الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / الوفاق في إقامة الحجة على العباد في الحياة الدنيا والآخرة بالميثاق
الوفاق في إقامة الحجة على العباد في الحياة الدنيا والآخرة بالميثاق
سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية
|
49 |
الوفاق
في
إقامة الحجة على العباد في الحياة الدنيا والآخرة بالميثاق
دراسة أثرية منهجية علمية؛ بأن الله تعالى أقام الحجة على عباده بالميثاق الأول، الذي أخذه سبحانه وتعالى عليهم، وهم في أصلاب آبائهم، وبما فطرهم في ولادتهم على فطرة الإسلام.
* وقيام الحجة ببلوغ القرآن، وإرسال الرسل عليهم السلام، للأمم: لتذكيرهم فقط بهذا الميثاق وتعليمهم في الحياة الدنيا؛ لأن من طبيعة العباد يقعون في الغفلة والنسيان.
* فأنزل الله على العباد الكتب، وأرسل إليهم الرسل عليهم السلام، لذلك، وإلا فإن الحجة، قد قامت بنفسها عليهم بالميثاق الأول، وبالفطرة، وهي الميثاق الثاني، وقد اعترفوا بذلك، وهم في أصلاب آبائهم، وأنهم: شهدوا أنه: «لا إله إلا الله»، وحده لا شريك له، وهو ربهم، وأنه المعبود بحق في الحياة الدنيا.
تأليف
فضيلة الشيخ المحدث الفقيه
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
درة نادرة
للعلامة الشيخ حافظ الحكمي /
في
إثبات: «الميثاق الأول» على أنه حجة على الخلق
قال العلامة الشيخ حافظ الحكمي / في «معارج القبول بشرح سلم الوصول» (ج1 ص92): (ليس بين التفسيرين منافاة، ولا مضادة، ولا معارضة؛ فإن هذه المواثيق كلها ثابتة بالكتاب والسنة.
الأول الميثاق: الذي أخذه الله تعالى عليهم حين أخرجهم من ظهر أبيهم آدم عليه السلام، وأشهدهم على أنفسهم: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ وهو الذي قاله جمهور المفسرين رحمهم الله، في هذه الآيات، وهو نص الأحاديث الثابتة في «الصحيحين»، وغيرهما.
الميثاق الثاني: ميثاق الفطرة، وهو أنه تبارك وتعالى فطرهم شاهدين بما أخذه عليهم؛ في الميثاق الأول: كما قال تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله[ [الروم: 30]؛ الآية: وهو الثابت في حديث أبي هريرة، وعياض بن حمار، والأسود بن سريع t، وغيرها، من الأحاديث في «الصحيحين»، وغيرهما.
الميثاق الثالث: هو ما جاءت به الرسل عليهم السلام، وأنزلت به الكتب تجديدا للميثاق الأول، وتذكيرا به: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما[ [النساء: 165]؛ فمن أدرك هذا الميثاق، وهو باق على فطرته التي هي شاهدة بما ثبت في: «الميثاق الأول»، فإنه يقبل ذلك من أول مرة، ولا يتوقف؛ لأنه جاء موافقا؛ لما في فطرته، وما جبله الله عليه؛ فيزداد بذلك يقينه، ويقوى إيمانه، فلا يتلعثم، ولا يتردد، ومن أدركه وقد تغيرت فطرته عما جبله الله تعالى عليه من الإقرار بما ثبت في: «الميثاق الأول»؛ بأن كان قد اجتالته الشياطين عن دينه، وهوده أبواه، أو نصراه، أو مجساه؛ فهذا إن تداركه الله تعالى برحمته: فرجع إلى فطرته، وصدق بما جاءت به الرسل عليهم السلام، ونزلت به الكتب؛ نفعه: «الميثاق الأول»، و« الميثاق الثاني»، وإن كذب بهذا: «الميثاق»، كان مكذبا: «بالأول»، فلم ينفعه إقراره به يوم أخذه الله عليه، حيث قال: ]بلى[؛ جوابا: لقوله تعالى: ]ألست بربكم[؛ وقامت عليه حجة الله، وغلبت عليه الشقوة، وحق عليه العذاب، ومن يهن الله فما له من مكرم، إن الله يفعل ما يشاء). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج1 ص58): (وأما دلالة الفطرة: فإن كثيرا من الناس الذين لم تنحرف فطرهم، يؤمنون بوجود الله تعالى، حتى البهائم العجم: تؤمن بوجود الله تعالى.
فالفطر: مجبولة على معرفة الله عز وجل، وتوحيده.
* وقد أشار الله تعالى: إلى ذلك؛ في قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 172 - 173]؛ فهذه الآية: تدل على أن الإنسان مجبول بفطرته على شهادته بوجود الله تعالى، وربوبيته، وسواء أقلنا: إن الله استخرجهم من ظهر آدم واستشهدهم، أو قلنا: إن هذا هو ما ركب الله تعالى في فطرهم من الإقرار به، فإن الآية تدل على أن الإنسان يعرف ربه بفطرته). اهـ
قلت: بهذا فقد جعل الله تعالى هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك.
فهذا الميثاق: جعله الله تعالى حجة مستقلة على الخلق كلهم، فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد.
* ولهذا؛ قال تعالى: ]أن تقولوا[؛ أي: لئلا تقولوا: يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ أي: عن التوحيد: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا[ [الأعراف: 173]. ([1])
قال تعالى: ]والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار[ [الرعد:25].
قلت: فمن لم يدرك: «الميثاق الثالث»، وهو بلوغه القرآن بالتكاليف الشرعية، بعد بلوغه في السن المعتبر شرعا في التكليف، و«الميثاق الرابع»، وهو بلوغه دعوة الرسل عليهم السلام.
* بأن مات صغيرا، قبل التكليف، فهو: مات على: «الميثاق الأول»، و«الميثاق الثاني»، على الفطرة.
* فإن كان من أولاد المسلمين، فهم مع آبائهم، وإن كان من أولاد المشركين، فقد أدركهم: «الميثاق الأول»، و«الميثاق الثاني»، فهم: ماتوا على فطرة الإسلام، رحمة من الله تعالى عليهم.
قال العلامة الشيخ حافظ الحكمي / في «معارج القبول، بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول» (ج1 ص96): (فذاك: أي؛ المكذب بالكتاب، وبما أرسل الله تعالى به رسله الآبي منه المعرض عنه المصر، على ذلك حتى مات عليه هو: «ناقض كلا العهدين»؛ الميثاق: الذي أخذه الله تعالى عليه، وفطره على الإقرار به، وما جاءت به الرسل عليهم السلام، من تجديد: «الميثاق الأول» ،وإقامة الحجة: «مستوجب»؛ بفعله ذلك: «للخزي في الدارين»؛ أي: في الدنيا، والآخرة، كما قال تعالى: ]وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين[ [القصص: 42]). اهـ
* فقوله تعالى: ]أن يقولوا[؛ يعني: وأشهدهم على أنفسهم، أن يقولوا؛ أي: لئلا يقولوا، أو كراهية أن يقولوا.
* ومن قرأ بالتاء، فتقدير الكلام: أخاطبكم، ألست بربكم: لئلا تقولوا يوم القيامة، ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ أي: عن هذا «الميثاق»، والإقرار.
* فإن قيل: كيف يلزم الحجة واحدا، لا يذكر: «الميثاق»؟، قيل: قد أوضح الله تعالى، الدلائل على وحدانيته، وصدق رسله، فيما أخبروا.
* فمن أنكره: كان معاندا، ناقضا: للعهد، ولزمته الحجة، وبنسيانهم، وعدم حفظهم: لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر، صاحب المعجزة: قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ يقول تعالى: إنما أخذ: «الميثاق» عليكم لئلا تقولوا: أيها المشركون، إنما أشرك آباؤنا من قبل، ونقضوا العهد، وكنا ذرية من بعدهم؛ أي: كنا أتباعا لهم فاقتدينا بهم، فتجعلوا هذا عذرا لأنفسهم، وتقولوا: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف:173]؛ افتعذبنا بجناية: آبائنا المبطلين؛ فلا يمكنهم: أن يمكنهم، أن يحتجوا بمثل هذا الكلام، بعد تذكير الله تعالى: بأخذ «الميثاق» على التوحيد: ]وكذلك نفصل الآيات[؛ أي: نبين الآيات؛ ليتدبرها العباد: ]ولعلهم يرجعون[ [الأعراف:173]، من الكفر إلى التوحيد. ([2])
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج2 ص275): (وذهب طائفة: من السلف، والخلف؛ أن المراد: بهذا الإشهاد، إنما هو: فطرهم على التوحيد، كما في حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «كل مولود يولد على الفطرة»، وفي رواية: «على هذه الملة».). اهـ
وقال العلامة الشيخ حافظ الحكمي / في «معارج القبول بشرح سلم الوصول» (ج1 ص28):
وبعد هــذا رســـــله قـــد أرســـــــلا |
|
|
لهم وبالحــــــــــق الكتـــــــــــــاب أنــــــزلا |
لكي بذا العهـــــــد يذكروهـــــــــــم |
|
|
وينـــــــذروهـــــــــــم ويبشـــــروهـــــــــــــم |
كي لا يكـــــون حجــــة للنــاس بل |
|
|
لله أعـــــــــــلى حجــــــة عــــز وجـــــــــــل |
فمن يصدقهــــــــم بلا شقـــــــــــاق |
|
|
فقـــــــد وفى بـــــــــــذلك الميثــــــــــــــــاق |
وذاك نـــــــــاج من عــــذاب النــــار |
|
|
وذلك الـــــــــــوارث عقبى الـــــــــــــــــدار |
ومن بهـــــــــم وبالكتــــاب كذبـــــا |
|
|
ولازم الإعـــــــــــــــراض عنـــــــه والإبـــــا |
فذاك ناقــــــــــــض كلا العهـــــدين |
|
|
مستـــــــــوجب للخـــــــزي في الـــــدارين |
* (وبعد هذا)؛ أي: «الميثاق» الذي أخذه عليهم في ظهر أبيهم؛ ثم فطرهم وجبلهم على الإقرار به، وخلقهم شاهدين به: (رسله)؛ بإسكان السين: للوزن، مفعول: أرسل مقدم، (قد أرسلا)؛ بألف الإطلاق: (لهم)؛ أي: إليهم: (وبالحق)؛ متعلق بأنزل؛ أي: بدين الحق: (الكتاب)؛ جنس يشمل جميع الكتب المنزلة على جميع الرسل: (أنزلا)؛ بألف الإطلاق، والأمر الذي أرسل الله تعالى به الرسل إلى عباده، وأنزل عليهم به الكتب هو: (لكي بذا العهد): الميثاق الأول: (يذكروهم)؛ تجديدا له، وإقامة لحجة الله البالغة عليهم: (وينذروهم)؛ عقاب الله إن هم عصوه ونقضوا عهده: (ويبشروهم)؛ بمغفرته، ورضوانه إن هم: وفوا بعهده، ولم ينقضوا ميثاقه، وأطاعوه، وصدقوا رسله، والحكمة: في ذلك لـ(كي لا يكون حجة)؛ على الله عز وجل: (للناس بل لله) على جميع عباده). اهـ
وقال العلامة الشيخ حافظ الحكمي / في «معارج القبول بشرح سلم الوصول» (ج1 ص28): (مقدمة: تعرف العبد بما خلق له وبأول ما فرض الله تعالى عليه، وبما أخذ الله عليه به: «الميثاق» في ظهر أبيه آدم، وبما هو صائر إليه:
اعلـــــم بأن الله جــــــل وعـــــــــــلا |
|
|
|
بل خلـــــــــق الخــــــلق ليعبـــــدوه |
|
|
وبــــــالإلهيـــــــــــة يفـــــــــــــــــــــــــــــردوه |
أخــــرج فيما قد مضى من ظهــــــر |
|
|
آدم ذريتــــــــــــــــــــــــــه كــــــــالــــــــــــــذر |
وأخـــــــــــذ العهـــــــد عليهم أنـــــه |
|
|
لا رب معبــــــــــــــــــــود بحــــــــــــق غيره |
وبعد هــذا رســـــله قـــد أرســـــــلا |
|
|
لهم وبالحــــــــــق الكتـــــــــــــاب أنــــــزلا |
لكي بذا العهـــــــد يذكروهـــــــــــم |
|
|
وينـــــــذروهـــــــــــم ويبشـــــروهــــــــــم([3]) |
كي لا يكـــــون حجــــة للنــاس بل |
|
|
لله أعـــــــــــلى حجــــــة عــــز وجـــــــــــل |
فمن يصدقهــــــــم بلا شقـــــــــــاق |
|
|
فقـــــــد وفى بـــــــــــذلك الميثــــــــــــــــاق |
وذاك نـــــــــاج من عــــذاب النــــار |
|
|
وذلك الـــــــــــوارث عقبى الـــــــــــــــــدار |
ومن بهــــــــــم وبالكتــــاب كذبــــا |
|
|
ولازم الإعــــــــــــــراض عنـــه والإبــــــــــا |
فــــــذاك ناقض كـــــــلا العهــــدين |
|
|
مستوجــــــــب للخــــــــزي في الـــــدارين |
قلت: فبين الشيخ الحكمي /؛ عن أصل: «الميثاق الأول» الذي أخذه الله تعالى على الخلق، في ظهر أبيهم آدم عليه السلام، ثم فطرهم، وجبلهم على الإقرار بربوبيته سبحانه، وأن هذا: «الميثاق»، حجة في نفسه، وأنه يكفي في إقامة الحجة على الخلق، وعذابهم يوم القيامة.
* ثم بين الشيخ الحكمي /: أن بلوغ الكتب وحجتها على الخلق، وحجة الرسل عليهم السلام؛ عليهم إلا للتذكير فقط([4])، بـ«الميثاق الأول»، وتجديدا له، وزيادة عذاب، منه سبحانه للمعرض بحسبه عن التوحيد.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
المقدمة
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، يبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم!.
ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتاويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب([5])، مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب ([6])،يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم([7])، فنعوذ بالله من فتنة المضلين.([8])
واعلم رحمك الله: أن أول حجج الله تعالى على عباده، التي يحجهم بها في الدنيا، والآخرة، هي: حجة الميثاق على الإجمال([9])، الذي أخذه الله تعالى عليهم، وهم: في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم على وحدانيته، وربوبيته، وقد فطر الله تعالى العباد على هذا الميثاق، وعلى فطرة الإسلام([10])، والفطرة: حجة من حجج الله تعالى على عباده، حيث ما من مولود، إلا يولد على فطرة الإسلام، والإيمان بالله تعالى، وأنه ربكم سبحانه، وقطع الله تعالى بهذا الميثاق أعذارهم في الدنيا والآخرة، وحذرهم من الغفلة في الدنيا عن هذا الميثاق، ومن أن لا يفون به، أو أن يعتذروا يوم القيامة؛ بتقليد الآباء وغيرهم على الشرك، والضلال، وأن يكونوا غافلين عن الإسلام في الحياة الدنيا وقد أكد الله تعالى، وذكر العباد رحمة منه سبحانه بهم، بهذا الميثاق؛ والفطرة، بأنه سبحانه أنزل عليهم القرآن الكريم([11])، وهو حجة عليهم، ببلوغه؛ تأكيدا، وتذكيرا: لهم عن غفلتهم عن الدين الصحيح، فهو داع، ونذير، أيضا للعباد على الإجمال، وعلى التفصيل، وهو البرهان المؤكد، الذي يندفع به الجهل أيضا، وتحسم به الأعذار، فمن بلغه القرآن، فقد بلغته الحجة التي تبطل الأعذار، وتوجب على مخالفتها، ومعاندها عذاب النار، وكذا وصول السنة النبوية، والسماع بالرسالة، وبدعوته r، فمن بلغته، فقد بلغته نذارة الرسول r([12])، التي تبطل الأعذار، وكأنما رأى الرسول r، وقد بلغه أمر الله تعالى، والإسلام، أخذه، أو تركه، وبالتالي، فقد أقيمت على العباد حجج الله تعالى التي يستحقون نار جهنم إذا خالفوها، ووقعوا في الشرك، أو الكفر، أو التقليد.
قال تعالى: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون * ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون[ [الأنعام: 153 و154].
وقال تعالى: ]وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون * أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون[ [الأنعام: 155 و156 و157].
وقال تعالى: ]ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون[ [الأعراف: 52].
عن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]ورحمة[ [الأعراف: 52]؛ (القرآن). ([13])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج2 ص40): (قوله تعالى: ]ولقد جئناهم بكتاب فصلناه[ [الأعراف: 52]؛ يعني: بيناه، ]على علم[؛ وهو القرآن، ]هدى[؛ من الضلالة، ]ورحمة[؛ من العذاب، ]لقوم يؤمنون[؛ يعني: يصدقون بالقرآن بأنه من الله). اهـ
وقال تعالى: ]الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون * ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون * هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون[ [الأعراف: 51 و52 و53].
وقال تعالى: ]وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا[ [الإسراء: 82].
وقال تعالى: ]بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون[ [القصص: 43].
وقال تعالى: ]إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].
وقال تعالى: ]هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون[ [الجاثية: 20].
وقال تعالى: ]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[ [الأنبياء: 107].
قلت: إن الله تعالى أرسل نبيه محمدا r: رحمة لجميع العالمين؛ يعني: للجن والإنس، فعليهم الإيمان به r، وبالعمل بما جاء به من عند الله تعالى.
* فمن آمن به r: تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة.
* ومن لم يؤمن، فليس له في الآخرة، إلا النار. ([14])
قال تعالى: ]قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون[ [الأنبياء: 108].
وقال تعالى: ]إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب[ [الزمر: 21].
وقال تعالى: ]وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين[ [الذاريات: 55].
* معناه: ذكر بالقرآن، والسنة، فإن الذكرى تنفع من سبق في علم الله تعالى، أن يؤمن منهم. ([15])
قال تعالى: ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ [الذاريات: 56].
قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج4 ص133): (قوله تعالى: ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ [الذاريات: 56]؛ إلا ليوحدون). اهـ
* والحجة: هي الدليل، والبرهان: الذي يندفع به الجهل، وتحسم به الأعذار، وهذا الحجة تمنع العبد أن يتعذر، وإن وجدت هذه الأعذار.
فمن حجج الله تعالى: على عباده، التي يحجهم بها يوم القيامة، حجة: «الميثاق» الذي أخذه عليهم، وهم: في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: بعضا على بعض، على وحدانية الله تعالى، وربوبيته، وقطع به أعذارهم، وحذرهم من الغفلة في الدنيا، عن هذا: «الميثاق»، ومن أن لا يفون به، أو أن يعتذروا يوم القيامة، بتقليد الآباء، والأسلاف على الضلال، والشرك.
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
* والمعنى: اذكر لهم: «الميثاق» المأخوذ منهم: فيما مضى لئلا: يعتذروا يوم القيامة بالغفلة عنه، أو بتقليد الآباء، أو ما شابه ذلك من الأعذار. ([16])
قلت: والمفعول المحذوف، هو: «الميثاق». ([17])
قال تعالى: ]وأخذنا منهم ميثاقا غليظا[ [النساء: 154].
وقال تعالى: ]وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله[ [البقرة: 83].
قلت: فأخذ الله تعالى: «الميثاق» بالتوحيد له، وإفراده بالعبادة.
والذي عليه أهل العلم قاطبة، أن الله تعالى أخذ من العباد، بأسرهم: «ميثاقا قاليا»، قبل أن يظهروا بهذا البنية المخصوصة. ([18])
* وهذه الآية: فيها الاحتجاج على الخلق؛ بتذكير: «الميثاق» العام المنتظم قاطبة.
* وفيها: الإجمال على التنبيه على أن: «الميثاق» قد أخذ منهم: وهم في أصلاب آبائهم، ولم يستودعوا في أرحام أمهاتهم بعد.
* وأشهد الله تعالى كل نفس من أولئك الذريات المأخوذين من ظهور آبائهم على نفسها، لا على غيرها؛ تقريرا: لهم، بربوبيته تعالى التامة، وما تستتبعه من العبودية على الاختصاص، وغير ذلك من أحكامها.
* قالوا: بلى شهدنا على أنفسنا بأنك ربنا، وإلهنا، لا رب لنا غيرك.
* لئلا تقولوا أيها المقلدة للآباء، يوم القيامة، عند ظهور الأمر: ]إنا كنا[؛ عن هذا، أي: عن وحدانية الربوبية وأحكامها: ]غافلين[.
* فإنهم حيث جبلوا على الفطرة السليمة، فصاروا: محجوجين، عاجزين عن الاعتذار بذلك، إذ لا سبيل لأحد إلى إنكار ما ذكر من خلقهم على فطرة الربوبية.
* فقالوا: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ من آبائنا المضلين، بعد ما ظهر أنهم: مجرمون، لأنهم ربوهم على الباطل في الدين، فكان الأمر الأخير، أن الآباء، والأولاد، يوم القيامة؛ هم: أعداء فيما بينهم، لأن الله تعالى نبههم عن ذلك: «الميثاق» في عالم الغيب، وفي دار التكليف مرة ثانية، وهم: في قوى العقل، والإدراك، والعلم. ([19])
* فقولهم: «بلى»، إقرار منهم؛ بأن الله تعالى ربهم، لأن تقديره: أنت ربنا، فإن: «بلى» بعد التقرير: تقتضي الإثبات.
* بخلاف: «نعم»، فإنها إذا وردت بعد الاستفهام: تقتضي الإيجاب، وإذا وردت بعد التقرير: تقتضي النفي. ([20])
* وأما قولهم: شهدنا؛ فمعناه: شهدنا بربوبيتك، فهو تحقيق لربوبية الله تعالى، وأداء لشهادتهم بذلك عند الله تعالى. ([21])
وعن أبي بن كعب t قال، في قول الله عز وجل: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم...[ [الأعراف: 172]؛ الآية، قال: جمعهم فجعلهم أرواحا، ثم صورهم فاستنطقهم، فتكلموا، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا بلى[؛ قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم، أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري، ولا رب غيري، فلا تشركوا بي شيئا، إني سأرسل إليكم رسلي، يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، قالوا: شهدنا بأنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، فأقروا بذلك).
أثر حسن؛ بهذا اللفظ فقط
أخرجه عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (ج35 ص155)، وابن منده في «الرد على الجهمية» (30)، و(33)، والطبري في «جامع البيان» (ج10 ص557 و558)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (785)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص466 و467)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص354)، والآجري في «الشريعة» (ص207)، وابن عبد البر في «التقصي» (ص307)، وفي «التمهيد» (ج18 ص92)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج3 ص618)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج7 ص396)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج3 ص365)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج6 ص655-الدر المنثور)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (ج2 ص89)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج1 ص89) من طريق أبي جعفر الرازي، وسليمان التيمي، كلاهما: عن الربيع بن أنس عن رفيع أبي العالية عن أبي بن كعب t به.
قلت: وهذا سنده حسن، وهو موقوف، ولكنه في حكم الرفع، لأنه لا يقال: من قبل الرأي.
وقال ابن القيم في «الروح» (ج2 ص457): «وهذا إسناد صحيح».
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص25)؛ ثم قال: «رواه عبد الله بن أحمد، عن شيخه: محمد بن يعقوب ([22])، وهو: «مستور»، وبقية رجاله رجال الصحيح».
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج6 ص655)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج2 ص263).
وقال الإمام أبو المظفر السمعاني / في «تفسير القرآن» (ج2 ص231): (وأما أهل السنة: مقرون، بيوم الميثاق). اهـ
* إن الله تعالى أخرج جميع ذرية آدم من ظهور الآباء، وأشهدهم على أنفسهم؛ بلسان المقال: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172].
* ثم أرسل الله تعالى، بعد ذلك: الرسل عليهم السلام، مذكرة بذلك: «الميثاق» الذي نسيه الكل، ولم يولد أحد منهم، وهو ذاكر له، وإخبار الرسل عليهم السلام به، يحصل به اليقين بوجوده.
* فالله تعالى أخذ: «الميثاق» من ذرية آدم، من ظهورهم، ثم أشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم، قالوا: بلى، فاستجابوا لله تعالى، واعترفوا، وأقروا، بأنه هو الإله المعبود بحق.
* فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة في الحياة الدنيا، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار في الحياة الدنيا.
* فشهدوا على وجه الخبر عن الغيب، وهذا على وجه الخطاب من الشهود، للمشهود عليهم. ([23])
قال تعالى : ]فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين[ [الأنعام: 149].
قلت: فقررهم بأنه الرب سبحانه، وأنهم: العبيد، وأخذ عهودهم، ومواثيقهم.
وقوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم[ [الأعراف: 172]؛ مبتدأ: خبره من الله تعالى، عما كان منه في أخذ العهد عليهم، وإذ يقتضي جوابا، يجعل جوابه، قوله تعالى: ]قالوا بلى[ [الأعراف: 172]، وانقطع هذا الخبر، بتمام قصته.
* ثم ابتدأ عز وجل، خبرا آخر، بذكر ما يقوله: المشركون، يوم القيامة، فقال تعالى: ]شهدنا[؛ يعني: نشهد.
* بمعنى: يشهد، يقول تعالى: نشهد أنكم ستقولون يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ أي: عما هم فيه من الحساب، والمناقشة، والمؤاخذة بالكفر.
ثم أضاف إليه خبرا آخر، فقال: ]أو تقولوا[ [الأعراف: 173]؛ بمعنى: وأن تقولوا؛ لأن: ]أو[؛ بمعنى: واو النسق، مثل قوله: ]ولا تطع منهم آثما أو كفورا[ [الإنسان:24]، فتأويله: ونشهد أن تقولوا يوم القيامة: ]إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ أي: أنهم أشركوا، وحملونا على مذهبهم في الشرك في صبانا، فجرينا على مذاهبهم، واقتدينا بهم؛ فلا ذنب لنا إذ كنا مقتدين بهم، والذنب في ذلك لهم، كما قالوا: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون[ [الزخرف: 23]؛ يدل على ذلك قولهم: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ أي: حملهم إيانا على الشرك.
فتكون القصة الأولى: خبرا عن جميع المخلوقين بأخذ: «الميثاق» عليهم، والقصة الثانية: خبرا عما يقول المشركون يوم القيامة من الاعتذار. ([24])
قال الإمام إسحاق بن راهويه /: (فقد كانوا في ذلك الوقت مقرين، وذلك أن الله عز وجل أخبر أنه قال: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ والله تعالى لا يخاطب؛ إلا من يفهم عنه المخاطبة، ولا يجيب؛ إلا من فهم السؤال، فإجابتهم إياه بقولهم: دليل على أنهم قد فهموا عن الله عز وجل، وعقلوا عنه، استشهاده إياهم: ]ألست بربكم[؛ فأجابوه من بعد عقل منهم؛ للمخاطبة، وفهم لها بأن: ]قالوا بلى[؛ فأقروا له بالربوبية) ([25]). اهـ
قلت: فكل آدمي قد أقر على نفسه؛ بأن الله تعالى، هو: ربه، وأن هذا الآدمي، هو عبد لله تعالى. ([26])
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص90): (وقال آخرون: معنى الفطرة المذكورة في المولودين، ما أخذ الله تعالى من ذرية آدم من: «الميثاق»، قبل أن يخرجوا إلى الدنيا يوم استخرج ذرية آدم من ظهره، فخاطبهم: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]؛ فأقروا جميعا له بالربوبية عن معرفة منهم به، ثم أخرجهم من أصلاب آبائهم مخلوقين، مطبوعين على تلك المعرفة، وذلك الإقرار.
* قالوا: وليست تلك المعرفة، ولا ذلك الإقرار بإيمان؛ ولكنه إقرار من الطبيعة للرب، فطرة ألزمها قلوبهم، ثم أرسل إليهم الرسل عليهم السلام، فدعوهم إلى الاعتراف له بالربوبية، والخضوع؛ تصديقا بما جاءت به الرسل عليهم السلام، فمنهم من أنكر، وجحد بعد المعرفة، وهو به عارف، لأنه لم يكن الله تعالى ليدعو خلقه إلى الإيمان به، وهو لم يعرفهم نفسه، إذ كان يكون حينئذ قد كلفهم الإيمان بما لا يعرفون.
* قالوا: وتصديق ذلك؛ قوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف:87]). اهـ
وقال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج7 ص293): (مثل تعالى: خلقهم على فطرة التوحيد، وإخراجهم من ظهور آبائهم، شاهدين: بربوبيته تعالى، شهادة لا يخالجها ريب.
* بحمله إياهم على الاعتراف بها بطريق الأمر، ومسارعتهم إلى ذلك من غير تلعثم أصلا.
* والقصد من الآية: الاحتجاج على المشركين بمعرفتهم ربوبيته تعالى، معرفة فطرية، لازمة لهم لزوم الإقرار منهم، والشهادة.
قال تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله[ [الروم: 30] ، والفطرة: هي معرفة ربوبيته تعالى). اهـ
* فإنهم ولدوا على الفطرة، وأخرجوا إلى الدنيا، حتى قالوا بلى: طائعين.
فهذا الآية: تدل على فساد التقليد في الدين، وتدل على أن الله تعالى أزال العذر، وأزاح العلة، وبعدها لا يعذر أحد إذا وقع في الشرك، والضلال. ([27])
قال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج7 ص297): (استدل: بهذه الآية، والأحاديث المتقدمة في معناه، أن معرفته تعالى: فطرية، ضرورية.
قال تعالى: ]قالت رسلهم أفي الله شك[ [إبراهيم: 10]، وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان: 25]، وقال تعالى: ]قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون[ [المؤمنون: 86 و87]). اهـ
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1 ص311): (كون الناس: تكلموا حينئذ، وأقروا بالإيمان، وأنه بهذا تقوم الحجة عليهم يوم القيامة). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص490): (أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، والحجة إنما قامت عليهم بالرسل، والفطرة التي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء:165].
تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]، ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم، وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم). اهـ
قلت: وهذا الشرك الذي يؤاخذون به يكون من آبائهم، ومن ذريتهم، لثبوت الحجة عليهم «بالميثاق»، و«العهد». ([28])
قال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص562): (وهذا الإشهاد؛ مقرون بأخذهم من ظهور آبائهم، وهذاالأخذ المعلوم المشهود الذي لا ريب فيه؛ هو: أخذ المني من أصلاب الآباء، ونزوله في أرحام الأمهات، لكن لم يذكر هنا الأمهات، كقوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ وهم كانوا متبعين لدين آبائهم، لا لدين الأمهات، كما قالوا: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة[ [الزخرف: 22]؛ ولهذا قال تعالى: ]أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[ [الزخرف: 24]؛ فهو سبحانه يقول: اذكر حين أخذوا من أصلاب الآباء، فخلقوا حين ولدوا على الفطرة، مقرين بالخالق، شاهدين على أنفسهم: بأن الله تعالى ربهم، فهذا الإقرار: حجة لله عليهم يوم القيامة، فهو يذكر أخذه لهم، وإشهاده إياهم على أنفسهم، فإنه سبحانه خلق فسوى، وقدر فهدى، فأخذهم يتضمن: خلقهم، والإشهاد يتضمن: هداه لهم إلى هذا الإقرار، فإنه قال تعالى: ]أشهدهم[؛ أي: جعلهم شاهدين، فهذا الإشهاد من لوازم الإنسان، وكل إنسان جعله الله تعالى مقرا بربوبيته، شاهدا على نفسه بأنه مخلوق، والله تعالى خالقه، وهذا أمر ضروري لبني آدم، لا ينفك منه مخلوق، وهو مما جبلوا عليه، فهو علم ضروري لهم، لا يمكن أحدا جحده، ثم قال بعد ذلك: ]أن تقولوا[؛ أي: كراهية أن تقولوا، أو؛ لئلا تقولوا: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ أي: عن هذا الإقرار لله تعالى بالربوبية، وعلى نفوسنا بالعبودية، فإنهم ما كانوا غافلين عن هذا، بل كان هذا من العلوم الضرورية اللازمة لهم التي لم يخل منها بشر قط، بخلاف كثير من العلوم التي قد تكون ضرورية، ولكن قد يغفل عنها كثير من بني آدم من علوم العدد، والحساب، وغير ذلك: فإنها إذا تصورت كانت علوما ضرورية، لكن كثيرا من الناس غافل عنها.
وأما الاعتراف بالخالق: فإنه علم ضروري لازم للإنسان، لا يغفل عنه أحد بحيث لا يعرفه، بل لا بد أن يكون قد عرفه، وإن قدر أنه نسيه.
* ولهذا يسمى التعريف بذلك: تذكيرا، فإنه تذكير بعلوم فطرية ضرورية، وقد ينساها العبد؛ كما قال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم[ [الحشر: 19]، وفي الحديث الصحيح: «يقول الله؛ للكافر: فاليوم أنساك كما نسيتني» ([29])). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص488): (ولما كانت هذه الآية: ونظيرتها في سورة مدنية خاطب بالتذكير، بهذا: «الميثاق» فيها أهل الكتاب، فإنه: «ميثاق» أخذه عليهم بالإيمان به، وبرسله، ولما كانت هذه آية الأعراف في سورة مكية؛ ذكر فيها: «الميثاق»، و«الإشهاد العام»: لجميع المكلفين ممن أقر بربوبيته، ووحدانيته، وبطلان الشرك، وهو «ميثاق»: و«إشهاد» تقوم به عليهم الحجة، وينقطع به العذر، وتحل به العقوبة، ويستحق بمخالفته الإهلاك، فلا بد أن يكونوا ذاكرين له، عارفين به؛ وذلك ما فطرهم عليه من الإقرار بربوبيته، وأنه ربهم وفاطرهم، وأنهم مخلوقون مربوبون، ثم أرسل إليهم رسله يذكرونهم بما في فطرهم وعقولهم، ويعرفونهم حقه عليهم، وأمره، ونهيه، ووعده، ووعيده.
