفراهيدي (ج1 ص719)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص109)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ص119)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج2 ص592)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج2 ص1483)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج5 ص34)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (ج4 ص1744).

([35]) وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص126).

([36]) وانظر: «أحكام القرآن» لابن العربي (ج4 ص1745).

([37]) وانظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج2 ص592)، و«تفسير القرآن» لأبي المظفر السمعاني (ج5 ص379)، و«زاد المسير في علم التفسير» لابن الجوزي (ج8 ص176 و177)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج2 ص1483 و1484)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج4 ص240)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ص119)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (ج2 ص60)، و«العين» للفراهيدي (ج1 ص719)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج3 ص1748 و1749)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج6 ص567 و568) و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج16 ص57 و58)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (ج4 ص1744 و1745).

([38]) وانظر: «زاد المسير في علم التفسير» لابن الجوزي (ج8 ص177)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج16 ص57 و58)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (ج2 ص60)، و«فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير» للشوكاني (ج4 ص240)، و«تفسير القرآن» لأبي المظفر السمعاني (ج5 ص379 و380)، و«الوسيط» للواحدي (ج5 ص254)، و«الصحيحة» للشيخ الألباني (ج4 ص287).

([39]) دير: مسكن الرهبان، والرهبات، ويقال: الديرة، والجمع: أديرة، وأديار، وديورة.

       انظر: «الرائد» لجبران (ص389)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص108).

([40]) الخدعة: جمع؛ خدع، وهي الغش، والحيلة، والمكر.

       انظر: «الرائد» لجبران (ص353)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص89).

([41]) قلت: فاحتال: «المتحزبة» في البلدان الإسلامية: بأن يعيشوا من أتعاب الشعوب، بما يسمى: بــ«الأعمال الخيرية» عن طريق جمعياتهم الحزبية، فهم: «الرهبان» في الإسلام!، بمثل: «الرهبان» في النصرانية، اللهم غفرا.

       قال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[ [التوبة: 34].

        قلت: وبذلك فقد فتح هؤلاء على أنفسهم بابا واسعا لدخول الشيطان عليهم من هذا الباب، فأضلهم ضلالا بعيدا، والعياذ بالله.

      قال تعالى: ]وكثير منهم فاسقون[ [الحديد: 27]؛ أي: خارجون عن موجب الإيمان، ومقاصده.

      وانظر: «محاسن التأويل» للقاسمي (ج16 ص58).

([42]) وانظر: «تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج3 ص226)، و«الوسيط في تفسير القرآن المجيد» للواحدي (ج2 ص491 و492)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص278)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج8 ص192)، و«أنوار التنزيل» للبيضاوي (ج1 ص403)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج2 ص286)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج8 ص78)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج2 ص355)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج5 ص32)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج15 ص34 و35)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج3 ص428)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج2 ص304)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج10 ص84)، و«جامع البيان» للطبري (ج11 ص424)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج6 ص1787)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج5 ص34).

([43]) باذة الهيئة: يعني: سيئة الهيئة.

      انظر: «الحاشية على مسند الإمام أحمد» للسندي (ج5 ص551).

([44]) وهذا الحديث فيه تعظيم للأسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، واتباعه

        انظر: «الحاشية على مسند الإمام أحمد» للسندي (ج5 ص505).

([45]) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج5 ص430).

([46]) التبتل: الانقطاع عن الدنيا لعبادة الله تعالى.

       انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص40)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (ج2 ص637 و638).

([47]) أورده البغوي في «شرح السنة» (ج2 ص371).

       وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج8 ص448)؛ بلفظ: (ولا ترهب في الإسلام).

       وذكره الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج4 ص388).

([48]) وانظر: «الجامع الصغير» للسيوطي (ج2 ص746)، و«كشف الخفاء» للعجلوني (ج2 ص528)، و«اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ج1 ص474 و475)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (ج2 ص637 و638 و937)، و«الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج7 ص156)، و«الصحيحة» للشيخ الألباني (ج4 ص287).

([49]) يعني: مشابهة هذه الأمة، وهو بيان لمرجع الضمير.

([50]) قلت: وهذا مثل: المتحزبة بجميع أنواعهم: لا تنضبط لهم فتاوى في الدين، فيجيزون لأنفسهم فعل الباطل في دعواتهم الباطلة، اللهم غفرا.