* ونظم الآية إنما يدل على هذا من وجوه متعددة:
أحدها: أنه قال: ]وإذ أخذ ربك من بني ءادم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: آدم، وبنو آدم غير آدم.
الثاني: أنه قال: ]من ظهورهم[؛ ولم يقل: من ظهره، وهذا بدل بعض من كل، أو بدل اشتمال، وهو أحسن.
الثالث: أنه قال: ]ذرياتهم[؛ ولم يقل: ذريته.
الرابع: أنه قال: ]وأشهدهم على أنفسهم[؛ أي: جعلهم شاهدين على أنفسهم؛ فلا بد أن يكون الشاهد ذاكرا لما شهد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار، لا يذكر شهادة قبلها.
الخامس: أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، والحجة إنما قامت عليهم: بالرسل، والفطرة التي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء:165].
السادس: تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم، وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم.
السابع: قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[؛ فذكر حكمتين في هذا التعريف والإشهاد: إحداهما: أن لا يدعوا الغفلة، والثانية: أن لا يدعوا التقليد؛ فالغافل لا شعور له، والمقلد متبع في تقليده لغيره.
الثامن: قوله تعالى: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ أي: لو عذبهم بجحودهم، وشركهم لقالوا ذلك؛ وهو سبحانه إنما يهلكهم لمخالفة رسله، وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجة عليهم بالرسل؛ لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم، وأهلها غافلون، وإنما يهلكهم بعد الأعذار، والإنذار.
التاسع: أنه سبحانه أشهد كل واحد واحد على نفسه أنه ربه وخالقه، واحتج عليهم بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف:87]؛ أي: فكيف يصرفون عن التوحيد بعد هذا الإقرار منهم أن الله ربهم وخالقهم، وهذا كثير في القرآن؛ فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكرتهم بها رسله؛ بقوله تعالى: ]أفي الله شك فاطر السماوات والأرض[ [إبراهيم:10].
* فالله تعالى إنما ذكرهم على ألسنة رسله بهذا الإقرار والمعرفة، ولم يذكرهم قط بإقرار سابق على إيجادهم، ولا أقام به عليهم حجة.
العاشر: أنه جعل هذا آية، وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها بحيث لا يتخلف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرب تعالى فإنها أدلة معينة على مطلوب معين مستلزمة للعلم به، فقال تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات[ [الأنعام:55]؛ أي: مثل هذا التفصيل والتبيين نفصل الآيات لعلهم يرجعون من الشرك إلى التوحيد، ومن الكفر إلى الإيمان.
* وهذه الآيات التي فصلها هي التي بينها في كتابه من أنواع مخلوقاته.
وهي آيات أفقية([30])، ونفسية، آيات في نفوسهم، وذواتهم، وخلقهم، وآيات في الأقطار والنواحي مما يحدثه الرب تبارك وتعالى، مما يدل على وجوده، ووحدانيته، وصدق رسله، وعلى المعاد والقيامة، ومن أبينها: ما أشهد به كل واحد على نفسه، من أنه ربه، وخالقه، ومبدعه، وأنه مربوب مصنوع مخلوق حادث بعد أن لم يكن، ومحالأن يكون حدث بلا محدث، أو يكون هو المحدث لنفسه، فلا بد له من موجد أوجده ليس هو كمثله.
وهذا الإقرار والشهادة: فطرة فطروا عليها ليست بمكتسبة.
وهذه الآية؛ وهي قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورهم ذرياتهم[([31]) [الأعراف: 172]، مطابقة لقول النبي r: «كل مولود يولد على الفطرة»([32])، ولقوله تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * منيبين إليه[ [الروم: 30-31]). اهـ
وقوله تعالى: ]من ظهورهم[؛ قيل: بدل من: «بني آدم»؛ بدل البعض من الكل، بتكرير الجار، أو بإعادة الجار، كما في قوله تعالى: ]للذين استضعفوا لمن آمن[ [الأعراف:75]؛ والمعنى: أخذ ذرياتهم من ظهورهم، إخراجهم من أصلابهم نسلا، وإشهادهم على أنفسهم، فيكون المعنى: وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم، وأشهدهم على أنفسهم.
* وقيل: بدل اشتمال، وبدل الاشتمال ما يكون بينه، وبين المبدل منه ملابسة؛ بحيث توجب النسبة إلى المتبوع، النسبة إلى التابع إجمالا.
نحو: «أعجبني زيد علمه».
فإنه يعلم ابتداء، أن زيدا معجب باعتبار صفاته، لا باعتبار ذاته، وتتضمن نسبة: الإعجاب إليه نسبته إلى صفة من صفاته إجمالا.
* ونسبة الأخذ الذي هو بمعنى: الإخراج هنا، إلى بني آدم نسبة إلى ظهورهم إجمالا([33])، لأنه يعلم أن بني آدم ليسوا مأخوذين باعتبار ذواتهم، بل باعتبار أجسادهم، وأعضائهم، وتتضمن نسبة الأخذ إليهم نسبته إلى أعضائهم إجمالا. ([34])
وقوله تعالى: ]ذريتهم[؛ المراد: أولادهم على العموم.
قلت: فنصب الأدلة على التوحيد، وما نبهوا عليه، قائم معهم، فلا عذر لهم في الإعراض عن التوحيد، والإقبال على الشرك بالتقليد، والاقتداء بالآباء، كما لا عذر لآبائهم في الشرك بالله تعالى.
* والمعنى: أن المقصود من هذا الإشهاد أن لا يقول: الكفار إنما أشركنا، لأن آباءنا أشركوا، فقلدناهم في ذلك الشرك.
قلت: والحاصل؛ أنه تعالى لما أخذ عليهم: «الميثاق»، امتنع عليهم التمسك بهذا القدر من الأعذار الباطلة.
قال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج4 ص533): (وتقدير الكلام: وإذ أخذ ربك من ظهور ذريات بني آدم: ميثاق التوحيد لله تعالى، وإفراده بالعبادة). اهـ
* حتى يجب كون ذلك الإشهاد، والشهادة، محفوظا لهم في إلزامهم، بهذا: «الميثاق».
والمعنى: فعلنا ما فعلنا من الأمر بذكر: «الميثاق»، وبيانه كراهة، أن تقولوا، أو لئلا تقولوا: أيها الكفرة يوم القيامة: «إنا كنا غافلين»، عن ذلك: «الميثاق»، لم ننبه عليه في دار التكليف، وإلا لعملنا بموجبه، هذا على قراءة الجمهور. ([35])
قال الإمام الزركشي / في «البرهان في علوم القرآن» (ج2 ص76)؛ عن الآيات: (إقامة الحجة بها عليهم([36])؛ وذلك إنما نزل بلسانهم، ولغتهم). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص488): (ولما كانت هذه الآية، ونظيرتها، في سورة مدنية: خاطب بالتذكير، بهذا: «الميثاق»؛ فيها: أهل الكتاب، فإنه: «ميثاق» أخذه عليهم بالإيمان به، وبرسله.
* ولما كانت هذه آية الأعراف في سورة مكية؛ ذكر فيها: «الميثاق»، و«الإشهاد العام»: لجميع المكلفين ممن أقر بربوبيته، ووحدانيته، وبطلان الشرك، وهو: «ميثاق»، و«إشهاد» تقوم به عليهم الحجة، وينقطع به العذر، وتحل به العقوبة، ويستحق بمخالفته الإهلاك.
* فلا بد أن يكونوا ذاكرين له، عارفين به؛ وذلك ما فطرهم عليه من الإقرار بربوبيته، وأنه ربهم وفاطرهم، وأنهم مخلوقون مربوبون، ثم أرسل إليهم رسله يذكرونهم بما في فطرهم وعقولهم، ويعرفونهم حقه عليهم، وأمره، ونهيه، ووعده، ووعيده). اهـ
قلت: فالله تعالى قد أوضح الدلائل على وحدانيته، وصدق رسله عليهم السلام فيما أخبروا به، فمن أنكره كان معاندا، ناقضا للعهد، ولزمته الحجة، ونسيانه، وعدم حفظه، لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق.
قال المفسر الآلوسي / في «روح المعاني» (ج9 ص133): (وقد يقال: إن الآية، مسوقة: لبيان أخذ ميثاق سابق، من جميع الخلق: مؤمنهم، وكافرهم، قبل هذه النشأة، بما هو أهم: الأمور). اهـ
وقال المفسر الآلوسي / في «روح المعاني» (ج9 ص133): (القوم إذ ذاك كانوا مقرين بالربوبية). اهـ
وقال المفسر الآلوسي / في «روح المعاني» (ج9 ص137): (قوله تعالى: ]أو تقولوا[؛ في ذلك يوم: ]إنما أشرك آباؤنا من قبل[؛ أي: إن آباءنا هم: اخترعوا الإشراك، وهم: سنوه من قبل زماننا: ]وكنا[؛ نحن: ]ذرية من بعدهم[؛ لا نهتدي إلى سبيل التوحيد: ]أفتهلكنا[؛ أي: أتؤاخذنا، فتهلكنا اليوم بالعذاب: ]بما فعل المبطلون[؛ من آبائنا المضلين). اهـ
قلت: والدليل على ذلك من القرآن، إنكار الله تعالى، على من التزم اتباع الغير على؛ أي: حال من غير تمييز، فقال تعالى: ]أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون [ [البقرة:170].
وقال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج2 ص610): (ومعنى؛ قوله تعالى: ]ألست بربكم[؛ على هذا التفسير، قال الله تعالى؛ للذرية: ألست بربكم، فهو إيجاب للربوبية عليهم، قالوا: بلى، يعني: قالت الذرية: بلى أنت ربنا، فهو جواب منهم: له، وإقرار منهم: له بالربوبية، واعتراف على أنفسهم بالعبودية: ]شهدنا[). اهـ
وقال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج2 ص612): (وقوله تعالى: ]أو تقولوا[؛ يعني: الذرية، ]إنما أشرك آباؤنا من قبل[؛ يعني: إنما أخذ: «الميثاق» عليهم لئلا يقول المشركون: إنما أشرك آباؤنا من قبل، ]وكنا ذرية من بعدهم[؛ يعني: وكنا أتباعا لهم، فاقتدينا بهم في الشرك، ]أفتهلكنا[؛ يعني: أفتعذبنا، ]بما فعل المبطلون[؛ قال المفسرون: هذا قطع لعذر الكفار، فلا يستطيع أحد من الذرية أن يقول يوم القيامة: إنما أشرك آباؤنا من قبلنا، ونقضوا: «العهد»، و«الميثاق»، وكنا نحن الذرية من بعدهم، فقلدناهم، واقتدينا بهم، وكنا في غفلة عن هذا: «الميثاق»، فلا ذنب لنا، فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل ذلك، وقد أخذ عليهم جميعا الميثاق، وجاءتهم الرسل، وذكروهم به، وثبتت الحجة عليهم بذلك يوم القيامة). اهـ
وقال المفسر المراغي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (قوله تعالى: ]أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]؛ أي: إنا فعلنا هذا منعا لاعتذاركم يوم القيامة، بأن تقولوا إذا أشركتم: إنا كنا عن هذا التوحيد غافلين، إذ لم ينبهنا إليه منبه، ومآل هذا: أنه لا يقبل منهم الاعتذار بالجهل، لأنهم نبهوا بنصب الأدلة، وجعلوا مستعدين لتحقيق الحق، وإبعاد الشرك عن قلوبهم.
]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 173]؛ أي: أو تقولوا في ذلك اليوم: إن آباءنا اخترعوا الإشراك، وسنوه من قبل زماننا، وكنا جاهلين ببطلان شركهم، فلم يسعنا؛ إلا الاقتداء بهم، ولم نهتد إلى التوحيد، أفتؤاخذنا فتهلكنا اليوم بالعذاب بما فعله المبطلون من آبائنا المضلين، فتجعل عذابنا كعذابهم، مع عذرنا بتحسين الظن بهم؟.
والخلاصة: إن الله تعالى لا يقبل منهم الاعتذار بتقليد الآباء والأجداد، إذ التقليد عند قيام الدلائل، والقدرة على الاستدلال بها، مما لا يركن إليه، ولا ينبغي لعاقل أن يلجأ إليه، كما أن الاعتذار بالجهل بعد ما أقام عليهم من البينات الفطرية، والعقلية؛ مما لا يقبل.
وقوله تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 174]؛ أي: ومثل ذلك التفصيل المستتبع للمنافع الجليلة، نفصل لبني آدم الآيات، والدلائل ليستعملوا عقولهم في التبصر فيها، والتدبر في أمرها، لعلهم يرجعون بها عن جهلهم، وتقليد آبائهم وأجدادهم.
وفي الآية: إيماء إلى أن من لم تبلغه بعثة رسول، لا يعذر يوم القيامة في الشرك بالله تعالى، ولا بفعل الفواحش، والموبقات التي تنفر منها الفطر السليمة، وتدرك ضررها العقول الحصيفة). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج4 ص117): (قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ أي: أوجدهم شاهدين بذلك، قائلين له حالا وقالا، والشهادة تارة تكون بالقول، كما قال تعالى: ]قالوا شهدنا على أنفسنا[ [الأنعام:130]؛ الآية، وتارة تكون حالا، كما قال تعالى: ]ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر[ [التوبة:17]؛ أي: حالهم شاهد عليهم بذلك، لا أنهم قائلون ذلك، وكذلك قوله تعالى: ]وإنه على ذلك لشهيد[ [العاديات:7]؛ كما أن السؤال تارة يكون بالقال، وتارة يكون بالحال، كما في قوله تعالى: ]وآتاكم من كل ما سألتموه[ [إبراهيم:34].
قالوا: ومما يدل على أن المراد بهذا هذا، أن جعل هذا الإشهاد: حجة عليهم في الإشراك...، وهذا جعل حجة مستقلة عليهم، فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها، من الإقرار بالتوحيد؛ ولهذا قال تعالى: ]أن يقولوا[؛ أي: لئلا تقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا[؛ أي: التوحيد، ]غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا[؛ الآية). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج4 ص111): (يخبر تعالى: أنه استخرج ذرية: بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم، أن الله ربهم، ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو.
* كما أنه تعالى: فطرهم على ذلك، وجبلهم عليه، قال تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله[ [الروم:30]؛ وفي الصحيحين، عن أبي هريرة t، قال: قال رسول الله r: «كل مولود يولد على الفطرة، وفي رواية: الملة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه»). اهـ
* فيتعين حينئذ، أن يراد: «بالميثاق» ما ركب الله تعالى فيهم، من العقول، وآتاهم من البصائر، لأنها: هي الحجة البالغة، والمانعة، عن قولهم: ]إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]؛ لأن الله تعالى جعل الإقرار، والتمكن، من معرفة ربوبيته، ووحدانيته: حجة عليهم في الإشراك، كما جعل بعث الرسول r: حجة عليهم في الإيمان، بما أخبر عنه من الغيوب. ([37])
قال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج4 ص533): (وإذ أخذ ربك: من ظهور ذريات بني آدم، ميثاق التوحيد لله تعالى، وإفراده بالعبادة). اهـ
وقال الإمام ابن زنجلة / في «حجة القراءات» (ص302): (أدل دليل على صحة التوحيد، إذ كانوا هم الذين أخبر عنهم، وقد أجمعوا على التوحيد). اهـ
وقال الإمام أبو المظفر السمعاني / في «تفسير القرآن» (ج2 ص231): (قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل[ [الأعراف: 173]؛ يعني: إنما أخذت، ما أخذت من: «العهد»، و«الميثاق» عليكم جميعا؛ لئلا تقولوا: ]إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[؛ يعني: أن الجناية من الآباء، وكنا أتباعا لهم؛ فيجعلوا لأنفسهم حجة، وعذرا، عند الله تعالى!). اهـ
قلت: وهذا النص مسوق لإلزام الخلق بمقتضى: «الميثاق العام» عندما كانوا في أصلاب آبائهم، فإن منهم من أشرك، بعد إلزامهم: «بالميثاق المخصوص» بهم، والاحتجاج عليهم بالحجج السمعية، والعقلية في الحياة الدنيا، ومنعهم عن التقليد لآبائهم في الشرك، والبدع.
* فتمادى هؤلاء المشركون في الغي بعد أخذ: «الميثاق» عليهم، من: «الميثاق العام» في عالم الغيب، ومن: «الميثاق الخاص» في عالم الحياة.
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
قال المفسر الآلوسي / في «روح المعاني» (ج9 ص134): (قوله تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم[؛ أي: أشهد كل واحد من أولئك الذرية المأخوذين من ظهور آبائهم على أنفسهم، لا على غيرهم، تقريرا: لهم بربوبيته سبحانه، قائلا لهم: ]ألست بربكم[؛ أي: مالك أمركم، ومربيكم على الإطلاق، من غير أن يكون لأحد مدخل في شأن من شؤونكم: ]قالوا[؛ في جوابه سبحانه، ]بلى شهدنا[؛ أي: على أنفسنا بأنك ربنا، لا رب لنا غيرك، والمراد: أقررنا بذلك). اهـ
قلت: وبلى: حرف جواب.
قال الحافظ السيوطي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص134-روح المعاني): (إن هذه الآية، أصل: في الإقرار). اهـ
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1 ص312): (قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم[ [الأعراف: 172]؛ أي: جعلهم شاهدين على أنفسهم، ولا بد أن يكون الشاهد ذاكرا لما شهد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار، كما تأتي الإشارة إلى ذلك، لا يذكر شهادة قبله.
* أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[، والحجة إنما قامت عليهم بالرسل، والفطرة التي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء:165].
* تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف:172]، ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم.
* قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ فذكر حكمتين في هذا الأخذ والإشهاد: أن لا يدعوا الغفلة، أو يدعوا التقليد، فالغافل لا شعور له، والمقلد متبع في تقليده لغيره، ولا تترتب هاتان الحكمتان؛ إلا على ما قامت به الحجة من الرسل والفطرة.
قوله تعالى: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 173]؛ أي: لو عذبهم بجحودهم وشركهم، لقالوا ذلك، وهو سبحانه إنما يهلكهم لمخالفة رسله وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجة عليهم بالرسل، لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، وإنما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرسل.
* أنه سبحانه أشهد كل واحد على نفسه أنه ربه وخالقه، واحتج عليهم بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان: 25].
* فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكرتهم بها رسله، بقولهم: ]أفي الله شك فاطر السماوات والأرض[ [إبراهيم:10].
* أنه جعل هذا آية، وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها بحيث لا يتخلف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرب تعالى، فإنها أدلة معينة على مطلوب معين مستلزمة للعلم به؛ فقال تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 174]، وإنما ذلك بالفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، فما من مولود إلا يولد على الفطرة، لا يولد مولود على غير هذه الفطرة، هذا أمر مفروغ منه، لا يتبدل ولا يتغير.
* ولا شك أن الإقرار بالربوبية أمر فطري، والشرك حادث طارئ، والأبناء تقلدوه عن الآباء، فإذا احتجوا يوم القيامة بأن الآباء أشركوا، ونحن جرينا على عادتهم). اهـ
قلت: لئلا تقولوا يوم القيامة عند ظهور الأمر، وإحاطة العذاب، بمن أشرك؛ ]إنا كنا عن هذا[؛ أي: وحدانية الربوبية: ]غافلين[، لم ننبه عليه، وإنما لم يسعهم هذا الاعتذار، حينئذ على ما قيل، لأنهم: نبهوا بنصب الأدلة، وجعلوا متهيئين: تهيأ تاما، لتحقيق الحق، وإنكار ذلك: مكابرة، فكيف يمكنهم، أن يقولوا ذلك. ([38])
قال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج2 ص610): (فكل من بلغ، وعقل، فقد أخذ عليه: «الميثاق»، بما جعل فيه من السبب الذي يؤخذ به: «الميثاق»، وهو العقل، والتكليف، فيكون معنى؛ الآية: وإذ يأخذ ربك من بني آدم ويشهدهم على أنفسهم؛ بما ركب فيهم من العقل الذي يكون به: الفهم، والتكليف الذي به يترتب على صاحبه الثواب، والعقاب يوم القيامة). اهـ
وقال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج7 ص295): (قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا[ [الأعراف:172]؛ أي: سنوا الإشراك، واخترعوه: ]من قبل[؛ أي: من قبل زماننا، ]وكنا ذرية من بعدهم[؛ أي: فنشأنا على طريقتهم، احتجاجا بالتقليد، وتعويلا عليه.
* فقد قطعنا العذر بما بينا من الآيات: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ أي: أتؤاخذنا بما فعل آباؤنا من الشرك، وأسسوا من الباطل، أو بفعل آبائنا الذين أبطلوا تأثير العقول، وأقوال الرسل عليهم السلام؟؛ والاستفهام للإنكار؛ أي: أنت حكيم لا تأخذ الأبناء، بفعل الآباء، وقد سلكنا طريقهم، والحجة عليهم بما شرعوا لنا من الباطل.
والمعنى: أزلنا الشبهتين بأن الإقرار بالربوبية، والتوحيد، هو في أصل فطرتكم، فلم لم ترجعوا إليه، عند دعوة العقول، والرسل عليهم السلام؟، والفطرة: أكبر دليل، فهي تسد باب الاعتذار بوجه ما، لا سيما والتقليد، عند قيام الدلائل، والقدرة على الاستدلال بها، مما لا مساغ له أصلا). اهـ
وقال المفسر المراغي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (والخلاصة: إن الله تعالى لا يقبل منهم الاعتذار، بتقليد الآباء، والأجداد، إذ التقليد عند قيام الدلائل، والقدرة على الاستدلال بها، مما لا يركن إليه، ولا ينبغي لعاقل أن يلجأ إليه.
* كما أن الاعتذار بالجهل بعد ما أقام عليهم من البينات الفطرية، والعقلية، مما لا يقبل). اهـ
وقال المفسر المراغي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (وفي الآية: إيماء إلى أن من لم تبلغه، بعثة رسول، لا يعذر يوم القيامة في الشرك بالله تعالى، ولا بفعل الفواحش، والموبقات، التي تنفر منها: الفطرة السليمة، وتدرك ضررها العقول الحصيفة). اهـ
وقال المفسر الخازن البغدادي / في «لباب التأويل» (ج2 ص612): (فقامت الحجة: عليهم؛ لإمدادهم بالرسل عليهم السلام، وإعلامهم بجريان: أخذ: «الميثاق» عليهم.
* وبذلك قامت الحجة عليهم أيضا يوم القيامة، لإخبار الرسل عليهم السلام: إياهم بذلك: «الميثاق» في الدنيا؛ فمن أنكره كان معاندا، ناقضا: للعهد، ولزمتهم الحجة، ولم تسقط الحجة عنهم بنسيانهم، وعدم حفظهم بعد إخبار الصادق صاحب الشرع، والمعجزات الباهرات). اهـ
قلت: فقد ثبت الله تعالى الحجة على كل نفس في عالم الغيب بالميثاق والفطرة في الإجمال، وهذا الميثاق الأول الذي أخذه الله تعالى على العباد، وهم في ظهور آبائهم. ([39])
* فأخذ الله تعالى: «العهد»، و«الميثاق» على بني آدم جميعا، وأشهدهم على أنفسهم، بأن الله ربهم، فلا يكون لهم العذر يوم القيامة، في الإشراك بالله: جهلا، أو تقليدا.
قلت: جعل الله تعالى لهم: عقولا، يفهمون بها، وألسنة، ينطقون بها، فهم: يعلمون: «بالميثاق»، وقد شهدوا على أنفسهم بهذا: «الميثاق»، والملائكة يشهدون عليهم: «بالميثاق» يوم القيامة. ([40])
قال تعالى: ]قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين [ [الأنعام: 149]؛ يعني: يوم أخذ على الخلق الميثاق. ([41])
وقال تعالى: ]سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين [ [الأنعام: 148 و149].
وعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا[ [الأنعام: 148]، وقال تعالى: ]كذلك كذب الذين من قبلهم[، ثم قال تعالى: ]ولو شاء الله ما أشركوا[ [الأنعام:107]؛ فإنهم قالوا: عبادتنا الآلهة تقربنا إلى الله زلفى، فأخبرهم الله تعالى أنها لا تقربهم، وقوله تعالى: ]ولو شاء الله ما أشركوا[، يقول الله تعالى: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين). ([42])
وعن سمرة بن جندب t، في حديث: «الرؤيا»، وهو حديث: طويل، عن النبي r قال: (وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم عليه السلام، وأما الولدان الذين حوله: فكل مولود مات على الفطرة، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟، فقال رسول الله r: وأولاد المشركين). وفي رواية: (والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله فأولاد الناس). ([43])
وأورده الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص118)؛ ثم قال: (والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله، أولاد الناس؛ وهذا يقتضي ظاهره، وعمومه جميع الناس) ([44]). اهـ
وقال الإمام القرطبي / في «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (ج3 ص1044): (ومن كان من أولاد المشركين: فمات قبل أن يجري عليه القلم، فليس يكونون مع آبائهم في النار؛ لأنهم: ماتوا على: «الميثاق الأول»، الذي أخذ عليهم في صلب آدم عليه السلام، ولم ينقضوا الميثاق). اهـ
وقال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج4 ص532): (أخذ من ظهر آدم ذريته، وأخذ عليهم العهد، بأنه ربهم، وأن لا إله غيره، فأقروا بذلك، والتزموه). اهـ
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي في / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1 ص315): (وإن كان الآباء مخالفين الرسل، كان عليه أن يتبع الرسل، كما قال تعالى: ]ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما[ [العنكبوت: 8]؛ الآية.
* فمن اتبع دين آبائه بغير بصيرة وعلم، بل يعدل عن الحق المعلوم إليه، فهذا اتبع هواه، كما قال تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون[ [البقرة: 170].
* وهذه حال كثير من الناس من الذين ولدوا على الإسلام، يتبع أحدهم أباه فيما كان عليه من اعتقاد ومذهب، وإن كان خطأ ليس هو فيه على بصيرة، بل هو من مسلمة الدار، لا مسلمة الاختيار، وهذا إذا قيل له في قبره: من ربك؟ قال؟ هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.
* فليتأمل اللبيب هذا المحل، ولينصح نفسه، وليقم لله، ولينظر من أي الفريقين هو، والله الموفق، فإن توحيد الربوبية لا يحتاج إلى دليل، فإنه مركوز في الفطر، وأقرب ما ينظر فيه المرء أمر نفسه لما كان نطفة، وقد خرج من بين الصلب والترائب، والترائب: عظام الصدر، ثم صارت تلك النطفة في قرار مكين، في ظلمات ثلاث، وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق). اهـ
وقال تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 174].
قلت: فقد أقام الله تعالى على الخلق، الحجة على الإجمال، وهم في أصلاب آبائهم في الغيب، وأقام عليهم الحجة على التفصيل عندما خرجوا إلى الحياة الدنيا، ممن بلغ منهم.
قال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج4 ص534): (قوله تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات[؛ أي: مثل هذا التفصيل الذي فصلنا فيه للآيات السابقة، نفصل للآيات اللاحقة؛ فالكل على نمط واحد في التفصيل، والتوضيح؛ لأدلة التوحيد، وبراهينه.
وقوله تعالى: ]ولعلهم يرجعون[؛ عن شركهم، وعبادة غير الله تعالى، إلى توحيده، وعباده، بذلك التفصيل والتوضيح). اهـ
قلت: فمن وقع في: «الشرك الأكبر»، وهو جاهل، قد قامت عليه الحجة: «بالميثاق»، و«الفطرة »معا، على الإجمال، وكفى.
* وأما ما وصل إليه من الكتب من الله تعالى، وإرسال: الرسل إليه، فقد قامت عليه الحجة على الإجمال والتفصيل إذا خرج إلى الحياة الدنيا([45])، بأن يتعلم من الكتب، والرسل على التفصيل ما يحتاجه من العلم النافع: من أحكام التوحيد، وأحكام الصلاة، وأحكام الزكاة، وأحكام الصيام، وأحكام الحج، وغير ذلك([46])، في الأصول والفروع، مما يحتاج إليه العبد في الحياة الدنيا. ([47])
قلت: لو لم يؤخذ على الخلق، إلا هذا: «العهد»، و«الميثاق»، ولا جاءهم رسول، لكفى بذلك حجة من الله تعالى، لما تضمنه: «الميثاق» من إقرار الخلق؛ بتوحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة.
* فما بالك: بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، فقد أزال الله تعالى عنهم الاحتجاج، بتركيب العقول، والفهم فيهم، وتذكيرهم، ببعثة الرسل عليهم السلام، إليهم، فقطع بذلك أعذارهم.
قال تعالى: ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت[ [النحل:36].
قال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص527)؛ عن تفسير الميثاق: بالفطرة، مستندا: إلى السنة، ودلالة العقل، وظاهر اللفظ، والنظائر: (وأحسن ما فسرت به الآية: قوله r: «كل مولود يولد على الفطرة: فأبواه يهودانه وينصرانه»، فالميثاق الذي أخذه سبحانه عليهم، والإشهاد الذي أشهدهم على أنفسهم، والإقرار الذي أقروا به هو الفطرة التي فطروا عليها؛ لأنه سبحانه احتج عليهم بذلك، وهو لا يحتج عليهم بما لا يعرفه أحد منهم، ولا يذكره، بل بما يشركون في معرفته، والإقرار به، وأيضا، فإنه قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: «من آدم»؛ ثم قال تعالى: ]من ظهورهم[؛ ولم يقل: «من ظهرهم»؛ ثم قال تعالى: ]ذريتهم[؛ ولم يقل: «ذريته»؛ ثم قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم[، وهذا يقتضي إقرارهم بربوبيته إقرارا تقوم عليهم به الحجة، وهذا إنما هو الإقرار الذي احتج به عليهم على ألسنة رسله؛ كقوله تعالى: ]قالت رسلهم أفي الله شك[ [إبراهيم: 10]، وقوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف: 87]، وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان: 25]، وقال تعالى: ]قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله[ [المؤمنون: 84 - 85]، ونظائر ذلك كثيرة: يحتج عليهم بما فطروا عليه من الإقرار بربهم، وفاطرهم، ويدعوهم: بهذا الإقرار إلى عبادته وحده، وألا يشركوا به شيئا، هذه طريقة القرآن، ومن ذلك هذه الآية التي في «الأعراف» وهي قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم[ [الأعراف: 172] الآية، ولهذا قال في آخرها: ]أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 172 و173]، فاحتج عليهم بما أقروا به من ربوبيته على بطلان شركهم، وعبادة غيره، وألا يعتذروا، إما بالغفلة عن الحق، وإما بالتقليد في الباطل، فإن الضلال له سببان: إما غفلة عن الحق، وإما تقليد أهل الضلال، فيطابق الحديث مع الآية، ويبين معنى كل منهما بالآخر). اهـ
والميثاق لا يخلو من قسمين:
القسم الأول: الميثاق العام، الذي أخذه الله تعالى على جميع العباد في الغيب، كما قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
القسم الثاني: الميثاق الخاص، الذي أخذه الله تعالى على العباد في الحياة الدنيا، كما قال تعالى: ]وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين[ [آل عمران: 81]؛ فجعل سبحانه ما أنزل على الأنبياء من الكتاب، والحكم؛ ميثاقا أخذه من أممهم بعدهم.
* يدل على ذلك؛ قوله تعالى: ]ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه[؛ ثم قال تعالى؛ للأمم: ]ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين[ [آل عمران:81]، فجعل سبحانه بلوغ الأمم كتابه المنزل على أنبيائهم؛ حجة عليهم، كأخذ: «الميثاق» عليهم في الغيب، وجعل معرفتهم به، إقرارا منهم.
* وشبيه به؛ قوله تعالى: ]واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا[ [المائدة:7]؛ فهذا ميثاقه: الذي أخذه عليهم، بعد إرساله سبحانه: رسله عليهم السلام، إليهم بالإيمان به، وتصديقه.
* ونظيره، قوله تعالى: ]الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق[ [الرعد:20]، وكقوله تعالى: ]ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم[ [يس:60 و61]؛ فهذا عهده إليهم: على ألسنة رسله عليهم السلام.
* ومثله: قوله تعالى: ]وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم[ [البقرة:40]، وكقوله تعالى: ]وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه[ [آل عمران: 187]، وقوله تعالى: ]وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا[ [الأحزاب:7].
* فهذا ميثاق: أخذه الله تعالى منهم، بعد بعثهم، كما أخذ من أممهم بعد إنذارهم.
وهذا الميثاق: الذي لعن سبحانه من نقضه، وعاقبه، بقوله تعالى: ]فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية[ [المائدة:13]، فإنما عاقبهم بنقضهم: «الميثاق» الذي أخذه عليهم على ألسنة رسله عليهم السلام.
* وقد صرح سبحانه به، في قوله تعالى: ]وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون[ [البقرة:63].
إذا فبين يديك؛ أيها الطالب للحق، نصوص شرعية، ونقول سلفية؛ فأرع لها سمعك، وأمعن فيها بصرك، جعل الله التوفيق حليفك، والتسديد رفيقك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه: أبو عبدالرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على أن أول حجج الله تعالى على عباده، التي يحجهم بها في الدنيا، والآخرة، هي: حجة الميثاق على الإجمال([48])، الذي أخذه الله تعالى عليهم، وهم: في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم على وحدانيته، وربوبيته، وقد فطر الله تعالى العباد على هذا الميثاق، وعلى فطرة الإسلام([49])، والفطرة: حجة من حجج الله تعالى على عباده، حيث ما من مولود، إلا يولد على فطرة الإسلام، والإيمان بالله تعالى، وأنه ربهم سبحانه، وقطع الله تعالى بهذا الميثاق أعذارهم في الدنيا والآخرة، وحذرهم من الغفلة في الدنيا عن هذا الميثاق، ومن أن لا يفون به، أو أن يعتذروا يوم القيامة؛ بتقليد الآباء وغيرهم على الشرك، والضلال، وأن يكونوا غافلين عن الإسلام في الحياة الدنيا وقد أكد الله تعالى، وذكر العباد رحمة منه سبحانه بهم، بهذا الميثاق؛ والفطرة، بأنه سبحانه أنزل عليهم القرآن الكريم([50])، وهو حجة عليهم، ببلوغه؛ تأكيدا، وتذكيرا: لهم عن غفلتهم عن الدين الصحيح، فهو داع، ونذير، أيضا للعباد على الإجمال، وعلى التفصيل، وهو البرهان المؤكد، الذي يندفع به الجهل أيضا، وتحسم به الأعذار، فمن بلغه القرآن، فقد بلغته الحجة التي تبطل الأعذار، وتوجب على مخالفتها، ومعاندها عذاب النار، وكذا وصول السنة النبوية، والسماع بالرسالة، وبدعوته r، فمن بلغته، فقد بلغته نذارة الرسول r([51])، التي تبطل الأعذار، وكأنما رأى الرسول r، وقد بلغه أمر الله تعالى، والإسلام، أخذه، أو تركه، وبالتالي، فقد أقيمت على العباد حجج الله تعالى التي يستحقون نار جهنم إذا خالفوها، ووقعوا في الشرك، أو الكفر، أو التقليد
قال تعالى: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون * ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون[ [الأنعام: 153 و154].
وقال تعالى: ]وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون * أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون[ [الأنعام: 155 و156 و157].
وقال تعالى: ]ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون[ [الأعراف: 52].
عن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]ورحمة[ [الأعراف: 52]؛ (القرآن). ([52])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج2 ص40): (قوله تعالى: ]ولقد جئناهم بكتاب فصلناه[ [الأعراف: 52]؛ يعني: بيناه، ]على علم[؛ وهو القرآن، ]هدى[؛ من الضلالة، ]ورحمة[؛ من العذاب، ]لقوم يؤمنون[؛ يعني: يصدقون بالقرآن بأنه من الله). اهـ
وقال تعالى: ]الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون * ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون * هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون[ [الأعراف: 51 و52 و53].
وقال تعالى: ]وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا[ [الإسراء: 82].
وقال تعالى: ]بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون[ [القصص: 43].
وقال تعالى: ]إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].
وقال تعالى: ]هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون[ [الجاثية: 20].
وقال تعالى: ]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[ [الأنبياء: 107].
قلت: إن الله تعالى أرسل نبيه محمدا r: رحمة لجميع العالمين؛ يعني: للجن والإنس، فعليهم الإيمان به r، وبالعمل بما جاء به من عند الله تعالى.
* فمن آمن به r: تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة.
* ومن لم يؤمن، فليس له في الآخرة، إلا النار. ([53])
قال تعالى: ]قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون[ [الأنبياء: 108].
وقال تعالى: ]إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب[ [الزمر: 21].
وقال تعالى: ]وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين[ [الذاريات: 55].
* معناه: ذكر بالقرآن، والسنة، فإن الذكرى تنفع من سبق في علم الله تعالى، أن يؤمن منهم. ([54])
قال تعالى: ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ [الذاريات: 56].
قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج4 ص133): (قوله تعالى: ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ [الذاريات: 56]؛ إلا ليوحدون). اهـ
* والحجة: هي الدليل، والبرهان: الذي يندفع به الجهل، وتحسم به الأعذار، وهذا الحجة تمنع العبد أن يتعذر، وإن وجدت هذه الأعذار.
أولا: حجة الميثاق:
فمن حجج الله تعالى: على عباده، التي يحجهم بها يوم القيامة، حجة: «الميثاق» الذي أخذه عليهم، وهم: في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: بعضا على بعض، على وحدانية الله تعالى، وربوبيته، وقطع به أعذارهم، وحذرهم من الغفلة في الدنيا، عن هذا: «الميثاق»، ومن أن لا يفون به، أو أن يعتذروا يوم القيامة، بتقليد الآباء، والأسلاف على الضلال، والشرك.
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
* والمعنى: اذكر لهم: «الميثاق» المأخوذ منهم: فيما مضى لئلا: يعتذروا يوم القيامة بالغفلة عنه، أو بتقليد الآباء، أو ما شابه ذلك من الأعذار. ([55])
قلت: والمفعول المحذوف، هو: «الميثاق». ([56])
قال تعالى: ]وأخذنا منهم ميثاقا غليظا[ [النساء: 154].
وقال تعالى: ]وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله[ [البقرة: 83].
قلت: فأخذ الله تعالى: «الميثاق» بالتوحيد له، وإفراده بالعبادة.
والذي عليه أهل العلم قاطبة، أن الله تعالى أخذ من العباد، بأسرهم: «ميثاقا قاليا»، قبل أن يظهروا بهذا البنية المخصوصة. ([57])
* وهذه الآية: فيها الاحتجاج على الخلق؛ بتذكير: «الميثاق» العام المنتظم قاطبة.
* وفيها: الإجمال على التنبيه على أن: «الميثاق» قد أخذ منهم: وهم في أصلاب آبائهم، ولم يستودعوا في أرحام أمهاتهم بعد.
* وأشهد الله تعالى كل نفس من أولئك الذريات المأخوذين من ظهور آبائهم على نفسها، لا على غيرها؛ تقريرا: لهم، بربوبيته تعالى التامة، وما تستتبعه من العبودية على الاختصاص، وغير ذلك من أحكامها.
* قالوا: بلى شهدنا على أنفسنا بأنك ربنا، وإلهنا، لا رب لنا غيرك.
* لئلا تقولوا أيها المقلدة للآباء، يوم القيامة، عند ظهور الأمر: ]إنا كنا[؛ عن هذا، أي: عن وحدانية الربوبية وأحكامها: ]غافلين[.
* فإنهم حيث جبلوا على الفطرة السليمة، فصاروا: محجوجين، عاجزين عن الاعتذار بذلك، إذ لا سبيل لأحد إلى إنكار ما ذكر من خلقهم على فطرة الربوبية.
* فقالوا: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ من آبائنا المضلين، بعد ما ظهر أنهم: مجرمون، لأنهم ربوهم على الباطل في الدين، فكان الأمر الأخير، أن الآباء، والأولاد، يوم القيامة؛ هم: أعداء فيما بينهم، لأن الله تعالى نبههم عن ذلك: «الميثاق» في عالم الغيب، وفي دار التكليف مرة ثانية، وهم: في قوى العقل، والإدراك، والعلم. ([58])
* فقولهم: «بلى»، إقرار منهم؛ بأن الله تعالى ربهم، لأن تقديره: أنت ربنا، فإن: «بلى» بعد التقرير: تقتضي الإثبات.
* بخلاف: «نعم»، فإنها إذا وردت بعد الاستفهام: تقتضي الإيجاب، وإذا وردت بعد التقرير: تقتضي النفي. ([59])
* وأما قولهم: شهدنا؛ فمعناه: شهدنا بربوبيتك، فهو تحقيق لربوبية الله تعالى، وأداء لشهادتهم بذلك عند الله تعالى. ([60])
وعن أبي بن كعب t قال، في قول الله عز وجل: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم...[ [الأعراف: 172]؛ الآية، قال: جمعهم فجعلهم أرواحا، ثم صورهم فاستنطقهم، فتكلموا، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا بلى[؛ قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم، أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري، ولا رب غيري، فلا تشركوا بي شيئا، إني سأرسل إليكم رسلي، يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، قالوا: شهدنا بأنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، فأقروا بذلك).
أثر حسن؛ بهذا اللفظ فقط
أخرجه عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (ج35 ص155)، وابن منده في «الرد على الجهمية» (30)، و(33)، والطبري في «جامع البيان» (ج10 ص557 و558)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (785)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص466 و467)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص354)، والآجري في «الشريعة» (ص207)، وابن عبد البر في «التقصي» (ص307)، وفي «التمهيد» (ج18 ص92)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج3 ص618)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج7 ص396)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج3 ص365)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج6 ص655-الدر المنثور)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (ج2 ص89)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج1 ص89) من طريق أبي جعفر الرازي، وسليمان التيمي، كلاهما: عن الربيع بن أنس عن رفيع أبي العالية عن أبي بن كعب t به.
قلت: وهذا سنده حسن، وهو موقوف، ولكنه في حكم الرفع، لأنه لا يقال: من قبل الرأي.([61])
وقال ابن القيم في «الروح» (ج2 ص457): «وهذا إسناد صحيح».
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص25)؛ ثم قال: «رواه عبد الله بن أحمد، عن شيخه: محمد بن يعقوب ([62])، وهو: «مستور»، وبقية رجاله رجال الصحيح».
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج6 ص655)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج2 ص263).
وقال الإمام أبو المظفر السمعاني / في «تفسير القرآن» (ج2 ص231): (وأما أهل السنة: مقرون، بيوم الميثاق). اهـ
* إن الله تعالى أخرج جميع ذرية آدم من ظهور الآباء، وأشهدهم على أنفسهم؛ بلسان المقال: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172].
* ثم أرسل الله تعالى، بعد ذلك: الرسل عليهم السلام، مذكرة بذلك: «الميثاق» الذي نسيه الكل، ولم يولد أحد منهم، وهو ذاكر له، وإخبار الرسل عليهم السلام به، يحصل به اليقين بوجوده.
* فالله تعالى أخذ: «الميثاق» من ذرية آدم، من ظهورهم، ثم أشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم، قالوا: بلى، فاستجابوا لله تعالى، واعترفوا، وأقروا، بأنه هو الإله المعبود بحق.
* فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة في الحياة الدنيا، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار في الحياة الدنيا.
* فشهدوا على وجه الخبر عن الغيب، وهذا على وجه الخطاب من الشهود، للمشهود عليهم. ([63])
قال تعالى : ]فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين[ [الأنعام: 149].
قلت: فقررهم بأنه الرب سبحانه، وأنهم: العبيد، وأخذ عهودهم، ومواثيقهم.
وقوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم[ [الأعراف: 172]؛ مبتدأ: خبره من الله تعالى، عما كان منه في أخذ العهد عليهم، وإذ يقتضي جوابا، يجعل جوابه، قوله تعالى: ]قالوا بلى[ [الأعراف: 172]، وانقطع هذا الخبر، بتمام قصته.
* ثم ابتدأ عز وجل، خبرا آخر، بذكر ما يقوله: المشركون، يوم القيامة، فقال تعالى: ]شهدنا[؛ يعني: نشهد.
* بمعنى: يشهد، يقول تعالى: نشهد أنكم ستقولون يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ أي: عما هم فيه من الحساب، والمناقشة، والمؤاخذة بالكفر.
ثم أضاف إليه خبرا آخر، فقال: ]أو تقولوا[ [الأعراف: 173]؛ بمعنى: وأن تقولوا؛ لأن: ]أو[؛ بمعنى: واو النسق، مثل قوله: ]ولا تطع منهم آثما أو كفورا[ [الإنسان:24]، فتأويله: ونشهد أن تقولوا يوم القيامة: ]إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ أي: أنهم أشركوا، وحملونا على مذهبهم في الشرك في صبانا، فجرينا على مذاهبهم، واقتدينا بهم؛ فلا ذنب لنا إذ كنا مقتدين بهم، والذنب في ذلك لهم، كما قالوا: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون[ [الزخرف: 23]؛ يدل على ذلك قولهم: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ أي: حملهم إيانا على الشرك.
فتكون القصة الأولى: خبرا عن جميع المخلوقين بأخذ: «الميثاق» عليهم، والقصة الثانية: خبرا عما يقول المشركون يوم القيامة من الاعتذار. ([64])
قال الإمام إسحاق بن راهويه /: (فقد كانوا في ذلك الوقت مقرين، وذلك أن الله عز وجل أخبر أنه قال: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ والله تعالى لا يخاطب؛ إلا من يفهم عنه المخاطبة، ولا يجيب؛ إلا من فهم السؤال، فإجابتهم إياه بقولهم: دليل على أنهم قد فهموا عن الله عز وجل، وعقلوا عنه، استشهاده إياهم: ]ألست بربكم[؛ فأجابوه من بعد عقل منهم؛ للمخاطبة، وفهم لها بأن: ]قالوا بلى[؛ فأقروا له بالربوبية) ([65]). اهـ
قلت: فكل آدمي قد أقر على نفسه؛ بأن الله تعالى، هو: ربه، وأن هذا الآدمي، هو عبد لله تعالى. ([66])
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص90): (وقال آخرون: معنى الفطرة المذكورة في المولودين، ما أخذ الله تعالى من ذرية آدم من: «الميثاق»، قبل أن يخرجوا إلى الدنيا يوم استخرج ذرية آدم من ظهره، فخاطبهم: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]؛ فأقروا جميعا له بالربوبية عن معرفة منهم به، ثم أخرجهم من أصلاب آبائهم مخلوقين، مطبوعين على تلك المعرفة، وذلك الإقرار.
* قالوا: وليست تلك المعرفة، ولا ذلك الإقرار بإيمان؛ ولكنه إقرار من الطبيعة للرب، فطرة ألزمها قلوبهم، ثم أرسل إليهم الرسل عليهم السلام، فدعوهم إلى الاعتراف له بالربوبية، والخضوع؛ تصديقا بما جاءت به الرسل عليهم السلام، فمنهم من أنكر، وجحد بعد المعرفة، وهو به عارف، لأنه لم يكن الله تعالى ليدعو خلقه إلى الإيمان به، وهو لم يعرفهم نفسه، إذ كان يكون حينئذ قد كلفهم الإيمان بما لا يعرفون.
* قالوا: وتصديق ذلك؛ قوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف:87]). اهـ
وقال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج7 ص293): (مثل تعالى: خلقهم على فطرة التوحيد، وإخراجهم من ظهور آبائهم، شاهدين: بربوبيته تعالى، شهادة لا يخالجها ريب.
* بحمله إياهم على الاعتراف بها بطريق الأمر، ومسارعتهم إلى ذلك من غير تلعثم أصلا.
* والقصد من الآية: الاحتجاج على المشركين بمعرفتهم ربوبيته تعالى، معرفة فطرية، لازمة لهم لزوم الإقرار منهم، والشهادة.
قال تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله[ [الروم: 30] ، والفطرة: هي معرفة ربوبيته تعالى). اهـ
* فإنهم ولدوا على الفطرة، وأخرجوا إلى الدنيا، حتى قالوا بلى: طائعين.
فهذا الآية: تدل على فساد التقليد في الدين، وتدل على أن الله تعالى أزال العذر، وأزاح العلة، وبعدها لا يعذر أحد إذا وقع في الشرك، والضلال. ([67])
قال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج7 ص297): (استدل: بهذه الآية، والأحاديث المتقدمة في معناه، أن معرفته تعالى: فطرية، ضرورية.
قال تعالى: ]قالت رسلهم أفي الله شك[ [إبراهيم: 10]، وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان: 25]، وقال تعالى: ]قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون[ [المؤمنون: 86 و87]). اهـ
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1 ص311): (كون الناس: تكلموا حينئذ، وأقروا بالإيمان، وأنه بهذا تقوم الحجة عليهم يوم القيامة). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص490): (أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، والحجة إنما قامت عليهم بالرسل، والفطرة التي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء:165].
تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]، ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم، وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم). اهـ
قلت: وهذا الشرك الذي يؤاخذون به يكون من آبائهم، ومن ذريتهم، لثبوت الحجة عليهم «بالميثاق»، و«العهد». ([68])
قال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص562): (وهذا الإشهاد؛ مقرون بأخذهم من ظهور آبائهم، وهذا الأخذ المعلوم المشهود الذي لا ريب فيه؛ هو: أخذ المني من أصلاب الآباء، ونزوله في أرحام الأمهات، لكن لم يذكر هنا الأمهات، كقوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ وهم كانوا متبعين لدين آبائهم، لا لدين الأمهات، كما قالوا: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة[ [الزخرف: 22]؛ ولهذا قال تعالى: ]أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[ [الزخرف: 24]؛ فهو سبحانه يقول: اذكر حين أخذوا من أصلاب الآباء، فخلقوا حين ولدوا على الفطرة، مقرين بالخالق، شاهدين على أنفسهم: بأن الله تعالى ربهم، فهذا الإقرار: حجة لله عليهم يوم القيامة، فهو يذكر أخذه لهم، وإشهاده إياهم على أنفسهم، فإنه سبحانه خلق فسوى، وقدر فهدى، فأخذهم يتضمن: خلقهم، والإشهاد يتضمن: هداه لهم إلى هذا الإقرار، فإنه قال تعالى: ]أشهدهم[؛ أي: جعلهم شاهدين، فهذا الإشهاد من لوازم الإنسان، وكل إنسان جعله الله تعالى مقرا بربوبيته، شاهدا على نفسه بأنه مخلوق، والله تعالى خالقه، وهذا أمر ضروري لبني آدم، لا ينفك منه مخلوق، وهو مما جبلوا عليه، فهو علم ضروري لهم، لا يمكن أحدا جحده، ثم قال بعد ذلك: ]أن تقولوا[؛ أي: كراهية أن تقولوا، أو؛ لئلا تقولوا: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ أي: عن هذا الإقرار لله تعالى بالربوبية، وعلى نفوسنا بالعبودية، فإنهم ما كانوا غافلين عن هذا، بل كان هذا من العلوم الضرورية اللازمة لهم التي لم يخل منها بشر قط، بخلاف كثير من العلوم التي قد تكون ضرورية، ولكن قد يغفل عنها كثير من بني آدم من علوم العدد، والحساب، وغير ذلك: فإنها إذا تصورت كانت علوما ضرورية، لكن كثيرا من الناس غافل عنها.
وأما الاعتراف بالخالق: فإنه علم ضروري لازم للإنسان، لا يغفل عنه أحد بحيث لا يعرفه، بل لا بد أن يكون قد عرفه، وإن قدر أنه نسيه.
* ولهذا يسمى التعريف بذلك: تذكيرا، فإنه تذكير بعلوم فطرية ضرورية، وقد ينساها العبد؛ كما قال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم[ [الحشر: 19]، وفي الحديث الصحيح: «يقول الله؛ للكافر: فاليوم أنساك كما نسيتني» ([69])). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص488): (ولما كانت هذه الآية: ونظيرتها في سورة مدنية خاطب بالتذكير، بهذا: «الميثاق» فيها أهل الكتاب، فإنه: «ميثاق» أخذه عليهم بالإيمان به، وبرسله، ولما كانت هذه آية الأعراف في سورة مكية؛ ذكر فيها: «الميثاق»، و«الإشهاد العام»: لجميع المكلفين ممن أقر بربوبيته، ووحدانيته، وبطلان الشرك، وهو «ميثاق»: و«إشهاد» تقوم به عليهم الحجة، وينقطع به العذر، وتحل به العقوبة، ويستحق بمخالفته الإهلاك، فلا بد أن يكونوا ذاكرين له، عارفين به؛ وذلك ما فطرهم عليه من الإقرار بربوبيته، وأنه ربهم وفاطرهم، وأنهم مخلوقون مربوبون، ثم أرسل إليهم رسله يذكرونهم بما في فطرهم وعقولهم، ويعرفونهم حقه عليهم، وأمره، ونهيه، ووعده، ووعيده.
* ونظم الآية إنما يدل على هذا من وجوه متعددة:
أحدها: أنه قال: ]وإذ أخذ ربك من بني ءادم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: آدم، وبنو آدم غير آدم.
الثاني: أنه قال: ]من ظهورهم[؛ ولم يقل: من ظهره، وهذا بدل بعض من كل، أو بدل اشتمال، وهو أحسن.
الثالث: أنه قال: ]ذرياتهم[؛ ولم يقل: ذريته.
الرابع: أنه قال: ]وأشهدهم على أنفسهم[؛ أي: جعلهم شاهدين على أنفسهم؛ فلا بد أن يكون الشاهد ذاكرا لما شهد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار، لا يذكر شهادة قبلها.
الخامس: أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، والحجة إنما قامت عليهم: بالرسل، والفطرة التي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء:165].
السادس: تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم، وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم.
السابع: قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[؛ فذكر حكمتين في هذا التعريف والإشهاد: إحداهما: أن لا يدعوا الغفلة، والثانية: أن لا يدعوا التقليد؛ فالغافل لا شعور له، والمقلد متبع في تقليده لغيره.
الثامن: قوله تعالى: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ أي: لو عذبهم بجحودهم، وشركهم لقالوا ذلك؛ وهو سبحانه إنما يهلكهم لمخالفة رسله، وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجة عليهم بالرسل؛ لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم، وأهلها غافلون، وإنما يهلكهم بعد الأعذار، والإنذار.
التاسع: أنه سبحانه أشهد كل واحد واحد على نفسه أنه ربه وخالقه، واحتج عليهم بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف:87]؛ أي: فكيف يصرفون عن التوحيد بعد هذا الإقرار منهم أن الله ربهم وخالقهم، وهذا كثير في القرآن؛ فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكرتهم بها رسله؛ بقوله تعالى: ]أفي الله شك فاطر السماوات والأرض[ [إبراهيم:10].
* فالله تعالى إنما ذكرهم على ألسنة رسله بهذا الإقرار والمعرفة، ولم يذكرهم قط بإقرار سابق على إيجادهم، ولا أقام به عليهم حجة.
العاشر: أنه جعل هذا آية، وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها بحيث لا يتخلف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرب تعالى فإنها أدلة معينة على مطلوب معين مستلزمة للعلم به، فقال تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات[ [الأنعام:55]؛ أي: مثل هذا التفصيل والتبيين نفصل الآيات لعلهم يرجعون من الشرك إلى التوحيد، ومن الكفر إلى الإيمان.
* وهذه الآيات التي فصلها هي التي بينها في كتابه من أنواع مخلوقاته.
وهي آيات أفقية([70])، ونفسية، آيات في نفوسهم، وذواتهم، وخلقهم، وآيات في الأقطار والنواحي مما يحدثه الرب تبارك وتعالى، مما يدل على وجوده، ووحدانيته، وصدق رسله، وعلى المعاد والقيامة، ومن أبينها: ما أشهد به كل واحد على نفسه، من أنه ربه، وخالقه، ومبدعه، وأنه مربوب مصنوع مخلوق حادث بعد أن لم يكن، ومحال أن يكون حدث بلا محدث، أو يكون هو المحدث لنفسه، فلا بد له من موجد أوجده ليس هو كمثله.
وهذا الإقرار والشهادة: فطرة فطروا عليها ليست بمكتسبة.
وهذه الآية؛ وهي قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورهم ذرياتهم[([71]) [الأعراف: 172]، مطابقة لقول النبي r: «كل مولود يولد على الفطرة»([72])، ولقوله تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * منيبين إليه[ [الروم: 30-31]). اهـ
وقوله تعالى: ]من ظهورهم[؛ قيل: بدل من: «بني آدم»؛ بدل البعض من الكل، بتكرير الجار، أو بإعادة الجار، كما في قوله تعالى: ]للذين استضعفوا لمن آمن[ [الأعراف:75]؛ والمعنى: أخذ ذرياتهم من ظهورهم، إخراجهم من أصلابهم نسلا، وإشهادهم على أنفسهم، فيكون المعنى: وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم، وأشهدهم على أنفسهم.
* وقيل: بدل اشتمال، وبدل الاشتمال ما يكون بينه، وبين المبدل منه ملابسة؛ بحيث توجب النسبة إلى المتبوع، النسبة إلى التابع إجمالا.
نحو: «أعجبني زيد علمه».
فإنه يعلم ابتداء، أن زيدا معجب باعتبار صفاته، لا باعتبار ذاته، وتتضمن نسبة: الإعجاب إليه نسبته إلى صفة من صفاته إجمالا.
* ونسبة الأخذ الذي هو بمعنى: الإخراج هنا، إلى بني آدم نسبة إلى ظهورهم إجمالا([73])، لأنه يعلم أن بني آدم ليسوا مأخوذين باعتبار ذواتهم، بل باعتبار أجسادهم، وأعضائهم، وتتضمن نسبة الأخذ إليهم نسبته إلى أعضائهم إجمالا. ([74])
وقوله تعالى: ]ذريتهم[؛ المراد: أولادهم على العموم.
قلت: فنصب الأدلة على التوحيد، وما نبهوا عليه، قائم معهم، فلا عذر لهم في الإعراض عن التوحيد، والإقبال على الشرك بالتقليد، والاقتداء بالآباء، كما لا عذر لآبائهم في الشرك بالله تعالى.
* والمعنى: أن المقصود من هذا الإشهاد أن لا يقول: الكفار إنما أشركنا، لأن آباءنا أشركوا، فقلدناهم في ذلك الشرك.
قلت: والحاصل؛ أنه تعالى لما أخذ عليهم: «الميثاق»، امتنع عليهم التمسك بهذا القدر من الأعذار الباطلة.
قال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج4 ص533): (وتقدير الكلام: وإذ أخذ ربك من ظهور ذريات بني آدم: ميثاق التوحيد لله تعالى، وإفراده بالعبادة). اهـ
* حتى يجب كون ذلك الإشهاد، والشهادة، محفوظا لهم في إلزامهم، بهذا: «الميثاق».
والمعنى: فعلنا ما فعلنا من الأمر بذكر: «الميثاق»، وبيانه كراهة، أن تقولوا، أو لئلا تقولوا: أيها الكفرة يوم القيامة: «إنا كنا غافلين»، عن ذلك: «الميثاق»، لم ننبه عليه في دار التكليف، وإلا لعملنا بموجبه، هذا على قراءة الجمهور. ([75])
قال الإمام الزركشي / في «البرهان في علوم القرآن» (ج2 ص76)؛ عن الآيات: (إقامة الحجة بها عليهم([76])؛ وذلك إنما نزل بلسانهم، ولغتهم). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص488): (ولما كانت هذه الآية، ونظيرتها، في سورة مدنية: خاطب بالتذكير، بهذا: «الميثاق»؛ فيها: أهل الكتاب، فإنه: «ميثاق» أخذه عليهم بالإيمان به، وبرسله.
* ولما كانت هذه آية الأعراف في سورة مكية؛ ذكر فيها: «الميثاق»، و«الإشهاد العام»: لجميع المكلفين ممن أقر بربوبيته، ووحدانيته، وبطلان الشرك، وهو: «ميثاق»، و«إشهاد» تقوم به عليهم الحجة، وينقطع به العذر، وتحل به العقوبة، ويستحق بمخالفته الإهلاك.
* فلا بد أن يكونوا ذاكرين له، عارفين به؛ وذلك ما فطرهم عليه من الإقرار بربوبيته، وأنه ربهم وفاطرهم، وأنهم مخلوقون مربوبون، ثم أرسل إليهم رسله يذكرونهم بما في فطرهم وعقولهم، ويعرفونهم حقه عليهم، وأمره، ونهيه، ووعده، ووعيده). اهـ
قلت: فالله تعالى قد أوضح الدلائل على وحدانيته، وصدق رسله عليهم السلام فيما أخبروا به، فمن أنكره كان معاندا، ناقضا للعهد، ولزمته الحجة، ونسيانه، وعدم حفظه، لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق.
قال المفسر الآلوسي / في «روح المعاني» (ج9 ص133): (وقد يقال: إن الآية، مسوقة: لبيان أخذ ميثاق سابق، من جميع الخلق: مؤمنهم، وكافرهم، قبل هذه النشأة، بما هو أهم: الأمور). اهـ
وقال المفسر الآلوسي / في «روح المعاني» (ج9 ص133): (القوم إذ ذاك كانوا مقرين بالربوبية). اهـ
وقال المفسر الآلوسي / في «روح المعاني» (ج9 ص137): (قوله تعالى: ]أو تقولوا[؛ في ذلك يوم: ]إنما أشرك آباؤنا من قبل[؛ أي: إن آباءنا هم: اخترعوا الإشراك، وهم: سنوه من قبل زماننا: ]وكنا[؛ نحن: ]ذرية من بعدهم[؛ لا نهتدي إلى سبيل التوحيد: ]أفتهلكنا[؛ أي: أتؤاخذنا، فتهلكنا اليوم بالعذاب: ]بما فعل المبطلون[؛ من آبائنا المضلين). اهـ
قلت: والدليل على ذلك من القرآن، إنكار الله تعالى، على من التزم اتباع الغير على؛ أي: حال من غير تمييز، فقال تعالى: ]أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون [ [البقرة:170].
وقال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج2 ص610): (ومعنى؛ قوله تعالى: ]ألست بربكم[؛ على هذا التفسير، قال الله تعالى؛ للذرية: ألست بربكم، فهو إيجاب للربوبية عليهم، قالوا: بلى، يعني: قالت الذرية: بلى أنت ربنا، فهو جواب منهم: له، وإقرار منهم: له بالربوبية، واعتراف على أنفسهم بالعبودية: ]شهدنا[). اهـ
وقال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج2 ص612): (وقوله تعالى: ]أو تقولوا[؛ يعني: الذرية، ]إنما أشرك آباؤنا من قبل[؛ يعني: إنما أخذ: «الميثاق» عليهم لئلا يقول المشركون: إنما أشرك آباؤنا من قبل، ]وكنا ذرية من بعدهم[؛ يعني: وكنا أتباعا لهم، فاقتدينا بهم في الشرك، ]أفتهلكنا[؛ يعني: أفتعذبنا، ]بما فعل المبطلون[؛ قال المفسرون: هذا قطع لعذر الكفار، فلا يستطيع أحد من الذرية أن يقول يوم القيامة: إنما أشرك آباؤنا من قبلنا، ونقضوا: «العهد»، و«الميثاق»، وكنا نحن الذرية من بعدهم، فقلدناهم، واقتدينا بهم، وكنا في غفلة عن هذا: «الميثاق»، فلا ذنب لنا، فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل ذلك، وقد أخذ عليهم جميعا الميثاق، وجاءتهم الرسل، وذكروهم به، وثبتت الحجة عليهم بذلك يوم القيامة). اهـ
وقال المفسر المراغي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (قوله تعالى: ]أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]؛ أي: إنا فعلنا هذا منعا لاعتذاركم يوم القيامة، بأن تقولوا إذا أشركتم: إنا كنا عن هذا التوحيد غافلين، إذ لم ينبهنا إليه منبه، ومآل هذا: أنه لا يقبل منهم الاعتذار بالجهل، لأنهم نبهوا بنصب الأدلة، وجعلوا مستعدين لتحقيق الحق، وإبعاد الشرك عن قلوبهم.
]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 173]؛ أي: أو تقولوا في ذلك اليوم: إن آباءنا اخترعوا الإشراك، وسنوه من قبل زماننا، وكنا جاهلين ببطلان شركهم، فلم يسعنا؛ إلا الاقتداء بهم، ولم نهتد إلى التوحيد، أفتؤاخذنا فتهلكنا اليوم بالعذاب بما فعله المبطلون من آبائنا المضلين، فتجعل عذابنا كعذابهم، مع عذرنا بتحسين الظن بهم؟.
والخلاصة: إن الله تعالى لا يقبل منهم الاعتذار بتقليد الآباء والأجداد، إذ التقليد عند قيام الدلائل، والقدرة على الاستدلال بها، مما لا يركن إليه، ولا ينبغي لعاقل أن يلجأ إليه، كما أن الاعتذار بالجهل بعد ما أقام عليهم من البينات الفطرية، والعقلية؛ مما لا يقبل.
وقوله تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 174]؛ أي: ومثل ذلك التفصيل المستتبع للمنافع الجليلة، نفصل لبني آدم الآيات، والدلائل ليستعملوا عقولهم في التبصر فيها، والتدبر في أمرها، لعلهم يرجعون بها عن جهلهم، وتقليد آبائهم وأجدادهم.
وفي الآية: إيماء إلى أن من لم تبلغه بعثة رسول، لا يعذر يوم القيامة في الشرك بالله تعالى، ولا بفعل الفواحش، والموبقات التي تنفر منها الفطر السليمة، وتدرك ضررها العقول الحصيفة). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج4 ص117): (قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ أي: أوجدهم شاهدين بذلك، قائلين له حالا وقالا، والشهادة تارة تكون بالقول، كما قال تعالى: ]قالوا شهدنا على أنفسنا[ [الأنعام:130]؛ الآية، وتارة تكون حالا، كما قال تعالى: ]ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر[ [التوبة:17]؛ أي: حالهم شاهد عليهم بذلك، لا أنهم قائلون ذلك، وكذلك قوله تعالى: ]وإنه على ذلك لشهيد[ [العاديات:7]؛ كما أن السؤال تارة يكون بالقال، وتارة يكون بالحال، كما في قوله تعالى: ]وآتاكم من كل ما سألتموه[ [إبراهيم:34].
قالوا: ومما يدل على أن المراد بهذا هذا، أن جعل هذا الإشهاد: حجة عليهم في الإشراك...، وهذا جعل حجة مستقلة عليهم، فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها، من الإقرار بالتوحيد؛ ولهذا قال تعالى: ]أن يقولوا[؛ أي: لئلا تقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا[؛ أي: التوحيد، ]غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا[؛ الآية). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج4 ص111): (يخبر تعالى: أنه استخرج ذرية: بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم، أن الله ربهم، ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو.
* كما أنه تعالى: فطرهم على ذلك، وجبلهم عليه، قال تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله[ [الروم:30]؛ وفي الصحيحين، عن أبي هريرة t، قال: قال رسول الله r: «كل مولود يولد على الفطرة، وفي رواية: الملة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه»). اهـ
* فيتعين حينئذ، أن يراد: «بالميثاق» ما ركب الله تعالى فيهم، من العقول، وآتاهم من البصائر، لأنها: هي الحجة البالغة، والمانعة، عن قولهم: ]إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]؛ لأن الله تعالى جعل الإقرار، والتمكن، من معرفة ربوبيته، ووحدانيته: حجة عليهم في الإشراك، كما جعل بعث الرسول r: حجة عليهم في الإيمان، بما أخبر عنه من الغيوب. ([77])
قال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج4 ص533): (وإذ أخذ ربك: من ظهور ذريات بني آدم، ميثاق التوحيد لله تعالى، وإفراده بالعبادة). اهـ
وقال الإمام ابن زنجلة / في «حجة القراءات» (ص302): (أدل دليل على صحة التوحيد، إذ كانوا هم الذين أخبر عنهم، وقد أجمعوا على التوحيد). اهـ
وقال الإمام أبو المظفر السمعاني / في «تفسير القرآن» (ج2 ص231): (قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل[ [الأعراف: 173]؛ يعني: إنما أخذت، ما أخذت من: «العهد»، و«الميثاق» عليكم جميعا؛ لئلا تقولوا: ]إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[؛ يعني: أن الجناية من الآباء، وكنا أتباعا لهم؛ فيجعلوا لأنفسهم حجة، وعذرا، عند الله تعالى!). اهـ
قلت: وهذا النص مسوق لإلزام الخلق بمقتضى: «الميثاق العام» عندما كانوا في أصلاب آبائهم، فإن منهم من أشرك، بعد إلزامهم: «بالميثاق المخصوص» بهم، والاحتجاج عليهم بالحجج السمعية، والعقلية في الحياة الدنيا، ومنعهم عن التقليد لآبائهم في الشرك، والبدع.
* فتمادى هؤلاء المشركون في الغي بعد أخذ: «الميثاق» عليهم، من: «الميثاق العام» في عالم الغيب، ومن: «الميثاق الخاص» في عالم الحياة.
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
قال المفسر الآلوسي / في «روح المعاني» (ج9 ص134): (قوله تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم[؛ أي: أشهد كل واحد من أولئك الذرية المأخوذين من ظهور آبائهم على أنفسهم، لا على غيرهم، تقريرا: لهم بربوبيته سبحانه، قائلا لهم: ]ألست بربكم[؛ أي: مالك أمركم، ومربيكم على الإطلاق، من غير أن يكون لأحد مدخل في شأن من شؤونكم: ]قالوا[؛ في جوابه سبحانه، ]بلى شهدنا[؛ أي: على أنفسنا بأنك ربنا، لا رب لنا غيرك، والمراد: أقررنا بذلك). اهـ
قلت: وبلى: حرف جواب.
قال الحافظ السيوطي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص134-روح المعاني): (إن هذه الآية، أصل: في الإقرار). اهـ
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1 ص312): (قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم[ [الأعراف: 172]؛ أي: جعلهم شاهدين على أنفسهم، ولا بد أن يكون الشاهد ذاكرا لما شهد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار، كما تأتي الإشارة إلى ذلك، لا يذكر شهادة قبله.
* أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[، والحجة إنما قامت عليهم بالرسل، والفطرة التي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء:165].
* تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف:172]، ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم.
* قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ فذكر حكمتين في هذا الأخذ والإشهاد: أن لا يدعوا الغفلة، أو يدعوا التقليد، فالغافل لا شعور له، والمقلد متبع في تقليده لغيره، ولا تترتب هاتان الحكمتان؛ إلا على ما قامت به الحجة من الرسل والفطرة.
قوله تعالى: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 173]؛ أي: لو عذبهم بجحودهم وشركهم، لقالوا ذلك، وهو سبحانه إنما يهلكهم لمخالفة رسله وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجة عليهم بالرسل، لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، وإنما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرسل.
* أنه سبحانه أشهد كل واحد على نفسه أنه ربه وخالقه، واحتج عليهم بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان: 25].
* فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكرتهم بها رسله، بقولهم: ]أفي الله شك فاطر السماوات والأرض[ [إبراهيم:10].
* أنه جعل هذا آية، وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها بحيث لا يتخلف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرب تعالى، فإنها أدلة معينة على مطلوب معين مستلزمة للعلم به؛ فقال تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 174]، وإنما ذلك بالفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، فما من مولود إلا يولد على الفطرة، لا يولد مولود على غير هذه الفطرة، هذا أمر مفروغ منه، لا يتبدل ولا يتغير.
* ولا شك أن الإقرار بالربوبية أمر فطري، والشرك حادث طارئ، والأبناء تقلدوه عن الآباء، فإذا احتجوا يوم القيامة بأن الآباء أشركوا، ونحن جرينا على عادتهم). اهـ
قلت: لئلا تقولوا يوم القيامة عند ظهور الأمر، وإحاطة العذاب، بمن أشرك؛ ]إنا كنا عن هذا[؛ أي: وحدانية الربوبية: ]غافلين[، لم ننبه عليه، وإنما لم يسعهم هذا الاعتذار، حينئذ على ما قيل، لأنهم: نبهوا بنصب الأدلة، وجعلوا متهيئين: تهيأ تاما، لتحقيق الحق، وإنكار ذلك: مكابرة، فكيف يمكنهم، أن يقولوا ذلك. ([78])
قال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج2 ص610): (فكل من بلغ، وعقل، فقد أخذ عليه: «الميثاق»، بما جعل فيه من السبب الذي يؤخذ به: «الميثاق»، وهو العقل، والتكليف، فيكون معنى؛ الآية: وإذ يأخذ ربك من بني آدم ويشهدهم على أنفسهم؛ بما ركب فيهم من العقل الذي يكون به: الفهم، والتكليف الذي به يترتب على صاحبه الثواب، والعقاب يوم القيامة). اهـ
وقال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج7 ص295): (قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا[ [الأعراف:172]؛ أي: سنوا الإشراك، واخترعوه: ]من قبل[؛ أي: من قبل زماننا، ]وكنا ذرية من بعدهم[؛ أي: فنشأنا على طريقتهم، احتجاجا بالتقليد، وتعويلا عليه.
* فقد قطعنا العذر بما بينا من الآيات: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ أي: أتؤاخذنا بما فعل آباؤنا من الشرك، وأسسوا من الباطل، أو بفعل آبائنا الذين أبطلوا تأثير العقول، وأقوال الرسل عليهم السلام؟؛ والاستفهام للإنكار؛ أي: أنت حكيم لا تأخذ الأبناء، بفعل الآباء، وقد سلكنا طريقهم، والحجة عليهم بما شرعوا لنا من الباطل.
والمعنى: أزلنا الشبهتين بأن الإقرار بالربوبية، والتوحيد، هو في أصل فطرتكم، فلم لم ترجعوا إليه، عند دعوة العقول، والرسل عليهم السلام؟، والفطرة: أكبر دليل، فهي تسد باب الاعتذار بوجه ما، لا سيما والتقليد، عند قيام الدلائل، والقدرة على الاستدلال بها، مما لا مساغ له أصلا). اهـ
وعن عمران بن حصين t، قال: قال النبي r؛ لأبي: حصين: (كم تعبد اليوم إلها؟، قال أبي: سبعة، ستة في الأرض، وواحدا في السماء!، قال: فأيهم تعد لرغبتك، ورهبتك؟ قال: الذي في السماء!). ([79])
قال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج7 ص298): (فالله تعالى: فطر الخلق كلهم على معرفته فطرة توحيد، حتى من خلق مجنونا، مطبقا، مصطلما، لا يفهم شيئا، ما يحلف إلا به، ولا يهلج لسانه بأكثر من اسمه المقدس، فطرة بالغة). اهـ
قلت: إن الإقرار، والاعتراف بالخالق سبحانه: فطري، ضروري في قلوب الخلق، ومعرفة الربوبية تحصل بالفطرة، الضرورية، التي خلقها الله تعالى في نفوس الخلق من صغرهم، فهم: يولدون على فطرة الإسلام. ([80])
قال المفسر المراغي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (والخلاصة: إن الله تعالى لا يقبل منهم الاعتذار، بتقليد الآباء، والأجداد، إذ التقليد عند قيام الدلائل، والقدرة على الاستدلال بها، مما لا يركن إليه، ولا ينبغي لعاقل أن يلجأ إليه.
* كما أن الاعتذار بالجهل بعد ما أقام عليهم من البينات الفطرية، والعقلية، مما لا يقبل). اهـ
وقال المفسر المراغي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (وفي الآية: إيماء إلى أن من لم تبلغه، بعثة رسول، لا يعذر يوم القيامة في الشرك بالله تعالى، ولا بفعل الفواحش، والموبقات، التي تنفر منها: الفطرة السليمة، وتدرك ضررها العقول الحصيفة). اهـ
وقال المفسر الخازن البغدادي / في «لباب التأويل» (ج2 ص612): (فقامت الحجة: عليهم؛ لإمدادهم بالرسل عليهم السلام، وإعلامهم بجريان: أخذ: «الميثاق» عليهم.
* وبذلك قامت الحجة عليهم أيضا يوم القيامة، لإخبار الرسل عليهم السلام: إياهم بذلك: «الميثاق» في الدنيا؛ فمن أنكره كان معاندا، ناقضا: للعهد، ولزمتهم الحجة، ولم تسقط الحجة عنهم بنسيانهم، وعدم حفظهم بعد إخبار الصادق صاحب الشرع، والمعجزات الباهرات). اهـ
قلت: فقد ثبت الله تعالى الحجة على كل نفس في عالم الغيب بالميثاق والفطرة في الإجمال، وهذا الميثاق الأول الذي أخذه الله تعالى على العباد، وهم في ظهور آبائهم. ([81])
* فأخذ الله تعالى: «العهد»، و«الميثاق» على بني آدم جميعا، وأشهدهم على أنفسهم، بأن الله ربهم، فلا يكون لهم العذر يوم القيامة، في الإشراك بالله: جهلا، أو تقليدا.
قلت: جعل الله تعالى لهم: عقولا، يفهمون بها، وألسنة، ينطقون بها، فهم: يعلمون: «بالميثاق»، وقد شهدوا على أنفسهم بهذا: «الميثاق»، والملائكة يشهدون عليهم: «بالميثاق» يوم القيامة. ([82])
قال تعالى: ]قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين [ [الأنعام: 149]؛ يعني: يوم أخذ على الخلق الميثاق. ([83])
وقال تعالى: ]سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين [ [الأنعام: 148 و149].
وعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا[ [الأنعام: 148]، وقال تعالى: ]كذلك كذب الذين من قبلهم[، ثم قال تعالى: ]ولو شاء الله ما أشركوا[ [الأنعام:107]؛ فإنهم قالوا: عبادتنا الآلهة تقربنا إلى الله زلفى، فأخبرهم الله تعالى أنها لا تقربهم، وقوله تعالى: ]ولو شاء الله ما أشركوا[، يقول الله تعالى: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين). ([84])
وعن سمرة بن جندب t، في حديث: «الرؤيا»، وهو حديث: طويل، عن النبي r قال: (وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم عليه السلام، وأما الولدان الذين حوله: فكل مولود مات على الفطرة، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟، فقال رسول الله r: وأولاد المشركين). وفي رواية: (والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله فأولاد الناس). ([85])
وأورده الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص118)؛ ثم قال: (والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله، أولاد الناس؛ وهذا يقتضي ظاهره، وعمومه جميع الناس) ([86]). اهـ
وقال الإمام القرطبي / في «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (ج3 ص1044): (ومن كان من أولاد المشركين: فمات قبل أن يجري عليه القلم، فليس يكونون مع آبائهم في النار؛ لأنهم: ماتوا على: «الميثاق الأول»، الذي أخذ عليهم في صلب آدم عليه السلام، ولم ينقضوا الميثاق). اهـ
وقال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج4 ص532): (أخذ من ظهر آدم ذريته، وأخذ عليهم العهد، بأنه ربهم، وأن لا إله غيره، فأقروا بذلك، والتزموه). اهـ
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي في / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1 ص315): (وإن كان الآباء مخالفين الرسل، كان عليه أن يتبع الرسل، كما قال تعالى: ]ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما[ [العنكبوت: 8]؛ الآية.
* فمن اتبع دين آبائه بغير بصيرة وعلم، بل يعدل عن الحق المعلوم إليه، فهذا اتبع هواه، كما قال تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون[ [البقرة: 170].
* وهذه حال كثير من الناس من الذين ولدوا على الإسلام، يتبع أحدهم أباه فيما كان عليه من اعتقاد ومذهب، وإن كان خطأ ليس هو فيه على بصيرة، بل هو من مسلمة الدار، لا مسلمة الاختيار، وهذا إذا قيل له في قبره: من ربك؟ قال؟ هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.
* فليتأمل اللبيب هذا المحل، ولينصح نفسه، وليقم لله، ولينظر من أي الفريقين هو، والله الموفق، فإن توحيد الربوبية لا يحتاج إلى دليل، فإنه مركوز في الفطر، وأقرب ما ينظر فيه المرء أمر نفسه لما كان نطفة، وقد خرج من بين الصلب والترائب، والترائب: عظام الصدر، ثم صارت تلك النطفة في قرار مكين، في ظلمات ثلاث، وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق). اهـ
وقال تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 174].
قلت: فقد أقام الله تعالى على الخلق، الحجة على الإجمال، وهم في أصلاب آبائهم في الغيب، وأقام عليهم الحجة على التفصيل عندما خرجوا إلى الحياة الدنيا، ممن بلغ منهم.
قال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج4 ص534): (قوله تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات[؛ أي: مثل هذا التفصيل الذي فصلنا فيه للآيات السابقة، نفصل للآيات اللاحقة؛ فالكل على نمط واحد في التفصيل، والتوضيح؛ لأدلة التوحيد، وبراهينه.
وقوله تعالى: ]ولعلهم يرجعون[؛ عن شركهم، وعبادة غير الله تعالى، إلى توحيده، وعباده، بذلك التفصيل والتوضيح). اهـ
قلت: فمن وقع في: «الشرك الأكبر»، وهو جاهل، قد قامت عليه الحجة: «بالميثاق»، و«الفطرة »معا، على الإجمال، وكفى.
* وأما ما وصل إليه من الكتب من الله تعالى، وإرسال: الرسل إليه، فقد قامت عليه الحجة على الإجمال والتفصيل إذا خرج إلى الحياة الدنيا([87])، بأن يتعلم من الكتب، والرسل على التفصيل ما يحتاجه من العلم النافع: من أحكام التوحيد، وأحكام الصلاة، وأحكام الزكاة، وأحكام الصيام، وأحكام الحج، وغير ذلك([88])، في الأصول والفروع، مما يحتاج إليه العبد في الحياة الدنيا. ([89])
قلت: لو لم يؤخذ على الخلق، إلا هذا: «العهد»، و«الميثاق»، ولا جاءهم رسول، لكفى بذلك حجة من الله تعالى، لما تضمنه: «الميثاق» من إقرار الخلق؛ بتوحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة.
* فما بالك: بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، فقد أزال الله تعالى عنهم الاحتجاج، بتركيب العقول، والفهم فيهم، وتذكيرهم، ببعثة الرسل عليهم السلام، إليهم، فقطع بذلك أعذارهم.
قال تعالى: ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت[ [النحل:36].
قال أبو عبد الله الحكيم الترمذي / في «نوادر الأصول» (ج1 ص310): (وهذا بعد الإدراك: حين عقلوا أمر الدنيا، وتأكدت حجة الله عليهم، بما نصب من الآيات الظاهرة، من خلق السماوات والأرض، والشمس والقمر، والبر والبحر، واختلاف الليل والنهار، فلما عملت أهواؤهم فيهم، أتتهم الشياطين فدعتهم إلى اليهودية، والنصرانية، فذهبت بأهوائهم، يمينا وشمالا). اهـ
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (كل مولود يولد على الفطرة). ([90])
* فأخذ الميثاق من الناس في الغيب، وإقرارهم جميعا، بالربوبية لله تعالى، مع فطرة التوحيد والإسلام، التي فطر الله تعالى الناس عليها في ولادتهم.
* كفى بذلك لإقامة الحجة عليهم في الإجمال، وأنه يجوز الاحتجاج بها عليهم، لأن قد أقروا جميعا بهذا: «الميثاق» لله تعالى، وكان ذلك عن معرفة منهم به سبحانه، وبتوحيده، وأضف أن الله تعالى ألزمهم الفطرة، فطرة الإسلام من صغرهم، قبل أن يرسل إليهم الرسل عليهم السلام، وينزل عليهم الكتب، ليقوم عليهم بالحجة البالغة، في الإجمال والتفصيل. ([91])
* فلا يولد؛ لأي: مولد، إلا على فطرة الإسلام حقيقة عند ولادته، لأنه لم يكن الله تعالى ليدعو خلقه إلى الإيمان به، وهو لم يعرفهم نفسه العظيمة ابتداء في الغيب، وفي صغرهم، إذ كان يكون حينئذ قد كلفهم الإيمان بما لا يعرفون، وكلفهم بشيء لا يدركونه في الحياة، وهذا لم يكن من الله تعالى، لأنه عليم، وحكيم في كل شيء، وقدير على كل شيء.
* والله تعالى لم يذكر؛ لأي: آية في القرآن الكريم، إلا فيها من الحجة البالغة، والحكمة العالية، والعلمية النافعة للخلق، فلا يذكرها سبحانه بعبث في القرآن الكريم([92])، بل لا بد من حكمة، عرفها من عرف، وجهلها من جهل، والله ولي التوفيق.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص88): (وأخرجهم من بطون أمهاتهم، ليعرف منهم: العارف، ويعترف: فيؤمن، ولينكر منهم: المنكر ما يعرف، فيكفر، وذلك كله قد سبق به لهم: قضاء الله تعالى، وتقدم فيه علمه؛ ثم يصيرون إليه في حين تصح منهم: المعرفة، والإيمان، والكفر، والجحود، وذلك عند التمييز، والإدراك). اهـ
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص89): (ومعنى الآية والحديث: أنه أخرج ذرية آدم من ظهره، كيف شاء، وألهمهم أنه ربهم، فقالوا: ]بلى[، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[، ثم تابعهم بحجة العقل، عند التمييز، وبالرسل عليهم السلام: بعد ذلك؛ استظهارا: بما في عقولهم، من المنازعة إلى خالق، مدبر، حكيم، يدبرهم بما لا يتهيأ لهم، ولا يمكنهم: جحده، وهذا إجماع أهل السنة؛ والحمد لله). اهـ
* وهذا الإقرار حجة الله عليهم يوم القيامة، فهو سبحانه يذكر أخذه لهم، وإشهاده إياهم على أنفسهم، فإنه سبحانه خلق فسوى، وقدر فهدى. ([93])
قال الإمام ابن القيم / في «شفاء العليل» (ص195): (قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف: 172]، فذكر سبحانه من حكم أخذ الميثاق عليهم أن لا يحتجوا يوم القيامة: بغفلتهم عن هذا الأمر، ولا بتقليد الأسلاف، ومنه قوله تعالى: ]وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت[؛ فالضمير في: «به»: القرآن، و]أن تبسل[؛ في محل نصب على أنه مفعول له، أي: حذار أن تسلم نفس إلى الهلكة، والعذاب، وترتهن بسوء عملها). اهـ
وقوله تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف: 172].
والمراد: في هذه الآية، إنما يراد بها شهادة العبد على نفسه؛ بمعنى: أداء الشهادة على نفسه.
* وقولهم: ]بلى شهدنا[؛ هو إقرارهم: بأنه ربهم سبحانه، ومن أخبر بأمر عن نفسه، فقد شهد به على نفسه، فإن قولهم: ]بلى شهدنا[؛ معناه: أنت ربنا، وهذا إقرار منهم: بربوبيته لهم، وجعلهم شهداء على أنفسهم بما أقروا به، وقوله تعالى: ]أشهدهم[؛ يقتضي أنه هو سبحانه الذي جعلهم: شاهدين على أنفسهم، بأنه ربهم سبحانه. ([94])
قال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص562): (وهذا الإشهاد مقرون بأخذهم من ظهور آبائهم، وهذا الأخذ المعلوم المشهود الذي لا ريب فيه؛ هو: أخذ المني من أصلاب الآباء، ونزوله في أرحام الأمهات، لكن لم يذكر هنا الأمهات، كقوله: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ وهم كانوا متبعين لدين آبائهم، لا لدين الأمهات، كما قالوا: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة[ [الزخرف: 22]؛ ولهذا قال: ]أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[ [الزخرف: 24]؛ فهو سبحانه يقول: اذكر حين أخذوا من أصلاب الآباء، فخلقوا حين ولدوا على الفطرة، مقرين بالخالق، شاهدين على أنفسهم بأن الله ربهم، فهذا الإقرار: حجة لله عليهم يوم القيامة، فهو يذكر أخذه لهم، وإشهاده إياهم على أنفسهم، فإنه سبحانه خلق فسوى، وقدر فهدى، فأخذهم يتضمن خلقهم، والإشهاد يتضمن هداه لهم إلى هذا الإقرار، فإنه قال: ]أشهدهم[؛ أي: جعلهم شاهدين، فهذا الإشهاد من لوازم الإنسان، وكل إنسان جعله الله مقرا بربوبيته، شاهدا على نفسه بأنه مخلوق، والله خالقه، وهذا أمر ضروري لبني آدم، لا ينفك منه مخلوق، وهو مما جبلوا عليه، فهو علم ضروري لهم، لا يمكن أحدا جحده، ثم قال بعد ذلك: ]أن يقولوا[؛ أي: كراهية أن تقولوا، أو لئلا تقولوا: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ أي: عن هذا الإقرار لله بالربوبية، وعلى نفوسنا بالعبودية، فإنهم ما كانوا غافلين عن هذا، بل كان هذا من العلوم الضرورية اللازمة لهم التي لم يخل منها بشر قط، بخلاف كثير من العلوم التي قد تكون ضرورية، ولكن قد يغفل عنها كثير من بني آدم من علوم العدد والحساب وغير ذلك: فإنها إذا تصورت، كانت علوما ضرورية، لكن كثيرا من الناس غافل عنها.
* وأما الاعتراف بالخالق فإنه: علم ضروري لازم للإنسان، لا يغفل عنه أحد بحيث لا يعرفه، بل لا بد أن يكون قد عرفه، وإن قدر أنه نسيه.
ولهذا يسمى التعريف بذلك: تذكيرا، فإنه تذكير بعلوم فطرية ضرورية، وقد ينساها العبد، كما قال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم[ [الحشر: 19]؛ وفي الحديث الصحيح: «يقول الله للكافر: فاليوم أنساك كما نسيتني»([95])). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص563): (قال تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 173]؛ فذكر سبحانه لهم حجتين يدفعهما هذا الإشهاد:
إحداهما: أن يقولوا: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ فبين أن هذا: علم فطري ضروري لا بد لكل بشر من معرفته، وذلك يتضمن حجة الله في إبطال التعطيل، وأن القول بإثبات الصانع: علم فطري ضروري، وهو حجة على نفي التعطيل.
والثانية: أن يقولوا: ]إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[، وهم آباؤنا المشركون؛ أي: أفتعاقبنا بذنوب غيرنا؟ فإنه لو قدر أنهم لم يكونوا عارفين بأن الله ربهم، ووجدوا آباءهم مشركين، وهم ذرية من بعدهم، ومقتضى الطبيعة العادية أن يحتذي الرجل حذو أبيه حتى في الصناعات، والمساكن، والملابس، والمطاعم إذ كان هو الذي رباه، ولهذا كان أبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، فإذا كان هذا مقتضى العادة والطبيعة، ولم يكن في فطرهم وعقولهم ما يناقض ذلك، قالوا: نحن معذورون، وآباؤنا هم الذين أشركوا، ونحن كنا ذرية لهم بعدهم، ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم: فإذا كان في فطرهم ما شهدوا به من أن الله وحده هو ربهم، كان معهم ما يبين بطلان هذا الشرك، وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم.
فإذا احتجوا بالعادة الطبيعية: من اتباع الآباء، كانت الحجة عليهم: هي الفطرة الطبيعية الفعلية السابقة؛ لهذه العادة الطارئة، وكانت الفطرة الموجبة للإسلام: سابقة للتربية التي يحتجون بها؛ وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد: حجة في بطلان الشرك، لا يحتاج ذلك إلى رسول، فإنه جعل ما تقدم حجة عليهم بدون هذا، وهذا لا يناقض قوله تعالى: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[ [الإسراء: 15]؛ فإن الرسول يدعو إلى التوحيد، ولكن الفطرة: دليل عقلي يعلم به إثبات الصانع، لم يكن في مجرد الرسالة حجة عليهم: فهذه الشهادة على أنفسهم التي تتضمن إقرارهم بأن الله ربهم، ومعرفتهم بذلك أمر لازم لكل بني آدم، به تقوم حجة الله تعالى في تصديق رسله، فلا يمكن أحدا أن يقول يوم القيامة: إني كنت عن هذا غافلا، ولا أن الذنب كان لأبي المشرك دوني، لأنه عارف بأن الله ربه لا شريك له، فلم يكن معذورا في التعطيل، والإشراك، بل قام به ما يستحق به العذاب). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص564): (ثم إن الله سبحانه - لكمال رحمته وإحسانه - لا يعذب أحدا إلا بعد إرسال الرسول إليه، وإن كان فاعلا لما يستحق به الذم والعقاب: فلله على عبده حجتان قد أعدهما عليه لا يعذبه إلا بعد قيامهما:
إحداهما: ما فطره عليه، وخلقه عليه من الإقرار بأنه ربه، ومليكه، وفاطره، وحقه عليه لازم.
والثانية: إرسال رسله إليه بتفصيل ذلك، وتقريره وتكميله، فيقوم عليه شاهد الفطرة، والشرعة، ويقر على نفسه بأنه كان كافرا؛ كما قال تعالى: ]وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين[ [الأنعام: 130]؛ فلم ينفذ عليهم الحكم، إلا بعد إقرار، وشاهدين على أنفسهم، وهذا غاية العدل). اهـ
وقوله تعالى: ]ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 174]؛ عما هم عليه من الإصرار على الباطل. ([96])
* فيرجعوا: إلى الحق والإيمان، ويعرضوا عن الباطل، والكفر، والشرك. ([97])
* فلعلهم: يرجعون عن جهلهم، وتقليدهم لآبائهم، وأجدادهم، إلى التوحيد، والإيمان.
* ولعلهم: يرجعون أيضا إلى: «الميثاق الأول»، فيذكرونه، ويعملون بمقتضاه. ([98])
قال تعالى: ]وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح[ [الأحزاب:7].
وقال تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله[ [الروم:30].
وقال تعالى: ]هذا نذير من النذر الأولى[ [النجم:56].
وقال تعالى: ]وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين[ [الأعراف:102].
وهذه الآية: تدل أن الله تعالى إذا أخذهم من ظهر آدم عليه السلام، فقد أخذهم من ظهور ذريته؛ لأن ذرية آدم عليه السلام، ذرية، لذريته، بعضهم من بعض. ([99])
قال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج2 ص608): (وأما تفسير الآية: فقوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك[؛ يعني: واذكر يا محمد، إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم، يعني: من ظهور بني آدم، وإنما لم يذكر ظهر آدم، وإن كان الله تعالى: أخرج جميع الذرية من ظهره، لأن الله تعالى: أخرج ذرية آدم بعضهم: من ظهر بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء.
* فلذلك؛ قال تعالى: ]من بني آدم من ظهورهم[؛ فاستغنى عن ذكر ظهر آدم عليه السلام، لما علم أنهم كلهم: بنو آدم، وأخرجوا من ظهره، فترك ذكر ظهر آدم عليه السلام: استغناء). اهـ
قلت: فذكر الله تعالى الأخذ من ظهور بني آدم، في الغيب، لا من نفس ظهر آدم عليه السلام.
* لكن الرسول r؛ ذكر أيضا، أن الأخذ من نفس ظهر آدم عليه السلام.
وهذا لا يناقض الآية، فإن أخذ: «الميثاق»، أخذه الله تعالى على الخلق من ظهور بني آدم، كما أخذه أيضا عليهم: من نفس ظهر آدم عليه السلام.
* فشهدوا على أنفسهم، وهذه الشهادة على أنفسهم، التي تتضمن إقرارهم بأن الله ربهم، ومعرفتهم بذلك، أمر لازم لكل بني آدم، به تقوم حجة الله تعالى في تصديق رسله عليهم السلام، فلا يمكن أحدا، أن يقول: يوم القيامة، إني كنت عن هذا غافلا.
قلت: وقد استدل الله تعالى أيضا عليهم بالدلائل المنصوبة في الآفاق، والأنفس المؤدية إلى التوحيد في الناس.
* فشهدوا على أنفسهم، بما ركب فيهم من العقل الذي يكون به الفهم، ويجب به الثواب والعقاب.
فأخذ الله عليهم: «الميثاق»، و«العهد» في التوحيد، بما ركب فيه من العقل، وأراهم من الآيات، والدلالات، على أنه هو الرب، وهو خالقهم.
* فكل من بلغ هذا المبلغ، فقد أخذ عليه: «الميثاق»، و«العهد»، وقد أقر، وأذعن، وأسلم، كما قال تعالى: ]ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها[ [الرعد:15].
قلت: فأخذ من الخلق: «الميثاق»، فقال تعالى: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 173].
* فليس أحد من ولد آدم، إلا وهو يعرف أن ربه، هو الله تعالى. ([100])
* والخلق قد أقروا لله تعالى بالإيمان، والمعرفة.
قال تعالى: ]وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها[ [آل عمران:83].
قلت: ويجوز في العربية أن يقع، ما هو منتظر، مما لم يقع بعد، أو وقع في الغيب، مثل: ما أشهدهم على أنفسهم أنه ربهم، في أصلاب آبائهم، قبل أن يأتوا في الحياة الدنيا؛ لسبق علمه سبحانه بوقوع هذه الشهادة من الخلق.
* كما قال تعالى في مواضع من القرآن مثل ذلك، كقوله تعالى: ]ونادى أصحاب النار[ [الأعراف:50]، وكقوله تعالى: ]ونادى أصحاب الجنة[ [الأعراف: 44]، وكقوله تعالى: ]ونادى أصحاب الأعراف[ [الأعراف: 48].
* وهذا مثل: قوله تعالى: ]إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا[ [الأحزاب: 72].
الأمانة؛ هاهنا: عهد، وميثاق، فامتناع السموات، والأرض، والجبال، من حمل الأمانة لخلوها من العقل الذي يكون به الفهم، والإفهام، وحمل الإنسان إياها لمكان العقل فيه. ([101])
* ومعنى: قوله تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم[ [الأعراف: 172]؛ فقد دل الخلق، بخالقهم: على توحيده، لأن كل بالغ، يعلم ضرورة أن له ربا واحدا.
وقوله تعالى: ]ألست بربكم[ [الأعراف: 172]؛ فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم، والإقرار منهم. ([102])
وهذا مثل: قوله تعالى: في السماوات والأرض: ]قالتا أتينا طائعين[ [فصلت:11].
قلت: وقد يخاطب الجماد، لأنه يعقل ما يقال له، مثل: الجبل، حتى خوطب: جبل أحد. ([103])
قال تعالى: ]يا جبال أوبي معه والطير[ [سبأ:10].
وعن أنس بن مالك t؛ أن النبي r: صعد أحدا، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال r: (اثبت أحد، فإنما عليك: نبي، وصديق، وشهيدان). ([104])
قلت: فالقول فيما تقدم قبل هذا يغني عن الجدال في إقامت الحجة: «بالميثاق»، و«الفطرة» على الجهال الذين وقعوا في: «الشرك الأكبر»، لأنهم أقروا في الغيب أن الله تعالى، هو ربهم المعبود بحق في الحياة الدنيا، وكذلك: إقرارهم للرب سبحانه بالفطرة([105]) ألزمها قلوبهم منذ الصغر، فكفونا التعب لإقامة الحجة، بهذه المقالة على أنفسهم في عالم الغيب، وذلك كله: تقدير الله تعالى، وفطرته لهم على التوحيد.
قلت: وأما أهل البدع([106])، فمنكرون، لكلما قاله العلماء من أهل السنة، في تأويل قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174]، قالوا: ما أخذ الله تعالى من آدم، ولا من ذريته ميثاقا قط، قبل خلقه إياهم، وما خلقهم قط، إلا في بطون أمهاتهم، يعني: ينكرون([107]) إقامة الحجة على الخلق بالميثاق، وهم في ظهور آبائهم في عالم الغيب. ([108])
* والمعتزلة: ينكرون أخذ الميثاق القالي، ويقولون: إنها من جملة الآحاد، فلا يلزمنا أن نترك لها ظاهر الكتاب، وطعنوا في صحتها؛ بمقدمات عقلية مبنية على قواعد فلسفية على ما هو دأبهم في أمثال هذه المطالب. ([109])
* وكذلك قال أهل البدع: كيف يخاطب الله تعالى، من لا يعقل، وكيف يجيب من لا عقل له، وكيف يحتج عليهم بميثاق لا يذكرونه، وهم لا يؤاخذون بما نسوا.
* وقالوا: إنما أراد الله تعالى، بقوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174]؛ إخراجه إياهم في الدنيا، وخلقه لهم، وإقامة الحجة عليهم، بأن فطرهم، وبناهم: فطرة إذا بلغوا، وعقلوا، علموا أن الله تعالى: هو ربهم، وخالقهم. ([110])
قلت: فمن قال بهذا القول، فقد وافق أهل البدع، يعني: في عدم حجية الميثاق على الخلق؛ ابتداء في عالم الغيب.
وعن أبي هريرة t، قال: قال رسول الله r: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه). ([111])
وقوله r: «كل مولود يولد على الفطرة»، قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج3 ص248): (قد اختلف السلف في المراد بالفطرة في هذا الحديث على أقوال كثيرة...، وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة: الإسلام، قال ابن عبد البر في [«التمهيد» (ج18 ص72 و73)]، وهو المعروف عند عامة السلف، وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى: ]فطرة الله التي فطر الناس عليها[ [الروم:30]؛ الإسلام، واحتجوا بقول أبي هريرة في هذا الحديث: اقرؤوا إن شئتم: ]فطرة الله التي فطر الناس عليها[؛ وذكروا عن عكرمة، ومجاهد، والحسن، وإبراهيم، والضحاك، وقتادة؛ في قول الله عز وجل: ]فطرة الله التي فطر الناس عليها[؛ قالوا فطرة الله: دين الإسلام، وبحديث عياض بن حمار؛ عند مسلم (2865)، عن النبي r فيما يرويه عن ربه: «إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم» الحديث، وقد رواه غيره؛ فزاد فيه: «حنفاء مسلمين»، وهذا صريح في أنه خلقهم على الحنيفية، وأن الشياطين اجتالتهم بعد ذلك، ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى: ]فطرة الله[؛ لأنها إضافة مدح، وقد أمر نبيه بلزومها، فعلم أنها الإسلام). اهـ كلام ابن حجر.
* وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية /: عن هذا الحديث؛ كما في «الفتاوى» (ج4 ص245)؛ فأجاب /: (الحمد لله أما قوله: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه»؛ فالصواب: أنها فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهي فطرة: الإسلام، وهي الفطرة التي فطرهم عليها يوم قال: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ وهي: السلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة، فإن حقيقة الإسلام: أن يستسلم لله، لا لغيره، وهو معنى: لا إله إلا الله). اهـ
* فالله خلق الطفل سليما من الكفر، مؤمنا، مسلما، على: «الميثاق الأول»، الذي أخذه الله تعالى على ذرية آدم، حين أخرجهم من صلبه، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم، قالوا: بلى. ([112])
وعن شداد بن أوس t؛ أن رسول الله r قال: (سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك، ووعدك ما استطعت).([113])
قال الإمام ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج10 ص75): (قوله r: «وأنا على عهدك، ووعدك ما استطعت»؛ يعني: العهد الذي أخذه الله تعالى على عباده، في أصل: خلقهم، حين أخرجهم من أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ فأقروا له في أصل خلقهم بالربوبية، وأذعنوا له بالوحدانية). اهـ
وعن أنس بن مالك t، عن النبي r قال: (يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتديا به؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم، ألا تشرك بي؛ فأبيت إلا أن تشرك بي). ([114])
قلت: إن الله تعالى، أخذ: «الميثاق» من ذرية آدم من ظهور آبائهم، كما أخذ سبحانه عليهم: «الميثاق» في ظهر أبيهم آدم، ثم أشهدهم على أنفسهم أنه الرب سبحانه، وألا يشركوا به.
* إن الله تعالى أخذ: «الميثاق» من الذرية من ظهر آدم، ومن ظهور آبائهم، ألا يشركوا به شيئا في هذه الحياة الدنيا.
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 172 و173].
وقال تعالى: ]فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين[ [الأنعام: 149].
وعن الإمام حماد بن سلمة /؛ أنه كان يفسر؛ حديث: «كل مولود يولد على الفطرة»، قال: (هذا عندنا حيث أخذ الله تعالى عليهم: العهد في أصلاب آبائهم، حيث قال تعالى: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]). ([115])
وقال تعالى: ]ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون[ [الزمر: 47].
وقال تعالى: ]ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون[ [الأنعام: 28].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح صحيح مسلم» (ج8 ص113): (حديث أخذ: «العهد»، و«الميثاق» في صلب آدم؛ تكلم فيه الناس كثيرا، وقالوا: إن قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم[ [الأعراف: 172]؛ إن هذا ما ركز الله تعالى في الفطر والعقول من الوحدانية، والإيمان بالله عز وجل، ولهذا قال: ]من بني آدم من ظهورهم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: من ظهرهم، فالجمع يدل على أن المراد: بنو آدم أنفسهم، أن الله تعالى أخذ عليهم وهم في بطون أمهاتهم، وذلك بما ركز الله تعالى في قلوبهم من الفطرة، والمسألة مبسوطة في شرح الطحاوية.
وعلى كل حال: الشاهد من هذا أن أهل النار يودون أن يفتدوا بملء الأرض ذهبا، ولكنه لا يحصل لهم ذلك.
* وهذا الحديث فيه مناقشة، وفيه تنديم لهذا الكافر، فإنه يقال له: لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به من هذا العذاب؟ فيقول: نعم، وهذا واقع فالكل يفتدي من عذاب يوم القيامة بما يستطيع.
* وقوله r: «فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك»؛ أي: أن تؤمن بالله تعالى ورسله، وتقيم الصلاة، وتأتي بشرائع الإسلام، وهي أمور سهلة، فحتى الزكاة التي هي حق المال لا تجب في كل مال، وإذا وجبت في مال فهو جزء يسير، والغالب أيضا: أنها لا تجب إلا في الأموال النامية، وقد تجب في الأموال غير النامية كالذهب والفضة). اهـ
وقال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج7 ص275): (قال تعالى: «فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم»، حين أخذت الميثاق، «أن لا تشرك بي فأبيت»، إذ أخرجتك إلى الدنيا، «إلا الشرك»). اهـ
وعن أنس بن مالك t، عن النبي r قال: (يقول الله تبارك وتعالى: لأهون أهل النار عذابا؛ لو كانت لك الدنيا، وما فيها، أكنت مفتديا بها؟، فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك -أحسبه قال: ولا أدخلك النار-، فأبيت إلا الشرك). وفي رواية: (فقد سألتك ما هو أهون من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيت إلا أن تشرك). ([116])
وعن أنس بن مالك t، أن النبي r قال: (يقال للكافر يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا، أكنت تفتدي به؟، فيقول: نعم، فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك). وفي رواية: (فيقال له: كذبت، قد سئلت ما هو أيسر من ذلك). ([117])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج11 ص403 و404): (قوله r: «قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك»، في رواية أبي عمران فيقول: «أردت منك ما هو أهون من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي شيئا، فأبيت إلا أن تشرك بي»، وفي رواية ثابت: «قد سألتك أقل من ذلك، فلم تفعل، فيؤمر به إلى النار»، قال عياض /: يشير بذلك إلى قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم[ [الأعراف:172]؛ الآية، فهذا: «الميثاق» الذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا: فهو مؤمن، ومن لم يوف به: فهو الكافر، فمراد الحديث: أردت منك حين أخذت: «الميثاق»، فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك، ويحتمل أن يكون المراد بالإرادة هنا: الطلب؛ والمعنى: أمرتك، فلم تفعل، لأنه سبحانه وتعالى لا يكون في ملكه إلا ما يريد. واعترض بعض المعتزلة: بأنه كيف يصح أن يأمر بما لا يريد؟ والجواب: أن ذلك ليس بممتنع، ولا مستحيل). اهـ
وقال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج8 ص337): (وقوله r: «يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا: لو كانت لك الدنيا»، إلى قوله: «قد أردت منك أهون من ذلك وأنت في صلب آدم: ألا تشرك، فأبىت إلا الشرك»؛ هذا تنبيه على ما جاء في قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف:172]؛ فهذا: «الميثاق» الذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا، فهو مؤمن، ومن لم يف به فهو الكافر، ومراد الحديث: قد أردت منك هذا وأنت في صلب آدم: ألا تشرك بي حين أخذت عليك ذلك: «الميثاق»، فأبىت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشريك). اهـ
وقال العلامة الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج9 ص252): (في الحديث: «أردت منك أن لا تشرك، فأبيت: إلا الشرك»؛ فإن ذلك بينه: قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم[ [الأعراف: 172]؛ فالمراد الإيمان: الذي أراد منهم هو: إيمانهم ذلك اليوم، وقد حصل، لقوله تعالى: ]قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ أي: أنت ربنا، ولكنهم: لم يعبدوا لما خرجوا من الدنيا).اهـ
قلت: إن الله تعالى أخرج ذرية آدم من صلبه، وأصلاب أولاده، وأخذ عليهم: «الميثاق»، أنه خالقهم، وأنهم: مخلوقون، فاعترفوا بذلك، وقبلوا، وعرفوا ما عرض عليهم، وأنهم: لهم: عقول، يفهمون بها ما سمعوه، ونطقوا به. ([118])
وبوب عليه الحافظ البخاري في «صحيحه» (ص552)؛ باب: خلق آدم وذريته.
قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]؛ أي: عن «الميثاق» المأخوذ عليهم، فإذا قالوا: ذلك، كانت أنفسهم شاهدة عليهم، وكانت الملائكة شهودا عليهم أيضا، بأخذ الميثاق. ([119])
قال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص474): (وها هنا مقامات:
أحدها: أن الله سبحانه، استخرج صورهم وأمثالهم، فميز: شقيهم وسعيدهم، ومعافاهم، من مبتلاهم.
الثاني: أنه سبحانه أقام عليهم الحجة حينئذ، وأشهدهم: بربوبيته، واستشهد عليهم ملائكته.
والثالث: أن هذا تفسير، قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم[ [الأعراف: 172]). اهـ
* والله تعالى قد أثبت الحجة على كل منفوس، ممن بلغ، وممن لم يبلغ: «بالميثاق» الذي أخذه عليهم، وزاد سبحانه على من بلغ منهم، الحجة بالآيات، والدلائل، والبراهين، التي نصبها الله تعالى في العالم، وبالرسل المنفذة إليهم: مبشرين، ومنذرين، وبالمواعظ، وبالمثلات، المنقولة إليهم أخبارها؛ غير أنه عز وجل لا يطالب أحدا منهم من الطاعة؛ إلا بقدر ما لزمه من الحجة، وركب فيهم من القدرة، وآتاهم من الآلة. ([120])
قال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص492): (فالله تعالى إنما ذكرهم على ألسنة رسله بهذا الإقرار والمعرفة، ولم يذكرهم قط بإقرار سابق على إيجادهم، ولا أقام به عليهم حجة.
* أنه جعل هذا آية، وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها بحيث لا يتخلف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرب تعالى، فإنها أدلة معينة على مطلوب معين مستلزمة للعلم به، فقال تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات[ [الأنعام:55]؛ أي: مثل هذا التفصيل، والتبيين نفصل الآيات لعلهم يرجعون من الشرك إلى التوحيد، ومن الكفر إلى الإيمان.
* وهذه الآيات التي فصلها هي التي بينها في كتابه من أنواع مخلوقاته، وهي آيات أفقية ونفسية، آيات في نفوسهم، وذواتهم، وخلقهم، وآيات في الأقطار، والنواحي؛ مما يحدثه الرب تبارك وتعالى، مما يدل على وجوده، ووحدانيته، وصدق رسله، وعلى المعاد والقيامة، ومن أبينها ما أشهد به كل واحد على نفسه من أنه ربه، وخالقه، ومبدعه). اهـ
* فالله تعالى أعلم أن هذا الأخذ للعهد عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين.
وقال الإمام الطحاوي / في «العقيدة الطحاوية» (ص30): (والميثاق: الذي أخذه الله تعالى، من آدم عليه السلام، وذريته: حق). اهـ
قوله: «والميثاق: الذي أخذه الله تعالى، من آدم عليه السلام، وذريته: حق»
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم([121]) وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا([122]) يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]، يخبر سبحانه أنه استخرج ذرية آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم عليه السلام، وتمييزهم إلى أصحاب اليمين، وإلى أصحاب الشمال، وفي بعضها الإشهاد عليهم بأن الله ربهم. ([123])
قلت: فكيف يصرفون عن التوحيد، بعد هذا الإقرار منهم، أن الله تعالى ربهم، وخالقهم. ([124])
قال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان:25].
قال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف:87].
قال الإمام ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1 ص313): (سبحانه: أشهد كل واحد على نفسه أنه ربه، وخالقه، واحتج عليه، بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان:25]؛ فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم؛ بمضمونها، وذكرتهم بها: رسله عليهم السلام، بقولهم: ]أفي الله شك فاطر السماوات والأرض[ [إبراهيم: 10]) .اهـ
وعن الإمام الزهري / قال: (يصلى على كل مولود متوفى، وإن كان لغية، من أجل أنه: ولد على فطرة الإسلام، إذا استهل صارخا صلي عليه، ولا يصلى على من لا يستهل من أجل أنه سقط). ([125])
وعن عياض بن حمار المجاشعي t؛ أن رسول الله r قال: ذات يوم في خطبته: (ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني، يومي هذا، كل مال نحلته عبدا، حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا). ([126])
قلت: وهذا الحديث يدل على صحة ما فسر به الأئمة: «الفطرة»، أنها دين الإسلام. ([127])
قال تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم[ [الروم:30].
قال تعالى: ]وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم[ [الأحزاب:7].
قال تعالى: ]وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين[ [الأعراف:102].
قال تعالى: ]واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به[ [المائدة: 7].
قلت: فأخذ عليهم العهد بالإيمان به، والإقرار، والمعرفة بالله، وأمره، والتصديق به، ولئلا يشركوا به شيئا([128])، فآمنوا، وصدقوا، وعرفوا، وأقروا.
* فهذه الأحاديث تدل على أن الله تعالى: خلق عباده حنفاء، وأن كل مولود يولد على الفطرة السليمة، المستقيمة، طاهرين من المعاصي، منيبين: لقبول الهداية.
* ولكن الشياطين أتتهم، وحرفتهم، وأزالتهم عن هذه الهداية، وإن الله تعالى مقتهم بسبب ذلك.
* وصح أن جميع المواليد، يولدون على الفطرة، وهو: «الميثاق الأول»، وهو قول الله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]، فهم: يولدون على الفطرة، وعلى: «الميثاق الأول»، ثم بعد ذلك: آباؤهم، يحرفوهم عن هذا: «الميثاق» إلى الضلالة.
وعن الإمام إسحاق بن إبراهيم الحنظلي / قال: في قوله: «خلقت عبادي حنفاء»؛ أراد به على الميثاق الأول: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]. ([129])
قلت: فذهب الإمام إسحاق بن راهويه /، إلى أن قوله: «خلقت عبادي حنفاء»، أراد به على: «الميثاق الأول».
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172].
قال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص531): (فصل: ويدل على صحة ما فسر به الأئمة «الفطرة» أنها: «الدين»؛ ما رواه: مسلم في «صحيحه» من حديث عياض بن حمار المجاشعي، عن النبي r فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى ([130]): «إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»؛ وهذا صريح في أنهم خلقوا على الحنيفية، وأن الشياطين اقتطعتهم بعد ذلك عنها، وأخرجوهم منها.
قال تعالى: ]والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات[ [البقرة: 257].
* وهذا يتناول إخراج الشياطين لهم من نور الفطرة إلى ظلمة الكفر والشرك، ومن النور الذي جاءت به الرسل من الهدى والعلم إلى ظلمات الجهل والضلال).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص527)؛ عن تفسير الميثاق: بالفطرة، مستندا: إلى السنة، ودلالة العقل، وظاهر اللفظ، والنظائر: (وأحسن ما فسرت به الآية: قوله r: «كل مولود يولد على الفطرة: فأبواه يهودانه وينصرانه»، فالميثاق الذي أخذه سبحانه عليهم، والإشهاد الذي أشهدهم على أنفسهم، والإقرار الذي أقروا به هو الفطرة التي فطروا عليها؛ لأنه سبحانه احتج عليهم بذلك، وهو لا يحتج عليهم بما لا يعرفه أحد منهم، ولا يذكره، بل بما يشركون في معرفته، والإقرار به، وأيضا، فإنه قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: «من آدم»؛ ثم قال تعالى: ]من ظهورهم[؛ ولم يقل: «من ظهرهم»؛ ثم قال تعالى: ]ذريتهم[؛ ولم يقل: «ذريته»؛ ثم قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم[، وهذا يقتضي إقرارهم بربوبيته إقرارا تقوم عليهم به الحجة، وهذا إنما هو الإقرار الذي احتج به عليهم على ألسنة رسله؛ كقوله تعالى: ]قالت رسلهم أفي الله شك[ [إبراهيم: 10]، وقوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف: 87]، وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان: 25]، وقال تعالى: ]قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله[ [المؤمنون: 84 - 85]، ونظائر ذلك كثيرة: يحتج عليهم بما فطروا عليه من الإقرار بربهم، وفاطرهم، ويدعوهم: بهذا الإقرار إلى عبادته وحده، وألا يشركوا به شيئا، هذه طريقة القرآن، ومن ذلك هذه الآية التي في «الأعراف» وهي قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم[ [الأعراف: 172] الآية، ولهذا قال في آخرها: ]أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 172 و173]، فاحتج عليهم بما أقروا به من ربوبيته على بطلان شركهم، وعبادة غيره، وألا يعتذروا، إما بالغفلة عن الحق، وإما بالتقليد في الباطل، فإن الضلال له سببان: إما غفلة عن الحق، وإما تقليد أهل الضلال، فيطابق الحديث مع الآية، ويبين معنى كل منهما بالآخر). اهـ
والميثاق لا يخلو من قسمين:
القسم الأول: الميثاق العام، الذي أخذه الله تعالى على جميع العباد في الغيب، كما قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
القسم الثاني: الميثاق الخاص، الذي أخذه الله تعالى على العباد في الحياة الدنيا، كما قال تعالى: ]وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين[ [آل عمران: 81]؛ فجعل سبحانه ما أنزل على الأنبياء من الكتاب، والحكم؛ ميثاقا أخذه من أممهم بعدهم.
* يدل على ذلك؛ قوله تعالى: ]ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه[؛ ثم قال تعالى؛ للأمم: ]ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين[ [آل عمران:81]، فجعل سبحانه بلوغ الأمم كتابه المنزل على أنبيائهم؛ حجة عليهم، كأخذ: «الميثاق» عليهم في الغيب، وجعل معرفتهم به، إقرارا منهم.
* وشبيه به؛ قوله تعالى: ]واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا[ [المائدة:7]؛ فهذا ميثاقه: الذي أخذه عليهم، بعد إرساله سبحانه: رسله عليهم السلام، إليهم بالإيمان به، وتصديقه.
* ونظيره، قوله تعالى: ]الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق[ [الرعد:20]، وكقوله تعالى: ]ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم[ [يس:60 و61]؛ فهذا عهده إليهم: على ألسنة رسله عليهم السلام.
* ومثله: قوله تعالى: ]وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم[ [البقرة:40]، وكقوله تعالى: ]وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه[ [آل عمران: 187]، وقوله تعالى: ]وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا[ [الأحزاب:7].
* فهذا ميثاق: أخذه الله تعالى منهم، بعد بعثهم، كما أخذ من أممهم بعد إنذارهم.
وهذا الميثاق: الذي لعن سبحانه من نقضه، وعاقبه، بقوله تعالى: ]فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية[ [المائدة:13]، فإنما عاقبهم بنقضهم: «الميثاق» الذي أخذه عليهم على ألسنة رسله عليهم السلام.
* وقد صرح سبحانه به، في قوله تعالى: ]وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون[ [البقرة:63].
قال الإمام ابن قتيبة / في «تأويل مختلف الحديث» (ص261): (وأراد r بقوله: «كل مولود، يولد على الفطرة»، أخذ: «الميثاق» الذي أخذه عليهم، في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: ]ألست بربكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف:172]؛ فلست: واجدا، أحدا؛ إلا وهو مقر بأن له صانعا، ومدبرا.
* فكل مولود في العالم على ذلك: «العهد»، و«الإقرار»، وهي الحنيفية التي وقعت في أول الخلق، وجرت في فطر العقول.
قال رسول الله r: «يقول الله تبارك وتعالى: إني خلقت عبادي جميعا حنفاء؛ فاجتالتهم: الشياطين عن دينهم»([131])؛ ثم يهود: اليهود أبناءهم، ويمجس: المجوس أبناءهم؛ أي: يعلمونهم ذلك). اهـ
وقال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص718)، في كتاب: «الرد على القدرية»: (فأما هذا الحديث؛ فإن بيان وجهه في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسول الله r، وعند العلماء والعقلاء: بيان لا يختل على من وهب الله تعالى له فهمه، وفتح أبصار قلبه، وذلك قول الله عز وجل: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف:172].
* ثم جاءت الأحاديث بتفسير ذلك: أن الله عز وجل أخذهم من صلب آدم كهيئة الذر([132])، فأخذ عليهم «العهد»، و«الميثاق» بأنه ربهم، فأقروا له بذلك أجمعون، ثم ردهم في صلب آدم([133])، ثم قال عز وجل: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله[ [الروم: 30].
* فكانت البداية التي ابتدأ الله عز وجل الخلق بها ودعاهم إليها، وذلك أن بداية خلقهم: الإقرار له بأنه ربهم، وهي: الفطرة). اهـ
وقال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص718)؛ في كتاب: «الرد على القدرية»: (فقوله r: «كل مولود، يولد على الفطرة»؛ يعني: على تلك البداية التي ابتدأ الله عز وجل خلقه بها، وأخذ مواثيقهم عليها من الإقرار له بالربوبية). اهـ
وقال الحافظ السخاوي / في «المغيث من مختلف الحديث» (ص314): (وأراد r بقوله: «كل مولود يولد على الفطرة»؛ أخذ الميثاق الذي أخذه عليهم، في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: ]ألست بربكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف:172]؛ فلست: واجدا، أحدا؛ إلا وهو مقر بأن له صانعا، ومدبرا.
قال الله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان: 25].
* فكل مولود في العالم على ذلك: «العهد»، و«الإقرار»، وهي الحنيفية التي وقعت لأول الخلق، وجرت في فطر العقول.
قال رسول الله r: «يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي جميعا حنفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم».([134])
* ثم هودت: اليهود أبناءهم، ومجست: المجوس أبناءهم؛ أي: يعلمانهم ذلك). اهـ
وقال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص720)؛ في كتاب: «الرد على القدرية»: (وإنما قوله r: «كل مولود، يولد على الفطرة»؛ إنما أراد: أنهم يولدون على تلك البداية، التي كانت في صلب آدم عليه السلام، من الإقرار لله بالمعرفة، ثم أعربت عنهم ألسنتهم، ونسبوا إلى آبائهم). اهـ
وقال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص720)؛ في كتاب: «الرد على القدرية»: (وسائر الملل: فمقرون بتلك الفطرة، التي كانت في البداية؛ فإنك لست تلقى أحدا، من أهل الملل، وإن كان كافرا؛ إلا وهو مقر بأن الله: ربه، وخالقه، ورازقه، وهو في ذلك كافر، حين خالف شريعة الإسلام). اهـ
وقال الإمام ابن قتيبة / في «تأويل مختلف الحديث» (ص261): (والفطرة هنا: الابتداء والإنشاء؛ ومنه: قوله تعالى: ]الحمد لله فاطر السماوات والأرض[ [فاطر: 1]؛ أي: مبتدئها.
* وكذلك: قوله تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها[ [الروم: 30]؛ يريد: جبلته التي جبل الناس عليها). اهـ
وقال الحافظ السخاوي / في «المغيث من مختلف الحديث» (ص313): (ثم اعلم رحمك الله: أن معنى؛ الفطرة ها هنا: الابتداء، والإنشاء، ومنه قوله تعالى: ]فاطر السماوات والأرض[ [الأنعام: 14]؛ أي: مبتدئها.
* وكذلك: قوله تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها[ [الروم: 30]؛ يريد: بجبلته التي جبل الناس عليها ). اهـ
قلت: فليس من مولود، إلا على هذه الفطرة، حتى يعبر عنه لسانه، أي: على الملة، حتى يبين عنه لسانه. ([135])
قلت: فقد قامت على العباد الحجة على وجه الإجمال، لمخالفتهم: لحجة الفطرة، من دون أن تقوم عليهم حجة الرسل عليهم بالكتب، إلا من باب التذكير، والتعليم، على وجه التفصيل، لتأكيد قيام الحجة عليهم، على وجه الإجمال، وعلى وجه التفصيل. ([136])
قال الإمام محمد بن نصر المروزي: (سمعت إسحاق بن راهويه؛ يذهب إلى هذا المعنى، واحتج بقول أبي هريرة t: «اقرءوا إن شئتم: ]فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله[ [الروم:30]؛ قال إسحاق: يقول: لا تبديل لخلقته التي جبل عليها ولد آدم كلهم، يعني: من الكفر، والإيمان، والمعرفة، والإنكار. ([137])
* واحتج إسحاق أيضا؛ بقول الله عز وجل: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم[ [الأعراف:172] الآية؛ قال إسحاق: أجمع أهل العلم أنها الأرواح قبل الأجساد؛ استنطقهم: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[؛ فقال: انظروا ألا تقولوا : ]إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 172، 173]) ([138]). اهـ
وقال العلامة الشيخ حافظ الحكمي / في «معارج القبول بشرح سلم الوصول» (ج1 ص92): (ليس بين التفسيرين منافاة، ولا مضادة، ولا معارضة؛ فإن هذه المواثيق كلها ثابتة بالكتاب والسنة.
الأول الميثاق: الذي أخذه الله تعالى عليهم حين أخرجهم من ظهر أبيهم آدم عليه السلام، وأشهدهم على أنفسهم: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ وهو الذي قاله جمهور المفسرين رحمهم الله، في هذه الآيات، وهو نص الأحاديث الثابتة في «الصحيحين»، وغيرهما.
الميثاق الثاني: ميثاق الفطرة، وهو أنه تبارك وتعالى فطرهم شاهدين بما أخذه عليهم؛ في الميثاق الأول: كما قال تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله[ [الروم: 30]؛ الآية: وهو الثابت في حديث أبي هريرة، وعياض بن حمار، والأسود بن سريع t، وغيرها، من الأحاديث في «الصحيحين»، وغيرهما.
الميثاق الثالث: هو ما جاءت به الرسل عليهم السلام، وأنزلت به الكتب تجديدا للميثاق الأول، وتذكيرا به: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما[ [النساء: 165]؛ فمن أدرك هذا الميثاق، وهو باق على فطرته التي هي شاهدة بما ثبت في: «الميثاق الأول»، فإنه يقبل ذلك من أول مرة، ولا يتوقف؛ لأنه جاء موافقا؛ لما في فطرته، وما جبله الله عليه؛ فيزداد بذلك يقينه، ويقوى إيمانه، فلا يتلعثم، ولا يتردد، ومن أدركه وقد تغيرت فطرته عما جبله الله تعالى عليه من الإقرار بما ثبت في: «الميثاق الأول»؛ بأن كان قد اجتالته الشياطين عن دينه، وهوده أبواه، أو نصراه، أو مجساه؛ فهذا إن تداركه الله تعالى برحمته: فرجع إلى فطرته، وصدق بما جاءت به الرسل عليهم السلام، ونزلت به الكتب؛ نفعه: «الميثاق الأول»، و« الميثاق الثاني»، وإن كذب بهذا: «الميثاق»، كان مكذبا: «بالأول»، فلم ينفعه إقراره به يوم أخذه الله عليه، حيث قال: ]بلى[؛ جوابا: لقوله تعالى: ]ألست بربكم[؛ وقامت عليه حجة الله، وغلبت عليه الشقوة، وحق عليه العذاب، ومن يهن الله فما له من مكرم، إن الله يفعل ما يشاء). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج1 ص58): (وأما دلالة الفطرة: فإن كثيرا من الناس الذين لم تنحرف فطرهم، يؤمنون بوجود الله تعالى، حتى البهائم العجم: تؤمن بوجود الله تعالى.
فالفطر: مجبولة على معرفة الله عز وجل، وتوحيده.
* وقد أشار الله تعالى: إلى ذلك؛ في قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 172 - 173]؛ فهذه الآية: تدل على أن الإنسان مجبول بفطرته على شهادته بوجود الله تعالى، وربوبيته، وسواء أقلنا: إن الله استخرجهم من ظهر آدم واستشهدهم، أو قلنا: إن هذا هو ما ركب الله تعالى في فطرهم من الإقرار به، فإن الآية تدل على أن الإنسان يعرف ربه بفطرته). اهـ
قلت: بهذا فقد جعل الله تعالى هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك.
فهذا الميثاق: جعله الله تعالى حجة مستقلة على الخلق كلهم، فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد.
* ولهذا؛ قال تعالى: ]أن تقولوا[؛ أي: لئلا تقولوا: يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ أي: عن التوحيد: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا[ [الأعراف: 173]. ([139])
قال تعالى: ]والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار[ [الرعد:25].
قلت: فمن لم يدرك: «الميثاق الثالث»، وهو بلوغه القرآن بالتكاليف الشرعية، بعد بلوغه في السن المعتبر شرعا في التكليف، و«الميثاق الرابع»، وهو بلوغه دعوة الرسل عليهم السلام.
* بأن مات صغيرا، قبل التكليف، فهو: مات على: «الميثاق الأول»، و«الميثاق الثاني»، على الفطرة.
* فإن كان من أولاد المسلمين، فهم مع آبائهم، وإن كان من أولاد المشركين، فقد أدركهم: «الميثاق الأول»، و«الميثاق الثاني»، فهم: ماتوا على فطرة الإسلام، رحمة من الله تعالى عليهم.
قال العلامة الشيخ حافظ الحكمي / في «معارج القبول، بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول» (ج1 ص96): (فذاك: أي؛ المكذب بالكتاب، وبما أرسل الله تعالى به رسله الآبي منه المعرض عنه المصر، على ذلك حتى مات عليه هو: «ناقض كلا العهدين»؛ الميثاق: الذي أخذه الله تعالى عليه، وفطره على الإقرار به، وما جاءت به الرسل عليهم السلام، من تجديد: «الميثاق الأول» ،وإقامة الحجة: «مستوجب»؛ بفعله ذلك: «للخزي في الدارين»؛ أي: في الدنيا، والآخرة، كما قال تعالى: ]وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين[ [القصص: 42]). اهـ
* فقوله تعالى: ]أن يقولوا[؛ يعني: وأشهدهم على أنفسهم، أن يقولوا؛ أي: لئلا يقولوا، أو كراهية أن يقولوا.
* ومن قرأ بالتاء، فتقدير الكلام: أخاطبكم، ألست بربكم: لئلا تقولوا يوم القيامة، ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ أي: عن هذا «الميثاق»، والإقرار.
* فإن قيل: كيف يلزم الحجة واحدا، لا يذكر: «الميثاق»؟، قيل: قد أوضح الله تعالى، الدلائل على وحدانيته، وصدق رسله، فيما أخبروا.
* فمن أنكره: كان معاندا، ناقضا: للعهد، ولزمته الحجة، وبنسيانهم، وعدم حفظهم: لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر، صاحب المعجزة: قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ يقول تعالى: إنما أخذ: «الميثاق» عليكم لئلا تقولوا: أيها المشركون، إنما أشرك آباؤنا من قبل، ونقضوا العهد، وكنا ذرية من بعدهم؛ أي: كنا أتباعا لهم فاقتدينا بهم، فتجعلوا هذا عذرا لأنفسهم، وتقولوا: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف:173]؛ افتعذبنا بجناية: آبائنا المبطلين؛ فلا يمكنهم: أن يمكنهم، أن يحتجوا بمثل هذا الكلام، بعد تذكير الله تعالى: بأخذ «الميثاق» على التوحيد: ]وكذلك نفصل الآيات[؛ أي: نبين الآيات؛ ليتدبرها العباد: ]ولعلهم يرجعون[ [الأعراف:173]، من الكفر إلى التوحيد. ([140])
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج2 ص275): (وذهب طائفة: من السلف، والخلف؛ أن المراد: بهذا الإشهاد، إنما هو: فطرهم على التوحيد، كما في حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «كل مولود يولد على الفطرة»، وفي رواية: «على هذه الملة».). اهـ
وقال العلامة الشيخ حافظ الحكمي / في «معارج القبول بشرح سلم الوصول» (ج1 ص28):
وبعد هــذا رســـــله قـــد أرســـــــلا |
|
|
لهم وبالحــــــــــق الكتـــــــــــــاب أنــــــزلا |
لكي بذا العهـــــــد يذكروهـــــــــــم |
|
|
وينـــــــذروهـــــــــــم ويبشـــــروهـــــــــــــم |
كي لا يكـــــون حجــــة للنــاس بل |
|
|
لله أعـــــــــــلى حجــــــة عــــز وجـــــــــــل |
فمن يصدقهــــــــم بلا شقـــــــــــاق |
|
|
فقـــــــد وفى بـــــــــــذلك الميثــــــــــــــــاق |
وذاك نـــــــــاج من عــــذاب النــــار |
|
|
وذلك الـــــــــــوارث عقبى الـــــــــــــــــدار |
ومن بهـــــــــم وبالكتــــاب كذبـــــا |
|
|
ولازم الإعـــــــــــــــراض عنـــــــه والإبـــــا |
فذاك ناقــــــــــــض كلا العهـــــدين |
|
|
مستـــــــــوجب للخـــــــزي في الـــــدارين |
* (وبعد هذا)؛ أي: «الميثاق» الذي أخذه عليهم في ظهر أبيهم؛ ثم فطرهم وجبلهم على الإقرار به، وخلقهم شاهدين به: (رسله)؛ بإسكان السين: للوزن، مفعول: أرسل مقدم، (قد أرسلا)؛ بألف الإطلاق: (لهم)؛ أي: إليهم: (وبالحق)؛ متعلق بأنزل؛ أي: بدين الحق: (الكتاب)؛ جنس يشمل جميع الكتب المنزلة على جميع الرسل: (أنزلا)؛ بألف الإطلاق، والأمر الذي أرسل الله تعالى به الرسل إلى عباده، وأنزل عليهم به الكتب هو: (لكي بذا العهد): الميثاق الأول: (يذكروهم)؛ تجديدا له، وإقامة لحجة الله البالغة عليهم: (وينذروهم)؛ عقاب الله إن هم عصوه ونقضوا عهده: (ويبشروهم)؛ بمغفرته، ورضوانه إن هم: وفوا بعهده، ولم ينقضوا ميثاقه، وأطاعوه، وصدقوا رسله، والحكمة: في ذلك لـ(كي لا يكون حجة)؛ على الله عز وجل: (للناس بل لله) على جميع عباده). اهـ
وقال العلامة الشيخ حافظ الحكمي / في «معارج القبول بشرح سلم الوصول» (ج1 ص28): (مقدمة: تعرف العبد بما خلق له وبأول ما فرض الله تعالى عليه، وبما أخذ الله عليه به: «الميثاق» في ظهر أبيه آدم، وبما هو صائر إليه:
اعلـــــم بأن الله جــــــل وعـــــــــــلا |
|
|
لم يترك الخـــــــــــلق ســـــــدى وهمــــــلا |
بل خلـــــــــق الخــــــلق ليعبـــــدوه |
|
|
وبــــــالإلهيـــــــــــة يفـــــــــــــــــــــــــــــردوه |
أخــــرج فيما قد مضى من ظهــــــر |
|
|
آدم ذريتــــــــــــــــــــــــــه كــــــــالــــــــــــــذر |
وأخـــــــــــذ العهـــــــد عليهم أنـــــه |
|
|
لا رب معبــــــــــــــــــــود بحــــــــــــق غيره |
وبعد هــذا رســـــله قـــد أرســـــــلا |
|
|
لهم وبالحــــــــــق الكتـــــــــــــاب أنــــــزلا |
لكي بذا العهـــــــد يذكروهـــــــــــم |
|
|
وينـــــــذروهـــــــــــم ويبشـــــروهــــــــــم([141]) |
كي لا يكـــــون حجــــة للنــاس بل |
|
|
لله أعـــــــــــلى حجــــــة عــــز وجـــــــــــل |
فمن يصدقهــــــــم بلا شقـــــــــــاق |
|
|
فقـــــــد وفى بـــــــــــذلك الميثــــــــــــــــاق |
وذاك نـــــــــاج من عــــذاب النــــار |
|
|
وذلك الـــــــــــوارث عقبى الـــــــــــــــــدار |
ومن بهــــــــــم وبالكتــــاب كذبــــا |
|
|
ولازم الإعــــــــــــــراض عنـــه والإبــــــــــا |
فــــــذاك ناقض كـــــــلا العهــــدين |
|
|
مستوجــــــــب للخــــــــزي في الـــــدارين |
قلت: فبين الشيخ الحكمي /؛ عن أصل: «الميثاق الأول» الذي أخذه الله تعالى على الخلق، في ظهر أبيهم آدم عليه السلام، ثم فطرهم، وجبلهم على الإقرار بربوبيته سبحانه، وأن هذا: «الميثاق»، حجة في نفسه، وأنه يكفي في إقامة الحجة على الخلق، وعذابهم يوم القيامة.