([51]) وانظر: «الصحيحة» للشيخ الألباني (ج4 ص387).

([52]) وهم: «رهبان الإخوانية»، و«رهبان القطبية»، و«رهبان الصوفية»، و«رهبان السرورية»، و«رهبان الداعشية»، و«رهبان الربيعية»، و«رهبان اليمنية»، و«رهبان التراثية»، و«رهبان التبليغية»، و«رهبان الطالحية»، و«رهبان المميعة»، و«رهبان الأشعرية»، و«رهبان الإباضية» وغيرهم من دعاة الباطل في هذا العصر، نعوذ بالله من الخذلان.

([53]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج13 ص277)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج2 ص346)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج8 ص299).

([54]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج17 ص122 و123 و124)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص442)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج10 ص429 و430)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج7 ص9)، و«تفسير القرآن» لابن وهب (ج2 ص17 و18)، و«تفسير القرآن» لعبد الرزاق (ج2 ص33)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج3 ص118)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج5 ص278 و279 و280).

([55]) مسوك: جمع مسك، وهو الجلد.

        وانظر: «النهاية» لابن الأثير (ج5 ص185)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص295).

([56]) أثر صحيح.

        أخرجه ابن وهب في «تفسير القرآن» (ج2 ص17 و18)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص575).

        وإسناده صحيح.

([57]) وانظر: «الدر المنثور» للسيوطي (ج11 ص530)، و«تفسير القرآن» لابن سلام (ج2 ص616)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج3 ص372)، و«جامع البيان» للطبري (ج18 ص360)، و«المحرر الوجيز» لابن عطية (ج6 ص625)، و«تفسير القرآن» للبستي (ص67).

([58]) والحزبي؛ هذا: ]وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد[ [البقرة: 206].

       قال تعالى: ]ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب[ [النور: 39].

([59]) وانظر: «القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن» للشيخ السعدي (ص18).

([60]) انظر: «تحذير السالكين من أصناف المغترين» لأبي أنس السيد (ص37).

([61]) كـ«الذين يخرجون مسيرات في الشوارع مع الفساق، والنساء من أجل المقاطعة وغيرها زعموا»؛ فهؤلاء وإن نسبوا إلى العلم فنسبتهم صورية شكلية لا أثر لها في الحقيقة، لأن أهل العلم عليهم وقار، وسمت لا يخرجون في الشوارع هكذا ويمنعهم علمهم وحياؤهم من هذا الفعل المنحط.

([62]) بل شهد العلماء عليهم أنهم ضالون في الدعوة الله تعالى؛ منهم: و«الشيخ ابن باز»، و«الشيخ الألباني»، و«الشيخ الفوزان»، و«شيخنا ابن عثيمين»، و«الشيخ ابن غصون»، و«الشيخ محمد الجامي»، و«الشيخ الوادعي»، وغيرهم من علماء أهل السنة والجماعة.

([63]) وإذا رأيت القوم في البلدان، وما يقومون به من سياسة: «رهبان النصارى» وغير ذلك، دخل في ذهنك؛ أنهم من: «الرهبان»، وقد ابتدعوا: «الرهبانية» في الإسلام، ولابد.

([64]) وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص126)، و«العين» للفراهيدي (ج1 ص719)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص109)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ص119)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج2 ص592)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج2 ص1483)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج5 ص34).

([65]) وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص126).

([66]) وانظر: «فتح القدير» للشوكاني (ج4 ص240)، و«زاد المسير في علم التفسير» لابن الجوزي (ج8 ص176 و177)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج2 ص1483 و1484)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ص119)، و«العين» للفراهيدي (ج1 ص719)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج3 ص1748 و1749)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج6 ص567 و568)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج16 ص57و58).

([67]) خاصة الأفكار السياسية التي أخذوها من: «رهبان النصارى»، والتي نشروها في البلدان على أنها من الدعوة إلى الله!: ]تشابهت قلوبهم[ [البقرة: 118].

      قال تعالى: ]قل إن هدى الله هو الهدى[ [البقرة: 120].

([68]) بزعم الراهب أنه سوف يرعيها حق رعايتها.

([69]) وانظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج2 ص592)، و«تفسير القرآن» لأبي المظفر السمعاني (ج5 ص379)، و«زاد المسير في علم التفسير» لابن الجوزي (ج8 ص176 و177)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج2 ص1483 و1484)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج4 ص240)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ص119)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (ج2 ص60)، و«العين» للفراهيدي (ج1 ص719)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج3 ص1748 و1749)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج6 ص567 و568) و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج16 ص57 و58).

([70]) وانظر: «زاد المسير في علم التفسير» لابن الجوزي (ج8 ص177)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج16 ص57 و58)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (ج2 ص60)، و«فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير» للشوكاني (ج4 ص240)، و«تفسير القرآن» لأبي المظفر السمعاني (ج5 ص379 و380).

([71]) دير: مسكن الرهبان، والرهبات، ويقال: الديرة، والجمع: أديرة، وأديار، وديورة.

       انظر: «الرائد» لجبران (ص389)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص108).

([72]) الخدعة: جمع؛ خدع، وهي الغش، والحيلة، والمكر.

       انظر: «الرائد» لجبران (ص353)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص89).

([73]) قلت: فاحتال: «المتحزبة» في البلدان الإسلامية: بأن يعيشوا من أتعاب الشعوب، بما يسمى: بــ«الأعمال الخيرية» عن طريق جمعياتهم الحزبية، فهم: «الرهبان» في الإسلام!، بمثل: «الرهبان» في النصرانية، اللهم غفرا.

       قال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[ [التوبة: 34].

        قلت: وبذلك فقد فتح هؤلاء على أنفسهم بابا واسعا لدخول الشيطان عليهم من هذا الباب، فأضلهم ضلالا بعيدا، والعياذ بالله.

      قال تعالى: ]وكثير منهم فاسقون[ [الحديد: 27]؛ أي: خارجون عن موجب الإيمان، ومقاصده.

      وانظر: «محاسن التأويل» للقاسمي (ج16 ص58).

([74]) وانظر: «تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج3 ص226)، و«الوسيط في تفسير القرآن المجيد» للواحدي (ج2 ص491 و492)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص278)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج8 ص192)، و«أنوار التنزيل» للبيضاوي (ج1 ص403)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج2 ص286)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج8 ص78)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج2 ص355)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج5 ص32)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج15 ص34 و35)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج3 ص428)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج2 ص304)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج10 ص84)، و«جامع البيان» للطبري (ج11 ص424)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج6 ص1787)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج5 ص34).

([75]) فـ «عبد الرحمن بن عبد الخالق» هذا راهب من القصاص، وليس بعالم بالكتاب والسنة، و«أتباعه» كذلك من القصاص الرهبان: الذين يعبدون الله تعالى على جهل بالغ في الدين، فاحذروهم، ولا تطيعوهم، نعوذ بالله من الخذلان.

     وانظر: «بحر العلوم» للسمرقندي (ج2 ص54).

([76]) يقال: سفلة من الناس: أسافلهم، غوغاؤهم، وأهل انحطاط في الحياة.

      وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص146)، و«الرائد» لجبران (ص451).

([77]) سبحان الله: ما أشبه اليوم بالأمس، فلو طبق المتنصبة الإسلام الصحيح، لذهبت عليهم: الأموال، والمأكلة، نعوذ بالله من الخذلان.

([78]) ما أشبه الليلة بالبارحة؛ فقد أضل المتنصبة العوام بفتاوى التقليد، والله المستعان.

([79]) علماء السوء من أهل المناصب الدينية الذين يأكلون أموال الدول، أو أموال الناس بالباطل؛ إما من طريق مناصبهم، أو من طريق جمعياتهم، أو غير ذلك.

     قال تعالى: ]وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون (52) فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون (53) فذرهم في غمرتهم حتى حين (54) أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين (55) نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون[ [المؤمنون: 52 - 56].

([80]) العباد من العوام الجهلة.

     وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص278 و279).

([81]) السحت: الحرام. قال تعالى: ]وأكلهم السحت[ [المائدة: 63].

     وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص121).

     قال الفيومي اللغوي / في «المصباح المنير» (ص140): (السحت: هو كل مال حرام لا يحل كسبه، ولا أكله).

([82]) فولاة الأمر في الدولة بذلوا لهم الرواتب من الأموال العامة في الوطن؛ ليعلموا المسلمين الدين الصحيح، ويدلوهم على الطريق المستقيم لينفعوا بذلك وطنهم.