* ثم بين الشيخ الحكمي /: أن بلوغ الكتب وحجتها على الخلق، وحجة الرسل عليهم السلام؛ عليهم إلا للتذكير فقط([142])، بـ«الميثاق الأول»، وتجديدا له، وزيادة عذاب، منه سبحانه للمعرض بحسبه عن التوحيد.
* والسلف والخلف: قالوا: أن المراد بهذا الاشهاد، إنما هو فطرهم الله تعالى على التوحيد، لما استخرجوا من صلب آدم عليه السلام.([143])
* فيرى أهل العلم: أن العهد هذا يكفي؛ لمؤاخذة الخلق عليه في الدنيا والآخرة، وأن الله تعالى قد أعذر إليهم؛ بمقتضى هذا العهد، وأن الحجة عليهم من الرسل عليهم السلام، إنما هي: تذكرهم بذلك العهد، وتجدده، الذي نسوه.
* وعلى هذا يكون هذا «الميثاق الأول»، حجة يؤاخذ عليه العبد، ويكتفى به عن مجيء الرسل عليهم السلام، لعقاب من لم يأته: رسول، ولا نذير، إن وجد، ولا يوجد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص246)؛ في تفسير الآية: (اذكر حين أخذوا من أصلاب الآباء فخلقوا حين ولدوا على الفطرة مقرين بالخالق، شاهدين على أنفسهم بأن الله ربهم). اهـ
قلت: فقد بين رحمك الله، أن هذا العهد، إنما يقصد به: «الفطرة»، التي فطرهم الله تعالى عليها، وهم في أصلاب آبائهم في الغيب.
ثانيا: حجة الفطرة:
فمن حجج الله تعالى: على عباده، التي يحجهم بها يوم القيامة، حجة: «الفطرة» التي أخذها عليهم، وهم: في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: بعضا على بعض، على وحدانية الله تعالى، وربوبيته، وقطع بها أعذارهم، وحذرهم من الغفلة في الدنيا، عن هذا: «الميثاق»، ومن أن لا يفون به، أو أن يعتذروا يوم القيامة، بتقليد الآباء، والأسلاف على الضلال، والشرك.
قال تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون[ [الروم: 30].
* تعريف الفطرة لغة:
* فطر الله تعالى الخلق؛ أي: خلقهم، وابتدأ صنعة الأشياء.
* وهو فاطر السماوات، والأرض.
* والفطرة: التي طبعت عليها الخليقة من الدين، فطرهم الله تعالى على معرفته: بربوبيته.
* وانفطر الثوب، وتفطر؛ أي: انشق، وتفطرت الجبال، والأرض: انصدعت.([144])
* وعلى هذا، فلفظ: «فطر»، يدور معناه: على الشق، والابتداء، والخلق.
قال الجوهري اللغوي / في «الصحاح» (ج2 ص781): (والفطرة بالكسر: الخلقة. وقد فطره يفطره بالضم فطرا، أي: خلقه. والفطر أيضا: الشق. يقال: فطرته فانفطر، وتفطر الشئ: تشقق، والفطر: الابتداء والاختراع). اهـ
* تعريف الفطرة شرعا:
الفطرة: هي الإسلام.
* وليس معنى هذا أن العبد لما يولد يعرف الإسلام بتفاصيله؛ بل الفطرة: هي القوة العلمية، التي تقتضي بذاتها الإسلام، مالم يمنعها مانع.
* وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة.
والقول: بأن الفطرة؛ هي الإسلام، هو قول عامة السلف الصالح.([145])
* والعلاقة: بين المعنى؛ اللغوي، وبين المعنى الشرعي:
- معنى الفطرة في اللغة: يدل على الخلق، وابتداء الشيء.
- والمعنى الشرعي: يدل على خلق الناس على وضع، معين: وهو الإسلام، والقبول للعقائد الصحيحة.
* فالفطرة، هي حجة من حجج الله تعالى على عباده، حيث ما من مولود؛ إلا وهو يولد على فطرة: الإسلام، والإيمان بالله تعالى.([146])
قال الحافظ ابن الأثير / في «النهاية في غريب الحديث» (ج4 ص386): (فطر: فيه «كل مولود يولد على الفطرة»؛ الفطر: الابتداء والاختراع، والفطرة: الحالة منه، كالجلسة والركبة، والمعنى أنه يولد على نوع من الجبلة، والطبع المتهيئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد، ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم، والميل إلى أديانهم عن مقتضى الفطرة السليمة). اهـ
وقال الحافظ ابن حزم في «الإحكام» (ج5 ص105): (فصح بهذا كله ضرورة أن الناس كلهم مولودون على الإسلام). اهـ
قلت: والفطرة دليل من أدلة: «التوحيد»، التي غرسها الله تعالى، في بني آدم، وخلقهم عليها، فهي توجه العبد، إلى إفراد الرب عز وجل: بالربوبية، والألوهية، إلا أن هذه الفطرة، قد تتغير بما يؤثر عليها من التنشئة على الشرك، والضلال، وما يحيط بها من: «الشهبات»، و«الشهوات».
و قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
* والمعنى: اذكر لهم: «الميثاق» المأخوذ منهم: فيما مضى لئلا: يعتذروا يوم القيامة بالغفلة عنه، أو بتقليد الآباء، أو ما شابه ذلك من الأعذار. ([147])
قلت: والمفعول المحذوف، هو: «الميثاق». ([148])
قال تعالى: ]وأخذنا منهم ميثاقا غليظا[ [النساء: 154].
وقال تعالى: ]وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله[ [البقرة: 83].
قلت: فأخذ الله تعالى: «الميثاق» بالتوحيد له، وإفراده بالعبادة.
والذي عليه أهل العلم قاطبة، أن الله تعالى أخذ من العباد، بأسرهم: «ميثاقا قاليا»، قبل أن يظهروا بهذا البنية المخصوصة. ([149])
قلت: فكل آدمي قد أقر على نفسه؛ بأن الله تعالى، هو: ربه، وأن هذا الآدمي، هو عبد لله تعالى. ([150])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص90): (وقال آخرون: معنى الفطرة المذكورة في المولودين، ما أخذ الله تعالى من ذرية آدم من: «الميثاق»، قبل أن يخرجوا إلى الدنيا يوم استخرج ذرية آدم من ظهره، فخاطبهم: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]؛ فأقروا جميعا له بالربوبية عن معرفة منهم به، ثم أخرجهم من أصلاب آبائهم مخلوقين، مطبوعين على تلك المعرفة، وذلك الإقرار.
* قالوا: وليست تلك المعرفة، ولا ذلك الإقرار بإيمان؛ ولكنه إقرار من الطبيعة للرب، فطرة ألزمها قلوبهم، ثم أرسل إليهم الرسل عليهم السلام، فدعوهم إلى الاعتراف له بالربوبية، والخضوع؛ تصديقا بما جاءت به الرسل عليهم السلام، فمنهم من أنكر، وجحد بعد المعرفة، وهو به عارف، لأنه لم يكن الله تعالى ليدعو خلقه إلى الإيمان به، وهو لم يعرفهم نفسه، إذ كان يكون حينئذ قد كلفهم الإيمان بما لا يعرفون.
* قالوا: وتصديق ذلك؛ قوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف:87]). اهـ
وقال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج7 ص293): (مثل تعالى: خلقهم على فطرة التوحيد، وإخراجهم من ظهور آبائهم، شاهدين: بربوبيته تعالى، شهادة لا يخالجها ريب.
* بحمله إياهم على الاعتراف بها بطريق الأمر، ومسارعتهم إلى ذلك من غير تلعثم أصلا.
* والقصد من الآية: الاحتجاج على المشركين بمعرفتهم ربوبيته تعالى، معرفة فطرية، لازمة لهم لزوم الإقرار منهم، والشهادة.
قال تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله[ [الروم: 30] ، والفطرة: هي معرفة ربوبيته تعالى). اهـ
* فإنهم ولدوا على الفطرة، وأخرجوا إلى الدنيا، حتى قالوا بلى: طائعين.
فهذا الآية: تدل على فساد التقليد في الدين، وتدل على أن الله تعالى أزال العذر، وأزاح العلة، وبعدها لا يعذر أحد إذا وقع في الشرك، والضلال. ([151])
قال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج7 ص297): (استدل: بهذه الآية، والأحاديث المتقدمة في معناه، أن معرفته تعالى: فطرية، ضرورية.
قال تعالى: ]قالت رسلهم أفي الله شك[ [إبراهيم: 10]، وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان: 25]، وقال تعالى: ]قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون[ [المؤمنون: 86 و87]). اهـ
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1 ص311): (كون الناس: تكلموا حينئذ، وأقروا بالإيمان، وأنه بهذا تقوم الحجة عليهم يوم القيامة). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص490): (أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، والحجة إنما قامت عليهم بالرسل، والفطرة التي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء:165].
تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]، ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم، وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم). اهـ
قلت: وهذا الشرك الذي يؤاخذون به يكون من آبائهم، ومن ذريتهم، لثبوت الحجة عليهم «بالميثاق»، و«العهد». ([152])
قال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص562): (وهذا الإشهاد؛ مقرون بأخذهم من ظهور آبائهم، وهذا الأخذ المعلوم المشهود الذي لا ريب فيه؛ هو: أخذ المني من أصلاب الآباء، ونزوله في أرحام الأمهات، لكن لم يذكر هنا الأمهات، كقوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ وهم كانوا متبعين لدين آبائهم، لا لدين الأمهات، كما قالوا: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة[ [الزخرف: 22]؛ ولهذا قال تعالى: ]أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[ [الزخرف: 24]؛ فهو سبحانه يقول: اذكر حين أخذوا من أصلاب الآباء، فخلقوا حين ولدوا على الفطرة، مقرين بالخالق، شاهدين على أنفسهم: بأن الله تعالى ربهم، فهذا الإقرار: حجة لله عليهم يوم القيامة، فهو يذكر أخذه لهم، وإشهاده إياهم على أنفسهم، فإنه سبحانه خلق فسوى، وقدر فهدى، فأخذهم يتضمن: خلقهم، والإشهاد يتضمن: هداه لهم إلى هذا الإقرار، فإنه قال تعالى: ]أشهدهم[؛ أي: جعلهم شاهدين، فهذا الإشهاد من لوازم الإنسان، وكل إنسان جعله الله تعالى مقرا بربوبيته، شاهدا على نفسه بأنه مخلوق، والله تعالى خالقه، وهذا أمر ضروري لبني آدم، لا ينفك منه مخلوق، وهو مما جبلوا عليه، فهو علم ضروري لهم، لا يمكن أحدا جحده، ثم قال بعد ذلك: ]أن تقولوا[؛ أي: كراهية أن تقولوا، أو؛ لئلا تقولوا: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ أي: عن هذا الإقرار لله تعالى بالربوبية، وعلى نفوسنا بالعبودية، فإنهم ما كانوا غافلين عن هذا، بل كان هذا من العلوم الضرورية اللازمة لهم التي لم يخل منها بشر قط، بخلاف كثير من العلوم التي قد تكون ضرورية، ولكن قد يغفل عنها كثير من بني آدم من علوم العدد، والحساب، وغير ذلك: فإنها إذا تصورت كانت علوما ضرورية، لكن كثيرا من الناس غافل عنها.
وأما الاعتراف بالخالق: فإنه علم ضروري لازم للإنسان، لا يغفل عنه أحد بحيث لا يعرفه، بل لا بد أن يكون قد عرفه، وإن قدر أنه نسيه.
* ولهذا يسمى التعريف بذلك: تذكيرا، فإنه تذكير بعلوم فطرية ضرورية، وقد ينساها العبد؛ كما قال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم[ [الحشر: 19]، وفي الحديث الصحيح: «يقول الله؛ للكافر: فاليوم أنساك كما نسيتني» ([153])). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص488): (ولما كانت هذه الآية: ونظيرتها في سورة مدنية خاطب بالتذكير، بهذا: «الميثاق» فيها أهل الكتاب، فإنه: «ميثاق» أخذه عليهم بالإيمان به، وبرسله، ولما كانت هذه آية الأعراف في سورة مكية؛ ذكر فيها: «الميثاق»، و«الإشهاد العام»: لجميع المكلفين ممن أقر بربوبيته، ووحدانيته، وبطلان الشرك، وهو «ميثاق»: و«إشهاد» تقوم به عليهم الحجة، وينقطع به العذر، وتحل به العقوبة، ويستحق بمخالفته الإهلاك، فلا بد أن يكونوا ذاكرين له، عارفين به؛ وذلك ما فطرهم عليه من الإقرار بربوبيته، وأنه ربهم وفاطرهم، وأنهم مخلوقون مربوبون، ثم أرسل إليهم رسله يذكرونهم بما في فطرهم وعقولهم، ويعرفونهم حقه عليهم، وأمره، ونهيه، ووعده، ووعيده.
* ونظم الآية إنما يدل على هذا من وجوه متعددة:
أحدها: أنه قال: ]وإذ أخذ ربك من بني ءادم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: آدم، وبنو آدم غير آدم.
الثاني: أنه قال: ]من ظهورهم[؛ ولم يقل: من ظهره، وهذا بدل بعض من كل، أو بدل اشتمال، وهو أحسن.
الثالث: أنه قال: ]ذرياتهم[؛ ولم يقل: ذريته.
الرابع: أنه قال: ]وأشهدهم على أنفسهم[؛ أي: جعلهم شاهدين على أنفسهم؛ فلا بد أن يكون الشاهد ذاكرا لما شهد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار، لا يذكر شهادة قبلها.
الخامس: أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، والحجة إنما قامت عليهم: بالرسل، والفطرة التي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء:165].
السادس: تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم، وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم.
السابع: قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[؛ فذكر حكمتين في هذا التعريف والإشهاد: إحداهما: أن لا يدعوا الغفلة، والثانية: أن لا يدعوا التقليد؛ فالغافل لا شعور له، والمقلد متبع في تقليده لغيره.
الثامن: قوله تعالى: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ أي: لو عذبهم بجحودهم، وشركهم لقالوا ذلك؛ وهو سبحانه إنما يهلكهم لمخالفة رسله، وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجة عليهم بالرسل؛ لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم، وأهلها غافلون، وإنما يهلكهم بعد الأعذار، والإنذار.
التاسع: أنه سبحانه أشهد كل واحد واحد على نفسه أنه ربه وخالقه، واحتج عليهم بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف:87]؛ أي: فكيف يصرفون عن التوحيد بعد هذا الإقرار منهم أن الله ربهم وخالقهم، وهذا كثير في القرآن؛ فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكرتهم بها رسله؛ بقوله تعالى: ]أفي الله شك فاطر السماوات والأرض[ [إبراهيم:10].
* فالله تعالى إنما ذكرهم على ألسنة رسله بهذا الإقرار والمعرفة، ولم يذكرهم قط بإقرار سابق على إيجادهم، ولا أقام به عليهم حجة.
العاشر: أنه جعل هذا آية، وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها بحيث لا يتخلف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرب تعالى فإنها أدلة معينة على مطلوب معين مستلزمة للعلم به، فقال تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات[ [الأنعام:55]؛ أي: مثل هذا التفصيل والتبيين نفصل الآيات لعلهم يرجعون من الشرك إلى التوحيد، ومن الكفر إلى الإيمان.
* وهذه الآيات التي فصلها هي التي بينها في كتابه من أنواع مخلوقاته.
وهذا الإقرار والشهادة: فطرة فطروا عليها ليست بمكتسبة.
وهذه الآية؛ وهي قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورهم ذرياتهم[([154]) [الأعراف: 172]، مطابقة لقول النبي r: «كل مولود يولد على الفطرة»([155])، ولقوله تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * منيبين إليه[ [الروم: 30-31]). اهـ
وقوله تعالى: ]ذريتهم[؛ المراد: أولادهم على العموم.
قلت: فنصب الأدلة على التوحيد، وما نبهوا عليه، قائم معهم، فلا عذر لهم في الإعراض عن التوحيد، والإقبال على الشرك بالتقليد، والاقتداء بالآباء، كما لا عذر لآبائهم في الشرك بالله تعالى.
* والمعنى: أن المقصود من هذا الإشهاد أن لا يقول: الكفار إنما أشركنا، لأن آباءنا أشركوا، فقلدناهم في ذلك الشرك.
قلت: والحاصل؛ أنه تعالى لما أخذ عليهم: «الميثاق»، امتنع عليهم التمسك بهذا القدر من الأعذار الباطلة.
قال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج4 ص533): (وتقدير الكلام: وإذ أخذ ربك من ظهور ذريات بني آدم: ميثاق التوحيد لله تعالى، وإفراده بالعبادة). اهـ
* حتى يجب كون ذلك الإشهاد، والشهادة، محفوظا لهم في إلزامهم، بهذا: «الميثاق».
والمعنى: فعلنا ما فعلنا من الأمر بذكر: «الميثاق»، وبيانه كراهة، أن تقولوا، أو لئلا تقولوا: أيها الكفرة يوم القيامة: «إنا كنا غافلين»، عن ذلك: «الميثاق»، لم ننبه عليه في دار التكليف، وإلا لعملنا بموجبه، هذا على قراءة الجمهور. ([156])
قال الإمام الزركشي / في «البرهان في علوم القرآن» (ج2 ص76)؛ عن الآيات: (إقامة الحجة بها عليهم([157])؛ وذلك إنما نزل بلسانهم، ولغتهم). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص488): (ولما كانت هذه الآية، ونظيرتها، في سورة مدنية: خاطب بالتذكير، بهذا: «الميثاق»؛ فيها: أهل الكتاب، فإنه: «ميثاق» أخذه عليهم بالإيمان به، وبرسله.
* ولما كانت هذه آية الأعراف في سورة مكية؛ ذكر فيها: «الميثاق»، و«الإشهاد العام»: لجميع المكلفين ممن أقر بربوبيته، ووحدانيته، وبطلان الشرك، وهو: «ميثاق»، و«إشهاد» تقوم به عليهم الحجة، وينقطع به العذر، وتحل به العقوبة، ويستحق بمخالفته الإهلاك.
* فلا بد أن يكونوا ذاكرين له، عارفين به؛ وذلك ما فطرهم عليه من الإقرار بربوبيته، وأنه ربهم وفاطرهم، وأنهم مخلوقون مربوبون، ثم أرسل إليهم رسله يذكرونهم بما في فطرهم وعقولهم، ويعرفونهم حقه عليهم، وأمره، ونهيه، ووعده، ووعيده). اهـ
قلت: فالله تعالى قد أوضح الدلائل على وحدانيته، وصدق رسله عليهم السلام فيما أخبروا به، فمن أنكره كان معاندا، ناقضا للعهد، ولزمته الحجة، ونسيانه، وعدم حفظه، لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق.
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج4 ص111): (يخبر تعالى: أنه استخرج ذرية: بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم، أن الله ربهم، ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو.
* كما أنه تعالى: فطرهم على ذلك، وجبلهم عليه، قال تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله[ [الروم:30]؛ وفي الصحيحين، عن أبي هريرة t، قال: قال رسول الله r: «كل مولود يولد على الفطرة، وفي رواية: الملة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه»). اهـ
* فيتعين حينئذ، أن يراد: «بالميثاق» ما ركب الله تعالى فيهم، من العقول، وآتاهم من البصائر، لأنها: هي الحجة البالغة، والمانعة، عن قولهم: ]إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]؛ لأن الله تعالى جعل الإقرار، والتمكن، من معرفة ربوبيته، ووحدانيته: حجة عليهم في الإشراك، كما جعل بعث الرسول r: حجة عليهم في الإيمان، بما أخبر عنه من الغيوب. ([158])
قال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج4 ص533): (وإذ أخذ ربك: من ظهور ذريات بني آدم، ميثاق التوحيد لله تعالى، وإفراده بالعبادة). اهـ
وقال الإمام ابن زنجلة / في «حجة القراءات» (ص302): (أدل دليل على صحة التوحيد، إذ كانوا هم الذين أخبر عنهم، وقد أجمعوا على التوحيد). اهـ
وقال الإمام أبو المظفر السمعاني / في «تفسير القرآن» (ج2 ص231): (قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل[ [الأعراف: 173]؛ يعني: إنما أخذت، ما أخذت من: «العهد»، و«الميثاق» عليكم جميعا؛ لئلا تقولوا: ]إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[؛ يعني: أن الجناية من الآباء، وكنا أتباعا لهم؛ فيجعلوا لأنفسهم حجة، وعذرا، عند الله تعالى!). اهـ
قلت: وهذا النص مسوق لإلزام الخلق بمقتضى: «الميثاق العام» عندما كانوا في أصلاب آبائهم، فإن منهم من أشرك، بعد إلزامهم: «بالميثاق المخصوص» بهم، والاحتجاج عليهم بالحجج السمعية، والعقلية في الحياة الدنيا، ومنعهم عن التقليد لآبائهم في الشرك، والبدع.
* فتمادى هؤلاء المشركون في الغي بعد أخذ: «الميثاق» عليهم، من: «الميثاق العام» في عالم الغيب، ومن: «الميثاق الخاص» في عالم الحياة.
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
قال المفسر الآلوسي / في «روح المعاني» (ج9 ص134): (قوله تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم[؛ أي: أشهد كل واحد من أولئك الذرية المأخوذين من ظهور آبائهم على أنفسهم، لا على غيرهم، تقريرا: لهم بربوبيته سبحانه، قائلا لهم: ]ألست بربكم[؛ أي: مالك أمركم، ومربيكم على الإطلاق، من غير أن يكون لأحد مدخل في شأن من شؤونكم: ]قالوا[؛ في جوابه سبحانه، ]بلى شهدنا[؛ أي: على أنفسنا بأنك ربنا، لا رب لنا غيرك، والمراد: أقررنا بذلك). اهـ
قلت: وبلى: حرف جواب.
قال الحافظ السيوطي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص134-روح المعاني): (إن هذه الآية، أصل: في الإقرار). اهـ
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1 ص312): (قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم[ [الأعراف: 172]؛ أي: جعلهم شاهدين على أنفسهم، ولا بد أن يكون الشاهد ذاكرا لما شهد به، وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار، كما تأتي الإشارة إلى ذلك، لا يذكر شهادة قبله.
* أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجة عليهم، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[، والحجة إنما قامت عليهم بالرسل، والفطرة التي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء:165].
* تذكيرهم بذلك، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف:172]، ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم.
* قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ فذكر حكمتين في هذا الأخذ والإشهاد: أن لا يدعوا الغفلة، أو يدعوا التقليد، فالغافل لا شعور له، والمقلد متبع في تقليده لغيره، ولا تترتب هاتان الحكمتان؛ إلا على ما قامت به الحجة من الرسل والفطرة.
قوله تعالى: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 173]؛ أي: لو عذبهم بجحودهم وشركهم، لقالوا ذلك، وهو سبحانه إنما يهلكهم لمخالفة رسله وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجة عليهم بالرسل، لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، وإنما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرسل.
* أنه سبحانه أشهد كل واحد على نفسه أنه ربه وخالقه، واحتج عليهم بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان: 25].
* فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكرتهم بها رسله، بقولهم: ]أفي الله شك فاطر السماوات والأرض[ [إبراهيم:10].
* أنه جعل هذا آية، وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها بحيث لا يتخلف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرب تعالى، فإنها أدلة معينة على مطلوب معين مستلزمة للعلم به؛ فقال تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 174]، وإنما ذلك بالفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، فما من مولود إلا يولد على الفطرة، لا يولد مولود على غير هذه الفطرة، هذا أمر مفروغ منه، لا يتبدل ولا يتغير.
* ولا شك أن الإقرار بالربوبية أمر فطري، والشرك حادث طارئ، والأبناء تقلدوه عن الآباء، فإذا احتجوا يوم القيامة بأن الآباء أشركوا، ونحن جرينا على عادتهم). اهـ
قلت: لئلا تقولوا يوم القيامة عند ظهور الأمر، وإحاطة العذاب، بمن أشرك؛ ]إنا كنا عن هذا[؛ أي: وحدانية الربوبية: ]غافلين[، لم ننبه عليه، وإنما لم يسعهم هذا الاعتذار، حينئذ على ما قيل، لأنهم: نبهوا بنصب الأدلة، وجعلوا متهيئين: تهيأ تاما، لتحقيق الحق، وإنكار ذلك: مكابرة، فكيف يمكنهم، أن يقولوا ذلك. ([159])
قال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج2 ص610): (فكل من بلغ، وعقل، فقد أخذ عليه: «الميثاق»، بما جعل فيه من السبب الذي يؤخذ به: «الميثاق»، وهو العقل، والتكليف، فيكون معنى؛ الآية: وإذ يأخذ ربك من بني آدم ويشهدهم على أنفسهم؛ بما ركب فيهم من العقل الذي يكون به: الفهم، والتكليف الذي به يترتب على صاحبه الثواب، والعقاب يوم القيامة). اهـ
وقال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج7 ص295): (قوله تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا[ [الأعراف:172]؛ أي: سنوا الإشراك، واخترعوه: ]من قبل[؛ أي: من قبل زماننا، ]وكنا ذرية من بعدهم[؛ أي: فنشأنا على طريقتهم، احتجاجا بالتقليد، وتعويلا عليه.
* فقد قطعنا العذر بما بينا من الآيات: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ أي: أتؤاخذنا بما فعل آباؤنا من الشرك، وأسسوا من الباطل، أو بفعل آبائنا الذين أبطلوا تأثير العقول، وأقوال الرسل عليهم السلام؟؛ والاستفهام للإنكار؛ أي: أنت حكيم لا تأخذ الأبناء، بفعل الآباء، وقد سلكنا طريقهم، والحجة عليهم بما شرعوا لنا من الباطل.
والمعنى: أزلنا الشبهتين بأن الإقرار بالربوبية، والتوحيد، هو في أصل فطرتكم، فلم لم ترجعوا إليه، عند دعوة العقول، والرسل عليهم السلام؟، والفطرة: أكبر دليل، فهي تسد باب الاعتذار بوجه ما، لا سيما والتقليد، عند قيام الدلائل، والقدرة على الاستدلال بها، مما لا مساغ له أصلا). اهـ
وعن عمران بن حصين t، قال: قال النبي r؛ لأبي: حصين: (كم تعبد اليوم إلها؟، قال أبي: سبعة، ستة في الأرض، وواحدا في السماء!، قال: فأيهم تعد لرغبتك، ورهبتك؟ قال: الذي في السماء!). ([160])
قلت: وهذا فيه تصريح بأن الله تعالى، فطرهم على الإسلام، وأن الله تعالى هو: ربهم.
قال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج7 ص298): (فالله تعالى: فطر الخلق كلهم على معرفته فطرة توحيد، حتى من خلق مجنونا، مطبقا، مصطلما، لا يفهم شيئا، ما يحلف إلا به، ولا يهلج لسانه بأكثر من اسمه المقدس، فطرة بالغة). اهـ
قلت: إن الإقرار، والاعتراف بالخالق سبحانه: فطري، ضروري في قلوب الخلق، ومعرفة الربوبية تحصل بالفطرة، الضرورية، التي خلقها الله تعالى في نفوس الخلق من صغرهم، فهم: يولدون على فطرة الإسلام. ([161])
قال المفسر المراغي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (والخلاصة: إن الله تعالى لا يقبل منهم الاعتذار، بتقليد الآباء، والأجداد، إذ التقليد عند قيام الدلائل، والقدرة على الاستدلال بها، مما لا يركن إليه، ولا ينبغي لعاقل أن يلجأ إليه.
* كما أن الاعتذار بالجهل بعد ما أقام عليهم من البينات الفطرية، والعقلية، مما لا يقبل). اهـ
وقال المفسر المراغي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (وفي الآية: إيماء إلى أن من لم تبلغه، بعثة رسول، لا يعذر يوم القيامة في الشرك بالله تعالى، ولا بفعل الفواحش، والموبقات، التي تنفر منها: الفطرة السليمة، وتدرك ضررها العقول الحصيفة). اهـ
وقال المفسر الخازن البغدادي / في «لباب التأويل» (ج2 ص612): (فقامت الحجة: عليهم؛ لإمدادهم بالرسل عليهم السلام، وإعلامهم بجريان: أخذ: «الميثاق» عليهم.
* وبذلك قامت الحجة عليهم أيضا يوم القيامة، لإخبار الرسل عليهم السلام: إياهم بذلك: «الميثاق» في الدنيا؛ فمن أنكره كان معاندا، ناقضا: للعهد، ولزمتهم الحجة، ولم تسقط الحجة عنهم بنسيانهم، وعدم حفظهم بعد إخبار الصادق صاحب الشرع، والمعجزات الباهرات). اهـ
قلت: فقد ثبت الله تعالى الحجة على كل نفس في عالم الغيب بالميثاق والفطرة في الإجمال، وهذا الميثاق الأول الذي أخذه الله تعالى على العباد، وهم في ظهور آبائهم. ([162])
* فأخذ الله تعالى: «العهد»، و«الميثاق» على بني آدم جميعا، وأشهدهم على أنفسهم، بأن الله ربهم، فلا يكون لهم العذر يوم القيامة، في الإشراك بالله: جهلا، أو تقليدا.
قلت: جعل الله تعالى لهم: عقولا، يفهمون بها، وألسنة، ينطقون بها، فهم: يعلمون: «بالميثاق»، وقد شهدوا على أنفسهم بهذا: «الميثاق»، والملائكة يشهدون عليهم: «بالميثاق» يوم القيامة. ([163])
قال تعالى: ]قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين [ [الأنعام: 149]؛ يعني: يوم أخذ على الخلق الميثاق. ([164])
وعن سمرة بن جندب t، في حديث: «الرؤيا»، وهو حديث: طويل، عن النبي r قال: (وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم عليه السلام، وأما الولدان الذين حوله: فكل مولود مات على الفطرة، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟، فقال رسول الله r: وأولاد المشركين). وفي رواية: (والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله فأولاد الناس). ([165])
وأورده الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص118)؛ ثم قال: (والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله، أولاد الناس؛ وهذا يقتضي ظاهره، وعمومه جميع الناس) ([166]). اهـ
وقال الإمام القرطبي / في «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (ج3 ص1044): (ومن كان من أولاد المشركين: فمات قبل أن يجري عليه القلم، فليس يكونون مع آبائهم في النار؛ لأنهم: ماتوا على: «الميثاق الأول»، الذي أخذ عليهم في صلب آدم عليه السلام، ولم ينقضوا الميثاق). اهـ
وقال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج4 ص532): (أخذ من ظهر آدم ذريته، وأخذ عليهم العهد، بأنه ربهم، وأن لا إله غيره، فأقروا بذلك، والتزموه). اهـ
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي في / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1 ص315): (وإن كان الآباء مخالفين الرسل، كان عليه أن يتبع الرسل، كما قال تعالى: ]ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما[ [العنكبوت: 8]؛ الآية.
* فمن اتبع دين آبائه بغير بصيرة وعلم، بل يعدل عن الحق المعلوم إليه، فهذا اتبع هواه، كما قال تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون[ [البقرة: 170].
* وهذه حال كثير من الناس من الذين ولدوا على الإسلام، يتبع أحدهم أباه فيما كان عليه من اعتقاد ومذهب، وإن كان خطأ ليس هو فيه على بصيرة، بل هو من مسلمة الدار، لا مسلمة الاختيار، وهذا إذا قيل له في قبره: من ربك؟ قال؟ هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.
* فليتأمل اللبيب هذا المحل، ولينصح نفسه، وليقم لله، ولينظر من أي الفريقين هو، والله الموفق، فإن توحيد الربوبية لا يحتاج إلى دليل، فإنه مركوز في الفطر، وأقرب ما ينظر فيه المرء أمر نفسه لما كان نطفة، وقد خرج من بين الصلب والترائب، والترائب: عظام الصدر، ثم صارت تلك النطفة في قرار مكين، في ظلمات ثلاث، وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق). اهـ
وقال تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 174].
قلت: فقد أقام الله تعالى على الخلق، الحجة على الإجمال، وهم في أصلاب آبائهم في الغيب، وأقام عليهم الحجة على التفصيل عندما خرجوا إلى الحياة الدنيا، ممن بلغ منهم.
قال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج4 ص534): (قوله تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات[؛ أي: مثل هذا التفصيل الذي فصلنا فيه للآيات السابقة، نفصل للآيات اللاحقة؛ فالكل على نمط واحد في التفصيل، والتوضيح؛ لأدلة التوحيد، وبراهينه.
وقوله تعالى: ]ولعلهم يرجعون[؛ عن شركهم، وعبادة غير الله تعالى، إلى توحيده، وعباده، بذلك التفصيل والتوضيح). اهـ
قلت: فمن وقع في: «الشرك الأكبر»، وهو جاهل، قد قامت عليه الحجة: «بالميثاق»، و«الفطرة »معا، على الإجمال، وكفى.
* وأما ما وصل إليه من الكتب من الله تعالى، وإرسال: الرسل إليه، فقد قامت عليه الحجة على الإجمال والتفصيل إذا خرج إلى الحياة الدنيا([167])، بأن يتعلم من الكتب، والرسل على التفصيل ما يحتاجه من العلم النافع: من أحكام التوحيد، وأحكام الصلاة، وأحكام الزكاة، وأحكام الصيام، وأحكام الحج، وغير ذلك([168])، في الأصول والفروع، مما يحتاج إليه العبد في الحياة الدنيا. ([169])
قلت: لو لم يؤخذ على الخلق، إلا هذا: «العهد»، و«الميثاق»، ولا جاءهم رسول، لكفى بذلك حجة من الله تعالى، لما تضمنه: «الميثاق» من إقرار الخلق؛ بتوحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة.
* فما بالك: بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، فقد أزال الله تعالى عنهم الاحتجاج، بتركيب العقول، والفهم فيهم، وتذكيرهم، ببعثة الرسل عليهم السلام، إليهم، فقطع بذلك أعذارهم.
قال تعالى: ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت[ [النحل:36].
قال أبو عبد الله الحكيم الترمذي / في «نوادر الأصول» (ج1 ص310): (وهذا بعد الإدراك: حين عقلوا أمر الدنيا، وتأكدت حجة الله عليهم، بما نصب من الآيات الظاهرة، من خلق السماوات والأرض، والشمس والقمر، والبر والبحر، واختلاف الليل والنهار، فلما عملت أهواؤهم فيهم، أتتهم الشياطين فدعتهم إلى اليهودية، والنصرانية، فذهبت بأهوائهم، يمينا وشمالا). اهـ
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (كل مولود يولد على الفطرة). ([170])
* فأخذ الميثاق من الناس في الغيب، وإقرارهم جميعا، بالربوبية لله تعالى، مع فطرة التوحيد والإسلام، التي فطر الله تعالى الناس عليها في ولادتهم.
* كفى بذلك لإقامة الحجة عليهم في الإجمال، وأنه يجوز الاحتجاج بها عليهم، لأن قد أقروا جميعا بهذا: «الميثاق» لله تعالى، وكان ذلك عن معرفة منهم به سبحانه، وبتوحيده، وأضف أن الله تعالى ألزمهم الفطرة، فطرة الإسلام من صغرهم، قبل أن يرسل إليهم الرسل عليهم السلام، وينزل عليهم الكتب، ليقوم عليهم بالحجة البالغة، في الإجمال والتفصيل. ([171])
* فلا يولد؛ لأي: مولد، إلا على فطرة الإسلام حقيقة عند ولادته، لأنه لم يكن الله تعالى ليدعو خلقه إلى الإيمان به، وهو لم يعرفهم نفسه العظيمة ابتداء في الغيب، وفي صغرهم، إذ كان يكون حينئذ قد كلفهم الإيمان بما لا يعرفون، وكلفهم بشيء لا يدركونه في الحياة، وهذا لم يكن من الله تعالى، لأنه عليم، وحكيم في كل شيء، وقدير على كل شيء.
* والله تعالى لم يذكر؛ لأي: آية في القرآن الكريم، إلا فيها من الحجة البالغة، والحكمة العالية، والعلمية النافعة للخلق، فلا يذكرها سبحانه بعبث في القرآن الكريم([172])، بل لا بد من حكمة، عرفها من عرف، وجهلها من جهل، والله ولي التوفيق.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص88): (وأخرجهم من بطون أمهاتهم، ليعرف منهم: العارف، ويعترف: فيؤمن، ولينكر منهم: المنكر ما يعرف، فيكفر، وذلك كله قد سبق به لهم: قضاء الله تعالى، وتقدم فيه علمه؛ ثم يصيرون إليه في حين تصح منهم: المعرفة، والإيمان، والكفر، والجحود، وذلك عند التمييز، والإدراك). اهـ
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص89): (ومعنى الآية والحديث: أنه أخرج ذرية آدم من ظهره، كيف شاء، وألهمهم أنه ربهم، فقالوا: ]بلى[، لئلا يقولوا يوم القيامة: ]إنا كنا عن هذا غافلين[، ثم تابعهم بحجة العقل، عند التمييز، وبالرسل عليهم السلام: بعد ذلك؛ استظهارا: بما في عقولهم، من المنازعة إلى خالق، مدبر، حكيم، يدبرهم بما لا يتهيأ لهم، ولا يمكنهم: جحده، وهذا إجماع أهل السنة؛ والحمد لله). اهـ
* وهذا الإقرار حجة الله عليهم يوم القيامة، فهو سبحانه يذكر أخذه لهم، وإشهاده إياهم على أنفسهم، فإنه سبحانه خلق فسوى، وقدر فهدى. ([173])
قال الإمام ابن القيم / في «شفاء العليل» (ص195): (قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف: 172]، فذكر سبحانه من حكم أخذ الميثاق عليهم أن لا يحتجوا يوم القيامة: بغفلتهم عن هذا الأمر، ولا بتقليد الأسلاف، ومنه قوله تعالى: ]وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت[؛ فالضمير في: «به»: القرآن، و]أن تبسل[؛ في محل نصب على أنه مفعول له، أي: حذار أن تسلم نفس إلى الهلكة، والعذاب، وترتهن بسوء عملها). اهـ
وقوله تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف: 172].
والمراد: في هذه الآية، إنما يراد بها شهادة العبد على نفسه؛ بمعنى: أداء الشهادة على نفسه.
* وقولهم: ]بلى شهدنا[؛ هو إقرارهم: بأنه ربهم سبحانه، ومن أخبر بأمر عن نفسه، فقد شهد به على نفسه، فإن قولهم: ]بلى شهدنا[؛ معناه: أنت ربنا، وهذا إقرار منهم: بربوبيته لهم، وجعلهم شهداء على أنفسهم بما أقروا به، وقوله تعالى: ]أشهدهم[؛ يقتضي أنه هو سبحانه الذي جعلهم: شاهدين على أنفسهم، بأنه ربهم سبحانه. ([174])
قال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص562): (وهذا الإشهاد مقرون بأخذهم من ظهور آبائهم، وهذا الأخذ المعلوم المشهود الذي لا ريب فيه؛ هو: أخذ المني من أصلاب الآباء، ونزوله في أرحام الأمهات، لكن لم يذكر هنا الأمهات، كقوله: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ وهم كانوا متبعين لدين آبائهم، لا لدين الأمهات، كما قالوا: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة[ [الزخرف: 22]؛ ولهذا قال: ]أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[ [الزخرف: 24]؛ فهو سبحانه يقول: اذكر حين أخذوا من أصلاب الآباء، فخلقوا حين ولدوا على الفطرة، مقرين بالخالق، شاهدين على أنفسهم بأن الله ربهم، فهذا الإقرار: حجة لله عليهم يوم القيامة، فهو يذكر أخذه لهم، وإشهاده إياهم على أنفسهم، فإنه سبحانه خلق فسوى، وقدر فهدى، فأخذهم يتضمن خلقهم، والإشهاد يتضمن هداه لهم إلى هذا الإقرار، فإنه قال: ]أشهدهم[؛ أي: جعلهم شاهدين، فهذا الإشهاد من لوازم الإنسان، وكل إنسان جعله الله مقرا بربوبيته، شاهدا على نفسه بأنه مخلوق، والله خالقه، وهذا أمر ضروري لبني آدم، لا ينفك منه مخلوق، وهو مما جبلوا عليه، فهو علم ضروري لهم، لا يمكن أحدا جحده، ثم قال بعد ذلك: ]أن يقولوا[؛ أي: كراهية أن تقولوا، أو لئلا تقولوا: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ أي: عن هذا الإقرار لله بالربوبية، وعلى نفوسنا بالعبودية، فإنهم ما كانوا غافلين عن هذا، بل كان هذا من العلوم الضرورية اللازمة لهم التي لم يخل منها بشر قط، بخلاف كثير من العلوم التي قد تكون ضرورية، ولكن قد يغفل عنها كثير من بني آدم من علوم العدد والحساب وغير ذلك: فإنها إذا تصورت، كانت علوما ضرورية، لكن كثيرا من الناس غافل عنها.
* وأما الاعتراف بالخالق فإنه: علم ضروري لازم للإنسان، لا يغفل عنه أحد بحيث لا يعرفه، بل لا بد أن يكون قد عرفه، وإن قدر أنه نسيه.
ولهذا يسمى التعريف بذلك: تذكيرا، فإنه تذكير بعلوم فطرية ضرورية، وقد ينساها العبد، كما قال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم[ [الحشر: 19]؛ وفي الحديث الصحيح: «يقول الله للكافر: فاليوم أنساك كما نسيتني»([175])). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص563): (قال تعالى: ]أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 173]؛ فذكر سبحانه لهم حجتين يدفعهما هذا الإشهاد:
إحداهما: أن يقولوا: ]إنا كنا عن هذا غافلين[؛ فبين أن هذا: علم فطري ضروري لا بد لكل بشر من معرفته، وذلك يتضمن حجة الله في إبطال التعطيل، وأن القول بإثبات الصانع: علم فطري ضروري، وهو حجة على نفي التعطيل.
والثانية: أن يقولوا: ]إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[، وهم آباؤنا المشركون؛ أي: أفتعاقبنا بذنوب غيرنا؟ فإنه لو قدر أنهم لم يكونوا عارفين بأن الله ربهم، ووجدوا آباءهم مشركين، وهم ذرية من بعدهم، ومقتضى الطبيعة العادية أن يحتذي الرجل حذو أبيه حتى في الصناعات، والمساكن، والملابس، والمطاعم إذ كان هو الذي رباه، ولهذا كان أبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، فإذا كان هذا مقتضى العادة والطبيعة، ولم يكن في فطرهم وعقولهم ما يناقض ذلك، قالوا: نحن معذورون، وآباؤنا هم الذين أشركوا، ونحن كنا ذرية لهم بعدهم، ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم: فإذا كان في فطرهم ما شهدوا به من أن الله وحده هو ربهم، كان معهم ما يبين بطلان هذا الشرك، وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم.
فإذا احتجوا بالعادة الطبيعية: من اتباع الآباء، كانت الحجة عليهم: هي الفطرة الطبيعية الفعلية السابقة؛ لهذه العادة الطارئة، وكانت الفطرة الموجبة للإسلام: سابقة للتربية التي يحتجون بها؛ وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد: حجة في بطلان الشرك، لا يحتاج ذلك إلى رسول، فإنه جعل ما تقدم حجة عليهم بدون هذا، وهذا لا يناقض قوله تعالى: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[ [الإسراء: 15]؛ فإن الرسول يدعو إلى التوحيد، ولكن الفطرة: دليل عقلي يعلم به إثبات الصانع، لم يكن في مجرد الرسالة حجة عليهم: فهذه الشهادة على أنفسهم التي تتضمن إقرارهم بأن الله ربهم، ومعرفتهم بذلك أمر لازم لكل بني آدم، به تقوم حجة الله تعالى في تصديق رسله، فلا يمكن أحدا أن يقول يوم القيامة: إني كنت عن هذا غافلا، ولا أن الذنب كان لأبي المشرك دوني، لأنه عارف بأن الله ربه لا شريك له، فلم يكن معذورا في التعطيل، والإشراك، بل قام به ما يستحق به العذاب). اهـ
قلت: فالقول فيما تقدم قبل هذا يغني عن الجدال في إقامت الحجة: «بالميثاق»، و«الفطرة» على الجهال الذين وقعوا في: «الشرك الأكبر»، لأنهم أقروا في الغيب أن الله تعالى، هو ربهم المعبود بحق في الحياة الدنيا، وكذلك: إقرارهم للرب سبحانه بالفطرة([176]) ألزمها قلوبهم منذ الصغر، فكفونا التعب لإقامة الحجة، بهذه المقالة على أنفسهم في عالم الغيب، وذلك كله: تقدير الله تعالى، وفطرته لهم على التوحيد.
وعن أبي هريرة t، قال: قال رسول الله r: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه). ([177])
وعن أبي الهيثم /؛ أنه قال: (الفطرة: الخلقة التي يخلق عليها المولود في بطن أمه).([178])
وقال الإمام الأزهري / في «تهذيب اللغة» (ج3 ص2805): (وقول النبي r: (كل مولود يولد على الفطرة)؛ معناه: أن الله فطر الخلق على الإيمان به). اهـ
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج5 ص88): (معناه: أن كل مولود من البشر إنما يولد في مبدأ الخلقة، وأصل الجبلة على الفطرة السليمة، والطبع المتهيء؛ لقبول الدين: فلو ترك عليها وخلي وسومها؛ لاستمر على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها.
* لأن هذا الدين موجود حسنه في العقل يسره في النفوس، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره، ويؤثر عليه، لآفة من آفات النشوء والتقليد، فلو سلم المولود من تلك الآفات لم يعتقد غيره، ولم يختر عليه ما سواه). اهـ
* وقول النبي r: (خمس من الفطرة) ([179])؛ يعني: فطرة الإسلام.
قلت: فالفطرة، هي: الإسلام.
وعن الإمام حماد بن سلمة /؛ أنه كان يفسر؛ حديث: «كل مولود يولد على الفطرة»، قال: (هذا عندنا حيث أخذ الله تعالى عليهم: العهد في أصلاب آبائهم، حيث قال تعالى: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]). ([180])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح صحيح مسلم» (ج8 ص113): (حديث أخذ: «العهد»، و«الميثاق» في صلب آدم؛ تكلم فيه الناس كثيرا، وقالوا: إن قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم[ [الأعراف: 172]؛ إن هذا ما ركز الله تعالى في الفطر والعقول من الوحدانية، والإيمان بالله عز وجل، ولهذا قال: ]من بني آدم من ظهورهم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: من ظهرهم، فالجمع يدل على أن المراد: بنو آدم أنفسهم، أن الله تعالى أخذ عليهم وهم في بطون أمهاتهم، وذلك بما ركز الله تعالى في قلوبهم من الفطرة، والمسألة مبسوطة في شرح الطحاوية). اهـ
وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان:25].
وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف:87].
قال الإمام ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1 ص313): (سبحانه: أشهد كل واحد على نفسه أنه ربه، وخالقه، واحتج عليه، بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان:25]؛ فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم؛ بمضمونها، وذكرتهم بها: رسله عليهم السلام، بقولهم: ]أفي الله شك فاطر السماوات والأرض[ [إبراهيم: 10]) .اهـ
وعن الإمام الزهري / قال: (يصلى على كل مولود متوفى، وإن كان لغية، من أجل أنه: ولد على فطرة الإسلام، إذا استهل صارخا صلي عليه، ولا يصلى على من لا يستهل من أجل أنه سقط). ([181])
وعن عياض بن حمار المجاشعي t؛ أن رسول الله r قال: ذات يوم في خطبته: (ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني، يومي هذا، كل مال نحلته عبدا، حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا). ([182])
قلت: وهذا الحديث يدل على صحة ما فسر به الأئمة: «الفطرة»، أنها دين الإسلام، هو صريح بأن الله تعالى فطر الخلق على الحنيفية، وهي: الإسلام. ([183])
* والحنفية: هي الإسلام.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص75): (وهذا كله يدل على أن الحنفية: الإسلام.
* ويشهد لذلك، قول الله تعالى ]ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما[ [الأعراف: 67].
وقال تعالى: ]هو سماكم المسلمين[ [الحج: 78]). اهـ
وقال تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم[ [الروم:30].
وقال تعالى: ]وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم[ [الأحزاب:7].
وقال تعالى: ]وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين[ [الأعراف:102].
وقال تعالى: ]واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به[ [المائدة: 7].
قلت: فأخذ عليهم العهد بالإيمان به، والإقرار، والمعرفة بالله، وأمره، والتصديق به، ولئلا يشركوا به شيئا([184])، فآمنوا، وصدقوا، وعرفوا، وأقروا.
* فهذه الأحاديث تدل على أن الله تعالى: خلق عباده حنفاء، وأن كل مولود يولد على الفطرة السليمة، المستقيمة، طاهرين من المعاصي، منيبين: لقبول الهداية.
* ولكن الشياطين أتتهم، وحرفتهم، وأزالتهم عن هذه الهداية، وإن الله تعالى مقتهم بسبب ذلك.
* وصح أن جميع المواليد، يولدون على الفطرة، وهو: «الميثاق الأول»، وهو قول الله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]، فهم: يولدون على الفطرة، وعلى: «الميثاق الأول»، ثم بعد ذلك: آباؤهم، يحرفوهم عن هذا: «الميثاق» إلى الضلالة.
وعن الإمام إسحاق بن إبراهيم الحنظلي / قال: في قوله: «خلقت عبادي حنفاء»؛ أراد به على الميثاق الأول: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]. ([185])
قلت: فذهب الإمام إسحاق بن راهويه /، إلى أن قوله: «خلقت عبادي حنفاء»، أراد به على: «الميثاق الأول».
وقال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172].
قال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص531): (فصل: ويدل على صحة ما فسر به الأئمة «الفطرة» أنها: «الدين»؛ ما رواه: مسلم في «صحيحه» من حديث عياض بن حمار المجاشعي، عن النبي r فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى ([186]): «إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»؛ وهذا صريح في أنهم خلقوا على الحنيفية، وأن الشياطين اقتطعتهم بعد ذلك عنها، وأخرجوهم منها.
وقال تعالى: ]والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات[ [البقرة: 257].
* وهذا يتناول إخراج الشياطين لهم من نور الفطرة إلى ظلمة الكفر والشرك، ومن النور الذي جاءت به الرسل من الهدى والعلم إلى ظلمات الجهل والضلال).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص527)؛ عن تفسير الميثاق: بالفطرة، مستندا: إلى السنة، ودلالة العقل، وظاهر اللفظ، والنظائر: (وأحسن ما فسرت به الآية: قوله r: «كل مولود يولد على الفطرة: فأبواه يهودانه وينصرانه»، فالميثاق الذي أخذه سبحانه عليهم، والإشهاد الذي أشهدهم على أنفسهم، والإقرار الذي أقروا به هو الفطرة التي فطروا عليها؛ لأنه سبحانه احتج عليهم بذلك، وهو لا يحتج عليهم بما لا يعرفه أحد منهم، ولا يذكره، بل بما يشركون في معرفته، والإقرار به، وأيضا، فإنه قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: «من آدم»؛ ثم قال تعالى: ]من ظهورهم[؛ ولم يقل: «من ظهرهم»؛ ثم قال تعالى: ]ذريتهم[؛ ولم يقل: «ذريته»؛ ثم قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم[، وهذا يقتضي إقرارهم بربوبيته إقرارا تقوم عليهم به الحجة، وهذا إنما هو الإقرار الذي احتج به عليهم على ألسنة رسله؛ كقوله تعالى: ]قالت رسلهم أفي الله شك[ [إبراهيم: 10]، وقوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف: 87]، وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان: 25]، وقال تعالى: ]قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله[ [المؤمنون: 84 - 85]، ونظائر ذلك كثيرة: يحتج عليهم بما فطروا عليه من الإقرار بربهم، وفاطرهم، ويدعوهم: بهذا الإقرار إلى عبادته وحده، وألا يشركوا به شيئا، هذه طريقة القرآن، ومن ذلك هذه الآية التي في «الأعراف» وهي قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم[ [الأعراف: 172] الآية، ولهذا قال في آخرها: ]أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 172 و173]، فاحتج عليهم بما أقروا به من ربوبيته على بطلان شركهم، وعبادة غيره، وألا يعتذروا، إما بالغفلة عن الحق، وإما بالتقليد في الباطل، فإن الضلال له سببان: إما غفلة عن الحق، وإما تقليد أهل الضلال، فيطابق الحديث مع الآية، ويبين معنى كل منهما بالآخر). اهـ
وقال تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون[ [الروم: 30].
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج4 ص18): (قال تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها[ [الروم: 30]؛ أي: ملة الله تعالى التي خلق الناس عليها). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج3 ص442): (يقول تعالى: فسدد وجهك، واستمر على الدين، الذي شرعه الله تعالى لك، من الحنيفية: ملة إبراهيم عليه السلام، التي هداك الله تعالى لها، وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة، التي فطر الله تعالى الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته، وتوحيده، وأنه لا إله غيره). اهـ
وقال الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ص839): (باب: ]لا تبديل لخلق الله[ [الروم: 30]؛ لدين الله: ]خلق الأولين[ [الشعراء:137]؛ دين الأولين، والفطرة: الإسلام).
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج ([187]) البهيمة، بهيمة جمعاء ([188])، هل تحسون فيها من جدعاء ([189]))، ثم يقول أبو هريرة t: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم[ [الروم: 30]. وفي رواية: (كل بني آدم يولد على الفطرة). وفي رواية: (ليس من مولود، يولد؛ إلا على هذه الفطرة، حتى يعبر عنه لسانه). وفي رواية: (ليس من مولود، يولد؛ إلا على هذه الملة، حتى يبين عنه لسانه). وفي رواية: (كل بني آدم يولد على الفطرة). وفي رواية: (قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت، وهو صغير؟، قال r: الله أعلم بما كانوا عاملين). وفي رواية: (فقالوا: يا رسول الله، فكيف بمن كان قبل ذلك؛ يعني: مات؟، قال r: الله أعلم بما كانوا عاملين).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1358)، و(1359)، و(1385)، و(4775)، و(6599)، ومسلم في «صحيحه» (2658)، وأبو داود في «سننه» (4714)، ومالك في «الموطأ» (ج1 ص241)، وهمام بن منبه في «صحيفته» (ص259)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص202)، وفي «الاعتقاد» (164)، وفي «القضاء والقدر» (ج3 ص857 و858 و860 و861)، وفي «معرفة السنن والآثار» (3830)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (995)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص233 و275 و393 و410 و481)، وابن حبان في «صحيحه» (128)، و(133)، والترمذي في «سننه» (2274)، و(2275)، والطبراني في «مسند الشاميين» (ج1 ص83 و86)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج4 ص11 و12 و13)، وابن بكير في «الموطأ» (ج1 ص672)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1478)، واللالكائي في «الاعتقاد» (995)، و(998)، والجوهري في «مسند الموطأ» (538)، والفريابي في «القدر» (161)، والآجري في «الشريعة» (396)، وابن القاسم في «الموطأ» (338)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص64 و65)، وفي «الاستذكار» (ج8 ص375)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج2 ص571)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج3 ص494)، والمحاملي في «الأمالي» (225)، وابن وهب في «الموطأ» (ص462)، والبزار في «المسند» (ج14 ص181 و371)، و(ج16 ص208 و267)، ومعمر بن راشد الأزدي في «الجامع» (ج11 ص119)، والدارقطني في «العلل» (ج8 ص288)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج2 ص38)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص283)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج59 ص389)، وأبو يعلى في «المسند» (ج11 ص282)، والطيالسي في «المسند» (2823)، والبغوي في «شرح السنة» (84)، و(85)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج3 ص9)، وفي «أخبار أصبهان» (ج2 ص226)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (1559)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج20 ص261 و268 و269 و273 و274 و275)، والمطرز في «الفوائد» (186)، و(187)، و(188)، و(189)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج18 ص131)، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (ج2 ص208)، والحميدي في «المسند» (ج2 ص473)، والديلمي في «الفردوس بمأثور الخطاب» (4730)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» (ج3 ص470)، وأبو إسحاق الفزاري في «السير» (ج2 ص598)، والشافعي في «الموطأ» (ص462)، والذهلي في «الزهريات» (ج2 ص776)، وابن أبي أسامة في «المسند» (ج2 ص321)، و(ج5 ص28)، وأبو بكر الأنصاري في «المشيخة الكبرى» (ج2 ص797) من طريق سعيد بن المسيب، وأبي صالح، وهمام بن منبه، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وطاووس، وعطاء بن يزيد، وأبي جامع، وبشير بن نهيك، وعمار مولى بني هاشم، والحسن البصري، والأعرج، وحميد بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن يعقوب الحرقي، جميعهم: عن أبي هريرة t به.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج8 ص371): (وروي هذا الحديث، عن النبي r: من وجوه، صحاح، ثابتة، من حديث أبي هريرة t).
* فقوله r: (كل مولود، يولد على الفطرة)؛ إنما أراد r به: الإخبار بالحقيقة التي خلقوا عليها، وهي: فطرة الإسلام، و«الميثاق الأول». ([190])
قال تعالى: ]ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى[ [طه:50].
وقال تعالى: ]الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى [ [الأعلى:2 و3].
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص64): (والدليل: على أن المعنى، كما وصفنا، رواية من روى: «كل بني آدم، يولد على الفطرة»، و«ما من مولود؛ إلا وهو يولد على الفطرة»؛ وحق الكلام، أن يحمل على عمومه). اهـ
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني / في «شرح صحيح البخاري» (ج3 ص264): (قوله r: «بهيمة جمعاء»؛ أي: تامة الأعضاء، غير ناقصة الأطراف، و«بهيمة»؛ نصب مفعول: «تنتج»، و«جمعاء»: نعت لها). اهـ
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني / في «التحرير في شرح مسلم» (ص604): (وذهب بعض أهل العلم: أن الفطرة هاهنا؛ هي الفطرة الغريزية التي هي موجودة في كل إنسان، فإن كل أحد رجع إلى الفطرة الغريزية عرف خالقه، وذلك معنى: قوله تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها[ [الروم: 30]؛ وهذه المعرفة: هي المعرفة التي أخبر الله تعالى، بوجودها من الكفار، وذلك: في قوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [الزمر:38]؛ وقال تعالى: ]فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين[ [العنكبوت:65]؛ فحين ظهرت لهم حال الضرورة، وانقطعوا عن أسباب الخلق، ولم يبق لهم تعلق بأحد، ظهرت فيهم: المعرفة الغريزية). اهـ
قلت: وهذا المعتقد الصحيح، في الفطرة، قد دلت عليه الأدلة من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وما كان عليه سلف هذه الأمة، من الصحابة، فمن بعدهم: من الأئمة المرضيين.
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص41): (وقد ذكر بعض أهل العلم أن الفطرة ها هنا: هي الفطرة الغريزية التي هي موجودة في كل إنسان، فإن كل أحد يرجع إلى غريزته عرف خالقه، وذلك معنى: قوله تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها[ [الروم: 30]؛ وهذه المعرفة: هي المعرفة التي أخبر الله تعالى، بوجودها من الكفار، وذلك في قوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [الزمر:38]؛ وقال تعالى: ]فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين[ [العنكبوت:65]؛ فحين ظهرت لهم حال الضرورة، وانقطعوا عن أسباب الخلق، ولم يبق لهم تعلق بأحد، ظهرت فيهم: المعرفة الغريزية، إلا أنها: غير نافعة، إنما النافعة هي المعرفة الكسبية، إلا أن الله تعالى فطر الناس على المعرفة الغريزية، وطلب منهم: المعرفة الكسبية، وعلق الثواب بها، والعقاب على تركها). اهـ
* والقول بأن المراد بالفطرة: المعرفة الغريزية، لا يخالف ما دلت عليه الأحاديث، من أن المولود يولد على الملة، وأن المولود من بني آدم خلق حنيفا، مسلما، بل هو مؤيد لذلك.ث
* لأن هذه المعرفة من مقتضيات دين الله، هو الإسلام، الذي هو معنى: الفطرة الواردة في الآية الكريمة: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها[ [الروم: 30].
والقول بأن المراد بالفطرة: الإسلام، مذهب كثير من علماء السلف، منهم: عكرمة، والحسن، وإبراهيم، وأحمد، وغيرهم.
* ومما ينبغي أن يعلم، أنه إذا قيل: إنه ولد على الفطرة، أو على الإسلام، أو على هذه الملة، أو خلق حنيفا: فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه أنه يعلم هذا الدين ويريده على التفصيل.
فإن؛ الله تعالى يقول: ]والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا[ [النحل:78].
قلت: ولكن فطرته تستلزم الإقرار بخالقه، ومحبته، وإخلاص الدين له، ورسوخها في النفس، واكتمالها؛ بحسب كمال الفطرة إذا سلمت من المعارض، ونظرت إلى الأدلة الدالة على أن الإسلام حق.
* فحصول هذا التهويد، والتنصير، والتمجيس: موقوف على أسباب خارجة عن الفطرة، وحصول الحنيفية، والإخلاص، ومعرفة الرب، والخضوع له، لا يتوقف أصله على غير الفطرة، وإن توقف كماله وتفصيله على غيرها.
فالمراد بالحديث: أن كل مولود يولد على محبته لفاطره، وإقراره بربوبيته، واستحقاقه له بالعبادة وحده، فلو خلي، وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره.([191])
وقال المفسر ابن الحيري / في «الكفاية في التفسير» (ج6 ص72): (قوله عز وجل: ]فأقم وجهك للدين حنيفا[ [الروم:30]؛ والحنيف: المائل عن الأديان كلها إلى الإسلام، وقيل: ]حنيفا[؛ مسلما: ]فطرت الله[؛ أي: دين الله: ]التي فطر الناس عليها[؛ خلق الناس عليها، وأراد به: آدم وذريته في صلبه، قال أبو العالية ومقاتل: أراد به أخذ الميثاق عليهم حين أخرجهم من صلب أبيهم آدم، وقال لهم: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172] ([192])
وقوله r: «يقول الله تبارك وتعالى: إني خلقت عبادي حنفاء؛ فاجتالتهم: الشياطين عن دينهم، فأضلهم الشيطان، فحلل لهم حرامي، وحرم لهم حلالي»([194])؛ قال مجاهد: يعني: دين الإسلام، وقال بعضهم: أراد بقوله: ]فطرت الله[ [الروم: 30]؛ خلقة الله التي خلق الناس عليها، فدل على أن الله واحد لا شريك له) ([195]). اهـ
* فالمراد بالفطرة أيضا؛ في هذا الحديث: بالميثاق الأول، الذي أخذه الله تعالى، من ذرية آدم عليه السلام، قبل أن يخرجوا إلى الدنيا، يوم استخرجهم من ظهره، فخاطبهم: ألست بربكم، قالوا: بلى، فأقروا جميعا له بالربوبية، عن معرفة منهم به، ثم أخرجهم من أصلاب آبائهم: مخلوقين، مطبوعين على تلك المعرفة، وذلك الإقرار، وأرسل إليهم الرسل عليهم السلام، فمنهم: من آمن بهم، ومنهم: من كفر بهم!. ([196])
* فالفطرة: هي «الميثاق» أيضا، وهذا قريب من أن «الميثاق»: كان على الإسلام، لأن الفطرة، هي الإسلام. ([197])
قلت: فالإقرار بمعرفة الله تعالى، وهو العهد الذي أخذه الله تعالى عليهم في أصلاب آبائهم، وصلب آدم عليه السلام: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف:172]؛ فليس أحد؛ إلا وهو مقر بأن له خالقا، ومدبرا، قال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف:87]؛ فكل مولود، يولد على ذلك الإقرار الأول. ([198])
قلت: فمن يولد، يولد على هذه الفطرة، ظاهر هذا اللفظ: تعميم الوصف المذكور، في جميع المولودين، وأصرح منه، رواية: (ما من مولود؛ إلا يولد على الفطرة). ورواية: (ما من مولود؛ إلا وهو على الملة). ورواية: (ليس من مولود؛ إلا على هذه الفطرة، حتى يعبر عنه لسانه).
* والفطرة ها هنا: الإسلام، وهو المعروف عند عامة السلف، وأهل التأويل، قد أجمعوا في تأويل: قول الله تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها[ [الروم: 30]؛ قالوا: «فطرت الله»، دين الإسلام.
* والمراد: أن كل مولود، يولد على محبته لفاطره، وإقراره له بربوبيته، وادعائه له بالعبودية. ([199])
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني / في «التحرير في شرح مسلم» (ص604): (وكذلك قوله: «خلقت عبادي حنفاء»([200])؛ فهو إشارة إلى المعرفة الغريزية، التي هي مركبة فيهم). اهـ
وقال الإمام أبو عمرو الداني / في «الرسالة الوافية» (ص227): (والفطرة: هي الإسلام، بدليل؛ قوله تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم[ [الروم: 30]؛ وقيل: الفطرة: العهد، والميثاق الذي أخذ عليهم حين: فطروا). اهـ
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني / في «التحرير في شرح مسلم» (ص605): (قوله r: «من جدعاء»؛ أي: مقطوعة الأنف، يقول: إن البهيمة أول ما تولد تكون سليمة من الجدع، والخرم، ونحو ذلك من العيوب.
* حتى يحدث فيها أربابها هذه النقائص، كذلك: الطفل يولد مجبولا على خلقة لو ترك عليها لسلم من الآفات، إلا أن والديه يزينان له الكفر، ويحملانه عليه، وليس في هذا ما يوجب حكم الإيمان له([201])، إنما هو ثناء على هذا الدين، وإخبار عن حسن موقعه من النفوس). اهـ
* وإنما يولد المولود على السلامة في خلقه، ليس معه إيمان؛ إلا في الجملة، ولا كفر، ولا إنكار، ولا معرفة، ثم يعتقد: الإيمان، أو الكفر، بعد البلوغ، إذا ميز.
* وقوله r: كما تنتج([202]) البهيمة، بهيمة: جمعاء([203])؛ يعني: سالمة، هل تحسون فيها من جدعاء؛ يعني: مقطوعة الأذن.
* فمثل r: قلوب بني آدم بالبهائم، لأنها تولد كاملة الخلق، ليس فيها نقصان، ولا آفة، ثم تقطع آذانها: بعد، وأنوفها، فيقال: هذه بحائر، وهذه سوائب.
* فكذلك قلوب الأطفال في حين: ولادتهم: سالمة ليس لهم: كفر حينئذ، ولا إيمان، ولا معرفة، ولا إنكار، كالبهائم السالمة.
* فلما بلغوا استهوتهم الشياطين، فكفر أكثرهم، وعصم الله تعالى أقلهم.
* ويستحيل في المعقول، أن يكون الطفل في حين ولادته، يعقل: كفرا، أو إيمانا، لأن الله تعالى: أخرجهم في حال لا يفقهون معها شيئا. ([204])
قال تعالى: ]والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا[ [الأنبياء: 78]، فمن لا يعلم شيئا، استحال منه: كفر، أو إيمان، أو معرفة، أو إنكار؛ على التفصيل. ([205])
* فالنبي r قد ذكر من أحوال: تبديل الفطرة، من ملل الكفر، من اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، وغيرهم.
* ولم يذكر r ملة الإسلام، لأن المولود، قد فطر عليها، وهم: يحولونه عنها، بما شاء الله تعالى، وسبق ذلك في علمه.
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا ... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
درة نادرة للعلامة الشيخ حافظ الحكمي في إثبات: «الميثاق الأول» على أنه حجة على الخلق......................................................... |
5 |
2) |
المقدمة..................................................................................................... |
14 |
3) |
ذكر الدليل على أن أول حجج الله تعالى على عباده، التي يحجهم بها في الدنيا، والآخرة، هي: حجة الميثاق على الإجمال، الذي أخذه الله تعالى عليهم، وهم: في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم على وحدانيته، وربوبيته، وقد فطر الله تعالى العباد على هذا الميثاق، وعلى فطرة الإسلام، والفطرة: حجة من حجج الله تعالى على عباده، حيث ما من مولود، إلا يولد على فطرة الإسلام، والإيمان بالله تعالى، وأنه ربكم سبحانه، وقطع الله تعالى بهذا الميثاق أعذارهم في الدنيا والآخرة، وحذرهم من الغفلة في الدنيا عن هذا الميثاق، ومن أن لا يفون به، أو أن يعتذروا يوم القيامة؛ بتقليد الآباء وغيرهم على الشرك، والضلال، وأن يكونوا غافلين عن الإسلام في الحياة الدنيا وقد أكد الله تعالى، وذكر العباد رحمة منه سبحانه بهم، بهذا الميثاق؛ والفطرة، بأنه سبحانه أنزل عليهم القرآن الكريم، وهو حجة عليهم، ببلوغه؛ تأكيدا، وتذكيرا: لهم عن غفلتهم عن الدين الصحيح، فهو داع، ونذير، أيضا للعباد على الإجمال، وعلى التفصيل، وهو البرهان المؤكد، الذي يندفع به الجهل أيضا، وتحسم به الأعذار، فمن بلغه القرآن، فقد بلغته الحجة التي تبطل الأعذار، وتوجب على مخالفتها، ومعاندها عذاب النار، وكذا وصول السنة النبوية، والسماع بالرسالة، وبدعوته، فمن بلغته، فقد بلغته نذارة الرسول، التي تبطل الأعذار، وكأنما رأى الرسول، وقد بلغه أمر الله تعالى، والإسلام، أخذه، أو تركه، وبالتالي، فقد أقيمت على العباد حجج الله تعالى التي يستحقون نار جهنم إذا خالفوها، ووقعوا في الشرك، أو الكفر، أو التقليد...................................................................................................... |
58 |
([2]) انظر: «معالم التنزيل» للبغوي (ج2 ص568)؛ و«معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول» للحكمي (ج1 ص90 و91).
([5]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص282)؛ تعليقا على كلمة الإمام أحمد هذه: (هذه حقيقة حال أهل البدع؛ كما قال الإمام أحمد في كتابه «الرد على الزنادقة والجهمية»: مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب). اهـ
([6]) قال تعالى: ]وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد[ [البقرة: 176].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص301): (قد جمعوا وصفي الاختلاف الذي ذمه الله في كتابه، فإنه ذم الذين خالفوا الأنبياء، والذين اختلفوا على الأنبياء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص284): (وأما قوله: بأنهم (متفقون على مخالفة الكتاب)؛ فهذا إشارة إلى تقديم غير الكتاب على الكتاب، كتقديم معقولهم، وأذواقهم، وآرائهم ونحو ذلك على الكتاب، فإن هذا اتفاق منهم على مخالفة الكتاب، ومتى تركوا الاعتصام بالكتاب والسنة؛ فلا بد أن يختلفوا، فإن الناس لا يفصل بينهم إلا كتاب منزل من السماء). اهـ
([7]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «درء تعارض العقل والنقل» (ج1 ص222)؛ (وهذا الكلام المتشابه الذي يخدعون به جهال الناس، هو الذي يتضمن الألفاظ المتشابهة المجملة التي يعارضون بها نصوص الكتاب والسنة). اهـ
([10]) فحجية الفطرة: في الجملة، وأن الله تعالى فطر الخلق من صغرهم على الإسلام، وحجة الفطرة، هي: الحجة الثانية في خروجهم في الدنيا.
([11]) وحجية القرآن: على الإجمال والتفصيل معا في الحياة الدنيا، وحجية القرآن، هي: الحجة الثالثة في الدنيا.
([12]) وحجية الرسالة: على الإجمال والتفصيل معا في الحياة الدنيا، وحجة السنة، هي: الحجة الرابعة على الخلق.
([14]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج16 ص440 و441)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج3 ص97)، و«تفسير القرآن» ليحيى بن سلام (ج1 ص350)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج5 ص382)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج5 ص359)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص314).
([15]) وانظر: «تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج4 ص133)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج7 ص380)، و«المحرر الوجيز» لابن عطية (ج8 ص81)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج13 ص687).
([16]) وانظر: «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص140)، و«فتح القدير الجامع بين، فني الرواية والدراية، من علم التفسير» للشوكاني (ج2 ص152 و153)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج4 ص533)، و«إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم» لأبي السعود (ج3 ص289 و290)، و«تفسير القرآن» لابن جزي (ص230 و231)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص557 و558)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج2 ص231)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص465)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص90)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([18]) وانظر: «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص137)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([19]) وانظر: «إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم» لأبي السعود (ج3 ص289 و290 و291)، و«تفسير القرآن» لابن جزي (ص230 و231)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج7 ص293)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج1 ص311)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص488 و490)، و«أحكام أهل الذمة» له (ج2 ص562)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص111)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج15 ص44).
([21]) انظر: «تفسير القرآن» لابن جزي (ص 231)، و«تفسير القرآن» للمراغي (ج9 ص105)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج1 ص312).
([23]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج10 ص562 و564 و565)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج5 ص1614)، و«المحرر الوجيز» لابن عطية (ج4 ص86)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج8 ص239)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص133)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص465 و490)، و«أحكام أهل الذمة» له (ج2 ص562)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج3 ص312)، و«مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح» للقاري (ج1 ص160 و161)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص506)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج6 ص655)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص85 و86)، و«التذكرة بأحوال الموتى، وأمور الآخرة» للقرطبي (ج3 ص1044).
([27]) وانظر: «الروح» لابن القيم (ج2 ص311)، و«البرهان في علوم القرآن» للزركشي (ج2 ص76)، و«لباب التأويل» للخازن البغدادي (ج2 ص612)، و«تفسير القرآن» للمراغي (ج9 ص105)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج15 ص44).
([28]) وانظر: «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص562)، و«شفاء العليل» له (ص195)، و«الروح» له أيضا (ج2 ص488)، و«روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص133)، و«تفسير القرآن» للمراغي (ج9 ص105)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج2 ص231)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج1 ص312)، و«لباب التأويل» للخازن البغدادي (ج2 ص610 و612)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج4 ص532)، و«التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبي (ج3 ص1044)، و«نوادر الأصول» للحكيم الترمذي (ج1 ص310)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص89)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج15 ص44).
([30]) بفتح أوله، وثانيه؛ قال اللغوي ابن السكيت في «إصلاح المنطق» (ص132): (رجل أفقي، إذا أضفته إلى الآفاق. وبعضهم يقول: أفقي). اهـ
([31]) الآية وردت كذا في النسخ على قراءة: أبي عمرو، وبها قرأ: نافع، وابن عامر أيضا.
وانظر: «حجة القراءات» لابن زنجلة (ص301 و302)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج3 ص284).
([32]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1385) من حديث أبي هريرة t، وبلفظ آخر عنه؛ عند البخاري في «صحيحه» (1358)، ومسلم في «صحيحه» (2658).
([33]) وهذا فيه التنبيه على أن: «الميثاق» قد أخذ منهم، وهم في أصلاب الآباء، ولم يستودعوا في أرحام الأمهات.
([34]) وانظر: «روح المعاني» للآلوسي (ج9 ص134)، و«التبيان في إعراب القرآن» للعكبري (ج1 ص602)، و«مشكل إعراب القرآن» لمكي (ج1 ص306)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص489)، و«إرشاد العقل السليم» لأبي السعود (ج3 ص289)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج2 ص152)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج15 ص39)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج7 ص317).
([39]) وانظر: «لباب التأويل في معاني التنزيل» للخازن البغدادي (ج2ص611)، و«التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبي (ج3 ص1044)، و«روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص141).
([40]) وانظر: «لباب التأويل في معاني التنزيل» للخازن (ج2 ص610)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج4 ص534)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج4 ص225)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص474)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302 و303).
([41]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص86)، و«جامع البيان» للطبري (ج13 ص242 و243)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج6 ص653).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج5 ص1412)، والطبري في «جامع البيان» (ج9 ص650).
وإسناده صحيح.
([49]) فحجية الفطرة: في الجملة، وأن الله تعالى فطر الخلق من صغرهم على الإسلام، وحجة الفطرة، هي: الحجة الثانية في خروجهم في الدنيا.
([50]) وحجية القرآن: على الإجمال والتفصيل معا في الحياة الدنيا، وحجية القرآن، هي: الحجة الثالثة في الدنيا.
([51]) وحجية الرسالة: على الإجمال والتفصيل معا في الحياة الدنيا، وحجة السنة، هي: الحجة الرابعة على الخلق.
([53]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج16 ص440 و441)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج3 ص97)، و«تفسير القرآن» ليحيى بن سلام (ج1 ص350)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج5 ص382)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج5 ص359)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص314).
([54]) وانظر: «تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج4 ص133)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج7 ص380)، و«المحرر الوجيز» لابن عطية (ج8 ص81)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج13 ص687).
([55]) وانظر: «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص140)، و«فتح القدير الجامع بين، فني الرواية والدراية، من علم التفسير» للشوكاني (ج2 ص152 و153)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج4 ص533)، و«إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم» لأبي السعود (ج3 ص289 و290)، و«تفسير القرآن» لابن جزي (ص230 و231)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص557 و558)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج2 ص231)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص465)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص90)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([57]) وانظر: «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص137)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([58]) وانظر: «إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم» لأبي السعود (ج3 ص289 و290 و291)، و«تفسير القرآن» لابن جزي (ص230 و231)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج7 ص293)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج1 ص311)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص488 و490)، و«أحكام أهل الذمة» له (ج2 ص562)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص111)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج15 ص44).
([60]) انظر: «تفسير القرآن» لابن جزي (ص 231)، و«تفسير القرآن» للمراغي (ج9 ص105)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج1 ص312).
([61]) قال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص559): (الآثار في إخراج الذرية من ظهر آدم ... لا سبيل إلى ردها، وإنكارها، ويكفي وصولها إلى التابعين، فكيف بالصحابة؟ ومثلها: لا يقال بالرأي والتخمين). اهـ
([63]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج10 ص562 و564 و565)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج5 ص1614)، و«المحرر الوجيز» لابن عطية (ج4 ص86)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج8 ص239)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص133)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص465 و490)، و«أحكام أهل الذمة» له (ج2 ص562)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج3 ص312)، و«مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح» للقاري (ج1 ص160 و161)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص506)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج6 ص655)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص85 و86)، و«التذكرة بأحوال الموتى، وأمور الآخرة» للقرطبي (ج3 ص1044).
([67]) وانظر: «الروح» لابن القيم (ج2 ص311)، و«البرهان في علوم القرآن» للزركشي (ج2 ص76)، و«لباب التأويل» للخازن البغدادي (ج2 ص612)، و«تفسير القرآن» للمراغي (ج9 ص105)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج15 ص44).
([68]) وانظر: «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص562)، و«شفاء العليل» له (ص195)، و«الروح» له أيضا (ج2 ص488)، و«روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص133)، و«تفسير القرآن» للمراغي (ج9 ص105)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج2 ص231)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج1 ص312)، و«لباب التأويل» للخازن البغدادي (ج2 ص610 و612)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج4 ص532)، و«التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبي (ج3 ص1044)، و«نوادر الأصول» للحكيم الترمذي (ج1 ص310)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص89)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج15 ص44).
([70]) بفتح أوله، وثانيه؛ قال اللغوي ابن السكيت في «إصلاح المنطق» (ص132): (رجل أفقي، إذا أضفته إلى الآفاق. وبعضهم يقول: أفقي). اهـ
([71]) الآية وردت كذا في النسخ على قراءة: أبي عمرو، وبها قرأ: نافع، وابن عامر أيضا.
وانظر: «حجة القراءات» لابن زنجلة (ص301 و302)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج3 ص284).
([72]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1385) من حديث أبي هريرة t، وبلفظ آخر عنه؛ عند البخاري في «صحيحه» (1358)، ومسلم في «صحيحه» (2658).
([73]) وهذا فيه التنبيه على أن: «الميثاق» قد أخذ منهم، وهم في أصلاب الآباء، ولم يستودعوا في أرحام الأمهات.
([74]) وانظر: «روح المعاني» للآلوسي (ج9 ص134)، و«التبيان في إعراب القرآن» للعكبري (ج1 ص602)، و«مشكل إعراب القرآن» لمكي (ج1 ص306)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص489)، و«إرشاد العقل السليم» لأبي السعود (ج3 ص289)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج2 ص152)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج15 ص39)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج7 ص317).
([79]) حديث حسن، وهو موافق للأصول في الفطرة على الربوبية.
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج6 ص94)، وفي «العلل الكبير» (ج2 ص917)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج3 ص1)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص423 و424)، وابن أبي عاصم في «السنة» (2355)، والطبراني في «المعجم الكبير» (3551)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج12 ص367 و368)، والبزار في «المسند» (3579).
وقال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من غير هذا الوجه».
وانظر: «تحفة الأشراف» للمزي (ج8 ص175)، و«تهذيب الكمال» له (ج12 ص367).
([80]) والفطرة: هي ضرورة من ناحية العقل، واستدلال من ناحية الحس.
* فإن العقل السليم من الآفة، البريء من العاهة، يحث على الاعتراف بالله تعالى وحده لا شريك له.
* فالله تعالى: معروف عند العقل بالاضطرار، لا ريب عنده في وجوده، ومستدل عليه عند الحس.
وانظر: «محاسن التأويل» للقاسمي (ج7 ص299).
([81]) وانظر: «لباب التأويل في معاني التنزيل» للخازن البغدادي (ج2ص611)، و«التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبي (ج3 ص1044)، و«روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص141).
([82]) وانظر: «لباب التأويل في معاني التنزيل» للخازن (ج2 ص610)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج4 ص534)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج4 ص225)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص474)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302 و303).
([83]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص86)، و«جامع البيان» للطبري (ج13 ص242 و243)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج6 ص653).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج5 ص1412)، والطبري في «جامع البيان» (ج9 ص650).
وإسناده صحيح.
([91]) وانظر: «فتح القدير» للشوكاني (ج2 ص152 و153)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج9 ص140)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص231)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص90)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117).
([92]) لذلك؛ يكفي لإقامة الحجة على الناس، بالميثاق، والفطرة، على الإجمال، فلا يأتي أي جاهل في الدنيا والآخرة، ثم يقول: أنا لا أدري، أنا كنت من أهل الغفلة عن ذلك.
([93]) فأما نطقهم: فليس في شيء من الأحاديث، التي فيها أنهم أخرجوا من صلب آدم عليه السلام، أو مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذريته، واستنطقهم، وأنهم كهيئة الذر، ثم ردوا في صلبه، وغير ذلك من الألفاظ، فلا تقوم بها الحجة، ولا تصح أسانيدها كلها.
وانظر: «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص559).
* قال ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص473): (وهذا الإسناد، يروى به أشياء منكرة جدا، مرفوعة، وموقوفة). اهـ
([98]) وانظر: «تفسير القرآن» للمراغي (ج9 ص105)، و«تفسير القرآن» للخازن البغدادي (ج2 ص612)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج9 ص145).
([102]) وانظر: «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج7 ص314)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج1 ص310 و311)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج2 ص264).
([105]) والفطرة: ما يقلب الله تعالى، قلوب الخلق إليه، مما يريد، ويشاء، من التوحيد وغيره.
* فإذا أراد العبد: الإيمان بالتوحيد، فيكون مؤمنا، حتى يموت على الإيمان والتوحيد.
* وقد يشرك، ويريد الكفر، ثم لا يزال على كفره حتى يموت على الشرك والكفر، بسبب جهله بالتوحيد.
([106]) وهم: «المعتزلة»، فقد أنكروا: «حجة الميثاق»، فمن أنكر: «حجة الميثاق» على الخلق، فقد وافق المعتزلة.
([107]) فمن أنكر قيام الحجة بالميثاق، فقد وافق أهل البدع، ونطق بمقالتهم في مخالفة: الكتاب، والسنة، والإجماع، فأنى يفلح في حياته، وهو يوافق المبتدعة.
([111]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1359)، و(1385)، و(4775)، و(6599)، و(6600)، ومسلم في «صحيحه» (2658)، والترمذي في «سننه» (2274)، و(2275)، وأحمد في «المسند» (7181)، و(7445)، ومالك في «الموطأ» (ج1 ص241)، وأبو داود في «سننه» (4714)، وابن حبان في «صحيحه» (128)، و(133).
([114]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (3334)، و(6557)، ومسلم في «صحيحه» (2805)، وأحمد في «المسند» (ج19 ص302)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج8 ص239).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص559)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص93)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص720).
وإسناده صحيح.
([118]) وانظر: «الروح» لابن القيم (ج2 ص476)، و«التفسير البسيط» للواحدي (ج9 ص448)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([119]) وانظر: «لباب التأويل» للخازن (ج2 ص610)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج4 ص534)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج4 ص225)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص474)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302 و303).
([120]) وانظر: «التفسير البسيط» للواحدي (ج9 ص449)، و«تفسير القرآن» للخازن (ج2 ص268)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص479).
([121]) في الأصول: (ذرياتهم)؛ على الجمع، وهي قراءة: أبي عمرو، ونافع، وابن عامر، وقرأ: ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي: ] ذريتهم [؛ على التوحيد.
انظر: «حجة القراءات» لابن زنجلة (ص301 و302)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج3 ص284).
([126]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (2865)، والنسائي في «فضائل القرآن» (ص104)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص162 و266)، والطيالسي في «المسند» (1079).
([127]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص73)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج3 ص71)، و(ج7 ص400)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص531).
([128]) فأخذ سبحانه منهم: الميثاق، أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن تيمية (ج3 ص222)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص564 و565)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص527 و528)، و«الكلام في مسألة السماع» له (ص383 و385).
([130]) أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص162 و266)، ومسلم في «صحيحه» (ج5 ص716)، وأبو داود الطيالسي في «المسند» (1079)، والنسائي في «فضائل القرآن» (ص104).
([131]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (2165)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص162)، وعبد الرزاق في «المصنف» (2088)، والحربي في «غريب الحديث» (ج1 ص111)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (549)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج7 ص987)، وابن حبان في «صحيحه» (653)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص73) من حديث عياض المجاشعي t.
([135]) وانظر: «مشكل الآثار» للطحاوي (ج4 ص15 و17)، و«القضاء والقدر» للبيهقي (ج3 ص866)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج8 ص372)، و«التحرير في شرح مسلم» للأصبهاني (ص604 و605)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص359).
([136]) والفطرة: في الحقيقة أيضا، أتت تصديقا لما جاء في: «الميثاق الأول»، من إقرار العباد: بوحدانية الله تعالى، في ألوهيته، وربوبيته.
([140]) انظر: «معالم التنزيل» للبغوي (ج2 ص568)؛ و«معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول» للحكمي (ج1 ص90 و91).
([143]) وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج2 ص264)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج3 ص286)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص482 و483).
([144]) وانظر: «العين» للخليل (ج7 ص418)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص55 و58)، و«المصباح المنير» للفيومي (ج2 ص476 و477)، و«جامع البيان» للطبري (ج11 ص283)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج3 ص2802)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ص481).
([145]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج4 ص245 و247)، و«درء تعارض العقل والنقل» له (ج8 ص367 و371 و373)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص72)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص248)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص535)، و«شفاء العليل» له (ص285)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج14 ص26)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص193)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج3 ص2805)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص386).
([146]) قلت: رغم أن الحجة تقوم على العباد، بحجة: «الميثاق»، و«الفطرة» التي فطروا عليها، والآيات العظام، التي أودعها الله في هذا الكون والآفاق، من آيات بينات باهرات، الدالة على وحدانيته سبحانه وتعالى، إلا أن رحمة الله تعالى على العباد أن أرسل إليهم: الرسل عليهم السلام، لتذكيرهم، ونذارتهم، وتعليمهم، وذلك لتأكيد قيام الحجة عليهم في الجملة، وفي التفصيل.
([147]) وانظر: «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص140)، و«فتح القدير الجامع بين، فني الرواية والدراية، من علم التفسير» للشوكاني (ج2 ص152 و153)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج4 ص533)، و«إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم» لأبي السعود (ج3 ص289 و290)، و«تفسير القرآن» لابن جزي (ص230 و231)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص557 و558)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج2 ص231)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص465)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص90)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([149]) وانظر: «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص137)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([150]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج6 ص565)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسنجاري (ص314)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص261)، و«مشكل الآثار» للطحاوي (ج4 ص11)، و«الحجة في بيان المحجة» للأصبهاني (ج2 ص34 و42)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج14 ص24 و30)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص56 و58)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج4 ص224).
([151]) وانظر: «الروح» لابن القيم (ج2 ص311)، و«البرهان في علوم القرآن» للزركشي (ج2 ص76)، و«لباب التأويل» للخازن البغدادي (ج2 ص612)، و«تفسير القرآن» للمراغي (ج9 ص105)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج15 ص44).
([152]) وانظر: «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص562)، و«شفاء العليل» له (ص195)، و«الروح» له أيضا (ج2 ص488)، و«روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص133)، و«تفسير القرآن» للمراغي (ج9 ص105)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج2 ص231)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج1 ص312)، و«لباب التأويل» للخازن البغدادي (ج2 ص610 و612)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج4 ص532)، و«التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبي (ج3 ص1044)، و«نوادر الأصول» للحكيم الترمذي (ج1 ص310)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص89)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج15 ص44).
([154]) الآية وردت كذا في النسخ على قراءة: أبي عمرو، وبها قرأ: نافع، وابن عامر أيضا.
وانظر: «حجة القراءات» لابن زنجلة (ص301 و302)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج3 ص284).
([155]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1385) من حديث أبي هريرة t، وبلفظ آخر عنه؛ عند البخاري في «صحيحه» (1358)، ومسلم في «صحيحه» (2658).
([160]) حديث حسن، وهو موافق للأصول في الفطرة على الربوبية.
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج6 ص94)، وفي «العلل الكبير» (ج2 ص917)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج3 ص1)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص423 و424)، وابن أبي عاصم في «السنة» (2355)، والطبراني في «المعجم الكبير» (3551)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج12 ص367 و368)، والبزار في «المسند» (3579).
وقال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من غير هذا الوجه».
وانظر: «تحفة الأشراف» للمزي (ج8 ص175)، و«تهذيب الكمال» له (ج12 ص367).
([161]) والفطرة: هي ضرورة من ناحية العقل، واستدلال من ناحية الحس.
* فإن العقل السليم من الآفة، البريء من العاهة، يحث على الاعتراف بالله تعالى وحده لا شريك له.
* فالله تعالى: معروف عند العقل بالاضطرار، لا ريب عنده في وجوده، ومستدل عليه عند الحس.
وانظر: «محاسن التأويل» للقاسمي (ج7 ص299).
([162]) وانظر: «لباب التأويل في معاني التنزيل» للخازن البغدادي (ج2ص611)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص90 و91)، و«التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبي (ج3 ص1044)، و«روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص141)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص359 و360)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسنجاري (ص314)، و«تهذيب السنن» لابن القيم (ج12 ص316 و319)، و«فتح الباري» لابن حجر (ص292 و293)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص73 و95).
([163]) وانظر: «لباب التأويل في معاني التنزيل» للخازن (ج2 ص610)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج4 ص534)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج4 ص225)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص474)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302 و303).
([164]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص86)، و«جامع البيان» للطبري (ج13 ص242 و243)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج6 ص653).
([171]) وانظر: «فتح القدير» للشوكاني (ج2 ص152 و153)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج9 ص140)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص231)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص90)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117).
([172]) لذلك؛ يكفي لإقامة الحجة على الناس، بالميثاق، والفطرة، على الإجمال، فلا يأتي أي جاهل في الدنيا والآخرة، ثم يقول: أنا لا أدري، أنا كنت من أهل الغفلة عن ذلك.
([173]) فأما نطقهم: فليس في شيء من الأحاديث، التي فيها أنهم أخرجوا من صلب آدم عليه السلام، أو مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذريته، واستنطقهم، وأنهم كهيئة الذر، ثم ردوا في صلبه، وغير ذلك من الألفاظ، فلا تقوم بها الحجة، ولا تصح أسانيدها كلها.
وانظر: «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص559).
* قال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص473): (وهذا الإسناد، يروى به أشياء منكرة جدا، مرفوعة، وموقوفة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء التعارض» (ج8 ص482): (من الناس من يقول: هذا الإشهاد كان لما استخرجوا من صلب آدم، كما نقل ذلك عن طائفة من السلف، ورواه بعضهم: مرفوعا إلى النبي r، وقد ذكره الحاكم، لكن رفعه: ضعيف). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج2 ص264)؛ في حديث: ابن عباس، وحديث ابن عمر: (وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص559): (وأما الآثار التي فيها أنه استنطقهم، وأشهدهم، وخاطبهم فهي بين موقوفة، ومرفوعة لا يصح إسنادها). اهـ
([174]) وانظر: «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص561)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص73 و95)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص90 و91)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص359 و360)، و«الفتاوى» له (ج4 ص245 و247)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص248)، و«معالم السنن» للخطابي (ج5 ص88)، و«العين» للخليل (ج7 ص228)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص55 و58)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسنجاري (ص314).
([176]) والفطرة: ما يقلب الله تعالى، قلوب الخلق إليه، مما يريد، ويشاء، من التوحيد وغيره.
* فإذا أراد العبد: الإيمان بالتوحيد، فيكون مؤمنا، حتى يموت على الإيمان والتوحيد.
* وقد يشرك، ويريد الكفر، ثم لا يزال على كفره حتى يموت على الشرك والكفر، بسبب جهله بالتوحيد.
([177]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1359)، و(1385)، و(4775)، و(6599)، و(6600)، ومسلم في «صحيحه» (2658)، والترمذي في «سننه» (2274)، و(2275)، وأحمد في «المسند» (7181)، و(7445)، ومالك في «الموطأ» (ج1 ص241)، وأبو داود في «سننه» (4714)، وابن حبان في «صحيحه» (128)، و(133).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص559)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص93)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص720).
وإسناده صحيح.
وذكره أبو القاسم الأصبهاني في «شرح صحيح البخاري» (ج3 ص283).
([182]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (2865)، والنسائي في «فضائل القرآن» (ص104)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص162 و266)، والطيالسي في «المسند» (1079).
([183]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص73)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج3 ص71)، و(ج7 ص400)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص531).
([184]) فأخذ سبحانه منهم: الميثاق، أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن تيمية (ج3 ص222)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص564 و565)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص527 و528)، و«الكلام في مسألة السماع» له (ص383 و385)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص73 و95)، و«غريب الحديث» له (ج1 ص350)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص208)، و«العين» للخليل (ج7 ص418)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص55 و58)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسنجاري (ص314)، و«مشكل الآثار» للطحاوي (ج4 ص11)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج14 ص24 و30)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص370)، و«الحجة في بيان المحجة» للأصبهاني (ج2 ص34)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج1 ص33 و35).
([186]) أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص162 و266)، ومسلم في «صحيحه» (ج5 ص716)، وأبو داود الطيالسي في «المسند» (1079)، والنسائي في «فضائل القرآن» (ص104).
([190]) وانظر: «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص261)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسنجاري (ص313)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (ج4 ص373)، و«غريب الحديث» للحربي (ج1 ص11)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص73)، و«الاستذكار» له (ج3 ص101)، و«مشكل الآثار» للطحاوي (ج4 ص11)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج14 ص319)، و«الحجة» للأصبهاني (ج2 ص41)، و«التحرير في شرح مسلم» له (ص604)، و«شرح صحيح البخاري» له أيضا (ج3 ص283)، و«أعلام الحديث» للخطابي (ج1 ص716)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص359)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص250).
([191]) انظر: «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص422)، و«شرح السنة» للبغوي (ج1 ص157)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص208)، و«شفاء العليل» لابن القيم (ص597 و603 و632)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص249)، و«الرسالة الوافية» للداني (ص227)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص59)، و«الاستذكار» له (ج8 ص378).
([195]) وكل هذه الأقوال بمعنى واحد، وتفسير الفطرة بالإسلام: أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج21 ص40 و41)؛ عن جماعة من السلف، وجزم به البخاري في «صحيحه» (ج8 ص512)، وعليه جمع العلماء، كما ذكر ذلك ابن حجر في «فتح الباري» (ج3 ص248).
([196]) وانظر: «شفاء العليل» لابن القيم (ج2 ص777 و786 و780 و811)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج1 ص716 و717 و718)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص68)، و«الاستذكار» له (ج3 ص101)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص361)، و«السنة» للخلال (ج1 ص448 و449)، و«التحرير في شرح مسلم» للأصبهاني (ص604)، و«أعلام الحديث» للخطابي (ج1 ص716)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص350).
([197]) وانظر: «توفيق رب البرية في حل المسائل القدرية» للغامدي (ص277)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج4 ص245 و248)، و«درء تعارض العقل والنقل» له (ج8 ص371 و377)، و«رسالته: في الكلام على الفطرة» (ج1 ص317)، و«تهذيب السنن» لابن القيم (ج12 ص316 و319)، و«شفاء العليل» له (ص283 و302)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص292 و293)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج4 ص224)، و«الحجة في بيان المحجة» للأصبهاني (ج2 ص34 و42)، و«شرح صحيح البخاري» له (ج3 ص283)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص370)، و«المنهاج» للنووي (ج16 ص208)، و«أعلام الحديث» للخطابي (ج1 ص716).
([198]) وانظر: «شفاء العليل في مسائل: القضاء والقدر، والحكمة والتعليل» لابن القيم (ج2 ص775 و776)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص56)، و«المنهاج» للنووي (ج16 ص208)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج14 ص24 و30)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (ج2 ص21 و22)، و«معالم السنن» للخطابي (ج7 ص83 و88)، و«الحجة في بيان المحجة» للأصبهاني (ج2 ص34 و42)، و«التحرير في شرح مسلم» له (ص604)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج1 ص33 و35).
([199]) وانظر: «شفاء العليل» لابن القيم (ص597 و598 و603 و604)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسنجاري (ص314)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص261)، و«غريب الحديث» له (ج1 ص350 و351)، و«غريب الحديث» للحربي (ج1 ص111)، و«التحرير في شرح مسلم» للأصبهاني (ص604)، و«الحجة» له (ج2 ص41)، و«شرح صحيح البخاري» له أيضا (ج3 ص283)، و«أعلام الحديث» للخطابي (ج1 ص716)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص359)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص250)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج3 ص101).