     لكنهم عكسوا الأمر، فعلموا الشباب المسكين فقه الآراء والاختلاف، والأفكار الدخيلة على الإسلام، فصدوهم عن السبيل المستقيم.

      لذلك هذه الرواتب لم يأخذوها بحق في الدولة، بل هي تعتبر من أكلهم أموال الناس بالباطل، وأكلهم السحت، اللهم غفرا.

([83]) قلت: فاحذروا المتنصبة في المناصب الدينية.

([84]) ذكره ابن القيم في «بدائع الفوائد» (ج2 ص32)، وابن تيمية في «الفتاوى» (ج1 ص197)، وفي «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج1 ص67)، والمناوي في «فيض القدير» (ج5 ص261).

([85]) لأن النصارى عبدوا الله بغير علم، واليهود عرفوا الحق، وعدلوا عنه.

     ومعناه: أن من فسد من علماء هذه الأمة، وضل على علم، ففيه شبه باليهود؛ لأنهم ضلوا، وأضلوا على علم، فغضب الله تعالى عليهم.

      وأن من فسد من عباد هذه الأمة، وضل؛ ففيه شبه بالنصارى الذين عبدوا الله على جهل، فضلوا سواء السبيل.

      وانظر: «فتح المجيد» للشيخ عبد الرحمن آل الشيخ (ج1 ص443)، و«الملخص في شرح كتاب التوحيد» للشيخ الفوزان (ص193).

([86]) القذة: ريش السهم واحدتها قذة، ومعنى: حذو القذة بالقذة؛ أي: كما تقدر كل واحدة منهما على قدر صاحبتها وتقطع، يضرب مثلا للشيئين يستويان، ولا يتفاوتان.

     انظر: «النهاية» لابن الأثير (ج4 ص28).

([87]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (3456)، ومسلم في «صحيحه» (2669)؛ من حديث أبي سعيد الخدري t.

([88]) وهم: «فرقة المتنصبة»، و«فرقة المترهبنة»، فهم: يأكلون الدنيا بالدين، في مناصبهم، ورياستهم في الناس: يأكلون أموالهم في البلدان بواسطة: «المناصب الدينية»، و«الإفتاء في الأحكام»، و«الخطب المنبرية»، و«التجميعات التبرعية»، و«الجمعيات الخيرية»، و«المسابقات القرآنية»، وغير ذلك مما يجلب لهم الأموال.

     ولو أنهم تعلموا السنة، وتمسكوا بها حق التمسك، وأظهروها بين الناس، وقمعوا البدعة وأهلها، لذهبت عليهم تلك المناصب، وزالت عنهم المآكل، والأموال في البلدان الإسلامية.

     هكذا يفكرون، نعوذ بالله من الخذلان.

     وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج5 ص278)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج8 ص192)، و«أنوار التنزيل» للبيضاوي (ج1 ص403)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج15 ص34 و35)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج3 ص428)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج2 ص304)، و«الوسيط في تفسير القرآن المجيد» للواحدي (ج2 ص492).

([89]) قلت: و«فرقة المتنصبة» في الدنيا، حساباتهم في البنوك ممتلئة من الأموال، ومع ذلك لم يشتهر أحدهم في الإنفاق على المسلمين في جميع الأصناف، ولم ينفقوا على دعوة أهل السنة، وعلى طلبة السنة في البلدان الإسلامية، وهذا يدل على أنهم ضموا الأموال لأنفسهم، وأتباعهم، اللهم غفرا.

      * ولقد اشتهر الشيخ ابن باز / بالإنفاق، والشيخ ابن عثيمين / بالإنفاق: ]فهل من مدكر[ [القمر: 15]؛ من معتبر.

([90]) وهم: الحزبيون بجميع أنواعهم في البلدان الإسلامية.

       مثل: «الإخوانية»، و«السرورية»، و«الداعشية»، و«القطبية»، و«الصوفية»، و«الأشعرية»، و«الربيعية»، و«التبليغية» وغيرهم من الرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدونهم عن سبيل الله.

       قلت: وهم لابد أن يصدوا الناس عن سبيل الله تعالى، وإلا كيف يأخذون أموالهم بالباطل، لابد بذلك الصد، والعياذ بالله.

([91]) وما أشبه اليوم بالأمس، فإن: «فرقة المتنصبة» يمنعون أتباعهم عن متابعة أهل الأثر في البلدان، اللهم سدد.

(

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan