الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / النقض الفريد على عبيد بن عبد الله الجابري العنيد فيما افتراه على الله تعالى في إيمان العبيد
النقض الفريد على عبيد بن عبد الله الجابري العنيد فيما افتراه على الله تعالى في إيمان العبيد
سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية
|
ب
|
النقض الفريد
على عبيد بن عبد الله الجابري العنيد
فيما افتراه على الله تعالى في إيمان العبيد
تأليف:
العلامة المحدث الفقيه
فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه وجعل الجنة مثواه
وثيقة:
في ضلالات عبيد الجابري
في
مسائل الإيمان
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
الإمام ابن رجب / على أن قول جمهور العلماء:
على تكفير تارك الصلاة، وهذا فيه زجر لـ«عبيد الجابري»
الذي يقول بتقليد منه للمقلدة: أنه يقول جمهور العلماء على عدم تكفير تارك الصلاة، وأنه يعتبر من المرجئة في هذا العصر
قال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص21): (وكثير من علماء أهل الحديث([1]): يرى تكفير تارك الصلاة، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا([2]) منهم، حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة). اهـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر يا كريم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران:102].
]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].
]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 -71].
أما بعد...
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن من أصول عقيدة أهل الحديث والسنة: أن الإيمان قول وعمل... قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.([3])
* وإليك الدليل من الكتاب الكريم على قول اللسان:
قال تعالى: ]إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور[ [فاطر: 29].
وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا[ [الأحزاب: 41].
وقال تعالى: ]قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا[ [البقرة: 136].
* وهذه الآيات القرآنية وغيرها تبين عمل اللسان الذي أمر الله تعالى به عباده، وهذه الأعمال تؤدى باللسان من النطق بالشهادتين، والإقرار بلوازمها، وتلاوة القرآن، وسائر الأذكار من التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، والدعاء، والاستغفار، والدعوة إلى الله تعالى وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى باللسان؛ فهذا كله من الإيمان.([4])
* وإليك الدليل من الكتاب الكريم على اعتقاد القلب:
قال تعالى: ]والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون (33) لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين[ [الزمر: 33-34].
وقال تعالى: ]ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه[ [الأنعام: 52].
وقال تعالى: ]وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين[ [الأنعام: 75].
* وهذه الآيات القرآنية وغيرها تبين عمل القلب الذي أمر الله تعالى به عباده، وهذه الأعمال تؤدى بالقلب من نية، وإخلاص، وإذعان، وخضوع، وانقياد، وتوكل، وخشية، وتعظيم، ومحبة، وإرادة، وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى بالقلب؛ فهذا كله من الإيمان.([5])
* وإليك الدليل من الكتاب الكريم على عمل الجوارح:
قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون (77) وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم[ [الحج: 77 -78].
وقال تعالى: ]قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2) والذين هم عن اللغو معرضون (3) والذين هم للزكاة فاعلون[ [المؤمنون: 1-4].
وقال تعالى: ]إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا[ [الكهف: 107].
* وهذه الآيات القرآنية وغيرها تبين عمل الجوارح الذي أمر الله تعالى به عباده، وهذه الأعمال تؤدى بالجوارح من صلاة، وصيام، وحج، وصدقات، وجهاد، وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى بالجوارح؛ فهذا كله من الإيمان.([6])
* وإليك الدليل من السنة النبوية على قول اللسان:
(1) عن ابن عمر ﭭ أن رسول الله r قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ... الحديث).([7])
(2) وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ... الحديث).([8])
(3) وعن سفيان بن عبد الله t قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك، قال (قل: آمنت بالله ثم استقم).([9])
* فهذه الأحاديث النبوية وغيرها تبين قول اللسان، الذي أمر رسول الله r به العباد، وهذا القول يؤدى باللسان، وهو من الإيمان.([10])
* وإليك الدليل من السنة النبوية على اعتقاد أو عمل القلب:
(1) عن أبي سعيد الخدري t عن النبي r قال: (يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، وفي رواية: (من خردل من خير).([11])
(2) وعن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).([12])
(3) وعن عمر بن الخطاب t قال سمعت رسول الله r يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه). ([13])
(4) وعن أبي سعيد الخدري t قال سمعت رسول r يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).([14])
* فهذه الأحاديث النبوية وغيرها تبين اعتقاد القلب، الذي أمر رسول الله r به العباد، وهذا الاعتقاد يؤدى بالقلب، وهو من الإيمان.([15])
* وإليك الدليل من السنة النبوية على عمل الجوارح:
(1) عن ابن عمر ﭭ قال سمعت رسول الله r يقول: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان).([16])
(2) وعن جابر بن عبدالله ﭭ: أن رجلا سأل رسول الله r فقال: (أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا، أدخل الجنة؟ قال نعم).([17])
(3) وعن أبي هريرة t أن رسول الله r سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: (إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور).([18])
* فهذه الأحاديث النبوية وغيرها تبين عمل الجوارح، الذي أمر رسول الله r به العباد، وهذا العمل يؤدى بالجوارح، وهو من الإيمان.([19])
* فهذه هي الأدلة من الكتاب الكريم والسنة النبوية التي تدل على أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح.([20])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص128): (بل القرآن والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق، وهذا في القرآن أكثر بكثير من معنى الصلاة والزكاة، فإن تلك إنما فسرتها السنة، والإيمان بين معناه الكتاب والسنة وإجماع السلف). اهـ
* وقد أجمع السلف الصالح على أن الإيمان: قول وعمل... قول اللسان، واعتقاد القلب، وعمل الجوارح.
قال الإمام الشافعي / في كتاب «الأم»: (كان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم، يقولون: أن الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر).([21])
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج3 ص19): (فهذه الأصول الستة([22]): هي أصول الدين كله، هي أصول إسلامنا وديننا كله، فمن أتى بها مع الأعمال الظاهرة: صار مسلما مؤمنا، ومن لم يأت بها؛ فلا إسلام له، ولا إيمان له).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدرب» (ج1 ص49): (وعليه أيضا: مع هاتين الشهادتين؛ أن يؤدي الفرائض؛ فعليه أن يؤدي الصلوات الخمس، وعليه أن يؤدي الزكاة، وعليه أن يصوم رمضان، وعليه أن يحج البيت، وعليه أن يؤدي كل ما فرضه الله تعالى عليه، فلا بد من هذا.
* ولا بد من تجنبه ما حرم الله تعالى عليه، فإن أتى بناقض من نواقض الإسلام كفر، ولو أتى بالشهادتين، فإن المنافقين يقولون الشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، لكنهم في الباطن يكذبون؛ يكذبون الرسول r، ويكذبون الله تعالى فيما قال،: فصاروا كفارا في الدرك الأسفل من النار). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «التلخيص» (ج2 ص554): (... أن الأعمال من الإيمان). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبدالوهاب / في «كشف الشبهات» (ص86): (لا خلاف: أن التوحيد، لا بد أن يكون: بالقلب، واللسان، والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما). اهـ
قلت: وبعد أن اتضح لنا رأي أهل السنة والجماعة في حقيقة الإيمان القائل: بتركبه من أمور ثلاثة: تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، واتفاقهم جميعا على هذا الاعتقاد، ولم يخالفهم أحد من السلف والخلف؛ إلا الذين مالوا عن الحق في هذا الاعتقاد، وجانبوا الصواب، وهم المرجئة الضلال.
* والمرجئة واحدة([23]): من الفرق الضالة التي اشتهرت بقولها في الإيمان، ومخالفتها لما عليه أهل السنة والجماعة في هذا الاعتقاد.
وسبب تسمية هذه الفرقة بالمرجئة: لتأخيرهم الأعمال عن مسمى الإيمان.
والإرجاء معناه: التأخير، يقال أرجأ الأمر: أخره.([24])
* ومنه قوله تعالى: ]قالوا أرجه وأخاه[ [الأعراف:111]؛ أي: أمهله وأخره؛ وقوله تعالى: ]وآخرون مرجون لأمر الله[ [التوبة:106]؛ أي: مؤخرون حتى ينزل الله فيهم ما يريد، ومنه سميت المرجئة.([25])
* ويقال للرجل المنتسب إليها، هذا رجل مرجئ، وهم: المرجئة، وإن شئت قلت: مرج، وهم: المرجئة.
قال الأزهري اللغوي / في «معجم تهذيب اللغة» (ج2 ص1362): (... إنما قيل لهذه العصابة مرجئة، لأنهم قدموا القول، وأرجئوا العمل؛ أي: أخروه). اهـ
وقال الفيومي اللغوي / في «المصباح المنير» (ص12): (المرجئة: طائفة يرجئون الأعمال أي يؤخرونها فلا يرتبون عليها ثوابا، ولا عقابا، بل يقولون: (المؤمن يستحق الجنة بالإيمان، دون بقية الطاعات، والكافر يستحق النار بالكفر، دون بقية المعاصي). اهـ
وقال الرازي اللغوي / في «مختار الصحاح» (ص100): (أرجيت: الأمر أخرته، وقرئ ]وآخرون مرجون لأمر الله[ و]قالوا أرجه وأخاه[؛ فإذا وصفت به قلت رجل! «مرج»، وقوم: «مرجئة»، فإذا نسبت إليه، قلت: رجل: «مرجي»، بالتشديد). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص459): (فالإرجاء: بمعنى: التأخير...). اهـ
وقال المؤرخ الشهرستاني / في «الملل والنحل» (ج1 ص139): (الإرجاء على معنيين: أحدهما: التأخير، كما في قوله تعالى: ]قالوا أرجه وأخاه[؛ أي: أمهله وأخره.
والثاني: إعطاء الرجاء، أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد.
* وأما بالمعنى الثاني فظاهر، فإنهم: كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية؛ كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وقيل: الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه بحكم: «ما»، في الدنيا، من كونه من أهل الجنة، أو من أهل النار، فعلى هذا المرجئة، والوعيدية: فرقتان متقابلتان). اهـ
قلت: هذا وقد درج أهل السنة والجماعة على تسمية كل من أخر العمل عن الركنية في الإيمان مرجئا.
وقد حصر شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص163): -أصناف المرجئة: بقوله-: (والمرجئة ثلاثة أصناف: الذين يقولون الإيمان مجرد ما في القلب، ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب، وهم أكثر فرق المرجئة). اهـ
قلت: ولم تعد المرجئة فرقة مستقلة لها مدارس، لكنها تفرقت بين الفرق والمذاهب، وقال بها أناس متفرقون من أهل الكلام والفقهاء، وعليها الأشاعرة، والماتريدية إلى اليوم، والمرجئة عند الإطلاق أصبحت؛ تعنى: بمرجئة الفقهاء، والأشاعرة، والماتريدية، وصارت ضمن أصولهم الثابتة.
* وأهل الإرجاء في الأصل أربعة أصناف من الطوائف كما بين أهل العلم، الذين يؤخرون الأعمال عن مسمى الإيمان:
الطائفة الأولى: المرجئة الغالية؛ وهم «الجهمية»، الذين يقولون بأن الإيمان مجرد المعرفة بالقلب، ولو لم يحصل عمل ولا تصديق.
الطائفة الثانية: «الأشاعرة»؛ الذين يقولون بأن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط.
الطائفة الثالثة: «الكرامية»، الذين يقولون بأن، الإيمان قول باللسان دون التصديق بالقلب؛ أي: حصروا الإيمان بالقول فقط.
الطائفة الرابعة: هم، «مرجئة الفقهاء»؛ وهم: أخف([26]) الفرق في الإرجاء الذين يقولون بأن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب دون عمل الجوارح.
* ونذكر طائفة خامسة؛ وهم: «المرجئة العصرية»([27])، وهم: أخف([28]) من سابقتها في الإرجاء في الجملة خرجت في هذا العصر.
يقولون بقول غريب محدث: وهو بأن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، دون العمل في الحقيقة، أي أثبتوا إمكان وجود إيمان في القلب، ولو لم يظهر أي عمل على الجوارح([29]) لأنهم يقولون: العمل شرط كمال في الإيمان، وبعضهم يقول شرط صحة في الإيمان وغير ذلك([30])، وهذا هو قول المرجئة على الحقيقة الذين أرجئوا العمل عن الإيمان.([31])([32])
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (المرجئة أربع طوائف:
الطائفة الأولى: غلاة المرجئة، وهم هؤلاء الجهمية الذين يقولون: الإيمان مجرد المعرفة.
الطائفة الثانية: الأشاعرة وهم الذين يقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، ولو لم ينطق بلسانه لا مجرد المعرفة.
الطائفة الثالثة: الكرامية الذين يقولون: إن الإيمان هو النطق باللسان، ولو لم يعتقد بقلبه.
الطائفة الرابعة: مرجئة الفقهاء الذين يقولون: الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب، ولا تدخل الأعمال في حقيقة الإيمان.
وهناك خامسة([33]): ظهرت الآن وهم الذين يقولون: إن الأعمال شرط في كمال الإيمان الواجب، أو الكمال المستحب).([34]) اهـ
قلت: هذه خلاصة الأقوال في الإيمان، ومنها يتبين أن ضلال الفرق في مسألة الإيمان يتفاوت؛ فأبعدهم عن الحق: «الجهمية»، ثم ما آل إليه مذهب: «الأشاعرة» من مناصرة: «الجهم»، ثم: «الماتريدية»، «فالكلابية»، «فالمرجئة الفقهاء»، وبعدها: «المرجئة العصرية».
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «مسائل الإيمان» (ص20): (خلاف مرجئة الفقهاء: مع جمهور أهل السنة، هو: اختلاف في عمل الجوارح، العمل الظاهر؛ كالصلاة، والصيام، والحج، فهم يقولون: إنه ليس من الإيمان، وإنما شرط كمال، وهذا قول غير صحيح كما عرفنا). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عن «المرجئة الخامسة»: (لأنهم يقولون: العمل شرط صحة للإيمان([35])، وبعضهم يقول شرط كمال ... ).([36]) اهـ
* وسئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: هناك من يقول الإيمان قول، واعتقاد وعمل، لكن العمل شرط كمال فيه، ويقول أيضا لا كفر إلا باعتقاد. فهل هذا القول من أقوال أهل السنة والجماعة أم لا؟.
* فأجاب فضيلته: (الذي يقول هذا ما فهم الإيمان، ولا فهم العقيدة ... وقوله: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد ثم يقول: إن العمل شرط في كمال الإيمان وفي صحته، هذا تناقض كيف يقول العمل من الإيمان ثم يقول العمل شرط؟!.
ومعلوم أن الشرط يكون خارج المشروط، والعمل داخل عند أهل السنة في الإيمان لا خارج عنه، فهذا تناقض منه.
* فهذا يريد أن يجمع بين قول السلف، وقول المتأخرين، وهو لا يفهم التناقض، لأنه لا يعرف قول السلف، ولا يعرف حقيقة قول المتأخرين، فأراد أن يدمج بعضها ببعض، فالإيمان قول، وعمل، واعتقاد، والعمل هو من الإيمان، وجزء منه، وليس هو شرطا من شروط صحة الإيمان، أو شرط كمال، أو غير ذلك من هذه الأقوال التي يروجونها الآن.
فالإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، وهو يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
هذا ما درج عليه أهل السنة والجماعة قديما وحديثا؛ خلافا للمرجئة). ([37]) اهـ
* وسئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي: خرج بعض المعاصرين بقول جديد في الإيمان، وقال: إن العمل شرط كمال في الإيمان، وليس شرط صحة، فهل هذا صحيح؟.
فأجاب: (قوله: إن الإيمان شرط كمال، أو شرط صحة لا أعلم له أصلا ... جمهور أهل السنة يقولون: الإيمان قول باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالقلب، وعمل بالجوارح، وقالوا: الإيمان عمل ونية يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، فالعمل جزء من الإيمان... والمرجئة يقولون: الأعمال ليست من الإيمان، ولكنها دليل على الإيمان، أو هي مقتضى الإيمان، أو هي ثمرة الإيمان.
* أما القول بأن العمل شرط كمال، أو شرط صحة لا أعلم له أصلا لا من قول المرجئة، ولا من قول جمهور أهل السنة، بل قد يقال: إنه يوافق مذهب المرجئة من جهة أنهم أخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان.
فالذي يقول: إن العمل شرط كمال، أو شرط صحة، نقول له: هذا مذهب المرجئة لأنك أخرجت الأعمال عن مسمى الإيمان.
* فإما أن تقول: العمل داخل في مسمى الإيمان، أو جزء من الإيمان وتوافق أهل السنة، أو تقول: إن الأعمال ليست من الإيمان فتوافق المرجئة سواء قلت: هو شرط كمال، أو شرط صحة، أو دليل على الإيمان، أو مقتضى الإيمان، أو ثمرة الإيمان، فكل من أخرج العمل من الإيمان، فهو من المرجئة).([38]) اهـ
وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي: (المرجئة يقولون: لا يمكن إيمان إلا بعمل؛ لأن العمل ثمرة الإيمان، ومع ذلك صاروا مرجئة ... فمن أخرج العمل من مسمى الإيمان، فهو من المرجئة).([39]) اهـ
وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي: (الإيمان: قول باللسان، وقول بالقلب، وعمل القلب، وعمل بالجوارح، كما سبق، ولا يقال: إنها شرط كمال، أو أنها خارجة عن الإيمان، أو أنها لازم من لوازم الإيمان، أو من مقتضى الإيمان، أو هي دليل على الإيمان؛ إذ كل هذه من أقوال المرجئة).([40]) اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (الإرجاء معناه: أنه تأخير الأعمال عن حقيقة الإيمان؛ فلا مدخل لها في حقيقة الإيمان.
والكفر عندهم هو التكذيب، إذا كذب بربوبية الله، أو بالرسالة فهو كافر، والإيمان عندهم هو التصديق فقط.
* وأما الأعمال فلا تدخل في حقيقة الإيمان، فلو سجد لصنم، أو سب الله تعالى، ورسوله r، أو داس المصحف، فهو ليس بكافر حتى يكذب بقلبه، فمجرد أقواله، وأفعاله لا تدل على كفره، هذا مذهب غلاة المرجئة.
ويظهره بعض المتعالمين([41]) اليوم: ولا حول ولا قوة إلا بالله، وسبب وقوعهم فيه هو الجهل، لأنهم لم يتعلموا العقيدة ويأخذوها عن العلماء، وإنما أخذوها من أوراق، ومن دفاتر، ولم يعرفوا أصول الدين والإيمان، وكون الإنسان يتعلم من الكتب، أو على الجهال، والمتعالمين يوقع في هذا الخطر، والمشكلة أنهم يؤثرون على شباب المسلمين).([42]) اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (والإرجاء أخبث من الجبر، والمرجئ هو الذي يقول: إذا اعترف العبد بوجود الله وربوبيته؛ فهذا يكفي في الإيمان، ولو فعل ما فعل من الكفر، والإلحاد، والمعاصي، ما دام أنه لم يكذب بربوبية الله، وألوهيته؛ فإنه مؤمن كامل الإيمان، وسموا مرجئة؛ لأنهم أرجؤوا الأعمال؛ يعني: أخروها عن مسمى الإيمان، وهذا كفر واضح، فمن سب الله، ورسوله، وسجد للصنم، وفعل ما فعل من أنواع الكفر، وداس المصاحف، ما دام أنه يؤمن بالله تعالى، ورسوله r، ولم يكذبهما؛ فأفعاله معاص فقط لا تخرجه من الدين، وعندهم الكفر: هو التكذيب فقط، والإيمان هو التصديق فقط، وهذا المذهب ظهر الآن على ألسنة بعض المتعالمين، يقولون: الكفر هو التكذيب فقط، وأما الأفعال والأقوال فإنها لا تضر ما دام أن القلب مصدق حتى لو سب الله تعالى، ورسوله r، وهو ليس بمكذب لهما، وهذا مذهب واضح البطلان، لكن لعل هؤلاء المتعالمين ما فطنوا لهذا القول، ولا عرفوا مدى خبثه لجهلهم، لأنهم لم يتعلموا وإنما أخذوا علمهم من الأوراق ومطالعات الكتب، ولم يجلسوا في مجالس العلماء([43])، ويتعلموا مذهب أهل السنة والجماعة ويفهموه، إنما عكفوا على أوراق يطالعونها، وظنوا أنهم على هذا يكونون علماء، وهذه مصيبة على الإسلام، أما «التجهم»، فهو مذهب: «الجهم بن صفوان»، وهو نفي الأسماء والصفات، والجبر، والإرجاء، فهو يجمع المذاهب الخبيثة كلها، فإذا تجمعت هذه المذاهب الثلاثة في رجل لم يبق عنده من الإيمان حبة خردل، وخرج من الدين بالكلية - والعياذ بالله - لأنه ليس عنده التوحيد الذي هو أصل الدين، وليس عنده إيمان بالقضاء والقدر الذي هو ركن عظيم من أركان الإيمان، وليس عنده حقيقة الإيمان الذي هو قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص، فعندهم الكفر هو التكذيب فمن كذب بقلبه فهو الكافر، وإن صدق بقلبه فهو المؤمن، ولو فعل ما فعل من الأفعال الوخيمة، والكفريات، ونواقضالإسلام، وبهذا تعرفون خبث هذه المذاهب).([44]) اهـ
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية / الأصناف الكبرى للمرجئة فقال: (والمرجئة ثلاثة أصناف)([45]):
ثم ذكر الصنف الأول؛ بقوله: (الذين يقولون الإيمان مجرد ما في القلب، ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب؛ وهم: أكثر فرق المرجئة).([46])
(ومنهم: من لا يدخلها في الإيمان: «كجهم»، ومن اتبعه «كالصالحي»).([47])
قال /: (والقول الثاني من يقول: هو مجرد قول اللسان، وهذا لا يعرف لأحد قبل: «الكرامية»).([48])
قال /: (والثالث: تصديق القلب، وقول اللسان، وهذا هو المشهور عن: «أهل الفقه والعبادة» منهم، وهؤلاء غلطوا من وجوه؛ أحدها: ظنهم أن الإيمان الذي فرض الله على العباد متماثل في حق العباد).([49])
* ثم رد عليهم ردا مفصلا. ([50])
ثم ذكر الوجه الثاني في غلطهم؛ بقوله: (ظنهم أن ما في القلب من الإيمان ليس إلا التصديق فقط؛ دون أعمال القلوب، كما تقدم عن: «جهمية المرجئة»).([51])
ثم ذكر الوجه الثالث، في غلطهم؛ بقوله: (ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون شيء من الأعمال، ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه، بمنزلة السبب، ولا يجعلونها لازمة له.
والتحقيق: أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر).([52])اهـ
* ثم فصل الرد عليهم فليراجع.([53])
وقال الإمام وكيع بن الجراح /: (أهل السنة يقولون: الإيمان: قول وعمل، والمرجئة يقولون: إن الإيمان قول بلا عمل، والجهمية يقولون: أن الإيمان المعرفة).([54])
وعن الإمام الحميدي / قال: (وأخبرت أن ناسا يقولون: من أقر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ولم يفعل من ذلك شيئا، حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة، حتى يموت، فهو مؤمن، ما لم يكن جاحدا، إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه، إذا كان يقر بالفرائض، واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وفعل المسلمين، قال تعالى: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة[ [البينة: 5].([55])
وعن الإمام إسحاق بن راهويه / قال: (غلت المرجئة حتى صار من قولهم: أن قوما يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود لها: إنا لا نكفره([56])، نرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقر، فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم، ثم هم أصناف).([57])
قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص21)؛ بعد أن ذكر قول إسحاق بن راهويه: (يعني: في أنهم مرجئة، وظاهر هذا: أنه يكفر بترك هذه الفرائض).اهـ
قلت: وهذا التأصيل العقدي من السلف، هو قاصم ظهر: «عبيد الجابري» المرجئ، الذي لا يكفر بترك هذه الفرائض!، ويقرر لمن ترك هذه الأصول، أنه ناقص الإيمان.
قال الإمام السمعاني / في «تفسير القرآن» (ج1 ص43): (والإيمان في الشريعة: يشتمل على الاعتقاد بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان). اهـ
* وهؤلاء القوم الذين فضلوا أن يسلكوا طرقا كلامية عقلية لإيضاح مسائل الإيمان، قد تصل بهم - كما هو مشاهد - في أغلب الأحيان إلى الإعراض عن مسلك الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح، وتفضيل تلك المسالك العقلية على الأدلة النقلية، مما يؤدي بهم أحيانا إلى فهم لا يتفق مع الوحي.
قلت: فكل من تكلم في مسائل الإيمان، أو في بعضها بطريق المصطلحات العقلية فهو مرجئ كائنا من كان([58])، وهذا اللقب كما يظهر قد جاء من قبل السلف الصالح؛ فيمن تكلم في مسائل الإيمان بهذه الطريقة الكلامية، فحادوا عنها إلى فلسفات عقلية، قد تجر صاحبها إلى مهالك لم يكن يتوقعها.
* وهذه تسمية مطابقة لما هم عليه من منهج في مسائل الإيمان، فإنك إذا فتحت كتابا واحدا من كتبهم تجدهم يطيلون الكلام في سوق حجج عقلية، ومناظرات كلامية لإثبات هذا المعتقد في الإيمان، وإبطال لمعتقد أهل السنة والجماعة في مسائل الإيمان([59])، ضاربين صفحا لمنهج السلف الصالح في هذا المعتقد الصحيح في الإيمان.
قلت: ومن هؤلاء الكتاب هو: «عبيد الجابري»([60]) فقد أرغى وأزبد، وشرق وغرب، وبعد وقرب في الإيمان، وهو من الناطقين لهذه الجماعة التي خرجت عن صف أهل السنة والجماعة في الإيمان.
والذي أصبح فتنة لمن قل نصيبه من العلم في الاعتقاد.
* وهذا الرجل كغيره من الكتاب... طفق يكتب في الإيمان على طريقة -كما أسلفنا- كلامية فارتكس في كثير من الأخطاء المتعلقة في الإيمان، وغير ذلك من المخالفات الشرعية، فتصدى له علماء أهل السنة والجماعة، وقرءوها، وبينوا ما فيها من الأخطاء التي خالف فيها علماء أهل السنة والجماعة قديما وحديثا.
قلت: لأنه يمتنع أن يكون العبد مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه، ولم يؤد عملا صالحا...!!!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص621): (وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله تعالى، ورسوله r بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجبا ظاهرا، ولا صلاة، ولا زكاة، ولا صياما، ولا غير ذلك من الواجبات [أو] لا لأجل أن الله أوجبها، مثل أن يؤدي الأمانة أو يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله تعالى، ورسوله r، لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمنا بالله تعالى، ورسوله r؛ مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد r). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص611): (ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا، إيمانا، ثابتا، في قلبه بأن الله تعالى فرض عليه الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجده، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر؛ إلا مع نفاق في القلب، وزندقة لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع عن السجود الكفار).اهـ
وقال العلامة القصاب / في «نكت القرآن» (ج1 ص461): في سورة الأنفال رد على المرجئة: (قوله عز وجل: ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم[ [الأنفال: 2 و3 و4]؛ رد على المرجئة من وجوه:
أحدها: أنه ذكر عامة الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة، وجعلها من الإيمان، وذلك أنه ذكر قبل ]إنما المؤمنون[؛ التقوى وإصلاح ذات البين([61])، ثم نسق في هذه الآية عملا بعد عمل، وذكر فيها التوكل وهو: باطن.
والثاني: أنه ذكر زيادة الإيمان بتلاوة الآيات عليهم، وهم ينكرونه.
والثالث: أنه لم يثبت لهم حقيقة الإيمان؛ إلا باجتماع خصال الخير من الأعمال الظاهرة والباطنة، وهم يثبتون حقيقه([62]) بالقول وحده.
والرابع: أنه - جل وتعالى - قال بعد ذلك كله ]لهم درجات[؛ وقد أثبت لهم الإيمان بشرائطه وحقيقته، وهم لا يجعلون للمؤمن في إيمانه؛ إلا درجة واحدة، ولا يجعلون للإيمان أجزاء.
فكيف يستقيم أن يسمى المرء بالإقرار وحده مستكمل الإيمان، وقد سمى الله - جل جلاله - كل من حوته الآية إيمانا؟). اهـ
قلت: وممن نصح هذه الجماعة في أخطائها في الإيمان ذات الخطر الأكيد: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء وفقها الله تعالى المكونة: من العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، والعلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، والعلامة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغديان.([63])
* وقد اطلع: «عبيد الجابري» وغيره على الردود المدونة في الفتاوى، وكان من الواجب عليه أن يعتبر ذلك توجيها نافعا مفيدا ونصيحة خالصة تهدف إلى إقامة الحق، وبراءة الذمة، فإذا به يستجمع قواه، ويشهر قلمه، ويرد على غرر النصائح المبذولة له، ولغيره من علماء أهل السنة والجماعة، بردود مؤلمة لا تمت إلى الصواب بصلة، بل جل ما فيها تشويش على عقول من قل نصيبهم من العلم، فيحدث فيها ما يحدث مما يوجب الشك في الفتاوى السلفية، بالإضافة إلى ما في ردوده من شغب كلامية على علماء أهل السنة والجماعة([64])، التي لا يجوز أن يوجه شيء منها إلى أصحاب النصائح الغالية([65])، والتوجيهات السليمة الهادفة، ولا يعمد إلى هذا الصنيع وأمثاله إلا من عجز عن مقارعة الحجة بالحجة، وإقامة الأدلة على ما يدون مما يحسبه نافعا وهو ضار، ومما يظنه انتصارا وهو خسران.
* وفي الحقيقة أن المؤمن الصادق مع ربه تعالى، والطالب للحق، العامل لآخرته يبتعد من شبهات أهل الأهواء وخطواتهم، ويتبع جماعة أهل السنة والجماعة، لا يقول قولا إلا بقولهم، ولا يعمل عملا إلا بعملهم في الاعتقاد وغيره.
* ويكفيه دليل واحد صحيح من الكتاب والسنة، لكي يعتقد ذلك الأمر، ويعمل به فكيف وقد تضافرت الأدلة الشرعية الصريحة من الكتاب والسنة على صحة ما أجمع عليه سلف هذه الأمة في مسمى الإيمان، وفي جميع ما يعتقدون من الحق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص280): (وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، والعمل من الإيمان، والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع كما يجمع هذه الأديان اسمها، ويصدقه العمل فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدق بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه، ولم يعرف بقلبه، ولم يصدق بعمله كان في الآخرة من الخاسرين، وهذا معروف عن غير واحد من السلف والخلف وأنهم يجعلون العمل مصدقا للقول). اهـ
قلت: و«عبيد الجابري المرجئ» خالف اعتقاد أهل السنة والجماعة في الإيمان، وذلك لعدم دراسته اعتقاد أهل السنة والجماعة من أفواه العلماء، بل درس ذلك من بطون الكتب، فخلط وخبط بين مذهب أهل السنة، وبين مذهب أهل الإرجاء في مسمى الإيمان، ولم يفرق فيما بينهما، ومن أسباب ذلك جهله جملة وتفصيلا؛ باعتقاد مذهب أهل السنة والجماعة في الإيمان؛ كما هو واضح من مقالاته في الإيمان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص364): (كثير من المتأخرين - والمعاصرين - لا يميزون بين مذاهب السلف، وأقوال: «المرجئة»، و«الجهمية» لاختلاط هذا بهذا في كلام كثير منهم، ممن هو في باطنه يرى رأي: «الجهمية»، و«المرجئة» في الإيمان، وهو معظم للسلف، وأهل الحديث؛ فيظن أنه يجمع بينهما، أو يجمع بين كلام أمثاله، وكلام السلف). اهـ
* وسئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: هناك من يقول الإيمان قول واعتقاد وعمل، لكن العمل شرط كمال فيه، ويقول أيضا لا كفر إلا باعتقاد. فهل هذا القول من أقوال أهل السنة والجماعة أم لا؟.
فأجاب فضيلته: (الذي يقول هذا ما فهم الإيمان، ولا فهم العقيدة، وهذا هو ما قلناه في المقدمة من أن الواجب عليه أن يدرس العقيدة على أهل العلم([66])، ويتلقاه من مصادرها الصحيحة، وسيعرف الجواب عن هذا السؤال.
وقوله: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد ثم يقول: إن العمل شرط في كمال الإيمان وفي صحته، هذا تناقض كيف يقول العمل من الإيمان ثم يقول العمل شرط؟!.
ومعلوم أن الشرط يكون خارج المشروط، والعمل داخل عند أهل السنة في الإيمان لا خارج عنه؛ فهذا تناقض منه.
* فهذا يريد أن يجمع بين قول السلف، وقول المتأخرين، وهو لا يفهم التناقض، لأنه لا يعرف قول السلف، ولا يعرف حقيقة قول المتأخرين؛ فأراد أن يدمج بعضها ببعض، فالإيمان قول وعمل واعتقاد، والعمل هو من الإيمان، وجزء منه، وليس هو شرطا من شروط صحة الإيمان، أو شرط كمال، أو غير ذلك من هذه الأقوال التي يروجونها الآن.
* فالإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، وهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
هذا ما درج عليه أهل السنة والجماعة: قديما وحديثا؛ خلافا للمرجئة).([67]) اهـ
قلت: وهذا الرجل لم يتمكن من العقيدة جملة وتفصيلا، ولم يرسخ فيها، ولاشك أن مسائل الإيمان من المسائل المهمة، وهو ليس أهلا لها... وليس من أهل التحقيق في هذه المسائل([68])... كما هو مشاهد من مقالاته في الإيمان.
قال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا[ [الإسراء: 36].
وقال تعالى: ]قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا[ [الأنعام: 148].
قلت: فمن كان هذا حاله فيجب عليه الرجوع إلى أهل العلم الراسخين في العقيدة.
قال تعالى: ]وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم[ [النساء: 83].
وقال تعالى: ]وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل: 43].
وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء: 59].
قال الإمام ميمون بن مهران /: (في قوله تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[؛ إلى كتاب الله، والرد إلى رسول الله r إذا قبض إلى سنته).
أثر صحيح
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص474)، وابن شاهين في «شرح المذاهب» (ص44)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص144)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص67)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص190)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص217 و218)؛ بإسناد صحيح.
* فمسائل العقيدة مهمة جدا فيجب تعلم العقيدة بجميع أبوابها، وجميع مسائلها، وتلقيها عن أهل العلم الراسخين، والرجوع إليهم، والرد إليهم عند التنازع في العقيدة وغيرها، لأن الرد إلى العلماء من الرد إلى الله تعالى، والرسول r كما في الآية، فلا يكفي([69]) فيها الرجوع إلى الكتب فقط، فإن ذلك يضل من خاض فيها، والعياذ بالله.
قال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز / في «مسؤولية طالب العلم» (ص7): (فطالب العلم عليه مسؤولية كبيرة ومفترضة، وهي أن يعني بالدليل، وأن يجتهد في معرفة براهين المسائل، وبراهين الأحكام من الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، ومن القواعد المعتبرة ... وأن يكون على بينة كبيرة، وعلى صلة وثيقة بكلام العلماء؛ فإن معرفته بكلام أهل العلم تعينه على فهم الأدلة، وتعينه على استخراج الأحكام، وتعينه على التمييز بين الراجح والمرجوح). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز / في «مسؤولية طالب العلم» (ص7): (المعروف: أن من كان شيخه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه.... وهذا صحيح: أن من لم يدرس على أهل العلم، ولم يأخذ عنهم، ولا عرف الطرق التي سلكوها في طلب العلم، فإنه يخطئ كثيرا، ويلتبس عليه الحق بالباطل([70])، لعدم معرفته بالأدلة الشرعية، والأحوال المرعية التي درج عليها أهل العلم، وحققوها وعملوا بها.
* أما كون خطئه أكثر فهذا محل نظر، لكن على كل حال أخطاؤه كثيرة، لكونه لم يدرس على أهل العلم، ولم يستفد منهم، ولم يعرف الأصول التي ساروا عليها؛ فهو يخطئ كثيرا، ولا يميز بين الخطأ والصواب في الكتب المخطوطة والمطبوعة.
وقد يقع الخطأ في الكتاب، ولكن ليست عنده الدراية والتميز فيظنه صوابا، فيفتي بتحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله، لعدم بصيرته، لأنه قد وقع له خطأ في كتاب...). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «مسائل الإيمان» (ص13): (فإن مسائل العقيدة مهمة جدا فيجب تعلم العقيدة بجميع أبوابها، وجميع مسائلها، وتلقيها عن أهل العلم؛ فلا يكفي فيها إلقاء الأسئلة، وتلقي الأجوبة فيها، فإنها مهما كثرت الأسئلة وأجيب عنها، فإن الجهل سيكون أكثر.
* فالواجب على من يريد نفع نفسه، ونفع إخوانه المسلمين: أن يتعلم العقيدة من أولها إلى آخرها، وأن يلم بأبوابها ومسائلها، ويتلقاها عن أهل العلم، ومن كتبها الأصلية من كتب السلف الصالح، وبهذا يزول عنه الجهل، ولا يحتاج إلى كثرة الأسئلة، وأيضا يستطيع هو أن يبين للناس، وأن يعلم الجهال، لأنه أصبح مؤهلا في العقيدة، كذلك لا يتلقى العقيدة من الكتب فقط، أو عن القراءة والمطالعة؛ لأنها لا تؤخذ مسائلها ابتداءا من الكتب، ولا من المطالعات، وإنما تؤخذ بالرواية عن أهل العلم، وأهل البصيرة الذين فهموها، وأحكموا مسائلها؛ هذا هو: واجب النصيحة علينا لطلبة العلم، أما ما يدور الآن في الساحة من كثرة الأسئلة حول العقيدة، ومهماتها من أناس لم يدرسوها من قبل، أو أناس يتكلمون في العقيدة، وأمور العقيدة عن جهل، أو اعتماد على قراءتهم للكتب، أو مطالعاتهم فهذا سيزيد الأمر غموضا، ويزيد الإشكالات إشكالات أخرى ويثبط الجهود، ويحدث الاختلاف، لأننا إذا رجعنا إلى أفهامنا دون أخذ للعلم من مصادره وعن أهله، وإنما نعتمد على قراءتنا وفهمنا؛ فإن الأفهام تختلف، والإدراكات تختلف، وبالتالي يحصل الاختلاف في هذه الأمور المهمة.
* وديننا جاءنا بالاجتماع والائتلاف وعدم الفرقة، وجاء بالموالاة لأهل الإيمان، والمعاداة للكفار؛ فهذا لا يتم إلا بتلقي أمور الدين من مصادرها، ومن علمائها الذين حملوها عمن قبلهم، وتدارسوها بالتلقي وبلغوها لمن بعدهم، هذا هو طريق العلم الصحيح في العقيدة وفي غيرها، ولكن العقيدة أهم لأنها الأساس، ولأن الاختلاف فيها مجال للضلال، ومجال للفرقة بين المسلمين.
ولا حاجة بنا إلى مؤلفات جديدة في العقيدة بل تكفينا كتب علماء السلف وأتباعهم فما تلفظه المطابع الآن في هذا المجال أكثره غثاء لا فائدة فيه). اهـ
قلت: وفي الحقيقة أن المؤمن الصادق في هذا الدين العظيم، والطالب للحق المبين، العامل لآخرته بإخلاص متين؛ يبتعد من شبهات أصحاب الأهواء المغرورين، ويتبع العلماء من أهل السنة العاملين، ولا يقول قولا، ولا يعمل عملا؛ إلا وله فيه إمام من أئمة أهل السنة والجماعة المعتبرين.
* ولا شك أن أهل السنة والجماعة المقتفين أثر الصحابة، والتابعين، وتابعيهم بإحسان هم الطائفة المنصورة القائمة على دين الله الحق، وهم الذين عناهم النبي r بقوله (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله).([71])
قلت: ومن هنا وجب على المسلم أن يتعرف على عقيدة أهل السنة والجماعة: «الطائفة الناجية المنصورة» التي تلتزم الإسلام الصحيح قولا وفعلا.([72])
* وعلى المسلم أن يعرف الإيمان الذي آمنوا وعملوا به معا... ويعرف حقيقة هذا الإيمان... ومسماه ومراتبه... وخوارمه ونواقضه... وموانعه وأركانه، التي هي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
قلت: وبهذه الأسس يترسخ الإيمان في قلب المؤمن ثم يجد حلاوته... وسكينته...وهداه... وطمئنينته...
قال تعالى: ]ويزداد الذين آمنوا إيمانا[ [المدثر: 31].
وقال تعالى: ]هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم[ [الفتح: 4].
وقال تعالى: ]ويزيد الله الذين اهتدوا هدى[ [مريم: 76].
وقال تعالى: ]وزدناهم هدى[ [الكهف: 13].
وقال تعالى: ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون[ [الأنفال: 3].
وعن أنس بن مالك t، عن النبي r قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر، بعد إذ أنقذه الله، كما يكره أن يلقى في النار).([73])
وقد بوب عليه الإمام البخاري في «صحيحه» (ج1 ص16): باب: حلاوة الإيمان.
* فالعقيدة الصحيحة، هي الأساس في هذا الدين، وعليها تبنى إسلام العبد ... فمن صحت عقيدته صح عمله، ومن فسدت عقيدته فسد عمله ... ولا يقبل العمل عند الله تعالى إلا بالإيمان الصحيح الذي تبنى عليه العقيدة الصحيحة... ([74])
* إذا فالإرجاء بجميع أصوله سائد بين الناس، وهو متمثل «بالأشاعرة»، و«الماتريدية»، و«الطرق الصوفية»، وكثير من: «الحركات الحزبية» الحديثة التي ترتكز فكرها على: «أصول هذا الإرجاء»، كذلك سائد لدى أكثر: «المفكرين»، و«المثقفين» من: «العقلانيين المعتزليين»، وغيرهم، اللهم سلم سلم.
* فمذهب: «المعتزلة» تعتنقه اليوم فئات كثيرة «كالعقلانية» وغيرهم، وها هي كتبهم تحقق وتنشر بكميات هائلة، وتصل إلى أيدي الناس، ويقرؤونها، وفيهم الجاهل، ومن معرفته ضحلة، فينطلي عليه ما فيها من شبهات ما لم يكن عنده حصانة كافية من العلم الشرعي، وذلك لا يمكن إلا بدراسة مبادئهم، ومعرفة أفكارهم المنحرفة، مع الرد عليها، وبيان بطلانها، دراسة علمية أثرية منهجية مركزة.
قلت: وكل من: «الإرجاء»، وأصول «المرجئة» من بدع أهل الأهواء؛ يجب الحذر منهم، وتنبيه المسلمين اليوم عن الوقوع في: «الإرجاء».
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «البيان» (ص20): (لا يمكن مدافعة الأفكار المنحرفة المعاصرة؛ إلا بعد دراسة الأفكار المنحرفة التي سبقتها؛ لأنها في الغالب منحدرة عنها، أو مشابهة لها، وإذا عرفنا السلاح الذي قام به أسلافنا على الأفكار المنحرفة في وقتهم أمكننا أن نستخدم ذلك السلاح في وجه الأفكار المعاصرة، فلا غنى لنا عن الارتباط بأسلافنا، والإمام مالك / يقول: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).([75]) اهـ
قلت: وسوف أناقش بعض أصول المرجئة على سبيل العموم، ومن وافقهم في بعض الأصول على سبيل الخصوص ... الذي حاول([76]) في تلك الأصول جعلها من أصول أهل السنة والجماعة في باب الإيمان، وقد وقع في متناقضات عجيبة وخلط غريب بين مذهب أهل السنة، وبين مذهب أهل الإرجاء في الإيمان استدعاني أن أكتب هذا الرد العلمي الذي لا أقصد من ورائه إلا بيان الحقيقة([77])، وإزالة اللبس سائلا الله العون والتوفيق.
وقد هيأ الله تعالى لي أن أتعرض لهذه المسألة، وأقف على ما وقع لكثير من طلاب العلم من اشتباه في تحقيق مذهب السلف في مسائل الإيمان.
فدعاني ذلك لبحث هذه المسألة بحثا مفصلا بذكر الأدلة من الكتاب، والسنة، وآثار السلف، وأقوال أهل السنة والجماعة.
* وقد تبين لي أن سبب الاشتباه في هذه المسألة بصفة خاصة، ومسألة ارتباط أعمال الجوارح بالإيمان على كثير من طلاب العلم المنتهجين منهج السلف، هي شبهة مرجئة الفقهاء، أو شيء منها، لما رأوا من نصوص الوعد التي علقت دخول الجنة، أو عدم الخلود في النار بمجرد الإقرار بالشهادتين، والنطق بهما، دون اشتراط شيء من الأعمال.
وفي الختام أقول:
قال الإمام ابن قتيبة / في «اختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة» (ص13): (وسيوافق قولي هذا من الناس ثلاثة: رجلا منقادا سمع قوما يقولون، فقال كما قالوا، فهو لا يرعوي ولا يرجع، لأنه لم يعتقد الأمر بنظر فيرجع عنه بنظر!.
ورجل تطمح به عزة الرياسة، وطاعة الإخوان، وحب الشهوة، فليس يرد عزته، ولا يثني عنانه إلا الذي خلقه إن شاء!؛ لأن في رجوعه إقراره بالغلط، واعترافه بالجهل، وتأبى عليه الأنفة!.
وفي ذلك - أيضا - تشتت جمع، وانقطاع نظام، واختلاف إخوان عقدتهم له النحلة، والنفوس لا تطيب بذلك إلا من عصمه الله ونجاه!.
ورجلا مسترشدا يريد الله بعمله، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا تدخله من مفارق وحشة، ولا تلفته عن الحق أنفة، فإلى هذا القول قصدنا، وإياه أردنا). اهـ
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب جميع الأمة، وأن يتقبل مني هذا الجهد، ويجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن يتولانا بعونه ورعايته إنه نعم المولى ونعم النصير.
كتبه
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب أعن وسهل
«توطئة»
فكر المرجئة الخامسة
النفرة من نقصان الإيمان في قلب العبد
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص404): (ولهذا كانت المرجئة تنفر من لفظ النقص([78]) أعظم من نفورها من لفظ الزيادة). اهـ
* وهذا القول الذي ذهب إليه محققو: «المرجئة الخامسة» كـ«ربيع المدخلي» المرجئ وغيره، ونعقوا به، وأحدثوا، وابتدعوا ما سموه «الحد الأدنى» في الإيمان، وجعلوه غير قابل للنقصان... فصار الحد الأدنى عندهم يقابل أصل الإيمان عند: «المرجئة الخالصة».
قلت: وسبب هذا الابتداع أن «المرجئة الخامسة» نوابت وافقوا على الشيء المحدود ينقص، ثم ينقص، ثم ينقص ولا ينتهي، ففروا من شيء، وابتدعوا القول بـ«الحد الأدنى»، وقالوا: «إن أصل الحد الأدنى ليس فيه نقصان، أما الزيادة عليه فممكنة».
* والمرجئة الخامسة: تنفر من القول بالنقصان([79]) أكثر من الزيادة، فقيدوا النقصان بحد معين، وأما الزيادة فأطلقوها، فهذا وجه مشابهتهم لمذهب: «المرجئة الخالصة».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص404): (ولهذا كانت «المرجئة» تنفر من لفظ النقص أعظم من نفورها من لفظ الزيادة). اهـ
قلت: وهذا القول مخالف لقول السلف الذين نصوا على أن الإيمان ينقص حتى لايبقى منه شيء، فبطلت تلك الحجة التي دندن عليها: «ربيع المدخلي»، شرقا وغربا.
* فهذا مذهب القوم في الإيمان شرحته لك لتكون على بصيرة، ولتعلم ما بين القوم والمرجئة الأوائل من توافق واختلاف([80]) اللهم سلم سلم.
قلت: فهؤلاء يوافقون السلف لفظا، ويخالفونهم في حقيقة مذهبهم، ومن نحو قولهم: إننا نقول: الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، ونقول بالإستثناء، ومن قال هذه الثلاث فليس بمرجئ([81]).
أقول: أن هذه المقولة جاءت عن جماعة من السلف، منهم: الإمام سفيان الثوري /([82])، والإمام أحمد / بقوله: (عندما سئل عمن يقول: الإيمان يزيد وينقص؟ قال: هذا برئ من الإرجاء) ([83])، والإمام البربهاري / حيث قال: (من قال: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء كله أوله وآخره).([84])
قلت: وهذه الآثار عندنا في مكانة عالية، فإليها صائرون، وبها قائلون، فلا يفرح بها من هو مظهر لمقولة السلف، وفي باطنه قائل بمقولة الخلف!، ووجهها واضح -لمن أراد الحق- فمن قال مقولة السلف على فهمهم، ومرادهم، ولم يظهر منه ما يناقضها، فهذا الذي يقال فيه برئ من الإرجاء، وعلى مثله تنزل آثار السلف.
* وأما من وافق السلف في المقولة لفظا، وخالفهم في حقيقة المذهب معنى، فلم تتحقق فيه شروط البراءة من الإرجاء.([85])
وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية /: على أن كثيرا من المتأخرين خلط بين المذهبين، فصار ظاهره قول السلف، وهو من أبعد الناس عنهم، حيث قال في «الفتاوى» (ج7 ص364): (وكثير من المتأخرين لا يميزون بين مذاهب السلف، وأقوال المرجئة([86])، والجهمية، لاختلاط هذا بهذا في كلام كثير منهم ممن هو في باطنه يرى رأي الجهمية!، والمرجئة في الإيمان!، وهو معظم للسلف، وأهل الحديث، فيظن أنه يجمع بينهما، أو يجمع بين كلام أمثاله، وكلام السلف). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص158): (فالمتأخرون الذين نصروا قول جهم في مسألة الإيمان، يظهرون قول السلف في هذا -وهو عدم تخليد أهل القبلة- وفي الإستثناء، وفي انتفاء الإيمان الذي في القلب حيث نفاه القرآن، ونحو ذلك، وذلك كله موافق للسلف في مجرد اللفظ، وإلا فقولهم في غاية المباينة لقول السلف، ليس في الأقوال أبعد عن السلف منه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص143): (هؤلاء وأمثالهم لم يكونوا خبيرين بكلام السلف، بل ينصرون ما يظهر من أقوالهم بما تلقوه عن المتكلمين من الجهمية، ونحوهم من أهل البدع، فيبقى الظاهر قول السلف، والباطن قول الجهمية الذين هم أفسد الناس مقالة في الإيمان). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص402): (فقولهم في الرب، وصفاته، وكلامه، والإيمان به يرجع إلى تعطيل محض، وهذا قد وقع فيه طوائف كثيرة من المتأخرين المنتسبين إلى السنة، والفقه، والحديث، المتبعين للأئمة الأربعة، المتعصبين للجهمية، والمعتزلة، بل وللمرجئة أيضا، لكن لعدم معرفتهم بالحقائق التي نشأت منها البدع يجمعون بين الضدين!!!.
ولكن من رحمة الله بعباده المسلمين أن الأئمة الذين لهم في الأمة لسان صدق، مثل الأئمة الأربعة، وغيرهم كمالك، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وكالشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، كانوا ينكرون على أهل الكلام من الجهمية قولهم في القرآن، والإيمان، وصفات الرب، وكانوا متفقين على ما كان عليه السلف... وكذلك تجدهم في مسائل الإيمان يذكرون أقوال الأئمة والسلف، ويبحثون بحثا يناسب قول الجهمية، لأن البحث أخذوه من كتب أهل الكلام الذين نصروا قول جهم في مسائل الإيمان). اهـ
قلت: وهذا الكلام يدل على أن «البراءة من الإرجاء» لا تحصل إلا بالموافقة التامة للسلف في اللفظ، وفي المعنى، جملة وتفصيلا، فافطن لهذه ترشد.
والخلاصة: أن العبرة بالحقائق، لا بالألفاظ!.
وبهذا نخلص إلى أن مقولة السلف حجة على: «المرجئة الخامسة» لا لهم، وبالله نعتصم، وعليه نتوكل.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر وأعن، فلك الحمد
ذكر الدليل
على نقض مقالات عبيد الجابري الإرجائية في الدين
لقد حاول: «عبيد الجابري» في تلك المقالات جعل مذهب: «المرجئة»، هو مذهب أهل السنة والجماعة في مسالة ترك «جنس العمل»، وقد تورط في ذلك تورطا عظيما لا يخرج منه؛ إلا بالتوبة الصادقة عن هذا الذنب العظيم الذي تلطخ به، وافتضح به، ولذلك وقع في متناقضات عجيبة، وخلط غريب في أمر ترك «جنس العمل».
* وإليك كلام الجابري في موافقته للمرجئة:
قال عبيد الجابري المرجئ: (إذا أطلقت أعمال الجوارح؛ فإنها تنصرف إلى الصلاة، والصيام، والحج، والسعي إلى صلاة الجمعة، والجماعة، وعيادة المريض، وصدقة، هكذا.
فمن كان على عمل الجوارح، وقول اللسان، وعمل القلب، وقول القلب؛ فهذا مؤمن([87])؛ لأن أهل السنة لهم تعريفان في الإيمان:
أحدهما: مبسوط، وهو هكذا، الإيمان: قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل الجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
* والتعريف الآخر هكذا؛ الإيمان: قول وعمل.
فالقول قول القلب، وقول اللسان، والعمل عمل القلب، وعمل الجوارح، هذا التعريف المختصر.
فيريدون بقول اللسان: ما تقدم.
* وبقول القلب: اعتقاده فيما جاء عن الله تعالى، وعن رسوله r، وفي أمر الله تعالى، وأمر رسوله r، وتصديق خبر الله تعالى، وخبر رسوله r.
وعمله: حركته، وعزمه على فعل ما يؤمر به، وترك ما ينهى عنه، وعمل الجوارح: تقدم.
ثانيا: لعلك تشير من حيث تشعر، أو لا تشعر إلى حديث: (فيخرج أقواما لم يعملوا خيرا قط بعدما امتحشوا وصاروا فحما).([88])([89])
قال أهل العلم([90]): أي؛ من عمل الجوارح؛ فهم تحصل عندهم القول والاعتقاد، وإنما لم يعملوا من عمل الجوارح؛ فإذا دخلوا الجنة بإيمان صادق، بالإيمان الصادق.([91])
وثالثا: خلاصة القول؛ فإنه لا إيمان إلا بعمل، لا إيمان إلا بعمل، فمن نطق بالشهادتين، واعتقد بالقلب لكن لم يعمل أي شيء؛ لا صلاة، لا صيام، لا حج، لم يعمل أي شيء؛ فهذا أقل ما يقال فيه إيمانه ناقص ([92]) وهو عند النظر؛ إذا كان تاركا للصلاة جاحدا لها، فهو كافر، وإن كان تركه للصلاة – مع علمه – جاحدا لها مع علمه بوجوبها؛ فهو كافر.
وإن كان تاركا للصلاة متهاونا بها مع إقراره بوجوبها؛ فالجمهور على أنه فاسق، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، والقول الآخر بأنه كافر([93])؛ ثم اتفق أهل العلم([94]) على أنه لا يكفر من ترك الزكاة، وصوم رمضان، وفريضة الحج، متكاسلا عنها، تركه إياها فسق، ولا يكفر إلا جاحدها.
أنا كنت مضطرا لتفصيل هذا التفصيل لك، ولا أدري أدركته أم لا! لكن لعلك تدركه، ولابد من هذا التفصيل؛ لأني أعرف أنه موجود عندكم، وعندنا، وخارج بلدنا من يتصيد، ويتلقط، ويحمل الألفاظ ما لا تحتمل([95]). فالعمل – يا بني! – من حقيقة الإيمان ومسماه؛ لكن عند التفصيل يختلف؛ فمن الأعمال ما تركه كفر منافي للإيمان بالكلية؛ وهو ترك الشهادتين، وترك الصلاة جاحدا، وتهاون مع خلاف.([96])
ومنها: ما تركه فسق ينافي الكمال الواجب؛ وهذا في الزكاة، وصيام رمضان.
وكل فريضة علم وجوبها من الدين بالضرورة؛ فمن تركها كسلا يكون فاسقا.
* ومن الأعمال ما تركه مناف للكمال المستحب؛ ويقال: تفويت فضيلته، هذا في المندوبات؛ كترك السنن الراتبة مداوما، أو صلاة الوتر مداوما على ذلك؛ فهذا ينافي الكمال المستحب؛ فقد فوت على نفسه فضيلة هذه الأعمال).([97]) اهـ كلام الجابري.
قلت: فانظروا - بالله عليكم- إلى هذا التلاعب في أحكام الدين البين، والتناقص الجلي، و كأن هذا: «الجابري» يتلاعب بعقول الناس، ويظنهم مستسلمين لكلامه، مسلمين برأيه ومرامه.
فمن عجيب أمر هذا المدعي أنه كثير المناقضة لنفسه، يقع فيما ينهى الآخرين عنه، ويتصف بما يذم الآخرين بتلبسه.
* فالجابري هذا يقول: (إذا أطلقت أعمال الجوارح؛ فإنها تنصرف إلى الصلاة، والصيام، والحج، والسعي إلى صلاة الجمعة، والجماعة، وعيادة المريض، وصدقة، هكذا.
فمن كان على عمل الجوارح، وقول اللسان، وعمل القب، وقول القلب؛ فهذا مؤمن؛ لأن أهل السنة لهم تعريفان في الإيمان). اهـ
قلت: فهنا يدخل عمل الجوارح في الإيمان، ويذكر من الأعمال: «الصلاة»، و«الصيام»، و«الحج»، وغير ذلك، ويجعل العامل من أهل الإيمان بعمله، ثم يتناقض فيخرج عمل الجوارح من الإيمان، ويجعل تارك العمل بالكلية من: «صلاة»، و«صيام»، و«حج»، وغير ذلك من أهل الإيمان لكنه ناقص الإيمان، وإن لم يعمل عملا قط؛ بقوله: (لا إيمان إلا بعمل، لا إيمان إلا بعمل؛ فمن نطق الشهادتين، واعتقد بالقلب لكن لم يعمل أي شيء، لا صلاة، لا صيام، لا حج، لم يعمل أي شيء؛ فهذا أقل ما يقال فيه إيمانه ناقص!).([98]) اهـ
قلت: فانظر إلى هذا التباين والتضاد؛ فأي تناقض أكبر من هذا؟!، وهو يدل على أن: «الجابري» بدأ يخلط، وتختلط عليه الأمور([99])، والله المستعان.
ويتجلى هذا التناقض بصورة أوضح بقول: «الجابري» في تعريف الإيمان على طريقة أهل السنة والجماعة: (الإيمان: قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية). اهـ
قلت: فهو يذكر في هذا التعريف: أن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، ثم يقول: من ترك الأعمال بالكلية فإيمانه ناقص، وهذا تناقض، لأن إذا قال ذلك، فهذا يناقض؛ قوله: (إن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح)، لأنه إذا كان الإيمان كذلك، فمعناه: أن من تخلى عن الأعمال نهائيا، فإنه لا يكون مؤمنا ناقص الإيمان، لأن الإيمان مجموع هذه الأشياء، ولا يكفي بعضها دون بعض، كما ذكر علماء السنة.([100])
* ويتجلى هذا التناقض بصورة أوضح، وبطريقة أفضح في أقواله، حيث بدأ: «الجابري» يخلط وتختلط عليه الأمور:
قال عبيد بن عبد الله الجابري: (وقد أجمع أهل السنة على أن من ترك فريضة من فرائض الدين جاحدا لوجوبها يكفر:
* ومن خصال الإيمان: ما تركه فسق، مثل: الزكاة، وصوم رمضان، والحج([101])، فهذه تركها فسق، ولا يكفر، إلا جاحدها، بل جاحدها حتى لو أداها لا تنفعه.
* ومن خصال الإيمان: ما تركه تفويت لفضيلة.
وعلى هذا؛ يكون تقسيم شعب الإيمان إلى ثلاثة أقسام:
(1) قسم: تركه كفر؛ مثل: الشهادتين. ([102])
(2) القسم الثاني: ما تركه فسق؛ ولا يكفر؛ إلا جاحدها.
وقد قدمت لكم قبل قليل التحقيق في الصلاة، وأن أهل العلم: متفقون على كفر جاحدها.
ولكنهم؛ اختلفوا في تاركها تهاونا، فالتحقيق أنه كافر.([103])
* والحكم بفسقه؛ عند الجمهور، منهم: مالك، والشافعي، والزهري، ورواية: عن أحمد.
(3) القسم الثالث: ما تركه تفويت لفضيلة، كالسنن الراتبة، وكلما ازداد المسلم شعبة من شعب الإيمان، مخلصا لله تعالى، متابعا نبيه، زاد قدره عند الله سبحانه وتعالى).([104]) اهـ كلام الجابري
* فانظر إلى هذا التباين والتضاد في أقواله في: «مسائل الإيمان»، وهذا التقسيم من كيسه، لم يثبت هذا التقسيم عند أئمة أهل الحديث.
* وإليك نقض إرجائه، بأقوال أئمة الحديث:
* سئل العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: ما حكم من ترك جميع العمل الظاهر بالكلية، لكنه نطق بالشهادتين، ويقر بالفرائض، لكنه لم يعمل شيئا البتة، فهل هذا مسلم أم لا؟، علما أنه ليس له عذر شرعي يمنعه من القيام بتلك الفرائض؟.
فأجاب فضيلته
قلت: وهذا فيه رد على: «الجابري» هذا الذي يقول: (فمن نطق الشهادتين، واعتقد بالقلب لكن لم يعمل أي شيء، لا صلاة، لا صيام، لا حج، لم يعمل أي شيء؛ فهذا أقل ما يقال فيه إيمانه ناقص). اهـ
قلت: وعلى هذا: «فالجابري» هذا لا يكفر إلا بترك اعتقاد القلب، وبالجحود، بقوله: (إذا كان تاركا للصلاة جاحدا لها؛ فهو كافر، وإن كان تركه للصلاة – مع علمه – جاحدا لها مع علمه بوجوبها؛ فهو كافر.
وإن كان تاركا للصلاة متهاونا بها مع إقراره بوجوبها؛ فالجمهور على أنه فاسق، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.
والقول الآخر بأنه كافر؛ ثم اتفق أهل العلم على أنه لا يكفر من ترك الزكاة، وصوم رمضان، وفريضة الحج، متكاسلا عنها، تركه إياها فسق، ولا يكفر إلا جاحدها).([106]) اهـ
قلت: فهو لا يكفر إلا بالجحود الاعتقادي!.
وقال الجابري أيضا: (فهم تحصل عندهم القول والاعتقاد، وإنما لم يعملوا من عمل الجوارح؛ فإذا دخلوا الجنة بإيمان صادق، بالإيمان الصادق).([107]) اهـ
قلت: فعند: «الجابري» القول، والاعتقاد يدخل العبد الجنة، وإن لم يعمل أي عمل من عمل الجوارح، بل يدخل العبد الجنة إذا صدق بالإيمان بالقلب فقط، اللهم غفرا.
قلت: وهذا قول: «الأشاعرة»، لأنهم هم الذين يقولون أن الإيمان: «هو تصديق القلب فقط»، والجابري يقول: «دخلوا الجنة بإيمان صادق، بالإيمان الصادق»، أي: صدقوا بقلوبهم!، اللهم غفرا.
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (الذين قالوا أن الإيمان هو تصديق القلب فقط، وهذا قول الأشاعرة، وهذا أيضا قول باطل، لأن الكفار يصدقون بقلوبهم، يعرفون أن القرآن حق، وأن الرسول حق، واليهود والنصارى يعرفون ذلك؛ قال تعالى: ]الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون[ [البقرة: 146].
* ويصدقون به بقلوبهم، قال تعالى في المشركين: ]قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون[ [الأنعام: 33]، فهؤلاء لم ينطقوا بألسنتهم، ولم يعملوا بجوارحهم؛ مع أنهم يصدقون بقلوبهم، فلا يكونون مؤمنين).([108]) اهـ
قلت: بل «الجابري» هذا وافق مرجئة الفقهاء أيضا في كلامه هذا، لأنهم هم الذين يقولون: (إن الإيمان اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان)، ولا يدخلون فيه الأعمال.
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (قول مرجئة الفقهاء وهم أخف الفرق في الإرجاء الذين يقولون أن الإيمان اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، ولا يدخل فيه العمل، وهذا قول مرجئة الفقهاء، وهو قول غير صحيح أيضا، لأنه لا إيمان بدون عمل).([109]) اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (أما من ترك الأعمال كلها مختارا مع تمكنه منها، فهذا لا يكون مؤمنا).([110]) اهـ
* وسئل العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: هل تصح هذه المقولة: أن من قال الإيمان قول، وعمل، واعتقاد، يزيد وينقص؛ فقد برئ من الإرجاء كله؛ حتى لو قال لا كفر إلا باعتقاد، وجحود؟.
فأجاب فضيلته: (هذا تناقض لأنه إذا قال: لا كفر إلا باعتقاد أو جحود، فهذا يناقض قوله: أن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح.
لأنه إذا كان الإيمان قولا باللسان، واعتقادا بالجنان، وعملا بالجوارح، وأنه يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، فمعناه: أن من تخلى عن الأعمال نهائيا؛ فإنه لا يكون مؤمنا، لأن الإيمان مجموع هذه الأشياء، ولا يكفي بعضها، والكفر ليس مقصورا على الجحود، وإنما الجحود نوع من أنواعه؛ فالكفر يكون بالقول وبالفعل، وبالاعتقاد، وبالشك كما ذكر العلماء ذلك).([111]) اهـ
* وسئل العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: ما الدليل على مشروعية شروط شهادة: «لا إله إلا الله»، مع العلم، والانقياد، والصدق، والإخلاص، والمحبة، والقبول، واليقين، وما الحكم فيمن يقول: (تكفي شهادة: «لا إله إلا الله»؛ بمجرد قولها دون هذه الشروط)؟.
فأجاب فضيلته: (هذا أما أنه مضلل، يريد تضليل الناس، وإما أنه جاهل يقول ما لا يعلم. فلا إله إلا الله ليست مجرد لفظ، بل لابد لها من معنى ومقتضى، ليست مجرد لفظ يقال باللسان، والدليل على ذلك؛ قوله r: (من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله)([112])، وقوله r: (فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)([113])؛ قيدها بهذه القيود، وقول النبي r: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)([114])، إلا بحق: «لا إله إلا الله»، فلم يكتف بمجرد قولهم: «لا إله إلا الله»، إذا لم يلتزموا بحقها، وهو العمل بمقتضاها، ومعرفة معناها، فليست: «لا إله إلا الله» مجرد لفظ يقال باللسان، ومن هذه الأدلة تؤخذ هذه الشروط التي ذكرها أهل العلم).([115]) اهـ
قلت: فهل يقال بعد هذا كله أن من ترك جميع الأعمال أنه ناقص الإيمان، وأنه لا يكفر إلا بالجحود، وترك اعتقاد القلب!.([116])
قلت: فهذا الكلام «للجابري» لا صلة له بعقيدة السلف الصالح، فانتبه.
فلا يجوز الخلط والخبط في دين الله تعالى، والله المستعان.
* وإليكم نقض العلماء عليه في مسألة ترك: «جنس العمل» بالكلية، وإبطال أقاويله الإرجائية:
أولا: ذكر فتاوى العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله، مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
(1) سئل العلامة الشيخ: سماحة الشيخ انتشر عندنا – يعني في أوروبا – بصورة عجيبة أن الذي يترك الأعمال كل الأعمال، و«جنس العمل»، بغير عذر يكون مؤمن ناقص الإيمان، فما صحة هذا القول أثابكم الله؟.
فأجاب فضيلته: (لا... هذا قول باطل!، الأعمال جزء من الإيمان، ومن ادعى الإيمان بدون عمل فليس بمؤمن، والله جل وعلا ما ذكر الإيمان إلا مقرونا بالعمل الصالح).([117]) اهـ
(2) وسئل فضيلة الشيخ: سماحة الشيخ هل تارك «جنس العمل»، ناقص الإيمان، وهل يكون بقوله هذا موافق للمرجئة أحسن الله إليكم؟.
فأجاب فضيلته: (نعم... لأن: «جنس العمل»، تاركه قد كفر – نسأل الله العافية؛ لأن العمل جزء من الإيمان).([118]) اهـ
(3) وسئل فضيلة الشيخ: سماحة الشيخ هل تارك: «جنس العمل» مؤمن ناقص الإيمان، وهل قائل ذلك يسمى مرجئا، وجزاك الله خيرا؟.
فأجاب فضيلته: (يا أخواني الأعمال جزء من الإيمان لا انفصام بين العمل والإيمان، الإيمان والأعمال شيء واحد، فالذي يترك الأعمال هو تارك للإيمان، ومن يزعم أنه مؤمن، وهو لا يؤدي عمله، لا يصلي، ولا يزكي، ولا يصوم، ولا يحج، ولا يؤدي واجبا، ولا يبتعد عن محرم، ولا يمتثل واجبا، أين هذا من الإيمان؟!.
فالإيمان والعمل شيء واحد لا انفصام للعمل عن الإيمان، بل الأعمال جزء من الإيمان، والله ما ذكر الإيمان إلا مقرونا بالعمل الصالح).([119]) اهـ
ثانيا: ذكر فتاوى العلامة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
(1) سئل فضيلة الشيخ: وفقكم الله، هناك من يقول أن تارك «جنس العمل» بالكلية لا يكفر، وأن هذا القول قول ثاني للسلف، لا يستحق الإنكار، ولا التبديع، فما صحة هذه المقولة، أثابكم الله؟.
فأجاب فضيلته: (هذا كذاب، الذي يقول هذا الكلام هذا كذاب، كذب على السلف، السلف ما قالوا: إن الذي يترك: «جنس العمل»، لا يكفر، ما قالوا: إن الذي يترك: «جنس العمل»، ولا يعمل أي شيء يكون مؤمنا، من ترك العمل نهائيا من غير عذر، لا يصلي، ولا يصوم، ولا يعمل أي شيء، ويقول أنا مؤمن هذا كذاب.
* أما الذي ترك العمل بعذر شرعي، وما يتمكن من العمل نطق بالشهادتين بصدق، ومات، أو قتل في الحال؛ فهذا ما في شك أنه مؤمن، لأنه ما تمكن من العمل ما تركه رغبة عنه.
* أما الذي يتمكن من العمل ويتركه، ولا يصلي، ولا يصوم، ولا يزكي، ولا يجتنب المحرمات، ولا يجتنب الفواحش، هذا ليس بمؤمن، ولا أحد يقول أنه مؤمن؛ إلا المرجئة).([120]) اهـ
(2) وسئل فضيلة الشيخ: ظهر في هذا الوقت من يقول أن تارك: «جنس العمل»، مؤمن، ويكابر في هذا القول، ويدعو إليه، ويهدد من لا يقول بقوله، وجزاكم الله خيرا؟.
فأجاب فضيلته: (لا نحتاج إلى هذا الرجل، ولا إلى قوله، والسلف الصالح والعلماء كفونا، وبينوا لنا الإيمان وهو: قول واعتقاد وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فهذا الرجل لا ننظر إليه، ولا إلى قوله).([121]) اهـ
ثالثا: ذكر فتاوى العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان /، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
(1) سئل فضيلة الشيخ: هناك من يقول أن تارك: «جنس العمل»، بأنه مؤمن، وجزاكم الله خيرا؟.
فأجاب فضيلته: (فما معنى تارك: «جنس العمل»، إذا كان تارك: «جنس العمل»، معناه: تارك جميع الأعمال، هذا مذهب المرجئة، وأنا ما أدري ما يحمل الإنسان على ترك هدي الرسول r، والأخذ بهدي غيره، ويجادل ويناظر).([122]) اهـ
(2) وسئل فضيلة الشيخ: قال أحدهم في مقال له: (وفي نادر من الأحيان يسألني عنه بعض الناس يعني عن ترك: «جنس العمل»، هل هو كافر أم لا؟!، فأنهاه عن الخوض فيه، فإذا ألح اعترضت عليه ببعض أحاديث الشفاعة، كحديث أنس t: (يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان)؛ فما صحة هذا القول، بارك الله فيكم؟.
فأجاب فضيلته: (أخي هذه مسألة تدخل في مذهب المرجئة؛ الذين لا يجعلون العمل شرط صحة، تدخل في هذا الباب كله، وعن استدلاله، فهذا الأمر يرجع إلى الله، يعني لا يدخل فيها الإنسان أصلا).([123]) اهـ
(3) وسئل فضيلة الشيخ - في مكالمة من الجزائر - يا شيخ قال أحدهم في مقال له: (في نادر من الأحيان يسألني عنه - يعني تارك: «جنس العمل» - بعض العمل: هل هو كافر أم لا؟، فأنهاه عن الخوض فيه) (القائل هو ربيع المدخلي في مقاله: «كلمة حق حول جنس العمل»، فقاطعه الشيخ الغديان قائلا: (هذه المسألة تدخل في مذهب المرجئة الذين لا يجعلون العمل شرط صحة).([124]) اهـ
قلت: فكلام «عبيد الجابري» هذا من أبطل الباطل، وهو يوافق المرجئة؛ فهذا الذي يقول هذا القول، هو مرجئ، لأن تارك جميع العمل كافرا عند أهل السنة والجماعة، وهو غير مؤمن، والإيمان عندهم هو: اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالجوارح.
* والعمل بالجوارح جزء من الإيمان، وكله ركن فيه، فإذا لم يأت بالعمل على الإطلاق يكون قد هدم هذا الركن، وهو كافر خارج من الملة، ومن قال عنه ناقص الإيمان، أثبت له الإيمان؛ وهذا قد خالف إجماع الأمة ونقضه، لأنهم رأوه كافرا غير مؤمن، وهو أثبت له الإيمان، وهذا هو مذهب المرجئة.
قلت: فمذهب المرجئة إنهم لا يكفرون الشخص، ويثبتون له الإيمان، ولو انتهت جميع الأعمال، ولو لم يعمل عملا قط.
* ولكن أهل السنة: قد ابتعدوا عن هذه الطريقة، فيفهمون النصوص بعضها مع بعض، فيقولون (لم يعملوا خيرا قط) ([125])؛ أي: لم يكن عمله تاما، ولم يكن عمله كافيا، فهو يقع تحت الوعيد في نقصان عمله ولقلة عمله، ولا يأخذون بهذا المتشابه، ويتركون النصوص القطعية الكثيرة في الكتاب والسنة، وإجماع أهل السنة، وإنما يوجهونها مع النصوص الأخرى، فيحملون المتشابه على المحكم، لكي تتفق النصوص، ثم يصدرون الحكم الصحيح.
قلت: وهذه الأقوال لأهل العلم تدل على بطلان قول: «عبيد الجابري» في أن تارك جنس العمل ناقص الإيمان!.
وليست هذه القضية هي الأولى في حياة هذا الرجل، فلها مثيلات يشهد عليه أهل العلم وطلبتهم السلفيون، منها: في أشرطته، ومنها: في مقالاته، ومنها: ما نشر في: «شبكة سحاب»، ولعلكم تعلمونها، أو تعلمون بعضها.
* وليعلم المسلم الكريم: أن هناك مآخذ كبيرة على «عبيد الجابري» في الأصول - خاصة أباطيله في الإرجاء - لا يعرفها إلا أهل السنة والجماعة، فوجهت له بسببها النصائح لعله يرجع عنها، فلم يوفق لذلك مع الأسف، وذهب هو: «وربيع» وأعوانه يتكلفون الردود البعيدة كل البعد عن مذهب أهل السنة والجماعة، بالشغب والكذب عليهم، وهذا هو الضلال المبين؛ لأنه ليس بعد الحق إلا الضلال. كما قال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس: 32].
قلت: وهذا الرجل المميع مثله لن يعترف بأي خطأ من اخطائه، ولا يمكن أن يسلم لأهل السنة والجماعة بأي حق!، ولو أيدته الأدلة والبراهين، وأيده علماء الحرمين.
* فهذا الرجل شغل أتباعه بترهاته، وأراجيفه وفتنته، ومن عجائبه: أنه يفعل هذه الأفاعيل الشنيعة، ثم لا يقبل نصيحة من علماء الحرمين، فالنصح عنده جريمة، ولو أهان السلفية وأهلها.
ويعلم الله أن العلماء كانوا يتحفظون التحفظ الشديد في انتقاد هذه: «الجماعة المميعة» ([126])، لإيقاف فتنته العمياء، وحماية لسمعتهم، لكنهم لم يهتموا بذلك، ولم يزدادوا على مر الأيام - كما هو ظاهر - إلا عنادا، ومضيا في فتنتهم، والكلام عن فتنتهم يطول، وقد تكلمت عنها كثيرا في كتبي، ولله الحمد والمنة.
قلت: وبـ«الربيعية المرجئة»، وجد المبتدعة طريقا على أهل السنة، وأهل الحديث، فأضافوا إليهم قلة الفهم، وهذا كذب وبهتان، وإفك وطغيان، ما أنزل الله به من سلطان، قد نزه الله تعالى حملة السنة، وآثار السلف الذين هم سرج العباد، ونور البلاد عن مثل هذه المقالة العوراء، والجهالة العمياء، بل يصح عند العلماء أنها من أباطيل: «المرجئة الخامسة» حين ضاق بهم المخرج، ولم يصح لهم المنهج، ورأوا ما أبدى الله تعالى على ألسنتهم من عوراتهم الشنيعة، وجهالاتهم الفظيعة؛ ما خالفوا فيه الكتاب والسنة وإجماع الأمة، أرادوا أن يموهوا على العوام، ويوهموا بزخرف الكلام ما نزه الله تعالى عنه كل عالم يقتدى به في الإسلام، ويهتدى بقوله في الاعتقاد، أترى يظن مسلم أن ما تخرصوه يدنس اعتقاد السلف الصالح، وأصحاب الحديث، خاب والله ما رجوه، وبطل ما أملوه، بل ما ذكره علماء السنة في غواتهم أليق، وإليهم أسبق مثل: «ربيع المدخلي المرجئ» ([127])، وقالوا فيه: وافق المرجئة، ووقع في الإرجاء، وكان يظهر الزهادة، ويتكلم في مسائل الإيمان على وجه التلبيس، وهو في اعتقاده في مسائل الإيمان وغيرها شر من إبليس الخسيس، لأنه يلبس فيها بتلبيس!.([128])
* فهؤلاء اتبعوا أهواءهم في دين الله تعالى: بمؤازرة الأهواء بعلم منهم. حتى وقعوا في ما حذرنا بوجوده النبي r، حيث قال ابن مسعود t: «خط رسول الله r خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيما وخط عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا وعليه شيطان يدعو إليه؛ ثم قرأ: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله[.([129])
قلت: وقد نجد هؤلاء يقومون بالتجول في البلدان على طريقة الحزبية، لإقامة الاجتماعات السرية مع الجهلة، وتقرير المنهج المميع بالتعاون في البلدان مع الحزبيين أعداء السنة، فمتى تعودت القلوب على الانحراف، وألفته لم يبق فيها مكان للمنهج السلفي الخالص؛ الذي لم يخالطه الانحراف، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
* ومع ذلك لم يكتف «عبيد الجابري» المميع، بل قام يقع على أهل السنة، ويشاغبهم بالاستخفاف بهم - ويرميهم بدائه - عند الجهلة وغيرهم، ويتطاول بلسانه على أهل العلم، وشباب السنة، الذين نهجوا نهج السلف الصالح، وتهجمه عليهم من غير وازع، ولا ضمير.
* ولذلك كثر كذبه، وتدليسه، وتلبيسه على الجهلة، وتلاعبه بعقولهم، فانظروا إلى أي هوة سقط هذا الرجل، ولقد اغتر به الذين يعانون من قلة الدين، والمنهج، وقلة العلم، والله المستعان.
* وقد اضطرب([130]) «عبيد الجابري» في أمر تارك: «جنس العمل» ([131])!، وفي ثبوته من أقوال أهل السنة والجماعة!.([132])
كل ذلك يبين أن الرجل يجازف في أحكام الدين([133])، ولم يتقن معتقد أهل السنة والجماعة في مسائل الإيمان، وإلا لماذا هذا الاضطراب([134]) والتناقض، ومقالاته تدل على ذلك.
وقد خاض وحده في معتقد أهل السنة، ولم يكن فيه عنده علم، بل لم يكلف نفسه إلى الآن أن يرجع إلى علماء الحرمين([135]) فيسألهم عن مسألة تارك: «جنس العمل» وثبوت ذلك ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل: 43]، فهذا الرجل في رأسه عناد مفرط أهلكه([136])، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* وهذا فيه خلط، وخبط، وفهم شارد، كما هو ظاهر، فهو يحاول أن يصحح مذهبه في الإرجاء بمحاولات الغريق الذي يريد أن يتشبث بخيوط القمر، محوطة بالتدليس، ملفوفة بالتلبيس.([137])
* فالجابري: بقوله هذا يرى بأنه تارك «جنس العمل» ناقص الإيمان، وعلى هذا لا يكفر على مذهبه الباطل، وهذا قول: «المرجئة»، بلا شك كما بين (الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ عبد الله الغديان) وغيرهم.
قلت: يعني لو ترك الإنسان «جنس العمل»، فهو عند «الجابري» يدخل في أحاديث الشفاعة، والله المستعان.
قلت: فالرجل أكثر التلبيس على: «السحابيين الربيعيين» ([138])، مع علمه بخطئه وكتمانه، فهو لم يقتصر على الكتمان، بل سلك مسلك علماء أهل الكتاب في التلبيس، كما بين أمرهم الله؛ في قوله تعالى: ]يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون[ [آل عمران: 71]، ونهاهم عن ذلك؛ بقوله تعالى: ]ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون[ [البقرة: 42].
لكن حال السحابيين الربيعيين على ما قاله الشاعر:
كبهيمة عمياء قاد زمامها أعمى |
|
|
على عوج الطريق الجائر |
وقال الإمام ابن القيم / في «النونية» (ص413):
لكن إلى أرض الجهالة أخلدوا |
|
|
واستسهلوا التقليد كالعميان |
لم يبذلوا المقدور في إدراكهم |
|
|
للحق تهوينا بهذا الشان |
وقال الإمام ابن القيم / في «النونية» (ص287):
والله لو حدقتم لرأيتم هذا |
|
|
وأعظم منه رأي عيان |
لكن على تلك العيون غشاوة |
|
|
ما حيلة الكحال في العميان |
* فلا بد إذا أن يحمل أهل الأثر على أناملهم أقلام النصرة، بكلمة حق يخر لها الباطل صعقا، ولتفضح المبطل، تحذيرا من فتنه، ودفعا لمنهجه الباطل.
وهذا الدفاع كفاحا عن معتقد أهل العلم الربانيين، وطلبتهم السلفيين الذين نهجوا نهج السلف الصالح، ونصرة السنة النبوية، ومعتقد السلف الصالح.
وجملة القول: أن هذا الرجل لا يعتد بنقله، ولا بعلمه، ومن يراجع مقالاته المخلطة في «شبكة سحاب» سابقا المخلطة يتحقق صدق ما قلناه.
من أجل هذا الكلام، ومن أجل ما ينشره هذا المميع من الباطل، دعت الحاجة إلى تدوين هذا المبحث نصيحة لشباب المسلمين، ونصرة للحق المبين.
* وقد أجمع علماء السلف أهل السنة والجماعة على كفر تارك: «جنس العمل».([139])
قلت: لأنه يمتنع أن يكون العبد مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه، ولم يؤد عملا صالحا...!!!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص621): (وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله تعالى، ورسوله r بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجبا ظاهرا، ولا صلاة، ولا زكاة، ولا صياما، ولا غير ذلك من الواجبات [أو] لا لأجل أن الله أوجبها، مثل أن يؤدي الأمانة، أو يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله تعالى، ورسوله r، لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمنا بالله تعالى، ورسوله r مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد r). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص611): (ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه؛ بأن الله تعالى فرض عليه الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب، وزندقة لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع عن السجود الكفار). اهـ
وقال العلامة القصاب / في «نكت القرآن» (ج1 ص461): سورة الأنفال رد على المرجئة: (قوله عز وجل: ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقا[ [الأنفال: 2 و3 و4]؛ رد على: «المرجئة» من وجوه:
أحدها: أنه ذكر عامة الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة وجعلها من الإيمان، وذلك أنه ذكر قبل: ]إنما المؤمنون[؛ التقوى وإصلاح ذات البين([140])، ثم نسق في هذه الآية عملا بعد عمل وذكر فيها التوكل وهو: باطن.
والثاني: أنه ذكر زيادة الإيمان بتلاوة الآيات عليهم، وهم ينكرونه.
والثالث: أنه لم يثبت لهم حقيقة الإيمان؛ إلا باجتماع خصال الخير من الأعمال الظاهرة والباطنة، وهم يثبتون حقيقة([141]) بالقول وحده.
والرابع: أنه - جل وتعالى - قال بعد ذلك كله ]لهم درجات[ [الأنفال: 4]؛ وقد أثبت لهم الإيمان بشرائطه وحقيقته، وهم لا يجعلون للمؤمن في إيمانه؛ إلا درجة واحدة، ولا يجعلون للإيمان أجزاء.
فكيف يستقيم أن يسمى المرء بالإقرار وحده مستكمل الإيمان، وقد سمى الله - جل جلاله - كل من حوته الآية إيمانا؟). اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج1 ص58): (والمشهور عن السلف، وأهل الحديث أن الإيمان: قول وعمل ونية، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان، وحكى الشافعي على ذلك إجماع الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم ممن أدركهم، وأنكر السلف على من أخرج الأعمال من الإيمان إنكارا شديدا، وممن أنكر ذلك على قائله، وجعله قولا محدثا: سعيد بن جبير، وميمون ابن مهران، وقتادة، وأيوب السختياني، وإبراهيم النخعي، والزهري، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم.
وقال الثوري: (هو رأي محدث، أدركنا الناس على غيره)، وقال الأوزاعي: (كان من مضى من السلف لا يفرقون بين العمل والإيمان).([142]) اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج1 ص93)؛ تحت حديث: ابن عمر ﭭ: «بني الإسلام على خمس»: (فإن النبي r جعل هذه الخمس دعائم الإسلام ومبانيه، وفسر بها الإسلام في حديث جبريل، وفي حديث طلحة بن عبيد الله الذي فيه: أن أعرابيا سأل النبي r ففسره له بهذه الخمس، ومع هذا فالمخالفون في الإيمان يقولون: لو زال من الإسلام خصلة واحدة، أو أربع خصال سوى الشهادتين، لم يخرج بذلك من الإسلام).([143]) اهـ
* وسئل العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى: هناك من يقول الإيمان قول واعتقاد وعمل، لكن العمل شرط كمال فيه، ويقول أيضا لا كفر إلا باعتقاد. فهل هذا القول من أقوال أهل السنة والجماعة أم لا؟.
فأجاب فضيلته: (الذي يقول هذا ما فهم الإيمان، ولا فهم العقيدة، وهذا هو ما قلناه في المقدمة من أن الواجب عليه أن يدرس العقيدة على أهل العلم، ويتلقاه من مصادرها الصحيحة، وسيعرف الجواب عن هذا السؤال.
وقوله: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد ثم يقول: إن العمل شرط في كمال الإيمان وفي صحته، هذا تناقض كيف يقول العمل من الإيمان ثم يقول العمل شرط؟!).([144]) اهـ
* وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز /: من شهد أن لا إله إلا الله، واعتقد بقلبه، ولكن ترك جميع العمل، هل يكون مسلما؟.
فأجاب فضيلته: (لا، ما يكون مسلما حتى يوحد الله بعمله، يوحد الله بخوفه ورجائه، ومحبته، والصلاة، ويؤمن أن الله أوجب كذا وحرم كذا. ولا يتصور... ما يتصور أن الإنسان المسلم يؤمن بالله يترك جميع الأعمال، هذا التقدير لا أساس له. لا يمكن يتصور أن يقع من أحد... نعم لأن الإيمان يحفزه إلى العمل الإيمان الصادق... نعم).([145]) اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: عن العمل: (لا، هو جزء، ما هو بشرط، هو جزء من الإيمان، الإيمان قول وعمل وعقيدة؛ أي: تصديق، والإيمان يتكون من القول والعمل والتصديق؛ عند أهل السنة والجماعة).([146]) اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: عن العمل: - عندما سئل: هناك من يقول بأنه داخل في الإيمان لكنه شرط كمال؟ -: (لا، لا ما هو بشرط كمال، جزء، جزء من الإيمان: هذا قول المرجئة..).([147]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج2 ص309)؛ وذكر مقولة السلف: «لا يقبل قولا إلا بعمل»: (وهذا فيه رد على: «المرجئة» الذين يجعلون مجرد القول كافيا، فأخبر أنه لابد من قول وعمل؛ إذ الإيمان قول وعمل، لابد من هذين؛ كما بسطناه في غير هذا الموضع). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «مسائل في الإيمان» (ص17): (لا عمل بدون إيمان، ولا إيمان بدون عمل فهما حقيقة الإيمان، والأعمال من الإيمان، والأقوال من الإيمان، والاعتقاد من الإيمان، ومجموعها كله هو الإيمان بالله عز وجل، مع الإيمان بكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره).اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «مسائل في الإيمان» (ص34): (العمل من الإيمان، فمن تركه يكون تاركا للإيمان، سواء ترك العمل كله نهائيا؛ فلم يعمل شيئا أبدا، أو أنه ترك بعض العمل؛ لأنه لا يراه من الإيمان، ولا يراه داخلا في الإيمان؛ فهذا يدخل في: «المرجئة»([148])، والعمل قد يزول الإيمان بزواله؛ كترك الصلاة).([149]) اهـ
قلت: ويدل على فساد قول «المرجئة العصرية» اضطرابهم في الكلام في مسائل الإيمان؛ كما هو الظاهر من مقالاتهم.
وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ حفظه الله: (المسلمون في عهد المصطفى r، وعهد خلفائه الراشدين كانوا يعتقدون أن الإيمان: اعتقاد القلب، ونطق اللسان، وعمل الجوارح، وأن الأعمال جزء من الإيمان، فلم يقولوا: هي شرط كمال، بل كانوا يعتقدون أن الأعمال جزء من مسمى الإيمان، فلفظ الإيمان يدخل فيه الأقوال والأعمال والاعتقادات، كلها يشملها مسمى الإيمان، وتقتضيها حقيقة الإيمان).([150])([151]) اهـ
قلت: وهذا كله يؤكد وجوب ترك قول «المرجئة الخامسة العصرية» هذا، وهجره لأنه من المعلوم عند أهل السنة والجماعة: أن كل قول لم يقله السلف، وأحدث خلافا، وافتراقا في الأمة، فإنه ليس هو من الدين، ويتحتم تركه حتى تجتمع الكلمة، وتأتلف القلوب.
قال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص283): (الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح، وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته، فلا ينفع ظاهر لا باطن له). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص204): (فكل إسلام ظاهر لا ينفذ صاحبه منه إلى حقيقة الإيمان الباطنة، فليس بنافع حتى يكون معه شيء من الإيمان الباطن، وكل حقيقة باطنة: لا يقوم صاحبها بشرائع الإسلام الظاهرة، لا تنفع ولو كانت ما كانت). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص128): (القرآن والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان؛ إلا بالعمل مع التصديق، وهذا في القرآن أكثر بكثير من معنى الصلاة والزكاة، فإن تلك إنما فسرتها السنة، والإيمان بين معناه الكتاب والسنة وإجماع السلف). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص621): (وقد تبين أن الدين فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله تعالى، ورسوله r بقلبه، أو بقلبه، ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا، ولا صلاة ولا زكاة، ولا صياما، ولا غير ذلك من الواجبات). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص611): (ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه؛ بأن الله تعالى فرض عليه الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب، وزندقة لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع عن السجود الكفار). اهـ
قلت: ويؤيد ما سبق من الكلام تتابع النصوص الشرعية من الكتاب والسنة الدالة على دخول الأعمال في مسمى الإيمان كما سبق.
قال الحافظ الآجري / في «الأربعين» (ص135): (اعلموا رحمنا الله وإياكم: أن الذي عليه علماء المسلمين: أن الإيمان واجب على جميع الخلق: وهو التصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح... ولا تجزئ معرفة بالقلب، والنطق باللسان حتى يكون معه عمل الجوارح.
* فإذا كملت الخصال الثلاث كان مؤمنا... فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان.
فمن لم يصدق الإيمان بعمله، وبجوارحه مثل الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد أشباه لهذه، ورضي لنفسه المعرفة، والقول دون العمل لم يكن مؤمنا، ولم تنفعه المعرفة والقول). اهـ
وقال الحافظ ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص795): (فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين، أن الإيمان قول وعمل، وأن من صدق بالقول، وترك العمل كان مكذبا، وخارجا من الإيمان، وأن الله تعالى لا يقبل قولا إلا بعمل، ولا عملا إلا بقول). اهـ
وقال الحافظ أبو عبيد / في «الإيمان» (ص65): (فلم يجعل الله تعالى للإيمان حقيقة إلا بالعمل على هذه الشروط، والذي يزعم أنه بالقول خاصة يجعله مؤمنا حقا، وإن لم يكن هناك عمل، فهو معاند لكتاب الله والسنة). اهـ
* وسئل العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: شهادة أن لا إله إلا الله هي مفتاح دين الإسلام، وأصله الأصيل؛ فهل من نطق بها فقط؛ دخل في دائرة المسلمين؛ دون عمل يذكر؟ وهل الأديان السماوية - غير دين الإسلام الذي جاء به محمد r: جاءت بنفس هذا الأصل الأصيل؟.
فأجاب فضيلته: (من نطق بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله؛ حكم بإسلامه بادي ذي بدء، وحقن دمه:
فإن عمل بمقتضاها ظاهرا وباطنا؛ فهذا مسلم حقا، له البشرى في الحياة الدنيا والآخرة.
* وإن عمل بمقتضاها ظاهرا فقط؛ حكم بإسلامه في الظاهر، وعومل معاملة المسلمين، وفي الباطن هو منافق، يتولى الله حسابه.
وأما إذا لم يعمل بمقتضى: «لا إله إلا الله»، واكتفى بمجرد النطق بها، أو عمل بخلافها؛ فإنه يحكم بردته، ويعامل معاملة المرتدين.
* وإن عمل بمقتضاها في شيء دون شيء؛ فإنه ينظر: فإن كان هذا الذي تركه يقتضي تركه الردة؛ فإنه يحكم بردته، كمن ترك الصلاة متعمدا، أو صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله. وإن كان هذا الذي تركه لا يقتضي الردة؛ فإنه يعتبر مؤمنا ناقص الإيمان بحسب ما تركه؛ كأصحاب الذنوب التي هي دون الشرك.
وهذا الحكم التفصيلي جاءت به جميع الشرائع السماوية).([152]) اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «المنتقى» (ج1 ص290): (وقال الله سبحانه وتعالى: ]والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر[ [العصر: 1-3].
* فرتب السلامة من الخسارة على مسائل أربع:
المسألة الأولى: الإيمان، ويعني: الاعتقاد الصحيح.
المسألة الثانية: العمل الصالح، والأقوال الصالحة، وعطف الأقوال الصالحة، والأعمال الصالحة على الإيمان من باب عطف الخاص على العام؛ لأن الأعمال داخله في الإيمان، وإنما عطفها عليه اهتماما بها.
والمسألة الثالثة: ]وتواصوا بالحق[؛ يعني: دعوا إلى الله، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، لما اعتنوا بأنفسهم أولا، وعرفوا الطريق دعوا غيرهم إلى ذلك؛ لأن المسلم مكلف بدعوة الناس إلى الله سبحانه وتعالى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
]وتواصوا بالصبر[، وهذه المسألة الرابعة: الصبر على ما يلاقونه في سبيل ذلك من التعب والمشقة، فلا سعادة لمسلم إلا إذا حقق هذه المسائل الأربع).اهـ
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن /: (ومجرد الإتيان بلفظ الشهادة، من غير علم بمعناها، ولا عمل بمقتضاها: لا يكون به المكلف مسلما).([153])([154]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص644) عن الإيمان: (إذا ذهب نقص عن الأكمل، ومنه إذا ذهب: ذهب عن الكمال، ومنه ما إذا ذهب: ذهب الإيمان بالكلية، وهو القول والاعتقاد). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «كشف الشبهات» (ص126): (لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شي من هذا لم يكن الرجل مسلما. فإن عرف التوحيد ولم يعمل به، فهو كافر معاند؛ كفرعون، وإبليس، وأمثالهما). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ص86): (فإذا خلا العبد: عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا... فإن حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد، وذلك إنما يتم بالفعل، لا بالقول فقط؛ فمن لم يفعل لله تعالى شيئا فما دان لله دينا، ومن لا دين له فهو كافر). اهـ
وقال الإمام ابن راهوية /: (أول من تكلم بالإرجاء: زعموا أن الحسن بن محمد الحنفية، ثم غلت المرجئة حتى صار من قولهم: أن قوما يقولون: من ترك المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود بها؛ أنا لا نكفره يرجى أمره إلى الله بعد إذ هو مقر.
* فهؤلاء المرجئة: الذين لا شك فيهم، ثم هم أصناف: منهم من قوم: نحن مؤمنون البتة، ولا يقول عند الله، ويرون الإيمان قولا وعملا، وهؤلاء أمثلهم، وقوم يقولون: الإيمان قول ويصدقه العمل، وليس العمل من الإيمان، ولكن العمل فريضة، والإيمان هو القول، ويقولون: حسناتنا متقبلة، ونحن مؤمنون عند الله، وإيماننا وإيمان جبريل واحد، فهؤلاء الذين جاء فيهم الحديث: أنهم «المرجئة» التي لعنت على لسان الأنبياء).([155])اهـ
وقال شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «فتح رب البرية» (ص57): (ترك الطاعة فإن الإيمان ينقص به، والنقص به حسب تأكد الطاعة؛ فكلما كانت الطاعة أوكد: كان نقص الإيمان بها أعظم، وربما فقد الإيمان كله؛ كترك الصلاة). اهـ
وقال الحافظ الآجري / في «الشريعة» (ج2 ص684): (من قال الإيمان قول دون العمل يقال له: رددت القرآن والسنة، وما عليه جميع العلماء، وخرجت من قول المسلمين، وكفرت بالله العظيم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج14 ص120): (فمن قال: إنه يصدق الرسول r ويحبه، ويعظمه بقلبه، ولم يتكلم قط بالإسلام، ولا فعل شيئا من واجباته بلا خوف، فهذا لا يكون مؤمنا في الباطن، وإنما هو كافر...). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان /: (فلا بد من شهادة: أن لا إله إلا الله، من اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، فإن اختل نوع من هذه الأنواع: لم يكن الرجل مسلما).([156]) اهـ
قلت: ومن هنا يتبين الفرق بين مذهب السلف، ومخالفيهم.
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن / في «فتح المجيد» (ص35): (قوله r: «من شهد أن لا إله إلا الله»؛ أي: من تكلم بها عارفا لمعناها، عاملا بمقتضاها، باطنا وظاهرا، فلا بد في الشهادتين: من العلم، واليقين، والعمل بمدلولها، كما قال تعالى: ]فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك[ [محمد: 19]، وقال تعالى: ]إلا من شهد بالحق وهم يعلمون[ [الزخرف: 86].
* أما النطق بها من غير معرفة لمعناها، ولا يقين، ولا عمل بما يقتضيه، من نفي الشرك، وإخلاص القول والعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح: فغير نافع بالإجماع). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن /: (أجمع العلماء سلفا وخلفا؛ من الصحابة والتابعين والأئمة، وجميع أهل السنة، أن المرء لا يكون مسلما، إلا بالتجرد من الشرك الأكبر، والبراء منه وممن فعله، وبغضهم ومعاداتهم بحسب الطاقة والقدرة، وإخلاص الأعمال كلها لله تعالى).([157]) اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الرحمن /: (ومجرد التلفظ بالشهادتين لا يكفي في الإسلام بدون العمل بمعناها، واعتقاده إجماعا).([158]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «بدائع الفوائد» (ج3 ص710): (لله على العبد عبوديتين: عبودية باطنة، وعبودية ظاهرة، فله على قلبه عبودية، وعلى لسانه، وجوارحه عبودية، فقيامه بصورة العبودية الظاهرة مع تعريه عن حقيقة العبودية الباطنة، مما لا يقربه إلى ربه سبحانه، ولا يوجب له الثواب، وقبول عمله.
* فإن المقصود امتحان القلوب، وابتلاء السرائر، فعمل القلب: هو روح العبودية بها، فإذا خلا عمل الجوارح منه، كان كالجسد الموات، بلا روح، والنية: هي عمل القلب، الذي هو ملك الأعضاء، والمقصود بالأمر والنهي؛ فكيف يسقط واجبه...).اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد السائل» (ص33): (وأقول من كان تاركا لأركان الإسلام، وجميع فرائضه ورافضا لما يجب عليه من ذلك من الأقوال والأفعال ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين، فلا شك، ولا ريب: أن هذا كافر شديد الكفر، حلال الدم والمال). اهـ
قلت: فهذا الموضع ينبغي تدبره فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في هذا الباب.([159])
وقال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني /: (إن الإيمان بدون عمل لا يفيد فالله عز وجل حينما يذكر الإيمان، يذكره مقرونا بالعمل الصالح، لأننا لا نتصور إيمانا بدون عمل صالح).([160]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص506): (ولكن القول المطلق، والعمل المطلق في كلام السلف يتناول قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح.
* فقول اللسان بدون اعتقاد القلب: هو قول المنافقين، وهذا لا يسمى قولا إلا بالتقييد؛ كقوله تعالى: ]يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم[ [الفتح: 11].
وكذلك عمل الجوارح بدون أعمال القلوب هي من أعمال المنافقين التي لا يتقبلها الله.
* فقول السلف يتضمن القول والعمل الباطن والظاهر، لكن لما كان بعض الناس قد لا يفهم دخول النية في ذلك، قال بعضهم ونية، ثم بين آخرون: أن مطلق القول، والعمل، والنية لا يكون مقبولا؛ إلا بموافقة السنة...). اهـ
وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج1 ص367): (ومن هنا فإن كان الظاهر منخرما حكم على الباطن بذلك، أو مستقيما حكم على الباطن بذلك أيضا، وهو أصل عام في الفقه، وسائر الأحكام العاديات والتجريبيات، بل الألتفات إليها من هذا الوجه نافع في جملة الشريعة جدا، والأدلة على صحته كثيرة جدا، وكفى بذلك عمدة أنه الحاكم بإيمان المؤمن، وكفر الكافر، وطاعة المطيع، وعصيان العاصي، وعدالة العدل، وجرحة المجرح، وبذلك تنعقد العقود، وترتبط المواثيق إلى غير ذلك من الأمور، بل هو كلية التشريع، وعمدة التكليف بالنسبة إلى إقامة حدود الشعائر الإسلامية الخاصة والعامة). اهـ
قلت: قد فهم منها بعض من تكلم في هذه المسألة أن الأعمال الصالحة كلها شرط كمال عند السلف.
وهذا خطأ يقع فيه كثير من طلاب العلم، ممن لم يمحص قول السلف في هذا الباب.
قلت: فليس مراد السلف: أن جنس الأعمال شرط لكمال الإيمان، لأن هذا يقتضي صحة الإيمان بدون أي عمل، وهذا لازم قول: «المرجئة»، وليس قول السلف، اللهم غفرا.
قلت: فمن أنزل مرتبة العمل عن مرتبة القول، بأن زعم حصول نجاة من لم يعمل من شرائع الإسلام خيرا قط([161])، مع قدرته على العمل، وعدم وجود المانع، فقد غلط، وقوله هذا يلتقي مع: «المرجئة» في أصل مذهبهم تماما، وهو إعراض عن المحكم من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وعن منهج السلف الصالح، وإجماع منعقد بين أهل السنة والجماعة.
قال الإمام المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص348): فيمن يقول بهذا من أهل السنة: (ولا فرق بينه، وبين «المرجئة»: إذ زعمت أن الإيمان إقرار بلا عمل). اهـ
قلت: والأدهى من ذلك والأمر أن يتأثر بتلك الفكرة الساذجة دعاة يلتقون معنا في أصول الدعوة السلفية المباركة في الظاهر، فتراهم مع الأسف يتمسكون بهذا المعتقد الباطل، ويتكلفون التنقيب عن أدلة له، بتعسف وتكلف ولي لأعناق النصوص، وإخضاعها لتوافق ذلك المعتقد الباطل، وجرهم ذلك للتدليس بنقل بعض العبارات الموهمة عن علماء ربانيين عرفوا بصفاء المنهج وصحة المعتقد، ليمعنوا في التضليل، ويوغلوا في التلبيس، فيكتب عليهم وزرها ووزر من اعتقدها، وعمل بمقتضاها إلى يوم القيامة.([162])
قلت: «فربيع المدخلي» أحيا مذهب: «المرجئة»، ونقله من دائرة النظرية التقليدية؛ كجماعة ذات فكر، وكيان إلى منهج يعادي، ويوالي عليه، اللهم غفرا.([163])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص72): (وهو أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن). اهـ
قلت: وهذه الشعب تتفاوت مراتبها بحسب دخولها في: مراتب الإيمان الثلاثة.
1) فمنها: ما هي من أصل الإيمان يزول بزوالها الإيمان بالكلية.
2) ومنها: ما هي من الكمال الواجب بزوالها يزول الكمال الواجب، ويفوت صاحبه الثواب، ويستحق به العقاب مع بقاء أصل الإيمان وعدم زواله.
3) ومنها: ما هي من شعب الإيمان المستحب تزول بزوالها مرتبة الكمال المستحب، ويفوت صاحبه علو الدرجات، وأسمى المقامات، ولا يستحق به العقاب، ولا يفوته الثواب.
* لأن هذه الشعب ليست مما افترض الله على العباد، بل جعلها مجالا للتسابق في الخيرات، ونيل أعالي الدرجات، وأرفع المنازل في الجنات.([164])
قلت: وقد أوضح أهل العلم فيما سبق أنه لابد من العمل الظاهر، لوجود الإيمان الباطن: الذي في القلب؛ فهما متلازمان لا ينفكان أبدا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص168): (وقد بينا أن الإيمان إذا أطلق أدخل الله تعالى، ورسوله r: فيه الأعمال المأمور بها، وقد يقرن به الأعمال، وذكرنا نظائر لذلك كثيرة، وذلك لأن أصل الإيمان هو ما في القلب، والأعمال الظاهرة لازمة لذلك، ولا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح، بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كان لنقص الإيمان الذي في القلب، فصار الإيمان متناولا للملزوم واللازم، وإن كان أصله ما في القلب، وحيث عطفت عليه الأعمال، فإن أريد أنه لا يكتفي بإيمان القلب، بل لابد معه من الأعمال الصالحة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الأوسط» (ج7 ص642 - الفتاوى): (اسم الإيمان يستعمل مطلقا، ويستعمل مقيدا، وإذا استعمل مطلقا، فجميع ما يحبه الله تعالى، ورسوله :r من أقوال العبد، وأعماله الباطنة والظاهرة يدخل في مسمى الإيمان عند عامة السلف، والأئمة من الصحابة ،والتابعين، وتابعيهم، الذين يجعلون الإيمان قولا وعملا، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، ويدخلون جميع الطاعات فرضها ونفلها في مسماه). اهـ
* فأهل السنة والأثر والحديث لهم قواعد وضوابط، أصلوها تأصيلا في غاية النفع، كما أن لهم تحقيقات دقيقة ذكروا فيها أصول الخلاف، وتفاوت الطوائف في مدى التزامها بلوازم أقوالهم في تعريف الإيمان.
* فإن الأصل الذي نشأ بسببه النزاع في الإيمان تمسك المخالفين بأصلين فاسدين بنوا عليهما جميع أقوالهم الأخرى وهما:
أحدهما: أن الإيمان كل لا يتبعض، ولا يتجزأ إذا زال بعضه زال كله.
والثاني: قولهم إنه لا يجتمع عند الإنسان طاعة ومعصية، وإيمان وكفر أصغر، وإسلام: ونفاق عملي، وأنه إذا وجد أحدهما انتفى الآخر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص387): (ومن العجب أن الأصل الذي أوقعهم في هذا، اعتقادهم أنه لا يجتمع في الإنسان بعض الإيمان، وبعض الكفر، أو ما هو إيمان، وما هو كفر، واعتقدوا أن هذا متفق عليه بين المسلمين، كما ذكر ذلك أبو الحسن وغيره، فلأجل اعتقادهم في هذا الإجماع، وقعوا فيما هو مخالف للإجماع الحقيقي، إجماع السلف الذي ذكره غير واحد من الأئمة، بل وخرج غير واحد منهم بكفر من قال بقول: «جهم» في الإيمان). اهـ
قلت: ولذلك فقد تصدى أهل السنة والجماعة، لهذه البدع، مع بداية ظهورها بالرد والبيان، والحجة والبرهان، حتى صار منهج أهل السنة والجماعة: متميزا جليا في مسالة الإيمان.
* وبما أن مسألة الإيمان: هي أول مسألة وقع فيها الخلاف بين أهل القبلة، حتى صار إلى حد التكفير، والقتال، والتبديع، وكل ذلك كان بسبب خوض البعض في مسألة الإيمان، على أسس غير علمية، بعيدة كل البعد عن أدلة الكتاب والسنة، وفهم سلف الأمة، فأدى ذلك إلى ظهور بدع عدة بدءا ببدعة: «الخوارج»، وانتهاء ببدع: «الجهمية»، و«المعتزلة»، و«المرجئة».
وهذا هو أعظم خطأ وقع فيه أهل البدع، وهو الخطأ في الفهم، والنظر، والاستدلال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص98): (وقد عدلت: «المرجئة» في هذا الأصل عن بيان الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، واعتمدوا على رأيهم، وعلى ما تأولوه بفهمهم اللغة.
* وهذه طريقة أهل البدع... ولهذا تجدهم لا يعتمدون على أحاديث النبي r، والتابعين، وأئمة المسلمين، فلا يعتمدون لا على السنة، ولا على إجماع السلف وآثارهم، وإنما يعتمدون على العقل واللغة، وتجدهم لا يعتمدون على كتب التفسير المأثورة، والحديث، وآثار السلف، وإنما يعتمدون على كتب الأدب، وكتب الكلام التي وضعتها رؤوسهم، وهذه طريقة الملاحدة أيضا...). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص339): (ومن آتاه الله علما وإيمانا، علم أنه لا يكون عند المتأخرين - والمعاصرين - من التحقيق، إلا ما هو دون تحقيق السلف، لا في العلم، ولا في العمل، ومن كان له خبرة بالنظريات، والعقليات، والعمليات، علم أن مذهب الصحابة دائما أرجح، من قول من بعدهم، وأنه لا يبتدع أحد قولا في الإسلام، إلا كان خطأ، وكان الصواب قد سبق إليه من قبله).([165]) اهـ
قلت: ولقد صدرت في حق هؤلاء جملة من الفتاوى من علماء السنة تبين انحرافهم، وجنايتهم على عقيدة أهل السنة والجماعة.
قلت: ومع نصح هؤلاء العلماء، أعني: أصحاب الفتاوى وغيرهم لهم، بالرجوع إلى الحق؛ إلا أنهم تمادوا في غيهم، واستمروا في ضلالهم، وسودوا الصفحات في الردود، وجمعوا الترهات للدفاع عن أنفسهم، ضاربين فتاوى أهل العلم، ونصحهم عرض الحائط، نسأل الله الهداية، والسداد: ]من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا[ [الكهف: 17].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص315): (وكذلك تجدهم في مسائل الإيمان، يذكرون أقوال الأئمة والسلف، ويبحثون بحثا يناسب قول: «الجهمية»؛ لأن البحث أخذوه([166]) من كتب أهل الكلام الذين نصروا قول: «جهم» في مسائل الإيمان).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص314): (وهذا قد وقع فيه: طوائف كثيرة من المتأخرين المنتسبين إلى السنة، والفقه، والحديث؛ المتبعين للأئمة الأربعة المتعصبة «للجهمية»، و«المعتزلة»، بل و«للمرجئة» أيضا، لكن لعدم معرفتهم بالحقائق التي نشأت منها البدع يجمعون بين الضدين، ولكن من رحمة الله بعباده المسلمين أن الأئمة الذين لهم في الأمة لسان صدق مثل الأئمة الأربعة وغيرهم... كانوا ينكرون على أهل الكلام من: «الجهمية» قولهم في القرآن والإيمان، وصفات الرب، وكانوا متفقين على ما كان عليه السلف). اهـ
قلت: ومع أن هؤلاء يدعون التحقيق والتدقيق، وأنهم فرسان الميدان في مسائل الإيمان، إلا أن المتبصر بالحق والسنة يعلم زيف أقوالهم، وبعدهم عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وجهلهم المركب بها.
* بل هؤلاء المرجئة: يدعون أن من كفر تارك: «جنس العمل» فهو على مذهب الخوارج، وهذا القول هو قول أهل البدع في أهل السنة، فإنهم يعيبونهم في تكفيرهم بالدليل قديما وحديثا، فتشابهت قلوبهم.
قال الإمام أحمد / – فيمن يعيب أقوال أهل السنة؛ في المبتدعة -: (فيعيبون قولنا: ويدعون إلى هذا القول أن لا يقال: (مخلوق، ولا غير مخلوق)، ويعيبون من يكفر([167])، ويزعمون أنا نقول بقول الخوارج!، ثم تبسم أبو عبدالله كالمغتاظ، ثم قال: هؤلاء قوم سوء!) ([168]».
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (ج5 ص139) من طريق محمد بن علي الوراق قال ثنا أبو بكر الأثرم فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الإمام حرب بن إسماعيل الكرماني في «المسائل» (ص379): (قال أحمد: لا يعجبني، للرجل أن يخالط المرجئة).
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر
ذكر الدليل
على أن من مذهب السلف كفر تارك: «جنس العمل»،
وليس هذا مذهب الخوارج؛ كما تدعي: «المرجئة الخامسة»،
وذكر الفرق بين مذهب السلف، وبين مذهب الخوارج في ذلك
* اعلم رحمك الله أن السلف، والسنة أدخلوا أعمال القلوب في الإيمان، ومقتضى هذا إدخال أعمال الجوارح؛ لامتناع قيام الإيمان بالقلب من غير حركة البدن بالعبادة.
فالعمل الظاهر لازم للعمل الباطن، فوجوده وجود للباطن، وانتفاءه انتفاء للباطن.([169])
قلت: والمراد بالعمل الذي ينتفي الإيمان بانتفائه: «جنس العمل الصالح»، لا أفراده، فإن المؤمن قد يترك أعمالا مفروضة، ويبقى مؤمنا، وإن كان لا يستحق الاسم المطلق.
قلت: فإن ترك العمل كله زال عنه مطلق الإيمان، لأنه ترك: «جنس العمل»، وترك جنس العمل مسقط لأصل الإيمان، فلا يوجد مؤمن عند أهل السنة والجماعة؛ إلا ولا بد أن يأتي: «بجنس العمل» مع الشهادتين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التحفة العراقية» (ص17): (الإيمان أمر وجودي، فلا يكون الرجل مؤمنا ظاهرا حتى يظهر أصل الإيمان، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله، ولا يكون مؤمنا باطنا حتى يقر بقلبه بذلك، فينتفي عنه الشك ظاهرا وباطنا مع وجود العمل الصالح والإيمان). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التحفة العراقية» (ص17): (من كان معه إيمان حقيقي؛ فلا بد أن يكون معه من هذه الأعمال بقدر إيمانه، وإن كان له ذنوب).اهـ
قلت: إذا تقرر مذهب السلف في حقيقة الإيمان تبين لنا أنهم حسنة بين مذهبين خاطئين: مذهب الوعيدية الخوارج، ومذهب المرجئة.
* أما مذهب الخوارج؛ فإنهم يقولون: صاحب الكبيرة يخرج من الإيمان، ويستحق الخلود في نار جهنم، وهو كافر.([170])
ومذهب الخوارج مذهب باطل بدلالة النصوص المتواترة الصريحة على عدم خروج مرتكب الكبيرة من مطلق الإيمان.
* وأما مذهب المرجئة؛ فإنهم يقولون: إن الإيمان يصح، ولو لم يكن معه؛ أي: عمل، فأخروا جميع العمل عن التأثير في الإيمان!.
قلت: ومنشأ قولهم في ذلك هو العدول عن بيان القرآن والسنة والآثار، مع اعتمادهم على عقولهم، وعلى ما تأولوه من اللغة بفهمهم، والله المستعان.([171])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص506): (فإن أولئك قالوا: قول وعمل ليبينوا اشتماله على: «الجنس»، ولم يكن مقصودهم ذكر صفات الأقوال والأعمال). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص616): (وقد تقدم أن: «جنس الأعمال» من لوازم إيمان القلب، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص505): (القول المطلق، والعمل المطلق في كلام السلف يتناول قول القلب، واللسان، وعمل القلب، والجوارح، فقول اللسان، بدون اعتقاد القلب هو قول المنافقين، وهذا لا يسمى قولا إلا بالتقييد؛ كقوله تعالى: ]يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم[ [الفتح: 11]؛ وكذلك عمل الجوارح بدون أعمال القلوب هو من أعمال المنافقين التي لا يقبلها الله، فقول السلف يتضمن القول والعمل الباطن والظاهر). اهـ
قلت: إذا هناك فرق واضح بين التكفير بترك: «جنس الأعمال» على الإطلاق، والذي قرره السلف والسنة، وبين التكفير بترك آحاد العمل على الإطلاق كما قرره الخوارج.
قلت: لكن «المرجئة العصرية» الذين لم يدرسوا عقيدة أهل السنة والجماعة على أيدي العلماء الربانيين، ولم يفرقوا بين مذهب السلف ومخالفيهم، يرون أن من قال بتكفير تارك العمل بالكلية فقد وافق الخوارج!.
* ومن المعروف لدى صغار أهل السنة والجماعة؛ فضلا عن كبارهم؛ أن الخوارج يكفرون بترك جميع الأعمال دون استثناء، أما السلف والسنة فقد فصلوا في آحاد العمل، وبينوا أن ترك بعضها كفر، وهي الأعمال التي تدخل في أصل الإيمان، وترك بعضها الآخر معصية تنقص من إيمان الشخص، وتعرضه للعقوبة، ولكن لا يكفر بها فتنبه.([172])
قال الإمام المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص806): (إن الجمهور الأعظم من أهل السنة يقولون: إن الإيمان واحد له أصل وفروع([173])([174])، فأصله مفترض، وفرعه: منه مفترض، ومنه لا مفترض.
* فأما المفترض: فهو ما أوجبه الله على عباده بقلوبهم وجوارحهم، وذلك معلوم محدود، لأن الحكم لا يوجب إلا معلوما يستوجب الثواب من أتاه، ويستوجب الذم والعقاب من قصر عنه بعد علم، والباقي من الإيمان هو نافلة لم يفترضه الله عز وجل). اهـ
وقال الإمام أبو عثمان الصابوني / في «معتقد السلف، وأصحاب الحديث» (ص86): (ويعتقد أهل السنة أن المؤمن، وإن أذنب ذنوبا كثيرة، صغائر كانت، أو كبائر، فإنه لا يكفر بها، وإن خرج من الدنيا غير تائب منها، ومات على التوحيد والإخلاص، فإن أمره إلى الله عز وجل، إن شاء عفا عنه، وأدخله الجنة يوم القيامة... وأن شاء عاقبه وعذبه مدة بعذاب النار، وإذا عذبه لم يخلده فيها بل أعتقه، وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «العقيدة الواسطية» (ص178): (ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر؛ كما يفعله الخوارج). اهـ
وقال الإمام الإسماعيلي / في «الاعتقاد» (ص86): (ويقولون –يعني: أهل السنة-: إن أحدا من أهل التوحيد، ومن يصلي إلى قبلة المسلمين، لو ارتكب ذنبا، أو ذنوبا كثيرة، صغائر، أو كبائر، مع الإقامة على التوحيد لله، والإقرار بما التزمه وقبله عن الله، فإنه لا يكفر به، ويرجون له المغفرة، قال تعالى: ]ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 48]). اهـ
وقال محمد بن وضاح أخبرني زهير بن عباد / قال: (كل من أدركت من المشائخ: «مالك بن أنس»، و«سفيان بن عيينة»، و«عيسى بن يونس»، و«فضيل بن عياض»، و«عبد الله بن المبارك»، و«وكيع بن الجراح»، وغيرهم لا يكفرون أحدا بذنب([175])، ولا يشهدون لأحد أنه في الجنة وإن لم يعص الله، ولا أنه في النار، وإن عمل الكبائر، ومن خالف هذا، فهو عندهم مبتدع، قال ابن وضاح: وقال لي يونس بن عبد الأعلى: إلزم هذا، ولا تدعه، وقال حسين بن الحسن المروزي: هذا هو الحق، ولا يقول خلافه إلا زنديق).([176])
وقال شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص218): (أهل القبلة هم المسلمون، وإن كانوا عصاة، لأنهم يستقبلون قبلة واحدة، وهي الكعبة، فالمسلم عند أهل السنة والجماعة لا يكفر بمطلق المعاصي والكبائر). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح العقيدة الواسطية» (ص18): (وأهل السنة والجماعة مع أنهم يرون أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وأنه يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، هم مع ذلك لا يحكمون بالكفر على من يدعي الإسلام، ويستقبل الكعبة بمطلق ارتكابه المعاصي؛ التي هي دون الشرك والكفر؛ كما يفعله الخوارج، حيث قالوا: من فعل كبيرة فهو في الدنيا كافر!، وفي الآخرة مخلد في النار، لا يخرج منها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص510): (ثم قالت الخوارج والمعتزلة: الطاعة كلها من الإيمان؛ فإذا ذهب بعض الإيمان، فذهب سائره، فحكموا بأن صاحب الكبيرة ليس معه شيء من الإيمان).([177]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص510): (وأصل نزاع هذه الفرق في الإيمان من الخوارج، والمرجئة، والمعتزلة، والجهمية، وغيرهم: أنهم جعلوا الإيمان شيئا واحدا؛ إذا زال بعضه زال جميعه، وإذا ثبت بعضه ثبت جميعه، فلم يقولوا بذهاب بعضه، وبقاء بعضه).([178]) اهـ
قلت: فأهل السنة والجماعة يكفرون بترك الأعمال التي تركها يهدم أصل الإيمان ... إذا: «فجنس الأعمال» ركن في صحة الإيمان عند السلف والسنة؛ كما تقرر، أما آحاده فعلى التفصيل الذي ذكرناه، والله المستعان.
قلت: ومن هنا يتبين خطأ المرجئة أنهم يصفون المخالفين([179]) لهم بالخوارج إذا كفروا بترك: «جنس العمل».([180])
* وهذا فيه تجن على السلف من جهتين:
الأولى: أنهم نسبوا إلى السلف ما ليس من اعتقادهم.
الثانية: أنه يلزم على ذلك وصف السلف بهذا الوصف الشنيع!.
قلت: فما زال السلف يكفرون بترك: «جنس العمل»، لأنهم يرون أن: «جنس الأعمال» ركن في الإيمان، والله المستعان.
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
* [وضوح عقيدة السلف]:
فإن عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة واضحة صافية، لا لبس فيها ولا غموض، لأنها مأخوذة من هدي كتاب الله وسنة رسول الله r، وقد دونت أصولها ومبانيها في كتب معتمدة توارثها الخلف عن السلف، وتدارسوها، وحرروها، وتواصوا بها، وحثوا على التمسك بها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى) ([181])، وهذا أمر لا شك فيه ولا جدال حوله.
* [ظهور نابتة تنازع أهل السنة في الإيمان]:
إلا أنه ظهرت في الآونة الأخيرة نابتة من المتعالمين([182]) جعلت بعض أصول هذه العقيدة مجالا للنقاش، والأخذ، والرد، ومن ذلك قضية الإيمان، وإدخال الإرجاء فيه، والإرجاء -كما هو معلوم- عقيدة ضالة تريد فصل العمل، وإخراجه عن حقيقة الإيمان، بحيث يصبح الإنسان مؤمنا بدون عمل، فلا يؤثر تركه في الإيمان انتفاء ولا انتقاصا، وعقيدة الإرجاء عقيدة باطلة قد أنكرها العلماء وبينوا بطلانها، وآثارها السيئة، ومضاعفاتها الباطلة، وآل الأمر بهذه النابتة إلى: أن تشنع على من لا يجاريها ويوافقها على عقيدة الإرجاء، ويسمونهم بالخوارج والتكفيريين، وهذا قد يكون لجهلهم بعقيدة أهل السنة والجماعة، التي هي وسط بين مذهب الخوارج الذين يكفرون بالكبائر -التي هي دون الكفر- وهو مذهب باطل، وبين مذهب المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان -الذي هو عندهم مجرد التصديق- لا يضر معه معصية وإن كانت كبيرة.
* فأهل السنة والجماعة يقولون: إن مرتكب الكبيرة -التي هي دون الكفر- لا يكفر؛ كما تقوله الخوارج، ولا يكون مؤمنا كامل الإيمان؛ كما تقوله المرجئة.
بل هو عند أهل السنة مؤمن ناقص الإيمان، وهو تحت المشيئة -إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه- كما قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 48].([183]) اهـ
قلت: فإذا عرفت اعتقاد أهل السنة في ذلك، عرفت أن: «عبيدا الجابري» على عقيدة: «ربيع المدخلي» في مسائل الإيمان، والآن استمع على أقوال ربيع المخلط، وهو يخلط مذهب أهل السنة بمذهب الخوارج، ولم يستطع أن يفرق بين مذهب أهل السنة، وبين مذهب الخوارج في ترك([184]) العمل، ولذلك رمى أهل السنة بـ «الخوارج!» وبـ «التكفيريين!» والله المستعان.
فقال ربيع المرجئ في «كشفه البالي» (ص31): (فهم يسلكون مسلك الخوارج في رمي أهل السنة بالإرجاء!). اهـ
وقال ربيع المرجئ في «كشفه البالي» (ص31): (ورثة الخوارج!). اهـ
وقال ربيع المرجئ في «كشفه البالي» (ص62): (هذا مذهب الخوارج؛ مذهب تكفيري، وأظنهم يريدون هذا!). اهـ
وقال ربيع المرجئ في «كشفه البالي» (ص63): (هم كأنهم يريدون قاعدة مضطردة؛ أي: أن كل من نقص إيمانه خرج من الإيمان! يعني خبث!، وهذا مذهب الخوارج!). اهـ
وقال ربيع المرجئ في «كشفه البالي» (ص82): (وهم يسيرون على طريقة الخوارج!). اهـ
وقال ربيع المرجئ في «كشفه البالي» (ص103): (ولما استمر الحدادية في الإرجاف: «بجنس العمل»؛ خلفا للتكفيريين!). اهـ
وقال ربيع المرجئ في «كشفه البالي» (ص115): (ومن أخرى: يشابهون الخوارج؛ في أنهم يدندنون: «حول التكفير»، وتفوح من مواقفهم روائح الخوارج والدندنة حول أصولهم!). اهـ
وقال ربيع المرجئ في «مجموعه الفاضح» (ص418): (وحماية من استغلال التكفيريين؛ لإطلاق بعض السلفيين: «لجنس العمل»!).([185]) اهـ
قلت: وكلامه هذا كله يتصبب جهلا باطلا، وادعاء كاذبا، وفهما أعوج سقيما، فليس فيه علم يرد، أو شبهة تصد إلا ضرورة.
وهذا يدل أن: «ربيعا المدخلي» لا يفرق بين مذهب السلف، وبين مذهب الخوارج في مسألة التكفير، كما سبق ذكره، والله المستعان.
* هذا وأسأل الله تعالى أن يثبتنا على هدي السلف الصالح في فهم الكتاب والسنة، والله المستعان.
قلت: وقول «عبيد الجابري» هذا يستدعيه إلى القول بعدم نقص الإيمان بالكلية، لأن عنده تارك العمل بالكلية ناقص الإيمان، فلا يذهب إيمانه بالكلية، وهذا هو شأن: «المرجئة الخامسة»، في هذا العصر وهذا مخالف لمنهج السلف في ذلك.([186])
وإليكم آثار السلف في أن الإيمان ينقص، ينقص؛ حتى لا يبقى منه شيء:
1) قال الإمام إسحاق بن راهويه /: (الإيمان: قول وعمل، يزيد وينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء).([187])
قال الإمام إسحاق بن منصور الكوسج / - بعد ذكر أثر ابن راهويه -: (وأنا أقول به).([188])
2) وقال الإمام سفيان بن عيينة /: (الإيمان: قول وعمل، يزيد وينقص، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد تقول: ينقص؟ فقال: اسكت يا صبي بلى ينقص، حتى لا يبقى منه شيء).([189])
3) وقال الإمام أحمد /؛ عندما قيل له -: كان ابن المبارك يقول: يزيد ولا ينقص، فقال: (كان يقول: الإيمان يتفاضل، وكان سفيان يقول: ينقص حتى لا يبقى منه شيء).([190])
قلت: وهذا إقرار من الإمام أحمد؛ لقول سفيان بن عيينة على: «أن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء».
4) وقال الإمام أحمد /: عندما سأله رجل عن زيادته، ونقصانه – يعني: الإيمان - فقال: (يزيد حتى يبلغ أعلى السموات السبع، وينقص حتى يصير إلى أسفل السافلين السبع).([191])
قلت: ومراده / أنه ينقص حتى لا يبقى منه شيء، وليس هذا بأسلوب غريب على الإمام أحمد / كما يدعي: «المدخلي» في «كشفه البالي» (ص90)؛ نعوذ بالله من ربع فقيه!.
5) وقال الإمام أبو عثمان بشار بن موسى الخفاف /: (الإيمان: قول وعمل ونية، يزيد وينقص، حتى يكون أعظم من الجبل، وينقص حتى لا يبقى منه شيء).([192])
6) وقال الإمام الأوزاعي / عندما سئل عن الإيمان: أيزيد؟ قال: (نعم حتى يكون مثل الجبال، قال: قلت: فينقص؟ قال: نعم حتى لا يبقى منه شيء).([193])
قال العباس بن الوليد البيروتي /؛ عندما سئل، وقيل له أليس تقول ما يقول الأوزاعي؟ فقال: (نعم).([194])
7) وقال الإمام علي بن عبد الله المديني /؛ عندما سئل عن الإيمان، فقال: (قول وعمل ونية، قلت – يعني: الدارمي -: أينقص ويزداد؟ قال: نعم يزداد وينقص، حتى لا يبقى منه شيء).([195])
8) وقال الإمام ابن منده /: (ذكر خبر يدل على: أن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه، في قلب العبد مثقال حبة خردل، وأن المجاهد بالقلب، واللسان، واليد من الإيمان).([196])
9) وقال الإمام البربهاري /: (والإيمان بأن الإيمان: قول وعمل، وعمل وقول، ونية وإصابة، يزيد وينقص، يزيد ما شاء الله، وينقص حتى لا يبقى منه شيء).([197])
10) وقال شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين /: (ترك الطاعة؛ فإن الإيمان ينقص به، والنقص به على حسب تأكد الطاعة، فكلما كانت الطاعة أوكد كان نقص الإيمان بتركها أعظم، وربما فقد الإيمان كله؛ كترك الصلاة).([198]) اهـ
11) وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (فالرد عليهم أن الذنوب تضر على كل حال، منها ما يزيل الإيمان بالكلية، ومنها ما لا يزيله بالكلية بل ينقصه، وصاحبها معرض بالوعيد المرتب عليها).([199]) اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في شرحه لـ «شرح السنة» (ص117) معلقا على قول الإمام البربهاري: «وينقص حتى لا يبقى منه شيء» قال: (هذا معنى؛ قوله: (وينقص حتى لا يبقى منه شيء)، ينقص حتى لا يبقى منه شيء، وقد يبقى مقدار حبة خردل، وهذه تنفع صاحبها يوم القيامة يخرج بها من النار، وإذا لم يبق حبة خردل؛ فإنه يكون من أهل النار المخلدين فيها). اهـ
قلت: وهذا فيه رد على: «ربيع المدخلي» هذا بقوله: أن الشيخ صالحا الفوزان حفظه الله لا يقول بهذه الزيادة السلفية، كما في «كشفه البالي» (ص228، 230)!، وهذا من الكذب كعادته: قال تعالى: ]ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون[ [الأنعام: 137].
* وقد قلنا «للمدخلي المرجئ» لو تجمع أقوال العالم لتبين لك اعتقاده في «مسائل الإيمان» جملة وتفصيلا، لكنه أبى إلا الاستمرار في ذكر مجمل قول العالم!، من دون التفصيل في اعتقاده([200])، نعوذ بالله من العناد.
قلت: وبسبب ذلك تطاول بلسانه، وتعدى ببنانه، ومضللا أهل السنة من غير وازع، ولا ضمير، ومن غير تدبر، ولا تفكير، حتى عشعش في صدره وجنانه، من بغض الاعتقاد، وأهله، وحب الإرجاء وأهله!، ونقض الإيمان وأركانه!، اللهم غفرا.
* فانظر إلى أي هوة سقط هذا الرجل؟! أبكذبه، وتضليله، وتلبيسه؟!، أم بعظيم غفلته، وشدة حمقه؟!، أم بضحالة عقله، واستفحال جهله؟!.
وقال العلامة الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ / في «مصباح الظلام» (ص470)؛ وهو يرد قول عثمان الناصري الضال هذا: (فإذا كان هذا كلامه في هذه المسألة: فماذا يزيد الإيمان وينقص، حتى يكون أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة خردل من إيمان!([201]» إلى آخر قول الناصري، فقال الشيخ عبداللطيف: (فهذه العبارة تنادي بجهله، فالخوارج لا ينازعون في زيادة الإيمان، وإنما النزاع في نقصه، وأئمة الإسلام يقولون يزيد مع بقاء أصله الذي دلت عليه شهادة أن لا إله إلا الله، وينقص حتى لا يبقى منه شيء([202])، فإذا ثبت الإسلام زاد الإيمان ونقص، ومع عدم الإسلام، وانهدام أصله لا يعتمد بما أتى به من شعبه!). اهـ
قلت: فلما احتج «الناصري»: «بأدنى مثقال حبة خردل من إيمان»، احتج عليه الشيخ باعتقاد السلف: بـ (أن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء!).
وهذا يدل أيضا على جهل: «عبيد الجابري» بالسنة، ومعتقد السلف في الإيمان.([203])
قلت: ومع هذا فإنك ترى: «الجابري» المخالف معرضا عن صريح كلامهم، متعلقا ببعض العبارات التي يمكن أن يقال: إنها مجملة.
ولو أن المخالف هذا سلك منهج القواعد العلمية، وجمع أقوال العلماء، ورد المجمل إلى المبين، لاتضح له مذهبهم غاية الوضوح([204])، والله المستعان.
قلت: وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية / عن السلف أنهم يقولون: «الإيمان ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء»، أي: يزول جميعه!.
فقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص213): (وقيل لبعض السلف: يزداد الإيمان وينقص؟ قال: نعم يزداد حتى يصير أمثال الجبال، وينقص حتى يصير أمثال الهباء). اهـ
والمراد: (ينقص حتى لا يبقى منه شيء)، أي يزول جميعه.
* وهذا إقرار من شيخ الإسلام ابن تيمية / لاعتقاد السلف: بـ «أن الإيمان: ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء».
قلت: ويستطيع الباحث المطلع أن يقول: إن مسألة ترك الأعمال الظاهرة بالكلية، وحكم ذلك، لم يجليها أحد كما جلاها شيخ الإسلام ابن تيمية /، فقد تناول في مواضع عدة من مؤلفاته، وبعبارات واضحة ظاهرة، وقد سبق ذكر جملة صالحة من كلامه، ولله الحمد والمنة.
وقال العلامة الشيخ محمد أمان الجامي /: (... ولكن العاقل يرضى أن يكون في قمة الإيمان، الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة والإكثار من الطاعة، والإكثار من العبادة، ينقص فيضعف بالمعاصي إلى أن يضمحل([205])، يكاد أن يذهب، وربما يذهب).([206]) اهـ
قلت: أي؛ يعني: الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء.
وقال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» في: كتاب الإيمان (ج1 ص25): (فكذلك الإيمان والإسلام، إذا زال منه بعض ما يدخل في مسماه - مع بقاء أركان بنيانه- لا يزول به اسم الإسلام، والإيمان بالكلية، وإن كان قد سلب الاسم عنه، لنقصه.
بخلاف ما انهدمت أركانه، وبنيانه، فإنه يزول مسماه بالكلية!). اهـ
* أي: يزول الإيمان والإسلام بالكلية، فلا يبقى في قلب الإنسان شيء من الإيمان، لأنه ترك الأصول الإسلامية، اللهم غفرا.
قلت: فهذا اعتقاد السلف الصالح، وأهل السنة والجماعة في: «أن الإيمان: ينقص حتى لا يبقى منه شيء»، نقله الأئمة، والعلماء في كتبهم، وخالف اعتقاد السلف الصالح في ذلك: «عبيد الجابري»، فقال بأن تارك الأعمال بالكلية ناقص الإيمان.([207])
قلت: واعلم رحمنا الله وإياك أن هذه الآثار التي قد ذكرنا في معتقد السلف في: «أن الإيمان: ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء»، قد ذكره الحفاظ في كتبهم، ورواه الأئمة في مصنفاتهم، وجمعه العلماء على ما ساقه: الإمام عبدالله بن الإمام أحمد، والإمام الخلال، والإمام ابن أبي حاتم، والإمام ابن منده، والإمام البربهاري، والإمام ابن بطة، والإمام الآجري، والإمام اللالكائي، وغيرهم، وأوجبوا كلهم الإيمان بهذا المعتقد والتسليم له، فلا ينكر، ولا يرد، ولا يتأول بشيء، ولا يحرف، وكذلك ذكره أصحاب الحديث في معتقدهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص288): (وأهل البدع([208]) إنما دخل عليهم الداخل، لأنهم أعرضوا عن هذه الطرق، وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها، إما في دلالة الألفاظ، وإما المعاني المعقولة، ولا يتأملون بيان الله تعالى، ورسوله r، وكل مقدمات تخالف الله تعالى، ورسوله r؛ فإنها تكون ضلالا....
* مثال ذلك: أن: «المرجئة»؛ لما عدلوا عن معرفة كلام الله تعالى، ورسوله r أخذوا يتكلمون في مسمى: «الإيمان» و«الإسلام»، وغيرهما: بطرق ابتدعوها).اهـ
قلت: فتأمل... فتأمل... فتأمل... اللهم غفرا.
قال الإمام الصابوني / في «عقيدة السلف، وأصحاب الحديث» (ص315): (وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء: كانت معتقد جميعهم، لم يخالف فيها بعضهم، بل أجمعوا عليها كلها).([209]) اهـ
قلت: ومن الجمل التي ذكرها الإمام الصابوني / المجمع عليها هي: بـ«أن الإيمان ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء!».([210])
قلت: وذكر الإمام حرب الكرماني / معتقد السلف والسنة، من ذلك جملة: بـ «أن الإيمان ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء».([211])
قال الإمام حرب الكرماني / في «مسائله» (ص355): (هذا مذهب أئمة العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المعروفين بها!، المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق، والحجاز، والشام، وغيرهم عليها!، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة، وسبيل الحق...). اهـ
وقال الإمام اللالكائي / في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (ج1 ص9): (فهذه الوصايا الموروثة المتبوعة، والآثار المحفوظة المنقولة([212])، وطرايق الحق المسلوكة، والدلايل اللايحة المشهورة، والحجج الباهرة المنصورة؛ التي عملت عليها: الصحابة والتابعون، ومن بعدهم: من خاصة الناس، وعامتهم من المسلمين، واعتقدوها حجة فيما بينهم، وبين الله رب العالمين.
ثم من اقتدى بهم من أئمة المهتدين، واقتفى آثارهم من المتبعين، واجتهد في سلوك سبيل المتقين، وكان مع الذين اتقوا والذين هم محسنون).([213]) اهـ
قلت: فهذه الجملة: «الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء»، صحت عن السلف، ونقلها الحفاظ في كتبهم، وهي حجة قاطعة في معتقدهم، وهذا يدل على مبلغ أمانتهم في نقل مذهب السلف في الاعتقاد السلفي.
* والرواة الثقات رووا هذه الزيادة بالأسانيد الصحيحة على الجادة والصواب، فلا داعي «يا ربيع» من التلبيس والتدليس.([214])
قلت: ومن خالف الإجماع فهو في ضلال مبين.
قال الإمام الملطي الشافعي / في «التنبيه» (ص29): (ومن خالف الإجماع ضل ... وإجماع الأمة أصل من أصول الدين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج24 ص172): (من خالف الكتاب المستبين، والسنة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمة؛ خلافا لا يعذر فيه؛ فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج19 ص327): (مازال العلماء يختلفون، ويتكلم العالم في العالم باجتهاده، وكل منهم معذور مأجور، ومن عاند، أو خرق الإجماع([215])، فهو مأزور، وإلى الله ترجع الأمور). اهـ
قلت: وإجماع السلف، هو الإجماع الذي ينضبط، فلا يعتد بخلاف: «ربيع المدخلي»، ومن تابعه في «مسائل الإيمان» بعد إجماعهم، والله المستعان.
قال شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص328): (قوله: والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشرت الأمة.
* يعني: أن الإجماع الذي يمكن ضبطه، والإحاطة به، هو ما كان عليه السلف الصالح، وهم القرون الثلاثة، الصحابة، والتابعون، وتابعوهم ... وهل يمكن أن يوجد إجماع بعد الخلاف؟.
* فنقول: لا إجماع مع وجود خلاف سابق، ولا عبرة بخلاف بعد تحقق الإجماع). اهـ
وقال العلامة الشيخ صديق حسن خان / في «قطف الثمر» (ص159): (والإجماع ما عليه أهل العلم، من أقوال، وأعمال ظاهرة، وباطنه، مما له تعلق بالدين، والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح، وبعدهم كثر الاختلاف). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص40): (فإن كل ما في الكتاب؛ فالرسول موافق له، والأمة مجمعة عليه من حيث الجملة... وكذلك كل ما أجمع عليه المسلمون، فإنه لا يكون إلا حقا موافقا لما في الكتاب والسنة... فليس كل ما جاءت به السنة يجب أن يكون مفسرا في القرآن؛ بخلاف ما يقوله أهل الإجماع؛ فإنه لا بد أن يدل عليه الكتاب والسنة، فإن الرسول هو الواسطة بينهم، وبين الله في أمره ونهيه، وتحليله، وتحريمه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص38): (قوله تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين[ [النساء: 115]، فإنهما متلازمان، فكل من شاق الرسول r من بعد ما تبين له الهدى، فقد اتبع غير سبيل المؤمنين، وكل من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ فقد شاق الرسول r من بعد ما تبين له الهدى، فإن كان يظن أنه متبع لسبيل المؤمنين وهو مخطئ؛ فهو بمنزلة من ظن أنه متبع للرسول r وهو مخطئ.
* وهذه الآية تدل على أن إجماع المؤمنين حجة من جهة أن مخالفتهم مستلزمة لمخالفة الرسول r، وإن كل ما أجمعوا عليه، فلا بد أن يكون فيه نص عن الرسول r؛ فكل مسألة يقطع فيها بالإجماع، وبانتفاء المنازع من المؤمنين؛ فإنها ممن بين الله فيه الهدى...). اهـ
قلت: والوقوف مع إجماع السلف، وعدم تجاوزه، أو قبول الخلاف فيه بأي حال؛ لأن مخالفة إجماعهم يقتضي بالضرورة تخطئتهم، وهم إنما أجمعوا على الأصول التي أجمعوا عليها بناء على نصوص كثيرة، فلا يمكن أن يكون إجماعهم خطأ، بل أن من يخالفهم لابد أن يكون هو الذي أخطأ، وأحدث في الدين ما ليس منه.
قلت: فإذا كان أهل السنة قد أجمعوا - مثلا- على أن «الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء»، فإن مقتضى ذلك عندهم أن ذلك من معتقدهم، فمن خالف في ذلك، فهو مخالف لإجماع السلف، وأحدث في الدين ما ليس منه.
قلت: ولهذا ترى السلفيين يقرونها، ولا يتعرضون لها من قريب، أو من بعيد، لأنها من معتقد السلف الصالح، ولا جواب لذلك عندهم البتة.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب / في «كشف الشبهات» (ص126): (لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب، واللسان، والعمل، فإن اختل شي من هذا لم يكن الرجل مسلما([216])، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به؛ فهو كافر معاند كفرعون، وإبليس، وأمثالهما). اهـ
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب /: (لا خلاف بين الأمة أن التوحيد: لا بد أن يكون بالقلب، الذي هو العلم، واللسان الذي هو القول، والعمل الذي هو تنفيذ الأوامر والنواهي، فإن أخل بشيء من هذا لم يكن الرجل مسلما.([217])
* فإن أقر بالتوحيد، ولم يعمل به، فهو كافر معاند، كفرعون وإبليس، وإن عمل بالتوحيد ظاهرا، وهو لا يعتقده باطنا، فهو منافق خالصا، أشر من الكافر).([218]) اهـ
فهذا أحد أئمة الدعوة يقول: (فأهل السنة مجمعون على أنه متى زال عمل القلب فقط، أو هو مع عمل الجوارح: زال الإيمان بكليته، وإن وجد مجرد التصديق، فلا ينفع مجردا عن عمل القلب، والجوارح معا، أو أحدهما، كما لم ينفع إبليس، وفرعون وقومه، واليهود، والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول r سرا، وجهرا).([219])
وهذا يدل على جهل: «الجابري» بالسنة، ومعتقد السلف في الإيمان.([220])
قلت: وهذه نماذج تكشف بوضوح عن مدى الشك، والاضطراب، والجهل الذي حل «بالمرجئة العصرية» من جراء عملهم هذا، وتقديمهم العقل على النقل.
* وقد اتخذ العلماء من: «الإرجاء وأهله» موقفا حازما، بل صارما من هذا الجرثوم الدخيل، والعلم الغريب على الأمة الإسلامية، وبذلوا جهودا عظيمة موفقة، للحيلولة بينه، وبين استشراء دائه، وانتشار بلائه في الحاضر والباد، وقبل أن يكثر الإمساس، فيقل الإحساس، فقاموا بالتشهير به، والتحذير منه ومن أهله، ولهم في ذلك أقوال كثيرة مشهورة، يصعب حصرها.
قال الإمام ابن الجوزي / في «تلبيس إبليس» (ص96): (ولم تسكت القدماء من فقهاء هذه الأمة عن الكلام خيرا، ولكنهم رأوا انه لا يشفي غليلا، ثم يرد الصحيح عليلا!، فامسكوا عنه، ونهو عن الخوض فيه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج1 ص54): (وإن غالب ما يتكلمون به من الأصول، ليس بعلم، ولا ظن صحيح، بل ظن فاسد، وجهل مركب).([221])اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج19 ص328): (فالحذر الحذر من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل، وإلا وقعتم في الحيرة). اهـ
وعن الإمام الشافعي / قال: (المراء في العلم يقسي القلب، ويورث الضغائن).([222])
وعن الإمام الشافعي / أيضا قال: (لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الهوى).([223])
قلت: وتبين من هذه الدراسة الأثرية: أننا أمام انحراف كبير للقوم في: «مسائل الإيمان»، و«إرجاء» صريح أخرج للمسلمين؛ باسم مذهب السلف، ومن زعم غير ذلك، فهو أحد رجلين، إما أنه لم يعرف ما يقول القوم([224])، أو أنه جاهل لا يعرف مذهب السلف في مسائل الإيمان، والله المستعان.
قلت: ومع هذا كله يرد: «الجابري» الحق، ورد: «المدخلي» من قبله الحق، بسبب تلوث فطرتهما بالأفكار المرجئة الضالة.
* وذلك لأن الإنسان خلق على الفطرة، ومما فطر الإنسان عليه هو محبة الحق وإرادته، فإذا رد الحق، وتعصب لباطله، فاعلم أنه فسدت فطرته، وتلوثت بالباطل، إما كلا، أو جزءا([225])، اللهم سلم سلم.
قال تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها[ [الروم: 30].
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أوينصرانه، أويمجسانه).([226])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص88): (والقلب خلق يحب الحق، ويريده، ويطلبه!). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج16 ص338): (فإن الحق محبوب في الفطرة، وهو أحب إليها، وأجل فيها، وألذ عندها من الباطل الذي لا حقيقة له، فإن الفطرة لا تحب ذلك). اهـ
وقالت زوجتي الشيخة أم عبدالرحمن الأثرية حفظها الله في «إتحاف الخيرة المهرة» (ص36): (من الأمور المقررة في شريعة الإسلام أن الولد مفطور منذ خلقته على التوحيد الخالص، والدين القيم، والإيمان بالله، مصداقا؛ لقوله تعالى: ]فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون[ [الروم: 30]، ومصداقا؛ لقول النبي r: (كل مولود يولد على الفطرة)، أي: يولد على فطرة التوحيد، والإيمان بالله). اهـ
قلت: وفضلا عما هو مركوز في النفوس من محبة الحق؛ فإن النفوس مفطورة على معرفة الحق كذلك.([227])
* كما قال تعالى: عن موسى عليه السلام: ]ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى[ [طه: 50].
* وكما قال النبي r: (الإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس).([228])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج8 ص463): (في النفس ما يوجب ترجيح الحق على الباطل في الاعتقادات والإرادات، وهذا كاف في أنها ولدت على الفطرة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج8 ص463): (والله خلق عباده على الفطر التي فيها الحق والتصديق له، ومعرفة الباطل والتكذيب به، ومعرفة النافع الملائم والمحبة له، ومعرفة الضار المنافي، والبغض له بالفطرة.
* فما كان حقا موجودا صدقت به الفطرة، وما كان حقا نافعا عرفته الفطرة وأحبته، واطمأنت إليه -وذلك هو المعروف-، وما كان باطلا معدوما كذبت به الفطرة، فأبغضته الفطرة فأنكرته، قال تعالى: ]يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر[ [الأعراف: 157]). اهـ
قلت: وما هو مركوز في النفوس من معرفة الحق، وإرادته، ومحبته مؤيد بشاهد الشرع، كما قال تعالى: ]أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه[ [هود: 17]، فالبينة الوحي الذي أنزل الله تعالى، والشاهد هو شاهد الفطرة المستقيمة، والعقل الصريح.([229])
قال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي / في «تيسير اللطيف المنان» (ص450): (فالدين هو دين الحكمة التي هي معرفة الصواب، والعمل بالصواب، ومعرفة الحق، والعمل بالحق في كل شيء). اهـ
قلت: والنفوس إذا بقيت على الفطرة؛ فإنها لا تطلب إلا الحق، والحق واضح بين لا غموض فيه.([230])
فعن معاذ بن جبل t قال: (اجتنب من الحكيم المشتهرات -يعني المشتبهات- التي يقال لها: ما هذه ولا يثنينك ذلك عنه فإنه لعله أن يراجع، وتلق الحق إذا سمعته؛ فإن على الحق نورا).
أثر صحيح
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج5 ص17)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص460)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص233)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص320)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص363)، والآجري في «الشريعة» (ص47) من طرق عن الزهري قال: حدثني أبو إدريس الخولاني؛ أنه أخبره: يزيد بن عمير عن معاذ بن جبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: والواجب على العبد أن يلزم الفطرة، ويحذر الأسباب التي تصده عن الحق، وتصرفه عنه، وإذا ما صرفه عنه صارف عاد إلى الحق ولزمه، وهذا من أعظم نعم الله على عبده أن يكون العبد محبا، ومؤثرا للحق يطلبه ويلزمه.([231])
قال الإمام ابن حزم / في «مداواة النفوس» (ص31): (أفضل نعم الله على العبد أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحق وإيثاره). اهـ
قلت: والحق واضح بين، وهو سهل لمن يطلبه بحسن قصد.([232])
قال تعالى: ]ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر[ [القمر: 22].
قلت: وهذا عام للتلاوة، والقراءة وللفهم معا.([233])
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج4 ص264): (قوله: ]ولقد يسرنا القرآن للذكر[؛ أي: سهلنا لفظه، ويسرنا معناه: لمن أراده ليتذكر الناس).اهـ
وقال الإمام ابن القيم /: (ولا تجد كلاما أحسن تفسيرا، ولا أتم من كلام الله سبحانه، ولهذا سماه الله بيانا، وأخبر أنه يسره للذكر، ويسر ألفاظه للحفظ، ومعانيه للفهم، وأوامره ونواهيه للامتثال).([234]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج27 ص315): (فالحق يعرفه كل أحد([235])؛ فإن الحق الذي بعث الله به الرسل لا يشتبه بغيره على العارف؛ كما لا يشتبه الذهب الخالص بالمغشوش على الناقد). اهـ
* فلذلك يشتبه الحق، ويروج الباطل على من لا علم عنده، ولا معرفة، ولا اعتناء له بفهم الكتاب والسنة على منهج السلف، وأهل السنة.
فعن النعمان بن بشير ﭭ قال: سمعت رسول الله r يقول: (إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس؛ فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب).([236])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج1 ص73): (إن الشارع نص على كل ما يعصم من المهالك نصا قاطعا للعذر). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج25 ص129): (وكثيرا ما يضيع الحق بين الجهال الأميين). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «أدب الطلب» (ص40): (الميل إلى الأقوال الباطلة: ليس من شأن أهل التحقيق الذين لهم كمال إدراك، وقوة فهم، وفضل دراية، وصحة رواية، بل ذلك دأب من ليست له بصيرة نافذة، ولا معرفة نافعة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية /: (ولا تجد أحدا وقع في بدعة إلا لنقص اتباعه للسنة علما وعملا، وإلا فمن كان بها عالما، ولها متبعا؛ لم يكن عنده داع إلى البدعة؛ فإن البدعة يقع فيها الجهال بالسنة).([237]) اهـ
وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج2 ص344): (أما إذا كان هذا المتبع ناظرا في العلم، ومتبصرا فيما يلقى إليه؛ فإن توصله إلى الحق سهل). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «أدب الطلب» (ص85): (فالوقوف على الحق، والاطلاع على ما شرعه الله لعباده، قد سهله الله على المتأخرين، ويسره على وجه لا يحتاجون فيه من العناية، والتعب، إلا بعض ما كان يحتاجه قبلهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «إقتضاء الصراط المستقيم» (ج2 ص85): (ويلحق الذم من تبين له الحق فتركه، أو من قصر في طلبه حتى لم يتبين له، أو أعرض عن طلب معرفته لهوى، أو لكسل، أو نحو ذلك). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي / في «إرشاد أولي الأبصار» (ص300): (ومن كان منهم راضيا ببدعته، معرضا عن طلب الأدلة الشرعية، وطلب ما يجب عليه من العلم الفارق بين الحق والباطل، ناصر لها، رادا ما جاء به الكتاب والسنة مع جهله، وضلاله، واعتقاده أنه على الحق، فهذا ظالم فاسق بحسب تركه ما أوجب الله عليه، وتجرئه على ما حرم الله تعالى). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الشرح الممتع» (ج6 ص193): (قد لا يعذر الإنسان بالجهل([238])، وذلك إذا كان بإمكانه أن يتعلم، ولم يفعل مع قيام الشبهة عنده؛ كرجل قيل له: هذا محرم، وكان يعتقد الحل، فسوف تكون عنده شبهة على الأقل، فعندئذ يلزمه أن يتعلم ليصل إلى الحكم بيقين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص314): (لكن ينبغي أن يعرف أن عامة من ضل في هذا الباب، أو عجز فيه عن معرفة الحق، فإنما هو لتفريطه في اتباع ما جاء به الرسول r، وترك النظر، والاستدلال الموصل إلى معرفته، فلما أعرضوا عن كتاب الله ضلوا.([239])
*كما قال تعالى: ]فإما ياتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى[ [طه: 123 - 124]؛ قال ابن عباس ﭭ: تكفل الله لمن قرأ القرآن، وعمل بما فيه؛ أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة. ثم قرأ هذه الآية). اهـ
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب /: (ومعلوم أنه لا يقبل الحق؛ إلا من طلبه).([240])([241]) اهـ
وقال العلامة الشيخ صديق حسن خان / في «قطف الثمر» (ص175): (فإن الحق مازال مصونا عزيزا نفيسا كريما، لا ينال مع الإضراب عن طلبه، وعدم التشوق والإشراف إلى سببه، ولا يهجم على البطالين المعرضين، ولا يناجي أشباه الأنعام الضالين). اهـ
قلت: فالجابري يعتقد الباطل ويدين الله تعالى به!، وهو يعلم بوجود علماء أهل السنة والجماعة المخالفين له فيما يعتقده، ويدين الله به، بل بلغه أنهم يضللونه في ذلك، وهو مع ذلك لم يرجع إليهم، ويبحث معهم في مخالفاته، بل لم يدقق، ولم يحقق، وحمله إلى الركون إلى معتقده: «الجهل المركب» بنصوص الكتاب، ونصوص السنة، ونصوص السلف، ونصوص أهل السنة!.
* فاعتقد ما ذهب إليه بسبب وقوفه على ذكر طرف المسائل، أو حكمها في كتاب معين، أو تلقاه عن عالم معين دون التأكد بحصول استقصاء المسائل بحثا، ونظرا، وتدقيقا، ودون الرجوع إلى علماء أهل السنة والجماعة في بلد الحرمين، واستيعاب معهم ما أمكن من الأدلة في مسائل الإيمان، وتمحيصها، ووزنها بالموازين العادلة السلفية.([242])
قال العلامة الصنعاني / في «إرشاد النقاد» (ص85): (فليت شعري ما الذي خص الكتاب والسنة بالمنع عن معرفة معانيها، وفهم تراكيبها ومبانيها، والإعراض عن استخراج ما فيها، حتى جعلت معانيها كالمقصورات في الخيام، قد ضربت دونها السجوف، ولم يبق لنا إليها إلا ترديد ألفاظها والحروف، وإن استنباط معانيها قد صار حجرا محجورا، وحرما محرما محصورا). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على ثبوت أثر عبدالله بن شقيق العقيلي في إجماع الصحابـــــــــــة الكرام على تكفير تارك الصــــــــــــــــــــــلاة، وأجمع التابعون أيضا على هذا الحكم، وفي هذا بيان جهل: «عبيد الجابري» العنيد؛ بفقه الصحابة، وبإجماعهم على كفر تارك الصلاة، والسلف؛ وأن هذا الحكم ليس من الأحكام الفقهية المحضة، بعد خوض المرجئة فيه؛ بل هذا الحكم أصبح من أحكام الأصول المحضة، وذلك لأن المرجئة في كل زمان يثيرون هذا الموضوع، ويجعلونه من الأحكام الفقهية، المختلف فيها، ليقرروا عن طريق هذا الاختلاف الإرجاء الخبيث، لذلك لا يلتفتون إلى إجماع السلف في ذلك، وهذا يكشف زيف علم: «عبيد الجابري» في الدين، مع قمع شبهته؛ بقوله: أن عدم تكفير تارك الصلاة: هو قول جمهور العلماء، وهو يقصد ما اشتهر عند أصحاب المذاهب، ووقع في ذلك بسبب تقليده للناس، وما يدندنون به في هذا الحكم؛ بل قول جمهور العلماء على كفر تارك الصلاة، وأن بهذا التقليد هلك: «عبيد الجابري» مع الهالكين
عن عبدالله بن شقيق العقيلي / قال: (كان أصحاب محمد لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في «سننه» (2622)، ومحمد المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (948)، والبغوي تعليقا في «شرح السنة» (211) من طريق قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن سعيد الجريري عن عبدالله بن شقيق العقيلي به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات، على شرط الشيخين، وسعيد الجريري، وإن كان اختلط([243])، إلا أنه قد سمع منه بشر بن المفضل الرقاشي قبل الاختلاط.([244])
قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص425)؛ عن الجريري:(وما أخرج البخاري من حديثه إلا عن عبدالأعلى، وعبدالوارث، وبشر بن المفضل، وهؤلاء سمعوا منه قبل الاختلاط). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل» (ص313)؛ عن الجريري: (وممن سمع منه قبل أن يختلط: الثوري، وابن عليه، وبشر بن المفضل). اهـ
وأثبت الحافظ ابن عدي / في «الكامل» (ج3 ص1228)؛ أن بشر بن المفضل سمع من الجريري قبل الاختلاط.
وقد أقره العلامة المقريزي في «مختصر الكامل» (ص388).
قلت: ويزداد قوة:
قال العلامة ابن الكيال / في «الكواكب النيرات» (ص184): (وقد روى الشيخان للجريري من رواية بشر بن المفضل). اهـ
قلت: وهذا يدل أن بشر بن المفضل سمع من سعيد الجريري قبل الاختلاط، وهو من رجال الإمام البخاري /، والإمام مسلم /.([245])
قلت: ويؤكد هذا الأصل؛ قول الإمام أبي داود / حيث قال: (أرواهم عن الجريري؛ إسماعيل ابن علية، وكل من أدرك أيوب؛ فسماعه من الجريري جيد).([246])
قلت: والمراد كل من سمع من أيوب، وبشر بن المفضل قد ثبت سماعه من أيوب.
وإليك الدليل:
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج2 ص547): أخبرنا علي بن الحسين قال: سمعت علي بن عثمان اللاحقي يقول: أخبرنا بشر ابن المفضل قال: سمعت أيوب يثني على جرثومة بن عبدالله النساج.
وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
قلت: وهذا يدل على أن رواية بشر بن المفضل عن الجريري جيدة، وهي قبل الاختلاط، والله ولي التوفيق.
قلت: فأثبت الحفاظ أن بشر بن المفضل قد سمع من الجريري قبل الإختلاط، وقد عرفوا ذلك بالإسـتـقـراء والتتبع، ولما عندهم من غزارة العلم من هذا الفن، وهذا يدل على القرائن القوية في الدلالة على أن بشرا روى عن الجريري قبل الإختلاط.([247])
قلت: فلا يتجرأ أحد([248])بعدهم، فيسود صفحات بالتأويل الـفـاسـد، والتكلف المهلك، ليبطل ما أثبته الحفاظ في صحة الإسناد في أثر عبدالله بن شقيق العقيلي.
قلت: إذا فـإسـنـاد بشر بن المفضل من قسم الصحيح المعتمد عند أئمة الحديث، وروايته عن الجريري صحيحة، كيف لا، وبشر بن المفضل ثقة ثبت في الحفظ.
قال الإمام أحمد / عنه: (بشر بن المفضل إليه المنتهى في التثبت بالبصرة!).([249])
وقال معاوية بن صالح: ليحيى بن معين، من أثـبـت شـيـوخ البصريين، قال: (بشر بن المفضل، مع جماعة سماهم).([250])
وقال الإمام ابن المديني /: (المحدثون صحفوا، وأخطؤوا؛ ما خلا أربعة: يزيد بن زريع، وابن عليه، وبشر بن المفضل، وعبدالوارث بن سعيد).([251])
وقال الإمام أبو داود /: (ليس من العلماء أحد إلا وقد أخطأ في حديثه؛ إلا بشر بن المفضل، وابن علية).([252])
وقال الإمام الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص309): (بشر بن المفضل ابن لاحق الإمام الثقة أبو إسماعيل الرقاشي الحافظ العابد).
وقال الحافظ ابن حجر / في «التقريب» (ص171): (بشر بن المفضل بن لاحق الرقاشي، ثقة ثبت عابد).
وقال الإمام العجلي / في «معرفة الثقات» (ج1 ص247): (بشر بن المفضل الرقاشي، ثقة فقيه، ثبت في الحديث، حسن الحديث، صاحب سنة).
قلت: فرواية بشر بن المفضل غاية في الصحة، لقوة القرائن التي ثبتت عند الحفاظ.
ولذلك تعلم أن الطريقة التي سـلـكـهـا دعاة الإرجاء([253]) لرد ما نص عليه الحفاظ من صحة رواية بشر بن المفضل عن الجريري؛ طريقة باطلة، لا تمت إلى أسـالـيـب أئمة الحديث بصلة، بل لفقوا قاعدة باطلة في تضعيف إســنـاد أثر عبدالله بن شقيق!، ووقعوا في تأويلات محدثة في معنى الأثر، ولم يسبقوا إليها، والله المستعان.
قلت: وقد كان من أئمة هذا الشأن، ومن أشدهم تحريا للسماع الصحيح؛ كالإمام البخاري، وغيره، ينصون على السماع الصحيح عندما يجدون قرائن قوية تدل عليه، ومن ذلك رواية بشر بن المفضل عن الجريري.([254])
قلت: ومع ذلك؛ فقد جهل هذا الجهول هذا كله؛ فوقع في الضلال والتضليل، والعلة والتعليل، ومن كان هذا حاله حقيق بأن يرثى ماله، ويطرح مقاله، فيعرف أتباعه حقيقته وسريرته، نعوذ بالله من الخذلان.
قلت: ثم إن الجريري، وإن كان قد اختلط، لكن اختلاطه لم يكن فاحشا، وهذا يقوي القرائن الثابتة في صحة أثر عبدالله بن شقيق العقيلي /؛ من رواية بشر بن المفضل عن الجريري.
قال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج6 ص351): (سـعـيـد بن إياس الجريري من أهل البصره؛ وكان قد اختلط قبل أن يموت بثلاث سـنـيـن؛ ولم يكن اختلاطه اختلاطا فاحشا، فلذلك أدخلناه في الثقات).
قلت: إذا فبشر بن المفضل الراوي عن الجريري بهذا اللفظ، هو ممن روى عنه قبل الاختلاط، وقد ثبتت روايته عنه قبل الاختلاط من أمرين:
أولا: بتنصيص الحفاظ روايته عنه قبل الاختلاط.
ثانيا: قوة القرائن الدالة على ثبوت روايته عنه قبل الاختلاط.
قلت: ومن القرائن الصحيحة أن الأثر على شرطهما؛ فتنبه لهذا الاتفاق على صحة رواية بشر بن المفضل عن سعيد الجريري قبل الاختلاط.([255])
وذكره الحافظ الزيلعي / في «تخريج أحاديث الكشاف» (ج1 ص204)؛ ثم قال: (وهؤلاء رجال الصحيح).
وذكره الحافظ ابن حجر / في «الكافي الشاف» (ص51)؛ ثم قال: (وإسناده صحيح).
وذكره الحافظ ابن الملقن / في «الإعلام» (ج9 ص53)؛ ثم قال: (وروى هذا الترمذي عن عبدالله بن شقيق؛ بإسناد صحيح).([256])
وذكره الحافظ النووي / في «المجموع» (ج3 ص16)؛ ثم قال: (رواه الترمذي في «كتاب الإيمان» بإسناد صحيح).
وذكره الحافظ النووي في «رياض الصالحين» (ص382)؛ ثم قال: (رواه الترمذي في «كتاب الإيمان»: بإسناد صحيح).
وقال الحافظ العراقي / في «طرح التثريب» (ج2 ص146): (روى الترمذي؛ بسند صحيح؛ من رواية عبدالله بن شقيق قال: (كان أصحاب رسول اللهr لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة).
وقال العلامة ابن علان / في «دليل الفالحين» (ج6ص267): (رواه الترمذي في «كتاب الإيمان» من جامعه؛ بإسناد صحيح).
وذكره العلامة الألباني / في «صحيح سنن الترمذي» (ج2ص329)؛ ثم قال: (صحيح).
وذكره العلامة الألباني / أيضا في «الثمر المستطاب» (ج1 ص52)؛ ثم قال: (وهو صحيح الإسناد).
وقال العلامة ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص293): (فقد ثبت عن عبدالله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل أنه قال: (لم يكن أصحـاب رسـول الله r يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة). اهـ
قلت: ولم يختلف العلماء رحمهم الله تعالى في صحة رواية بشر بن المفضل، وثبوتها، ولم يعلها أحد منهم، فقد صححها أيضا كل من: الحافظ السخاوي / في «الأجوبة المرضية» (819)، والعلامة الألباني / أيضا في «صحيح الترغيب» (ج1 ص367- الطبعة الجديدة الأخيرة المعتمدة([257])في سنة1421هـ)، والعلامة ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص237)،([258]) وفي «التحفة البازية» (ج1 ص302).
قلت: وقد احتج بأثر عبدالله بن شقيق هذا الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص23)، وشيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج22 ص48)، والعلامة ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص276)، وفي «التحفة البازية» (ج1 ص298)،([259])وهذا يدل على صحته عندهم، والله ولي التوفيق.
قلت: والأثر ذكره العلامة الطيبـي / في «شرح مشكاة المصابيح» (ج2 ص148)، والعلامة ابن حجر الهيتمي / في «الزواجر» (ج1 ص283)، والعلامة القاري في «مرقاة المفاتيح» (ج2 ص515)، والعلامة التبريزي / في «مشكاة المصابيح» (ج1 ص256)، والعلامة المنذري في «الترغيب والترهيب» (ج1 ص280).
قلت: واللفظ الذي سـبـق يكفي في ثبوت إجماع الصحابة y في تكفير تارك الصلاة، من رواية بشر بن المفضل عن الجريري.
قلت: ولم يتفرد به بشر عن الجريري، بل تابعه عبد الأعلى بن عبدالأعلى عن الجريري عن عبدالله بن شـقـيـق قال: (ما كانوا يقولون لعمل تركه رجل كفر غير الصلاة، فقد كانوا يقولون: تركها كفر).
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص49)، وفي «الإيمان» (137).
وإسناده صحيح.
وعبدالأعلى بن عبدالأعلى الراوي عن الجريري للأثر هنا بهذا اللفظ، هو ممن روى عن الجريري قبل الإختلاط، فروايته أيضا عنه صحيحة.
قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص425) عن الجريري: (وما أخرج له البخاري من حديثه إلا عن عبدالأعلى، وعبدالوارث، وبشر بن المفضل، وهؤلاء سمعوا منه قبل الإختلاط).
وقال الحافظ العجلي / في «معرفة الثقات» (ج1 ص394): (وعبدالأعلى من أصحهم سماعا؛ سمع منه قبل أن يختلط بثمان سنين).([260])
وقد تابعهما إسـمـاعـيـل بن علية عن الجريري عن عبدالله بن شـقـيـق قال: (ما علمنا شيئا من الأعمال قيل تركه كفر إلا الصلاة).
أخرجه الخلال في «السنة» (1378).
وإسناده صحيح.
وإسـمـاعيل بن علية الراوي عن الجريري، هو ممن روى عنه قبل الإختلاط، فروايته عنه صحيحة.([261])
قال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل» (ص313) عن الجريري: (وممن سمع منه قبل أن يختلط: الثوري، وابن علية، وبشر بن المفضل).
وقال أبو عبيد الآجري / في «سؤالاته» (339): سمعت أبا داود يقول: (أرواهم عن الجريري إسـمـاعـيل ابن علية، وكل من أدرك أيوب؛ فسماعه من الجريري جيد).
قلت: فأثبت الحفاظ أن ابن علية قد سمع من الجريري قبل الإختلاط.
قلت: والشيخان انتقيا ما علما أن رواية: بشر عن الجريري قبل الإختلاط؛ فيقوى الأثر بذلك، وهذا صنيع الأئمة الذي يشير إلى اعتمادهم أن رواية بشر بن المفضل عن الجريري قبل الإختلاط، لأنهم قد صححوا الأثر لذاته، ويزداد قوة بالمتابعات الأخرى، وبإلفاظ لا تخرج عن المعنى الأول في المراد به إجماع الصحابة الكرام على الفهم الصحيح، لأن الألفاظ يفسر بعضها بعضا، اللهم غفرا.
قلت: و«ربيع المرجئ» ينازع في دعوى الإجماع، ولا يدري ما يخرج من رأسـه، لأنه يزعم أن عبدالله بن شقيق لم يلق جميع الصحابة، إنما أدرك عددا قليلا منهم، فلا يسلم بدعوى الإجماع، والرد عليه من وجوه:
1) أن كلام عبدالله بن شقيق صيغته أن هذه المقاله اجتمع عليها الصحابة y، لأن قوله: (كان أصحاب محمد r...) جمع مضاف، وهو من المشعرات بذلك.
قال العلامة الشوكاني / في «نيل الأوطار» (ج1 ص372) معلقا على أثر عبدالله بن شقيق: (والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة، لأن قوله: (كان أصحاب محمد r) جمع مضاف، وهو من المشعرات بذلك). اهـ
وقال العلامة المباركفوري / في «تحفة الأحوذي» (ج7 ص309): (قول عبدالله بن شقيق هذا ظاهره يدل على أن أصحاب رسـول اللهr كانوا يعتقدون أن ترك الصلاة كفر، والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة y). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / فـي «شـرح العمدة» (ج2 ص75): (هذا إجماع الصحابة y). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص265) معلقا على أثر عبدالله بن شقيق: (فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر؛ بإجماع الصحابة y). اهـ
ونقل إجماع الصحابة y على كفر تارك الصلاة شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «حكم تارك الصلاة» (ص15)، ونقله كذلك شيخنا ابن عثيمين / في «الفتاوى» (ج12 ص134).
2) أن عبدالله بن شقيق حاك للأجماع الذي لم يوجد له مخالف من الصحابة الكرام.([262])
3) أن عبدالله بن شقيق حاك للإجماع، لا راويا عن الصحابة، وحاكي الإجماع لا يلزم أن يكون مدركا لجميع من نقل عنهم الإجماع، فافهم لهذا ترشد.
فهذا الإمام محمد بن نصر المروزي، والإمام ابن عبدالبر، والإمام النووي، والإمام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، والإمام ابن باز، والإمام ابن عثيمين، وغيرهم ينقلون إجماع الصحابة الكرام في مواضع كثيرة، ولم يقل أحد من العلماء: إنهم لم يسمعوا من الصحابة الكرام، إذا فدعوى: «ربيع الهالك» مردودة عليه.
قلت: وعبدالله بن شقيق لم يتفرد بذكر إجماع الصحابة الكرام في تكفير تارك الصلاة، بل حكاه جابر بن عبدالله t عن الصحابة الكرام في عهد رسول الله r؛ كما سوف يأتي، وكذلك نقل ذلك الحسن البصري /.
4) نقل غير واحد من العلماء إجماع الصحابة على ذلك ولم أقف على قول أحد منهم يطعن في ذلك، أو يرده!.
وصنيع الشيخ الألباني / يشير إلى اعتماده لهذا الوجه، لأنه قد صحح الأثر في «صحيح الترغيب والترهيب» (564)، وذكر أن أثر جابر t يشهد له، وصححه أيضا في «صحيح الترمذي» (2114)، وأثر جابر t يدل على المعنى، فيزداد له أثر عبدالله بن شقيق قوة.
قلت: ومما يشهد لذلك أيضا؛ قول الحسن البصري / حيث قال: (بلغني أن أصحاب رسول الله rكانوا يقولون: بين العبد، وبين أن يشرك، فيكفر؛ أن يدع الصلاة من غير عذر).([263])
وعن مجاهد بن جبر عن جابر بن عبدالله الأنصاري t؛ قال: قلت له: (ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله r قال: الصلاة).([264])
وعن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبدالله t؛ وسأله رجل: أكنتم تعدن الذنب فيكم شـركـا؟ قال:لا؛ قال: (وسئل: ما بين العبد وبين الكفر؟، قال: ترك الصلاة).([265])
قلت: وهذه الآثار لا تحمل إلا على الكفر الأكبر، لقوله: (وبين أن يشرك فيكفر)؛ أي: يقع في شرك الكفر، ولقوله: (لا يفرق بين الكفر والإيمان إلا بترك الصلاة)، ولقوله: (أن يشرك فيكفر؛ أن يدع الصلاة).
قلت: وقد أجمع التابعون أيضا على كفر تارك الصلاة.
فعن أيوب السختياني / قال: (ترك الصلاة كفر، لا يختلف فيه).([266])
قلت: فقد أجمع السلف الصالح على كفر تارك الصلاة، والأدلة على ذلك عن النبي r كثيرة جدا، وكذلك عن الصحابة،والتابعين، والخلاف في كفر تارك الصلاة؛ إنما وقع بعدهم، فلا يعتد به في الشريعة المطهرة، فافطن لهذا ترشد.
قلت: فالإجماع؛ إجماع السلف، ومن سواهم تبع لهم، اللهم غفرا.
وحكى الإجماع على ذلك جماعة؛ كإسـحـاق بن راهويه، ومحمد بن نصر المروزي، وغيرهم من أهل العلم.
قال الإمام المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص929): سمعت إسحاق بن راهويه يقول: (قد صح عن رسول الله r أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي rإلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر).
وأخرجه ابن عبدالبر في «التمهيد» (ج4 ص225).
وقال الإمام المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص925): (ثم ذكرنا الأخبار المروية عن النبي r في إكفار تاركها، وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتال من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة الكرام مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك، ثم اختلف أهل العلم بعد ذلك في تأويل ما روي عن النبي r، ثم عن الصحابة y في إكفار تاركها). اهـ
قلت: ومعلوم أن محمد بن نصر المروزي من أهل الاستقراء التام، والمعرفة الواسعة بأقوال أهل العلم، ومواضع الإجماع، والنزاع.
قال الحافظ الخطيب / في «تاريخ بغداد» (ج3 ص315)؛ عن المروزي: (كان من أعلم الناس بإختلاف الصحابة([267])، ومن بعدهم في الأحكام). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج14 ص34)؛ عن المروزي: (يقال: إنه كان أعلم الأئمة بإختلاف العلماء على الإطلاق). اهـ
قلت: وهذه الآثار تدل على إجماع الصحابة الكرام على هذا الفهم، وهو كفر تارك الصلاة.
وقد أشار الحافظ ابن رجب / على أن كثيرا من أهل الحديث على تكفير تارك الصلاة، مما يدل على أن من ينقل عن جمهور العلماء أنهم لا يكفرون تارك الصلاة، فهو خطأ لا يلتفت إليه في كتب الفقه، لأنهم يقصدون بالجمهور أصحاب المذاهب المعروفة، وهذا أيضا خطأ، فجمهور العلماء هم أكثر العلماء، فلا يقتصر على أصحاب المذاهب، لأنه اصطلاح لا يصح عند أهل الحديث.
قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص21): (وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا منهم، حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص23): (وأكثر أهل الحديث على أن ترك الصلاة كفر... وممن قال بذلك: ابن المبارك، وأحمد -في المشهور عنه- وإسحاق وحكى عليه إجماع أهل العلم).([268]) اهـ
قلت: لذلك لم نظفر بأي رجل من الصحابة الكرام، خالف ما ادعاه: «ربيع»، و«عبيد»، وأشكالهما من إجماع الصحابة الكرام على كفر تارك الصلاة.
إذا فكيف تترك كل هذه الأدلة الواضحة، ويسمع بعد ذلك إلى من يحتج بالخلاف على الإجماع، مع أنهم قبلوا كثيرا من دعاوى الإجماع بما هو دون ذلك، والله المستعان.
قلت: فهذا الإجماع من أقوى الأدلة على بطلان قول: «ربيع المرجئ»، وبه تعرف أن ما سبق من عبثه، وتلاعبه في تضعيف طرق الأثر لا يجدي عنه شيئا، لأن العلماء حكوا الإجماع على صحته، بل حكوا على صحة إجماع الصحابة الكرام على كفر تارك الصلاة.
قلت: فإذا ثبت الإجماع، فمن خالف بعد ذلك، فهو محجوج بالإجماع السابق، ولو جعلنا الخلاف اللاحق سببا في زعزعة الثقة في الإجماع السابق؛ لسقط كثير من الإجماعات التي ادعاها أهل العلم، والعمل عليها حتى الآن، وفي هذا من المفسدة ما لا يخفى، اللهم غفرا.([269])
قلت: فالجميع محكوم بفهم صحابة رسول الله r، وهم مجمعون على كفر تارك الصلاة.
قلت: ولو طرد مذهب: «ربيع المرجئ» في هذا القول، لما صح لنا إجماع في كل زمان، فإذا كان التابعي الجليل مثل عبدالله بن شقيق لا يقبل قوله بدعوى الإجماع، فمن الذي سيقبل قوله؟!.
ثم دع عنك يا ربيع (لعل)، واجعلها في رأسك التالف، فالأصل أن دعوى العالم -فضلا عن التابعي- بالإجماع؛ دعوى مقبولة، من يظهر خلافها، ولم تستطع أنت أن تظفر بصحابي واحد يقول بمثل قولك، بل ولم يصح عن عالم أنه ضعف أثر عبدالله بن شقيق، فلم يضعف الأثر إلا أشكالك من السفهاء([270])، والمعاندين!، اللهم سلم سلم.
فإن الأصل، والحجة إذا كان أمرا مجمعا عليه عند الصحابة الكرام، سواء في الأصول، أو الفروع؛ أن نقف على ما أجمعوا عليه، لأنهم هم جماعة المسلمين في الأمر الأول، وهذا هو التجمع المحمود، فمن خالف ذلك، فهو مشاق للرسولr ، واتبع غير سبيل المؤمنين، ووقع في التفرق، وهو على ضلالة.
قال تعالى: ]فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس:32].
قال المفسر القرطبي / في «جامع أحكام القرآن» (ج8 ص335): ( «ذا» صلة؛ أي: ما بعد عبادة الإله الحق إذا تركت عبادته إلا الضلال... قال علماؤنا: حكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحق، والباطل منزلة ثالثة... والضلال حقيقته الذهاب عن الحق). اهـ
وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
قلت: ووجه الاسـتـدلال بها ([271])؛ أنه تعالى توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يوجب اتباع سبيلهم، وإذا أجمعوا على أمر كان سبيلا لهم؛ فيكون اتباعه واجبا على كل واحد منهم، ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة.([272])
والآية تدل أيضا على أن كل من اتبع غير سبيل المؤمنين، فقد شاق الرسول r، ومن شاق الرسول r اتبع غير سبيل المؤمنين، فلا يتحقق اتباع الرسول r؛ إلا باتباع سبيل المؤمنين أصحاب رسول الله r، ولزوم ما كانوا عليه من الدين: اعتقادا، وتلقيا وعبادة، ومعاملات، ودعوة؛ باتباع أقوالهم، وفتاويهم المنقولة عنهم بنقل الثقات.([273])
قلت: وهذا دليل على أن الإجماع حجة، لا يجوز مخالفته، كما لا يجوز مخالفة الكتاب والسنة، وجعل الله تعالى جزاء الذي يخالف الإجماع الوعيد الشديد، لأن الوعيد إنما ترتب في الآية الكريمة على من اتصف بمشاقة([274])الـرسـول r، واتباع سبيل غير المؤمنين، وهم الصحابة الكرام، فمن خالف إجماعهم من بعدما تبين له الحق، واطلع عليه، وعمل بخلافه، وسـلـك سـبيل العناد([275])، فقد اتبع غير سـبـيلهم، ولذلك جعل جزاءه الوعيد الشديد، وهذا على س،بـيل المبالغة، والتوكيد، وتفظيع الأمر وتشنيعه، اللهم سلم سلم.
قلت: والآية عامة في كل من خالف طريق المسلمين من السلف والخلف.([276])
قلت: والآية قرنت بين مشاقة الـرسـولr ، واتباع غير سـبـيـل المؤمنين في استحقاق الإضلال، وصلي جهنم، ومشاقة الرسولr متلازمة مع اتباع غير سبيل المؤمنين، كما أن اتباع سبيل المؤمنين متلازم مع اتباع سبيل الرسول r؛ وعلى هذا علماء السلف.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1064): (فوجه الدلالة: أن الله تعالى توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين، فدل على أن اتباع سبيلهم واجب). اهـ
قلت: والآية جعلت مخالفة سبيل المؤمنين سببا لتولي سبل الضلال، وصلي جهنم، كما دلت على أن اتباع الـرسـول r، وهو من أعظم أصول الإسلام مستلزما لسلوك سبيل المؤمنين موجبا له، وسـبـيـل المؤمنين هو أقوال، وأفعال الصحابة الكرام؛ دل على هذا قوله تـعـالى: ]آمن الـرسـول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون[ [البقرة:285]، والمؤمنون كانوا في عهد الرسول r هم الصحابة y.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1065): (لأنه ليس بين اتباع غـيـر سـبـيـلـهـم، وبيـن اتبـاع سـبـيلـهـم؛ قسم ثالث، وإذا حرم الله تعالى اتباع غير سبيل المؤمنين وجب اتباع سبيلهم). اهـ
قلت: وهذا وعيد من الله تعالى لمن يحيد عن الصحابة الكرام في الأصول، والفروع([277])، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص194): (فهكذا مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم؛ وهذا ظاهر، ومن اتـبـع غـيـر سـبـيـلـهم فقد شاقه أيضا؛ فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم. فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبـع غـيـر سـبـيـلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك؛ وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الـرسـول r. قلنا: لأنهما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون؛ فإنه يكون منصوصا عن الرسول r، فالمخالف لهم مخالف للـرسـول r؛ كما أن المخالف للـرسـولr مخالف لله؛ ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول r: وهذا هو الصواب.([278])
فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الـرسـول r، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، ويعلم الاجماع فيستدل به؛ كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص، وهو دليل ثان مع النص، كالأمثال المضروبة في القرآن، وكذلك الاجماع دليل آخر، كما يقال: قد دل على ذلك الكتاب والسنة والاجماع، وكل من هذه الاصول يدل على الحق تلازمها: فإن ما دل عليه الاجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة، وما دل عليه القرآن فعن الـرسـول r أخذ، فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه، ولا يوجد مسألة يتفق الاجماع عليها إلا وفيها نص). اهـ
وقال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص57) عن إجماع الصحابة الكرام: (فهو إنما يدل على أن إجماعهم حجة). اهـ
قلت: وتقرير هذا، أن اتباع غير سبـيـل الـمـؤمـنـيـن حرام، فوجب أن يكون اتباع سبيل المؤمنين واجبا.([279])
فاتباع غير سبيل المؤمنين، وحده حرام، ومتوعد عليه، بل يعتبر من المشاقة، لأن المشاقة معناها: ترك العمل بما جاء به الرسول r، وصحابته الكرام.([280])
فعن المزني والربيع قالا: (كنا يوما عند الشافعي إذ جـاء شـيـخ، فقال له: أسأل؟ قال الشافعي: سل، قال: إيش الحجة في دين الله؟ فقال الشافعي: كتاب الله، قال: وماذا؟ قال: سنة رسول الله r قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة).([281])
قلت: فالله تعالى توعد باتباع غير سبيل المؤمنين بضمه إلى مشاقة الرسول r التي هي كفر فيحرم([282])؛ إذ لا يضم مباح إلى حرام في الوعيد، وإذا حرم اتباع غير سبيلهم وجب اتباع سبيلهم؛ لأنه لا مخرج عنهما؛ أي: أنه لا توجد واسـطـة بينهما، ويلزم من وجوب اتباع كون الإجماع حجة.([283])
قلت: والاعتراضات التي ذكرها ربيع المدخلي على إجماع الصحابة الكرام؛ هي في الحقيقة اعتراضات متكلفة، وفاسدة، تكلفها حتى يروج بدعة الإرجاء في عدم تكفير تارك الأعمال في الشريعة المطهرة.([284])
قلت: والمشاقة: هي أن يكون واحد في شق؛ أي: جانب، والآخر في جانب آخر، فمشاق الـرسـول في جانب غير جانب الـرسـول r؛ أي: منازعه، ومخالفه فيما جاء به عن ربه سبحانه وتعالى.
وسبيل المرء؛ ما يختاره لنفسه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فسبيل المؤمنين إذن: ما يختارونه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فيصدق عليه ما يجمع عليه.
قلت: وإذا ثبت هذا لزم من: «ربيع» أن يتبع غير سبيل الرسولr، بل ومشاقته r؛ واتباع غير سبيل المؤمنين أيضا بما جاء من اعتقاد فاسد فيه الإرجاء وغيره.
والله ألحق الوعيد بمن يشاقق الـرسـول r، ويتبع غير سبـيـل المؤمنين في قول، أو عمل، أو اعتقاد، فيصدق عليه أنه خالف الإجماع.
والمراد من الاتباع ههنا نفس السلوك، والموافقة، لا مجرد الظن، ويؤيده قراءة عبدالله بن مسعود t: (ويسلك غير سبيل المؤمنين).([285])
قلت: فمخالفة: «ربيع»، و«عبيد»؛ لاتباع الـرسـول r، والصحابة الكرام؛ تقضي بأن يكونا من المخالفين لسبيلهم، وهذه المخالفة هي عين مشاقة رسول الله r، والصحابة الكرام؛ لأن المشاقة معناها ترك العمل بما جاء به من الإيمان، والسلوك فيه بغير منهج الصحابة الكرام، اللهم سلم سلم.
قلت: فربيع هذا غير ناج من الوزر، لما وقع في المشاقة والمعاداة، والمخالفة، بعدما تبين له الهدى، وظهوره، وعلم صحة إجماع السلف على تكفير تارك الصلاة، ثم يفعل المشاققة، ويعاند، ويصر على اتباع غير سبيلهم، وطريقهم، وهم ما هم عليه من دين الإسـلام، والتمسك بأحكامه، فجعله الله تعالى واليا لما تولاه من الضلال، والعياذ بالله.([286])
فعن مطرف قال: سمعت مالكا يقول: (وسئل عن الداء العضال، فقال مالك: هو الهلاك في الدين).([287])
قال تعالى: ]ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة[ [البقرة:195].
وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
والظاهر أن مضمون الآية: إن من يشاقق الرسول r، ويخالف المؤمنين في اتباعه، ويتبع غيره في الاعتقادات الفاسدة، وينشرها بين الناس، فيدخل في الوعيد كائنا من كان لقوله تعالى: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
ومنه؛ قوله تعالى: ]يوم ندعوا كل أناس بإممهم[ [النساء:115]؛ أي: من أئمة الضلالة، وغيرهم، الذين اتبعوا من الأحكام على غير سبيل الصحابة الكرام.
فقوله تعالى: ]نوله ما تولى[ [النساء:115]؛ أي: نجعله واليا لما تولاه من الضلال، فيضله ويتركه بينه، وبين ما اختار لنفسه من الضلال المبين([288])، والعياذ بالله.
قلت: ولا شك أن مخالفة ربيع ما أجمع عليه الصحابة الكرام في كفر تارك الصلاة، هذا ضلال، وزيغ، وانحراف، لا مجرد أن هذه المسألة من المسائل الفقهية؛ كما يقال؛ لكن الأمر أعظم من ذلك، وهو ترك ربيع إجماع الصحابة الكرام في هذه المسألة وغيرها، وهذه هي مشاقة r، واتباع غير سبيل المؤمنين، فهو متوعد له بالنار فافطن لهذا ترشد.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1068): (فلما جمع تعالى بين مشاقة الرسول r، وبين ترك اتباع سبيل المؤمنين في الوعيد؛ علم أن كل واحد منها يقتضي الوعيد). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسيره» (ج3 ص218): (قوله تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى[ أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول r، فصار في شق، والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له.
وقوله تعالى: ]ويتبع غير سبيل المؤمنين[ هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم، وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك، قد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب أحاديث الأصول، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها، والذي عول عليه الشافعي / في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل، وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك، ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ أي: إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له، كما قال تعالى: ]فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون [ [القلم:44]، وقال تعالى: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [[الصف:5]، وقوله: ]ونذرهم في طغينهم يعمهون [ [الأنعام:110]، وجعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة، كما قال تعالى : ]احشروا الذين ظلموا وأزوجهم وما كانوا يعبدون «22» من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم «23» [ [الصافات:22-23]، وقال تعالى: ]ورءا المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا [[الكهف:53]). اهـ
قلت: فالوعيد يكون على اتباع غير سبيل المؤمنين، وهم الصحابة الكرام.
وقال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم[ [آل عمران:105].
وقال تعالى: ] إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون[ [الأنعام:159].
قلت: فالله تعالى لا يحب الاختلاف لا في الأصول، ولا في الفروع، فانتبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص285): (إن الله أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن البدعة والاختلاف). اهـ
قلت: والعاصم من ذلك هو التمسك بمنهج السلف الصالح، ولزوم جماعتهم في الأصول، والفروع.
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح الـعـقـيـدة الطـحـاويـة» (ص430): (والجماعة؛ جماعة المسلمين، وهم: الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، فاتباعهم هدى، وخلافهم([289])ضلال). اهـ
وقال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ
قلت: ومن أمعن النظر في آثار التابعين، وجد أن التابعين لا يختلفون في الرجوع إلى أقوال الصحابة الكرام في الدين.([290]) ([291])
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1103): (واحتج بأن التابعين احتجوا؛ بإجماع الصحابة). اهـ
إذا فيكون المخالف في ذلك خارقا للإجماع؛ لأن الإجماع أصل من أصول الدين، وحجة من الحجج الشرعية، والعمل به واجب، فلا يترك لاختلاف العلماء([292])من بعد الإجماع، فافهم لهذا ترشد.
قلت: ومن أبعد الأشياء أن يكون الصواب مع من خالفهم في فتيا، أو حكم، وقد شهد لهم رسول الله r بالفضل!.
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج6 ص18): (فإذا وجد فيها قول لأصحاب رسـول الله r الذين هم سادات الأمة، وقدوة الأئمة، وأعلم الناس بكتاب ربهم تعالى، وسنة نبيهم r، وقد شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، ونسبة من بعدهم في العلم إليهم؛ كنسبتهم إليهم في الفضل والدين؛ كان الظن، والحالة هذه بأن الصواب في جهتهم، والحق في جانبهم من أقوى الظنون، وهو أقوى من الظن المستفاد من كثير من الأقيسة، هذا ما لا يمتري فيه عاقل منصف، وكان الرأي الذي يوافق رأيهم الرأي السداد الذي لا رأي سواه). اهـ
وعن إبراهيم النخعي / قال: (لو بلغني عنهم -يعني: الصحابة- أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفرا لما جاوزته به، وكفى على قوم وزرا أن تخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم r).([293])
وعن عبد الله بن داود الخريبي / قال: (والله لو بلغنا أن القوم - يعني: الصحابة- لم يزيدوا في الوضوء على غسل أظفارهم، لما زدنا عليه).([294])
قال ابن خزيمة: «يريد أن الدين الاتباع».
قلت: يجب الاقتداء بالصحابة y فيما أحببنا، وكرهنا.
وعن عبد الله بن مسعود t أنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد؛ فاختار محمدا r؛ فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه، ثم نظر في قلوب الناس بعده؛ فاختار له أصحابه فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه r، فما رآه المؤمنون حسنا؛ فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحا؛ فهو عند الله قبيح).([295])
وقال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص425): (الإجماع ينعقد عندنا باتفاق العلماء، وإذا اتفقوا عليه كانت العامة تابعة لهم). اهـ
وقال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص427): (إذا أجمع أهل عصر على شئ، كان إجماعهم حجة، ولا يجوز اجتماعهم على الخطأ). اهـ
قلت: إذا لا يعتد باختلاف العلماء([296])بعد إجماع الصحابة y في أن من ترك الصلاة فقد كفر؛ لإجماع الصحابة الكرام على ذلك.
فعن أبي حاتم الرازي / قال: (العلم عندنا ما كان عن الله تعالى من كتاب ناطق، ناسخ غير منسوخ، وما صحت الأخبار عن رسول الله r مما لا معارض له، وما جاء عن الألباء من الصحابة ما اتفقوا عليه، فإذا اختلفوا لم يخرج من اختلافهم؛ فإذا خفي ذلك ولم يفهم فعن التابعين، فإذا لم يوجد عن التابعين، فعن أئمة الهدى من أتباعهم).([297])
قلت: فما أجمع عليه الصحابة الكرام؛ فهو حجة شرعية، ويسقط اختلاف العلماء من بعدهم مع إجماعهم، ويعتذر لهم: أما بأن الإجماع لم يصل إليهم، أو تأولوه، أو دخل عليهم حديث ضعيف، فقالوا به، أو شكوا فيه بما ورد عنهم من القرائن أنه ليس بإجماع، أو غير ذلك من الاجتهادات التي يعذرون بها العلماء؛ دون غيرهم في الدول الإسلامية.([298])
قال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص433): (فما أجمعوا عليه فهو حجة، ويسقط الاجتهاد مع إجماعهم، فكذلك إذا اختلفوا على قولين، لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث). اهـ
قلت: فيجب اتباع ما سـنـه أئمة السلف من الإجماع، وأنه لا يجوز الخروج عنه في أي بلد من البلدان الإسلامية.([299])
قال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص435): (كما أن إجماعهم على قول، إجماع على إبطال كل قول سـواه؛ فكما أنه لم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه على قول؛ لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين).اهـ
وعن عمر بن عبد العزيز / قال: سن رسول الله r، وولاة الأمر بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعته، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، فمن اقتدى بما سنوا اهتدى، ومن استبصر بها تبصر، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا).([300])
قلت: فإجماع الصحابة y حجة يجب على المسلمين جميعا العمل به، ولا يجوز لهم مخالفته، وهذا هو الاتباع للسلف ومحبتهم، والاقتداء بهم.
فعن أحمد بن حنبل / قال: (الاتباع: أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي r وعن أصحابه، ثم هو من بعد في التابعين مخير).([301]) أي: عند إختلافهم، فهو مخير بالدليل.
وعن أيوب السختياني / قال: (إذا بلغك اختلاف عن النبي r، فوجدت في ذلك الاختلاف أبا بكر وعمر، فشد يدك به، فإنه الحق، وهو السنة).([302])
قال شيـخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج1 ص148): (فطريقة السلف والأئمة: أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون الألفاظ الشرعية، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة، ورد باطلا بباطل). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التسعينية» (ج2 ص531): (فالواجب على المسلم أن يلزم سنة رسول الله، وسنة خلفائه الراشدين، والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وما تنازعت فيه الأمة، وتفرقت منه إن أمكنه أن يفصل النزاع بالعلم والعدل، وإلا استـمـسـك بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، وأعرض عن الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعا؛ فإن مواضع التفرق والاختلاف عامتها تصدر عن اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى). اهـ
قلت: ومنازعات أهل الأهواء والبدع هي خصومات مذمومة، مدارها على اختلاف التضاد، ويتكلم أهلها بغير علم، وقصد حسن، اللهم غفرا.
قال أبو داود في «المسائل» (ص277): قلت لأحمد، الأوزاعي هو أتبع من مالك؟ قال: (لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء، ما جاء عن النبي r، وأصحابه فخذ به، ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير).
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1058): (الإجماع حجة مقطوع عليه، يجب المصير إليه، وتحرم مخالفته ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ). اهـ
قلت: فالإجماع مقطوع عليه، ويصار إليه لكونه حجة، وتحرم مخالفته لكونه إجماعا، إذ الأمة لا تجتمع على باطل.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1057): (وسـمـي إجماعا؛ لاجتماع الأقوال المتفرقة، والآراء المختلفة). اهـ
قلت: ومن رد الإجماع أثم، وله وعيد شديد يوم القيامة، كائنا من كان اللهم سلم سلم.
قال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص434): (فمن جحد الإجماع الأول استتيب، فإن تاب وإلا قتل، ومن رد الإجماع الآخر، فهو جاهل يعلم ذلك، فإذا علمه ثم رده بعد العلم، قيل له: أنت رجل معاند للحق وأهله). اهـ
قلت: فلا عذر لأحد بعد الإجماع في مخالفة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه مخالفة، قد بينت الأمور، وثبتت الحجة، وانقطع العذر، اللهم غفرا.
فعن سعيد بن المسيب /: (أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع، والسجود فنهاه سعيد بن المسيب عن ذلك، فقال: يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟، قال: لا ولكن يعذبك على خلاف السنة). وفي رواية: (إذا لم يكن أحدكم يعلم فليسأل، إنه لا صلاة بعد النداء إلا ركعتين، قال: فانصرف، فقال: يا أبا محمد، أتخشى أن يعذبني الله بكثرة الصلاة، قال: بل أخشى أن يعذبك الله بترك السنة).([303])
قلت: وهذا من بدائع أجوبة الإمام سعيد بن المسيب /، وهو سلاح قوي على المقلدة الذين يستحسنون كثيرا من الخلافيات في الأحكام باسم الفقه في الدين، ثم ينكرون على أهل الأثر، ويتهمونهم بأنهم ينكرون الأحكام، وهم في الحقيقة؛ إنما ينكرون الحق في الدين، ومن ذلك ردهم لإجماع الصحابة الكرام في الأحكام، فهؤلاء لهم وعيد شديد؛ لا من أجل أنهم تركوا مسألة فقهية، بل من أجل أنهم خالفوا حجة شرعية، وهو الإجماع، وعاندوا، وأصروا على أحكام بلدانهم المخالفة للشرع([304])، اللهم غفرا.
قلت: فوقعوا في الإفتراق الذي يريدون أن يفروا منه في بلدانهم، والله المستعان.
فعن عبد الله بن مسعود t قال: (يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنهما حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة).([305])
قلت: فهؤلاء المقلدة المتعصبة في بلدانهم يحبون الاختلاف بين العلماء في المسائل الفقهية، لذلك يرجعون إليه، ويفتون به دون الرجوع إلى الدليل، بل وترى كل بلد يخالف البلد الآخر في أحكام الدين بسبب المذهبية، والعصبية، والحزبية، ويحبون الاختلاف، بل ويتبعون أهواءهم في ذلك، ويكرهون الرجوع إلى ما أجمعوا عليه، فيقال للمتعصبة لبدانهم: ما تكرهون في الجماعة، خير مما تحبون في الفرقة والاختلاف، اللهم سلم سلم.
قلت: فهلكوا في بلدانهم -كما هو مشاهد- وأهلكوا، والعياذ بالله.
فعن عبد الله بن مسعود t قال: (القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة).([306])
وعن طاوس، قال: (رآني ابن عباس وأنا أصلي، بعد العصر فنهاني، فقلت: إنما كرهت أن تتخذ سلما، فقال ابن عباس: نهى رسول الله r عن الصلاة بعد العصر، وقال الله تعالى: ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا[. وما أدري تعذب عليها أم تؤجر).([307])
قلت: وتباهى المتعصبون بالخلافيات، فاختلفوا، وتفرقوا في البلدان، وتركوا الإجماع والائتلاف، فأصابهم ما أصاب الأمم من قبلهم، فحل بهم ما حذرهم به نبينا r من اسـتـعمال الآراء، وقيام الفتن، وانتشرت الأهواء فيهم، فألبسوا شيعا، ومزقوا قطعا، وشمتت بهم الدول الكافرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وما ذاك إلا عقوبة أصابت القوم عند تركهم أمر الله تعالى، وصدهم عن الحق، وميلهم إلى الاختلاف، وإيثارهم أهواءهم، ولله تعالى عقوبات في خلقه عند ترك أمره، ومخالفة رسـلـه؛ فأشعلت نيران الفتن في بلدانهم، وصاروا إلى سبـيـل المخالفين؛ فأصابهم ما أصاب من قبلهم من الأمم الماضية([308])، والله المستعان.([309])
فعن عبد الله بن مسعود t قال: (لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل أصحاب محمد r، ومن أكابرهم، فإذا جاء العلم من قبل أصاغرهم هلكوا).([310])
وعن ثابت بن قطبة قال: سمعت عبد الله بن مسعود يخطب وهو يقول: (يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة، فإنهما حبل الله الذي أمر به).([311])
ويؤيده: قوله تعالى: ] واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [[آل عمران:103].
وعن أبي بن كعب t قال: (عليكم بالسبيل والسنة... وإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة).([312])
وعن أبي العالية / قال: (إن كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله r؛ فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة؛ فسمعناها من أفواههم).([313])
قلت: وهذا يدل على ما كان عليه التابعون من حرص على سماع الحديث من الصحابة الكرام، والتثبت والضبط في الدين.
قلت: وهذا يدل على فضل الصحابة الكرام.
فعن عبد الله بن مسعود t قال: (أنتم أكثر صياما، وأكثر صلاة، وأكثر اجتهادا من أصحاب رسول الله r وهم كانوا خيرا منكم، قالوا: لم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: كانوا أزهد في الدنيا، وأرغب في الآخرة).([314])
قلت: وهذا يدل على أن من كان صادقا في إسلامه، واتباعه للصحابة الكرام، فإنه لا يعدل عن طريقتهم في أحكام الدين، اللهم غفرا.
قلت: فمن خالف ما عليه الصحابة الكرام في الأصول، والفروع، فقد خالف الله تعالى، ورسوله r، لأن العلماء مجمعون على الاحتجاج بما هذا سبيله، فأي كتاب نشأ عن طريقة كتب السلف، والخلف المتضمنة للحكم، والدليل، وجدت فيه الاستدلال بأقوال الصحابة الكرام.([315])
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج6 ص24): (أنهم -يعني الصحابة- إذا قالوا قولا، أو بعضهم ثم خالفهم مخالف من غيرهم كان مبتديا لذلك القول، ومبتدعا له... وقول من جاء بعدهم يخالفهم من محدثات الأمور؛ فلا يجوز اتباعهم). اهـ
قال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج13 ص135): (معنى الجماعة المرادة من هذه الأحاديث؛ جماعة أئمة العلماء والمجتهدون، فمن خرج مما عليه الأمة فقد مات ميتة جاهلية، لأن جماعة الله العلماء، جعلهم الله حجة على العالمين، وهم المعنيون بقوله عليه السلام: (إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة)([316])، وذلك أن العامة عنها تأخذ دينها، وإليها تفزع في النوازل، وهي تبع لها، فمعنى قوله r: (لن يجمع أمتي)؛ أي: لن يجتمع علماء أمتي على ضلالة، وممن قال بهذا عبدالله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه، وجماعة من السلف، وهو رأي الأصوليين). اهـ
وعن ابن مسعود، t قال: (عليكم بالجماعة؛ فإن الله لن يجمع أمة محمدr على ضلالة).([317])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص237): (والواجب أمر العامة بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، ومنعهم من الخوض في التفصيل([318]) الذي يوقع بينهم الفرقة والاختلاف، فإن الفرقة والاختلاف من أعظم ما نهى الله تعالى عنه ورسوله r). اهـ
قلت: فليس كل من تفقه في الدين عرف التأويل؛ لأن الفقه: هو فهم معنى النص، والحكم.
والتأويل: هو إدراك حقيقته التي يؤول إليها، وموقع الحكم.
فالـراسـخـون فهموا معنى النصوص، ووجه الدلالة، وموقعها في الأنواع والأعيان.([319])
قلت: ومن قال من العلماء بعدم تكفير تارك الصلاة، فإنه لم يبلغه الإجماع، ولو بلغه الإجماع لم يخالفه، أو ثبت عند العلماء الإجماع، لكن تأولوه، كما تأولوا الأحاديث المرفوعة، على أنه كفر دون كفر؛ ولم يظهر لهم أن هذا الإجماع؛ إجماع على الكفر المخرج من الملة.([320])
قلت: والظاهر أن العلماء المختلفين في تكفير تارك الصلاة؛ لم يبلغهم إجماع الصحابة y، والتابعين الكرام، أو شكوا فيه، لأنه لو بلغهم إجماع السلف؛ لما وسـعـهم أن يخالفوه، لأنهم يعلمون أن الصحابة الكرام لا يجتمعون على خطأ في الدين.
قـال الإمـام الشافعي / في «الرسالة» (ص472): (ونعلم أن عامتهم -يعني الصحابة- لا تجتمع على خلاف لسنة رسول الله r، ولا على خطأ إن شاء الله). اهـ
قال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسـول الله r باطنا وظاهرا، واتـبـاع سـبـيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج1 ص248): (وأهل السنة الذين هم أهلها يردون ما عارض النص، والإجماع من هذه). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج7 ص116): (السنة ما سنه النبي r، والخلفاء الراشدون من بعده، والإجماع هو ما أجمعت عليه علماء الأمة قديما، وحديثا). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «التمسك بالسنة» (ص32): (واتباع الشرع والدين متعين، واتباع غير سبـيـل المؤمنين بالهوى، وبالظن، وبالعادات المردودة؛ مقت وبدعة). اهـ
قلت: فما أبعد المقلدة عن فقه السلف المجمع عليه في الشريعة؛ فإنهم يتركون فقههم، ويذهبون إلى فقه المذاهب الأربعة المختلف فيه في الشريعة!.
وهذا ينبؤ بخطر عظيم على المقلدة؛ لأن أكثرهم يحتج باختلاف الفقهاء من بعد إجماع الصحابة الكرام من أجل ترويج اعتقادهم الفاسد في الدين.
قلت: ومن فعل ذلك، ونصح ولم يتب، وأصر على باطله، فهو مبتدع ضال كائنا من كان، لا أن خالف في مسألة فقهية، لكن أراد أن يروج بدعته عن طريق الاحتجاج باختلاف العلماء، وهذا أصل الفرقة بين المسلمين، وذلك لمخالفته للإجماع الذي هو الأصل الثالث من أصول الشريعة المطهرة، هذا منتهى التحقيق في هذه المسألة، والله ولي التوفيق.
قال الحافظ ابن الجوزي / في «تلبيس إبليس» (ص278): (قلة العلم أوجبت هذا التخليط). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج1 ص42): (والبدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال أهل السنة والجماعة، كما يقال: أهل البدعة والفرقة!). اهـ
وقال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص285): (إن الله أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن البدعة والإختلاف). اهـ
قلت: فالاختلاف أول ما يخرج في أناس يكون شبرا فيهم، ثم يزين الشيطان لهم اختلافهم -ولو كان في الفقه- ويلهمهم أن الصواب معكم في هذا الاختلاف دون غيركم، وأن غيركم خالفوا الصواب لما وصلتهم إليه مما يعتقدوه أنه الحق.([321]) ([322])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج8 ص425): (فالبدع تكون أولها شبرا؛ ثم تكبر في الأتباع؛ حتى تصير أذرعا، وأميالا، وفراسخ). اهـ
قال تعالى: ]ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم [[الانفال:46].
قلت: وهذا التنازع المنهي عنه يكون في الأصول، والفروع سواء بسواء، اللهم غفرا.
قال الحافظ ابن حزم رحمه لله في «الإحكام» (ج5 ص64): (وقد نص تعالى على أن الإختلاف ليس من عنده، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يرض به، وإنما أراده تعالى إرادة كون، كما أراد كون الكفر، وسائر المعاصي). اهـ
وقال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني / في «الضعيفة» (ج1 ص77): (وجملة القول أن الإختلاف مذموم في الشريعة، فالواجب محاولة التخلص منه ما أمكن، لأنه من أسـبـاب ضعف الأمة، كما قال تعالى ]ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم [[الانفال:46]). اهـ
فعن ابن مسعود t: لما طلب منه موافقة أبي موسى t؛ في مسألة: «بنت، وبنت ابن، وأخت» فأعطى البنت النصف، والأخت النصف؛ قال: (لقد ضللت إذا، وما أنا من المهتدين).([323])
قلت: فجعل ابن مسعود t القول الآخر خطأ، لا ينظر فيه، ولا يحتج به، وهذه شهادة صريحة بأن الحق عند الله تعالى واحد، وما عداه فخطأ.
قال الإمام ابن القيم /؛ معلقا على أثر ابن مسعود t: (فجعل القول الآخر الذي جعله المصوبة صوابا عند الله ضلالا!، وهذا أكثر من أن يحيط به، إلا الله تعالى).([324]) اهـ
قلت: ولا شك أن كثرة الأقوال في الخلافيات في الأحكام تدل على أن الخلافيات هذه مقبولة في الجملة للنظر فيها، والبحث، والترجيح([325])، ولكن ليست الخلافيات كلها على مستوى واحد من الوجاهة، وسـداد النظر، إذ منها: الهزيل، ومنها: القوي في الظاهر، ومنها: الشاذ، ومنها الذي يوافق جمهور العلماء([326])، ومنها: الذي يعتمد على حجة واهية، ومنها: ما يستند إلى أدلة قوية.
وليس كل خلاف جاء معتبــــــــــــــــــــــــرا
إلا خلافا له حظ من النظـــــــــــــــــــــــــــــــــر
قلت: والذي يتتبع خلاف الفقهاء، ويستفيد منه بقصد الاحتجاج به على رأيه، فيجتهد ليقول الرأي في الشئ يخالف حكم الله تعالى، ورسوله r، فقد تتبع الرخص المحرمة، ووقع في الإثم كائنا من كان!.
فذم السلف من يبحث عن تلك الرخص عن طريق اختلاف العلماء ويعمل بها، أو يشيعها بين الناس؛ ذما شديدا؛ لأنها تصير بفاعل ذلك فى استحلال ما حرم الله تعالى، ورسوله r.
فالمجتهد العالم قد يقول الرأي في الشئ يخالف حكم الله تعالى، ورسوله r، لا بقصد منه، بل باجتهاده ظنا منه أنه الصواب، فمن عمد إلى رخصة هذا العالم، أو ذاك مما أخطأوا فيه، فتتبعه ليأخذ به؛ فقد اجتمع فيه الشر، والعياذ بالله.([327])
والواجب في هذا أن ينظر في حكم الله تعالى، ورسوله r، فتقاس رخص المجتهدين بموافقتها للكتاب والسنة، أو مخالفتها لهما، فإن وافقت فهي رخصة شرعية يحبها الله، والأخذ بها حسن، وإن خالفت فلها حكمها من الحرمة والإثم، لأنه غير معذور بذكره للخلاف بهذه الطريقة، والاحتجاج به، والله المستعان.
فعن عائشة ڤ قالت: قال رسول الله r: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).([328]) وفي رواية: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
لذلك شغف هذا المرجئ بالخلافيات وغرائبها، حتى خرج بها عن الحد الشرعي، وهذه الخلافيات وغرائبها يكون فيها الحق والباطل، فإذا لم تحقق بالكتاب والسنة والآثار؛ فلا ينتفع بها العبد، بل تضره، ولأجل ذلك عيب على من طلب الخلافيات وغرائبها، والإغراق في تتبعها، وذكرها للناس([329])، والانشغال بجمع أقوال الفقهاء، والاحتجاج بها، والترخص بها في الدين، فمن فعل ذلك وقع في الزندقة.([330])
وقد حكى إسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي /؛ أنه دخل على الخليفة المعتضد بالله العباسي، قال: (فدفع إلي كتابا، فنظرت فيه، فإذا قد جمع له فيه الرخص من زلل العلماء، فقلت: مصنف هذا زنديق، فقال: ألم تصح هذه الأحاديث؟، قلت: بلى، ولكن من أباح المسكر ام يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء، وما من عالم إلا وله زلة، ومن أخذ بكل زلل العلماء ذهب دينه، فأمر بالكتاب فأحرق).([331])
وقال عبدالله بن المبارك؛ ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان قال: رأني أبي، وأنا أنشد الشعر، فقال سليمان التيمي: (يا بني لا تنشد الشعر، فقلت: يا أبت كان الحسن البصري ينشد الشعر!، وكان محمد بن سيرين ينشد!، فقال؛ أي بني إن أخذت بشر ما في الحسن!، وبشر ما في ابن سيرين! ([332]) اجتمع فيك الشر كله).([333])
قال الحافظ ابن عبدالبر /: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان الدليل» (ص204): (وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء، فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين، ومن بعدهم؛ إلا وله أقوال، وأفعال خفي عليهم فيها السنة). اهـ
قلت: فمن ترك الاستدلال بالنصوص، وأقبل على الاستدلال بالخلافيات، فهذا قليل العلم، لا يعتد بعلمه في الشريعة المطهرة.([334])
لذلك حذر السلف من زلات العلماء، فالعالم عندما يخطئ، لا يقتصد خطأه عليه؛ بل يتابعه على ذلك جمع غفير من الناس، والله المستعان.
قلت: والمتكلم في منازعات الناس يتعين عليه العلم بالأحكام الكلية لمسائل الخلاف، وأصول الفقه فيها، ثم معرفة كيفية التخلص من هذا الخلاف بأدلة الكتاب والسنة والآثار، والله ولي التوفيق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص203): (ونحن نذكر «قاعدة جامعة» في هذا الباب لسائر الأمة، فنقول: لابد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب، وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص57): (وكثير من النزاع قد يكون مبنيا على أصل ضعيف إذا بين فساده ارتفع النزاع). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص14): (وكذالك ما يذم من يذم من المنحرفين عن السنة والشريعة، وطاعة الله تعالى ورسوله إلا بمخالفة ذلك، ومن تكلم فيه من العلماء والأمراء وغيرهم، إنما تكلم فيه أهل الإيمان بمخالفة السنة والشريعة). اهـ
قلت: فالمتكلم في مسائل الخلاف لابد أن يحسن الكلام في ضوابط نقل الخلاف، وفي تمييز الأقوال الضعيفة من الصحيحة، وأن يتمكن من معرفة ما سبقه من إجماع، فيعمل بالإجماع ويطرح الخلاف، ولا يتوسع فيه، ولا يعمل به، لما يترتب من ذلك من الفرقة بين المسلمين.([335])
قلت: والخطأ ينشأ؛ إما من جهة عدم العلم بالحق، وإما من جهة فساد القصد، واتباع الهوى.
قال تعالى: ]إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى [ [النجم:23].
قال شيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص384): (وأصل الضلال، اتباع الظن والهوى، كما قال تعالى في حق من ذمهم: ]إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى [ [النجم:23]، وقال في حق نبيه r ]والنجم إذا هوى «1» ما ضل صاحبكم وما غوى «2» وما ينطق عن الهوى «3» إن هو إلا وحي يوحى[ [النجم: 1-4]، فنزهه عن الضلال، والغواية الذين هما الجهل والظلم، فالضال هو الذي لا يعلم الحق، والغاوي الذي يتبع هواه، وأخبر أنه ما ينطق عن هوى النفس، بل هو وحي أوحاه الله إليه، فوصفه بالعلم، ونزهه عن الهوى). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص368): (فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم، فأما من حكى خلافا في مسألة، ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكي الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضا، فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب أو جاهلا فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا، ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور، والله الموفق للصواب). اهـ
وقد أوضح أيضا شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج1 ص75) عند كلامه على منهج السلف في الحكم على الألفاظ المجملة المتشابهة فقال: (وهذه الجملة يعلم تفصيلها بالبحث والنظر، والتتبع والاسـتـقراء، والطلب لعلم هذه المسائل في الكتاب والسنة؛ فمن طلب ذلك وجد في الكتاب والسنة من النصوص القاطعة للعذر في هذه المسائل ما فيه غاية الهدى والبيان والشفاء.
وذلك يكون بشيئين:
أحدهما: معرفة معاني الكتاب والسنة.
والثاني: معرفة معاني الألفاظ التي ينطق بها هؤلاء المختلفون، حتى يحسن أن يطابق بين معاني التنزيل، ومعاني أهل الخوض في أصول الدين، فحينئذ يتبين له أن الكتاب حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه). اهـ
قلت: و«عبيد الجابري» هذا لجهله بفقه الخلاف، لا يعرف المهم في تصنيف نوع الخلاف، والعلم بمرتبته([336])، لكي يتعامل معه على الشرع من الرد، أو القبول بل يضرب الضرب العشوائي الجاهلي، فيتبع هواه في الخلاف، ويذكره بطريقة خبيثة على طريقة تتبع الحيل من أجل أن يثبت صحة أقواله من دون علماء الحرمين والسنة، بل يصل به الأمر مما يفضي إلى الوقيعة في أعراض أهل العلم، أو انتقاص أحد منهم بسبب أنهم يخالفوه في آرائه الضالة.([337])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى الكبرى» (ج3 ص177) عن أهل العلم: (نعوذ بالله سبـحانه مما يفضي إلى الوقيعة في أعراض أهل العلم، أو انتقاص أحد منهم، أو عدم المعرفة بمقاديرهم وفضلهم)([338]). اهـ
قلت: وإنما يقع في ذلك من أحد رجلين: رجل جاهل بمقاديرهم، ومعاذيرهم، أو رجل جاهل بالشريعة المطهرة.
لذلك فالناظر في واقعنا المعاصر؛ بإنصاف يلحظ فرقا واسعا، وبونا شاسعا بين مسالك علماء السنة في زماننا مثل: «الشيخ ابن باز»، و«الشيخ ابن عثيمين»، و«الشيخ الألباني» و«الشيخ الفوزان»، و«الشيخ عبدالله الغديان»، وغيرهم([339])؛ ومن سلك سبـيـلـهم، وبين مسالك من دونهم من أهل الجهل المركب مثل: «ربيع المدخلي»، و«عبيد الجابري الربيعي»، و«صالح السحيمي الربيعي»، و«فلاح إسماعيل الربيعي»، وغيرهم([340]) في تقرير الحق، ورد الباطل.
لذلك يجب معرفة الفرق بين علماء الحرمين والسنة الذين اشتهروا بعلمهم، وآثارهم، وفضلهم، وبين الوعاظ والقصاص ومن يتولى التدريس في المدارس، والجامعات من الأكاديميين من لم يتمكن في العلم ومسائله وأصوله وقواعده، ولم يفقه مقاصد الشريعة المطهرة.
فهؤلاء لا يعول عليهم في منهج النقد العلمي، ولا يجعل لهم قول وعمل في الدين، ولا تنسب إليهم فتوى في الإسلام.
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرد على البكري» (ج1 ص170): هذا التفريق بين مسالك العلماء، ومسالك غيرهم في البيان، ومعرفة طبقاتهم في الإجتهاد فقال /: (وليحذر العبد مسالك أهل الظلم والجهل، الذين يرون أنهم يسلكون مسالك العلماء، تسمع من أحدهم جعجعة ولا ترى طحنا، فترى أحدهم أنه في أعلى درجات العلم، وهو إنما يعلم ظاهرا من الحياة الدنيا، ولم يحم حول العلم الموروث عن سـيـد ولد آدم، وقد تعدى على الأعراض والأموال بكثرة القيل والقال؛ فأحدهم ظالم جاهل، لم يسلك في كلامه مسلك أصاغر العلماء، بل يتكلم بما هو من جنس كلام العامة الضلال، والقصاص الجهال، ليس في كلام أحدهم تصوير للصواب، ولا تحرير للجواب([341])؛ كأهل العلم أولي الألباب، ولا عنده خوض العلماء أهل الاسـتـدلال والاجتهاد، ولا يحسن التقليد الذي يعرفه مـتـوسـطة الفقهاء؛ لعدم معرفته بأقوال الأئمة ومآخذهم.
والكلام في الأحكام الشرعية لا يقبل من الباطل والتدليس ما ينفق على أهل الضلال والبدع، الذين لم يأخذوا علومهم عن أنوار النبوة، وإنما يتكلمون بحسب آرائهم وأهوائهم؛ فيتكلمون بالكذب والتحريف، فيدخلون في دين الإسلام ما ليس منه، وإن كانوا لضلالهم يظنون أنه منه، وهيهات هيهات، فإن هذا الدين محفوظ بحفظ الله له). اهـ
قلت: ومن الـمـنـاسـب هنا أن نبين مسالك رؤوس: «الفرقة الربيعية الجامعيين»، وهي الجهل بتقرير الحق، ورد الباطل، والظلم في نقد الأخطاء وتصويبها، وما يتضمنه كلامهم في منازعات الناس من تصوير ليس بصحيح، وتعبير ليس بفصيح، وليس عندهم التفصيل للجواب، ولا التحرير للخطاب، فهم الذين إذا تكلموا عمموا، وإذا حكموا ظلموا، وإذا رجحوا ألزموا، فلا للسنة نصروا، ولا للبدعة كسروا، بل ولا مع الخلق عدلوا، فهم أهل الجهل والظلم.([342])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج4 ص134) عند كلامه على الفرق بين من تولى التدريس من المجاهيل، وبين مقام العلماء الربانيين: (ولو كشف لنا عن اسم هذا المدرس، وهذا المدرس لبينا من جهله ما يبين حقيقة حاله، وهل في مجرد كون الرجل تولى التدريس في مثل دولة الترك الكفار، أو الحديثي العهد بالإسـلام، ما يدل على فضيلة المدرس وديانته، حتى يجعل له قول؟ مع العلم بأن كثيرا ممن يتولى التدريس بجاه الظلمة الجهال يكون من أجهل الناس وأظلمهم؛ ولكن الذي يدل على فضيلة العلماء ما اشتهر من علمهم عند الناس، وما ظهر من آثار كلامهم، وكتبهم). اهـ
قلت: لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص231) عن أشـكـال رؤوس الفرقة الربيعية المفسدين([343]): (وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص233): (فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب، ويلبسونها على الناس، ولم تبين للناس: فسد أمر الكتاب، وبدل الدين، كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله، وإذا كان أقوام ليسوا منافقين، لكنهم سـمـاعون للمنافقين: قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا؛ وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين، كما قال تعالى: ]لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خللكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمـعـون لهم[. [التوبة:47]، فلا بد أيضا من بيان حال هؤلاء، بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم، فإن فيهم إيمانا يوجب موالاتهم، وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين، فلا بد من التحذير من تلك البدع، وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم؛ بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة من منافق([344])؛ لكن قالوا ظانين أنها هدى، وأنها خير، وأنها دين، ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها). اهـ
وقال شيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص33): (والذي قصدنا الرد في هذه الفتيا عليهم: هم هؤلاء؛ إذ كان نفور الناس عن الأولين مشهورا، بخلاف هؤلاء؛ فإنهم تظاهروا بنصر السنة في مواضع كثيرة، وهم - في الحقيقة- لا للإسلام نصروا، ولا للفلاسفة كسروا). اهـ
وقال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج1 ص254): (ولهذا كان السلف يعدون كل من خرج عن الشريعة في شئ من الدين من أهل الأهواء، ويجعلون أهل البدع هم أهل الأهواء، ويذمونهم بذلك، ويأمرون بألا يغتر بهم، ولو أظهروا ما أظهروه من العلم والكلام والحجاج([345])، أو العبادة والأحوال). اهـ
وقال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج8 ص408): (وتحقيق الأمر أن الكلام بالعلم الذي بينه الله تعالى، ورسـوله r مأمور به، وهو الذي ينبغي للإنسان طلبه.
وأما الكلام بلا علم فيذم، ومن تكلم بما يخالف الكتاب والسنة؛ فقد تكلم بلا علم، وقد يتكلم بما يظنه علما: إما برأي رآه، وإما بنقل بلغه، ويكون كلاما بلا علم، وهذا قد يعذر صاحبه تارة، وإن لم يتبع، وقد يذم صاحبه إذا ظلم غيره، ورد الحق الذي معه بغيا). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج2 ص529): (فمن اتقى الله راقب الله، واعترف بنقصه، ومن تكلم بالجاه وبالجهل، أو بالشر والبأو، فأعرض عنه، وذره في غيه، فعقباه إلى وبال، نسأل الله العفو والسلامة). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج2 ص730): (ما زال العلماء يختلفون في المسائل الصغار والكبار، والمعصوم من عصمه الله بالاتجاء إلى الكتاب والسنة، وسكوت عن الخوض فيما لا يعنيه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ج2 ص512): (وأخذ مذاهب العلماء من الإطلاقات([346])؛ من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم، وما تقتضيه أحوالهم يجر إلى مذاهب قبيحة). اهـ
قلت: وهذا فيه رد على: «ربيع المدخلي» الذي قام بتتبع غرائب العلماء([347])، وحكايته لاطلاقاتهم، وعمومياتهم دون مراجهة لما فسروا بذلك كلامهم.([348])
قال ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج2 ص1504): (ولا يمكن الرد على أهل الباطل إلا مع اتباع السنة من كل وجه([349])، وإلا فإذا وافقها الرجل من وجه، وخالفها من وجه، طمع فيه خصومه من الوجه الذي خالفها فيه، واحتجوا عليه بما وافقهم فيه من تلك المقدمات المخالفة للسنة). اهـ
وقال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج1 ص13)؛ في تعليله لأسباب البدع ومداخلها على أبي الحسن الأشعري: (كانت خبرته بالكلام خبرة مفصلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة، فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم).اهـ([350])
قلت: لابد أن يكون مع الناقد عند رده على أهل الباطل دراية مفصلة بالحق، وأن يسلك طريقة أهل السنة في تقرير الحق، ودفع المعارضات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج6 ص505): (فلا يخرجن أحد الألفاظ المأثورة، وإن كان قد يقع تنازع في بعض معناها؛ فإن هذا الأمر لابد منه.
فالأمر كما قد أخبر به نبينا r، والخير كل الخير في اتباع السلف الصالح، والاستكثار من معرفة حديث رسول الله r، والتفقه فيه، والاعتصام بحبل الله، وملازمة ما يدعو إلى الجماعة والألفة؛ ومجانبة ما يدعو إلى الخلاف والفرقة؛ إلا أن يكون أمرا بينا قد أمر الله تعالى، ورسـولـه r فيه بأمر من المجانبة فعلى الرأس والعين). اهـ
قال تعالى: ]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[ [آل عمران:103].
قلت: وجه الاحتجاج بهذه الآية: أنه تعالى نهى عن التفرق، ومخالفة الإجماع تـفـرق، سـواء كان في الإصول، أو الفروع، فكان منهيا عنه، ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى النهي عن مخالفته.([351])
قال الإمام ابن القيم /: (فالأحاديث والآيات الناهية عن الإختلاف في الدين المتضمنة لذمه، كلها شهادة صريحة؛ بأن الحق عند الله واحد، وما عداه فخطأ، ولو كانت تلك الأقوال -والآراء- كلها صوابا، لم ينه الله تعالى، ورسـولـه r عن الصواب، ولا ذمه).([352]) اهـ
قال تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء:82].
قال الإمام ابن القيم /: (فقد أخـبـر سـبـحـانه أن الاختلاف ليس من عنده، وما لم يكن من عنده؛ فليس بالصواب قال تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [[النساء:82]).([353]) اهـ
وقال الحافظ ابن عبدالبر / في «الجامع» (ج2 ص922): (الإختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من علماء الأمة؛ إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص350): (ليس كل خلاف يستروح إليه، ويعتمد عليه). اهـ
قلت: خاصة إذا سبقه إجماع الصحابة الكرام، اللهم غفرا.
وقال الإمام ابن القيم /: (فإن كثيرا من مسائل الفروع لا يجوز التقليد فيها).([354]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص51): (فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله؛ كذلك من لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم). اهـ
قلت: وحكم كفر تارك الصلاة بإجماع الصحابة الكرام، فيجب إتباع إجماعهم([355])، والله ولي التوفيق.
قلـــــت: فالرسول r هو القدوة في الدين، ثم أصحابه الكرام، لأن الله تعالى زكاهم، ولأن الـرسـول r رباهم، وتوفي وهو عنهم راض، ولم تظهر فيهم الأهواء، فإن الحق، والهدى يدوران معهم حيث داروا، ولم يجمعوا إلا على الحق؛ بخلاف غيرهم من المذاهب والبلدان، فإنهم قد يجمعون على خطأ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «العقيدة الواسطية» (ص127): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسـول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سـبـيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ
وقال تعالى: ]والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [[التوبة:100].
وقال تعالى: ]لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في سـاعـة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم [ [التوبة:117].
فوجه الدلالة: أن الله تعالى أثنى على من اتبعهم، فإذا قالوا قولا، فاتبعهم متبع عليه، فهو متبع لهم، فيجب أن يكون محمودا على ذلك، وأن يستحق الرضوان.
قلت: فدل على أن اتباعهم اتباع لدليل.
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص474): (وتقليدهم -يعني: الصحابة- اتباع لهم، ففاعله ممن y). اهـ
قلت: فلا يتحقق اتباعهم؛ إلا بالانقياد لهم، والإمتناع من مخالفتهم.([356])
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج5 ص556): (فوجه الدلالة: أن الله تعالى أثنى على من اتبعهم، فإذا قالوا قولا فاتبهم متبع عليه قبل أن يعرف صحته، فهو متبع لهم؛ فيجب أن يكون محمودا على ذلك، وأن يستحق الرضوان). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج5 ص557): (أيضا فالثناء على من اتبعهم كلهم، وذلك اتباعهم فيما أجمعوا عليه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج5 ص559): (من خالفهم في الحكم الذي أفتوا به لا يكون متبعا لهم أصلا، بدليل أن من خالف مجتهدا من المجتهدين في مسألة بعد اجتهاد لا يصح أن يقال: اتبعه). اهـ
قلت: والاتباع لا بد أن يكون بإحسان، فيوافقهم في الأصول والفروع([357])هذا معنى: قوله تعالى: ]والذين اتبعوهم بإحسان[ [التوبة:100].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج3 ص98): (والحق: أن أهل السنة لم يتفقوا قط على خطأ). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص227): (ومعلوم أن السابقين الأولين أعظم اهتداء، واتباعا للآثار النبوية، فهم أعظم إيمانا وتقوى، وأما آخر الأولياء: فلا يحصل له مثل ما حصل لهم). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج5 ص560): (وأما تخصيص اتباعهم -يعني: الصحابة- بأصول الدين دون فروعه فلا يصح، لأن الإتباع عام). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج5 ص581): (وهذا يتناول ما أفتوا به، وسنوه للأمة، وإن لم يتقدم من بينهم فيه شئ، وإلا كان ذلك سنته، ويتناول ما أفتى به جميعهم، أو أكثرهم، أو بعضهم؛ لأنه علق ذلك بما سـنـه الخلفاء الراشدون). اهـ
وقال العلامة أحمد شاكر / في تعليقه على «الرسالة» (ص534): (فمعنى الإجماع الذي يدندن حوله المتأخرون، معنى محدث مبتدع يبطلون به الحق من أقوال الصحابة، ويحقون به الباطل، فلا عبرة بخلاف تابعي، أو تابعين، أو إمام، أو أئمة، لقول الصحابي الذي لم يخالفه أحد من الصحابة([358])، وكل من بعد الصحابة ينتسب إلى السلف؛ باتباعه الصحابة، وليس بخلافه لهم).([359]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص200): (وللصحابة y فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين؛ كما أن لهم معرفة بأمور من السنة، وأحوال الرسول r لا يعرفها أكثر المتأخرين، فإنهم شهدوا الـرسـول r، والتنزيل، وعاينوا الـرسول r، وعرفوا من أقواله، وأفعاله، وأحوله مما يستدلون به على مرادهم ما لم يعرفه أكثر المتأخرون الذين لم يعرفوا ذلك، فطلبوا الحكم مما اعتقدوه من إجماع، أو قياس). اهـ
وقال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص64): (...أن الصحابة y حضروا التنزيل، وفهموا كلام الرسول r، واطلعوا على قرائن القضايا، وما خرج عليه الكلام من الأسباب، والمحامل التي لا تدرك إلا بالحضور، وخصهم الله تعالى بالفهم الثاقب، وحدة القرائح، وحسن التصرف، لما جعل الله تعالى فيهم من الخشية والزهد والورع؛ إلى غير ذلك من المناقب الجليلة، فهم أعرف بالتأويل، وأعلم بالمقاصد، فيغلب على الظن مصادفة أقوالهم وأفعالهم الصواب، أو القرب منه، والبعد عن الخطأ، هذا مالا ريب فيه، فيتعين المصير إلى أقوالهم). اهـ
وقال شـيـخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شـرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص312): (وإنما كان اتباع سبيلهم من منهج أهل السنة والجماعة؛ لأنهم أقرب إلى الصواب، والحق ممن بعدهم، وكلما بعد الناس عن عهد النبوة؛ بعدوا من الحق، وكلما قرب الناس من عهد النبوة؛ قربوا من الحق، وكلما كان الإنسان أحرص على معرفة سيرة النبي r، وخلفائه الراشدين؛ كان أقرب إلى الحق.
ولهذا ترى اختلاف الأمة بعد زمن الصحابة والتابعين أكثر انتشارا وأشـمـل لجميع الأمور، لكن الخلاف في عهدهم كان محصورا.
فمن طريقة أهل السنة والجماعة أن ينظروا في سـبـيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فيتبعوها؛ لأن اتباعها يؤدي إلى محبتهم، مع كونهم أقرب إلى الصواب والحق؛ خلافا لمن زهد هذه الطريقة، وصار يقول: هم رجال ونحن رجال! ولا يبالي بخلافهم!! وكأن قول أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي قول فلان وفلان من أواخر هذه الأمة!! وهذا خطأ وضلال؛ فالصحابة أقرب إلى الصواب، وقولهم مقدم على قول غيرهم؛ من أجل ما عندهم من الإيمان والعلم، وما عندهم من الفهم السليم والتقوى والأمانة، وما لهم من صحبة الرسول r). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح العقيدة الواسطية» (ص211): (ومن صفات أهل السنة: (اتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار)؛ لما خصلهم الله به من العلم والفقه، فقد شهدوا التنزيل، وسمعوا التأويل، وتلقوا عن الـرسـول r بدون واسـطـة، فهم أقرب إلى الصواب، وأحق بالاتباع بعد الـرسـول r، فاتباعهم يأتي بالدرجة الثانية بعد اتباع الرسول r؛ فأقوال الصحابة حجة يجب اتباعها إذا لم يوجد نص عن النبي r -لأن طريقهم أسـلـم وأعلم وأحكم- لا كما يقول بعض المتأخرين- أن طريقة السلف أسـلـم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم؛ فيتبعون طريقة الخلف، ويتركون طريقة السلف).([360])اهـ
قلت: لذلك يحرم على قوم وصل إليهم إجماع الصحابة من المهاجرين والأنصار في مسألة في الدين أن يصيروا إلى اختلاف لمن بعدهم من العلماء.
قال الفقيه ابن العربي المالكي / في «عارضة الأحوذي» (ج9 ص10): (الأمة إذا اجتمعت على قول؛ فلا يجوز لمن بعدهم أن يحدث قولا آخر). اهـ
قلت: لذلك؛ فالاختلاف في الآراء؛ فإنه مـخطـور في العقول، محرم في الأصول والفروع، وهو سبب تعطيل أحكام الدين، ولو ترك الناس أن يختلفوا بما شاءوا لتفرقت مذاهبهم، ولم تكن فائدة في بعثة الرسول r، وحجة الإجماع في الشريعة المطهرة.([361])
قلت: وهذا هو الذي عابه الله تعالى من التفريق في كتابه، اللهم غفرا.
قلت: وهذا يدل على أن الاختلاف في الفروع، والإصرار عليه دون الرجوع إلى الكتاب والسنة، هو بريد إلى نشأة البدع التي نشأ منها الإفتراق، وهذا ظاهر في المذهبيين المقلدين، والحزبيين السياسيين الذين سيطروا على الشؤون الإسلامية في البلدان الإسلامية كلها، اللهم غفرا.
قلت: والإمام أحمد / جعل الخروج عن اختلاف الصحابة y في الأحكام الفقهية من مذهب أهل البدع، فما بالك في الخروج عن اجماعهم؟!.
وهو قول أهل السنة والجماعة.([362])
وقد نص الإمام أحمد / على هذا في رواية عبدالله، وأبي الحارث في الصحابة الكرام إذا اختلفوا؛ حين سئل: هل لرجل أن يخرج من أقاويل الصحابة إن اختلفوا؟.
فقال الإمام أحمد: (أرأيت إن أجمعوا؟، له أن يخرج من أقاويلهم!؛ هذا قول خبيث، قول أهل البدع، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا).([363])
فهل يقول عاقل بجواز الخروج عن قول نقل الإجماع فيه عن الصحابة الكرام، أو ما يدل عليه، إذا كان الخروج عن أقوالهم المختلفة من قول أهل البدع، اللهم غفرا.
قلت: ولا نزاع بين العلماء القائلين بحجية الإجماع، إن إجماع الصحابة حجة، لتحقق معنى الإجماع بأركانه، وشروطه فيهم؛ إذ هو اتفاق المجتهدين من أمة محمدr.([364])
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1108): (فإن الصحابة إذا اختلفت على قولين، فقد أجمعت على تسويغ الخلاف في المسألة، والأخذ بكل واحد من القولين([365])، فإذا أجمع التابعون على أحد القولين لم يجز رفع إجماع الصحابة بإجماعهم؛ لأن إجماع الصحابة أقوى من إجماعهم، كما لو أجمعت على قول واحد، ثم أجمع التابعون على خلافه، وهذه طريقة معتمدة). اهـ
قلت: فإذا كان إجماع التابعين الأفاضل لا يرفع إجماع الصحابة الكرام، فكيف يرفع إجماعهم اختلاف العلماء الأعزاء من بعدهم؟!: ]إن هذا لشئ عجاب[ [ص :5].
لذلك لا يعتمد خلاف العلماء الأعزاء إذا تقدمه إجماع الصحابة الكرام، لأن اعتماد خلاف العلماء الأعزاء يتضمن إسقاط إجماع الصحابة الكرام، وهذا لا يمكن، لأن إجماعهم حجة شرعية.([366])
وقد وصف الإمام أحمد / عن أخذ العلم في رواية: المروذي (ج4 ص1090-العدة)؛ فقال الإمام أحمد: (ينظر ما كان عن رسوله r؛ فإن لم يكن فعن الصحابة، فإن لم يكن فعن التابعين).
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1090): (إجماع أهل كل عصر حجة([367])، ولا يجوز إجماعهم على خطأ). اهـ
قلت: والأدلة وردت بعصمة جميع الصحابة الكرام إذا أجمعوا على أمر في الدين، فيجب العمل به من بعدهم.([368])
قلت: ولا يعتد بخلاف من خالفهم من العلماء، بل يطوى، ولا يروى!([369])
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1081): (وهذا كله يدل على أن اتباع المجمعين فيما أجمعوا عليه واجب). اهـ
قلت: وهذا عام؛ لا يجمعهم الله تعالى، ولا يجتمعون على خطأ.([370])
نص عليه الإمام أحمد / في رواية عبدالله، وأبي الحارث: (يلزم من قال: يخرج من أقاويلهم إذا اختلفوا، أن يخرج من أقاويلهم إذا أجمعوا).([371])
وقال الإمام أحمد، في رواية الأثرم: (إذا اختلف أصحاب رسول الله r يختر من أقاويلهم، ولا يخرج عن قولهم إلى من بعدهم).([372])
قلت: وهذا قول جمهور العلماء؛ خلافا لبعض الحنفية، وبعض الظاهرية في القول: «يجوز إحداث قول ثالث».([373])
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1113): (أن إجماعهم على قولين إجماع على بطلان ما عداهما، كما أن الإجماع على واحد؛ إجماع على بطلان ما عداه، ولا فرق بينهما). اهـ
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1130): (فأما إذا تأيد الإجماع عليه، قوي بالمصير إليه ففسق جاحده... هذا إذا انعقد الإجماع فسق مانعه). اهـ
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1130): (فإذا انعقد الإجماع به فسق مانعه ومخالفه). اهـ
وقال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص435): «باب القول في أنه يجب اتباع ما سنه أئمة السلف من الإجماع والخلاف، وأنه لا يجوز الخروج عنه»: (إذا اختلف الصحابة في مسألة على قولين، وانقرض العصر عليه، لم يجز للتابعين أن يتفقوا على أحد القولين، فإن فعلوا ذلك لم يزل خلاف الصحابة. والدليل عليه أن الصحابة أجمعت على جواز الأخذ بكل واحد من القولين، وعلى بطلان ما عدا ذلك، فإذا صار التابعون إلى القول بتحريم أحدهما، لم يجز ذلك، وكان خرقا للإجماع، وهذا بمثابة ما لو اختلفت الصحابة في مسألة على قولين، وانقرض العصر عليه، فإنه لا يجوز للتابعين إحداث قول ثالث؛ لأن اختلافهم على قولين إجماع على إبطال كل قول سواهما، كما أن إجماعهم على قول إجماع على إبطال كل قول سواه، فكما لم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه على قول؛ لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين). اهـ
وقال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص434): «القول فيمن رد الإجماع»: (الإجماع على ضربين:
أحدهما: إجماع الخاصة والعامة، وهو مثل: إجماعهم على القبلة أنها الكعبة، وعلى صوم رمضان، ووجوب الحج، والوضوء، والصلوات وعددها وأوقاتها، وفرض الزكاة وأشباه ذلك.
والضرب الآخر: هو إجماع الخاصة دون العامة، مثل ما اجتمع عليه العلماء من أن الوطء مفسد للحج، وكذلك الوطء في الصوم مفسد للصوم، وأن البينة على المدعى، واليمين على المدعى عليه، وأن لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، وأن لا وصية لوارث، وأن لا يقتل السيد بعبده، وأشباه ذلك.
فمن جحد الإجماع الأول استتيب، فإن تاب وإلا قتل، ومن رد الإجماع الآخر فهو جاهل يعلم ذلك، فإذا علمه ثم رده بعد العلم، قيل له: أنت رجل معاند للحق وأهله)([374]). اهـ
ويدل عليه:
عن أبي نجيح العرباض بن سارية t قال: (وعظنا رسول الله r موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).([375])
قال القاضي أبو يعلى / في «العدة» (ج1ص1058): (الإجماع حجة قطعية يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجمع الأمة على الخطأ).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص192): (والمقصود هنا أن الرسول r بين جميع الدين بالكتاب، والسنة، وأن الإجماع - إجماع الأمة- حق؛ فإنها لا تجتمع على ضلالة). اهـ
قلت: إن الإجماع مستند معظم في الشريعة المطهرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص270): (وحينئذ؛ فالاجماع مع النص دليلان، كالكتاب والسنة). اهـ
قلت: فالإجماع حجة قاطعة، يحرم مخالفته.([376])
قال الأصولي ابن عبدالشكور / في «مسلم الثبوت» (ج2 ص213): (الإجماع حجة قطعا عن الجميع، ولا يعتد بشرذمة من الخوارج، والشيعة([377])، لأنهم حادثون بعد الاتفاق). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «روضة الناظر» (ص335) «والإجماع حجة قاطعة). اهـ
وقال الأصولي الآمدي / في «الأحكام» (ج1 ص200): (اتفق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعية، يجب العمل به على كل مسلم). اهـ
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1058): (الإجماع حجة مقطوع عليه، يجب المصير إليه، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ). اهـ
قلت: فالإجماع مقطوع عليه، ويصار إليه لكونه حجة، وتحرم مخالفته لكونه إجماعا، إذ الأمة لا تجتمع على باطل.
وسمي إجماعا لاجتماع الأقوال المتفرقة، والآراء المختلفة.([378])
فعن الإمام سفيان / قال: (كان يقال إجماع آراء الجماعة، وعقولها مبرمة لصعاب الأمور).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي الدنيا في «العقل» (ص55) من طريق محمد حدثنا الحميدي عن سفيان به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن الإمام عروة بن الزبير / قال: (ليس الرجل الذي إذا وقع في الأمر تخلص منه، ولكن الرجل يتوقى الأمور حتى لا يقع فيها).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي الدنيا في «العقل» (ص60) من طريق عبدالرحمن بن صالح قال حدثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وأخيرا: يكون سوء الخاتمة لمن انحرف؛ لا لمن استقام:
قال الحافظ عبدالحق الاشبيلي / في «العاقبة» (ص180): (إن سوء الخاتمة لا يكون لمن استقام ظاهره، وصلح باطنه، [ما سمع بهذا قط، ولا علم به، والحمد الله]، وإنما يكون لمن كان له فساد في العقل، وإصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب عليه ذلك، حتى ينزل به الموت قبل التوبة، ويثب عليه قبل الإنابة، ويأخذه قبل إصلاح الطوية، فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة، والعياذ بالله ثم العياذ بالله، أن يكون لمن كان مسقيما لم يتغير عن حاله، ويخرج عن سننه، ويأخذ في غير طريقه، فيكون عمله سببا لسوء خاتمته، وشؤم عاقبته، والعياذ بالله، قال تعالى:] إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم [ [الرعد:11]). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج3 ص1177): (قد كان الحافظ سعد بن علي([379])هذا من رؤوس أهل السنة، وأئمة الأثر، وممن يعادي الكلام وأهله، ويذم الأراء والأهواء، فنسأل الله أن يختم لنا بخير، وأن يتوفانا على الإيمان والسنة.
فلقد قل من تمسك بمحض السنة، بل تراه يثني على السنة وأهلها، وقد تلطخ ببدع الكلام، ويجسر على الخوض في أسماء الله وصفاته، ويبادر إلى نفيها، ويبالغ بزعمه في التنزيه، وإنما كمال التنزيه تعظيم الرب عز وجل، ونعته بما وصف به نفسه تعالى). اهـ
قلت: فالفرار قبل حلول الدمار، وإياك ومضلات الأهواء: ]ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم [[آل عمران:101].
قلت: فهذا ظاهر إذا اعتبرنا البدعة من حيث هي معصية، فإن نظرنا إلى كونها بدعة؛ فذلك أعظم؛ لأن المبتدع؛ مع كونه مصرا على ما نهي عنه يزيد على المصر بأنه معارض للشريعة بعقله، غير مسلم لها في تحصيل أمره؛ معتقدا في المعصية؛ أنها طاعة حيث حسن ما قبحه الشارع، ومن كان هكذا؛ فحقيق بالقرب من سوء الخاتمة.([380])
قلت: وهذا هو المكر، والعياذ بالله.
قال تعالى: ] أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون [ [الأعراف:99].
قال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص223): (والمكر: جلب السوء من حيث لا يفطن له، وسوء الخاتمة من مكر الله تعالى، إذ يأتي الإنسان من حيث لا يشعر، اللهم إنا نسألك العفو والعافية). اهـ
قلت: والذي مكر به يسود وجهه في الأخرة، والعياذ بالله.
قال تعالى:] يوم تبيض وجوه وتسود وجوه [ [آل عمران: 106].
وحكى القاضي عياض / في «ترتيب المدارك» (ج2 ص49)؛ عن الإمام مالك من رواية ابن نافع عنه؛ قال: (لو أن العبد ارتكب الكبائر كلها؛ بعد أن لا يشرك بالله شيئا، ثم نجا من هذه الأهواء؛ لرجوت أن يكون في أعلى جنات الفردوس؛ لأن كل كبيرة بين العبد وربه هو منها على رجاء، وكل هوى ليس على رجاء؛ إنما يهوي بصاحبه في نار جهنم).
قلت: ووجه ذلك ظاهر منبه عليه؛ إذ قد يكون المرء على يقين من أمر من أمور السنة، فيلقي له صاحب الهوى فيه هوى مما يحتمله اللفظ لا أصل له، أو يزيد له فيه قيدا من رأيه، فيقبله قلبه، فإذا رجع إلى ما كان يعرفه، وجده مظلما، فإما أن يشعر به؛ فيرده بالعلم، أو لا يقدر على رده، وإما أن لا يشعر به؛ فيمضي مع من هلك، والعياذ بالله.([381])
قلت: فيؤيد كل ما سبق أن ترك الصلاة؛ كفر في حد ذاته:
فعن القاسم بن مخيمرة قال: في قوله تعالى:] فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة [[مريم:59]، قال: (إنما أضاعوا المواقيت، ولو كان تركا كان كفرا). وفي رواية: (ولو تركوها لصاروا بتركها كفارا).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (ج7 ص2412)، والطبري في «جامع البيان» (ج16 ص98)، وابن المنذر في «تفسيره» (ج5 ص518-الدر المنثورة) من طرق عن القاسم بن مخيمرة به.
قلت: وهذا سنده حسن.
فذكر أن بمجرد ترك الصلاة؛ هو كفر في حد ذاته، ولو لم يكن جحودا، فافطن لهذا.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت
ذكر الدليل على أن مسألة تارك الصلاة، قد أصبحت من مسائل الاعتقاد، فانتقلت من الفروع إلى الأصول([382])، لأنها صارت من شعار المرجئة قديما وحديثا، واستدلالها بهذه المسألة على إرجائها، وكذلك مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة، حيث صارت من شعارات الرافضة، فأدخلها السلف في الاعتقاد بسبب ذلك، وغيرها
اعلم رحمك الله أن السلف أئمة الحديث قد أدخلوا مسألة الجهر بالبسملة –وهي: من مسائل الفقه- في أمور العقيدة، وذلك لأنها صارت من شعارات الرافضة، واستدلت لها بالأحاديث المنكرة، وكذلك مسألة المسح على الخف صارت من مسائل الأصول.
كما أدخلت مسألة تارك الصلاة في أمور العقيدة، وهذا ظاهر في كتب أهل الحديث، منهم: الإمام اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة»، والإمام ابن نصر في «تعظيم قدر الصلاة»، والإمام ابن بطة في «الإبانة الكبرى»، والإمام الآجري في «الشريعة»، والإمام ابن منده في «الإيمان»([383])، والإمام ابن أبي الخير في «الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار»، وغيرهم.
* وذلك لأن المرجئة: بجميع أنواعها تستدل على قول «الإرجاء الخبيث» باختلاف العلماء المتأخرين، واستدلالهم على مسألة تارك الصلاة.
ولهذا السبب من المرجئة، أدخل السلف هذه المسألة في الأصول، وتكلموا فيها في كتب الاعتقاد؛ للرد على المرجئة كلها.
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص790): (أن المنافقين أحسن حالا من «المرجئة»، لأن المنافقين جحدوا العمل، وعملوه.
والمرجئة: أقروا بالعمل بقولهم، وجحدوه بترك العمل به، فمن جحد شيئا، وأقر به بلسانه، وعمله ببدنه أحسن حالا ممن أقر بلسانه، وأبى أن يعمله ببدنه.
فالمرجئة: جاحدون لما هم به مقرون، ومكذبون بما هم به مصدقون؛ فهم أسوأ حالا من المنافقين، ويح لمن لم يكن القرآن، والسنة دليله؛ فما أضل سبيله، وأكسف باله، وأسوأ حاله).اهـ
وبوب الإمام ابن منده في «الإيمان» (ج1 ص382)؛ ذكر ما يدل على أن مانع الزكاة، وتارك الصلاة: يستحق اسم الكفر. ([384])
وقال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج2 ص654): (يدل على أن الصلاة من الإيمان، ومن لم يصل، فلا إيمان له، ولا إسلام، وقد سمى الله تعالى الصلاة في كتابه: إيمانا). اهـ
وبوب الإمام ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص884)؛ باب: القول في المرجئة، وما روي فيه، وإنكار العلماء لسوء مذاهبهم.
وبوب الإمام الآجري في «الشريعة» (ج2 ص644)؛ باب: ذكر كفر تارك الصلاة.
وعن شعيب بن حرب قال: (قلت لأبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري: حدثني بحديث من السنة ينفعني الله عز وجل به، فإذا وقفت بين يدي الله تبارك وتعالى وسألني عنه، فقال لي: من أين أخذت هذا؟ قلت: يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان الثوري، وأخذته عنه، فأنجوا أنا، وتؤاخذ أنت.
فقال: يا شعيب هذا توكيد، وأي توكيد، أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم.
القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، من قال غير هذا فهو كافر ...
يا شعيب بن حرب: لا ينفعك ما كتبت لك حتى ترى المسح على الخفين دون خلعهما أعدل عندك من غسل قدميك.
يا شعيب بن حرب: ولا ينفعك ما كتبت حتى يكون إخفاء «بسم الله الرحمن الرحيم» في الصلاة أفضل عندك من الجهر بها ...).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1ص151)، والمخلص في «المخلصيات» (ج4 ص81) من طريق أبي الفضل شعيب بن محمد بن الراجيان حدثنا علي بن حرب الموصلي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه الطيوري في «الطيوريات» (ج2 ص539 و540) من وجه آخر.
وقال الحافظ الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج1ص207): (وهذا ثابت عن سفيان).
وأقره المباركفوري في «تحفة الأحوذي» (ج2 ص54).
وذكره الذهبي في «السير» (ج7 ص273)، وابن رجب في «فتح الباري» (ج4 ص380)، وابن قدامة في «المغني» (ج1 ص360).
قلت: وأدخلت مسألة الجهر بالبسملة في أمور العقيدة كما هو ظاهر من كلام سفيان /، وهو مخرج في الاعتقاد من باب الولاء والبراء، وهجر شعارات أهل البدع، وذلك لأن الشيعة الرافضة ترى الجهر بالبسملة، وهم من أهل البدع، وأكذب الطوائف، فوضعوا في ذلك أحاديث، وغالب أحاديث الجهر بالبسملة يجد في رواتها من هو منسوب إلى التشيع، فصار الجهر بها: من شعار الروافض، وهجر شعارات أهل البدع من الدين، حتى كان الإمام الجليل ابن أبي هريرة ([385])، أحد أعيان أصحاب الشافعي: يترك الجهر بها، وهو يقول: الجهر بها صار من شعار الروافض.
قال الإمام العيني / في «البناية» (ج2ص233): (وإنما كثر الكذب في أحاديث الجهر على النبي r، وأصحابه: لأن الشيعة ترى الجهر، وهم أكذب الطوائف، فوضعوا في ذلك أحاديث، وكان أبو علي بن أبي هريرة، أحد أعيان أصحاب الشافعي: يترك الجهر بها، وهو يقول: الجهر بها صار من شعار الروافض.
وغالب أحاديث الجهر يجد في رواتها من هو منسوب إلى التشيع). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج22 ص423): (وإنما كثر الكذب في أحاديث الجهر؛ لأن الشيعة ترى الجهر، وهم أكذب الطوائف، فوضعوا في ذلك أحاديث لبسوا بها على الناس دينهم؛ ولهذا يوجد في كلام أئمة السنة من الكوفيين، كسفيان الثوري: أنهم يذكرون من السنة «المسح على الخفين»، و«ترك الجهر بالبسملة»، كما يذكرون: «تقديم أبي بكر، وعمر»، ونحو ذلك؛ لأن هذا كان من شعار الرافضة.
ولهذا ذهب أبو علي بن أبي هريرة، أحد الأئمة من أصحاب الشافعي: إلى ترك الجهر بها، قال: لأن الجهر بها صار من شعار المخالفين). اهـ
وقوله: (حتى ترى المسح عليهما)؛ لأن فيه مخالفة أهل البدع من الرافضة، الذين لا يرون شرعية المسح على الخفين، وهذا اعتقاد أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري /. ([386])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج1 ص44): (وينبغي أن يعلم؛ أنه ليس كل ما أنكره بعض الناس عليهم، يكون باطلا.
بل من أقوالهم، أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنة، ووافقهم بعض، والصواب: مع من وافقهم؛ لكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها.
* فمن الناس من يعد من بدعهم: «الجهر بالبسملة»، و«ترك المسح على الخفين»: إما مطلقا، وإما في الحضر، و«القنوت» في الفجر، و«متعة الحج»، ونحو ذلك من المسائل التي تنازع فيها علماء السنة، وقد يكون الصواب فيها: القول الذي يوافقهم، كما يكون الصواب هو القول الذي يخالفهم، لكن المسألة اجتهادية، فلا تنكر إلا إذا صارت شعارا لأمر لا يسوغ، فتكون دليلا على ما يجب إنكاره، وإن كانت نفسها يسوغ فيها الاجتهاد).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج4 ص150): (وكذلك الجهر بالبسملة، هو مذهب الرافضة... لأن المعروف في العراق: أن الجهر كان من شعار الرافضة، وأن «القنوت» في الفجر كان من شعار القدرية الرافضة.
* حتى أن سفيان الثوري، وغيره من الأئمة يذكرون في عقائدهم: «ترك الجهر بالبسملة»؛ لأنه كان عندهم من شعار الرافضة.
كما يذكرون: «المسح على الخفين»؛ لأن تركه كان من شعار الرافضة). اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (ج4 ص380): (وكان سفيان الثوري، وغيره من أئمة الأمصار يعدون الإسرار بالبسملة من جملة مسائل أصول الدين، التي يتميز بها أهل السنة عن غيرهم، كالمسح على الخفين، ونحوه). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على بطلان قول: «المرجئة العصرية»، على أن قول الجمهور: هو عدم تكفير تارك الصلاة، وأنه لم يصح عنهم، بل قول الجمهور على كفر تارك الصلاة، ولم يخالفوا إجماع الصحابة على هذا الحكم
* اعلم رحمك الله: أن المقلدة كعادتهم ينسبون إلى العلماء أخطاء في عدة أحكام في الدين، على أن جمهور العلماء يقولون بها، وهي أخطاء؛ منهم: في عزوهم إلى الجمهور بهذه الأحكام، أو إلى أكثر العلماء، لأن بعد التحقيق يتبين أن الجمهور على الصحيح، خلاف قولهم.
* ومن ذلك: ما ينسبه المقلدة، للمتأخرين القول بعدم تكفير تارك الصلاة، تهاونا إلى: جمهور أهل العلم، ويقصدون بهم: أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب مالك، وأصحاب الشافعي، وهناك رواية: عن أحمد، ومن تابعهم في مذاهبهم.([387])
قلت: فلم يصح أن هذا القول: هو قول جمهور العلماء، بل ثبت قول الجمهور بكفر تارك الصلاة، ولم يخالفوا إجماع الصحابة y في هذه المسألة العظيمة. ([388])
* ونقل الإمام ابن عبد البر المالكي / في «التمهيد» (ج4 ص225)، عن أكثر العلماء المتقدمين: على تكفير تارك الصلاة.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي / في «التمهيد» (ج4 ص225): (وقال إسحاق بن راهويه /: «وكذلك كان رأي أهل العلم، من لدن النبي r، إلى زماننا هذا: أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر، حتى يذهب وقتها؛ كافر، إذا أبى من قضائها، وقال: لا أصليها»).اهـ
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي / في «التمهيد» (ج4 ص226): (قال إسحاق بن راهويه /: «فمن لم يجعل تارك الصلاة: كافرا، فقد ناقض، وخالف: أصل قوله، وقول غيره»).اهـ
1) الإمام أبو حنيفة /، ومن تابعه على عدم تكفير تارك الصلاة، لأنهم: يخرجون أعمال الجوارح عن مسمى الإيمان، لذلك لا يكفرون تارك الصلاة، فهم: مخالفون لأهل السنة في: «أصل الإيمان»، فلا يحتج بهم في هذه المسألة، وعليه: فلا حجة في قولهم، ولا يعتد بهم، لمخالفتهم في: «أصل الإيمان»، وهذا يدل على أنهم: ليسوا الجمهور في حكم تارك الصلاة.
قال الإمام ابن عبد البر المالكي / في «التمهيد» (ج9 ص238): (أجمع أهل الفقه والحديث: على أن الإيمان، قول وعمل، ولا عمل إلا بنية... إلا ما ذكر عن أبي حنيفة، وأصحابه؛ فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعات لا تسمى إيمانا).اهـ
2) الإمام مالك بن أنس /، فينسب إليه عدد من المتأخرين، إلى عدم تكفيره لتارك الصلاة تهاونا، وهذا غلط عليه، وليس له أي: أصل في كتبه /، فيما نسب إليه في هذا الحكم.
قلت: بل بعد التحقيق وجدت له خلاف ما ينقل عنه في كتب المتأخرين، وعند المقلدين في هذا العصر، وأنه / يكفر تارك الصلاة، وهذا الحكم يوافق ما أجمع عليه الصحابة y.
* وهذا الحكم هو الأليق به /، لما علم عنه: من شدة تحريه للسنة، واتباعه للصحابة y في أحكام الأصول والفروع.
لذلك قال الإمام ابن عبد البر المالكي / في «التمهيد» (ج4 ص231): (وبعضهم: يرويه عن مالك) ([389]). اهـ
وإليك الدليل:
فقد روى الإمام مالك بن أنس / في «الموطأ» (ج1 ص81)؛ عن عمر بن الخطاب t قال: (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة). ([390])
قلت: فقد نقل الإمام مالك /، قول عمر بن الخطاب t في تكفير تارك الصلاة مطلقا، ولا يوجد له مخالف؛ فكيف يخالفه!، وهو الذي ينكر على من يأخذ بقول، دون الصحابة y، والصواب معهم.
* وكذلك روى عنه: الإمام ابن أبي زيد المالكي القيرواني /، في تكفير تارك الصلاة، وهو إمام معتبر عند: السادة المالكية.
* وقد تتبع فتاوى الإمام مالك بن أنس /، وجمعها، حتى كان يلقب: بـ«مالك الصغير».
وقد نقل الإمام ابن أبي زيد المالكي / في كتابه الكبير: «النوادر والزيادات» (ج1 ص150)؛ عن الإمام مالك، تكفيره: لتارك الصلاة، فقال: (قال ابن القاسم؛ عن مالك / قال: ومن ترك الصلاة، قيل له: صل، فإن صلى، وإلا قتل، ومن قال: لا أصلي، استتيب([391])، فإن صلى، وإلا قتل).اهـ
وقال الإمام ابن أبي زيد المالكي / في «النوادر والزيادات» (ج14 ص537): (قال ابن حبيب:... وأما تارك الصلاة: إذا أمره الإمام بها، فقال: لا أصلي؛ فليقتل، ولا يؤخر إلى ما بينه، وبين آخر وقتها([392])، وليقتل لوقته، قال: وهو بتركها كافر، تركها جاحدا، أو مفرطا، أو مضيعا، أو متهاونا، لقول النبي r: «ليس بين العبد، وبين الكفر؛ إلا ترك الصلاة»، وكذلك أخوات الصلاة).اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر المالكي / في «التمهيد» (ج4 ص231): (وروى محمد بن علي البجلي، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت ابن وهب يقول: قال مالك: «من آمن بالله، وصدق بالمرسلين، وأبى أن يصلي: قتل»([393])؛ وبه قال: أبو ثور، وجميع أصحاب الشافعي، وهو قول: مكحول، وحماد بن زيد، ووكيع). اهـ
قلت: ومما يؤكد صحة كفر تارك الصلاة عند الإمام مالك /، ما نسبه أهل العلم عنه.
فقال الإمام الطحاوي / في «مختصر اختلاف العلماء» (ج4 ص393): (وقال بعض حفاظ قول مالك: إن من مذهب مالك، أن من ترك صلاة متعمدا؛ لغير عذر حتى خرج وقتها، فهو مرتد، ويقتل([394])؛ إلا أن يصليها، وهو قول الشافعي).اهـ
قلت: فهذا نقل منه، وهو يروي عن: «الطبقة الثانية»، من أصحاب الإمام مالك، وهذه الرواية أولى بالقبول، والأخذ من ترك الروايات المتأخرة عنها.
وقال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص896): (سياق ما روي عن النبي r، في أن الصلاة من الإيمان([395])، وروي ذلك من الصحابة y، عن عمر، وعلي... وبه قال من الفقهاء: مالك، والأوزاعي، والشافعي، وشريك بن عبد الله النخعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد القاسم بن سلام).اهـ
قلت: وهذا يدل على بطلان ما ينسب إلى الإمام مالك / في عدم تكفير تارك الصلاة، وأن الثابت عنه تكفير تارك الصلاة، موافقة لإجماع الصحابة y.
قلت: وقد نهى الشارع عن قتل المصلي، وأباح قتل من لم يصل، مما يدل على أن مجرد القتل، أنه كافر.
فعن أم سلمة ڤ؛ أن رسول الله r قال: (أنها ستكون عليكم أئمة تعرفون منهم، وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره، فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله، أفلا نقتلهم؟ قال r: لا، ما صلوا).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1480 و1481)، وأبو داود في «سننه» (ج5 ص119 و120)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص320 و321)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (949)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج8 ص158)، والآجري في «الشريعة» (38)، وابن أبي عاصم في «السنة» (1083) من طرق عن الحسن عن ضبة بن محصن العنزي عن أم سلمة ڤ به.
قلت: فنهى النبي r عن قتل المصلين. ([396])
* وبوب عليه الإمام محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص907)؛ باب: ذكر النهي عن قتل: المصلين وإباحة: قتل من لم يصل.
قال الإمام محمد بن نصر المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص925): (ثم ذكرنا الأخبار المروية: عن النبي r في إكفار تاركها، وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتل من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة y؛ مثل: ذلك، ولم يجئنا عن أحد خلاف ذلك). اهـ
قلت: وهناك عدد من المتأخرين بسبب اجتهادهم، يستنبطون من ظاهر كلام الإمام مالك، مما هو ليس من ظاهر قوله، قال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج4 ص238): (فهذا مالك يريق دماء هؤلاء –يعني: المبتدعة-، وليسوا عنده كفارا، فكذلك: تارك الصلاة عنده من هذا الباب قتله، لامن جهة: الكفر!). اهـ
قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «تحفة الإخوان» (ص74): (ومن ترك الصلاة: بعد البلوغ، ولم يقبل النصيحة، يرفع أمره إلى المحاكم الشرعية، حتى تستتيبه؛ فإن تاب، وإلا قتل) ([397]). اهـ
3) الإمام محمد بن إدريس الشافعي /.
قال الإمام الشافعي / في «الأم» (ج1 ص255)؛ في باب: الحكم في تارك الصلاة: (فإن صليت، وإلا استتبناك، فإن تبت، وإلا قتلناك؛ فإن الصلاة أعظم من الزكاة، والحجة فيها ما وصفت، أن أبا بكر t قال: «لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله r، لقاتلتهم عليه، لا تفرقوا بين ما جمع»). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الأم» (ج1 ص255): (قلنا إن صليت، وإلا قتلناك، كما يكفر([398])، فنقول: إن قبلت الإيمان، وإلا قتلناك، إذ كان الإيمان لا يكون، إلا بقولك، وكانت الصلاة، والإيمان مخالفين معا ما في يديك، وما تأخذ من مالك، لأنا نقدر على أخذ الحق منك في ذلك، وإن كرهت).اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الأم» (ج1 ص257)؛ في باب: المرتد عن الإسلام: (ومن انتقل عن الشرك، إلى الإيمان، ثم انتقل عن الإيمان، إلى الشرك([399])، من بالغي الرجال، والنساء، استتيب؛ فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب: قتل).اهـ
قلت: فقول الإمام الشافعي / الحكم بالردة على تارك الصلاة متعمدا، لغير عذر حتى يخرج وقتها، وأن حده القتل، وقد نقل ذلك الإمام المزني /، وهو من كبار أصحاب الشافعي، ومن أعلم الناس بعلم الإمام الشافعي /.
* وقد حرر الإمام المزني /: أقوال الإمام الشافعي /، في كتابه: «المختصر»، وهو من أهم الكتب التي جمعت أصول مذهب الإمام الشافعي، فهذا النقل أولى بالأخذ به من نقل: لعالم متأخر عنه.
وإليك الدليل:
قال الإمام المزني / في «المختصر» (ص34)؛ في باب: الحكم في تارك الصلاة متعمدا: (قال الشافعي /: يقال لمن ترك الصلاة، حتى يخرج وقتها بلا عذر: لا يصليها غيرك، فإن صليت، وإلا استتبناك، فإن تبت، وإلا قتلناك، كما يكفر، فنقول: إن آمنت، وإلا قتلناك، وقد قيل: يستتاب ثلاثا، فإن صلى فيها، وإلا قتل، وذلك حسن إن شاء الله).اهـ
وقال الإمام المزني / في «المختصر» (ص34): (قد قال في المرتد: إن لم يتب قتل، ولم ينتظر به: ثلاثا؛ لقول النبي r: «من ترك دينه فاضربوا عنقه»، وقد جعل تارك الصلاة، بلا عذر، كتارك الإيمان، فله حكمه في قياس قوله؛ لأنه عنده مثله، ولا ينتظر به ثلاثا).اهـ
قلت: وهذا يدل على أن قول الإمام الشافعي / في تارك الصلاة يقتل، لأنه مرتد، وذلك لأن الحكم بالقتل يدل عنده أنه كافر؛ بمجرد الحكم بالقتل، حتى لو لم يقل أنه كافر صراحة، وأضف أنه يستتاب عن ترك الصلاة. ([400])
* وأرأيت قوله في المرتد، إن لم يتب قتل، ولم يصرح بكفره، لأن لا يحكم على المرئ، بمثل: هذه المواقف بالقتل؛ إلا الكافر، مثل: تارك الصلاة، قد حكم عليه بالقتل، لأنه كافر، فافهم لهذا ترشد. ([401])
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي / في «الاستذكار» (ج2 ص286): (وذكر المزني: قال الشافعي /: يقال لمن ترك الصلاة حتى خرج وقتها، بلا عذر: إن صليت، وإلا استتبناك، فإن تبت وإلا قتلناك([402])، كما من يكفر؛ يقال له: إن آمنت، وإلا قتلناك).اهـ
قلت: وقد نقل الإمام الطحاوي /، أن قول الإمام الشافعي /: الحكم بالردة على تارك الصلاة متعمدا، لغير عذر، وأن حده القتل، وهذا موافق لما نقل الإمام المزني /، خصوصا، وأن الإمام الطحاوي /: تتلمذ على خاله الإمام المزني من قبل.
فقال الإمام الطحاوي / في «مختصر اختلاف العلماء» (ج4 ص393): (وقال بعض حفاظ قول مالك /: إن من مذهب مالك /، أن من ترك صلاة متعمدا، لغير عذر حتى خرج وقتها، فهو مرتد، ويقتل؛ إلا أن يصليها، وهو قول الشافعي /). اهـ
قلت: فهذا القول، هو المعتبر عن الإمام الشافعي /، لأنه موثق، وهو الأولى بالقبول، والأخذ، من ترك نقل عالم متأخر.
* وقد نقل الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص896)؛ فيما سبق أن تكفير تارك الصلاة مذهب جمهور الفقهاء، ومنهم: الإمام الشافعي /.
قلت: والحافظ البيهقي /، وهو الإمام المعتبر عند الشافعية، الذي اهتم بتتبع أقوال الإمام الشافعي، وجمعها في كتبه، مثل: «معرفة السنن» (ج5 ص206)، فلم ينقل عنه بعدم التكفير، بل نقل عنه ما في كتابه: «الأم» الذي يدل على التكفير.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي / في «الاستذكار» (ج2 ص285): (وقال مالك، وأصحابه: إذا أبى من الصلاة وقال: لا أصلي، ضربت عنقه، وهذا معنى: قول الشافعي). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج5 ص243): (وقد اختلفوا في المراد: بإضاعة الصلاة هاهنا، فقال قائلون: المراد؛ بإضاعتها تركها بالكلية.
قاله: محمد بن كعب القرظي، وابن زيد بن أسلم، والسدي، واختاره ابن جرير.
* ولهذا ذهب من ذهب من السلف، والخلف، والأئمة([403])، كما هو المشهور عن الإمام أحمد، وقول عن الشافعي: إلى تكفير تارك الصلاة، للحديث: «بين العبد، وبين الشرك: ترك الصلاة»).اهـ
قلت: ومما يؤكد صحة نسبة هذا القول: إلى الإمام الشافعي /، ما صح عنه: أنه قال: أن الصلاة من الإيمان، ولا يصح الإيمان؛ إلا بالصلاة، فهو يرى تكفير تارك الصلاة، ونفي إيمانه إذا لم يصل.
* وهذا يؤكد صحة، هذا القول عن الإمام الشافعي، وبطلان ما نسب، واشتهر عند المتأخرين من عدم تكفيره تارك الصلاة. ([404])
قلت: وقد ذكر عدد من أهل العلم: للإمام الشافعي /، القول: بتكفير تارك الصلاة. ([405])
وهذا يدل على خطأ، ما ينقله المتأخرون، عن الإمام الشافعي /، أن هناك قول له، لا يكفر تارك الصلاة تهاونا، وكسلا!. ([406])
قلت: ولا يحفظ عن الإمام الشافعي / نفسه في هذه المسألة، لأن ما يذكر عنه، خلاف ما في كتبه، أنه يكفر تارك الصلاة.
* فنسبة هذا القول للإمام الشافعي /، فيه نظر ظاهر، ولا يصح عنه.
* وهذا الحكم عند الشافعية؛ فيه وجهان:
أحدهما: يكفر، وهو قول: العبدري، ومنصور الفقيه، وابن سلمة، وغيرهم.
والثاني: لا يكفر، وهو قول جمهور الشافعية المتأخرين([407])، وهو المنصوص. ([408])
* وهذا مثل: ما نقل الحافظ النووي / في «رياض الصالحين» (ص347)؛ بأن الإمام الشافعي / يقول: باستحباب قراءة القرآن عند القبر، وقد أخطأ عليه في ذلك، حيث قال: (قال الشافعي /: ويستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن، وإن ختموا القرآن كله كان حسنا). اهـ
قلت: ونسبة هذا القول للإمام الشافعي /، فيه نظر ظاهر، ولا يصح عنه([409])، بل قوله: أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الميت في قبره.
وقد نقل الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج7 ص76)؛ عند تفسير: قوله تعالى: ]وأن ليس للإنسان إلا ما سعى[ [النجم: 39]، قال: (ومن وهذه الآية الكريمة: استنبط الشافعي /، ومن اتبعه، أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى؛ لأنه ليس من عملهم، ولا كسبهم؛ ولهذا لم يندب إليه رسول الله r: أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص، ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة y، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا ينصرف فيه بأنواع الأقيسة، والآراء). اهـ
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2 ص744)؛ إلى عدم ثبوت ذلك عن الإمام الشافعي، فقال: (ولا يحفظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام، وذلك، لأن ذلك كان عنده بدعة، وقال مالك: «ما علمت أحدا يفعل ذلك»، فعلم أن الصحابة، والتابعين: ما كانوا يفعلونه).اهـ
وقال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني / في «تعليقه على رياض الصالحين» (ص17): (لا أدري أين قال ذلك الشافعي /، وفي ثبوته عنه شك كبير عندي، كيف لا، ومذهبه: أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى). اهـ
قلت: وبهذا يتبين: أن نسبة هذا القول للإمام الشافعي / ليس بصحيح، وبخاصة أن مذهبه لا يصل إهداء ثواب القراءة إلى الميت.
وهذا هو الصواب: الذي عليه جماهير أهل العلم، كما نقله العلامة الزبيدي في «إتحاف السادة المتقين» (ج10 ص369).
وقال العلامة الشيخ الألباني / في «تعليقه على رياض الصالحين» (ص347): (في ثبوت هذا القول عن الإمام الشافعي نظر، بل ثبت عنه ما ينافيه). اهـ
قلت: ولذلك فنسبة هذا القول للإمام الشافعي، خطأ وقع فيه الحافظ النووي في «رياض الصالحين» (ص347).
* وهذا القول الصحيح، لأصحاب الإمام الشافعي المتأخرين، وليس هو للإمام الشافعي نفسه، فتنبه.
فقد قال الحافظ النووي / نفسه في «المجموع» (ج5 ص294): (واتفق عليه الأصحاب، وقالوا: ويستحب أن تقرأ عنده شيء من القرآن([410])، وإن ختموا القرآن كان أفضل).اهـ
قلت: إذا لم يثبت عن الإمام الشافعي / هذا الحكم في كتبه([411])، ولا يحفظ عنه عدم التكفير، لأن النصوص في كتبه: تكفير تارك الصلاة مطلقا؛ لموافقته لإجماع الصحابة y، والتابعين.
* وبهذا يتبين: أن نسبة هذا القول للإمام الشافعي ليس بصحيح.
وهذا هو الصواب: الذي عليه جماهير أهل العلم، أن من ترك الصلاة؛ فقد كفر إذا تهاون فيها.
قلت: فصح أن جمهور أهل العلم، لم يخالفوا إجماع الصحابة y في مسألة تكفير تارك الصلاة تهاونا، وتكاسلا([412])، خلافا: «للمرجئة العصرية».
* وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء؛ في المملكة العربية السعودية: (ج6 ص36)؛ رقم: (443).
قال العلامة ابن القاسم / في «حاشيته على الروض المربع» (ج1 ص423): (فإن كان، فهو التهاون: ويكفر، فإن ترك الصلاة، كسلا من غير جحود، لها: كفر مستقل، وهو الصواب: الذي تدل عليه السنة، وهو قول جمهور السلف: من الصحابة، والتابعين، وقال أيوب السختياني: «ترك الصلاة كفر، لا يختلف فيه»، وحكى إسحاق: إجماع: أهل العلم عليه). اهـ
وقال الفقيه ابن مفلح / في «الفروع» (ج1 ص294): (اختاره الأكثر).اهـ
وقال الفقيه المرداوي / في «الإنصاف» (ج1 ص374): (هذا المذهب، وعليه جمهور الأصحاب). اهـ
وقال الفقيه ابن عبد البر / في «الإستذكار» (ج2 ص287): (وقال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وطائفة: تارك الصلاة، وهو مقر بها، إذا أبى أن يصليها: كافر خارج بذلك من الإسلام، فيستتاب، فإن تاب وصلى، وإلا قتل). اهـ
قلت: فجمهور أهل العلم، على تكفير تارك الصلاة، وأضف إليهم: الإجماع، فهم: الأكثر، وهم: يطلق عليهم: «الجمهور» في الدين. ([413])
4) الإمام أحمد بن حنبل /.
* فينسب عدد من المتأخرين، للإمام أحمد /، رواية له: في عدم تكفير تارك الصلاة، ويعدونها: رواية معتبرة له، وهي لم تثبت عنه في كتبه، بل الصحيح: عن الإمام أحمد /، والذي ثبت عنه: في كتبه بأسانيد صحيحة، وهي مشتهرة عنه في تكفير تارك الصلاة. ([414])
* وهذا يؤكد أن الإمام أحمد /، لم يختلف قوله في تكفير تارك الصلاة. ([415])
وإليك الدليل:
1) فعن عبد الله بن أحمد قال: سألت أبي: عن من ترك الصلاة؟ قال: كذا يروى عن النبي r : (بين العبد، وبين الكفر: ترك الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل»، كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص470) من طريق عبد الله بن أحمد قال: سألت: أبي –أحمد بن حنبل- به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
2) وعن أحمد بن الحسين بن حسان قال: سئل: أبو عبد الله، عن من ترك الصلاة متعمدا؟، قال: (ليس بين الإيمان والكفر؛ إلا ترك الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل»، كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص471) من طريق أحمد بن الحسين بن حسان قال: سئل: أبو عبد الله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
3) وعن حرب قال: قيل، لأحمد: رجل قال: لا أصلي؟، فكأنه ذهب إلى أنه يستتاب، وقال: (بين العبد، وبين الكفر: ترك الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل»، كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص471) من طريق حرب، قال: قيل؛ لأحمد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
4) وعن أبي الحارث؛ أنه قال: لأبي عبد الله: فيكون من يترك الصلاة كافرا؟، فقال: قال النبي r: (بين العبد، والكفر: ترك الصلاة)، قلت: فإن كان رجل نراه مواظبا على الصلاة، ثم تركها، فقيل هل: يقتل، فقال: لا أصلي، ولم أعلم أن الصلاة فرض؟، فقال: قال النبي r: (من ترك الصلاة فقد كفر).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل»، كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص472) من طريق محمد بن موسى، ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا أبو الحارث به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
5) وعن الإمام أحمد /: (إذا قال الرجل: لا أصلي، فهو كافر).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل»، كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص471) من طريق أبي داود قال: سمعت أحمد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
6) وعن صالح؛ أن أباه قال: (وإذا قال: لا أجحد، ولا أصلي: عرض عليه الإسلام، فإن صلى، وإلا قتل).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل»، كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص474 و476) من طريق محمد بن علي قال: حدثنا صالح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
7) وعن إبراهيم بن هانئ قال: سمعت أبا عبد الله: يسأل عن المرتد، وتارك الصلاة؟، قال: (يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل»، كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص475) من طريق الحسين بن عبد الوهاب قال: حدثنا إبراهيم بن هانئ قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
8) وعن أبي الحارث قال: سألت أبا عبد الله: قلت: الرجل يترك الصلاة تجوزا، فيقال له: صل، فيقول: نعم ثم لا يفعل، وهو مقر بالصلاة: أنها فرض عليه؟، قال: (يرقب ثلاثة أيام؛ فإن صلى، وإلا ضربت عنقه).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل»، كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص475) من طريق محمد بن جعفر قال: حدثنا أبو الحارث قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
9) وعن صالح بن أحمد أنه قال: لأبيه: (فإن تركها فلم يصلها، قال: إذا كان عامدا استتبته ثلاثا؛ فإن تاب، وإلا قتل، قلت: فتوبته: أن يصلي؟ قال: نعم).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل»، كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص476) من طريق محمد بن علي قال: حدثنا صالح بن أحمد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: وحكم الإمام أحمد /، بقتل تارك الصلاة، تكاسلا، وتهاونا، لأنه: كافر عنده في الدين. ([416])
وقال الإمام أحمد بن حنبل / في «أصول السنة» (ص8): (ومن ترك الصلاة فقد كفر، وليس من الأعمال شيء تركه كفر، إلا الصلاة، من تركها: فهو كافر، وقد أحل الله قتله).
وقال ابن هانئ / في «المسائل» (ص409 و410): (حضرت رجلا عند: أبي عبد الله، وهو يسأله، فجعل الرجل يقول: يا أبا عبد الله... وأن لا يكفر أحدا بذنب؟، قال أبو عبد الله: اسكت، من ترك الصلاة فقد كفر).
قلت: وكل ما سبق عن الإمام أحمد / يدل على تواتر هذا الحكم عنه في تكفير تارك الصلاة، من غير تفريق بين الجاحد لها، والتارك لها تكاسلا، وتهاونا.
* وهذا يبين عدم صحة ما ينسب إلى الإمام أحمد / من القول بخلاف ذلك، وأن الرواية التي ينقلها عدد من المتأخرين عنه ليست بصحيحة، وهي منسوبة عن الإمام أحمد /.
قلت: ومما تقدم تحريره عن الأئمة الثلاثة؛ وهم: الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، في حكم تارك الصلاة، يتبين؛ أنهم: يكفرون تارك الصلاة تكاسلا، وتهاونا، من غير جحود. ([417])
وقال الإمام محمد بن نصر المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص934): (قال إسحاق بن راهويه /: وقد كفى أهل العلم مؤونة القياس، في هذا عن ما سن لهم النبي r، والخلفاء من بعده، جعلوا حكم تارك الصلاة عمدا، حكم: الكافر). اهـ
وقال الإمام محمد بن نصر المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص936): (قد حكينا مقالة: هؤلاء الذين أكفروا، تارك الصلاة متعمدا، وحكينا جملة: ما احتجوا به، وهذا مذهب جمهور أصحاب الحديث). اهـ
قلت: ومما تقدم تقريره يتبين لك، أن كثيرا مما ينسب إلى أئمة السنة من الأقوال، يحتاج إلى التثبت، والتأكد من صحة نسبتها إليهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج5 ص261): (وكذلك أهل المذاهب الأربعة، وغيرها، لا سيما؛ وكثير منهم: قد تلبس ببعض المقالات الأصولية، وخلط هذا بهذا... ويضيفه إلى مذهب مالك، والشافعي، وأحمد). اهـ
وقال الإمام السجزي / في «الرسالة إلى أهل زبيد» (ص357): (الفصل الحادي عشر: في الحذر من الركون إلى كل أحد، والأخذ من كل كتاب؛ لأن التلبيس قد كثر، والكذب على المذاهب قد انتشر: فالواجب على كل مسلم يحب الخلاص، أن لا يركن إلى كل أحد، ولا يعتمد على كل كتاب، ولا يسلم عنانه إلى من أظهر له الموافقة). اهـ
* وقـد أشـار الحافظ ابن رجب /: على أن كثيرا من أهل الحديث على تكفير تارك الصلاة، مما يدل على أن من ينقل عن جمهور العلماء إنهم لا يكفرون تارك الصلاة، فهو خطأ لا يلتفت إليه في كتب الفقه، لأنهم يقصدون بالجمهور أصحاب المذاهب المعروفة، وهذا أيضا خطأ، فجمهور العلماء، هم: أكثر العلماء، فلا يقتصر على أصحاب المذاهب، لأنه اصطلاح لا يصح عند أهل الحديث.
قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص21): (وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا منهم، حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقول المرجئة). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص23): (وأكثر أهل الحديث على أن ترك الصلاة كفر... وممن قال بذلك: ابن المبارك، وأحمد -في المشهور عنه- وإسحاق وحكى عليه إجماع أهل العلم).([418]) اهـ
قلت: لذلك لم نظفر بأي رجل من الصحابة الكرام، خالف ما ادعاه: «ربيع»، و«عبيد»، وأشكالهما، من إجماع الصحابة الكرام على كفر تارك الصلاة.
إذا فكيف تترك كل هذه الأدلة الواضحة، ويسمع بعد ذلك إلى من يحتج بالخلاف على الإجماع، مع أنهم قبلوا كثيرا من دعاوى الإجماع بما هو دون ذلك، والله المستعان.
قلت: فهذا الإجماع من أقوى الأدلة على بطلان قول: «ربيع المرجئ»، وبه تعرف أن ما سبق من عبثه، وتلاعبه في تضعيف طرق الأثر لا يجدي عنه شيئا، لأن العلماء حكوا الإجماع على صحته، بل حكوا على صحة إجماع الصحابة الكرام على كفر تارك الصلاة.
قلت: فإذا ثبت الإجماع، فمن خالف بعد ذلك، فهو محجوج بالإجماع السابق، ولو جعلنا الخلاف اللاحق سببا في زعزعة الثقة في الإجماع السابق؛ لسقط كثير من الإجماعات التي ادعاها أهل العلم، والعمل عليها حتى الآن، وفي هذا من المفسدة ما لا يخفى، اللهم غفرا.([419])
قلت: فالجميع محكوم بفهم صحابة رسول الله r، وهم مجمعون على كفر تارك الصلاة.
قال الإمام الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص108): (إن الذي يريد الشذوذ عن الحق، يتبع الشاذ من قول العلماء، ويتعلق بزلاتهم([420])، والذي يؤم الحق في نفسه، يتبع المشهور من قول جماعتهم، وينقلب مع جمهورهم، فهما آيتان بينتان: يستدل بهما على اتباع الرجل، وعلى ابتداعه). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على أن: «عبيد بن عبد الله الجابري» يقول الآن؛ بمذهب: «المرجئة القديمة» بأن الإيمان: في اللغة؛ هو مجرد التصديق، وأن الإيمان لا يزول بالكلية، بترك: «جنس العمل»، وأنه لا يكفر، إلا من ترك النطق بالشهادتين، أو عدم اعتقادها، وأن من نطق بالشهادتين، وترك: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، فإنه لا يكفر، بل عنده أنه ناقص الإيمان، ما دام يعتقد بقلبه بالشهادتين، ولا يكفر؛ إلا بجحود ترك أركان الإسلام، والتكذيب فقط، وهذا مذهب: المرجئة قديما وحديثا
* قال عبيد بن عبد الله الجابري في كتابه: «التقرير الأحمد بشرح أصول السنة للإمام أحمد» (ص105): (الإيمان في اللغة معناه: «التصديق» ([421])، قال الله تعالى؛ فيما قصه علينا من خبر: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم الصلاة والسلام-، وبين أخوة يوسف -عليه الصلاة والسلام-: ]وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين[ [يوسف:17]؛ يعني: ما أنت بمصدق كلامنا!. ([422])
* والإيمان في الشرع عند أهل السنة: يعبرون عنه بعبارتين؛ عبارة بسط، وعبارة اختصار.
فالبسط هكذا: الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
* فمن القول باللسان: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ وقراءة القرآن، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، والدعاء.
* ومن الاعتقاد: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره، والإيمان بالبعث بعد الموت؛ إلى غير ذلك من أمور العقائد التي أخبر الله تعالى عنها، ورسوله r.
* ومن عمل الجوارح: الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، وصيام التطوع، والحج، وعيادة المريض، وغير ذلك من أعمال الطاعة والبر. ([423])
** وأما العبارة المختصرة: فهي عبارة الإمام أحمد / «قول وعمل»؛ فيعنون بالقول: قول القلب، وقول اللسان، وبالعمل: عمل القلب، وعمل الجوارح، لكن ما الفرق بين قول القلب، وعمله؟ عمل القلب، وقول القلب، فمثلا: اعتقادك أن الصلاة مفروضة عليك، وأن الصيام مفروض عليك، هذا هو اعتقاد قلبك، وعمله: حركة قلبك نحو أداء ما فرضه الله عليك، أو نحو أداء الطاعات من فرائض ومستحبات، هذا هو عمله، قول القلب، وعمل القلب، فقول القلب: اعتقاداته، وعمله: حركته، وعزيمته نحو الطاعات، والقربات من فرائض ومندوبات.
* وخلص الإمام / إلى أن الإيمان: يزيد وينقص؛ يعني: يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية؛ واستدل بهذا الحديث: «أكمل المؤمنين إيمانا... » إلى آخره؛ هذا الحديث دليل على أن المؤمنين متفاضلون في أعمالهم، وأن منهم الأكمل، ومنهم الأنقص، وهذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة؛ ويندرج تحت هذه المسألة بالإضافة إلى ما تقدم:
أولا: الأدلة على تعريف الإيمان، ومعناه كما قرره أئمة أهل السنة: فالأدلة على أن الإيمان قول، وعمل، واعتقاد، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية:
* من القرآن الكريم: قوله تعالى: ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون[ [الأنفال: 2-3].
]أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم[ [الأنفال:4].
* ومن سورة الحجرات: ]إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون[ [الحجرات:15].
* وما وجه الاستدلال من الآيتين؟ فوجه الاستدلال من آيات الأنفال: وصف الله تعالى المؤمنين؛ بخمس صفات:
1) وجل قلوبهم عند ذكر الله عز وجل، هذا عمل القلب.
2) زيادة إيمانهم عند تلاوة آياته من كتابه، أو ذكر آياته الكونية.
3) التوكل.
4) إقام الصلاة.
5) الإنفاق مما رزقهم الله تعالى؛ وهذه الأمور؛ منها: ما هو اعتقادي؛ ومنها: ما هو عملي؛ فالعملي: إقام الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله فريضة، أو نفلا؛ وأما آية الحجرات فالشاهد منها: ذكر الله عز وجل، الجهاد ضمن خصال الإيمان وهو عمل.
* وأما الأدلة من السنة: فهي إن لم تكن متواترة، فمستفيضة عن النبي r، ومنها: ما أخرجه الشيخان، عن ابن عباس ﭭ في قصة وفد عبد القيس y قالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر فصل، نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة: فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع، أمرهم: بالإيمان بالله وحده، قال: «أتدرون ما الإيمان بالله وحده» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس» الحديث.
* والشاهد منه -يا طلاب العلم وطالباته من المسلمين والمسلمات-: تفسير النبي r الإيمان بالأعمال الظاهرة من أفعال وأقوال؛ والإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصيى، وأهل السنة يقررون: أنه لا إيمان إلا بعمل، وأن العمل من حقيقة الإيمان ومسماه فهو منه، وعند التفصيل يقررون: أن الأعمال بالنسبة للإيمان ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يزول الإيمان بتركه، ما يزول الإيمان بزواله، فالشهادتان باتفاق ([424])، عدم الشهادتين يزول به الإيمان، والصلاة بخلاف على ما سيأتي - إن شاء الله تعالى.
الصنف الثاني: ما تركه فسق؛ ينقص به كمال الإيمان الواجب، مثل: الزكاة، وصيام رمضان، والحج ([425])، فهذه لا يكفر من تركها، بل يفسق من تركها تهاونا، أما من تركها جحودا فإنه يكفر ([426])، إذا كان يعلم ذلك.
الصنف الثالث: ما تركه ينافيالكمال المستحب، ترك النوافل، فمن ترك النوافل فتركه إياها ينافي كمال الإيمان المستحب تفويت فضيلة.
* وهاهنا سؤال: ما مقصود الإمام أحمد / وغيره من أئمة السنة بذكر هذه المسألة؟
* مقصودهم الرد على: «المرجئة» سواء غلاة «المرجئة»، وهم القائلون: بأن الإيمان هو مجرد التصديق ([427])؛ أو «المرجئة المتوسطة»، وهم: «مرجئة الفقهاء» وهم القائلون: أن الإيمان قول واعتقاد، ويؤخرون العمل عن حقيقة الإيمان.
فبهذا التقرير وضح -إن شاء الله- الرد على طائفتي: «المرجئة»، وبان معتقد أهل السنة، ولله الحمد والمنة).اهـ كلام الجابري.
ﭑ ﭑ ﭑ
التمهيد
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على قمع الشبهة اللغوية؛ «للمرجئة العصرية»
على أن الإيمان في اللغة: هو التصديق، وبيان أن نصوص القرآن، والسنة إذا عرف تفسيرها، وما أريد بها من تفسير النبي r، وتفسير الصحابة y، لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال، بأقوال أهل اللغة، ولا غيرهم من بعدهم
* فيستدل: «المرجئة العصرية» على إخراج العمل من الإيمان؛ بشبهات لغوية تفسيرية، وبشبهات زعمت أنها علمية نقلية، وبشبهات تعليلية عقلية، وقد سبق بيان بطلانها.
قلت: وقد بينا أن مذهب: «المرجئة العصرية»، هو مذهب تلفيقي؛ فإنه يأخذ من نصوص الإيمان ما يراه موافقا لأصوله الفاسدة، التي بنى عليها ذلك المذهب الفاسد، ويكون أكثرها مقررا، من غير اعتماد على النصوص في الأصل، مدعيا أنه أهل الحق.
قلت: وقد بينا أن مذهب السلف أسلم، وأحكم، وأعلم.
* فهو من حيث أسلم؛ لأنه يجمع الأدلة كلها، ولا يضرب ببعضها البعض، ولا يعارض بالعقل صحيح النقل.
* وهو من حيث أحكم؛ لأنه يستدل بالمحكم، لا مطعن فيه، ولا ثغرة لناقد.
* وهو من حيث أحكم؛ لأنه أقرب عهدا بالكتاب والسنة.
قلت: وقد اعترض على استدلالهم، بأن الإيمان في اللغة: عبارة عن: «التصديق»، بمنع الترادف، بين التصديق والإيمان. ([428])
* ومما يدل على عدم الترادف: أنه يقال، للمخبر إذا صدق: «صدقه»([429])، ولا يقال: «آمنه، ولا «آمن به»؛ بل يقال: «آمن له»، كما: قال تعالى: ]فآمن له لوط[ [العنكبوت: 26]، وقال تعالى: ]فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف[ [يونس: 83]، وقال تعالى: ]يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين[ [التوبة: 61].
قلت: ففرق بين المعدى: «بالباء»، والمعدى «باللام».([430])
فالأول: يقال للمخبر به.
والثاني: للمخبر.
* فكان تفسير: «الإيمان»، بأقررت: أقرب من تفسيره، بصدقت، مع الفرق بينهما، ولأن الفرق بينهما ثابت في المعنى.
قلت: فألفاظ الشرع إذا فسرها النبي r، لا يحتج، بأهل اللغة، ولا بغيرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص544): (ومما أن يعلم: أان الألفاظ الموجودة في القرآن، والحديث: إذا عرف تفسيرها، وما أريد بها من جهة النبي r، لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال؛ بأقوال أهل اللغة، ولا غيرهم).اهـ
وقد بين شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين /، خطأ هؤلاء العلماء في قولهم: أن الإيمان في اللغة: هو التصديق فقط، فقال في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص229): (أكثر أهل العلم يقولون: إن الإيمان في اللغة: «التصديق»، ولكن في هذا نظر، لأن الكلمة إذا كانت بمعنى الكلمة؛ فإنها تتعدى بتعديها، ومعلوم: أن «التصديق» يتعدى بنفسه، والإيمان لا يتعدى بنفسه، فنقول؛ مثلا: «صدقته»، ولا تقول «آمنته»، بل تقول: «آمنت به»، أو «آمنت له».
* فلا يمكن أن نفسر فعلا، لازما، لا يتعدى؛ إلا بحرف الجر، بفعل متعد ينصب المفعول به بنفسه، ثم إن كلمة: «صدقت» لا تعطي معنى كلمة: «آمنت»؛ فإن: «آمنت»: تدل على طمأنينة بخبره أكثر من: «صدقت».
* ولهذا: لو فسر: «الإيمان: بالإقرار»، لكان أجود؛ فنقول: الإيمان: الإقرار، ولا إقرار؛ إلا بتصديق، فتقول: «أقر به»، كما تقول: «آمن به»، و«أقر له»، كما تقول: «آمن له»). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص550): (ثم يقال: ليس هو مرادفا له، وذلك من وجوه:
أحدها: أنه يقال للمخبر إذا: «صدقته»: صدقه، ولا يقال: «آمنه»، ولا «آمن به»، بل يقال: «آمن له»، كما قال تعالى: ]فآمن له لوط[ [العنكبوت: 26]، وقال تعالى: ]فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه[ [يونس: 83]، وقال فرعون: ]آمنتم له قبل أن آذن لكم[ [الشعراء: 49]، وقالوا لنوح: ]أنؤمن لك واتبعك الأرذلون[ [الشعراء: 111]، وقال تعالى: ]قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين[ [التوبة: 61]، فقالوا: ]أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون[ [المؤمنون: 47]، وقال تعالى: ]وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون[ [الدخان:21].
* فإن قيل: فقد يقال: «ما أنت بمصدق لنا»، قيل: «اللام» تدخل على ما يتعدى بنفسه إذا ضعف عمله، إما بتأخيره، أو بكونه اسم فاعل، أو مصدرا، أو باجتماعهما، فيقال: «فلان يعبد الله»، و«يخافه ويتقيه»، ثم إذا ذكر باسم الفاعل، قيل: «هو عابد لربه»، «متق لربه»، «خائف لربه»، وكذلك تقول: «فلان يرهب الله»، ثم تقول: «هو راهب لربه»، وإذا ذكرت الفعل وأخرته، تقويه «باللام»، كقوله تعالى: ]وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون[ [الأعراف:154]، وقد قال تعالى: ]فإياي فارهبون[ [النحل:51]، فعداه بنفسه، وهناك ذكر: «اللام»، فإن هنا؛ قوله تعالى: ]فإياي[؛ أتم من قوله: فلي، وقوله، هنالك: ]لربهم[؛ أتم من قوله: «ربهم»، فإن الضمير المنفصل المنصوب، أكمل من ضمير الجر: «بالباء»، وهناك اسم ظاهر، فتقويته: «باللام» أولى، وأتم من تجريده؛ ومن هذا؛ قوله تعالى: ]إن كنتم للرؤيا تعبرون[ [يوسف: 43]، ويقال: عبرت رؤياه، وكذلك؛ قوله تعالى: ]وإنهم لنا لغائظون[ [الشعراء: 55]، وإنما يقال: «غظته»، لا يقال: «غظت له»، ومثله كثير، فيقول القائل: «ما أنت بمصدق لنا»، أدخل فيه: «اللام»؛ لكونه اسم فاعل، وإلا فإنما يقال: «صدقته»، لا يقال: «صدقت له»، ولو ذكروا الفعل، لقالوا: «ما صدقتنا»، وهذا بخلاف لفظ: «الإيمان»، فإنه تعدى إلى الضمير «باللام» دائما؛ لا يقال: «آمنته قط»، وإنما يقال: «آمنت له»، كما يقال: «أقررت له»، فكان تفسيره؛ بلفظ: «الإقرار» أقرب من تفسيره بلفظ: «التصديق» مع أن بينهما فرقا.
الثاني: أنه ليس مرادفا للفظ: «التصديق» في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: «صدقت»، كما يقال: «كذبت»؛ فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: «صدق»، كما يقال: «كذب»، وأما لفظ: «الإيمان»، فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام: أن من أخبر عن مشاهدة؛ كقوله: طلعت الشمس، وغربت، أنه يقال: «آمناه»، كما يقال: «صدقناه»، ولهذا المحدثون والشهود ونحوهم؛ يقال: «صدقناهم»؛ وما يقال: «آمنا لهم»؛ فإن الإيمان: مشتق من: «الأمن»؛ فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر، كالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المخبر؛ ولهذا لم يوجد قط في القرآن، وغيره لفظ: «آمن له»، إلا في هذا النوع؛ والاثنان إذا اشتركا في معرفة الشيء يقال: «صدق»، أحدهما صاحبه، ولا يقال: «آمن له»، لأنه لم يكن غائبا عنه ائتمنه عليه، ولهذا قال: ]فآمن له لوط[ [العنكبوت: 26]، ]أنؤمن لبشرين مثلنا[ [المؤمنون: 47]، ]آمنتم له[ [طه: 71]، ]يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين[ [التوبة: 61]؛ فيصدقهم فيما أخبروا به مما غاب عنه، وهو مأمون عنده على ذلك، فاللفظ متضمن معنى: «التصديق»، ومعنى: «الائتمان والأمانة»؛ كما يدل عليه الاستعمال، والاشتقاق، ولهذا قالوا: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف: 17]؛ أي: لا تقر بخبرنا ولا تثق به، ولا تطمئن إليه، ولو كنا صادقين؛ لأنهم لم يكونوا عنده ممن يؤتمن على ذلك، فلو صدقوا لم يأمن لهم.
الثالث: أن لفظ الإيمان في اللغة: لم يقابل «بالتكذيب»، كلفظ: «التصديق»، فإنه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: «صدقت»، أو «كذبت»، ويقال: «صدقناه»، أو «كذبناه»، ولا يقال لكل مخبر: «آمنا له»، أو «كذبناه»؛ ولا يقال: «أنت مؤمن له»، أو «مكذب له»؛ بل المعروف في مقابلة: «الإيمان» لفظ: «الكفر». يقال: «هو مؤمن، أو كافر»، والكفر: لا يختص بالتكذيب؛ بل لو قال: أنا أعلم إنك صادق لكن لا أتبعك، بل أعاديك، وأبغضك، وأخالفك، ولا أوافقك، لكان كفره أعظم؛ فلما كان الكفر المقابل «للإيمان» ليس هو: «التكذيب» فقط، علم أن الإيمان ليس هو: «التصديق» فقط، بل إذا كان الكفر، يكون تكذيبا، ويكون مخالفة، ومعاداة، وامتناعا بلا تكذيب؛ فلا بد أن يكون الإيمان تصديقا، مع موافقة، وموالاة، وانقياد، لا يكفي مجرد «التصديق»؛ فيكون الإسلام: جزء مسمى الإيمان، كما كان الامتناع من الانقياد مع التصديق جزء مسمى الكفر، فيجب أن يكون كل مؤمن مسلما منقادا للأمر، وهذا هو العمل). اهـ
قلت: لذلك يجب من الإيمان بالرسول r، فيجب الإيمان: «به»، و«له» r، فلا بد أن يعرف هذا.
* فالرسول r يجب أن «يؤمن به»، و«يؤمن له»، فالإيمان به من حيث ثبوته، غيب عنا أخبرنا به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص553): (وهو نفسه يجب أن: «يؤمن به»، و«يؤمن له» r.
* فالإيمان به من حيث ثبوته غيب عنا أخبرنا به... وأما ما يجب من الإيمان له، فهو الذي يوجب طاعته.
* والرسول r يجب الإيمان: «به»، و«له»، فينبغي أن يعرف هذا، وأيضا؛ فإن طاعته: طاعة لله تعالى، وطاعة الله تعالى، من تمام الإيمان به).اهـ
* فالحاصل: أنه لا يقال قط: «آمنته»، ولا: «صدقت له»، وإنما يقال: «آمنت له»، كما يقال: «أقررت له».
* فكان تفسير الإيمان: بـ«أقررت» أقرب من تفسيره: «صدقت»، مع الفرق بينهما، ولأن الفرق بينهما ثابت في المعنى. ([431])
فإن كل مخبر عن مشاهدة، أو غيب، يقال له في اللغة: «صدقت»، كما يقال له: «كذبت»، فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: «صدقت».
* وأما لفظ الإيمان: فلا يستعمل، إلا في الخبر عن الغائب، فيقال لمن قال: طلعت الشمس: «صدقناه»، ولا يقال: «آمنا له».
فإن فيه أصل؛ معنى: الأمن، والائتمان: إنما يكون في الخبر عن الغائب، فالأمر الغائب هو الذي يؤتمن عليه المخبر.
قلت: فمنع الترادف بين الإيمان، والتصديق: ووجهه، أن تصرف فعل: «صدق» يخالف تصرف فعل: «آمن».([432])
* وكذلك؛ فالإيمان: من الأمن، ولذا فهو: يكون عن الغائب، ونحو ذلك؛ مما يدخله الريب.
قلت: والتصديق يتناول جميع الأخبار، ثم إن كان الإيمان: هو ضد الكفر، فالكفر لا يختص بالتكذيب والجحود، بل يشمل غير ذلك، في حين، أن التصديق لا يقابل؛ إلا الكفر، والجحود. ([433])
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج2 ص471): (وقد اعترض على استدلالهم بأن الإيمان في اللغة عبارة عن: «التصديق» بمنع الترادف بين التصديق والإيمان، وهب أن الأمر يصح في موضع، فلم قلتم: إنه يوجب الترادف مطلقا؟ وكذلك اعترض على دعوى الترادف بين الإسلام والإيمان، ومما يدل على عدم الترادف: أنه يقال للمخبر إذا صدق: «صدقه»، ولا يقال: «آمنه»، ولا: «آمن به»، بليقال: «آمن له»، كما: قال تعالى: ]فآمن له لوط[ [العنكبوت: 26]، وقوله تعالى: ]فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه[ [يونس:83]، وقال تعالى: ]يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين[ [التوبة: 61]، ففرق بين المعدى: «بالباء»، والمعدى: «باللام»، فالأول: يقال للمخبر به، والثاني: للمخبر، ولا يرد كونه يجوز أن يقال: «ما أنت بمصدق لنا»، لأن دخول: «اللام»، لتقوية العامل، كما إذا تقدم المعمول، أو كان العامل اسم فاعل، أو مصدرا، على ما عرف في موضعه.
* فالحاصل: أنه لا يقال قط: «آمنته»، ولا: «صدقت له»، وإنما يقال: «آمنت له»، كما يقال: «أقررت له»، فكان تفسيره: «بأقررت»، أقرب من تفسيره: «بصدقت»، مع الفرق بينهما، ولأن الفرق بينهما ثابت في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب، يقال له في اللغة: «صدقت»، كما يقال له: «كذبت»، فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: «صدقت».
* وأما لفظ الإيمان، فلا يستعمل إلا في الخبر عن الغائب، فيقال لمن قال: طلعت الشمس، «صدقناه»، ولا يقال: «آمنا له»، فإن فيه أصل معنى: «الأمن»، و«الائتمان» إنما يكون في الخبر عن الغائب، فالأمر الغائب هو الذي يؤتمن عليه المخبر، ولهذا لم يأت في القرآن وغيره لفظ: «آمن له»، إلا في هذا النوع، ولأنه لم يقابل لفظ الإيمان قط بالتكذيب كما يقابل لفظ: «التصديق»، وإنما يقابل بالكفر، والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق، ولكن لا أتبعك، بل أعاديك وأبغضك وأخالفك، لكان كفره أعظم، فعلم أن الإيمان ليس هو: «التصديق» فقط، ولا الكفر: هو التكذيب فقط، بل إذا كان الكفر يكون تكذيبا، ويكون مخالفة، ومعاداة بلا تكذيب، فكذلك الإيمان، يكون تصديقا، وموافقة، وموالاة، وانقيادا، ولا يكفي مجرد التصديق). اهـ
* ولهذا؛ لم يأت في القرآن، وغيره لفظ: «آمن له»، إلا في هذا النوع.
قلت: ولأنه لم يقابل لفظ الإيمان: قط، بالتكذيب، كما يقابل لفظ التصديق، وإنما يقابل بالكفر. ([434])
*والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق، ولكن لا اتبعك، بل أعاديك، وأبغضك، وأخالفك، لكان كفره أعظم.
* فعلم أن الإيمان: ليس هو «التصديق» فقط، ولا الكفر: هو التكذيب فقط.
بل إذا كان الكفر يكون تكذيبا، ويكون مخالفة، ومعاداة بلا تكذيب.
* فكذلك الإيمان: يكون تصديقا، وموافقة، وموالاة، وانقيادا، ولا يكفي مجرد التصديق. ([435])
* إذا فالتفسير الصحيح؛ لقوله تعالى: خبرا عن إخوة يوسف: ]وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين[ [يوسف:17]؛ معناه: أنك لا تقر بخبرنا، ولا تثق به، ولا تطمئن إليه، ولو كنا صادقين، لأنهم: لم يكونوا عنده ممن يؤتمن على ذلك، فلو صدقوا لم يأمن لهم. ([436])
قلت: وهذا القدر هو: الذي خفي على من جعل الإيمان: هو «التصديق»!.
قال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص45): (فالتصديق: إنما يتم بأمرين: لا يكون المرء مصدقا؛ إلا بهما جميعا:
أحدهما: اعتقاد الصدق. ([437])
والثاني: محبة القلب، وانقياده.
* ولهذا قال تعالى؛ لإبراهيم: ]يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا[ [الصافات:104].
وإبراهيم عليه السلام: كان معتقدا لصدق رؤياه من حين رآها، فإن رؤيا الأنبياء وحي، وإنما جعله مصدقا، لها بعد أن فعل ما أمر به.
* وكذلك؛ قوله r: «والفرج يصدق ذلك، أو يكذبه»([438])، فجعل التصديق عمل الفرج، لا ما يتمنى القلب، والتكذيب تركه لذلك، وهذا صريح في أن: «التصديق»، لا يصح إلا بالعمل).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص44)؛ عن اليهود: (فهؤلاء قد أقروا بألسنتهم: إقرارا، مطابقا؛ لمعتقدهم أنه نبي، ولم يدخلوا بهذا «التصديق»، والإقرار في الإيمان؛ لأنهم لم يلتزموا طاعته، والانقياد لأمره.
* ومن هذا كفر: «أبي طالب»، فإنه عرف حقيقة المعرفة: أنه صادق، وأقر بذلك بلسانه، وصرح به في شعره، ولم يدخل بذلك في الإسلام.
* فالتصديق إنما يتم بأمرين:
أحدهما: اعتقاد الصدق، والثاني: محبة القلب وانقياده).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص44): (ونحن نقول: الإيمان هو «التصديق»، ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له، ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيمانا؛ لكان «إبليس»، و«فرعون، وقومه»، و«قوم صالح»، و«اليهود» الذين عرفوا أن محمدا رسول الله، كما يعرفون أبناءهم: «مؤمنين مصدقين».
* وقد قال تعالى: ]فإنهم لا يكذبونك[ [الأنعام: 33]؛ أي: يعتقدون أنك صادق، ]ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون[ [الأنعام: 33]، والجحود لا يكون إلا بعد معرفة الحق، قال تعالى: ]وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا[ [النمل: 14]، وقال موسى؛ لفرعون: ]لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر[ [الإسراء: 102]، وقال تعالى، عن اليهود: ]يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون[ [البقرة: 146].
* فهؤلاء: قد أقروا بألسنتهم إقرارا مطابقا لمعتقدهم أنه نبي، ولم يدخلوا بهذا التصديق، والإقرار في الإيمان، لأنهم لم يلتزموا طاعته، والانقياد لأمره).اهـ
قلت: ويصر: «المرجئة»، و«الأشاعرة»، منهم: على قولهم في الإيمان: أنه «التصديق».
* وعمدتهم في ذلك: ما ذكره أبو بكر الباقلاني في كتابه: «التمهيد» (ص346) بقوله: (فإن قالوا: فخبرونا ما الإيمان عندكم؟، قيل؛ الإيمان: هو «التصديق» بالله، وهو العلم، والتصديق يوجد القلب.
فإن قال: فما الدليل على ما قلتم؟، قيل: إجماع أهل اللغة قاطبة([439]) على أن الإيمان: قبل نزول القرآن، وبعثة النبي r، هو «التصديق»، لا يعرفون في اللغة إيمانا غير ذلك، ويدل على ذلك، قوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف:17]؛ أي: بمصدق لنا). اهـ
قلت: وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: «الإيمان الكبير» (ص323)؛ قول أبي بكر الباقلاني هذا، ثم قال: (وهذا عمدة من نصر قول: «الجهمية» في مسألة الإيمان) ([440]).اهـ
قلت: فقوله أن الإيمان في اللغة؛ قبل نزول القرآن، هو: «التصديق»، فلم يذكر من نقل الإجماع على الوجه الصحيح، وفي أي: كتاب ذكر هذا الإجماع!.
ثم من المقصود بأهل اللغة: هل المقصود نقلتها، كـ«الأصمعي»، و«الخليل» ونحوهما، أو المتكلمون بها؟.
* أما علماء اللغة: فهؤلاء لا ينقلون كل ما كان قبل الإسلام بإسناد.
وإنما ينقلون ما سمعوه من العرب في زمانهم، أو سمعوه في دواوين الشعر، فهم يجتهدون في نقل اللغة، فممكن يصيبون، وممكن أن يخطئون على حسب اجتهادهم.([441])
قلت: ولا نعلم لفظ الإيمان في اللغة: أنه «التصديق» عند العرب، فضلا عن أن يكونوا أجمعوا عليه!.
ثم لو فرض ان أبا بكر الباقلاني نقل عن واحد؛ أو اثنين منهم: أن الإيمان: هو «التصديق»، فكيف يعد هذا إجماعا؟!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص322)؛ في معرض رده على الباقلاني: (إن دعواه أن الإيمان في اللغة: هو «التصديق»، لم يؤيدها بشاهد من كلام العرب، وإنما دعمها بما ينقض دعواه؛ وذلك أنه قال: «ومنه قولهم: فلان مؤمن بالشفاعة، وفلان لا يؤمن بعذاب القبر، وهذا قطعا ليس من ألفاظ العرب قبل نزول القرآن). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص548): (مثال ذلك: أن «المرجئة» لما عدلوا عن معرفة كلام الله تعالى، ورسوله r، أخذوا يتكلمون في مسمى «الإيمان»، و «الإسلام»، وغيرهما: بطرق ابتدعوها، مثل: أن يقولوا: «الإيمان في اللغة»: هو «التصديق»، والرسول r إنما خاطب الناس بلغة العرب لم يغيرها، فيكون مراده بالإيمان «التصديق»؛ ثم قالوا: و«التصديق» إنما يكون بالقلب واللسان، أو بالقلب، فالأعمال ليست من الإيمان، ثم عمدتهم في أن الإيمان: هو «التصديق»، قوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف:17]؛ أي: بمصدق لنا!.
* فيقال لهم: «اسم الإيمان»، قد تكرر ذكره في القرآن والحديث أكثر من ذكر سائر الألفاظ، وهو أصل الدين، وبه يخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ ويفرق بين السعداء والأشقياء، ومن يوالي ومن يعادي، والدين كله تابع لهذا؛ وكل مسلم محتاج إلى معرفة ذلك؛ أفيجوز أن يكون الرسول r قد أهمل بيان هذا كله. ووكله إلى هاتين المقدمتين؟.
* ومعلوم أن الشاهد الذي استشهدوا به على أن الإيمان: هو «التصديق» أنه من القرآن، ونقل معنى الإيمان متواتر عن النبي r أعظم من تواتر لفظ الكلمة، فإن الإيمان يحتاج إلى معرفته جميع الأمة فينقلونه، بخلاف كلمة من سورة، فأكثر المؤمنين لم يكونوا يحفظون هذه السورة، فلا يجوز أن يجعل بيان أصل الدين مبنيا على مثل هذه المقدمات، ولهذا كثر النزاع والاضطراب بين الذين عدلوا عن صراط الله المستقيم، وسلكوا السبل، وصاروا من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، ومن الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، فهذا كلام عام مطلق).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص545): (واسم الإيمان، والإسلام، والنفاق، والكفر، هي أعظم من هذا كله؛ فالنبي r قد بين المراد بهذه الألفاظ بيانا لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق، وشواهد: استعمال العرب ونحو ذلك؛ فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء إلى بيان الله تعالى، ورسوله r، فإنه شاف كاف؛ بل معاني هذه الأسماء معلومة من حيث الجملة للخاصة والعامة، بل كل من تأمل ما تقوله: «الخوارج»، و«المرجئة»، في معنى الإيمان علم بالاضطرار أنه مخالف للرسول r، ويعلم بالاضطرار، أن طاعة الله تعالى، ورسوله r من تمام الإيمان).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص546): (وأهل البدع: إنما دخل عليهم الداخل، لأنهم أعرضوا عن هذه الطريق، وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها.
* إما في دلالة الألفاظ، وإما في المعاني المعقولة، ولا يتأملون بيان الله تعالى، ورسوله r، وكل مقدمات تخالف بيان الله تعالى، ورسوله r، فإنها تكون ضلالا).اهـ
قلت: وهذا ينقض دعوى الإجماع في أن الإيمان: هو «التصديق».
أما إن كان المقصود بأهل اللغة؛ هم: الصحابة y، والتابعون لهم بإحسان، فهؤلاء لم ينقل عنهم: أنهم، قالوا: أن الإيمان؛ بمعنى: «التصديق» فقط.
* ثم إن العرب؛ هم: الرسول r، والصحابة y، والتابعون لهم بإحسان، لم ينقلوا الكلام المسموع عن العرب في عهدهم، أن الإيمان: هو «التصديق»، بل نقلوا عن العرب ما يدل على أنهم قصدوا بالإيمان غير «التصديق».
قلت: والإيمان له في الشرع معان خاصة، فلا بد من الرجوع إلى المقصود به في الكتاب، والسنة.
* مثل: الصلاة، والزكاة، والحج؛ هي معاني نقلت من المعنى اللغوي إلى معنى زائد على الأصل اللغوي ذاك هو المعنى الشرعي لها.
وفي القرآن: لم يرد ذكر إيمان بمطلق غير مفسر، وإنما ورد لفظ الإيمان فيه:
* إما مقيدا.
* وإما مطلقا مفسرا.
* فالمقيد: كقوله تعالى: ]يؤمنون بالغيب[ [البقرة: 3].
وقوله تعالى: ]فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه[ [يونس:83].
* والمطلق المفسر: كقوله تعالى: ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم[ [الأنفال: 1].
وقوله تعالى: ]إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون[ [الحجرات:15].
وقوله تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء:64].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص330): (وكل إيمان مطلق: في القرآن، فقد يبين فيه أنه لا يكون الرجل مؤمنا، إلا: «بالعمل مع التصديق»، فقد بين في القرآن: أن الإيمان لا بد فيه من: «عمل مع التصديق»، كما ذكر مثل ذلك في اسم: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص549): (إن لفظ الإيمان: تكرر في القرآن، والحديث أكثر من غيره من الألفاظ، والإيمان: أصل الدين، وكل مسلم يحتاج إلى معرفته، فلا بد أن يؤخذ معنى: الإيمان، من جميع موارده لا من آية واحدة).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص42): (قوله تعالى: ]فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى[ [القيامة: 31-32]، فلما كان الإسلام تصديق الخبر، والانقياد للأمر، جعل تعالى له ضدين: عدم التصديق، وعدم الصلاة، وقابل التصديق بالتكذيب، والصلاة بالتولي، فقال تعالى: ]ولكن كذب وتولى[؛ فكما أن المكذب كافر، فالمتولي عن الصلاة كافر، فكما يزول الإسلام بالتكذيب، يزول بالتولي عن الصلاة، قال سعيد عن قتادة: ]فلا صدق ولا صلى[؛ لا صدق بكتاب الله، ولا صلى لله، ولكن كذب بآيات الله، وتولى عن طاعته: ]أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى[ [القيامة: 34-35]؛ وعيد على أثر وعيد).اهـ
قلت: فقد تبين بطلان ما احتجت به: «المرجئة العصرية»، و«المرجئة القديمة»، ومن جاء بعد ممن وافقهم من «الأشاعرة»، و«الماتريدية»، وغيرهم، من قوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف:17]؛ أي: بمصدق لنا، وقولهم: إن الإيمان مرادف للتصديق، فقد رددنا عليهم، وبينا فساد تفسيرهم للآية، وقمعنا شبهاتهم، وأنهم خالفوا في ذلك؛ تفسير الرسول r، والصحابة y، والتابعين الكرام.([442])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص547): (ولهذا تكلم أحمد / في «رسالته» المعروفة، في الرد على من تمسك بما يظهر له من القرآن([443])، من غير استدلال ببيان: الرسول r، والصحابة، والتابعين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص124): (والمرجئة الذين قالوا: الإيمان تصديق القلب، وقول اللسان، والأعمال ليست منه.
* كان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها، ولم يكن قولهم؛ مثل: قول: «جهم بن صفوان».
فعرفوا: أن الإنسان لا يكون مؤمنا، إن لم يتكلم بالإيمان، مع قدرته عليه، وعرفوا أن: «إبليس»، و«فرعون»، وغيرهما، كفار مع تصديق قلوبهم.
* لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان، لزمهم قول: «جهم بن صفوان»، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم: دخول أعمال الجوارح أيضا، فإنها لازمة لها).اهـ
قلت: و«المرجئة العصرية»: كلما قام لهم الدليل: حرفوا السبيل، إما يعرضوا عنه تفويضا، أو يحرفوه تأويلا. ([444])
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص193): (فما امتحن الإسلام بمحنة قط؛ إلا وسببها التأويل؛ فإن محنته: إما من المتأولين، وإما أن يسلط عليهم الكفار، بسبب ما ارتكبوا من التأويل، وخالفوا ظاهر التنزيل، وتعللوا بالأباطيل). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على بطلان؛ تفسير: «عبيد الجابري» للإيمان: أنه؛ بمعنى: «التصديق» فقط في اللغة، وذلك لما فيه من موافقة: «المرجئة»، و«الجهمية»، و«الماتريدية»، و«الأشاعرة»، ولما يظهر فيه من اللوازم؛ أن: «إبليس»، و«فرعون وقومه»، و«اليهود»، و«النصارى» من المؤمنين؛ لأنهم صدقوا بقولهم في الباطن، دون: «الإقرار»، و«الانقياد»، و«العمل»، ولأنه يستلزم: «عدم عمل القلب»، مع «اعتقاد الصدق» فقط، بمعنى: الإيمان، هو : «التصديق»، وهذا باطل، لأن الإيمان: ليس مجرد: «التصديق»، بل هو: «التصديق» المستلزم، للطاعة، والإنقياد، والإقرار، مع العمل، وإذا زال عمل القلب، مع بقاء اعتقاد التصديق فقط، فهذا موضع المعركة، بين أهل السنة، وبين أهل الإرجاء، فلا ينفع التصديق، مع انتفاء عمل القلب، والإقرار، والانقياد
* قال عبيد بن عبد الله الجابري في كتابه: «التقرير الأحمد بشرح أصول السنة للإمام أحمد» (ص105): (الإيمان في اللغة معناه: «التصديق»، قال الله تعالى؛ فيما قصه علينا من خبر: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم الصلاة والسلام-، وبين أخوة يوسف -عليه الصلاة والسلام-: ]وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين[ [يوسف:17]؛ يعني: ما أنت بمصدق كلامنا).اهـ
* فقول عبيد الجابري: (الإيمان في اللغة معناه: «التصديق»...)؛ يعني: مجرد «التصديق».([445])
* فهذا قول: «الأشاعرة» تماما، وهو القول الثاني، لأبي الحسن الأشعري، ووافقه جمهور الأشاعرة؛ كالباقلاني، وهو يعد من كبار علماء الكلام، ومن أئمة الأشاعرة، حيث هذب كلام أبي الحسن الأشعري، وسعى في نشر مذهبه.
* وهو: أن الإيمان تصديق القلب، أو معرفته فقط، مجردة من الأعمال، سواء أعمال القلب: من خوف، أو رجاء، أو أعمال الجوارح من: «صلاة»، أو «زكاة»، أو «صيام»، أو «حج»، أو غير ذلك. ([446])
* وتختلف تعبيرات: «الأشاعرة» في هذا الموضع، فتارة يقولون؛ هو: «المعرفة»، كقول: «جهم بن صفوان السمرقندي»، وتارة يقولون؛ هو: «التصديق».([447])
قلت: ولا يخفى الفرق بين عبارتي التصديق، والمعرفة، غير أن حقيقة، قول الأشاعرة: هو أن التصديق؛ بمعنى: المعرفة.
فقول الجهمية: أن الإيمان هو المعرفة، وما عداها: من تصديق القلب، وإقراره، ومن القول والعمل، فغير داخل في الإيمان.
قلت: وهذا قول: «جهم بن صفوان»، ولا زم قوله، أن: «إبليس»، و«فرعون»، ومن عرف الله تعالى وعاند، وسب الله تعالى، وسب رسول الله r، وعاداهما، وأهان المصحف، أنه مؤمن. ([448])
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص578): (هذا: «أبو جهل» قد عرف بقلبه، وعلم أن محمدا رسول الله، فيلزم صاحب هذه المقالة، أن يلحقه في الإيمان، بأهل بدر، والحديبية، وأصحاب الشجرة، من أهل بيعة الرضوان.
غضب الله تعالى على صاحب هذه المقالة: وأصلاه نارا خالدا فيها، فإنه لم يفرق بين الحق والباطل، ولا بين المؤمن والكافر، ولا بين الصالح والطالح).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص317): (ولهذا؛ تجد: «المعتزلة»، و«المرجئة»، و«الرافضة»، وغيرهم، من أهل البدع: يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم، وما تأولوه من اللغة.
* ولهذا تجدهم: لا يعتمدون على أحاديث النبي r، والصحابة، والتابعين، وأئمة المسلمين؛ فلا يعتمدون لا على السنة، ولا على إجماع السلف وآثارهم.
وإنما يعتمدون: على العقل واللغة، وتجدهم لا يعتمدون على كتب التفسير المأثور والحديث، وآثار السلف). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص318): (وإذا تدبرت حججهم، وجدت دعاوى، لا يقوم عليها دليل، والقاضي أبو بكر الباقلاني: نصر قول: «جهم» في: «مسألة الإيمان»، متابعة: «لأبي الحسن الأشعري»، وكذلك: أكثر أصحابه).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص321): (وأبو الحسن الأشعري: نصر قول ([449]): «جهم» في الإيمان).اهـ
* وكذلك أبو المعالي الأشعري، يقول: «الإيمان: هو التصديق»، كما نقل عنه، شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» (ج7 ص96).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «النبوات» (ج1 ص580): (وأما الأشعري: فالمعروف عنه، وعن أصحابه: أنهم يوافقون: «جهما» في قوله في الإيمان، وأنه مجرد تصديق القلب، أو معرفة القلب؛ لكن قد يظهرون مع ذلك: قول أهل الحديث، ويتأولونه). اهـ
وقال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص581): (فإن هؤلاء: «مرجئة» أهل ضلال، وزيغ، وعدول عن الملة). اهـ
وعن الإمام وكيع / قال: (القدرية: يقولون، الأمر مستقبل، إن الله لم يقدر المصائب والأعمال، والمرجئة: يقولون، القول يجزئ من العمل، والجهمية: يقولون: المعرفة تجزئ من القول والعمل، قال وكيع: وهو كله كفر).
أثر صحيح
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص585) من طريق إسحاق بن داود قال: سمعت أبا موسى الأزدي بطرسوس، يقول: قال وكيع به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن أبي رجاء قال: سمعت وكيع بن الجراح يقول: (ليس بين كلام: «الجهمية»، و«المرجئة»: كبير فرق، قالت الجهمية: الإيمان المعرفة بالقلب، وقالت المرجئة: الإقرار باللسان).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص660-مسند ابن عباس) من طريق عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي قال: سمعت أبا رجاء يقول: سمعت وكيعا به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص637)؛ وجدت في كتاب: أبي /، قال: أخبرت، أن الفضيل بن عياض قال: (يقول أهل الإرجاء: الإيمان؛ قول بلا عمل!، ويقول الجهمية: الإيمان المعرفة، بلا قول، ولا عمل!، ويقول أهل السنة: الإيمان المعرفة، والقول، والعمل، فمن قال: الإيمان: قول وعمل؛ فقد أخذ بالوثيقة، ومن قال: الإيمان: قول بلا عمل؛ فقد خاطر، لأنه لا يدري أيقبل إقراره، أو يرد عليه بذنوبه، وقال: فضيل: قد بينت لك، إلا أن تكون أعمى). ([450])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ج2 ص701): (بعض: «الجهمية»، و«المرجئة»، القائلين؛ بأن الإيمان: هو المعرفة والقول، بلا عمل من أعمال القلب). اهـ
وعن الإمام وكيع / قال: (يقول أهل السنة: الإيمان؛ قول وعمل، والمرجئة تقول: الإيمان: قول بلا عمل، والجهمية يقولون: الإيمان المعرفة).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج5 ص999)، والآجري في «الشريعة» (259)، و(304)، والعدني في «الإيمان» (29)، من طريق أبي بكر الحميدي قال: سمعت وكيع بن الجراح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وبوب الإمام اللالكائي في «الاعتقاد» (ج5 ص996)؛ سياق ما نقل من مقابح مذاهب المرجئة.
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: (ومجرد الإتيان بلفظ: الشهادة، من غير علم بمعناها، ولا عمل بمقتضاها: لا يكون به المكلف مسلما، بل هو حجة على ابن آدم.
* خلافا لمن زعم: أن الإيمان، مجرد الإقرار، «كالكرامية»، ومجرد التصديق، «كالجهمية».
وقد أكذب الله تعالى المنافقين، فيما أتوا به، وزعموه من الشهادة، وأسجل على كذبهم، مع أنهم أتوا بألفاظ مؤكدة، بأنواع من التأكيدات) ([451]).اهـ
قلت: فإن المؤمن الصادق: ينقاد لله تعالى ظاهرا وباطنا، إخلاصا ومحبة لله تعالى، ونيلا لرضاه، وظفرا بجنته، وثوابه، وخوفا من عقابه وعذابه.
وقال عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص635)؛ وجدت في كتاب: أبي / قال: أخبرت: أن الفضيل بن عياض / قال: (يقول أهل البدع: الإيمان: الإقرار بلا عمل، والإيمان واحد، وإنما يتفاضل الناس بالأعمال، ولا يتفاضلون بالإيمان، ومن قال ذلك، فقد خالف الأثر، ورد على رسول الله r... وتفسير من يقول: الإيمان لا يتفاضل، يقول: إن الفرائض ليست من الإيمان، فميز أهل البدع: العمل من الإيمان([452])، وقالوا: إن فرائض الله عز وجل ليست من الإيمان، ومن قال ذلك؛ فقد أعظم الفرية، أخاف أن يكون جاحدا للفرائض، رادا على الله عز وجل أمره).
وقال عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص636)؛ وجدت في كتاب: أبي / قال: أخبرت: أن الفضيل بن عياض / قال: (ولو كان الأمر كما يقولون؛ لكان من عصى، وارتكب المعاصي، والمحارم، لم يكن عليه سبيل، وكان إقراره يكفيه من العمل، فما أسوأ هذا من قول وأقبحه، فإنا لله وإنا إليه راجعون).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص494): (ولا ريب: أن المعصية قد تكون سببا للكفر، كما قال بعض السلف: «المعاصي بريد الكفر»؛ فينهى عنها خشية أن تفضي إلى الكفر المحبط؛ كما قال تعالى: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ [النور: 63]؛ وهي الكفر، وإبليس خالف أمر الله تعالى، فصار كافرا؛ وغيره أصابه عذاب أليم).اهـ
وقال الإمام أبو يعلى / في «الإيمان» (ص356): (قالت الأشعرية: الإيمان، هو التصديق في اللغة، والشريعة جميعا، وإن الأفعال، والأعمال، من شرائع الإيمان، لا في نفس الإيمان.
* وقال المرجئة، والكرامية([453]): الإيمان، هو التصديق باللسان، وهو الإقرار بالشهادتين، دون طمأنينة القلب.
* ويفيد هذا أن الأفعال، ليست من الإيمان، ولا من شرائعه، وأنه إذا أتى بالشهادتين، فهو كامل الإيمان، وإن لم يأت بالأفعال.
* وقالت الجهمية: الإيمان: هو المعرفة بالله فحسب). اهـ
قلت: فقول: «عبيد الجابري»، أن الإيمان: هو «التصديق»، في اللغة، فقد وافق: «الجهمية»، و«الأشاعرة»، لأن الأشاعرة يقولون: أن الإيمان هو: «التصديق»، الذي؛ بمعنى: «المعرفة». ([454])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص317): (وقد عدلت: «المرجئة» في هذا الأصل، عن بيان الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين لهم بإحسان.
* واعتمدوا على رأيهم، وعلى ما تأولوه بفهمهم اللغة، وهذه طريقة أهل البدع).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص351): (ومنهم: من يقول بقول: «المرجئة» إنه التصديق، بالقلب واللسان).اهـ
قلت: وهذا أيضا قول: «الماتريدية»، بأن الإيمان: هو «التصديق»، وأما قول اللسان عندهم؛ فهو: دليل عليه، وليس داخلا فيه، وأما العمل، فغير داخل في الإيمان، وليس من مسماه.
* والمرجئة المحضة، وهي: «الجهمية»، تقول: الإيمان، هو المعرفة الخاصة([455])؛ أي: إذا عرفت ربك بقلبك، فهذا هو الإيمان.
* والمرجئة العصرية: فتحوا بابا للمرجئة المحضة، الذين هم: «الجهمية»، حتى قالوا: الأعمال ليست مطلوبة أصلا.
* والمرجئة العصرية تقول: إن الأعمال، لا تدخل في مسمى الإيمان، وإن كانت الأعمال مطلوبة. ([456])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج1 ص152): (واختلف الناس في الإيمان، فمنهم من قال: إن الإيمان هو مجرد «التصديق والإقرار»، وهذا لا يتفاوت، فالناس فيه سواء، وهذا مذهب: «الجهمية المرجئة» الغلاة في الإرجاء، ولا شك أن هذا القول ليس بصحيح من وجهين:
الوجه الأول: أن قولهم: إن الإيمان هو مجرد «التصديق» ليس بصحيح؛ لأن النصوص ظاهرة في أن الأعمال من الإيمان.
الوجه الثاني: أن قولهم: إن «التصديق» لا يتفاوت غير صحيح أيضا؛ لأن إقرار القلب يتفاوت؛ فإن خبر الواحد لا يساوي خبر الإثنين في الطمأنينة إليه، فلو أخبرك شخص بخبر، وأنت تطمئن إلى هذا الشخص، وتثق بكلامه، ثم أخبرك آخر، فإن ثقتك تزداد، فإذا أخبرك ثالث تزداد أيضا.
* ولهذا قسم العلماء رحمهم الله: اليقين إلى ثلاثة أقسام: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، كما دل على ذلك القرآن، قال الله تعالى: ]كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين[ [التكاثر: 5-7]، وقال الله تعالى في القرآن: ]وإنه لحق اليقين [ [الحاقة: 51]، وقال في حال المحتضرين: ]إن هذا لهو حق اليقين[ [الواقعة:95]).اهـ
وقال الإمام أحمد /؛ وقد ذكرت عنده المرجئة، وقيل له: (إنهم يقولون إذا عرف الرجل ربه بقلبه، فهو مؤمن، فقال: «المرجئة»: لا تقول هذا، بل: «الجهمية» تقول بهذا، المرجئة تقول: حتى يتكلم بلسانه، وإن لم تعمل جوارحه، و«الجهمية»: تقول إذا عرف ربه بقلبه، وإن لم تعمل جوارحه، وهذا كفر، إبليس قد عرف ربه، فقال: ]رب بما أغويتني[ [الحجر: 39]، قلت: فالمرجئة: لما كانوا يجتهدون، وهذا قولهم، قال: البلاء). ([457])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص413): (والمرجئة ثلاثة أصناف:
الذين يقولون: الإيمان مجرد ما في القلب، ثم من هؤلاء: من يدخل فيه أعمال القلوب، وهم أكثر: «فرق المرجئة».
* كما قد ذكر أبو الحسن الأشعري: أقوالهم في كتابه، وذكر فرقا كثيرة يطول ذكرهم، لكن ذكرنا جمل أقوالهم.
ومنهم: من لا يدخلها في الإيمان، كـ«جهم» ومن اتبعه، كـ«الصالحي»، وهذا الذي نصره، هو وأكثر أصحابه.
والقول الثاني: من يقول: هو مجرد قول اللسان، وهذا لا يعرف لأحد، قبل: «الكرامية».
والثالث: تصديق القلب، وقول اللسان، وهذا هو المشهور عن: «أهل الفقه والعبادة» منهم.
وهؤلاء غلطوا من وجوه).اهـ
* وهذه خلاصة الأقوال: في «الإيمان»، ومنها يتبين أن ضلال الفرق في مسألة: «الإيمان» يتفاوت؛ فأبعدهم عن الحق: «الجهمية»، ثم ما آل إليه مذهب: «الأشاعرة»، ومذهب: «الماتريدية»، ومذهب: «المرجئة» من مناصرة مذهب: «جهم بن صفوان السمرقندي» في الإيمان.
قلت: والمعنى الصحيح، للإيمان في اللغة: هو الإقرار القلبي، ويكون الإقرار: باعتقاد القلب، أي: تصديقه بالأخبار، وعمل القلب؛ أي: إذعانه، وانقياده، للعمل، والأوامر. ([458])
* وهذا التعريف للإيمان: عليه أئمة الحديث، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية /، حيث بين معنى الإيمان اللغوي، وهذا من آرائه السديدة، واختياراته الموفقة؛ حيث اختار؛ معنى: «الإقرار» للإيمان.
قلت: لأنه رأى أن لفظة: «أقر» أصدق في الدلالة، والبيان، على معنى: الإيمان الشرعي، من غيرها، لأدلة علمية.
* ورد بتحقيق علمي، قول من ادعى: أن الإيمان: هو التصديق، أو هو مرادف للتصديق، وذكر فروقا بينهما، تمنع دعوى الترادف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291): (ومعلوم: أن الإيمان: هو «الإقرار»؛ لا مجرد «التصديق»، و«الإقرار»: ضمن قول القلب: الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو: الانقياد). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291): (فكان تفسيره؛ يعني: الإيمان، بلفظ «الإقرار»، أقرب من تفسيره؛ بلفظ: «التصديق»؛ مع أن بينهما فرقا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291)؛ في رده على من ادعى الترادف بين الإيمان، والتصديق: (إنه؛ يعني: الإيمان، ليس مرادفا للتصديق في المعنى.
* فإن كل مخبر عن مشاهدة، أو غيب، يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت.
فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: صدقت، كما يقال: كذب، وأما لفظ الإيمان: فلا يستعمل؛ إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام، أن من أخبر عن مشاهدة؛ كقوله: طلعت الشمس، وغربت، أنه يقال: آمناه، كما يقال: صدقناه.
* ولهذا؛ المحدثون، والشهود، ونحوهم، يقال: صدقناهم، وما يقال: آمنا لهم؛ فإن الإيمان مشتق من الأمن، فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر؛ كالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المخبر.
ولهذا لم يوجد قط في القرآن، وغيره، لفظ: آمن له؛ إلا في هذا النوع).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص357): (لكن دعواكم: أن الإيمان هو: «التصديق»، وإن تجرد عن جميع أعمال القلوب، غلط).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص358): (لكن الشارع ضم إليه أمورا، إما في الحكم، وإما في الحكم والاسم.
* وهذا القول قد سلم صاحبه أن حكم الإيمان المذكور في الكتاب، والسنة، لا يثبت بمجرد تصديق القلب؛ بل لا بد من تلك الشرائط.
وعلى هذا فلا يمكنه جعل الفاسق مؤمنا، إلا بدليل يدل على ذلك، لا بمجرد قوله: «إن معه تصديق القلب»).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص329): (...أن القرآن ليس فيه ذكر إيمان مطلق غير مفسر؛ بل لفظ الإيمان فيه إما مقيد، وإما مطلق مفسر.
«فالمقيد» كقوله: ]يؤمنون بالغيب[ [البقرة:3]، وقوله تعالى: ]فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه[ [يونس:83]، و «المطلق المفسر» كقوله تعالى: ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم...[ [الأنفال:2] الآية. وقوله تعالى: ]إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون[ [الحجرات:15]، ونحو ذلك، وقوله تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء:65]، وأمثال هذه الآيات: وكل إيمان مطلق في القرآن؛ فقد يبين فيه أنه لا يكون الرجل مؤمنا، إلا بالعمل مع التصديق؛ فقد بين في القرآن أن الإيمان لا بد فيه من عمل مع التصديق، كما ذكر مثل ذلك في اسم: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»).اهـ
وقال الإمام ابن قتيبة / في «تفسير غريب القرآن» (ص9): (وأما إيمان العبد بالله تعالى: فتصديقه به قولا، وعقدا، وعملا).اهـ
قلت: و«الإقرار» هذا: هو الإلتزام بالدين، وليس هو مجرد: التصديق، فلفظ؛ «الإقرار»: يتناول الإلتزام، والتصديق([459])، ولا بد منهما في الإيمان. ([460])
قال تعالى: ]وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين[ [آل عمران: 81].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص708): (إلا أن يقال: أراد تصديق القلب واللسان جميعا، مع «المعرفة»، و«الإقرار»؛ ومراده «بالإقرار» الالتزام لا التصديق؛ كما قال تعالى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين[ [آل عمران: 81]، فالميثاق: المأخوذ على أنهم يؤمنون به وينصرونه وقد أمروا بهذا، وليس هذا «الإقرار» تصديقا؛ فإن الله تعالى لم يخبرهم بخبر؛ بل أوجب عليهم إذا جاءهم ذلك الرسول أن يؤمنوا به وينصروه، فصدقوا بهذا «الإقرار» والتزموه، فهذا هو إقرارهم).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص525): (وهذه الأعمال: إذا عملها الإنسان، مخلصا لله تعالى؛ فإنه يثيبه عليها، ولا يكون ذلك؛ إلا مع «إقراره بقلبه»: أنه: «لا إله إلا الله»، و«أن محمدا رسول الله»، فيكون معه من الإيمان هذا «الإقرار»).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص515): (وأما الإيمان؛ فأصله: تصديق، وإقرار، ومعرفة.
* فهو من باب قول القلب: المتضمن عمل القلب؛ والأصل فيه: التصديق، والعمل تابع له.
فلهذا: فسر النبي r: الإيمان، بإيمان القلب، وبخضوعه، وهو الإيمان: بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى المصرية» (ص148): (أصل الإيمان في القلب، وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار القلب بالتصديق، والحب، والانقياد.
* ولا بد أن يظهر: موجبه، ومقتضاه على الجوارح، فالأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب، ودليل عليه، وشاهد له، وشعبته مجموع الإيمان المطلق، وبعض له، وما في القلب، هو الملك، والأعضاء جنوده).اهـ
قلت: فمسألة التلازم بين إيمان القلب، وإيمان الجوارح، فهي واضحة.
* فشيخ الإسلام ابن تيمية /: يأبى تفسير، الإيمان: بالتصديق، لعدة أمور ذكرها، وناقشها، في كتابه المشهور «الإيمان الأوسط»، وقد رد على من عرف الإيمان بالتصديق، فالرد الإجمالي:
1) أن الإيمان في اللغة: ليس مرادفا للتصديق، وإما هو؛ معنى: الإقرار.
2) أن الإيمان، وإن كان في اللغة: هو التصديق، فالتصديق: يكون بالقلب، واللسان، وسائر الجوارح.
3) أن الإيمان، إذا فسر بالتصديق، فليس: هو مطلق التصديق، بل هو تصديق خاص، مقيد بقيود، اتصل اللفظ بها.
4) أن الإيمان، وإن كان هو: التصديق، فالتصديق التام، الذي يقوم بالقلب، ولا بد الواجب من أعمال القلوب والجوارح؛ فإنها لوازم الإيمان التام، وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم.
5) أن لفظ الإيمان: بقي على معناه في اللغة، ولكن الشارع زاد فيه أحكاما.
6) أن الشارع نقل المعنى في اللغة إلى الشرع.
* فقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية /: في تعريف الإيمان في اللغة، أنه بمعنى: الإقرار، وناقش من جعل التصديق مرادفا للإيمان، وبين أن مع التسليم بذلك، فلا يخرج، عن أمرين اثنين:
الأول: أن التصديق ليس بالقلب فقط، بل: «بالقول والعمل» أيضا، وفي الحديث الصحيح، عن النبي r قال: (والفرج يصدق ذلك، ويكذبه) ([461])، فجعل: «التصديق»: عمل الفرج، لا ما يتمنى القلب، والتكذيب تركه لذلك، وهذا صريح في أن: «التصديق» لا يصح؛ إلا بالعمل. ([462])
والثاني: أن الإيمان، وإن كان هو التصديق، فهو تصديق مخصوص، كالصلاة في اللغة الدعاء، إلا أنها في لغة الشارع، دعاء، وعمل مخصوص.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص128): (بل القرآن والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق، وهذا في القرآن أكثر بكثير من معنى الصلاة والزكاة، فإن تلك إنما فسرتها السنة، والإيمان بين معناه الكتاب والسنة وإجماع السلف). اهـ
* وقد أجمع السلف الصالح على أن الإيمان: قول وعمل... قول اللسان، واعتقاد القلب، وعمل الجوارح.
قال الإمام الشافعي / في كتاب «الأم»: (كان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم، يقولون: أن الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر).([463])
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج3 ص19): (فهذه الأصول الستة([464]): هي أصول الدين كله، هي أصول إسلامنا وديننا كله، فمن أتى بها مع الأعمال الظاهرة: صار مسلما مؤمنا، ومن لم يأت بها؛ فلا إسلام له، ولا إيمان له).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدرب» (ج1 ص49): (وعليه أيضا: مع هاتين الشهادتين؛ أن يؤدي الفرائض؛ فعليه أن يؤدي الصلوات الخمس، وعليه أن يؤدي الزكاة، وعليه أن يصوم رمضان، وعليه أن يحج البيت، وعليه أن يؤدي كل ما فرضه الله تعالى عليه، فلا بد من هذا.
* ولا بد من تجنبه ما حرم الله تعالى عليه، فإن أتى بناقض من نواقض الإسلام كفر، ولو أتى بالشهادتين، فإن المنافقين يقولون الشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، لكنهم في الباطن يكذبون؛ يكذبون الرسول r، ويكذبون الله تعالى فيما قال،: فصاروا كفارا في الدرك الأسفل من النار). اهـ
وعن الإمام إسحاق بن راهويه / قال: (غلت المرجئة حتى صار من قولهم: أن قوما يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود لها: إنا لا نكفره([465])، نرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقر، فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم، ثم هم أصناف).([466])
قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص21)؛ بعد أن ذكر قول إسحاق بن راهويه: (يعني: في أنهم مرجئة، وظاهر هذا: أنه يكفر بترك هذه الفرائض).اهـ
قلت: وهذا التأصيل العقدي من السلف، هو قاصم ظهر: «عبيد الجابري» المرجئ، الذي لا يكفر بترك هذه الفرائض!، ويقرر لمن ترك هذه الأصول، أنه ناقص الإيمان.
وعن معقل بن عبيد الله العبسي قال: قدمت المدينة، فجلست إلى نافع([467])، فقلت: يا أبا عبد الله! إن لي إليك حاجة، فقال: سر أم علانية؟ فقلت: لا؛ بل سر. قال: رب سر لا خير فيه، قلت: ليس من ذاك. فلما صلينا صلاة العصر؛ قام، وأخذ بيدي، وخرج من الخوخة([468])، ولم ينتظر القاص، فقال: حاجتك؟ قال: قلت: أخلني من هذا، قال: تنح يا عمرو، قال: ذكرت له بدوء قولهم، فقال: قال رسول الله r: (أمرت أن أضربهم بالسيوف حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله؛ عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، قال: فقلت له: إنهم يقولون: نحن نقر بأن الصلاة فريضة ولا نصلي، وأن الخمر حرام ونحن نشربها، وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نفعل؟ قال: فنتر([469]) يده من يدي، ثم قال: من فعل هذا؛ فهو كافر).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص382)، والخلال في «السنة» (ج5 ص31)، والطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص645-مسند ابن عباس) من طريق خالد بن حيان الكندي، وعمر بن خالد الرقي، كلاهما: عن معقل بن عبيد الله العبسي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن معقل بن عبيد الله العبسي قال: (لقيت الزهري: فأخبرته بقولهم؛ يعني: المرجئة، فقال: سبحان الله، أوقد أخذ الناس في الخصومات).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص382)، والخلال في «السنة» (ج5 ص31)، والطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص645-مسند ابن عباس) من طريق عمر بن خالد الرقي، وخالد بن حيان الكندي، كلاهما: عن معقل بن عبيد الله العبسي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: (الإيمان: المعرفة بالقلب، والإقرار باللسان، والتفضيل بالعمل).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص580) من طريق محمد بن علي بن الحسن حدثنا إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص616): (وقد تقدم: أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع، سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان، أو جزءا من الإيمان).اهـ
قلت: فالإيمان إذا ليس هو مجرد تصديق بالقلب، أو اللسان، أو إظهار الإيمان وادعائه، بل إن للإيمان، لوازم يلزم صاحبه، وشروط، وأركان، ومقتضيات يقتضيها لا يتحقق الإيمان، ولا يصح إلا بها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص160): (بين الله تعالى: أن الإيمان له لوازم، وله أضداد، موجودة تستلزم ثبوت لوازمه، وانتفاء أضداده).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتح المجيد» (ص35): (قوله: «من شهد أن لا إله إلا الله»؛ أي: من تكلم بها عارفا لمعناها، عاملا بمقتضاها، باطنا، وظاهرا، فلا بد في الشهادتين من: العلم، واليقين، والعمل بمدلولها، كما قال الله تعالى: ]فاعلم أنه لا إله إلا الله[ [محمد:19].
* وقال تعالى: ]إلا من شهد بالحق وهم يعلمون[ [الزخرف:86]، أما النطق بها من غير معرفة؛ لمعناها، ولا يقين، ولا عمل بما يقتضيه، من نفي الشرك، وإخلاص القول والعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب، والجوارح، فغير نافع بالإجماع).اهـ
* وبين الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص661)؛ عن مذهب: «المرجئة» في الإيمان، حيث قال: (فيمن كان من قوله: الإيمان قول بلا عمل، وفيمن كان من مذهبه: أن الشرائع ليست من الإيمان، وأن الإيمان: أما هو التصديق بالقول، دون العمل المصدق بوجوبه).اهـ
قلت: فموضوع المعركة: بين أهل السنة، وبين أهل الإرجاء، هذا النوع من الكفر([470])، فهم لا يثبتون من الكفر؛ إلا كفر التكذيب، وكفر الجحود!. ([471])
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ /: (وأصل الإسلام، وأساسه: أن ينقاد العبد لله تعالى بالقلب، والأركان مذعنا له بالتوحيد) ([472]).اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ /: (ومجرد التلفظ: بالشهادتين، لا يكفي في الإسلام، بدون العمل: بمعناها، واعتقاده: إجماعا)([473]).اهـ
قلت: وهذا يدل على أن العبد، لم يكن مؤمنا إلا بما اجتمع فيه هذه الثلاثة الأشياء، وهي: التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح. ([474])
فعن أبي سلمة الخزاعي / قال: (قال: مالك بن أنس، وشريك، وأبو بكر بن عياش، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد؛ الإيمان: المعرفة، والإقرار، والعمل).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1368)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (647)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1096)، والخلال في «السنة» (1006)، و(1249)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (568) من طريق أحمد بن حنبل قال: حدثنا أبو سلمةالخزاعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص362): (والمرجئة: وإن قالوا، إن الإيمان يتضمن الإسلام، فهم يقولون: الإيمان هو: تصديق القلب واللسان.
وأما الجهمية: فيجعلونه تصديق القلب.
* فلا تكون الشهادتان، ولا الصلاة، ولا الزكاة، ولا غيرهن من الإيمان.
وقد تقدم ما بينه الله تعالى، ورسوله r: من أن الإسلام داخل في الإيمان، فلا يكون الرجل مؤمنا حتى يكون مسلما، كما أن الإيمان داخل في الإحسان، فلا يكون محسنا حتى يكون مؤمنا).اهـ
قلت: فلا بد إذا من التفصيل في تعريف الإيمان في اللغة، ولا يكفي القول فيه التصديق المجمل.
* والحقيقة، فإن مآل مقولة: «عبيد الجابري» في: «الإيمان» على هذه الطريقة، قاض، بإخراج العمل عن حقيقة الإيمان الشرعي، والمصير إلى مذهب: «المرجئة» في أصل مذهبهم الفاسد.
قلت: فليس الإيمان عند أهل السنة: مجرد التصديق([475])، كما عند أهل البدع: من: «المرجئة» بجميع فرقهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص141): (والكرامية: توافق؛ «المرجئة» و«الجهمية» في أن إيمان الناس كلهم سواء، ولا يستثنون في الإيمان، بل يقولون: هو مؤمن حقا، لمن أظهر الإيمان). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص143): (وعند: «الجهمية» إذا كان العلم في قلبه، فهو كامل الإيمان، إيمانه: كإيمان النبيين، ولو قال، وعمل ماذا عسى أن يقول ويعمل، ولا يتصور عندهم: أن ينتفي عنه الإيمان؛ إلا إذا زال ذلك العلم من قلبه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص510): (قالت: الخوارج، والمعتزلة؛ الطاعات كلها من الإيمان، فإذا ذهب بعضها ذهب بعض الإيمان؛ فذهب سائره، فحكموا بأن صاحب الكبيرة ليس معه شيء من الإيمان.
* وقالت: المرجئة، والجهمية؛ ليس الإيمان إلا شيئا واحدا، لا يتبعض، أما مجرد تصديق القلب؛ كقول: «الجهمية»، أو تصديق القلب واللسان؛ كقول: «المرجئة» قالوا: لأنا إذا أدخلنا فيه الأعمال صارت جزءا منه، فإذا ذهبت، ذهب بعضه، فيلزم إخراج ذي الكبيرة من الإيمان، وهو قول: «المعتزلة»، و«الخوارج»).اهـ
وعن أبي عبد الرحيم محمد بن أحمد بن الجراح الجوزجاني؛ قال: كتب إلي أحمد بن حنبل: (أحسن الله إلينا وإليك في الأمور كلها، وسلمك وإيانا من كل سوء برحمته «واتفقا من هاهنا»: أتاني كتابك تذكر فيه ما يذكر من احتجاج من احتج من المرجئة، واعلم رحمك الله أن الخصومة في الدين ليست من طريق أهل السنة، وأن تأويل من تأول القرآن بلا سنة تدل على معناها، أو معنى ما أراد الله عز وجل، أو أثر، «قال المروذي: أو أثر عن أصحاب الرسول r»، ويعرف ذلك بما جاء عن النبي r، أو عن أصحابه، فهم شاهدوا النبي r، وشهدوا تنزيله، وما قصه له القرآن، وما عني به، وما أراد به، وخاص هو أو عام، فأما من تأوله على ظاهر بلا دلالة من رسول الله r، ولا أحد من أصحابه، فهذا تأويل أهل البدع، لأن الآية قد تكون خاصة، ويكون حكمها حكما عاما، ويكون ظاهرها على العموم، فإنما قصدت لشيء بعينه، ورسول الله r المعبر عن كتاب الله عز وجل، وما أراد وأصحابه y أعلم بذلك منا لمشاهدتهم الأمر).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (ج5 ص23) من طريق عبد الله بن عبيد الطرسوسي قال: ثنا محمد بن حاتم المروزي قال: ثنا أبو عبد الرحيم محمد بن أحمد بن الجراح قال: كتب إلي أحمد بن حنبل فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «الفتاوى» (ج7 ص390).
* والمرجئة العصرية: زعمت أن معنى: الإيمان: هو التصديق بالإجماع، وترد وتبطل كل قول: يعارض هذا التعريف.
ولماذا تذهب: «المرجئة» إلى هذا التعريف؛ لكي نقول: لا كفر، إلا بجحود، وتكذيب، واعتقاد.
* لذلك تارك «جنس العمل»: لا يكفر عند: «المرجئة العصرية»!([476]).([477])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص288): (مثال ذلك: أن «المرجئة» لما عدلوا عن معرفة كلام الله تعالى، ورسوله r: أخذوا يتكلمون في مسمى: «الإيمان»، و «الإسلام»، وغيرهما؛ بطرق ابتدعوها، مثل: أن يقولوا: الإيمان في اللغة: هو التصديق، والرسول r: إنما خاطب الناس بلغة العرب، لم يغيرها؛ فيكون مراده بالإيمان: التصديق، ثم قالوا: والتصديق، إنما يكون بالقلب، واللسان، أو بالقلب؛ فالأعمال ليست من الإيمان).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص548): (وهذه من عقائد: «المرجئة»، وأقوالهم؛ كأصحاب: «بشر المريسي»، الذين يقولون: بأن الإيمان: هو التصديق؛ لأن الإيمان في اللغة: هو التصديق، وما ليس بتصديق، فليس بإيمان، ويزعم أن التصديق: يكون بالقلب، وباللسان جميعا).اهـ
قلت: فعند شيخ الإسلام ابن تيمية / تعريف: «المرجئة الخامسة»؛ أن الإيمان: هو مجرد التصديق. ([478])
قلت: فهذا خداع فاضح، ومكر واضح، لدفع ما وقعت فيه «المرجئة العصرية» من إدانات وإلزامات بدعية خطيرة.
وقال الإمام محمد بن نصر المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص392): (وقد وهمت في تفسيره؛ يعني: «الإيمان»، فتأولوه على غير تأويله، قلة معرفة منهم: بلسان العرب، وغور كلام النبي r).اهـ
قلت: و«عبيد الجابري» هذا أخذ ألفاظ السلف، وخلطها بعقيدة: «المرجئة»، فجاء بالعجائب، والمتناقضات، بل كذب على عقيدة السلف في الإيمان، وذلك ليس: لـ«عبيد الجابري»؛ أي: إمام في شرحه: «للإيمان»، فوقع في الباطل، ولابد. ([479])
فعن الإمام الشافعي / قال: (كل من تكلم بكلام في الدين، أو في شيء من هذه الأهواء، ليس فيه إمام متقدم من النبي r، وأصحابه، فقد أحدث في الإسلام حدثا).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «مناقب الشافعي» (ج2 ص335) من طريق سهل بن نعيم قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
* فمن أحدث حدثا في الإسلام، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله تعالى منه صرفا، ولا عدلا، نعوذ بالله من الخذلان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص544): (والمرجئة: أخرجوا العمل الظاهر عن الإيمان، فمن قصد منهم: إخراج أعمال القلوب أيضا، وجعلها: هي التصديق، فهذا ضلال بين، ومن قصد إخراج العمل الظاهر، قيل لهم: العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه، وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص71): (وكل قول: يتفرد به المتأخر، ولم يسبقه إليه أحد منهم: فإنه يكون خطأ، كما قال الإمام أحمد: إياك أن تقول في مسألة ليس لك فيها إمام) ([480]).اهـ
عن معقل بن عبيد الله العبسي، قال: (حججت، فدخلت على: «عطاء بن أبي رباح» في نفر من أصحابي، فإذا هو يقرأ: سورة يوسف، قال: فسمعته يقول؛ هذا الحرف: ]حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا[ [يوسف: 110]، مخففة؛ قال: قلت له: إن لنا إليك حاجة، فأخلنا، ففعل، فأخبرته: أن قوما قبلنا قد أحدثوا، وتكلموا، وقالوا: إن الصلاة، والزكاة ليستا من الدين، فقال عطاء: أوليس الله تعالى يقول: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة[ [البينة: 5]؛ فالصلاة، والزكاة من الدين).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص382)، والخلال في «السنة» (ج5 ص30) من طريق أحمد بن حنبل قال: ثنا خالد بن حيان الكندي قال: ثنا معقل بن عبيد الله العبسي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الإمام محمد بن أسلم الطوسي([481]) / في «الإيمان» (ج9 ص247 و248-الحلية): (فالمرجئة، والجهمية، قياسهما: قياس واحد: فإن: «الجهمية» زعمت: أن الإيمان المعرفة، فحسب، بلا إقرار ولا عمل، و«المرجئة» زعمت: أنه قول بلا تصديق قلب، ولا عمل؛ فكلاهما: «شيعة: إبليس»، وعلى زعمهم: «إبليس مؤمن»؛ لأنه عرف ربه سبحانه، ووحده، حين قال: ]فبعزتك لأغوينهم أجمعين[ [ص: 82]، وحين قال: ]إني أخاف الله رب العالمين[ [المائدة: 28]، وحين قال ]رب بما أغويتني[ [الحجر: 39]؛ فأي: قوم أبين ضلالة، وأظهر جهلا، وأعظم بدعة، من قوم يزعمون: أن إبليس مؤمن!، فضلوا عن جهة قياسهم، يقيسون على الله تعالى دينه، والله تعالى لا يقاس عليه دينه، فما عبدت الأوثان، والأصنام؛ إلا بالقايسين؛ فاحذروا: يا أمة محمد r القياس على الله في دينه، واتبعوا، ولا تبتدعوا، فإن دين الله تعالى: استنان، واقتداء، واتباع، لا قياس، وابتداع).اهـ
وقال الإمام الطبري / في «معالم الدين» (ص190): (المعنى: الذي يستحق به؛ اسم: مؤمن بالإطلاق: هو الجامع لمعاني الإيمان، وذلك أداء جميع فرائض الله تعالى ذكره: من معرفة، وإقرار، وعمل).اهـ
وقال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص649): (الإيمان: هو التصديق: غير أن التصديق، معنيان: أحدهما؛ قول، والآخر: عمل).اهـ
وقال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص649): (فكذلك: القول في الإيمان: إنما هو: اسم للتصديق، الذي معناه: ما ذكرنا، من الإقرار، والعمل).اهـ
* فالإيمان: هو الأساس، والقاعدة التي تبنى عليها الأعمال؛ فلا عمل؛ إلا بالنية، ولا عمل؛ إلا بالإيمان، ولأن أعظم ما جاء به الوحي، هو الإيمان بالله تعالى، ورسوله r.
* والإيمان: أصله، التصديق، والاعتراف، والإقرار بالقلب، ثم تتبعه أعمال القلوب، وأعمال الجوارح.
* فإن الذي قرره أئمة الحديث: أن الإيمان قول وعمل.
1) قول القلب: وهو التصديق، والإقرار، والاعتراف.
2) وقول اللسان: وهو الذكر، وتلاوة القرآن، وغير ذلك.
3) وعمل القلب: كالنية، والإخلاص، والمحبة، والصدق، والتوكل، والرهبة، والرغبة، وغير ذلك.
4) وعمل الجوارح: كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وغير ذلك.
وقال الإمام محمد بن أسلم الطوسي /
وقال الإمام محمد بن أسلم الطوسي / في «الإيمان» (ج9 ص246-الحلية): (ترون أنه قد بين أن إيمانه يعرف بالعمل، لا بالقول، وقد بين أن الإيمان الذي في القلب ينفعه إذا عمل بعمل الإيمان؛ فإذا عمل بعمل الإيمان تتبين علامة إيمانه أنه مؤمن).اهـ
قلت: فلا يتحقق الإيمان: إلا بالأقوال، والأعمال، كما دلت على ذلك النصوص: من الكتاب، والسنة، والآثار. ([482])
وعن الإمام أبي ثور / قال: (لم يكن مؤمنا؛ إلا بما اجتمعوا عليه من هذه الثلاثة الأشياء؛ وذلك أنه إذا جاء بالثلاثة أشياء، فكلهم يشهد؛ أنه مؤمن، فقلنا بما اجتمعوا عليه من: التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، وعمل بالجوارح).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1370) من طريق أحمد بن جعفر قال: حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص388)؛ معلقا على أثر أبي ثور: (يعني: الإمام أبو ثور /، أنه لا يكون مؤمنا؛ إلا إذا التزم بالعمل، مع الإقرار، وإلا فلو أقر، ولم يلتزم العمل لم يكن مؤمنا.
* وهذا الاحتجاج الذي ذكره: أبو ثور، هو دليل على وجوب الأمرين، «الإقرار والعمل»، وهو يدل على أن؛ كلا: منهما من الدين، وأنه لا يكون مطيعا لله تعالى، ولا مستحقا للثواب، ولا ممدوحا، عند الله تعالى، ورسوله r، إلا بالأمرين جميعا).اهـ
وعن الإمام الحسن البصري / قال: (إن الإيمان ليس بالتحلي، ولا بالتمني، إنما الإيمان ما وقر في القلب، وصدقه العمل).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «الإيمان» (93)، وفي «المصنف» (ج11 ص22)، و(ج13 ص504)، وعبد الله بن أحمد في «زوائد الزهد» (1488)، وابن المبارك في «الزهد» (1565)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1093)، و(1094)، والخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (56)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (363) من طرق عن الحسن البصري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «الإيمان الكبير» (ص555).
وقوله: (ليس الإيمان بالتمني)؛ يعني: بالكلام.
وقوله: (بالتحلي)؛ يعني: أن يصير حلية ظاهرة له، فيظهره من غير حقيقة من قلبه.
ومعناه: ليس هو ما يظهر من القول، ولا من الحلية الظاهرة.
* ولكن ما وقر في القلب، وصدقته الأعمال، فالعمل يصدق: أن في القلب إيمانا، وإذا لم يكن عمل، كذب أن في قلبه إيمانا، لأن ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم. ([483])
* وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج8 ص229)؛ أن جهما، جعل الإيمان مجرد معرفة القلب، كما سبق.
* وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا في «الإيمان الكبير» (ص430)؛ أن المرجئة، تقول: أن الصلاة، والزكاة ([484]): ليستا من الإيمان.
قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج3 ص351): (الإيمان بالله: هو مجموع هذه الخصال، من القول والعمل، كما على ذلك أصحاب رسول الله r، والتابعون، وتابعوهم كلهم).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص54): (وها هنا أصل آخر: وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل.
* والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد.
وقول اللسان، وهوالتكلم بكلمة الإسلام.
* والعمل قسمان:
1) عمل القلب، وهو نيته وإخلاصه.
2) وعمل الجوارح).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص660): (ولهذا فسر النبي r: «الإيمان»: في حديث: «وفد عبد القيس»، «بالشهادتين»، و«الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصوم»).اهـ
وعن الإمام أبي ثور / قال: (فلما لم يكن بالإقرار إذا لم يكن معه التصديق مؤمنا، ولا بالتصديق إذا لم يكن معه الإقرار مؤمنا، حتى يكون مصدقا بقلبه، مقرا بلسانه، فإذا كان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، كان عندهم مؤمنا، وعند بعضهم لا يكون، حتى يكون مع التصديق عمل، فيكون بهذه الأشياء إذا اجتمعت مؤمنا).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1370) من طريق أحمد بن جعفر قال: حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص349) عن أهل الأهواء: (بل ينصرون ما يظهر من أقوالهم بما تلقوه عن المتكلمين، من: «الجهمية»، ونحوهم من أهل البدع، فيبقى الظاهر قول السلف، والباطن قول: «الجهمية» الذين هم أفسد الناس مقالة في الإيمان).اهـ
قلت: فيظن من لا يعرف حقيقة الإيمان، مثل: «عبيد الجابري» أن هذا هو مذهب السلف الصالح الذي دل عليه الكتاب والسنة، وهو خلاف ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص366): (فالمتأخرون الذين نصروا قول: «جهم» في مسألة الإيمان، يظهرون قول السلف في هذا([485])، وفي الاستثناء، وفي انتفاء الإيمان الذي في القلب، حيث نفاه القرآن ونحو ذلك، وذلك كله موافق للسلف في مجرد اللفظ، وإلا فقولهم في غاية المباينة: لقول السلف؛ ليس في الأقوال أبعد عن السلف منه).اهـ
قلت: فمن لم يكن متبعا سبيل السلف الصالح، كان متبعا غير سبيلهم، ولا بد.
وهذا يدل على أن سبيلهم من الواجبات، فليس لأحد أن يخرج عما أجمعوا عليه، في مسائل الإيمان، وغيرها. ([486])
وعن الإمام أبي ثور / قال: (فأما الطائفة التي زعمت: أن العمل ليس من الإيمان؛ فيقال لهم: ما أراد الله تعالى من العباد؛ إذ قال لهم: ]أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة[ [البقرة: 43]؛ إلا إقرارا بذلك، أو الإقرار والعمل؟، فإن قالت: إن الله أراد الإقرار، ولم يرد العمل، فقد كفرت عند أهل العلم، من قال: إن الله لم يرد من العباد: أن يصلوا، ولا يؤتوا الزكاة، فإن قالت: أراد منهم الإقرار والعمل، قيل: فإذا كان أراد منهم الأمرين جميعا، لم زعمتم أنه يكون مؤمنا بأحدهما: دون الآخر، وقد أرادهما جميعا).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1370) من طريق أحمد بن جعفر، وأحمد بن حمدان، كلاهما: عن إدريس بن عبد الكريم المقرئ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن الإمام الأوزاعي / قال: (الإيمان اسم يجمع، كما يجمع هذه اسم الأديان؛ وتصديقه: العمل، فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدق ذلك بعمله، فذلك العروة الوثقى، التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه، ولم يعرف بقلبه، ولم يصدق بعمله، لم يقبل منه، وكان في الآخرة من الخاسرين).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1371)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1097)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص255)، والخلال في «السنة» (1025) من طريق معاوية بن عمرو قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فالله تعالى أراد بالأمرين جميعا، وهما: الإقرار بجميع ما أمر الله تعالى به، والعمل بذلك([487]).([488])
فعن الإمام عبد الله بن عبيد بن عمير / قال: (الإيمان بالله تعالى مع العمل، والعمل مع الإيمان، ولا يصلح هذا، إلا مع هذا، حتى يقدمان على الخير؛ إن شاء الله).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي الدنيا في «محاسبة النفس» (86)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1361)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (68)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص354) من طريق هارون بن إبراهيم البربري قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فالإيمان والعمل: قرينان، لا يصلح كل واحد منهما، إلا مع صاحبه. ([489])
* وليس بين أهل العلم خلاف في عبد قال: أشهد أن الله تعالى واحد، وأن ما جاءت به الرسل حق، وأقر بجميع الشرائع، ثم قال: ما عقد قلبي على شيء من هذا، ولا أصدق به، أنه ليس بمسلم. ([490])
فعن الإمام زيد بن أسلم / قال: (لا بد لهذا الدين من أربع: دخول في دعوة المسلمين، ولا بد من الإيمان، وتصديق بالله، وبالمرسلين، أولهم وآخرهم، والجنة والنار، والبعث بعد الموت، ولا بد من أن تعمل عملا صالحا، تصدق به إيمانك).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (31085)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1364)، وابن العديم في «تاريخ حلب» (ج9 ص3991) من طريق الفضل بن دكين أبي نعيم قال: حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن أبي يحيى الأعرج قال: قلت؛ لحذيفة بن اليمان t: ما النفاق؟ قال: (الذي يتكلم بالإسلام، ولا يعمل به).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص642-مسند ابن عباس)، وأحمد في «الإيمان» (478)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (783)، و(801)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص382) من طريق المؤمل بن إسماعيل، ويحيى بن عيسى، ووكيع، عن سفيان الثوري، والأعمش؛ كلاهما: عن ثابت بن أبي المقدام عن أبي يحيى الأعرج به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص643): (فمعنى: النفاق؛ إنما هو إظهار المرء بلسانه قولا، ما هو مستبطن خلافه).اهـ
وقال عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص636)؛ وجدت في كتاب: أبي /، قال: أخبرت، أن الفضيل بن عياض قال: (ويقول أهل السنة: إن الله عز وجل قرن العمل بالإيمان، وأن فرائض الله عز وجل من الإيمان، قالوا: ]والذين آمنوا وعملوا الصالحات[ [محمد: 2]؛ فهذا موصول: العمل بالإيمان).
قلت: وهذه الآثار شديدة على: «المرجئة العصرية»، وحجة عليهم.
قال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص643): (كان الإيمان: عندنا، قولا باللسان؛ بما يحقن به المرء دمه، وعملا بالجوارح، بما يستوجب بالعمل به، حقيقة اسم الإيمان). اهـ
وقال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص666): (فإن كان الإيمان: كما قلت؛ بالإطلاق، إنما هو: المعرفة بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، واجتناب الكبائر، وترك الإصرار على الصغائر). اهـ
وقال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص685): (اسم الإيمان المطلق، إنما هو: للمعرفة بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، دون بعض ذلك). اهـ
* وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز /: من شهد أن لا إله إلا الله، واعتقد بقلبه، ولكن ترك جميع العمل، هل يكون مسلما؟.
فأجاب فضيلته: (لا، ما يكون مسلما حتى يوحد الله بعمله، يوحد الله بخوفه ورجائه، ومحبته، والصلاة، ويؤمن أن الله أوجب كذا وحرم كذا. ولا يتصور... ما يتصور أن الإنسان المسلم يؤمن بالله يترك جميع الأعمال، هذا التقدير لا أساس له. لا يمكن يتصور أن يقع من أحد... نعم لأن الإيمان يحفزه إلى العمل الإيمان الصادق... نعم).([491]) اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: عن العمل: (لا، هو جزء، ما هو بشرط، هو جزء من الإيمان، الإيمان قول وعمل وعقيدة؛ أي: تصديق، والإيمان يتكون من القول والعمل والتصديق؛ عند أهل السنة والجماعة).([492]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص384): (وهكذا: أهل البدع، لا تجد أحدا، ترك بعض السنة، التي يجب التصديق بها، والعمل؛ إلا وقع في بدعة، ولا تجد صاحب بدعة، إلا ترك شيئا من السنة). اهـ
قلت: فما ابتدع أناس من البدع، إلا تركوا من السنن مثلها، ثم بعد ذلك تقع بينهم العداوة والبغضاء.
قال تعالى: ]فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء[ [المائدة: 14].
قلت: ويلزم من قول: «عبيد الجابري» أن الإيمان: هو التصديق، فيلزم أن يكون العبد مسلما، ولو لم يتكلم بالشهادتين، ولا أتى بشيء من الأعمال الصالحة!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص365): (ثم قولكم: كل مؤمن مسلم، إن كنتم تريدون بالإيمان: تصديق القلب فقط.
* فيلزم أن يكون الرجل مسلما، ولو لم يتكلم بالشهادتين، ولا أتى بشيء من الأعمال المأمور بها، وهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة من دين الإسلام).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص402): (فإن الإيمان: أصله الإيمان الذي في القلب، ولا بد فيه من شيئين:
1) تصديق بالقلب.
2) وإقراره ومعرفته.
* ويقال لهذا: قول القلب، فلا بد فيه من قول القلب وعمله، ثم قول البدن وعمله.
* ولا بد فيه من عمل القلب، مثل: حب الله تعالى، ورسوله r، وخشية الله تعالى، وحب ما يحبه الله تعالى، ورسوله r، وبغض ما يبغضه الله تعالى، ورسوله r، وإخلاص العمل لله تعالى وحده، وتوكل القلب على الله تعالى وحده، وغير ذلك من أعمال القلوب، التي أوجبها الله تعالى، ورسوله r، وجعلها من الإيمان).اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص405): (ومن هنا يظهر خطأ قول: «جهم بن صفوان»، ومن اتبعه، حيث ظنوا: أن الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه، لم يجعلوا أعمال القلب من الإيمان).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص407)؛ عن ظن المرجئة: (ظنهم: أن الإيمان مجرد تصديق، وعلم فقط، ليس معه عمل، وحال، وحركة، وإرادة، ومحبة، وخشية في القلب، وهذا من أعظم غلط: «المرجئة» مطلقا).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص408): (ظنهم: أن كل من حكم الشارع، بانه كافر مخلد في النار، فإنما ذلك لأنه لم يكن في قلبه شيء من العلم، والتصديق، وهذا أمر خالفوا به الحس، والعقل، والشرع).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص406)؛ عن قول: «الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه»: (وهذا القول: مع أنه أفسد قول، قيل في «الإيمان»، فقد ذهب إليه كثير من: «أهل الكلام المرجئة».
وقد كفر السلف، كـ«وكيع بن الجراح»، و«أحمد بن حنبل»، و«أبي عبيد»، وغيرهم، من يقول بهذا القول).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص424): (من غلط: «المرجئة» ظنهم أن ما في القلب، من الإيمان، ليس إلا التصديق فقط، دون أعمال القلوب؛ كما تقدم: «جهمية المرجئية»).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ص292): (إن لفظ؛ الإيمان في اللغة: لم يقابل بالتكذيب؛ كلفظ التصديق؛ فإنه من المعلوم في اللغة: أن كل مخبر، يقال له: صدقت، أو كذبت، ويقال: صدقناه أو كذبناه، ولا يقال: لكل مخبر: آمنا له، أو كذبناه.
ولا يقال: أنت مؤمن له، أو مكذب له؛ بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال: هو مؤمن، أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب).اهـ
قلت: وقد بين شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص229)؛ خطأ عدد من أهل العلم([493])، الذين قالوا: أن الإيمان في اللغة: هو التصديق.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص229): (ثم إن كلمة: «صدقت» لا تعطي معنى: كلمة «آمنت»، فإن: «آمنت» تدل على طمأنينة بخبره: أكثر من: «صدقت».
ولهذا؛ لو فسر: «الإيمان»، بـ«الإقرار»، لكان أجود؛ فنقول: الإيمان: الإقرار، ولا إقرار؛ إلا بتصديق، فنقول: أقر به، كما نقول: آمن به، وأقر لهن كما تقول: آمن له).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص54): (فأهل السنة: مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده؛ كما لم ينفع إبليس؛ وفرعون وقومه، واليهود، والمشركين: الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول r؛ بل ويقرون به سرا وجهرا، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه، ولا نؤمن به).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص54): (فإن الإيمان ليس مجرد التصديق؛ وإنما هو: التصديق المستلزم للطاعة والانقياد.
وهكذا الهدى: ليس هو مجرد معرفة الحق وتبينه، بل هو: معرفته المستلزمة لاتباعه، والعمل بموجبه).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص54): (كما أن اعتقاد التصديق؛ وإن سمي تصديقا؛ فليس هو التصديق المستلزم للإيمان، فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته).اهـ
قلت: ولذلك نقول: لـ«عبيد الجابري»، فلا تنقل؛ أي: شيء في اللغة، بمثل: ما نقله: مثلا «الأصمعي»، أو: «الخليل»، أو من قلدهما في اللغة، فإن هؤلاء ممكن يخطئون أحيانا في اللغة، ويجتهدون حتى في نقل اللغة ما قبل الإسلام.
* بل ينقلون ما سمعوه من العرب في زمانهم، وما سمعوه في دواوين الشعر، وغير ذلك بغير إسناد، وهذا النقل معرض للخطأ بلا شك، وللاجتهاد.
ولذلك ما نقله عدد من أهل اللغة، أن الإيمان هو: التصديق، ليس بالصحيح. ([494])
قلت: ولم يعرف عن أهل اللغة جميعهم أنهم قالوا: أن الإيمان في اللغة: هو التصديق.
* فأين الإجماع على أن الإيمان: هو التصديق، بإجماع أهل اللغة قاطبة، بعد نزول القرآن، سيقولون يدل على ذلك، قوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف: 17]؛ أي: بمصدق لنا. ([495])
فيقال لهم: من نقل هذا الإجماع، ومن أين يعلم هذا الإجماع، وفي أي: كتاب ذكر هذا الإجماع من كتب السلف، أن الإيمان: هو التصديق، قبل نزول القرآن، وبعد نزول القرآن. ([496])
* لم يكن ذلك أبلغ من نقل الصحابة y، كافة للقرآنعن النبي r.
فالصحابة y فيما نقلوه عن العرب أولى.
قلت: ونحن لا حاجة لنا مع بيان الرسول r لما بعثه الله تعالى به من القرآن.
ولما فهمه الصحابة y لفظ القرآن، ومعناه صحيح.
قلت: فحصر «عبيد الجابري» الإيمان في: «التصديق»، يلزمه لوازم في غاية الفساد.
فإما أن يقول بها، فيتبين بطلان ما هو عليه من الباطل.
وإما أن يتكبر، فيعارض ويخالف مقولته، فيخرب علمه بيده.
ومن هذه اللوازم: الحكم بإسلام «إبليس»، و«فرعون»، و«أبي طالب»، و«اليهود»، وغيرهم، من الذين أظهروا: «التصديق» ولم يصدر عنهم هذا التكذيب. ([497])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص307): (والتصديق من الإيمان، ولا بد أن يكون مع التصديق شيء من حب الله تعالى، وخشية الله تعالى، وإلا فالتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك ليس إيمانا البتة، بل هو كتصديق: «فرعون»، و«اليهود»، و«إبليس»، وهذا هو الذي أنكره السلف على: «الجهمية»). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ج3 ص969): (ألا ترى أن نفرا من اليهود: جاؤوا إلى النبي r، وسألوه عن أشياء، فأخبرهم، فقالوا: نشهد أنك نبي، ولم يتبعوه، وكذلك: «هرقل»([498])، وغيره، فلم ينفعهم: هذا العلم، وهذا التصديق).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص332): (والقلب عليه: واجبان، لا يصير مؤمنا؛ إلا بهما جميعا: واجب المعرفة والعلم، وواجب الحب؛ والانقياد، والاستسلام فكما لا يكون مؤمنا إذا لم يات: بواجب العلم، والاعتقاد، لا يكون مؤمنا، إذا لم يأت بواجب الحب، والانقياد، والاستسلام، بل إذا ترك هذا الواجب مع علمه ومعرفته به، كان أعظم كفرا، وأبعد عن الإيمان).اهـ
* فمذهب: «المرجئة» أن الإيمان عقد في القلب فقط، ولا يدخلون العمل في مسماه، ويرون أن مجرد التصديق هو الإيمان!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص326): (فإن قيل: هذا يقدح في العلم باللغة قبل نزول القرآن، قيل: فليكن؛ ونحن لا حاجة بنا مع بيان الرسول r لما بعثه الله تعالى به من القرآن؛ أن نعرف اللغة: قبل نزول القرآن، والقرآن نزل بلغة قريش، والذين خوطبوا به كانوا عربا، وقد فهموا ما أريد به: وهم الصحابة y، ثم الصحابة بلغوا لفظ القرآن، ومعناه: إلى التابعين حتى انتهى إلينا، فلم يبق بنا حاجة إلى أن تتواتر عندنا تلك اللغة من غير طريق تواتر القرآن، لكن لما تواتر القرآن لفظا ومعنى، وعرفنا أنه نزل بلغتهم؛ عرفنا أنه كان في لغتهم لفظ السماء والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر، ونحو ذلك على ما هو معناها في القرآن، وإلا فلو كلفنا نقلا متواترا لآحاد هذه الألفاظ من غير القرآن؛ لتعذر علينا ذلك في جميع الألفاظ، لا سيما إذا كان المطلوب: أن جميع العرب كانت تريد باللفظ هذا المعنى، فإن هذا يتعذر العلم به، والعلم بمعاني القرآن ليس موقوفا على شيء من ذلك؛ بل الصحابة y بلغوا معاني القرآن، كما بلغوا لفظه، ولو قدرنا أن قوما سمعوا كلاما أعجميا، وترجموه لنا بلغتهم؛ لم نحتج إلى معرفة اللغة التي خوطبوا بها أولا). اهـ
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن /: (ومجرد الإتيان بلفظ الشهادة، من غير علم بمعناها، ولا عمل بمقتضاها: لا يكون به المكلف مسلما).([499])([500]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص644) عن الإيمان: (إذا ذهب نقص عن الأكمل، ومنه إذا ذهب: ذهب عن الكمال، ومنه ما إذا ذهب: ذهب الإيمان بالكلية، وهو القول والاعتقاد). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «كشف الشبهات» (ص126): (لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شي من هذا لم يكن الرجل مسلما. فإن عرف التوحيد ولم يعمل به، فهو كافر معاند؛ كـ«فرعون»، و«إبليس»، وأمثالهما). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ص86): (فإذا خلا العبد: عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا... فإن حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد، وذلك إنما يتم بالفعل، لا بالقول فقط؛ فمن لم يفعل لله تعالى شيئا فما دان لله دينا، ومن لا دين له فهو كافر). اهـ
وقال الحافظ أبو عبيد / في «الإيمان» (ص65): (فلم يجعل الله تعالى للإيمان حقيقة إلا بالعمل على هذه الشروط، والذي يزعم أنه بالقول خاصة يجعله مؤمنا حقا، وإن لم يكن هناك عمل، فهو معاند لكتاب الله والسنة). اهـ
* وسئل العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: شهادة أن لا إله إلا الله هي مفتاح دين الإسلام، وأصله الأصيل؛ فهل من نطق بها فقط؛ دخل في دائرة المسلمين؛ دون عمل يذكر؟ وهل الأديان السماوية - غير دين الإسلام الذي جاء به محمد r: جاءت بنفس هذا الأصل الأصيل؟.
فأجاب فضيلته: (من نطق بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله؛ حكم بإسلامه بادي ذي بدء، وحقن دمه:
فإن عمل بمقتضاها ظاهرا وباطنا؛ فهذا مسلم حقا، له البشرى في الحياة الدنيا والآخرة.
* وإن عمل بمقتضاها ظاهرا فقط؛ حكم بإسلامه في الظاهر، وعومل معاملة المسلمين، وفي الباطن هو منافق، يتولى الله حسابه.
وأما إذا لم يعمل بمقتضى: «لا إله إلا الله»، واكتفى بمجرد النطق بها، أو عمل بخلافها؛ فإنه يحكم بردته، ويعامل معاملة المرتدين.
* وإن عمل بمقتضاها في شيء دون شيء؛ فإنه ينظر: فإن كان هذا الذي تركه يقتضي تركه الردة؛ فإنه يحكم بردته، كمن ترك الصلاة متعمدا، أو صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله. وإن كان هذا الذي تركه لا يقتضي الردة؛ فإنه يعتبر مؤمنا ناقص الإيمان بحسب ما تركه؛ كأصحاب الذنوب التي هي دون الشرك.
وهذا الحكم التفصيلي جاءت به جميع الشرائع السماوية).([501]) اهـ
وقال عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص634)؛ وجدت في كتاب: أبي /، قال: أخبرت، أن الفضيل بن عياض قال: (والله لا تكون مؤمنا؛ حقا، مستكمل الإيمان؛ حتى تؤدي ما افترض الله عز وجل عليك، وتجتنب ما حرم الله عليك، وترضى بما قسم الله لك، ثم تخاف مع هذا: أن لا يقبل الله عز وجل منك.
* ووصف فضيل الإيمان بأنه: قول وعمل، وقرأ: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة[ [البينة: 5]؛ فقد سمى الله عز وجل: دينا قيمة: بالقول، والعمل؛ فالقول: الإقرار بالتوحيد، والشهادة للنبي r بالبلاغ.
والعمل: أداء الفرائض واجتناب المحارم، فالدين: التصديق بالعمل) ([502]).
وعن إبراهيم بن الأشعث البخاري قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: (أهل الإرجاء يقولون: الإيمان؛ قول لا عمل، وتقول الجهمية: الإيمان المعرفة، بلا قول، ولا عمل، ويقول أهل السنة: الإيمان: المعرفة، والقول، والعمل).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص660-مسند ابن عباس)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (627)، و(785) من طريق محمد بن علي بن الحسن المروزي قال: سمعت إبراهيم بن الأشعث يقول: سمعت الفضيل بن عياض به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الإمام ابن القيم / في «عدة الصابرين» (ص206): (الايمان: قول وعمل، والقول: قول القلب واللسان، والعمل: عمل القلب والجوارح.
* وبيان ذلك: أن من عرف الله بقلبه، ولم يقر بلسانه لم يكن مؤمنا، كما قال تعالى: عن قوم فرعون: ]وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم[ [النمل: 14]، وكما قال تعالى: عن قوم عاد، وقوم صالح: ]وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين[ [العنكبوت: 38]، وقال موسى لفرعون: ]لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر[ [الإسراء: 102].
* فهؤلاء: حصل لهم قول القلب: وهو المعرفة والعلم، ولم يكونوا بذلك مؤمنين، وكذلك: من قال بلسانه ما ليس في قلبه لم يكن بذلك مؤمنا، بل كان من المنافقين، وكذلك: من عرف بقلبه، وأقر بلسانه، لم يكن بمجرد ذلك مؤمنا، حتى يأتى بعمل القلب من الحب والبغض، والموالاة والمعاداة، فيحب الله تعالى، ورسوله r، ويوالى أولياء الله تعالى، ويعادى أعداءه، ويستسلم بقلبه لله وحده، وينقاد لمتابعة رسوله r وطاعته، والتزام شريعته ظاهرا وباطنا.
* وإذا فعل ذلك لم يكف في كمال إيمانه، حتى يفعل ما أمر به، فهذه الأركان الأربعة: هي أركان الإيمان، التي قام عليها بناؤه، وهي ترجع إلى علم وعمل).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرد على الشاذلي» (ص208): (مذهب الصحابة y، وجماهير السلف من التابعين، لهم بإحسان، وعلماء المسلمين: أن الإيمان قول، وعمل؛ أي: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتح المجيد» (ص348): (فلا ينفع القول، والتصديق، بدون العمل، فلا يصدق الإيمان الشرعي، على الإنسان؛ إلا باجتماع الثلاثة: التصديق بالقلب وعمله، والقول باللسان، والعمل بالأركان: وهذا قول: أهل السنة والجماعة، سلفا وخلفا). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن قاسم / في «حاشية الدرة المضية» (ص71): (إيماننا معشر السلف: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، فإن من لم يقر بلسانه مع القدرة، فليس بمؤمن، ومن أقر بلسانه، ولم يعتقد بقلبه، فهو منافق، وليس بمؤمن، ومن لم يعمل بالقلب والجوارح، فليس بمؤمن، فمذهب السلف: أن الإيمان قول اللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان). اهـ
قلت: فـ«مرجئة الزمان»، جمعوا بين المتناقضات جهلا؛ منهم: بحقيقة قول السلف الأوائل في الإيمان، فوافقوا السلف في الظاهر، فقالوا: الإيمان: قول وعمل، ثم نقضوا قولهم، فوافقوا: «المرجئة» في حقيقة قولهم([503])، فقالوا: الإيمان هو التصديق، والعمل شرط كمال في الإيمان، فصححوا: إيمان العبد بدونه، فرجعوا إلى حقيقة قول: «المرجئة» في مسائل الإيمان.
قال العلامة الشيخ ابن باز /؛ جوابا لمن سأله عن قول ابن حجر: إن السلف اعتبروا العمل شرط كمال في الإيمان؟.
فقال: (لا، هو جزء، ما هو بشرط، هو جزء من الإيمان، الإيمان: قول وعمل، وعقيدة؛ أي: تصديق.
ثم سئل: هناك من يقول: بأنه داخل في الإيمان، لكنه شرط كمال؟.
فقال: لا، لا، ما هو بشرط كمال، جزء، جزء من الإيمان، هذا قول: «المرجئة»، المرجئة: يرون الإيمان: قول، وتصديق فقط) ([504]).اهـ
* لذلك: فمن لم يكن في قلبه التصديق، والإقرار، والخوف، والرجاء، لم يسموه مؤمنا([505])، ولا يسمون إبليس مؤمنا بالله، وإن كان مصدقا بوجوده وربوبيته، ولا يسمون فرعون مؤمنا، وإن كان عالما بأن الله تعالى بعث موسى عليه السلام، ولا يسمون اليهود مؤمنين بالقرآن، والرسول r، وكانوا يعرفون أنه حق، كما يعرفون أبناءهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص328): (وقوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف: 17]، قد تكلمنا عليها في غير هذا الموضع، فإن هذا استدلال بالقرآن، وليس في الآية ما يدل على أن المصدق مرادف للمؤمن، فإن صحة هذا المعنى بأحد اللفظين لا يدل على أنه مرادف للآخر). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص329): (أنه لو فرض: أن الإيمان في اللغة: التصديق؛ فمعلوم أن الإيمان ليس هو التصديق بكل شيء، بل بشيء مخصوص، وهو ما أخبر به الرسول r، وحينئذ، فيكون الإيمان في كلام الشارع أخص من الإيمان في اللغة.
* ومعلوم أن الخاص ينضم إليه قيود لا توجد في جميع العام، كالحيوان إذا أخذ بعض أنواعه، وهو الإنسان كان فيه المعنى العام، ومعنى اختص به، وذلك المجموع ليس هو المعنى العام.
فالتصديق الذي هو الإيمان؛ أدنى أحواله أن يكون نوعا من التصديق العام، فلا يكون مطابقا له في العموم، والخصوص من غير تغيير اللسان، ولا قلبه؛ بل يكون الإيمان في كلام الشارع مؤلفا من العام والخاص كالإنسان الموصوف بأنه حيوان وأنه ناطق).اهـ
قلت: ولم يصب من قال أن العرب لا يعرفون اللغة، إيمانا غير التصديق، ومن أين له هذا النفي الذي لا تمكن الإحاطة به، بل هو قول بلا علم. ([506])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص314): (ولا بد في تفسير القرآن والحديث: من أن يعرف ما يدل على مراد الله تعالى، ورسوله r من الألفاظ، وكيف يفهم كلامه، فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله تعالى، ورسوله r بكلامه.
* وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني؛ فإن عامة ضلال، أهل البدع: كان بهذا السبب؛ فإنهم صاروا يحملون كلام الله تعالى، ورسوله r على ما يدعون أنه دال عليه، ولا يكون الأمر كذلك، ويجعلون هذه الدلالة حقيقة، وهذه مجازا.
* كما أخطأ: «المرجئة» في اسم: «الإيمان»، جعلوا لفظ: «الإيمان» حقيقة في مجرد التصديق، وتناوله للأعمال مجازا).اهـ
قلت: وقول: «المرجئة العصرية»، أن الإيمان: هو التصديق، فهذا لا ينفعهم، بل هو عليهم، لا لهم، لأن الحقيقة: هي اللفظ الذي يدل بإطلاق قرينة.
وقد تبين أن لفظ الإيمان، حيث أطلق في الكتاب والسنة، دخلت فيه الأعمال، إنما يدعي خروجها منه: «المرجئة العصرية».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص315): (ولو قدر أنه أريد بلفظ: «الإيمان»، مجرد: «التصديق»؛ فلم يقع ذلك، إلا مع قرينة... وأيضا، فليس لفظ: «الإيمان» في دلالته على الأعمال المأمور بها بدون لفظ: «الصلاة»، و«الصيام»، و«الزكاة»، و«الحج»؛ في دلالته على: «الصلاة الشرعية»، و«الصيام الشرعي»، و«الحج الشرعي».
* سواء قيل: إن الشارع نقله، أو أراد الحكم دون الاسم، أو أراد الاسم، وتصرف فيه تصرف أهل العرف، أو خاطب بالاسم مقيدا، لا مطلقا).اهـ
قلت: ومحصل ذلك أن الحقيقة الشرعية، للإيمان ليست هي الحقيقة اللغوية، بل هي أخص منها، بسبب ما انضاف إليها من القيود.
* وهذا يدل على أن العبد لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق، فلا بد أن يعمل بموجب ذلك التصديق.
قال تعالى ]إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا[ [الحجرات: 15].
وقال تعالى ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم[ [الأنفال: 2].
قلت: فقد بين الله تعالى أن التصديق الذي لا يكون العبد مؤمنا، إلا به، هو أن يكون تصديقا على هذا الوجه، وهذا بين في القرآن والسنة، من تغيير اللغة، ولا نقل لها. ([507])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص330): (بل القرآن والسنة مملوءان؛ بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان، إلا بالعمل مع التصديق.
* وهذا في القرآن: أكثر بكثير من معنى: «الصلاة»، و«الزكاة»؛ فإن تلك إنما فسرتها السنة، و«الإيمان»، بين معناه: الكتاب، والسنة، وإجماع السلف).اهـ
قلت: وعلى لازم: «عبيد الجابري» بقوله: أن الإيمان: هو التصديق، الذي هو بمعنى المعرفة.
على لازم قوله هذا، أن الكفار في الآخرة: يعرفون ربهم، ويصدقون به، فإن كان مجرد التصديق، أو مجرد المعرفة: إيمانا، كانوا مؤمنين في الآخرة على الحقيقة.
قال تعالى ]كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء[ [الملك: 8-9].
قلت: ففي الدنيا كذبوا بالله تعالى، وبتنزيل القرآن ظاهرا، وأما في الآخرة، فعرفوا ذلك، ظاهرا، وباطنا، واعترفوا بذلك.
قال تعالى ]ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون[ [الأنعام: 30].
قلت: فالإيمان في الآخرة لا ينفع، وإنما الثواب على الإيمان في الدنيا.
رغم أن الكفار كانوا في الدنيا مصدقين بالرب سبحانه، ومع هذا لم ينفعهم هذا التصديق المجرد، أو المعرفة المجردة.
قال تعالى ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف: 87].
قلت: حتى فرعون كان في باطنه مصدقا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص359): (ونصوص القرآن في غير موضع تدل على أن الكفار كانوا في الدنيا مصدقين بالرب سبحانه.
حتى فرعون الذي أظهر التكذيب، كان في باطنه مصدقا، قال تعالى: ]وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا[ [النمل: 14]، وكما قال موسى لفرعون: ]قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر[ [الإسراء: 102] ومع هذا لم يكن مؤمنا).اهـ
* ولما؛ قال تعالى، عن فرعون: ]آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل[ [يونس: 90].
قال تعالى: ]آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين[ [يونس: 91]، فوصفه الله تعالى بالمعصية، ولم يصفه بعدم التصديق؛ وبعدم المعرفة، أو العلم في الباطن، كما قال تعالى: ]فعصى فرعون الرسول[ [المزمل: 16].
قلت: ومن لازم قول: «عبيد الجابري» هذا، أن: «إبليس» من المؤمنين، لأنه مصدق بالله تعالى، وعارف به، وهو يعلم أنه هو الله تعالى.
* وقد قال تعالى، عن إبليس: ]فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين [ [ص:73-74].
قلت: فلم يصفه الله تعالى؛ إلا بالإباء والاستكبار، ولم يصفه الله تعالى بعدم التصديق، والمعرفة، وبعدم العلم.
* فالشارع خاطب الصحابة y بلغة العرب، وهي: اللغة التي يعرفوها، وقد جرى عرفهم في اللغة: أن يكون في لغتهم التصديق الذي، لا بد معه العمل بموجب ذلك التصديق. ([508])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص332): (وقد تواتر أنه أراد، بـ«الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج» معانيها المعروفة.
وأراد بالإيمان ما بينه، بكتابه، وسنة رسوله، من أن العبد لا يكون مؤمنا، إلا به، كقوله تعالى: ]إنما المؤمنون إخوة[ [الأنفال:2].
وهذا متواتر في القرآن، والسنن، ومتواتر أيضا، أنه لم يكن يحكم لأحد بحكم الإيمان، إلا أن يؤدي الفرائض). اهـ
قلت: فلا يجوز إخراج لفظ الإيمان عما دل عليه الكتاب، والسنة، وإجماع السلف، إلى لفظ التصديق: بمجرد عن العمل، والإقرار. ([509])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص335): (وإذا كان الله تعالى: إنما أنزل القرآن بلغة العرب؛ فهي لا تعرف التصديق، والتكذيب، وغيرهما من الأقوال، إلا ما كان معنى ولفظا، أو لفظا، يدل على معنى.
* ولهذا لم يجعل الله تعالى أحدا مصدقا، للرسل بمجرد العلم، والتصديق الذي في قلوبهم، حتى يصدقوهم بألسنتهم).اهـ
قلت: فتبين أن: «عبيدا الجابري» يقول أن الإيمان في اللغة، هو التصديق المجرد، وقد وافق: «الجهمية»، و«الأشاعرة»، و«المرجئة».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص346): (ولا ريب: أن قول الجهمية أفسد من قولهم، من وجوه متعددة، شرعا، ولغة، وعقلا).اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص346): (وقول: «جهم» في الإيمان، قول خارج عن إجماع المسلمين قبله، بل السلف كفروا من يقول، بقول: «جهم» في الإيمان).اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص347): (قد نفى الله الإيمان عمن قال بلسانه، وقلبه، إذا لم يعمل، كما قال تعالى: ]قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم * إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون[ [الحجرات: 14-15]، فنفى الإيمان عمن سوى هؤلاء).اهـ
قلت: «فالجابري» هذا انتحل ما عند الخلف من اللي في الألفاظ، والإلحاد، والتحريف في النصوص، والخروج عن مراد السلف.
* وهذه المخالفة اقتضت مشاقة الرسول r، فمن شاق لم يتبع، ومن لم يتبع شنأ وحاد.
فالمرجئة الخامسة: أصلوا أصولا فاسدة في مسائل الإيمان، وهؤلاء لهم نصيب، وحظ، وشبه بالمبتدعة الأولى التي أصلت أصولا، وبدعت من خالفها.
* ولذلك وقع لهم من الاشتباه والاضطراب والتناقض في أقوالهم، فهم يوجبون أقوالا، ثم ينكرونها إذا رد عليهم، فهم في أمر مريج. ([510])
قلت: وحقيقة الإيمان؛ عند «الأشاعرة»، و«الماتريدية»؛ تنحصر أيضا في التصديق.
فأين نجد تعريف: «المرجئة العصرية» بأن الإيمان هو التصديق، تجده عند: «الأشاعرة»، و«الماتريدية». ([511])
قلت: فلا يظن الظان اكتفاءه؛ بمجرد إيمان: ليس معه العمل الصالح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (ج7 ص112): (أن ما يقوم بالقلب: من تصديق، وحب الله تعالى، ورسوله r، وتعظيم، لا بد أن يظهر على الجوارح، وكذلك بالعكس.
ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر، على انتفاء الملزوم الباطن). اهـ
قلت: إن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص424): (ظنهم أن الإيمان الذي في القلب، يكون تاما بدون شيء من الأعمال.
* ولهذا يجعلون الأعمال: ثمرة الإيمان ومقتضاه، بمنزلة السبب مع المسبب، ولا يجعلونها لازمة له.
والتحقيق: أن إيمان القلب التام، يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر). اهـ
قلت: والإيمان التام، هو: الصحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص553): (وبهذا تعرف أن من آمن قلبه، إيمانا جازما، امتنع أن لا يتكلم بالشهادتين مع القدرة، فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص562): (فإنه يمتنع أن يكون إيمان تام في القلب، بلا قول، ولا عمل ظاهر).اهـ
* يعني: يمتنع أن يكون إيمان صحيح في القلب، بلا قول، أي: بدون الشهادتين، وبدون عمل صالح.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص582): (فلا يتصور، مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب أن تعدم الأعمال الظاهرة الواجبة.
بل يلزم من وجود هذا كاملا، وجود هذا كاملا، كما يلزم من نقص هذا، نقص هذا.
* إذ تقدير: إيمان تام في القلب، بلا ظاهر، من قول، وعمل، كتقدير: موجب تام، بلا موجبه، وعلة تامة بلا معلولها، وهذا ممتنع).اهـ
* وسئل العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: ما الدليل على مشروعية شروط شهادة: «لا إله إلا الله»، من العلم، والانقياد، والصدق، والاخلاص، والمحبة، والقبول، واليقين، وما الحكم فيمن يقول لك (تكفي شهادة: «لا إله إلا الله»؛ بمجرد قولها دون هذه الشروط)؟.
فأجاب فضيلته: (هذا أما أنه مضلل، يريد تضليل الناس، وإما أنه جاهل يقول ما لا يعلم، فـ«لا إله إلا الله» ليست مجرد لفظ، بل لا بد لها من معنى ومقتضى، ليست مجرد لفظ يقال باللسان، والدليل على ذلك؛ قوله r: «من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله»([512])، وقوله r: «فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»([513])؛ قيدها بهذه القيود، وقول النبي r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»([514])، إلا بحق: «لا إله إلا الله»، فلم يكتف بمجرد قولهم: «لا إله إلا الله»، إذا لم يلتزموا بحقها، وهو العمل بمقتضاها، ومعرفة معناها، فليست: «لا إله إلا الله» مجرد لفظ يقال باللسان، ومن هذه الأدلة تؤخذ هذه الشروط التي ذكرها أهل العلم) ([515]).اهـ
قلت: فهل يقال بعد هذا كله أن من ترك جميع الأعمال أنه ناقص الإيمان، وأنه لا يكفر إلا بالجحود، وترك اعتقاد القلب!. ([516])
* يعني: يمتنع أن يكون إيمان صحيح في القلب، بلا قول؛ أي: بدون الشهادتين، وبدون الأعمال الصالحة الظاهرة.
وقال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ص118): (الإيمان: لا يتم لأحد، حتى يكون مصدقا بقلبه، وناطقا بلسانه، وعاملا بجوارحه).اهـ
* يعني: لا يصح الإيمان، إلا بالتصديق بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح. ([517])
الذي هو: اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج14 ص121)؛ في شرح حديث: «وإن في الجسد مضغة»: (فبين r: أن صلاح القلب، مستلزم لصلاح الجسد، فإذا كان الجسد غير صالح، دل على أن القلب غير صالح، والقلب المؤمن صالح؛ فعلم أن من يتكلم بالإيمان، ولا يعمل به، لا يكون قلبه مؤمنا).اهـ
قلت: فإذا كان الباطن صالحا، كان الظاهر كذلك، وإذا كان الباطن فاسدا كان الظاهر كذلك فاسدا بحسبه، لأن الإيمان أصله في القلب وهو:
قول القلب: من الإقرار والتصديق والعلم.
وعمل القلب: من الإذعان والانقياد والاستسلام.
* والإيمان المطلوب شرعا: هو الإيمان الظاهر والباطن، وتلازم عمل القلب، بعمل الجوارح؛ لأنه لا يصح إيمان العبد بواحد دون الأخرى.
فمن زعم وجود العمل في قلبه دون جوارحه؛ لا يثبت له اسم الإيمان؛ لأن الأعمال، والأقوال الظاهرة، من لوازم الإيمان التي لا تنفك عنه. ([518])
قال تعالى: ]لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون[ [المجادلة:22].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج14 ص121): (وأما إذا لم يظهر أثر ذلك لا بقوله، ولا بفعله قط، فإنه يدل على أنه ليس في القلب إيمان، وذلك أن الجسد تابع للقلب؛ فلا يستقر شيء في القلب، إلا ظهر موجبه، ومقتضاه على البدن ولو بوجه من الوجوه). اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج1 ص210): (أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه المحرمات، واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه.
* فإن كان قلبه سليما، ليس فيه إلا محبة الله تعالى، ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله تعالى، وخشية الوقوع فيما يكرهه؛ صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوقي الشبهات حذرا من الوقوع في المحرمات.
* وإن كان القلب فاسدا، قد استولى عليه اتباع هواه، وطلب ما يحبه، ولو كرهه الله تعالى، فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب).اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج1 ص210): (فإن أعمال الجوارح لا تستقيم، إلا باستقامة القلب، ومعنى استقامة القلب: أن يكون ممتلئا من محبة الله تعالى، ومحبة طاعته، وكراهة معصيته... وحركات الجسد تابعة لحركة القلب وإرادته.
* فإن كانت حركته، وإرادته لله تعالى وحده، فقد صلح، وصلحت حركات الجسد كله، وإن كانت حركة القلب، وإراداته لغير الله تعالى، فسد، وفسدت حركات الجسد، بحسب فساد حركة القلب.
ومعنى هذا: أن كل حركات القلب، والجوارح: إذا كانت كلها لله تعالى، فقد كمل إيمان العبد بذلك ظاهرا وباطنا، ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح حركات الجوارح؛ فإذا كان القلب صالحا، ليس فيه إلا إرادة الله تعالى، وإرادة ما يريده، لم تنبعث الجوارح؛ إلا فيما يريده الله تعالى).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص348): (ففي القرآن، والسنة، من نفي الإيمان عمن لم يأت بالعمل، مواضع كثيرة، كما نفى فيها الإيمان عن المنافق). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص355): (فالسلف يقولون: «ترك الواجبات الظاهرة، دليل على انتفاء الإيمان الواجب من القلب».
لكن قد يكون ذلك بزوال عمل القلب، الذي هو حب الله تعالى، ورسوله r، وخشية الله تعالى، ونحو ذلك). اهـ
* فالأعمال الصالحة، من لوازم الإيمان.
قلت: والأدهى من ذلك، والأمر بتأثر بتلك الفكرة الساذجة، دعاة بزعمهم يدعون إلى: «أصول الدعوة السلفية»، فتراهم مع الأسف يتمسكون بهذا المعتقد الباطل في الإرجاء، ويتكلفون التنقيب عن أدلة له، بتعسف، وتكلف، ولي لأعناق النصوص، وإخضاعها، لتوافق ذلك المعتقد الباطل.
* وجرهم ذلك للتدليس، بنقل بعض العبارات الموهمة من علماء ربانيين، عرفوا بصفاء المنهج، وصحة المعتقد، ليمعنوا في التضليل، ويوغلوا في التلبيس، فيكتب عليهم وزرها، ووزر من اعتقدها، وعمل بمقتضاها إلى يوم القيامة.
وهذا القسم: انطلق في دعوته، بلا منهج واضح، ولا تصور اعتقادي متكامل، فلم يتناول الأمور بالتأصيل العلمي، والنظر إلى النصوص مجتمعة.
* بل سلك في ذلك مسلكا عقيما من مسالك أهل البدع والأهواء، فتشابهت عليه نصوص الكتاب والسنة، كما تشابهت على أهل البدع والأهواء، بل تشابهت عليه عبارات العلماء.
فواجه الخوارج: بزعمه، بأصول، وقواعد فاسدة، لا يملك ردها، إلا بجهل بالغ في: «مسائل الإيمان»، فهرب بزعمه من بدعة الخوارج، ليقع في بدعة: «الإرجاء».
وأخذ يسند هذا الواقع المنحرف إلى أهل السنة، جهلا منه، ويؤصله بقواعد بدعية، فاحيا بدعة مذهب المرجئة.
قلت: فمن أخطأ الدليل ضل السبيل، ذلك لأن المبتدع غير متبع، في تحرير المسائل العلمية وتحقيقها. ([519])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التفسير الكبير» (ج1 ص163): (وذلك أن عمدته في الباطل، لا على ما تلقاه عن الرسول r، بل على ما رآه، أو ذاقه، ثم إن وجد السنة، توافقه، وإلا لم يبال بذلك، فإذا وجدها تخالفه: أعرض عنها، تفويضا، أو حرفها تأويلا، فهذا هو الفرقان بين المؤمن السني، والمنافق البدعي).اهـ
قلت: فبثوا فيهم عداوة السنة وأهلها بالتدريج، فردوهم على أعقابهم خاسرين.
* فالجابري: هذا تترس، وراء مذهب السلف في الإيمان، وخلط الحابل بالنابل، وجاء بإفك عظيم.
وأنه ليس على مذهب أهل السنة، لما جاء فيه من عقائد باطلة، وتقريره مذهب المرجئة.
* والحقيقة أن هذا نوع من الهوى الذي يردي بصاحبه، لأنه شبيه بالكلب الذي لا يترك عرقا، ولا مفصلا، إلا دخله.
ولهذا نقول: «المرجئة العصرية»، أن دعوتكم، واعتقادكم، يدعوا إلى: «الإرجاء»، وغيره من الاعتقادات الباطلة.
قلت: فينبغي أن لا تنفروا من ردودنا عليكم؛ بمثل: نفور الوحوش، كيف؛ وهي مسطرة في دروسكم، وكتبكم، والكل يقرؤها، وتحت انظار الناس.
* ولذلك من تدبر ردود([520]) الإمام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، والعلامة ابن باز، وغيرهم، في مسألة الإيمان، على المرجئة، إنما يعنون بكلامهم على هؤلاء أيضا.
قلت: وليعلم طالب الحجة: أن الله تعالى مع الذين اتقوا، والذين هم يحسنون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج1 ص335): (جعلوا هذا علما مقولا، ودينا مقبولا، يردون به نصوص الكتاب والسنة... سببه الكسل في طلب الحجج، أو معرفة الحق بالرجال، لم يكن بنا حاجة إلى كشف هذه المقالات، والتحريفات، والتأويلات الفاسدة). اهـ
قلت: فالمعركة محتدمة، ومخازي القوم، وتحريفاتهم كثيرة في العلم، والعاقبة للتقوى، وما توفيقي إلا بالله. ([521])
* فانتحلوا لاتباعهم الفكر الإرجائي منهجا، وضحكوا عليهم، بقولهم: هذا هو مذهب السلف، فغروهم بهذا حتى أصبح بعد مدة يسيرة الإلحاد في الاعتقاد شائعا في مذهبهم، مثل: تحريفهم للأسماء والصفات، وتحريفهم في مسائل الإيمان، وغير ذلك، فزرعوا شرا عظيما في الشباب السطحي، فـ«لله» المشتكى من غربة الإسلام في هذا الزمان. ([522])
قال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج2 ص556): (لا يصح الدين: إلا بالتصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، مثل: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وما أشبه ذلك).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص334): (فلا إيمان: إلا بعمل، ولا عمل إلا بعقد). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص82): (حقيقة الدين: هو الطاعة والانقياد، وذلك إنما يتم بالفعل، لا بالقول فقط، فمن لم يفعل لله تعالى شيئا، فما دان لله تعالى دينا، ومن لا دين له، فهو كافر). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص124): (الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره: قول اللسان، وعمل الجوارح، وباطنه: تصديق القلب، وانقياده، ومحبته).اهـ
وعن الإمام أحمد / قال: (أما؛ ما ذكرت من قول من يقول: «إنما الإيمان: قول»، هذا قول: «أهل الإرجاء»، وهو قول محدث، لم يكن عليه سلفنا، ومن نقتدي به).
أثر حسن
أخرجه الخلال في «السنة» (1101) من طريق محمد بن المنذر بن عبد العزيز قال: ثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: أملى علينا أبو عبد الله فذكره.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن إبراهيم بن موسى الفراء قال: سئل ابن عيينة؛ عن الإرجاء، فقال: (الإرجاء، على وجهين: قوم أرجوا أمر علي، وعثمان ﭭ، فقد مضى أولئك، فأما: المرجئة: اليوم، فهم: قوم يقولون: الإيمان قول، بلا عمل، فلا تجالسوهم، ولا تؤاكلوهم، ولا تشاربوهم، ولا تصلوا معهم، ولا تصلوا عليهم).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص659-مسند ابن عباس) من طريق عبد الله بن عمر الرازي قال: سمعت إبراهيم بن موسى الرازي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن الإمام أحمد / قال: (وإنما استعملت الأمة السنة من النبي r، ومن أصحابه y؛ إلا من دفع ذلك من أهل البدع، والخوارج، وما يشبههم، فقد رأيت إلى ما قد خرجوا.
وأما من زعم: أن الإيمان الإقرار؛ فما يقول: في المعرفة؟، هل: يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار؟ وهل يحتاج إلى أن يكون مصدقا بما أقر؟، وهل يحتاج أن يكون مصدقا بما عرف؟، فإن زعم أنه يحتاج: إلى المعرفة، مع الإقرار؛ فقد زعم أنه من شيئين، وإن زعم: أنه يحتاج: أن يكون مقرا، ومصدقا بما عرف؛ فهو: من ثلاثة أشياء، فإن جحد، وقال: لا يحتاج إلى المعرفة، والتصديق؛ فقد قال قولا عظيما، فكذلك العمل مع هذه الأشياء).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (ج5 ص24 و25) من طريق عبد الله بن عبيد الله الطرسوسي قال: ثنا محمد بن حاتم المروزي قال: ثنا أبو عبد الرحيم محمد بن أحمد بن الجراح قال: كتب إلي أحمد بن حنبل فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
* فالأئمة؛ مثل: أحمد، وغيره، فقد عرفوا باطل مذهب: «المرجئة» في الإيمان، وهو أن الإيمان: لا يذهب بعضه، ويبقى بعضه، فلا يكون؛ إلا شيئا واحدا.
* لذلك الإمام أحمد / ذكر أنه لا بد في الإيمان: من المعرفة، والتصديق، والإقرار، والإذعان، الذي هو الانقياد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص393 و394): (وأحمد، وأبو ثور، وغيرهما؛ من الأئمة: كانوا قد عرفوا؛ أصل قول: «المرجئة»، وهو أن الإيمان: لا يذهب بعضه، ويبقى بعضه، فلا يكون إلا شيئا واحدا، فلا يكون ذا عدد: اثنين، أو ثلاثة؛ فإنه إذا كان له عدد؛ أمكن ذهاب بعضه، وبقاء بعضه، بل لا يكون إلا شيئا واحدا.
* ولهذا؛ قالت الجهمية: إنه شيء واحد في القلب، وقالت الكرامية: إنه شيء واحد على اللسان([523])، كل ذلك: فرارا من تبعض الإيمان، وتعدده... وأحمد ذكر أنه: لا بد من المعرفة، والتصديق، مع الإقرار، وقال: إن من جحد المعرفة، والتصديق؛ فقد قال: قولا عظيما).اهـ
وعن معقل بن عبيد الله العبسي قال: (قدم علينا: «سالم الأفطس» بالإرجاء، فعرضه، فنفر منه أصحابنا نفارا شديدا، وكان أشدهم: نفارا: «ميمون بن مهران»، و«عبد الكريم بن مالك الجزري»، فأما: عبد الكريم؛ فإنه عاهد الله تعالى؛ ألا يؤويه وإياه سقف بيت، إلا المسجد).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص382)، والخلال في «السنة» (ج5 ص29 و30)، والطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص645-مسند ابن عباس) من طريق خالد بن حيان الكندي، وعمر بن خالد الرقي؛ كلاهما: عن معقل بن عبيد الله العبسي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكر ابن تيمية في «الإيمان الكبير» (ص192).
وقال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص648): (وكذلك كل من قامت عليه حجة الله تعالى: بوحدانيته، وشرائعه، فإنه غير خارج، مع قيام الحجة عليه بها، من الإيمان، أو الكفر). اهـ
وبوب الإمام الخلال في «السنة» (ج5 ص19)؛ جامع: الإيمان، والتسليم، والتمسك؛ بما روي عن النبي r في ذلك، وما قال الله عز وجل: في كتابه مما عليهم فيه من الحجة.
قلت: وقد أخطأ عدد من أهل العلم؛ حيث جعلوا؛ الإيمان: هو التصديق على ظاهر اللغة، فلا تغتر.
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الصغرى» (ص249)؛ إذ قال: (الإيمان: اسم، ومعناه التصديق([524])، قال الله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين[ [يوسف:17]، يريد: بمصدق لنا).اهـ
وقال الإمام محمد بن نصر المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص695): (قالوا: والإيمان في اللغة: هو التصديق) ([525]). اهـ
وقال الرازي اللغوي / في «مختار الصحاح» (ص11): (الإيمان: التصديق).اهـ
وقال الخليل اللغوي / في «العين» (ج1 ص108): (والإيمان: التصديق نفسه، وقوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف:17]، أي: بمصدق).اهـ
وقال الجرجاني اللغوي / في «التعريفات» (ص60): (الإيمان: في اللغة؛ التصديق بالقلب) ([526]).اهـ
وقال الجوهري اللغوي / في «الصحاح» (ج5 ص2071): (والإيمان: التصديق).اهـ
وقال ابن الأثير اللغوي / في «النهاية في غريب الحديث» (ج1 ص173): (الإيمان: التصديق). اهـ
قلت: فعرف الإيمان في اللغة، وكان أشهر التعاريف، وأكثرها، انتشارا، عند اختلاف أهل العلم، هو أن الإيمان: هو التصديق!، وقد بينا خطأ هذا التعريف، فيما سبق.
قلت: فـ«المرجئة العصرية»؛ يجعلون الإيمان المنجي من النار: تصديق القلب، وإن لم يأت بالعمل مع القدرة عليه.
* واعلم أن إطلاق عدد من علماء السنة: التصديق، على الإيمان، لا يعنون به، ما قصدته: «المرجئة»، و«الأشعرية»، و«الماتريدية»، وغيرهم، ممن يجعلون الإيمان: هو التصديق المجرد، ويحصرون الإيمان فيه.
* بل عنوا بالتصديق: الإذعاني المستلزم للانقياد، ظاهرا وباطنا، بلا شك. ([527])
قال الإمام محمد بن نصر المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص695)؛ وهو يذكر الاختلاف الواقع، بين أهل السنة: في مسألة، الفرق بين الإيمان، والإسلام: (قالوا: والإيمان في اللغة؛ هو التصديق، والإسلام في اللغة: هو الخضوع، فأصل الإيمان: هو التصديق بالله، وما جاء من عنده، وإياه، أراد النبي r بقوله: «الإيمان أن تؤمن بالله»، وعنه يكون الخضوع لله، لأنه إذا صدق بالله خضع له، وإذا خضع أطاع، فالخضوع عن التصديق، وهو أصل الإسلام، ومعنى؛ التصديق هو: المعرفة بالله، والاعتراف له بالربوبية، بوعده، ووعيده، وواجب حقه، وتحقيق ما صدق به من القول، والعمل، والتحقيق في اللغة؛ تصديق الأصل، فمن التصديق بالله يكون الخضوع لله، وعن الخضوع تكون الطاعات، فأول ما يكون عن خضوع القلب لله الذي أوجبه التصديق، من عمل الجوارح: الإقرار باللسان، لأنه لما صدق بأن الله ربه خضع لذلك بالعبودية مخلصا، ثم ابتدأ الخضوع باللسان، فأقر بالعبودية مخلصا؛ كما قال الله عز وجل؛ لإبراهيم: ]أسلم قال أسلمت[ [البقرة: 131]؛ أي: أخلصت بالخضوع لك).اهـ
وقال العلامة الشيخ حافظ الحكمي / في «معارج القبول» (ج2 ص594): (من قال من أهل السنة في الإيمان: هو التصديق على ظاهر اللغة، أنهم إنما عنوا التصديق الإذعاني المستلزم، للانقياد ظاهرا، وباطنا بلا شك، لم يعنوا: مجرد التصديق، فإن: «إبليس» لم يكذب في أمر الله تعالى له بالسجود، وإنما؛ أبى: عن الانقياد كفرا، واستكبارا). اهـ
وقال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص685): (ولا يدفع: مع ذلك: ذو معرفة، بكلام العرب، صحة القول بأن: الإيمان: التصديق، فإذا كان الإيمان في كلامها: التصديق، والتصديق يكون بالقلب، واللسان، والجوارح، وكان تصديق القلب: العزم والإذعان، وتصديق اللسان: الإقرار، وتصديق الجوارح: السعي والعمل، كان المعنى الذي به يستحق العبد: المدح، والولاية من المؤمنين، هو إتيانه بهذه المعاني الثلاثة.
* وذلك؛ أنه لا خلاف، بين الجميع: أنه لو أقر، وعمل على غير علم منه، ومعرفة بربه سبحانه، أنه لا يستحق اسم: مؤمن، وأنه لو عرف، وعلم، وجحد بلسانه، وكذب وأنكر: ما عرف من توحيد ربه سبحانه، أنه غير مستحق اسم: مؤمن.
فإذا كان ذلك: وكان صحيحا، أنه غير مستحق غير المقر: اسم مؤمن، ولا المقر غير العارف مستحق ذلك، كان كذلك غير مستحق ذلك بالإطلاق، العارف المقر غير العامل، إذ كان ذلك أحد معاني: الإيمان، التي بوجود جميعها في الإنسان، يستحق اسم: مؤمن بالإطلاق).اهـ
قلت: وهذا ليس فيه موافقة: لـ«عبيد الجابري» المرجئ، لأنه هو يقول في تعريف: الإيمان في اللغة، التصديق، يعني: المجرد، ولم يفصل في تعريف الإيمان في اللغة؛ بمثل: تفصيل أهل السنة والجماعة في تعريفهم للإيمان في اللغة. ([528])
قلت: وأكبر من ذلك من قال: أن الإيمان: هو التصديق، ونقل الاتفاق عليه بين: أهل اللغة، وبين أهل التفسير، وفي ذلك نظر أيضا، لأن من أهل اللغة: لم يعرف أن الإيمان: هو التصديق.
* ثم أهل اللغة، وأهل التفسير بالدرجة الأولى؛ هم: الصحابة، والتابعون لهم بإحسان، لم يفسروا الإيمان: أنه التصديق، كما سبق ذكر ذلك، فهذا النقل للاتفاق خطأ بلا شك.
قال الأزهري اللغوي / في «تهذيب اللغة» (ج15 ص368): (اتفق أهل العلم؛ من اللغويين، وغيرهم، أن الإيمان معناه: التصديق... وقال الله تعالى: حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام، لأبيهم: ]وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين[ [يوسف:17]، لم يختلف: أهل التفسير، أن معناه: وما أنت بمصدق لنا). اهـ
وقال ابن منظور اللغوي / في «لسان العرب» (ج13 ص27): (واتفق أهل العلم من اللغويين، وغيرهم: أن الإيمان معناه: التصديق) ([529]). اهـ
قلت: ومن أهل اللغة، لم يعرف، بأن الإيمان: هو التصديق، وهذا يدل على أن المسألة خلافية، بين أهل اللغة.
قال الفيروزآبادي اللغوي / في «القاموس المحيط» (ص1186): (الإيمان: الثقة، وإظهار الخضوع، وقبول الشريعة). اهـ
وقال ابن منظور اللغوي / في «لسان العرب» (ج13 ص26): (وحد الزجاج /: الإيمان، فقال: الإيمان: إظهار الخضوع، والقبول للشريعة، ولما أتى به النبي r، واعتقاده، وتصديقه بالقلب، فمن كان على هذه الصفة، فهو مؤمن، مسلم غير مرتاب، ولا شاك، وهو الذي يرى أن: أداء الفرائض واجب عليه، لا يدخله في ذلك ريب). اهـ
قلت: وهذا يدل أن الإيمان: ليس هو مجرد: «التصديق» عند عدد من أهل اللغة، بل عنوا: «التصديق» الإذعاني المستلزم؛ للانقياد ظاهرا، وباطنا بلا شك، الذي لا بد فيه من العمل.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على كفر من ترك، ولم يأت بالشهادتين،
فهو كافر، ومن ترك لواحد من الأعمال الأربعة: وهي: الصلاة،
والزكاة، وصوم رمضان، والحج، فهو كافر مرتد، حتى لو أتى بالشهادتين، وقد أجمع الصحابة والتابعون لهم بإحسان على كفر من ترك لواحد من المباني الخمسة، وقد خالف: «عبيد الجابري»، الكتاب، والسنة، والإجماع، فهلك ووافق مذهب: «المرجئة المحضة القديمة»، ولابد
قال عبيد بن عبد الله الجابري في «فتح ذي الجلال والمنة في شرح أصول السنة» (ص42): (بهذا يستبين أن العمل من مسمى الإيمان، ولكن يفصل، فمن الأعمال:
أولا: ما تركه كفر، وخروج من الملة ينافي الإيمان بالكلية؛ كتارك الشهادتين، وهذا بالاتفاق، وترك الصلاة جحودا من العالم بها، والخلاف في تركها تهاونا، وليس هذا موضع بسط الخلاف في هذه المسألة – أعني: مسألة ترك الصلاة تهاونا مع الإقرار بوجوبها-.
ثانيا: ما تركه فسق ينافي كمال الإيمان وسائر أركان الإسلام، مثل: «الزكاة»، و«صوم رمضان»، و«الحج»، وهذه تركها فسق ما لم يجحدها؛ فمن جحدها عالما بوجوبها كفر، ولكن من تركها متهاونا؛ فصنيعه هذا ينافي كمال الإيمان الواجب.
ثالثا: ما تركه ينافي الكمال المستحب، ويقال: تفويت فضيلة: وهي السنن والمندوبات، هذه تركها ينافي الكمال المستحب، هذا تفصيل مكانة العمل من الإيمان: عند أهل السنة إجمالا.
عندهم أن العمل من الإيمان – من أركان الإيمان -، لذلك يقولون: لا إيمان إلا بعمل). اهـ كلام الجابري
وقال عبيد بن عبد الله الجابري في «التقرير الأحمد بشرح أصول السنة للإمام أحمد» (ص108): (وعند التفصيل يقررون أن الأعمال بالنسبة للإيمان ثلاثة أقسام:
أحدهما: ما يزول الإيمان بتركه، ما يزول الإيمان بزواله، فالشهادتان باتفاق، عدم الشهادتين يزول به الإيمان، والصلاة بخلاف على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الصنف الثاني: ما تركه فسق؛ ينقص به كمال الإيمان الواجب، مثل: «الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج»؛ فهذا لا يكفر من تركها بل يفسق من تركها تهاونا: أما من تركها جحودا؛ فإنه يكفر إذا كان يعلم ذلك.
الصنف الثالث: ما تركه ينافي الكمال المستحب، ترك النوافل، فمن ترك النوافل؛ فتركه إياها ينافي كمال الإيمان المستحب تفويت فضيلة.
وهاهنا سؤال: ما مقصود الإمام أحمد /، وغيره من أئمة السنة بذكر هذه المسألة؟
* مقصودهم الرد على: «المرجئة»، سواء: «غلاة المرجئة»، وهم القائلون: بأن الإيمان هو مجرد: «التصديق»؛ أو «المرجئة المتوسطة»، وهم: «مرجئة الفقهاء»، وهم القائلون: أن الإيمان قول واعتقاد، ويؤخرون العمل عن حقيقة الإيمان.
فبهذا التقرير وضح إن شاء الله الرد على طائفتي: «المرجئة»، وبان معتقد أهل السنة، ولله الحمد والمنة). اهـ كلام الجابري
* فقول الجابري: (ثانيا: ما تركه فسق، ينافي كمال الإيمان، وسائر أركان الإسلام، مثل: «الزكاة»، و«صوم رمضان»، و«الحج»، وهذه تركها فسق ما لم يجحدها.
فمن جحدها عالما بوجوبها كفر، ولكن من تركها متهاونا، فصنيعه هذا ينافي كمال الإيمان الواجب). اهـ
وقول الجابري: (الصنف الثاني: ما تركه فسق؛ ينقص به كمال الإيمان الواجب، مثل: «الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج»، فهذا لا يكفر من تركها، بل يفسق من تركها تهاونا). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن: «الجابري»، يصحح إيمان العبد بالنطق بالشهادتين فقط، من غير فعل: «الصلاة»، و «الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج»، وقد حصل له بذلك خلط وخبط في مسائل الإيمان، والأمر هذا حصل له بسبب تركه لأدلة الكتاب والسنة والإجماع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإخنائية» (ص185): (فينبغي لمن أراد: أن يعرف دين الإسلام، أن يتأمل النصوص النبوية، ويعرف ما كان يفعله: الصحابة، والتابعون، وما قاله أئمة المسلمين، ليعرف المجمع عليه: من المتنازع فيه).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص364): (وكثير من المتأخرين([530]): لا يميزون بين مذاهب: «السلف»، وأقوال: «المرجئة»، و«الجهمية»؛ لاختلاط هذا، بهذا: في كلام كثير منهم؛ ممن هو في باطنه يرى رأي: «الجهمية»، و«المرجئة» في الإيمان([531])، وهو معظم للسلف، وأهل الحديث، فيظن أنه يجمع بينهما، أو يجمع بين كلام، أمثاله، وكلام السلف). اهـ
قلت: ونصوص الكتاب، والسنة، والإجماع: صريحة في تكفير تارك أركان الإسلام، من «الصلاة»، و«الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج»، أو ترك لواحد من هذه الأركان؛ مثل: لو ترك: «الصلاة»، فقد كفر، أو ترك: «الزكاة» لوحدها، فقد كفر، أو ترك «صيام رمضان» لوحده: فقد كفر، أو ترك: «الحج» لوحده: فقد كفر.
قلت: وعلى ذلك أجمع أصحاب رسول الله r، والتابعون لهم بإحسان، وتناقل أئمة أهل العلم هذا الإجماع في كتبهم، إلا أن «المرجئة العصرية»، لم ترفع بذلك رأسا، بل سعوا في نقضه، وإبطاله([532]): بما يسمى بالاختلاف عند المتأخرين، وركنوا إلى قول: «فلان»، وقول: «علان»، لأن هذا الإجماع يعود على أصولهم: بالنقض والإبطال.
* فصحح: «الجابري» إيمان العبد من غير عمل يعمله في حياته، وحصل له بذلك خلط وخبط في الإيمان، وحصل تشعيب كبير من: «عبيد الجابري»، وغيره في «مسائل الإيمان»، وقد خالف ما أجمع عليه السلف الصالح في تكفير تارك العمل بالكلية، من: «صلاة»، و«زكاة»، و«صيام»، و«حج» وغير ذلك.([533])
قلت: و«الجابري» هذا يحكي إجماع الصحابة في تكفير تارك الصلاة، ثم يعارضه بزعمه، بأن الجمهور الذين من بعدهم، ذهبوا مثلا: إلى عدم تكفير تارك الصلاة!.
* وعند التحقيق في أقوال هؤلاء الجمهور، لا يثبت عن كثير منهم: القول بما يخالف إجماع الصحابة ﭫ.
قلت: ومما قرره أهل السنة والجماعة: أنه متى ثبت في مسألة من مسائل الدين إجماع لهم، فلا يجوز لأحد مخالفته كائنا من كان.
* فمن دفع منه شيء من ذلك، فلا ينظر إلى قوله أصلا، ولا يلتفت إلى مخالفته لهم؛ لأن أئمة الحديث، عدوا مخالفة إجماع الصحابة ﭫ بدعة، وهلكة يطعن بها في صاحبها.([534])
وإليك الدليل:
(1) فعن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة t، قال: لما توفي رسول الله r، واستخلف أبو بكر t بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب t لأبي بكر t: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قال: لا إله إلا الله؛ فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله؟» فقال أبو بكر t: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله r، لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب t: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق).([535])
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص262)، و(ج12 ص275)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص51 و52)، وأبو داود في «سننه» (ج2 ص93)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص3 و4)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج7 ص5)، وفي «المجتبى» (ج5 ص14 و15)، و(ج6 ص5)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص423)، والشافعي في «المسند» (3822)، وابن منده في «الإيمان» (ج1 ص164 و380 و382)، وأبو عبيد في «الأموال» (ص24)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج1 ص512)، وفي «مسند الشاميين» (ج1 ص372)، والبيهقي في «السنن الصغرى» (ج2 ص78 و79)، و(ج3 ص271)، وابن جماعة في «مشيخته» (ج2 ص558)، وابن بلبان في «تحفة الصديق» (ص39)، والبغوي في «شرح السنة» (ج5 ص488)، واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (ج4 ص833)، وابن زنجويه في «الأموال» (ص116)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص70 و71)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص70 و71)، والجصاص في «أحكام القرآن» (ج3 ص82) من طريق الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن أبي هريرة t به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقوله: (وكفر من كفر من العرب)، هذا الكفر عام، في مانعي الزكاة، وفي غيرهم، وهو الكفر المخرج عن الملة.
قلت: وأبو بكر الصديق t، لم يفرق بين من ترك الصلاة، فيكفر، فكذلك عنده من ترك الزكاة، فيكفر مطلقا، ولا فرق([536]) بينهما في: الكفر، والقتال.
* لذلك، لم يكتف أبو بكر الصديق t، بقولهم: «لا إله إلا الله»، بدون عمل الزكاة، وغيرها من الأعمال، وقالتهم لمنعهم الزكاة، لأنه t، اعتبرهم من الكفار، في عدم تأديتهم الزكاة، وإن كانوا يقرون بوجوبها، ويقولون: «لا إله إلا الله»، ويصلون الصلوات المفروضة، فهم: كفار بذلك.
* فقال أبو بكر الصديق t: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال».
* وقد وافق الصحابة ﭫ كلهم؛ لأبي بكر الصديق t، حتى قال عمر بن الخطاب: «فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق».
* وذكره عبد الحق الإشبيلي في «الجمع بين الصحيحين» (ج1 ص123 و124)، والحميدي في «الجمع بين الصحيحين» (ج1 ص116 و117).
وبوب عليه الحافظ البخاري في «صحيحه» (ج6 ص2538)؛ باب: قتل من أبى قبول الفرائض، وما نسبوا إلى الردة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص502): (كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة؛ من هؤلاء القوم، وغيرهم، فإنه يجب قتالهم، حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه.
* كما قاتل أبو بكر الصديقt، والصحابة ﭫ: مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر t، لأبي بكر t، فاتفق الصحابة ﭫ، على القتال على حقوق الإسلام، عملا بالكتاب والسنة). اهـ
(2) وعن طارق بن شهاب قال: (جاء وفد بزاخة([537]): من أسد، وغطفان إلى أبي بكر t يسألونه الصلح، فخيرهم أبو بكر t بين الحرب المجلية([538])، أو السلم المخزية، قال: فقالوا: هذا الحرب المجلية قد عرفنا، فما السلم المخزية؟ قال أبو بكر t: تؤدون الحلقة والكراع([539])، وتتركون أقواما تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه r، والمسلمين أمرا يعذرونكم به، وتدون قتلانا، ولا ندي قتلاكم، وقتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار، وتردون ما أصبتم منا، ونغنم ما أصبنا منكم، فقام عمر t فقال: رأيت رأيا، وسنشير عليك، أما أن يؤدوا الحلقة والكراع فنعم ما رأيت، وأما أن يتركوا قوما يتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه r، والمسلمين أمرا يعذرونهم به، فنعم ما رأيت، وأما أن نغنم ما أصبنا منهم، ويردون ما أصابوا منا فنعم ما رأيت، وأما أن قتلاهم في النار، وقتلانا في الجنة فنعم ما رأيت، وأما أن لا ندي قتلاهم فنعم ما رأيت، وأما أن يدوا قتلانا فلا، قتلانا قتلوا على أمر الله فلا ديات لهم، فتتابع الناس على ذلك). وفي رواية: (فتتابع القول على ما قال عمر بن الخطاب).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص210) مختصرا، وأبو بكر البرقاني في «المخرج على الصحيحين» (ج1 ص131 – الجمع بين الصحيحين)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص285) من طريق سفيان عن قيس بن أسلم عن طارق بن شهاب به.
* وذكر عبدالحق الإشبيلي في «الجمع بين الصحيحين» (ج4 ص630)، مختصرا، من رواية البخاري.([540])
* وذكره الحميدي في «الجمع بين الصحيحين» (ج1 ص130 و131)؛ (اختصره البخاري، وأخرج طرفا منه، وهو قوله لهم: «تتبعون أذناب الإبل([541]) حتى يري([542]) الله خليفة نبيه r، والمهاجرين، أمرا يعذرونكم([543]) به».
قلت: وهؤلاء كانوا قد ارتدوا، ثم تابوا، وأرسلوا وفدهم إلى أبي بكر الصديق t، يعتذرون إليه([544])، فأحب أن لا يقضي فيهم حتى يشاور أصحابه في أمرهم، فقال لهم ما قال.([545])
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المغازي» (ص431) من طريق يزيد بن هارون قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: (لما ارتد من ارتد على عهد أبي بكر t، أراد أبو بكر t: أن يجاهدهم، فقال عمر t: أتقاتلهم، وقد سمعت رسول الله r يقول: «من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، حرم ماله، ودمه؛ إلا بحق، وحسابه على الله»، فقال أبو بكر t: ألا أقاتل من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لأقاتلن من فرق بينهما حتى أجمعهما، قال عمر t: فقاتلنا معه، وكان رشدا، فلما ظفر بمن ظفر به منهم، قال: اختاروا مني خطتين: إما حرب مجلية، وإما الخطة المخزية([546])، قالوا: هذه الحرب المجلية قد عرفناها، فما الخطة المخزية، قال: تشهدون على قتلانا أنهم في الجنة، وعلى قتلاكم أنهم في النار، ففعلوا).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «الفتاوى» (ج28 ص557 و558).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص519): (وقد اتفق الصحابة ﭫ، والأئمة بعدهم: على قتال مانعي الزكاة، وإن كانوا يصلون الخمس، ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة، فلهذا كانوا مرتدين: وهم يقاتلون على منعها، وإن أقروا بالوجوب، كما أمر الله تعالى). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص535): (فإن المسلم الأصلي إذا ارتد عن بعض شرائعه، كان أسوأ حالا ممن لم يدخل بعد في تلك الشرائع، مثل: مانعي الزكاة، وأمثالهم ممن قاتلهم الصديق t). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص545): (وقد اتفق علماء المسلمين: على أن الطائفة الممتنعة إذا امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتواترة، فإنه يجب قتالها، إذا تكلموا بالشهادتين، وامتنعوا عن: «الصلاة»، و«الزكاة»، أو «صيام شهر رمضان»، أو «حج البيت العتيق»). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص356): (وأيما طائفة انتسبت إلى الإسلام، وامتنعت من بعض شرائعه الظاهرة المتواترة؛ فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين، حتى يكون الدين كله لله، كما قاتل أبو بكر الصديق t، وسائر الصحابة ﭫ: مانعي الزكاة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص357): (فثبت بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، أنه يقاتل من خرج عن شريعة الإسلام، وإن تكلم بالشهادتين). اهـ
قلت: فأجمع الصحابة ﭫ على كفر مانعي الزكاة([547])، وقتالهم، فقاتلوهم جميعا، ولم يختلف الصحابة ﭫ في ذلك.
قال الإمام أبو عبيد / في «الإيمان» (ص39): (وقال تعالى: ]خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها[ [التوبة:103].
* فلو أنهم ممتنعون من الزكاة عند الإقرار، وأعطوه ذلك بالألسنة، وأقاموا الصلاة، غير أنهم ممتنعون من الزكاة، كان ذلك مزيلا لما قبله، وناقضا للإقرار والصلاة، كما كان إيتاء الصلاة قبل ذلك ناقضا لما تقدم من الإقرار، والمصدق لهذا:
* جهاد أبي بكر الصديق t بالمهاجرين، والأنصار على منع العرب الزكاة، كجهاد: رسول الله r: أهل الشرك سواء، لا فرق بينها في سفك الدماء، وسبي الذرية، واغتنام المال، فإنما كانوا مانعين([548]) لها غير جاحدين بها!.
* ثم كذلك: كانت شرائع الإسلام كلها، كلما نزلت شريعة صارت مضافة إلى ما قبلها لاحقة به، ويشملها جميعا اسم الإيمان؛ فيقال لأهله: مؤمنون). اهـ
قلت: فالزكاة أوجب الأركان بعد الصلاة، فمن تركها، فقد كفر.
* فأبو بكر الصديق t، لما ارتد العرب، جاهدهم حتى ردهم إلى الإسلام، وهذا من مناقب أبي بكر الصديق t، وحين اتفقت الصحابة y على رأيه.([549])
* وقد حكى اتفاق الصحابة ﭫ: على رأيه بعد الاختلاف: ابن قدامة في «المغني» (ج2 ص572 و574)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج12 ص290 و293)، وغيرهما.
قال الإمام الشافعي / في «الأم» (ج1 ص55): (وأخبر أبو بكر t، أنه: إنما يقاتلهم على الصلاة، والزكاة، وأصحاب رسول الله r قاتلوا من منع الزكاة، إذ كانت فريضة من فرائض الله تعالى... فاستحلوا قتالهم)([550]). اهـ
وقال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج4 ص231): (أن أبا بكر الصديق t: استحل دماء مانعي الزكاة، وقال: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة، والزكاة»، فقاتلهم على ذلك في جمهور الصحابة ﭫ، وأراق دماءهم، لمنعهم الزكاة، وإبايتهم من أدائها). اهـ
وقال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج4 ص231): (ألا ترى، أن أبا بكر t، شبه الزكاة بالصلاة، ومعلوم أنهم كانوا: مقرين بالإسلام والشهادة). اهـ
قلت: فأبو بكر الصديق t: قاس قتاله، «لمانعي الزكاة»، بما هو مقرر عندهم من كفر، وقتال: من ترك الصلاة.
قال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ص234): (يدل على: أن من ترك الصلاة؛ فإنه يقاتل؛ لأنها حق البدن.
* فكذلك: من ترك الزكاة التي هي حق المال، وفي هذا إشارة إلى: أن قتال، تارك الصلاة، أمر مجمع عليه، لأنه جعله: أصلا مقيسا عليه). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «الكافي» (ج1 ص95): (والصحابة ﭫ: أجمعوا على قتال مانعي الزكاة، والصلاة آكد منها). اهـ
(3) وعن الإمام سفيان بن عيينة / قال: (السيوف أربعة: نزل بها القرآن، ومضت بها السنة، وأجمعت عليها الأمة؛ وذكر: منها، وسيف لأهل الردة على يدي أبي بكر t، وهو قوله تعالى: ]تقاتلونهم أو يسلمون[ [الفتح:16].
أثر صحيح
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص606) من طريق أحمد بن مسروق الطوسي قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: سمعت سفيان بن عيينة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص687)؛ باب: ذكر ما كان من تفضل الله تعالى، على أمة محمد r؛ بخلافة: أبي بكر t، وقيامه في الردة.
وقال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص603): (واستخلف: أبو بكر t؛ فقام مقام رسول الله r، في قتال من ارتد من العرب، فلم يزل موفقا رشيدا سديدا، بين الله تعالى أمره، وأظهر فضله، وأعلى ذكره، ومكن له في الأرض، وأظهر دعوته، وأفلج حجته، ورفع درجته، واستوثق به الإسلام). اهـ
(4) وعن أبي الصقر قال: أن أبا عبد الله قال: (من ترك الزكاة ليس بمسلم، هكذا قال ابن مسعود t: «ما تارك الزكاة بمسلم»، وقد قاتل أبو بكر t: أهل الردة على ترك الزكاة، وقال: «لو منعوني عقالا مما أدوا إلى رسول الله r، قاتلتهم»).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة» (ص488)؛ كتاب: «الردة»، باب: «في مانع الزكاة» من طريق محمد بن أبي هارون؛ أن أبا الصقر حدثهم: أن أبا عبد الله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(5) وقال الإمام الحسن البصري /: (فقاتل من أدبر، بمن أقبل، حتى دخلوا في الإسلام: طوعا، أو كرها، وبرز: رأي أبي بكر t على رأيهم، وسموا أهل الردة؛ بمنعهم الزكاة، فقالوا: إنا نزكي؛ لكن لا ندفعها إليك، فقال أبو بكر t: «لا والله حتى آخذها، كما أخذها رسول الله r، فأضعها في مواضعها).
أثر حسن
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص688) من طريق حجاج بن منهال قال: حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن البصري به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص689): (وكان أبوبكر t: وحده بنفسه طائفة، فرأى جهادهم، ومحاربتهم، فأطاع أصحاب رسول الله r: كلهم أمره، ورجعوا إلى رأيه السديد الموفق، فقاتل من عصاه بمن أطاعه، فأعلى الله تعالى أمره، وأظهر نصره، وجمع شمل الإسلام به، فاستأنف بالإسلام مجددة). اهـ
(6) وعن الإمام أحمد / قال: (ولا يصلى خلف، من لم يؤد الزكاة).([551])
(7) وعن الأثرم قال: قيل لأبي عبد الله: تارك الزكاة؟، قال: قد جاء عن النبي r: «ما تارك الزكاة بمسلم»، وأبو بكر t: قاتلهم عليها).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة» (ص488) من طريق محمد بن علي قال حدثنا الأثرم قال: قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(8) وعن إسحاق بن منصور أنه قال: لأبي عبدالله: تقاتل من منع الزكاة؟، قال: نعم. أبو بكر t: قاتلهم حتى يؤدون، قال أبو عبدالله: وأن من منع فريضة فعلى المسلمين، قتاله حتى يأخذوها منه).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»؛ كتاب: «الردة»، باب: «في مانع الزكاة» (ص483) من طريق أحمد بن محمد بن حازم قال: حدثنا إسحاق بن منصور أنه قال: لأبي عبدالله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
* فلما توفى رسول الله r؛ امتنعت قبائل العرب من دفع الزكاة إلى خليفة رسول الله r: أبي بكر الصديق t.
وقد عظم الخطب، واشتدت الحال، وطمع كثير من الأعراب في المدينة، لكن الصديق t: وقف إزاء هذه المحنة، وقفة قوية، وتصدى لها بكل حزم.
* وجند الجيوش، وعقد الألوية لحرب المرتدين، وإعادتهم إلى حظيرة الإسلام، مع أن عددا من الصحابة، وعلى رأسهم: عمر بن الخطاب t، كانوا يعارضون قتالهم.
فعن أبي هريرة t قال: (لما توفي رسول الله r، واستخلف أبو بكر t بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب t: يا أبا بكر، كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله r: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله... قال أبو بكر t: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة، والزكاة، قال عمر بن الخطاب t: فوالله: ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر: أبي بكر t، للقتال، فعرفت أنه الحق).([552])
* وهكذا كانت وقفة: أبي بكر الصديق t في هذه المحنة؛ تمثل دعامة من دعائم الإسلام، وركيزة من ركائزه المهمة، وقد أعز الله تعالى الإسلام، بأبي بكر الصديق t في محنة مانعي الزكاة.([553])
قلت: ثم إن عمر بن الخطاب t: أقره على كفر تارك الزكاة، وقتاله، وأنه حق، فقال: «فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر t، للقتال، فعرفت أنه الحق».
* فمن ترك لواحد من أركان الإسلام، فيقاتل، ويكفر، والأركان هي: شهادة: «أن لا إله إلا الله»، و«أن محمدا رسول الله»، و«إقام الصلاة»، و«إيتاء الزكاة»، و«صوم رمضان»، و«حج البيت».([554])
فعن حنظلة بن علي بن الأسقع؛ أن أبا بكر الصديق t، بعث خالد بن الوليد t، وأمره أن يقاتل الناس على خمس، قال: (ومن ترك واحدة من الخمس، فقاتله، كما تقاتل من ترك الخمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان).([555])
وقال ابن الحيري المفسر / في «الكفاية في التفسير» (ج2 ص86): (وخرج مسيلمة الكذاب، وغلب على اليمامة، وامتنعوا، فشاور: أبو بكر الصديق أصحاب النبي r في قتلهم، فقالت الصحابة: كيف نقاتل قوما؛ يشهدون أن لا إله إلا الله؟، وقال r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»، فقال أبو بكر: الزكاة من حقها. ثم قال: والله لو منعوني عقالا مما كانوا يعطونها إلى رسول الله r، لقاتلتهم علىها»، فاتفقت الصحابة على قول أبي بكر t، وجمعوا العسكر). اهـ
قلت: فإجماع الصحابة ﭫ حجة يجب على المسلمين جميعا العمل به، ولا يجوز لهم مخالفته، وهذا هو الاتباع للسلف ومحبتهم، والاقتداء بهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص519): (وممن قاتلهم الصحابة ﭫ - مع إقرارهم بالشهادتين والصلاة وغير ذلك - مانعي الزكاة كما في «الصحيحين»). اهـ
* وقد بين العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «تبرئة الإمامين الجليلين» (ص172): أن الذين منعوا الزكاة؛ هم: مرتدون، وإن صلوا، وصاموا، وحجوا، وهذا بإجماع الصحابة ﭫ.
* وقد بين العلامة الشيخ محمد بن عبدالوهاب / في «الدرر السنية» (ج9 ص418)؛ في كفر مانعي الزكاة، وأن الصحابة ﭫ، لم يقولوا: أنت مقر بوجوبها، أو جاحد لها، فجعل أبو بكر الصديق t المبيح للقتال، بمجرد المنع، لا جحد الوجوب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص472): (فاتفق أصحاب رسول الله r على قتال أقوام: يصلون، ويصومون، إذا امتنعوا عن بعض ما أوجبه الله عليهم من زكاة أموالهم، وهذا الاستنباط من صديق الأمة، قد جاء مصرحا به). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص231): (وإذا كان السلف، قد سموا مانعي الزكاة: مرتدين، مع كونهم: يصومون، ويصلون، ولم يقاتلوا جماعة المسلمين). اهـ
قلت: فإذا امتنعوا عن أداء الزكاة، مع اعتقادهم لوجوبها، وإقرارهم بها، أنهم يقاتلوا عليها، مع إخراجهم من الإسلام، وقد أجمع الصحابة ﭫ على ذلك.
فعن الإمام أحمد بن حنبل / قال: (الاتباع: أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي r وعن أصحابه، ثم هو من بعد في التابعين مخير). ([556]) أي: عند أختلافهم، فهو مخير بالدليل.
وعن الإمام أيوب السختياني /قال: (إذا بلغك اختلاف عن النبي r، فوجدت في ذلك الاختلاف أبا بكر وعمر، فشد يدك به، فإنه الحق، وهو السنة).([557])
(9) وعن الإمام وكيع بن الجراح / قال: (لولا أبو بكر t؛ ذهب الإسلام).
أثر صحيح
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص689) من طريق الميموني قال: حدثنا أحمد بن عبدالله بن يونس قال: سمعت وكيعا يقول: فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص689): (وكما قال وكيع: لولا أبو بكر t؛ ذهب الإسلام). اهـ
وقال الإمام أبو عبدالله ابن منده / في «رسالة في بيان فضل الأخبار، وشرح مذاهب أهل الأثر» (ص25): (فلما قيض الله جل وعلا: نبيه r، من بين أصحابه المنتخبة ﭫ أجمعين، وجمعهم على خيرهم، وأفضلهم في أنفسهم، فقام بأمر الله جل وعلا، وأخذ منهاج رسول الله r، وقال: (والله لو منعوني عقالا، كانوا يؤدونه إلى رسول الله r، لقاتلتهم علىها).
فإن الزكاة واجبة، كالصلاة، فقاتل بمن أقبل من أهل الإسلام من أدبر، منهم: وارتد، حتى راجعوا دينهم، وأطاعوا أمر الله تعالى، وأدوا ما افترض الله عليهم، وأمضى حكم الله عز وجل، ورسوله r، فيمن أبى ذلك، فرضي الله عنه، وعن جميع الصحابة). اهـ
وقال الحافظ الآجري / في «الأربعين» (ص82): (اعلم أنه أول ما بعث النبي r أمر أن يدعو الناس إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن قالها صادقا من قلبه، ومات على ذلك دخل الجنة، ثم فرضت عليهم الصلاة بعد ذلك فصلوا، ثم هاجروا إلى المدينة، ثم فرضت عليهم الفرائض حالا بعد حال، كلما فرض عليهم فرض قبلوه، مثل: «صيام شهر رمضان»، ومثل: «الزكاة»)، ثم فرض: «الحج على من استطاع إليه سبيلا»، فلما آمنوا بذلك، وعملوا بهذه الفرائض، قال الله عز وجل: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة: 3]، فقال النبي r: «بني الإسلام على خمس»؛ فاعلم ذلك؛ فمن ترك فريضة من هذه الخمس، وكفر بها، وجحد بها لم ينفعه التوحيد، ولم يكن مسلما، وقد قال النبي r: «بين العبد، وبين الكفر ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة، فقد كفر»، وقال ابن مسعود: «إن الله عز وجل قرن الزكاة مع الصلاة، فمن لم يزك ماله؛ فلا صلاة له»، ولما قبض النبي r ارتد أهل اليمامة عن أداء الزكاة، وقالوا: نصلي، ونصوم، ولا نزكي أموالنا، فقاتلهم أبو بكر الصديق t مع جميع الصحابة حتى قتلهم، وسباهم وقال: «تشهدون أن قتلاكم في النار، وقتلانا في الجنة؟» كل ذلك لأن الإسلام: «خمس» لا يقبل بعضه دون بعض، فاعلم ذلك). اهـ
(10) وعن أبي طالب قال: سألت؛ أبا عبد الله؛ عمن قال: الصلاة فرض، ولا أصلي؟ قال: يستتاب ثلاثة أيام؛ فإن تاب، وصلى، وإلا ضربت عنقه، قلت: فرجل قال: الزكاة علي، ولا أزكي؟ قال: يقال له: مرتين، أو ثلاثا: زك؛ فإن لم يزك يستتاب ثلاثة أيام؛ فإن تاب، وإلا ضربت عنقه).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»، كتاب: «الردة»، باب: «في مانع الزكاة» (ص488 و489) من طريق أحمد بن محمد بن مطر قال: حدثنا أبو طالب، قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (ج2 ص437)؛ بعد أن ساق خلاف العلماء المتأخرين: في كفر مانع الزكاة: (وعن أحمد / ما يدل على أنه يكفر بقتاله عليها، وساق مسألة الميموني في الباب، ثم قال: (ووجه ذلك ما روي أن أبا بكر t، لما قاتلهم، وعضتهم الحرب، قالوا: نؤديها، قال: لا أقبلها حتى تشهدوا: أن قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار، ولم ينقل إنكار ذلك عن أحد من الصحابة ﭫ، فدل على كفرهم). اهـ
قلت: فبين الإمام أحمد / أن مجرد قتال أبي بكر الصديق t، لمانعي الزكاة، هو كفر لهم، وقد أجمع الصحابة ﭫ على كفر مانعي الزكاة، لقتال أبي بكر الصديق t لهم، لأن اعتبرهم أهل ردة عن الإسلام. ([558])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج20 ص102): (تارك الصلاة، والزكاة: إذا قتل عند أحمد /، فهو عنده من قسم المرتدين، لأنه بالإسلام ملتزم: لهذه الأفعال، فإذا لم يفعلها، فقد ترك ما التزمه، أو لأنها عنده من الغاية التي يمتد القتال إليها، كالشهادتين، فإنه لو تكلم، بإحداهما: وترك الأخرى لقتل). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «الدرر السنية» (ج10 ص495): (وقد أشكل هذا على: عمر بن الخطاب t، فقال: «يا خليفة رسول الله، كيف نقاتل الناس... الحديث»، فقال أبو بكر: ألم يقل: «إلا بحقها»، فإن الزكاة من حقها، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله r، لقاتلتهم على منعها».
قال عمر بن الخطاب t: «فوالله ما هو إلا إن رأيت الله، قد شرح صدر أبي بكر، للقتال: فعلمت أنه الحق».
* فوافق عمر t، أبا بكر t، واتفق الصحابة ﭫ، كلهم على ذلك.
وقاتلوا من منع الزكاة، وأدخلوهم في حكم أهل الردة، فكيف بمن أضاف إلى ذلك: ترك الصلاة، والصيام، والحج، فهذا أولى بالكفر، والردة عن الإسلام، ممن ترك: الزكاة وحدها.
* فناقض ما أجمع عليه أصحاب رسول الله r، من تكفير هؤلاء، وجعلهم: مسلمين، بمجرد التلفظ بالشهادتين). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ / في «الرسائل» (ج1 ص246)؛ عن ترك عمل الجوارح: (هذا من فروع مذهب: «المرجئة»، وهو الرائج في البلدان التي أهلها يدعون الإسلام). اهـ
(11) وعن عبد الله بن عمرو ﭭ قال: (إن عرى الدين، وقوامه الصلاة، والزكاة، لا يفرق بينهما، وحج البيت، وصوم رمضان).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (10483)، وفي «الإيمان» (124) من طريق محمد بن بشر نا زكريا قال: حدثني حواري بن زياد؛ أن عبد الله بن عمرو t به.
قلت: وهذا سنده حسن.
(12) وعن الإمام مالك بن أنس / قال: (الأمر عندنا إن كان قد منع فرائض الله تعالى، فلم يستطع المسلمون أخذها منه، فإن حقا عليهم جهادهم([559])، حتى يأخذوها منه.
* قال حنبل: سمعت أبا عبدالله يقول: (ما فعل أبو بكر، قلت: فما ترى أنت؟، قال: ما أجيب في هذا بشيء، فقد قال مالك: في ذلك، وأمسك أبو عبدالله عن الجواب).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام الملل»، كتاب: «الردة» (ص482) من طريق حنبل قال: حدثنا القعنبي قال: قال مالك بن أنس به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وبوب الخلال عليه في «أحكام الملل» (ص482)، باب: جامع القول في من ترك فريضة من فرائض الله تعالى.
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص502): (من آمن بالله، واليوم الآخر، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فلم يفرق بين الإيمان، وبين الصلاة والزكاة، فمن لم يؤمن لم تنفعه الصلاة، ومن لم يصل لم ينفعه الإيمان). اهـ
وقال عبدالله بن أحمد في «السنة» (ص361)؛ وجدت في كتاب أبي /، قال: أخبرت أن فضيل بن عياض قال: (وقال أصحاب الرأي: ليس الصلاة، ولا الزكاة، ولا شيء من الفرائض من الإيمان؛ افتراء على الله عز وجل، وخلافا لكتابه، وسنة نبيه r، ولو كان القول؛ كما يقولون: لم يقاتل أبو بكر t: أهل الردة).
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص59): (قوله تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11]؛ فعلق أخوتهم للمؤمنين؛ بفعل الصلاة، فإذا لم يفعلوها لم يكونوا: إخوة للمؤمنين، فلا يكونوا: مؤمنين، لقوله تعالى: ]إنما المؤمنون إخوة[ [الحجرات:10]). اهـ
وقال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج5 ص956): (فوصف الله عز وجل الدين قولا، وعملا؛ فقال تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11]؛ والتوبة: من الشرك، وهو: الإيمان، والصلاة، والزكاة: عمل).
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج1 ص151): (وفي الحديث من الفوائد:
(1) فيه دليل على مراجعة الأكابر، حيث راجع عمر t، أبا بكر t.
(2) وفيه دليل على أن أبا بكر t: أقرب إلى الصواب، من عمر t، بإقرار عمر t، وهو كذلك.
وجهه: قوله t: (فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال)، فلما شرح الله صدره للقتال، واطمأن به، علم أنه الحق، مع أن عمر t كان معارضا في أول الأمر.
(3) وفيه دليل على شدة أبي بكر t، في مواضع الشدة، مع أنه كان ألين من عمر t، لكنه في مواضع الشدة: أقوى من عمر t). اهـ
وقال الإمام أبو يعلى / في «الإيمان» (ص406): (فإنه إجماع الصحابة ﭫ؛ وذلك أنهم نسبوا الكفر إلى مانع الزكاة وقاتلوه، وحكموا عليه بالردة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «وجوب الإتباع» (ص306): (وقد أوجب الله تعالى على أهل دينه جهاد من خرج عن شيء – يعني: من الدين - حتى يكون الدين كله لله، كما قال تعالى: ]وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله[ [التوبة:11].([560])
* فمن خرج عن بعض الدين: إن كان مقدورا عليه، أمر بالكلام فإن قبل، وإلا ضرب، وحبس حتى يؤدي الواجب، ويترك المحرم، فإن امتنع عن الإقرار بما جاء به الرسول r، أو شيء منه ضربت عنقه، وإن كان في طائفة ممتنعة قوتلوا، كما قاتل أبو بكر t وسائر الصحابة مانعي الزكاة مع أنهم كانوا مقرين بالإسلام، باذلين للصلوات الخمس، حتى قال أبو بكر الصديق t: (والله لو منعوني عناقا([561]) كانوا يؤدونها إلى رسول الله r لقاتلتهم على منعها). ([562])([563])
* وكما قاتل علي بن أبي طالب t، ومن معه من الصحابة الخوارج الذين: قال فيهم النبي r: (...فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة). ([564])
* وهؤلاء الخوارج الحرورية هم أول من ابتدع في الدين، وخرج عن السنة والجماعة... فكل من خرج عن كتاب الله، وسنة رسوله r، من سوائر الطوائف فقد وجب على المسلمين أن يدعوه إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r بالكلام، فإن أجاب؛ وإلا عاقبوه بالجلد تارة، وبالقتل أخرى، على قدر ذنبه، وسواء كان منتسبا إلى الدين...). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج21 ص282): (الآثار المرفوعة: في هذا الباب كلها تدل على أن مفارقة الجماعة، وشق عصا المسلمين، والخلاف على السلطان المجتمع عليه، يريق الدم ويبيحه، ويوجب قتال من فعل ذلك. فإن قيل: قد قال رسول الله r: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) فمن قال لا إله إلا الله حرم دمه.
* قيل لقائل ذلك: لو تدبرت قوله في هذا الحديث: «إلا بحقها»، لعلمت أنه خلاف ما ظننت؛ ألا ترى أن أبا بكر الصديق t قد رد على عمر t ما نزع به من هذا الحديث، وقال: «من حقها الزكاة»؛ ففهم عمر t ذلك من قوله وانصرف إليه، وأجمع الصحابة عليه، فقاتلوا مانعي الزكاة، كما قاتلوا أهل الردة([565])، وسماهم بعضهم أهل ردة على الاتساع، لأنهم ارتدوا عن أداء الزكاة.
* ومعلوم مشهور عنهم أنهم قالوا: ما تركنا ديننا، ولكن شححنا على أموالنا، فكما جاز قتالهم عند جميع الصحابة على منعهم الزكاة، وكان ذلك عندهم في معنى قوله ـ عليه السلام ـ «إلا بحقها»؛ فكذلك من شق عصا المسلمين، وخالف إمام جماعتهم وفرق كلمتهم، لأن الفرض الواجب اجتماع كلمة أهل دين الله المسلمين، على من خالف دينهم من الكافرين، حتى تكون كلمتهم واحدة، وجماعتهم غير مفترقة.
* ومن الحقوق المريقة للدماء المبيحة للقتال: الفساد في الأرض، وقتل النفس، وانتهاب الأهل والمال، والبغي على السلطان، والامتناع من حكمه، وهذا كله داخل تحت قوله: «إلا بحقها»؛ كما يدخل في ذلك الزاني المحصن، وقاتل النفس بغير حق، والمرتد عن دينه). اهـ
وقال الفقيه ابن جزي / في «القوانين الفقهية» (ص121) عن الزكاة: (وهي فرض من قواعد الإسلام: من جحد وجوبها فهو كافر، ومن منعها أخذت منه قهرا، فإن امتنع: قوتل حتى يؤديها). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج14 ص12) – بعد ما ذكر حديث: أمرت أن أقاتل الناس -: (فدل هذا الحديث: وما جاء في معناه، على أن الذي يبخل بالزكاة، ويمتنع منها، ويقاتل دونها، ولا يؤديها؛ فإنه يباح قتاله، كما قاتل الصديق t مانعيها؛ لأنه لا يكون معصوم الدم؛ إلا بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ولهذا لما امتنع بعض العرب بعد موت النبي r من الزكاة قاتلهم الصحابة حتى يؤدوها).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص57): (وكذلك مانعوا الزكاة؛ فإن الصديق، والصحابة ابتدءوا قتالهم، قال الصديق: «والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله r لقاتلتهم عليه»؛ وهم يقاتلون إذا امتنعوا من أداء الواجبات، وإن أقروا بالوجوب). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص90): (وإن كانوا طائفة ممتنعة ذات شوكة؛ فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا أداء الواجبات الظاهرة والمتواترة: كالصلاة، والصيام، والزكاة، وترك المحرمات: كالزنا، والربا، وقطع الطريق، ونحو ذلك). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص207): (فالواجب على ولي الأمر أن يأمر بالصلوات المكتوبات جميع من يقدر على أمره، ويعاقب التارك بإجماع المسلمين، فإن كان التاركون طائفة ممتنعة: قوتلوا على تركها بإجماع المسلمين، وكذلك يقاتلون على ترك الزكاة، والصيام، وغيرهما، وعلى استحلال المحرمات الظاهرة المجمع عليها، كنكاح ذوات المحارم، والفساد في الأرض، ونحو ذلك، فكل طائفة ممتنعة من التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة يجب جهادها، حتى يكون الدين كله لله باتفاق العلماء). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الأم» (ج4 ص215): (فسار إليهم أبو بكر t بنفسه حتى لقي أخا بني بدر الفزاري فقاتله معه عمر t، وعامة أصحاب رسول الله r ثم أمضى أبو بكر t خالد بن الوليد t في قتال من ارتد، ومن منع الزكاة معا فقاتلهم بعوام من أصحاب رسول الله r قال ففي هذا الدليل على أن من منع ما فرض الله عز وجل عليه فلم يقدر الإمام على أخذه منه بامتناعه قاتله). اهـ
قلت: ورسول الله r قد أمرنا بقتال الخوارج كما جاء في الأحاديث، بل قد ساوى قتالهم بقتال الكفار.
وهذا قول رسول الله r في الخوارج فما بالك بمن حمل مع بدعة الخوارج بدعا أخرى؟!.
* علما بأن الخوارج كانوا أهل عبادة وتخشع كما وصفهم رسول الله r في الأحاديث، ولكن ما ينفعهم ذلك والأصل فاسد.
ولذلك أقول: يجب على من أتى ببدعة الخوارج أن يستتاب أو يقتل، فإن كان الأمر دون قتله، فيكون الأولى حبسه، أو نفيه إلى أن يموت.
* وهكذا عمل معهم علي بن أبي طالب t، ومن معه من الصحابة ﭫ في عصره.
فعن عبد الله بن عباس ﭭ قال: (لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار، وكانوا ستة آلاف، فقلت لعلي t: يا أمير المؤمنين، أبرد بالصلاة، لعلي أكلم هؤلاء القوم... فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقتلوا على ضلالتهم، قتلهم المهاجرون، والأنصار).
حديث حسن
أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج5 ص165 و167)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص342)، وأبو داود في «سننه» (4037)؛ مختصرا، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص522)، وأبو عبيد في «الأموال» (444)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج10 ص157)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص150)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج8 ص179)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص318)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص91)، والطبراني في «المعجم الكبير» (15098)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص962) من طريقين عن عكرمة بن عمار قال: حدثني أبو زميل قال: حدثني عبدالله بن عباس به.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3406).
وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج49 ص292) بوجه آخر بنحوه.
والحديث صححه الشيخ أحمد شاكر في «شرح المسند» (ج5 ص67).
قلت: ومما يدل على كفر الخوارج، وتكفيرهم للمسلمين قديما وحديثا، ومن كفر المسلمين، فهو كافر بالنص.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص481)؛ عن الخوارج: (وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب، بل بما يرونه هم من الذنوب، واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك). اهـ
قلت: فلما حصل منهم ذلك اتفق الصحابة الكرام على أنهم كفار، وأنهم المعنيون في الأحاديث عن النبي r، واتفقوا على وجوب قتالهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص481): (ولذلك اتفق على قتالهم الصحابة، والأئمة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص483): (فلما شاع في الأمة أمر الخوارج، تكلمت الصحابة فيهم، ورووا عن النبي r الأحاديث فيهم، وبينوا ما في القرآن من الرد عليهم، وظهرت بدعتهم في العامة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص279): (والخوارج هم أول من كفر المسلمين، يكفرون بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم ويستحلون دمه وماله). اهـ
قلت: وهذه الصفات السيئة هي صفات الكفار والعياذ بالله؛ فقد أحدث الخوارج بدعة مكفرة لهم بوصفهم أهل الإسلام بالكفر، يريدون بذلك إخراجهم من الإسلام، وعيبهم، والطعن عليهم، والوقيعة فيهم، والازدراء بهم عند أتباعهم الخوارج.
* فالخوارج تكلموا في تكفير أهل الذنوب من الأمة عموما، فقالوا: بأنهم كفار مخلدون في النار، وأحكامهم في الدنيا أحكام الكفار، ودارهم دار كفر، واستحلوا بذلك دماء المسلمين، وأموالهم، وقتالهم([566])، اللهم غفرا.
فالخوارج تشبهوا بالمشركين، والمبتدعين في رميهم أهل الإسلام، بهذه المعائب التي إذا لم يوجد لها مكان فيهم ردت عليهم.
* بحكم قول رسول الله r: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك». ([567])
* وقول رسول الله r: «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما». ([568])
* وقول رسول الله r: «أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما». ([569])
وعن عبد الله بن مسعود t، قال: (إذا قال الرجل، للرجل: أنت لي عدو، فقد كفر: أحدهما، بالإسلام).
وفي رواية: (فقد خرج: أحدهما، من الإسلام).
وفي رواية:(إذا قال المسلم لأخيه: أنت عدوي، فقد خرج أحدهما من الإسلام).
أثر صحيح
أخرجه أحمد في «الإيمان» (315)، و(317)، و(328)، و(329)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص677)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1899)، والخلال في «السنة» (1284) من طريق عبدالرحمن بن يزيد، وقيس، وأبي وائل؛ كلهم: عن عبدالله بن مسعود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
* وبتكفيرهم – يعني: الخوارج - ذهب علي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وابن عمر، وجميع الصحابة ﭫ، والإمام مالك([570])، والإمام أحمد([571]) وغيرهم.
قلت: ولم يثبت عن أحد من الصحابة ﭫ بعدم تكفيرهم، بل ما نقل لنا عن الصحابة ﭫ إلا تكفيرهم، ولذلك اتفقوا على قتالهم مع علي بن أبي طالب t لأنهم اعتبروهم في حكم المرتدين، وصرح بذلك أبو أمامة t، وغيره بذلك.
قلت: ويدل على كفر الخوارج، بأنهم كلاب النار؛ لأن هذا اللفظ يدل على تخليدهم فيها، وهذا لا يكون إلا للكفار، والعياذ بالله.
* لذلك ذهب إلى تكفير الخوارج: «الإمام مالك»، و«الإمام أحمد» في رواية وهي الأشهر، و«الحافظ البخاري»، و«الحافظ أبو بكر ابن العربي»، و«الحافظ السبكي»، و«الحافظ أبو العباس القرطبي»، و«الحافظ القاضي عياض»، و«الحافظ النووي»، و«العلامة ابن باز»، و«العلامة الشيخ صالح الفوزان»، وأكثر أهل الحديث على تكفير الخوارج. ([572])
فالحافظ البخاري / في «صحيحه» (ج12 ص282) أشار إلى تكفير الخوارج في الترجمة، (باب: قتل الخوارج والملحدين([573]) بعد إقامة الحجة([574]) عليهم)؛ وقول الله تعالى ]وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون[ [التوبة:115]، فهذا مقتضى صنيع الحافظ البخاري: حيث قرنهم بالملحدين.
قال ابن حجر / في «فتح الباري» (ج12 ص299): (وإلى ذلك أشار البخاري في الترجمة، بالآية المذكورة فيها، واستدل به لمن قال بتكفير الخوارج، وهو مقتضى صنيع البخاري، حيث قرنهم بالملحدين، وأفرد عنهم المتأولين بترجمة). اهـ
وقال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص222): (فقد علم العقلاء من المؤمنين، والعلماء من أهل التمييز، أن عليا t: قاتل في خلافته، أهل التأويل([575]) الذين تأولوا في خروجهم عليه، ومن عنده أخذت الأحكام في قتال المتأولين، كما علم المؤمنون قتال المرتدين، حيث قاتلهم: أبوبكر t، على ظاهر التنزيل). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج4 ص501): (واعلم: أن طائفة من الفقهاء([576])، من أصحاب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، جعلوا: قتال مانعي الزكاة، وقتال الخوارج جميعا من قتال: البغاة... وهذا القول خطأ مخالف لقول الأئمة الكبار، وهو خلاف نص: مالك، وأحمد، وأبي حنيفة، وغيرهم من أئمة السلف، ومخالف للسنة الثابتة عن النبي r). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص504): (وثبتت النصوص عن النبي r، بما استقر عليه إجماع الصحابة y، من قتال الصديق، وقتال الخوارج). اهـ
وقال الإمام ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص250): (فسمى النبي r: القوم الذين قتلهم علي t: «مارقة»، وسماهم: «خوارج»([577])،... وحلت دماؤهم، وعظمت المثوبة لمن قتلهم). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الأم» (ج4 ص226): (وأهل الردة بعد رسول الله r ضربان:
1) منهم: قوم كفروا بعد الإسلام، مثل: طليحة، ومسيلمة، والعنسي، وأصحابهم.
2) ومنهم: قوم تمسكوا بالإسلام، ومنعوا الصدقات). اهـ
قلت: فإن ذكر: «المرجئة العصرية»، اختلاف عدد من المتأخرين في ذلك، فإجماع الصحابة، والسلف، يحجهم، لأن كفر تارك الزكاة، قد كان في عهد الخلفاء الراشدين، فدل على فساد مذهب: «المرجئة العصرية»، في عدم تكفيرهم لتارك الزكاة، أو بقية المباني. ([578])
* وعبيد الجابري هذا يأتي؛ بمثل: هذه الروايات، ليستدل بها على إرجائه، ويترك الروايات البينة الواضحة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص616): (أن من قال من الفقهاء: أنه إذا أقر بالوجوب، وامتنع عن الفعل، لا يقتل، أو يقتل مع إسلامه؛ فإنه دخلت عليه الشبهة، التي دخلت على: «المرجئة»، و«الجهمية»). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص381): (وأمر النبي r بقتال المارقين([579]) منه؛ فثبت عنه r في «الصحاح»... وهؤلاء لما خرجوا في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t، قاتلهم هو وأصحاب رسول الله r، بأمر النبي r، وتحضيضه على قتالهم، واتفق على قتالهم جميع أئمة الإسلام.
* وهكذا: كل من فارق جماعة المسلمين، وخرج عن سنة رسول الله r، وشريعته من أهل الأهواء المضلة، والبدع المخالفة... فإذا كان على عهد رسول الله r، وخلفائه الراشدين، قد انتسب إلى الإسلام من مرق منه، مع عبادته العظيمة؛ حتى أمر النبي r بقتالهم، فيعلم أن المنتسب إلى الإسلام، أو السنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضا من الإسلام والسنة، حتى يدعي السنة من ليس من أهلها، بل قد مرق منها، وذلك بأسباب ). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص286)؛ عن تأويلات التتر: (وليس لهم تأويل سائغ بالكتاب والسنة والإجماع؛ ولكن لهم تأويل من جنس تأويل: مانعي الزكاة، والخوارج، واليهود والنصارى). اهـ
(13) وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب t قال: سمعت رسول الله r يقول: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان».
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص49)، وفي «التاريخ الكبير» (ج8 ص322)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص45)، وفي «التمييز» (ص173)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص5 و6)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص17 و18)، وفي «معالم التنزيل» (ج1 ص329)، وفي «مصابيح السنة» (ج1 ص13)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص358)، وفي «السنن الصغير» (ج1 ص105)، وفي «شعب الإيمان» (ج1 ص54)، و(ج3 ص288 و428)، وفي «الاعتقاد» (ص330)، وفي «فضائل الأوقات» (ص137 و138)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص143)، وفي «الإيمان» (22)، و(220)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص531)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص107 و108)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص62)، وفي «أخبار أصبهان» (ج1 ص146)، وفي «المسند المستخرج» (ج1 ص109 و110)، وابن سمعون في «الأمالي» (ص211)، وابن المقرئ في «المعجم» (ص183)، وفي «الأربعين» (7)، والخلال في «السنة» (1184)، و(1382)، و(1383)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج1 ص174)، ويوسف بن عبدالهادي في «مسألة في التوحيد» (ص71)، وابن أبي الرجاء في «الفوائد الملتفظة والفرائد الملتقطة» (ق/55/ط)، وابن منده في «الإيمان» (ج1 ص184 و185 و301)، وفي «التوحيد» (ج2 ص30)، وأبو الفضل الزهري في «حديثه» (ج2 ص526)، والنسفي في «القند» (992)،وابن عبد البر في «التمهيد» (ج16 ص160)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج1 ص159)، و(ج4 ص128)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص188)، والآجري في «الشريعة» (ص106)، وفي «الأربعين» (ص20)، وسفيان الثوري في «حديثه» (ص164)، وابن ظهيرة في «مشيخته» (ج2 ص840)، والحميدي في «المسند» (ج2 ص308)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج12 ص309)، وفي «مسند الشاميين» (ج2 ص283)، وفي «المعجم الأوسط» (2930)، و(6264)، (6533)، وابن صاعد في «حديثه» (ق/142/ط)، والجعبري في «الإفصاح في مراتب الصحاح» (ص70)، وابن الدبيثي في «ذيل تاريخ مدينة السلام» (ج1 ص528)، و(ج2 ص304 و489)، و(ج3 ص310)، و(ج4 ص164 و566)، والحيري؛ تعليقا في «الكفاية في التفسير» (ج6 ص186)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص52 و53)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (ص261)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص636 و637 و638)، والمؤيد الطوسي في «الأربعين عن المشايخ الأربعين» (ص90)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص418 و419 و420 و421)، والحربي في «الحربيات» (ق/8/ط)، ودانيال في «مشيخته» (ق/88/ط)، والدارقطني في «المؤتلف والمختلف» (ج2 ص932)، و(ج3 ص1176)، وفي «الأفراد» (1911)، و(2882)، و(2986)، وابن عدي في «الكامل» (ج2 ص660)، و(ج4 ص1419)، وأبو يعلى في «المسند» (ج10 ص164)، وابن الجوزي في «مشيخته» ص169 و170)، وفي «جامع المسانيد» (ج4 ص319)، وفي «الحدائق» (ج1 ص66)، وأبو عبيد في «الإيمان» (ص59)، وفي «الناسخ والمنسوخ» (ص203)، والذهبي في «معجم الشيوخ» (ج2 ص283)، وفي «المعجم المختص بالمحدثين» (ص264)، والديلمي في «الفردوس» (ج2 ص30)، وابن أبي عمر العدني في «الإيمان» (ص84)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص151)، والمخلص في «المخلصيات» (ج1 ص233)، والسهمي في «تاريخ جرجان» (ص416 و450)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» (ج4 ص295)، وبيبي الهروية في «جزء حديثها» (ص62)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص105)، وأبو حيان الأندلسي في «المنتخب من حديث: شيوخ بغداد» (ص132)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ق/53/ط)، وابن غيلان في «الغيلانيات» (480)، واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (ج4 ص810)، والحسن بن سفيان النسوي في «الأربعين» (ص47)، وابن طولون في «الفهرست الأوسط من المرويات» (ج1 ص244)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج43 ص86)، و(ج54 ص53)، و(ج58 ص86)، و(ج60 ص314)، و(ج63 ص228)، و(ج68 ص234)، وفي «معجم الشيوخ» (12، و(166)، و(994)، وضياء الدين المقدسي في «فضائل الأعمال» (ص292)، والحرفي في «الأمالي» (ص407)، وابن نقطة في «تكملة الإكمال» (ج3 ص519)، والسبكي في «الطبقات الكبرى الشافعية» (ج1 ص76)، والخطيب البغدادي في «الكفاية» (ص210)، وفي «تاريخ بغداد» (ج14 ص29)، وفي «الأسماء المبهمة» (ص336 و337)، وصدر الدين البكري في «الأربعين» (ص82)، والشجري في «الأمالي» (ج1 ص31 و33)، والرافعي في «التدوين في أخبار قزوين» (ج2 ص237)، وابن حجر في «الإمتاع» (ص269 و270)، والدولابي في «الكنى» (ج1 ص80)، والسمرقندي في «تنبيه الغافلين»؛ تعليقا (ص231)، والمراغي في «مشيخته» (ص124 و125)، من عدة طرق عن عبدالله بن عمر ﭭ به.
وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
وقال ابن منده: «هذا حديث مجمع على صحته».
وقال الإمام النووي / في «المنهاج» (ج1 ص179): (إن هذا الحديث: أصل عظيم في معرفة الدين، وعليه اعتماده، وقد جمع أركانه). اهـ
وقال الحافظ السيوطي / في «الديباج» (ج1 ص17): (بني الإسلام على خمس؛ أي: أركان، أو أشياء، (على خمس)؛ أي: خصال، أو دعائم، أو قواعد). اهـ
قلت: إذا كان الله تعالى قد أمر: بـ«الصلاة»، و«الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج»، كأمره بالتوحيد، ثم كان مضيع هذه الفرائض كافرا، أو هو تارك، لأحدهما: يكفر، كما يكفر من ترك: «الشهادتين».
وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي / في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص103): «باب الصلاة من الإيمان».
وقال الحافظ أبو نعيم / في «المسند المستخرج» (ج1 ص109): (باب: بني الإسلام على خمس).
وقال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج1 ص93)؛ تحت حديث: ابن عمر ﭭ: «بني الإسلام على خمس»: (فإن النبي r جعل هذه الخمس دعائم الإسلام ومبانيه، وفسر بها الإسلام في حديث جبريل، وفي حديث طلحة بن عبيد الله الذي فيه: أن أعرابيا سأل النبي r ففسره له بهذه الخمس، ومع هذا؛ فالمخالفون في الإيمان يقولون: لو زال من الإسلام خصلة واحدة، أو أربع خصال سوى الشهادتين، لم يخرج بذلك من الإسلام).([580]) اهـ
وقال الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ص224)؛ باب: وجوب الزكاة، وقول الله تعالى: ]وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين[ [البقرة:43].
وقال الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ص225)؛ باب: البيعة على إيتاء الزكاة: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11].
وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي / في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص104): «باب: الزكاة من الإيمان».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص318): (وقول الإمام أحمد /: إن الإسلام هو: «الإقرار»، يدل على أن هذا أول دخوله الإسلام، وأنه لا يكون قائما بالإسلام الواجب، حتى يأتي بالخمس). اهـ
وقال الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ج1 ص23)؛ باب: الصلاة من الإيمان.
وقال الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ج1 ص25)؛ باب: الزكاة من الإسلام.
وقال العلامة الشيخ ابن غصون / في «الفتاوى» (ج3 ص284): (وحينئذ فالذي لا يصلي أبدا، لا يطلق عليه أنه مسلم.
* وحينئذ صدقاته، وما يفعل من أوجه البر، ومن أوجه الخير، لا تنفعه مع عدم الإسلام، ليس لها أثر مع كون الإنسان لم يلتزم بالإسلام.
فشهادة: أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وحدها لا تكفي، وإن كانتا هما الأساس، لكنهما مع من يعرف أنه لابد من الإتيان ببقية واجبات الإسلام، ودعائمه العظام). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون / في «الفتاوى» (ج3 ص282): (وكل الصلوات، وصيام رمضان، والحج لبيت الله الحرام، وإخراج الزكاة على من عليه زكاة، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهي الأساس كذلك، ليس فيها شيء هو في خيار منه، فمن لم يحافظ على الصلوات، ومن لم يحافظ على واجبات الإسلام، فهو غير مسلم). اهـ
(14) وعن عبد الله بن مسعود t قال: (من أقام الصلاة، ولم يؤت الزكاة، فليس بمسلم، ينفعه عمله).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1356)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (1477)، وأحمد في «الإيمان» (341)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (790)، من طريق يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله بن مسعود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(15) وعن عبد الله بن مسعود t قال: (ما تارك الزكاة بمسلم).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1357)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (855)، والخلال في «السنة» (1500)، وأحمد في «الإيمان» (339)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (891) من طريق وكيع بن الجراح عن الحسن بن صالح عن مطرف عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله بن مسعود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(16) وعن عبد الله بن مسعود t قال: (أمرتم بالصلاة والزكاة؛ فمن لم يزك فلا صلاة له).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1355)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (1476)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (732)، (856)، والطبراني في «المعجم الكبير» (8974)، و(10095)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (9919)، والخلال في «السنة» (1502)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (890)، وحميد بن زنجويه في «الأموال» (1349)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (231)، وأبو عبيد في «الأموال» (940) من طريق سلام بن سليم الحنفي، وسويد بن سعيد الهروي، وإسماعيل بن عمرو البجلي، ووكيع بن الجراح، وعبدالرحمن بن مهدي، وأسد بن موسى، والنعمان بن عبدالسلام؛ كلهم: عن شريك بن عبدالله القاضي، وإسرائيل بن يونس، كلاهما: عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج3 ص62): «وله إسناد صحيح».
وذكره ابن تيمية في «الفتاوى» (ج7 ص302 و303).
قلت: فالتارك للزكاة: ليس بمؤمن، بل هو كافر، وهذا بالإجماع، فمن أحدث قولا خالف الإجماع السابق للصحابة ﭫ، فلا حكم لقوله، ولا يلتفت إلى خلافه المزعوم في عصر المتأخرين، وفي عصر المعاصرين([581])
قال تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11].
* فالله تعالى: لم يثبتهم إخوانا لنا، إلا بهذه الشرائط: من صلاة وزكاة.
وهذا يدل على أن: تارك الصلاة، والزكاة، لا يكون أخا لنا في الدين، لأنه كافر في الدين، والدين: هو الإيمان.([582])
(17) وعن الإمام مسروق / قال: (أمرتم في كتاب الله بإقامة أربع: بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، والعمرة، فالعمرة من الحج، منزلة الصلاة من الزكاة).
أثر صحيح
أخرجه ابن زنجويه في «الأموال» (1351) من طريق زهير عن أبي إسحاق قال: سمعت مسروقا به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(18) وعن سلمة بن نبيط قال: سئل: الضحاك بن مزاحم عن الزكاة، فقال: (لا ترفع الصلاة؛ إلا بالزكاة).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص114)، وابن زنجويه في «الأموال» (1350) من طريق محمد بن عبيد، وأبي خالد الأحمر عن سلمة بن نبيط به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «الإيمان الكبير» (ص569).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص354): (والإمام أحمد /: في أكثر الروايات عنه، وأوفقها لأصوله، أن تارك الأركان الأربعة، عدا الشهادتين متعمدا: كافر). اهـ
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص609)؛ أن الأركان ما عدا الشهادتين، في تكفير تاركها: نزاع مشهور، ثم رجح كفره بترك واحدة منهن.
* وهو اختيار: القاضي أبي بكر بن العربي، وطائفة من أصحاب الإمام مالك /.
(19) وعن الضحاك بن مزاحم / قال: (فهذه صفة دين الله، وهو الإيمان، وما شرع الله فيه من الإقرار بما جاء من عند الله، وبين من حلاله وحرامه، وسننه وفرائضه).([583])
(20) وقال تعالى: ]ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين[ [آل عمران:97]، فدلت هذه الآية على أن ترك الحج كفر، عند الاستطاعة، وليست هذه الآية محمولة على جحد الإيجاب: للحج، وهذا ظاهر في الآية.
قلت: فوجب أن يكون ذلك كفرا بما أوجب عليه.
وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي / في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص105): «باب: حج البيت من الإيمان».
(21) وعن الإمام سعيد بن جبير / قال: (لو مات جار لي؛ وهو موسر: ولم يحج لم أصل عليه).
أثر صحيح
أخرجه أحمد في «الإيمان» (414)، ابن أبي شيبة في «المصنف» (14668)، والخلال في «السنة» (1575) من طريق شعبة عن أبي المعلى عن سعيد بن جبير به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(22) وعن الأسود بن هلال / قال: (لمولى له، يقال: له مقلاص، هو موسر: يا مقلاص: أتحج، فإن لم تحج، لم أصل عليك)، وفي رواية: (لئن مت ولم تحج، لم أصل عليك).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (1574)، وأحمد في «الإيمان» (417)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (14666) من طريق هشيم، وسفيان عن مغيرة بن مقسم، ومنصور؛ كلاهما: عن إبراهيم النخعي عن الأسود به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
* ونقل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص258)؛ عن أهل العلم: أن من ترك الزكاة، أو ترك صيام رمضان، من غير عذر شرعي، أنه يكفر، وهو الصواب: في اختلاف المتأخرين، لأنه موافق لإجماع الصحابة، والتابعين.
* ونقل شيخنا ابن عثيمين / في «حكم تارك الصلاة» (ص47)؛ كفر تارك إيتاء الزكاة، وأنه قال بهذا الحكم عدد من أهل العلم، وهو إحدى الروايتين: عن الإمام أحمد /.
* وهو الصواب، لموافقتهم لإجماع الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، على كفر تارك إيتاء الزكاة، من غير تفريق بين من تركها تهاونا، وكسلا، أو تركها جحودا.([584])
وبوب الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص406)؛ باب كفر تارك الصلاة، ومانع الزكاة، وإباحة قتالهم وقتلهم إذا فعلوا ذلك.
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «كشف الشبهات» (ص12): (اعلم أن من ترك: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، فهو كافر؛ بإجماع المسلمين).اهـ
وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي / في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص105): «باب: صيام رمضان من الإيمان».
(23) وعن عمر بن الخطاب t قال: (من أطاق الحج، ولم يحج حتى مات، فأقسموا عليه أنه: مات يهوديا، أو نصرانيا).
أثر صحيح
أخرجه محمد بن أسلم الطوسي في «الإيمان» (24)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص252)، والإسماعيلي في «مسند عمر بن الخطاب» (ج1 ص448 – مسند الفاروق) من طريق قبيصة بن عقبة السوائي ثنا سفيان الثوري عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله قال: حدثني عبدالرحمن بن غنم أنه سمع عمر بن الخطاب t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقبيصة بن عقبة السوائي، ثقة، قد حفظ هذا الحديث عن الثوري بالتحديث([585])، وقد صححه ابن حجر في «التلخيص الحبير» (ج2 ص223)، والشيخ الألباني في «الضعيفة» (ج1 ص166).
قال الحافظ الذهبي في «السير» (ج10 ص133)؛ في ترجمة: قبيصة بن عقبة: (الرجل ثقة، وما هو في سفيان: كابن مهدي، ووكيع، وقد احتج به الجماعة في سفيان، وغيره، وكان من العابدين). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ص436)؛ عن قبيصة بن عقبة: (من كبار شيوخ البخاري أخرج عنه أحاديث، عن سفيان الثوري، وافقه عليها غيره). اهـ
ومن هذا الوجه: أورده ابن كثير في «مسند الفاروق» (ج1 ص448)؛ ثم قال: «وهو إسناد صحيح عنه».
وقال ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج2 ص387): (وهذا إسناد صحيح، إلى عمر بن الخطاب t).
* وأثر عمر t
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج5 ص439) من طريق وكيع بن الجراح عن شعبة بن الحجاج عن الحكم بن عتيبة.
وأخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (ج1 ص382) من طريق المعتمر بن سليمان أنه سمع ليث بن أبي سليم.
كلاهما: الحكم بن عتيبة، وليث بن أبي سليم عن عدي بن عدي بن عميرة الكندي عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب t: (من مات، وهو موسر لم يحج، فليمت على أي حال، شاء يهوديا، أو نصرانيا).
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأورده السيوطي في «الدر المنثور» (ج3 ص694)؛ وعزاه إلى سعيد بن منصور.
وقال الدارقطني في «العلل» (ج2 ص174)؛ بعد أن ذكر الاختلاف في الأثر: (رواه شعبة عن الحكم عن عدي بن عدي عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم، وقال: عن أبيه عن عمر، وقول شعبة عن الحكم: أصح من قول العلاء بن المسيب عن الحكم عن عدي عن عمر).
وقال الشيخ الألباني في «الضعيفة» (ج10 ص166): (وإنما ثبت ذلك من قول: عمر بن الخطاب، موقوفا عليه).
وقال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (ج2 ص223): (أن طريق رواية: البيهقي، وسعيد بن منصور: صحيحة).
وذكره الهندي في «كنز العمال» (12402)؛ وعزاه إلى سعيد بن منصور.
وأخرجه أحمد في «الإيمان» (419)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج5 ص439)، وابن الجوزي في «مثير العزم الساكن» (7)، والخلال في «السنة» (1580)، من طريق وكيع، ومحمد بن جعفر، والطيالسي، ووهب بن جرير؛ كلهم: عن شعبة بن الحجاج عن الحكم بن عتيبة عن عدي بن عدي الكندي عن الضحاك([586]) بن عبدالرحمن بن عرزم عن أبيه عن عمر بن الخطاب t قال: (من كان ذا يسار، فمات ولم يحج، فليمت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا).
قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات.
وقال الشيخ الألباني في «الضعيفة» (ج10 ص166): (وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات؛ غير عبد الله بن نعيم؛ ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقد روى عنه: جمع آخر من الثقات، ووثقه: ابن نمير). اهـ
وذكره الزيلعي في «نصب الراية»: (ج4 ص412)، وابن عبدالهادي في «تنقيح التحقيق» (ج3 ص410).
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص334) من طريق حجاج بن محمد المصيصي عن ابن جريج أخبرني عبدالله بن نعيم، أن الضحاك بن عبدالرحمن الأشعري أخبره أن عبدالرحمن بن غنم أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب t به.
* وعبدالله بن نعيم الشامي، لين الحديث.([587])
وقال الدارقطني في «العلل» (ج2 ص174)؛ بعد أن ذكر الاختلاف: وقول ابن جريج: أصح).
وأخرجه العدني في «الإيمان» (38)، والفاكهي في «أخبار مكة» (ج1 ص382) من طريق هشام بن سليمان عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن النعيم عن الضحاك بن عبد الرحمن الأشعري أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب t يقول: (ليمت يهوديا، أو نصرانيا، رجل مات، ولم يحج، وجد لذلك سعة وخليت سبيله).
* وهشام بن سليمان المخزومي([588]): «مقبول»، وعبدالله بن نعيم: «لين»، وسبق.
وأخرجه العدني في «الإيمان» (38)، والفاكهي في «أخبار مكة» (ج1 ص381) من طريق مروان بن معاوية الفزاري حدثنا ثابت بن يزيد الثمالي عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر بن الخطاب t.
* وثابت بن يزيد الثمالي، ويقال عنه الأودي، يروي عن عمرو بن ميمون، وهو ضعيف الحديث. ([589])
وأخرجه الخلال في «السنة» (1573) من طريق منصور عن الحكم عن عدي بن عدي عن الضحاك بن عرزم قال: قال عمر بن الخطاب t.
وإسناده منقطع، فالضحاك لم يدرك عمر.
وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج5 ص202)، والعدني في «الإيمان» (40) من طريق ابن جريج أخبرني سليمان مولى لنا عن عبدالله بن المسيب قال: سمعت عمر بن الخطاب t.
المولى: سليمان، هو ابن بابيه المكي، «مقبول».([590])
وعبدالله بن المسيب المخزومي: «صدوق». ([591])
والأثر حسنه الشيخ الألباني في «الضعيفة» (ج10 ص166).
وأخرجه سعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (4) من طريق الحكم بن عتيبة عن عبدالرحمن بن عرزم، أن عمر بن الخطاب t قال:... فذكره.
وإسناده منقطع.
(24) وعن الإمام الشعبي / قال: (إذا اختلف الناس في شيء، فانظروا ما قال: عمر بن الخطاب t).
أثر صحيح
أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (ج11 ص605) من طريق يحيى بن أبي بكر عن شعبة عن سيار قال: سمعت الشعبي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص547) من طريق ابن إدريس عن أشعث عن الشعبي قال: (إذا اختلف الناس في شيء، فانظر كيف صنع فيه عمر، فإنه كان لا يصنع شيئا حتى يسأل ويشاور).
وإسناده لا بأس به.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص109) من طريق قبيصة ثنا سفيان عن صالح ابن حي قال: قال الشعبي: (من سره أن يأخذ بالوثيقة من القضاء؛ فليأخذ بقضاء عمر، فإنه كان يستشير).
وإسناده صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج1 ص358): (إذا اختلفت الأحاديث عن النبي r نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون، فإنهم أعلم بتأويلها وناسخها). اهـ
قلت: لو الناس في عهد الصحابة y: تركوا الحج، لقاتلوهم عليه، كما قاتلوهم على: ترك الصلاة، والزكاة.([592])
وبوب الحافظ الفاكهي في «أخبار مكة» (ج1 ص380)؛ التشديد في التخلف عن الحج، والواجب من علة.
(25) وقال الإمام الحكم بن عتيبة /: (من ترك الصلاة متعمدا، فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمدا، فقد كفر، ومن ترك الحج متعمدا، فقد كفر، ومن ترك صوم رمضان متعمدا، فقد كفر). ([593])
قال تعالى: ]وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون[ [النور:56].
وقال تعالى: ]وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين[ [البقرة:43].
(26) وعن ابن عباس ﭭ قال: (إن وفد عبد القيس، لما قدموا على رسول الله r، أمرهم: بالإيمان بالله، فقال: «أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال r: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (53)، و(87)، و(523)، و(4368)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص47)، وأبو داود في «سننه» (4677)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص464)، وفي «الإيمان» (ص202)، وأبو محمد البغوي في «شرح السنة» (20)، وابن منده في «الإيمان» (21)، والخلال في «السنة» (1100)، و(1094)، والمخلص في «المخلصيات» (124)، و(3095)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج1 ص177 و178)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص249)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (1583)، وابن العطار في «نزهة الناظر» (ص72)، ويوسف بن عبدالهادي المقدسي في «مسألة التوحيد» (ص72)، وابن البخاري في «مشيخته» (87)، و(175)، والقاضي أبو يعلى في «الإيمان» تعليقا (16)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1279)، واللالكائي في «الاعتقاد) (1295)، وابن النجار في «ذيل تاريخ بغداد» (ص10)، وابن المؤذن في «فوائد مخرجة عن الشيوخ» (ق/20/ط)، وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (932)، وأبو عبدالله البرزالي في «سلوك طريق السلف» (15)، والنعال في «المشيخة» (ص141)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص61 و62)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج1 ص110 و111)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1078)، والعلائي في «إثارة الفوائد» (ص31)، والمراغي في «المشيخة» (ص167 و168 و169)، وابن أبي الفتح الصوري في «حديثه» (ص674)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص104) من طريق شعبة، وحماد بن زيد، وقرة؛ جميعهم: عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس ﭭ به.
وقال الحافظ أبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص61): «بيان: صفة الإيمان، والإسلام، وأنه أداء الفرائض، واجتناب المحارم».
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج3 ص535): (قد أعلم r في هذا الحديث: أن: «الصلاة»، و«الزكاة» من الإيمان، وكذلك: «صوم رمضان»، و«إعطاء خمس الغنيمة»). اهـ
وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي / في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص107): «باب: أداء الخمس من الإيمان».
وقال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص642)؛ سياق ما روي عن النبي r في أن دعائم الإيمان، وقواعده، شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.
(27) وعن جابر t قال: قال رسول الله r: (بين العبد، وبين الكفر: ترك الصلاة)، وفي رواية: (ليس بين العبد، وبين الشرك: إلا ترك الصلاة)، وفي رواية: (بين الإيمان والكفر: ترك الصلاة).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص82 و88)، وأبو داود في «سننه» (4678)، والترمذي في «سننه» (620)، والنسائي في «السنن الكبرى» (328)، وفي «المجتبى» (464)، وابن ماجه في «سننه» (1078)، وأحمد في «المسند» (ج23 ص365)، وفي «الإيمان» (ص258 و259)، والآجري في «الشريعة» (ص133)، وإبراهيم بن عبدالصمد الهاشمي في «الأمالي» (15)، و(16)، وفي «الهاشميات» (ق/188/ط)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (1589)، و(1590) والبوشنجي في «المنظوم والمنثور» (ص37)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (31033)، وفي «الإيمان» (44)، و(45)، والدارمي في «المسند» (1233)، والخلعي في «الخلعيات» (ص307)، والفزاري في «القدر» (ق/89/ط)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص60 و62)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (810)، و(811)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص365 و366)، وفي «السنن الصغرى» (560)، وفي «شعب الإيمان» (2793)، وفي «الخلافيات» (3005)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (870)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج4 ص229)، وضياء الدين المقدسي في «منتقى من الأحاديث الصحاح والحسان» (ص611)، وحنبل بن إسحاق في «جزئه» 71)، وأبو يعلى في «المسند» (1783)، و1953)، و(2102)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1312) و(1313)، و(1314)، و(1315)، والخلال في «السنة» (1373)، و(1375)، وفي «الجامع» (1371)، (1372)، والدارقطني في «السنن» (1753)، وفي «العلل» (ج3 ص366، وأبو بكر الأنصاري في «أحاديث الشيوخ الثقات» (277)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (1023) والطحاوي في «مشكل الآثار» (3175)، و(3178)،وأبو إسحاق القرشي في «الأمالي» (16)، والجرجاني في «الأمالي» (ق/153/ط)، والبغوي في «شرح السنة» (347)، وفي مصابيح السنة» (ج1 ص252)، وابن منده في «الإيمان» (218)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج3 ص158)، (ج10 ص180)، وفي «تالي تلخيص المتشابه» (ج2 ص465)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (5289)، و(9077)، وفي «المعجم الصغير» (799)، وابن حبان في «صحيحه» (1453)، وابن الجوزي في «التحقيق» (847)، وفي «جامع المسانيد» (ج2 ص76)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (245)، و(246)، (247)، وفي «الحلية» (ج6 ص276)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (888)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج53 ص149)، وابن الأعرابي في «المعجم» (507)، و(1465)، وعبدالغني المقدسي في «أخبار الصلاة» (ص40)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص141)، وابن المقرئ في «الأربعين» (49)، والذهبي في «معجم الشيوخ» (ج2 ص105)، ويوسف بن عبدالهادي المقدسي في «مسألة في التوحيد» (ص75)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (266)، و(267)، والسهمي في «تاريخ جرجان» (ص469)، ومحمد بن إسحاق النيسابوري في «المناهي» (ق/171/ط)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ق/89/ط)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (1926) من طريق أبي سفيان، وأبي الزبير، كلاهما: عن جابر بن عبدالله ﭭ به.
قلت: وهذا الوجه هو المحفوظ في هذا الحديث فقط.
* وقد تكلم الحافظ أبو حاتم، والحافظ أبو زرعة عن بعض طرقه، كما في «العلل» لابن أبي حاتم (298)، و(1938).
* وكذا الحافظ الدارقطني في «العلل» (3253)، ثم قال: (ورفعه صحيح، وهو محفوظ عن أبي الزبير عن جابر بن عبدالله مرفوعا).
* ومعنى الحديث: أن الصلاة، حائل بينه، وبين الكفر، فإذا تركها زال الحائل، ودخل فيه، يعني: في الكفر. ([594])
قلت: والمراد بالكفر هنا، هو الكفر الأكبر، وهو المخرج من دين الإسلام.([595])
* فالنبي r جعل الصلاة حدا، فاصلا: بين الكفر، والإيمان، وبين المؤمن، والكافر.
والصلاة ركن من أركان الإسلام فوصف الشارع تاركها بالكفر الذي يقتضي أنه الكفر المخرج من الإسلام، لأنه هدم ركنا من أركان الإسلام.([596])
قال البوشنجي / في «المنظوم والمنثور» (ص37):
قد روينا عن النبي حديثا |
|
|
خصه الله بالتقى والصلاة |
ليس بين الإنسان والكفر شيء |
|
|
غير ترك الهدى بترك الصلاة |
وقال الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ج1 ص18)؛ باب: من قال: إن الإيمان، هو العمل.
وقال الحافظ ابن حبان / في «صحيحه» (ج4 ص334): (أطلق المصطفى r: اسم: الكفر على تارك الصلاة، إذ ترك الصلاة أول بداية الكفر؛ لأن المرء إذا ترك الصلاة واعتاده، ارتقى منه إلى ترك غيرها من الفرائض، وإذا اعتاد ترك الفرائض أداه ذلك إلى الجحد، فأطلق r اسم النهاية التي: هي آخر شعب الكفر على البداية التي: هي أول شعبها، وهي ترك الصلاة). اهـ
قلت: فهذه الأحاديث، كلها تدل على تكفير تارك الصلاة، وإخراجه من المله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص76): (الكفر المطلق: هو الكفر الأعظم، المخرج عن الملة؛ فينصرف الإطلاق إليه... أنه بين: أن الصلاة، هي العهد الذي بيننا، وبين الكفار، وهم: خارجون عن الملة، ليسوا داخلين فيها، واقتضى ذلك: أن من ترك هذا العهد، فقد كفر، كما أن من أتى به، فقد دخل في الدين، ولا يكون هذا؛ إلا في الكفر المخرج عن الملة). اهـ
قال الإمام المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص1003): (فهي([597]): أشهر معالم التوحيد: منارا، بين ملة الإسلام، وملة الكفر، لن يستحق دين الإسلام، ومشاركة أهل الملة، ومباينة ملة الكفر؛ إلا بإقامتها، فإن تركتها العامة، انطمس منار الدين كله، فلا يبقى للدين رسم، ولا علم يعرف به). اهـ
قال الإمام المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص267): (فلا عمل بعد توحيد الله تعالى، أفضل من الصلاة لله؛ لأنه افتتحها بالتوحيد، والتعظيم لله: بالتكبير). اهـ
وبوب عليه الإمام أبو داود في «السنن» (4 ص219)؛ باب: في رد الإرجاء.
وبوب عليه الإمام الآجري في «الشريعة» (ج2 ص644)؛ في كتاب الإيمان، والرد على المرجئة: ذكر كفر من ترك الصلاة.
وبوب الإمام أبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص61)؛ بيان أفضل الأعمال، والدليل على أن الإيمان: قول وعمل، وأن من ترك الصلاة، فقد كفر، والدليل على أنها أعلى الأعمال، إذ تاركها يصير بتركها كافرا.
قلت: فالعهد الذي بيننا، وبينهم الصلاة؛ فمن تركها، فقد كفر([598])، بل بين العبد، وبين الشرك، ترك الصلاة، فإذا تركها، فقد أشرك.([599])
(28) وقال تعالى: ]يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم[ [المائدة:41].
(29) وقال تعالى: ]منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين[ [الروم:31].
قلت: ووصفت هذه الأدلة: تارك الصلاة: بالكفر، والشرك، والخروج من الملة، والعياذ بالله.
قال الإمام ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص501): (والله تعالى يقول: ]منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين[ [الروم:31]؛ فجعل الله من ترك الصلاة: مشركا، خارجا من الإيمان؛ لأن هذا الخطاب؛ للمؤمنين، تحذير لهم؛ أن يتركوا الصلاة، فيخرجوا من الإيمان، ويكونوا كالمشركين). اهـ
قال الإمام المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص1006): (قال تعالى: ]وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين[ [الروم:31]؛ فبين تعالى أن علامة: أن يكون من المشركين: ترك إقامة الصلاة). اهـ
(30) وقال تعالى: ]فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم[ [التوبة:5].
(31) وقال تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11].
(32) وقال تعالى: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة[ [البينة:5].
قلت: فأخبرنا الله تعالى: أن الحنيف المسلم، هو على الدين القيم، وأن الدين القيم: هو بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن التارك لهما: هو المشرك الذي افترض علينا قتاله، وقتله حتى يتوب، ولا توبة له إلا بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة. ([600])
وقال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج5 ص956): (فوصف الله عز وجل الدين قولا، وعملا؛ فقال تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11]؛ والتوبة: من الشرك، وهو: الإيمان، والصلاة، والزكاة: عمل).([601]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص59): (قوله تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11]؛ فعلق أخوتهم للمؤمنين؛ بفعل الصلاة، فإذا لم يفعلوها لم يكونوا: إخوة للمؤمنين، فلا يكونوا: مؤمنين، لقوله تعالى: ]إنما المؤمنون إخوة[ [الحجرات:10]). اهـ
وقال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج11 ص361): (القول في تأويل: قوله تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11]؛ يقول جل ثناؤه: فإن رجع هؤلاء المشركون الذين أمرتكم، أيها المؤمنون، بقتلهم عن كفرهم، وشركهم؛ بالله تعالى إلى الإيمان به وبرسوله r، وأنابوا إلى طاعته، ]وأقاموا الصلاة[ المكتوبة، فأدوها بحدودها، ]وآتوا الزكاة[ المفروضة أهلها: ] فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11]، يقول تعالى: فهم إخوانكم في الدين الذي أمركم الله تعالى به، وهو الإسلام). اهـ
وقال الإمام ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص418): (قال الله عز وجل: ]حنفاء لله غير مشركين به[ [الحج:31].
* ثم وصف الحنفاء، والذين هم غير مشركين به، فقال عز وجل: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة[ [البينة:5].
* فأخبرنا - جل ثناؤه وتقدست أسماؤه - أن الحنيف المسلم هو على الدين القيم، وأن الدين القيم هو: بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن التارك لهما: هو المشرك الذي افترض علينا قتاله وقتله حتى يتوب، ولا توبة إلا بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فقال تعالى: ]فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم[ [التوبة:5].
وقال تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11].
* فأي بيان - رحمكم الله - يكون أبين من هذا؟
وأي دليل على أن الإيمان قول وعمل، وأن الصلاة والزكاة من الإيمان يكون أدل من كتاب الله، وسنة رسول الله r، وإجماع علماء المسلمين، وفقهائهم الذين لا تستوحش القلوب من ذكرهم، بل تطمئن إلى اتباعهم، واقتفاء آثارهم رحمة الله عليهم، وجعلنا من إخوانهم). اهـ
قلت: وهذه الأدلة تبين تكفير تارك الصلاة، من غير تفريق: بين تركها تهاونا، وكسلا، وبين تركها جحودا.
وهذه المسألة العظيمة: من أظهر المسائل، التي تبين غربة الدين، والتمسك بما كان عليه سلف الأمة.
* فقد تظافرت النصوص الكثيرة، وأقوال الصحابة، والتابعين: على تكفير تارك الصلاة، وإخراجه من الإسلام. ([602])
* ونقل غير واحد ممن يعتد بإجماعهم: إجماع أصحاب النبي r، على تكفير تارك الصلاة، وإخراجه من الإسلام. ([603])
(33) وعن الإمام مكحول / قال: (من ترك صلاة مكتوبة، متعمدا، فقد برئت منه ذمة الله، فقد كفر).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (10487)، وفي «الإيمان» (129) من طريق إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي عن مكحول به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وقال الشيخ الألباني في «تعليقه على الإيمان» (ص43): «وإسناد الأثر صحيح».
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «حكم تارك الصلاة» (ص45): (وإذا رددنا هذا النزاع إلى الكتاب والسنة، وجدنا أن الكتاب والسنة، كلاهما: يدل على كفر تارك الصلاة، الكفر الأكبر المخرج عن الملة، قال الله تعالى في سورة التوبة: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11].
* وقال في سورة مريم: ]فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا (59) إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا[ [مريم:59 -60].
* فوجه الدلالة: في الآية الثانية، آية سورة مريم، أن الله قال: في المضيعين للصلاة، المتبعين للشهوات: ]إلا من تاب وآمن[ فدل، على أنهم حين إضاعتهم للصلاة، واتباع الشهوات غير مؤمنين.
* ووجه الدلالة: من الآية الأولى، آية سورة التوبة، أن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين، ثلاثة شروط:
1) أن يتوبوا من الشرك.
2) أن يقيموا الصلاة.
3) أن يؤتوا الزكاة.
* فإن تابوا من الشرك، ولم يقيموا الصلاة، ولم يؤتوا الزكاة، فليسوا بإخوة لنا.
وإن أقاموا الصلاة، ولم يؤتوا الزكاة، فليسوا بإخوة لنا.
* والأخوة في الدين لا تنتفي إلا حيث يخرج المرء من الدين بالكلية، فلا تنتفي بالفسوق، والكفر دون الكفر). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «حكم تارك الصلاة» (ص47): (وبهذا علم: أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، إذ لو كان فسقا، أو كفرا دون كفر، ما انتفت الأخوة الدينية به، كما لم ينتف بقتل المؤمن وقتاله). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون / في «الفتاوى» (ج3 ص265): (الإسلام هو قول وعمل واعتقاد، ولا يتم الإسلام إلا بهذا، لا بد أن ينطق الإنسان بالشهادتين، ولابد أن يعتقد الإنسان أن هذا حق، ولا بد أن يعمل الإنسان أيضا بفرائض الإسلام، كالصلاة، وأداء الزكاة، والصوم، والحج، وما إلى ذلك من الأمور التي شرعها الله عزوجل على لسان سيد الأولين والآخرين، ولا يتم الإسلام إلا بهذه الأمور مجموعها).اهـ
(34) وعن عروة بن الزبير؛ أن المسور بن مخرمة t، أخبره: أنه دخل على عمر بن الخطاب t، من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر t، لصلاة الصبح، فقال عمر بن الخطاب t: (نعم: ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر، وجرحه يثعب دما).
أثر صحيح
أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص81)، و(ق/26/ط)، وأحمد في «الإيمان» (1381)، وفي «الزهد» (ص154)، وفي «المسائل» (ج1 ص192 و193 – رواية: ابنه عبدالله)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص25)، وفي «الإيمان» (103)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص44)، والبغوي في «شرح السنة» (ج2 ص157)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج3 ص350)، والحدثاني في «الموطأ» (ص81)، وإسماعيل بن إسحاق في «مسند مالك بن أنس» (39)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص357)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص385 و386)، والقعنبي في «الموطأ» (ص109)، والخلال في «أحكام أهل الملل» (1386)، وفي «السنة» (ج4 ص145)، وابن الجوزي في «مناقب عمر بن الخطاب» (ص675)، وابن عبدالبر في «التمهيد» تعليقا (ج4 ص225)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص670 و671)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج4 ص825)، وابن بكير في «الموطأ» (ج1 ص132)، من طريق عبدالله بن نمير، ووكيع، ومالك؛ كلهم: عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أخبره: أنه دخل على عمر بن الخطاب t فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الشيخ الألباني / في «إرواء الغليل» (ج1 ص226): (هذا سند صحيح على شرط الشيخين).
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج2 ص283): (فثبت عن عمر، قوله: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة).
وقال الشيخ الألباني / في «تعليقه على الإيمان» (ص34): (والأثر صحيح: الإسناد على شرط الشيخين).
وذكره الذهبي في «الكبائر» (ص117).
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج2 ص279): (وحديث عمر رواه مالك في «الموطأ» عن هشام بن عروة عن أبيه: أن المسور بن مخرمة أخبره: أنه دخل على عمر بن الخطاب t فذكره). اهـ
* ورواه جرير بن عبدالحميد، ومحمد بن دينار، وعبدالله بن إدريس، وعيسى بن يونس؛ كلهم: عن هشام بن عروة عن أبيه به؛ مثل: رواية مالك بن أنس.
ذكره الدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» (ج2 ص210).
وأخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (ج1 ص150)، والخلال في «السنة» (ج4 ص141 و142)، وأحمد في «الإيمان» (1371)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (ج2 ص429)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص227)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص406)، و(ج2 ص52)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج47 ص315)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص895)، وضياء الدين المقدسي في «منتقى من الأحاديث الصحاح والحسان» (ص615) من طريق محمد بن إسحاق، وأبي معاوية، والثوري، والليث بن سعد، وعبدة بن سليمان؛ كلهم: عن هشام بن عروة عن أبيه عن سليمان بن يسار قال: حدثني المسور بن مخرمة t، (أنه دخل مع ابن عباس t ليلة طعن عمر، فلما أصبح بالصلاة من الغد فزعوه، فقالوا: الصلاة!، ففزع، وقال: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وجرحه يثعب([604]) دما).
قلت: وهذا سنده صحيح، وهو ليس من الاختلاف القادح، بل هو من المزيد في متصل الأسانيد.
وذكره ابن كثير في «مسند الفاروق» (ج1 ص155 و156).
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج2 ص280): (ورواه سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه: قال حدثني سليمان بن يسار، أن المسور بن مخرمة أخبره قال: دخلت أنا، وابن عباس على عمر حين طعن). اهـ
قلت: وقد خالف هذا التصحيح، الحافظ الدارقطني؛ فأعل الحديث: بالانقطاع، بين عروة بن الزبير، وبين المسور بن مخرمة، ولم يصب، لثبوت صحة الإسناد، وقد سبق.
فقال الحافظ الدارقطني / في «الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس» (ص81): (وهذا لم يسمعه: عروة من المسور: وقد خالف مالكا جماعة؛ منهم: سفيان الثوري، والليث بن سعد، وحميد بن الأسود، ومحمد بن بشر العبدي، وعبد العزيز الدراوردي، وحماد بن سلمة، وغيرهم:
* رووه؛ عن هشام عن أبيه عن سليمان بن يسار عن المسور بن مخرمة عن عمر t؛ وهو الصواب: أدخلوا بين عروة، وبين المسور: سليمان بن يسار، وهو الصواب). اهـ
* وكذا قال الحافظ الدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» (ج2 ص209 و210)؛ وجعل الوهم من مالك بن أنس في ذكره: الإسناد، عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة عن عمر بن الخطاب.
قلت: وقد صح هذا الوجه، وهو محفوظ أيضا.
فإن الإمام مالكا: لم يتفرد به، بل تابعه خمسة من الرواة الثقات الحفاظ، على إسناده.
مع التنبيه لأمر مهم: وهو أن الإمام مالكا، أثبت الناس، وأعلمهم؛ بهشام بن عروة.
ناهيك عن تصريح: عروة بن الزبير؛ بالسماع، من المسور بن مخرمة، وهو أدركه، وروى عنه.
فما المانع: أن يكون عن الوجهين: مرة بذكر؛ سليمان بن يسار، ومرة عن المسور بن مخرمة: مباشرة.
* ومما يؤكد صحة رواية: مالك بن أنس السابقة، أن أبا الزناد: رواه عن عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار؛ كلاهما: عن المسور بن مخرمة t: (أنه دخل هو، وابن عباس ﭭ: على عمر بن الخطاب t، فقالا: الصلاة يا أمير المؤمنين، بعدما أسفر، فقال: نعم، لا حظ في الإسلام، لمن ترك الصلاة، فصلى، والجرح يثعب دما).
أخرجه أحمد في «الزهد» (ص154)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج4 ص825).
وإسناده صحيح.
* وقد توبع: عروة بن الزبير؛ على هذا الحديث، من هذا الوجه؛ بإثبات: «سليمان بن يسار».
* تابعه الزهري عن سليمان بن يسار أخبره أن المسور بن مخرمة t أخبره: أن عمر بن الخطاب t، إذ طعن: (دخل عليه هو، وابن عباس ﭫ، فلما أصبح من غد، فزعوه، فقالوا: الصلاة!، ففزع، فقال: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى والجرح يثعب دما).
أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (ج1 ص167)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص224)، والآجري في «الشريعة» (ج2 ص647)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج1 ص351)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص892)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج3 ص923) من طريق موسى بن عقبة، ويونس بن يزيد، ومحمد بن أبي عتيق، كلهم: عن الزهري به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن المنذر في «الأوسط» (ج1 ص167).
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج2 ص281): (وذكر بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن بن شهاب أن سليمان بن يسار أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره عن عمر بن الخطاب، إذ طعن أنه دخل هو وابن عباس من الغد فأفزعوه للصلاة ففزع، فذكره). اهـ
* وقد توبع؛ سليمان بن يسار: تابعه ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة t قال: (لما طعن عمر t قال: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة).
أخرجه أحمد في «الإيمان» (1388)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج3 ص350)، وابن أبي عمر في «الإيمان» (32)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص224)، وفي «العلل الواردة في الأحاديث» (ج2 ص211)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج1 ص150)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص671)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص894)، وابن الجوزي في «مناقب عمر بن الخطاب» (ص675)، والخلال في «السنة» (ج4 ص145)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج3 ص923)، والبلاذري في «أنساب الأشراف» (ص356 و357) من طريق أيوب السختياني، وابن جريج؛ كلاهما: عن ابن أبي مليكة به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الدارقطني في «العلل» (ج2 ص211).
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص295)؛ ثم قال: رواه الطبراني في «الأوسط»، ورجاله، رجال الصحيح.
قلت: لا إسلام لمن ترك الصلاة.
* ومعنى قول: عمر بن الخطاب t: «لا حظ في الإسلام»؛ هو نفي حظه جملة من الإسلام، وجعله: كسائر الكفار، وهو الصواب.([605])
وأثبت الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج2 ص281 و283)؛ أن عمر بن الخطاب t، يرى كفر تارك الصلاة؛ بقوله: «لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة».
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج2 ص281): (وأما قول عمر: (لا حظ في الإسلام)؛ فالحظ النصيب يقول: لا نصيب في الإسلام). اهـ
قلت: فلا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، هكذا انتهى إلينا في تارك الصلاة، وتارك الزكاة، وتارك صوم رمضان، وتارك الحج عند الاستطاعة، مما جاءت به الآثار عن النبي r، وأصحابه ﭫ، وهم: أئمة الهدى في الإسلام. ([606])
وقال الحافظ الذهبي / في «الكبائر» (ص125): (وهذه النصوص: تشعر بكفر تارك الصلاة). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص83): (أما قول: عمر بن الخطاب t، هو أصرح شيء في خروجه عن الملة).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص74): (ولأن هذا إجماع الصحابة y، قال عمر بن الخطاب t: لما قيل له، وقد خرج إلى الصلاة: «نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة»؛ وقصته في «الصحيح»، وفي رواية قال: «لا إسلام لمن لم يصل» رواه النجاد، وهذا بمحضر من الصحابة y). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص67): (فقال هذا بمحضر من الصحابة y، ولم ينكروه عليه، وقد تقدم؛ مثل: ذلك عن معاذ بن جبل، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة، ولا يعلم عن صحابي خلافهم). اهـ
قلت: وقد نقل غير واحد من أهل العلم: إجماع الصحابة y، والتابعين: على تكفير تارك الصلاة، من غير تفريق بين من تركها كسلا، وتهاونا، أو تركها جحودا.
قلت: وتأول عدد من المتأخرين أثر عمر بن الخطاب t؛ فقالوا: «أراد أنه لا كبير حظ له»، و«لا حظا كاملا له في الإسلام»؛ يعني: ليس له الإسلام التام. ([607])
(35) وعن عبد الله بن مسعود: (من لم يصل فلا دين له). وفي رواية: (من ترك الصلاة، فلا دين له).
أثر صحيح
أخرجه عبدالله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص601 و602)، وفي «المسائل» (393)، والخلال في «السنة» (1385)، و(1387)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (886)، و(888)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (936)، (937)، و(938)، والطبراني في «المعجم الكبير» (8939)، و(8940)، (8941)، (8942)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (31036)، وفي «الإيمان (ص280)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (42)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1327)، و(1328)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1924)، والعدني في «الإيمان» (ص163)، وابن المنذر في «الأوسط» (25)، والطبري في «جامع البيان» (ج18 ص216)، وابن عبدالبر في «التمهيد» تعليقا (ج4 ص225) من طريق سفيان الثوري، وحماد بن سلمة، وابن الجعد، ويحيى بن سعيد القطان، ووكيع، وشريك النخعي، وشيبان أبي معاوية، عن عاصم بن أبي النجود، وعبدالرحمن المسعودي، عن عبدالرحمن بن عبدالله، والقاسم بن عبدالرحمن، والحسن بن سعد الهاشمي، وزر بن حبيش؛ جميعهم: عن عبدالله بن مسعود t.
قلت: وهذا سنده صحيح.
* وهذا الأثر حسنه الشيخ الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (ج1 ص370)، وفي «الضعيفة» (ج1 ص251).
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج2 ص283): «وثبت عن ابن مسعود أنه قال: ما تارك الصلاة بمسلم».
* فأثبت الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج2 ص283)؛ أن عبدالله بن مسعود t، يرى كفر تارك الصلاة؛ بقوله: «ما تارك الصلاة بمسلم».
وقال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج4 ص224): (وتقرير هذا الخطاب: في هذا الحديث، أن أحدا لا يكون مسلما؛ إلا أن يصلي؛ فمن لم يصل، فليس: بمسلم). اهـ
ونقل الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج4 ص225)؛ عن الصحابة y: تكفير تارك الصلاة، قالوا: من لم يصل، فهو كافر.
قلت: فـ«عبيد الجابري» هذا يصحح: إيمان العبد، بمجرد إتيانه بالشهادتين، ولو ترك الصلاة، وسائر أركان الإسلام!.
قال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني / في «الصحيحة» (ج1 ص213): (وأما الركن الأول؛ من الأركان الخمسة: «شهادة أن لا إله إلا الله» فبدونها لا ينفع شيء من الأعمال الصالحة .
* وكذلك إذا قالها، ولم يفهم حقيقة معناها، أو فهم، ولكنه أخل به عمليا، كالاستغاثة بغير الله تعالى عند الشدائد، ونحوها من الشركيات). اهـ
قلت: وثبت في الكتاب والسنة: تكفير تارك الصلاة، وعلى ذلك أجمع أصحاب رسول الله r، والتابعون لهم بإحسان.
وتناقل أهل العلم: هذا الإجماع إلى يومنا هذا؛ إلا أن: «المرجئة العصرية»، لم ترفع بذلك رأسا؛ بل سعوا في نقضه([608])، وإبطاله، عن طريق اختلاف العلماء([609]) بعد الصحابة y، لأنه يعود على أصولهم بالنقض، والإبطال.
قلت: وعند التحقيق في أقوال: «المرجئة العصرية» ونقلهم بقول: الجمهور، لا يثبت عن كثير منهم القول، بما يخالف إجماع الصحابة y.
* وأما من ثبت عنه المخالفة، للإجماع: ممن يعتبر خلافه؛ فقد تقرر في أصول أهل السنة والجماعة: أنه لا عبرة بقول يخالف إجماعهم، مهما كانت منزلة القائل المخالف.
* ومما قرروه أن متى ثبت في مسألة من مسائل الدين إجماع لهم، فلا يجوز لأحد مخالفته كائنا من كان.
قلت: فمن وقع منه شيء من ذلك، فلا ينظر إلى قوله أصلا، ولا يلتفت إلى مخالفته لهم؛ لأن أئمة السنة عدوا مخالفة إجماع الصحابة y، بدعة، وهلكة، يظن بها في صاحبها. ([610])
(36) وعن الإمام الأوزاعي / قال: (وما رأي امرئ في أمر بلغه فيه عن النبي r إلا اتباعه، ولو لم يكن فيه عن رسول الله r، وقال فيه أصحابه ﭫ من بعده، كانوا أولى فيه بالحق منا، لأن الله أثنى على من بعدهم باتباعهم إياهم، فقال تعالى: ]والذين اتبعوهم بإحسان[ [التوبة:100]، فقلتم أنتم: لا !، بل نعرضها على رأينا في الكتاب؛ فما وافقه منه: صدقناه، وما خالفه تركناه، وتلك غاية كل محدث في الإسلام، رد ما خالف رأيه من السنة).
أثر حسن
أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (925)، والدارمي في «الرد على بشر المريسي» (ص146) من طريق عبدالله بن صالح عن الهقل بن زياد عن الأوزاعي به.
قلت: وهذا سنده حسن.
(37) وعن الإمام الأوزاعي / قال: (وأنا أوصيك بواحدة، فإنها تجلو الشك عنك، وتصيب بالاعتصام بها سبيل الرشد إن شاء الله تعالى: تنظر إلى ما كان أصحاب رسول الله r من هذا الأمر... وإن كانوا اجتمعوا منه على أمر، واحد لم يشذ عنه منهم أحد، فأين المذهب عنهم؛ فإن الهلكة في خلافهم، وإنهم لم يجتمعوا على شيء قط، فكان الهدى في غيره). ([611])
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج1 ص355)؛ في مسألة أكثر النفاس: (وليس في مسألة أكثر النفاس؛ موضع: للاتباع، والتقليد، إلا من قال بالأربعين: فإنهم أصحاب رسول الله r، ولا مخالف لهم منهم، وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم، ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم؛ لأن إجماع الصحابة y حجة على من بعدهم، والنفس تسكن إليهم، فأين المهرب عنهم دون سنة، ولا أصل). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج4 ص267): (إجماع الصحابة y حجة ثابتة، وعلم صحيح، إذا كان طريق ذلك الإجماع التوقيف، فهو أقوى ما يكون من السنن، وإن كان اجتهادا، ولم يكن في شيء من ذلك مخالفا، فهو أيضا علم وحجة لازمة، قال الله عز وجل: ]ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115]. اهـ
* وإجماع الصحابة y: على كفر تارك الصلاة، مستنده التوقيف.
ولذلك من ترك أقوال الصحابة y، وأخذ بأقوال من بعدهم، فإنه يستتاب على فعله هذا المشين.
* فعن الهيثم بن جميل قال: (قلت؛ لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله، أن عندنا قوما وضعوا كتبا؛ يقول أحدهم: حدثنا فلان عن فلان عن عمر بن الخطاب t: «بكذا، وكذا»، وحدثنا فلان عن إبراهيم النخعي: «بكذا»، ونأخذ بقول: إبراهيم النخعي، قال مالك: صح عندهم، قول عمر t!، قلت إنما هي، رواية: كما صح عندهم، قول إبراهيم النخعي، فقال مالك: هؤلاء يستتابون). ([612])
قلت: فإذا كان هذا يستتاب في تركه؛ لقول عمر t، وأخذه بقول: إبراهيم النخعي /، فكيف بمن خالف إجماع الصحابة y، وأخذ بقول من ليس في منزلة: إبراهيم النخعي /، ممن يأخذ من المتأخرين، والمعاصرين!.
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص140): (وقد صرح مالك /، بأن من ترك قول عمر بن الخطاب t؛ لقول: إبراهيم النخعي: أنه يستتاب، فكيف بمن ترك قول الله تعالى، ورسوله r؛ لقول من هو دون إبراهيم النخعي، أو مثله). اهـ
قلت: فإذا تقرر هذا: فقد صرح أئمة السنة: بأن القول الذي يدخل به العبد في دين الإسلام، هو قول مخصوص، وهو: النطق بـ«الشهادتين»، وأن العمل الذي يصح به دينه، هو عمل مخصوص؛ وهو: «الصلاة».
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص501): (وإقام الصلاة: هو العمل، وهو الدين الذي أرسل به المرسلين، وأمر به المؤمنين، فما ظنكم رحمكم الله بمن يقول: إن الصلاة ليست من الإيمان، والله عز وجل يقول: ]منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين[ [الروم:31]؛ فجعل الله من ترك الصلاة: مشركا خارجا من الإيمان؛ لأن هذا الخطاب للمؤمنين تحذير لهم أن يتركوا الصلاة، فيخرجوا من الإيمان، ويكونوا كالمشركين، وقال عز وجل: ]إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين[ [التوبة:18]؛ فقال سبحانه: من آمن بالله، واليوم الآخر، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فلم يفرق بين الإيمان، وبين الصلاة والزكاة، فمن لم يؤمن لم تنفعه الصلاة، ومن لم يصل لم ينفعه الإيمان). اهـ
(38) وعن عبد الله بن شقيق العقيلي / قال: (ما علمنا شيئا من الأعمال؛ قيل: تركه كفر؛ إلا الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه أحمد في «الإيمان» (216)، والخلال في «السنة» (1378)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (10495)، وفي «الإيمان» (137) من طريق عبدالأعلى، وبشر بن المفضل، وإسماعيل بن إبراهيم؛ كلهم عن الجريري عن عبد الله بن شقيق به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن العراقي في «طرح التثريب» (ج2 ص146)، والسخاوي في «الأجوبة المرضية» (819)، والشيخ الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (564).
(39) وعن عبدالله بن أحمد قال: سألت أبي: عن من ترك الصلاة؟، قال: كذا يروى عن النبي r: (بين العبد، والكفر: ترك الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»؛ كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص470) من طريق عبد الله بن أحمد قال: سألت: أبي أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(40) وعن أحمد بن الحسين بن حسان قال: سئل: أبو عبدالله، عن من ترك الصلاة متعمدا؟ قال: (ليس بين الإيمان، والكفر؛ إلا ترك الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»؛ كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص471) من طريق أحمد بن الحسين بن حسان قال: سئل: أبو عبد الله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(41) وعن حرب قال: قيل، لأحمد: رجل قال: لا أصلي؟، فكأنه ذهب إلى أنه يستتاب، وقال: (بين العبد، وبين الكفر: ترك الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»؛ كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص471) من طريق حرب، قال: قيل؛ لأحمد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(42) وعن أبي الحارث؛ أنه قال: لأبي عبد الله: فيكون من يترك الصلاة كافرا؟، فقال: قال النبي r: (بين العبد، والكفر: ترك الصلاة)، قلت: فإن كان رجل نراه مواظبا على الصلاة، ثم تركها، فقيل له: يقتل، فقال: لا أصلي، ولم أعلم أن الصلاة فرض؟، فقال: قال النبي r: (من ترك الصلاة فقد كفر).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»؛ كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص472) من طريق محمد بن موسى، ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا أبو الحارث به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(43) وعن الإمام أحمد /: (إذا قال الرجل لا أصلي، فهو كافر).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»؛ كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص471) من طريق أبي داود قال: سمعت أحمد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(44) وعن صالح بن أحمد؛ أن أباه قال: (وإذا قال: لا أجحد، ولا أصلي: عرض عليه الإسلام، فإن صلى، وإلا قتل).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»؛ كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص474) من طريق محمد بن علي قال: حدثنا صالح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(45) وعن إبراهيم بن هانئ قال: سمعت أبا عبد الله: يسأل عن المرتد، وتارك الصلاة؟، قال: (يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»؛ كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص475) من طريق الحسين بن عبد الوهاب قال: حدثنا إبراهيم بن هانئ قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(46) وعن أبي الحارث قال: سألت أبا عبد الله: قلت: الرجل يترك الصلاة تجوزا، فيقال له: صل، فيقول: نعم ثم لا يفعل، وهو مقر بالصلاة: أنها فرض عليه؟، قال: يرقب ثلاثة أيام؛ فإن صلى، وإلا ضربت عنقه).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»؛ كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص475) من طريق محمد بن جعفر قال: حدثنا أبو الحارث قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(47) وعن صالح بن أحمد أنه قال: لأبيه: فإن تركها فلم يصلها، قال: إذا كان عامدا استتبته ثلاثا؛ فإن تاب، وإلا قتل، قلت: فتوبته: أن يصلي؟، قال: نعم).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»؛ كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص476) من طريق محمد بن علي قال: حدثنا صالح بن أحمد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص78): (فجعل الفارق: بين المسلم، والكافر: «الصلاة»). اهـ
(48) وعن سلمة بن نبيط عن الضحاك بن مزاحم / قال: ذكرنا عنده: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة»، فقال الضحاك: (هذا قبل أن تحد الحدود، وتنزل الفرائض).
أثر صحيح
أخرجه أحمد في «الإيمان» (79)، والآجري في «الشريعة» (303)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1340)، والخلال في «السنة» (1241) من طريق وكيع ثنا سلمة بن نبيط به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه الدولابي في «الكنى والأسماء» (ج1 ص108) من طريق علي بن الحسن عن عبد الله بن المبارك قال: أنبأ رزين السراج عن نصير أبي الأسود عن الضحاك بن مزاحم قال: (يقول أصحابك الحمقى: من شهد: أن لا إله إلا الله: دخل الجنة، وإنما هذا كان قبل أن تنزل الفرائض).
وإسناده حسن.
(49) وعن أبي الحارث قال: سألت أبا عبد الله: أحمد بن محمد بن حنبل، قلت: إذا قال الرجل: «لا إله إلا الله»، فهو مؤمن؟، قال: (كذا كان بدء الإيمان، ثم نزلت الفرائض: الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (939)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1339)، والآجري في «الشريعة» (305) من طريق أبي الحارث به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام أحمد / في «الإيمان» (ص215): (نعم: وذاك قبل؛ أن تنزل الفرائض، ثم نزلت الفرائض، فينبغي على الناس: أن يعملوا بما افترض الله تعالى عليهم). اهـ
فالإمام أحمد / قال ذلك لأن: «المرجئة» يحتجون على إسقاط ركنية العمل، بحديث: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة).
قال تعالى: ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقا[ [الأنفال: 2-4].
قلت: فوصفهم الله تعالى بالإيمان: بهذه الخصال، على أنهم لا يكونون مؤمنين بعدمها.
وقال تعالى: ]ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين[ [المائدة: 5].
وقال تعالى: ]ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون[ [الأنعام: 88].
قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص247): (ومن تركها، لم يصح صيامه، ولا حجة ولا غير ذلك من عباداته؛ لأن الكفر الأكبر يحبط جميع العمل). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص328): (أحب شيء إلى الله تعالى؛ التقرب إليه بالفرائض: من الصلوات، والزكوات، والصيام، والحج). اهـ
(50) وعن ابن عباس ﭭ قال في قوله تعالى: ]فتحرير رقبة مؤمنة[ [النساء: 92]؛ (يعني بالمؤمنة، من قد عقل الإيمان، وصام، وصلى).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج3 ص1032)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج3 ص1032)، والطبري في «جامع البيان» (ج5 ص205) من طريق أبي صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص581).
(51) وعن الإمام الحسن البصري / قال: (ما كان في القرآن من رقبة، فلا يجوز، إلا ما صام، وصلى).
أثر صحيح
أخرجه أحمد في «الإيمان» (47) من طريق وكيع عن سفيان عن أبي حيان عن الشعبي، وهشام؛ كلاهما: عن الحسن البصري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج5 ص205)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ص108) من طريق يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن الحسن البصري قال: (كل شيء في كتاب الله: ]فتحرير رقبة مؤمنة[ [النساء: 92]؛ فمن صام، وصلى، وعقل).
وإسناده صحيح.
وعلقه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج3 ص1031).
(52) وعن أبي حيان التيمي قال: سألت: الشعبي، عن قوله تعالى: ]فتحرير رقبة مؤمنة[ [النساء: 92]؛ قال: (قد صلت، وعرفت الإيمان).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج5 ص205)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج3 ص1031) من طريق سفيان الثوري، وابن علية؛ كلاهما: عن أبي حيان به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «سبل السلام» (ص62): (الذي لا يصلي: ما عنده إيمان، لو كان عند إيمان ما ترك الصلاة). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص236): (وقد ذهب جمع من أهل العلم: إلى أن من تركها تهاونا، وإن لم يجحد وجوبها: يكفر كفرا أكبر). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص237): (مجرد الترك، والتعمد لهذا الواجب العظيم، يكون به كافرا، كفرا أكبر، وردة عن الإسلام). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص240): (فدل على أن من لم يقم الصلاة، فقد أتى كفرا بواحا). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص244): (فترك الصلاة: من أعظم الأسباب في دخول النار؛ لأن تركها: كفر أكبر). اهـ
(53) وعن الإمام قتادة /قال: في قوله تعالى: ]فتحرير رقبة مؤمنة[ [النساء: 92]؛ قال: (من صلى).
أثر حسن
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج5 ص205) من طريق بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده حسن.
(54) وعن إبراهيم النخعي / قال: (ما كان في القرآن من: ]رقبة مؤمنة[ [النساء: 92]؛ فلا يجزئ؛ إلا من صام، وصلى).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج5 ص205)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ص108)، وعبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ق/20/ط) من طريق وكيع، والثوري؛ كلاهما: عن الأعمش عن إبراهيم النخعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص216): (أكثر ما اشترط الفقهاء في الرقبة، التي تجزئ في الكفارة، العمل الظاهر). اهـ
قلت: فمن قتل مؤمنا، فعليه عتق رقبة مؤمنة([613])، والمؤمنة، هي التي توحد الله تعالى، وتصلي، وتزكي، وتصوم، وتحج، هذه هي: المؤمنة عند السلف.
قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج1 ص396): (قوله تعالى: ]ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة[ [النساء: 92]؛ أي: التي قد صلت لله تعالى، ووحدت الله تعالى).
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص316): (فهذه النصوص: وما جاء في معناها: كلها: دالة على كفر من ترك الصلاة، عمدا، وتهاونا، وتكاسلا). اهـ
ونقل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص256)؛ عن أهل العلم: أن من ترك صيام رمضان، عمدا فقد كفر، وهو الصحيح في اختلاف المتأخرين، لأنه موافق، لإجماع الصحابة والتابعين.
قلت: إذا فمن ترك الصلاة بالكلية، وهو يعتقد وجوبها، ولا يجحدها، فإنه يكفر، وأن كفره، الكفر الأكبر، الذي يخرجه من الإسلام.
قال تعالى: ]كل نفس بما كسبت رهينة (38) إلا أصحاب اليمين (39) في جنات يتساءلون (40) عن المجرمين (41) ما سلككم في سقر (42) قالوا لم نك من المصلين[ [المدثر: 38-42].
قلت: فتارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر.
وقد قال تعالى: ]إن المجرمين في ضلال وسعر (47) يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر[ [القمر: 47-48].
* وقد حكى إجماع الصحابة y: على كفر تارك الصلاة، غير واحد من أهل العلم، وقد سبق.([614])
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص81)؛ أن تارك الصلاة، يكفر الكفر الأكبر، لعشرة وجوه.
* وأورد الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص17)؛ أكثر من اثنين وعشرين: دليلا، على كفر تارك الصلاة: الكفر الأكبر.
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص17): (وقد دل على كفر تارك الصلاة: الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة). اهـ
وقد رد العلامة الشيخ سليمان بن سحمان /؛ كما في «الدرر السنية» (ج10 ص495)؛ على: «البغدادي»، بقوله: أن مجرد التلفظ بالشهادتين، يكتفي به في عصمة المال والدم، ويكون به مسلما، وإن لم يصل، ولم يزك، ولم يصم، ولم يحج!.
وقال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص23): (وكذلك قال الإمام سفيان بن عيينة /: (المرجئة: سموا ترك الفرائض ذنبا، بمنزلة: ركوب المحارم، وليسا سواء؛ لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال: معصية، وترك الفرائض من غير جهل، ولا عذر: هو كفر، وبيان ذلك في أمر: «آدم» عليه السلام، و«إبليس»، وعلماء اليهود الذين: أقروا ببعث النبي صلي الله عليه وسلم، ولم يعملوا بشرائعه).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص81): (فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة: قول وعمل، كما دل عليه الكتاب والسنة، وأجمع عليه السلف.
فالقول: تصديق الرسول r، والعمل: تصديق القول؛ فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية، لم يكن مؤمنا، والقول: الذي يصير به مؤمنا. قول مخصوص، وهو «الشهادتان»، فكذلك العمل: هو الصلاة). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص103): (والأدلة التي ذكرناها، وغيرها تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من أعماله؛ إلا بفعل الصلاة، فهي مفتاح ديوانه، ورأس مال ربحه، ومحال بقاء الربح، بلا رأس مال، فإذا خسرها خسر أعماله كلها، وإن أتى بها صورة). اهـ
وقال الإمام الآجري / في «الأربعين» (ص13): (فالأعمال بالجوارح: تصديق على الإيمان، بالقلب واللسان، فمن لم يصدق الإيمان: بعمله بجوارحه، مثل: «الطهارة»، و«الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، و«الجهاد»، وأشباه لهذه، ومن رضي لنفسه، بالمعرفة، والقول، دون العمل، لم يكن مؤمنا). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد السائل إلى دليل المسائل» (ص33): (من كان تاركا، لأركان الإسلام، وجميع فرائضه، ورافضا، لما يجب عليه من ذلك، من الأقوال والأفعال، ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين، فلا شك أن هذا كافر، شديد الكفر، حلال الدم والمال، فإنه قد ثبت بالأحاديث المتواترة: أن عصمة الدماء، والأموال، إنما تكون بالقيام بأركان الإسلام). اهـ
وقال العلامة القصاب / في «نكت القرآن» (ج1 ص480): (ولا أعلم بين الأمة خلافا في أن الخارج من الكفر إلى الإيمان لو قال: أؤمن بالله، وأؤمن بأن الصلاة، والزكاة حق، ولكن لا أقيمها، وأقتصر على القول بالشهادتين؛ أنه لا يقبل منه، وأنه كافر كما كان، حلال الدم والمال). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص621): (وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله تعالى، ورسوله r بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجبا ظاهرا، و«لا صلاة»، و«لا زكاة»، و«لا صياما»، ولا غير ذلك من الواجبات). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص218): (فيمتنع أن يكون الرجل لا يفعل شيئا، مما أمر به من: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»... بل لا يفعل ذلك؛ إلا لعدم الإيمان الذي في قلبه). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون / في «الفتاوى» (ج3 ص262): (وبذلك نعرف أن من لم يصل فهو كافر، أما أن يزعم أنه يؤمن بالله وباليوم الآخر، فهذا إيمان كاذب، وإيمان ادعائي، فكيف يؤمن بالله تعالى، ويؤمن بكتابه، ورسوله r، من لا يمتثل أوامره، ولا يعمل بكتابه؟! والله تعالى يقول: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة[ [البينة:5]، فالذي لا يصلي، ولا يؤتي الزكاة، ليس على دين، ولم يقم بما أمر به، ولم يف بما التزم به من شرع الله ودينه: ]فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا[ [مريم:59]، يعني: عذابا شديدا في جهنم.
* أفنؤمن بالله ونرفض أوامره؟!، هذه دعوى كاذبة لم يتصورها قائلها، فليس هناك إيمان، ولا تصديق؛ إلا بانقياد، وقبول، واستجابة، وطاعة، أما بدون انقياد، وبدون قبول، وبدون استجابة لأوامر الله، فهذه دعوى زائغة كاذبة، يكذبها الواقع والحس، فلا إيمان لمن لم يصل، ولا إيمان لمن لم يمتثل أوامر الله، والنبي r قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) ([615])، والأحاديث والآيات في ذلك كثيرة كما تقدم، وهذا أمر معلوم من دين الإسلام بالضرورة.
* وأما أن الأنسان يكفيه أن ينطق بالشهادتين، نطقا كاذبا، أجوف، لا قيمة له، ولا معول عليه، فذلك لا يصح، فكيف ينطق بالشهادتين، وهو لا يطيع أمر الله عز وجل؟ وكيف يقول أشهد أن محمدا رسول الله، وهو لا يتابعه، ولا يطيعه، لا في قليل، ولا في كثير؟، قال تعالى: ]قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله[ [آل عمران:31]، وقال تعالى: ]قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين[ [آل عمران:32]، فكيف يزعم إنسان أنه يشهد أن محمد رسول الله، ولا يتابعه في صلاة، ولا في صيام ولا في زكاة، ولا في عفة ولا نزاهة؟، فشهادته حينئذ تعتبر شهادة كذب، ومن شهد أن محمدا رسول الله، فعليه أن يتبعه ويمتثل أوامره، ويتقيد بشرعه ودينه، ويبتعد عما نهى عنه.
* ومعنى شهادة أن محمد رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع، وما سوى ذلك فدعاوى كاذبه، وأمور فارغة، وأقوال لا تغني، لا نقير، ولا قطمير: ]إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون[ [الشعراء:227]). اهـ
وعن الإمام أحمد / في رواية عنه، أنه يكفر من ترك واحدا من المباني، وهي الرواية: الصحيحة لموافقتها، لإجماع الصحابة y، وهذا الحكم هو اختيار أبي بكر ابن العربي، وطائفة من أصحاب الإمام مالك بن أنس، كابن حبيب([616]). وهو الصحيح: من أقوال المتأخرين، ولا يلتفت إلى اختلافهم.
وقال العلامة الشيخ أبا بطين / في «الرسائل والمسائل النجدية» (ج1 ص659): (والمرتد: هو الذي يكفر بعد إسلامه: بكلام، أو اعتقاد، أو فعل، أو شك.
* وهو قبل ذلك يتلفظ بالشهادتين، ويصلي، ويصوم، فإذا أتى بشيء: مما ذكروه: صار مرتدا، مع كونه يتكلم بالشهادتين، ويصلي، ويصوم، ولا يمنعه: تكلمه بالشهادتين، وصلاته، وصومه، من الحكم عليه بالردة، وهذا ظاهر بالأدلة من الكتاب، والسنة، والإجماع). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «الكبائر» (ص161): (وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان، بلا مرض، ولا غرض؛ أنه شر من الزاني، والمكاس، ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه، ويظنون به الزندقة، والانحلال). اهـ
(55) وعن عبدالله بن شقيق العقيلي / قال: (كان أصحاب محمد لايرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في «سننه» (2622)، ومحمد المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (948)، والبغوي تعليقا في «شرح السنة» (211) من طريق قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن سعيد الجريري عن عبدالله بن شقيق العقيلي به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات، على شرط الشيخين، وسعيد الجريري، وإن كان اختلط([617])، إلا أنه قد سمع منه بشر بن المفضل الرقاشي قبل الاختلاط.([618])
قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص425)؛ عن الجريري:(وما أخرج البخاري من حديثه إلا عن عبد الأعلى، وعبد الوارث، وبشر بن المفضل، وهؤلاء سمعوا منه قبل الاختلاط). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل» (ص313)؛ عن الجريري: (وممن سمع منه قبل أن يختلط: الثوري، وابن عليه، وبشر بن المفضل). اهـ
وأثبت الحافظ ابن عدي / في «الكامل» (ج3 ص1228)؛ أن بشر بن المفضل سمع من الجريري قبل الاختلاط.
وقد أقره العلامة المقريزي في «مختصر الكامل» (ص388).
قلت: ويزداد قوة:
قال العلامة ابن الكيال / في «الكواكب النيرات» (ص184): (وقد روى الشيخان للجريري من رواية بشر بن المفضل). اهـ
قلت: وهذا يدل أن بشر بن المفضل سمع من سعيد الجريري قبل الاختلاط، وهو من رجال الإمام البخاري /، والإمام مسلم /.([619])
قلت: ويؤكد هذا الأصل؛ قول الإمام أبي داود / حيث قال: (أرواهم عن الجريري؛ إسماعيل ابن علية، وكل من أدرك أيوب؛ فسماعه من الجريري جيد).([620])
قلت: والمراد كل من سمع من أيوب، وبشر بن المفضل قد ثبت سماعه من أيوب.
وإليك الدليل:
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج2 ص547): أخبرنا علي بن الحسين قال: سمعت علي بن عثمان اللاحقي يقول: أخبرنا بشر ابن المفضل قال: سمعت أيوب يثني على جرثومة بن عبدالله النساج.
وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
قلت: وهذا يدل على أن رواية بشر بن المفضل عن الجريري جيدة، وهي قبل الاختلاط، والله ولي التوفيق.
قلت: فأثبت الحفاظ أن بشر بن المفضل قد سـمـع من الجريري قبل الإختلاط، وقد عرفوا ذلك بالإسـتـقـراء والتتبع، ولما عندهم من غزارة العلم من هذا الفن، وهذا يدل على القرائن القوية في الدلالة على أن بشرا روى عن الجريري قبل الإختلاط.([621])
قلت: فلا يتجرأ أحد([622])بعدهم، فيسود صفحات بالتأويل الـفـاسـد، والتكلف المهلك، ليبطل ما أثبته الحفاظ في صحة الإسناد في أثر عبدالله بن شقيق العقيلي.
قلت: إذا فإسـنـاد بشر بن المفضل من قسم الصحيح المعتمد عند أئمة الحديث، وروايته عن الجريري صحيحة، كيف لا، وبشر بن المفضل ثقة ثبت في الحفظ.
قال الإمام أحمد / عنه: (بشر بن المفضل إليه المنتهى في التثبت بالبصرة!).([623])
وقال معاوية بن صالح: ليحيى بن معين، من أثبت شـيـوخ البصريين، قال: (بشر بن المفضل، مع جماعة سماهم).([624])
وقال الإمام ابن المديني /: (المحدثون صحفوا، وأخطؤوا؛ ما خلا أربعة: يزيد بن زريع، وابن عليه، وبشر بن المفضل، وعبدالوارث بن سعيد).([625])
وقال الإمام أبو داود /: (ليس من العلماء أحد إلا وقد أخطأ في حديثه؛ إلا بشر بن المفضل، وابن علية).([626])
وقال الإمام الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص309): (بشر بن المفضل ابن لاحق الإمام الثقة أبو إسماعيل الرقاشي الحافظ العابد).
وقال الحافظ ابن حجر / في «التقريب» (ص171): (بشر بن المفضل بن لاحق الرقاشي، ثقة ثبت عابد).
وقال الإمام العجلي / في «معرفة الثقات» (ج1 ص247): (بشر بن المفضل الرقاشي، ثقة فقيه، ثبت في الحديث، حسن الحديث، صاحب سنة).
قلت: فرواية بشر بن المفضل غاية في الصحة، لقوة القرائن التي ثبتت عند الحفاظ.
ولذلك تعلم أن الطريقة التي سـلـكـهـا دعاة الإرجاء([627]) لرد ما نص عليه الحفاظ من صحة رواية بشر بن المفضل عن الجريري؛ طريقة باطلة، لا تمت إلى أسـالـيـب أئمة الحديث بصلة، بل لفقوا قاعدة باطلة في تضعيف إسـنـاد أثر عبدالله بن شقيق!، ووقعوا في تأويلات محدثة في معنى الأثر، ولم يسبقوا إليها، والله المستعان.
قلت: وقد كان من أئمة هذا الشأن، ومن أشدهم تحريا للسماع الصحيح؛ كالإمام البخاري، وغيره، ينصون على السماع الصحيح عندما يجدون قرائن قوية تدل عليه، ومن ذلك رواية بشر بن المفضل عن الجريري.([628])
قلت: ومع ذلك؛ فقد جهل هذا الجهول هذا كله؛ فوقع في الضلال والتضليل، والعلة والتعليل، ومن كان هذا حاله حقيق بأن يرثى مآله، ويطرح مقاله، فيعرف أتباعه حقيقته وسريرته، نعوذ بالله من الخذلان.
قلت: ثم إن الجريري، وإن كان قد اختلط، لكن اختلاطه لم يكن فاحشا، وهذا يقوي القرائن الثابتة في صحة أثر عبدالله بن شقيق العقيلي /؛ من رواية بشر بن المفضل عن الجريري.
قال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج6 ص351): (سـعـيـد بن إياس الجريري من أهل البصره؛ وكان قد اختلط قبل أن يموت بثلاث سـنـيـن؛ ولم يكن اختلاطه اختلاطا فاحشا، فلذلك أدخلناه في الثقات).
قلت: إذا فبشر بن المفضل الراوي عن الجريري بهذا اللفظ، هو ممن روى عنه قبل الاختلاط، وقد ثبتت روايته عنه قبل الاختلاط من أمرين:
أولا: بتنصيص الحفاظ روايته عنه قبل الاختلاط.
ثانيا: قوة القرائن الدالة على ثبوت روايته عنه قبل الاختلاط.
قلت: ومن القرائن الصحيحة أن الأثر على شرطهما؛ فتنبه لهذا الاتفاق على صحة رواية بشر بن المفضل عن سعيد الجريري قبل الاختلاط.([629])
وذكره الحافظ الزيلعي / في «تخريج أحاديث الكشاف» (ج1 ص204)؛ ثم قال: (وهؤلاء رجال الصحيح).
وذكره الحافظ ابن حجر / في «الكافي الشاف» (ص51)؛ ثم قال: (وإسناده صحيح).
وذكره الحافظ ابن الملقن / في «الإعلام» (ج9 ص53)؛ ثم قال: (وروى هذا الترمذي عن عبدالله بن شقيق؛ بإسناد صحيح).([630])
وذكره الحافظ النووي / في «المجموع» (ج3 ص16)؛ ثم قال: (رواه الترمذي في «كتاب الإيمان» بإسناد صحيح).
وذكره الحافظ النووي في «رياض الصالحين» (ص382)؛ ثم قال: (رواه الترمذي في «كتاب الإيمان»: بإسناد صحيح).
وقال الحافظ العراقي / في «طرح التثريب» (ج2 ص146): (روى الترمذي؛ بسند صحيح؛ من رواية عبدالله بن شقيق قال: (كان أصحاب رسول اللهr لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة).
وقال العلامة ابن علان / في «دليل الفالحين» (ج6ص267): (رواه الترمذي في «كتاب الإيمان» من جامعه؛ بإسناد صحيح).
وذكره العلامة الألباني / في «صحيح سنن الترمذي» (ج2ص329)؛ ثم قال: (صحيح).
وذكره العلامة الألباني / أيضا في «الثمر المستطاب» (ج1 ص52)؛ ثم قال: (وهو صحيح الإسناد).
وقال العلامة ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص293): (فقد ثبت عن عبدالله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل أنه قال: (لم يكن أصـحـاب رسـول الله r يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة). اهـ
قلت: ولم يختلف العلماء رحمهم الله تعالى في صحة رواية بشر بن المفضل، وثبوتها، ولم يعلها أحد منهم، فقد صححها أيضا كل من: الحافظ السخاوي / في «الأجوبة المرضية» (819)، والعلامة الألباني / أيضا في «صحيح الترغيب» (ج1 ص367- الطبعة الجديدة الأخيرة المعتمدة([631])في سنة1421هـ)، والعلامة ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص237)،([632]) وفي «التحفة البازية» (ج1 ص302).
قلت: وقد احتج بأثر عبدالله بن شقيق هذا الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص23)، وشيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج22 ص48)، والعلامة ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص276)، وفي «التحفة البازية» (ج1 ص298)،([633])وهذا يدل على صحته عندهم، والله ولي التوفيق.
قلت: والأثر ذكره العلامة الطيبـي / في «شرح مشكاة المصابيح» (ج2 ص148)، والعلامة ابن حجر الهيتمي / في «الزواجر» (ج1 ص283)، والعلامة القاري في «مرقاة المفاتيح» (ج2 ص515)، والعلامة التبريزي / في «مشكاة المصابيح» (ج1 ص256)، والعلامة المنذري في «الترغيب والترهيب» (ج1 ص280).
قلت: واللفظ الذي سـبـق يكفي في ثبوت إجماع الصحابة y في تكفير تارك الصلاة، من رواية بشر بن المفضل عن الجريري.
قلت: ولم يتفرد به بشر عن الجريري، بل تابعه عبد الأعلى بن عبدالأعلى عن الجريري عن عبدالله بن شـقـيـق قال: (ما كانوا يقولون لعمل تركه رجل كفر غير الصلاة، فقد كانوا يقولون: تركها كفر).
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص49)، وفي «الإيمان» (137).
وإسناده صحيح.
وعبدالأعلى بن عبدالأعلى الراوي عن الجريري للأثر هنا بهذا اللفظ، هو ممن روى عن الجريري قبل الإختلاط، فروايته أيضا عنه صحيحة.
قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص425) عن الجريري: (وما أخرج له البخاري من حديثه إلا عن عبدالأعلى، وعبدالوارث، وبشر بن المفضل، وهؤلاء سمعوا منه قبل الإختلاط).
وقال الحافظ العجلي / في «معرفة الثقات» (ج1 ص394): (وعبدالأعلى من أصحهم سماعا؛ سمع منه قبل أن يختلط بثمان سنين).([634])
وقد تابعهما إسماعـيـل بن علية عن الجريري عن عبدالله بن شـقـيق قال: (ما علمنا شيئا من الأعمال قيل تركه كفر إلا الصلاة).
أخرجه الخلال في «السنة» (1378).
وإسناده صحيح.
وإسمـاعـيل بن علية الراوي عن الجريري، هو ممن روى عنه قبل الإختلاط، فروايته عنه صحيحة.([635])
قال الحافظ ابن رجب / في «شـرح العـلل» (ص313) عن الجريري: (وممن سمع منه قبل أن يختلط: الثوري، وابن علية، وبشر بن المفضل).
وقال أبو عبيد الآجري / في «سؤالاته» (339): سمعت أبا داود يقول: (أرواهم عن الجريري إسـمـاعيل ابن علية، وكل من أدرك أيوب؛ فسماعه من الجريري جيد).
قلت: فأثبت الحفاظ أن ابن علية قد سمع من الجريري قبل الإختلاط.
قلت: والشيخان انتقيا ما علما أن رواية: بشر عن الجريري قبل الإختلاط؛ فيقوى الأثر بذلك، وهذا صنيع الأئمة الذي يشير إلى اعتمادهم أن رواية بشر بن المفضل عن الجريري قبل الإختلاط، لأنهم قد صححوا الأثر لذاته، ويزداد قوة بالمتابعات الأخرى، وبإلفاظ لا تخرج عن المعنى الأول في المراد به إجماع الصحابة الكرام على الفهم الصحيح، لأن الألفاظ يفسر بعضها بعضا، اللهم غفرا.
قلت: وعبد الله بن شقيق العقيلي /، تابعي كبير، عده الحافظ ابن سعد في «الطبقة الأولى» في كتابه: «الطبقات الكبرى»: (ج7 ص126)؛ من تابعي أهل البصرة، سمع من ثلاثة عشر صحابيا؛ منهم كبار الصحابة؛ كعمر، وعثمان، وعلي، وأبي ذر y، وأدرك المئات من الصحابة.
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص37)؛ معلقا على أثر عبدالله بن شـقـيق: (فذكر: أنهم مجمعون على أن ترك الصلاة: كفر، ولم يقولوا: بشرط أن ينكر وجوبها، أو يجحد وجوبها). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص241): (فهذا يدل على أن تركها: كفر أكبر؛ بإجماع الصحابة y). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص276): (فذكر: ([636]) إجماع الصحابة y: على أن تارك الصلاة: كافر). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص291): (والراجح: أنه كافر، كفرا أكبر). اهـ
قلت: و«ربيع المرجئ»([637]) ينازع في دعوى الإجماع، ولا يدري ما يخرج من رأسـه، لأنه يزعم أن عبدالله بن شقيق لم يلق جميع الصحابة، إنما أدرك عددا قليلا منهم، فلا يسلم بدعوى الإجماع، والرد عليه من وجوه:
1) أن كلام عبدالله بن شقيق صيغته أن هذه المقاله اجتمع عليها الصحابة y، لأن قوله: (كان أصحاب محمد r...) جمع مضاف، وهو من المشعرات بذلك.
قال العلامة الشوكاني / في «نيل الأوطار» (ج1 ص372) معلقا على أثر عبدالله بن شقـيـق: (والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة، لأن قوله: (كان أصحاب محمد r) جمع مضاف، وهو من المشعرات بذلك). اهـ
وقال العلامة المباركفوري / في «تحفة الأحوذي» (ج7 ص309): (قول عبدالله بن شقيق هذا ظاهره يدل على أن أصحاب رسـول اللهr كانوا يعتقدون أن ترك الصلاة كفر، والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة y). اهـ
وقال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «شـرح العمدة» (ج2 ص75): (هذا إجماع الصحابة y). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص265) معلقا على أثر عبدالله بن شقيق: (فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر؛ بإجماع الصحابة y). اهـ
ونقل إجماع الصحابة y على كفر تارك الصلاة شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «حكم تارك الصلاة» (ص15)، ونقله كذلك شيخنا ابن عثيمين / في «الفتاوى» (ج12 ص134).
2) أن عبدالله بن شقيق حاك للإجماع الذي لم يوجد له مخالف من الصحابة الكرام.([638])
3) أن عبدالله بن شقيق حاك للإجماع، لا راويا عن الصحابة، وحاكي الإجماع لا يلزم أن يكون مدركا لجميع من نقل عنهم الإجماع، فافهم لهذا ترشد.
فهذا الإمام محمد بن نصر المروزي، والإمام ابن عبدالبر، والإمام النووي، والإمام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، والإمام ابن باز، والإمام ابن عثيمين، وغيرهم ينقلون إجماع الصحابة الكرام في مواضع كثيرة، ولم يقل أحد من العلماء: إنهم لم يسمعوا من الصحابة الكرام، إذا فدعوى: «ربيع الهالك» مردودة عليه.
قلت: وعبدالله بن شقيق لم يتفرد بذكر إجماع الصحابة الكرام في تكفير تارك الصلاة، بل حكاه جابر بن عبدالله t عن الصحابة الكرام في عهد رسـول الله r؛ كما سوف يأتي، وكذلك نقل ذلك الحسن البصري /.
4) نقل غير واحد من العلماء إجماع الصحابة على ذلك ولم أقف على قول أحد منهم يطعن في ذلك، أو يرده!.
وصنيع الشيخ الألباني / يشير إلى اعتماده لهذا الوجه، لأنه قد صحح الأثر في «صحيح الترغيب والترهيب» (564)، وذكر أن أثر جابر t يشهد له، وصححه أيضا في «صحيح الترمذي» (2114)، وأثر جابر t يدل على المعنى، فيزداد له أثر عبدالله بن شقيق قوة.
قلت: ومما يشهد لذلك أيضا؛ قول الحسن البصري / حيث قال: (بلغني أن أصحاب رسول الله rكانوا يقولون: بين العبد، وبين أن يشرك، فيكفر؛ أن يدع الصلاة من غير عذر).([639])
قلت: والحسن البصري /: قد أدرك كبار الصحابة y، فقوله المذكور إن لم يكن سماعا من الصحابة y، فلا أقل من أن يكون حكاية عالم فقيه، مطلع على الخلاف، والإجماع، والعلماء يعتدون بمن هو أقل من الحسن البصري / في مثل هذا النقل، فافطن لهذا. ([640])
(56) وعن مجاهد بن جبر عن جابر بن عبدالله الأنصاري t؛ قال: قلت له: (ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله r قال: الصلاة).([641])
(57) وعن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبدالله t؛ وسأله رجل: أكنتم تعدن الذنب فيكم شركا؟ قال: لا؛ قال: (وسئل: ما بين العبد وبين الكفر؟، قال: ترك الصلاة).([642])
قلت: وهذا الآثار لا تحمل إلا على الكفر الأكبر، لقوله: (وبين أن يشرك فيكفر)؛ أي: يقع في شرك الكفر، ولقوله: (لا يفرق بين الكفر والإيمان إلا بترك الصلاة)، ولقوله: (أن يشرك فيكفر؛ أن يدع الصلاة).
قلت: وقد أجمع التابعون أيضا على كفر تارك الصلاة.
(58) فعن أيوب السختياني / قال: (ترك الصلاة كفر، لا يختلف فيه).([643])
قلت: أيوب السختياني / من كبار الفقهاء، وقد نقل الاتفاق على أن ترك الصلاة: كفر، وهذا يدل على أن الخلاف في المسألة حادث بعد وفاته. ([644])
قلت: والرسول r أفصح الخلق، وهو أعلم الناس، بدين الله تعالى، فقد بين r أن من تركها كفر، وهذا يعم من جحد، ومن لم يجحد.
* فبترك الصلاة، يكفر، ولم يقل النبي r: من جحد وجوبها، أو إذا جحد وجوبها، بل بمجرد ترك الصلاة، فهو يكفر، ولو لم يجحد وجوبها. ([645])
قال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص249): (وهذا الوعيد يدل بلا شك على كفر من ترك الصلاة: وإن لم يجحد وجوبها). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص250): (وهذا فيمن تركها كسلا، ولم يجحد وجوبها). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص263): (الصواب: أن من ترك الصلاة، فهو كافر، وإن كان غير جاحد لها، هذا القول المختار). اهـ
ونقل الإمام ابن عبد البر المالكي / في «التمهيد» (ج4 ص225)؛ عن الصحابة y؛ وهم: علي بن أبي طالب، وابن عباس، وعمر، وابن مسعود، وجابر، وأبو الدرداء، تكفير تارك الصلاة، قالوا: من لم يصل، فهو كافر.
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج1 ص492): (وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم: من الصحابة y أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا، حتى يخرج وقتها، فهو كافر مرتد، قال: ولا نعلم لهؤلاء: من الصحابة y مخالفا). اهـ
قلت: وهذه الآثار، كلها تدل على أن من ترك واحدة، من الخمس في الإسـلام، فقد كفر، وخرج من الملة، ولو لم يجحد بها.
* وبهذا كله يظهر، لمن أراد الله تعالى، هدايته: صحة انعقاد إجماع الصحابة، والتابعين بإحسان: على كفر من ترك واحدا من أركان الإسلام. ([646])
قلت: فقد أجمع السلف الصالح على كفر تارك الصلاة، والأدلة على ذلك عن النبي r كثيرة جدا، وكذلك عن الصحابة، والتابعين، والخلاف في كفر تارك الصلاة؛ إنما وقع بعدهم، فلا يعتد به في الشريعة المطهرة، فافطن لهذا ترشد.
قلت: فالإجماع؛ إجماع السلف، ومن سواهم تبع لهم، اللهم غفرا.
وحكى الإجماع على ذلك جماعة؛ كإسـحـاق بن راهويه، ومحمد بن نصر المروزي، وغيرهم من أهل العلم.
قال الإمام المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص929): سمعت إسحاق بن راهويه يقول: (قد صح عن رسول الله r أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي rإلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر).
وأخرجه ابن عبدالبر في «التمهيد» (ج4 ص225).
وقال الإمام المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص925): (ثم ذكرنا الأخبار المروية عن النبي r في إكفار تاركها، وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتال من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة الكرام مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك، ثم اختلف أهل العلم بعد ذلك في تأويل ما روي عن النبي r، ثم عن الصحابة y في إكفار تاركها). اهـ
قلت: ومعلوم أن محمد بن نصر المروزي من أهل الاستقراء التام، والمعرفة الواسعة بأقوال أهل العلم، ومواضع الإجماع، والنزاع.
قال الحافظ الخطيب / في «تاريخ بغداد» (ج3 ص315)؛ عن المروزي: (كان من أعلم الناس بإختلاف الصحابة([647])، ومن بعدهم في الأحكام). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج14 ص34)؛ عن المروزي: (يقال: إنه كان أعلم الأئمة بإختلاف العلماء على الإطلاق). اهـ
قلت: وهذه الآثار تدل على إجماع الصحابة الكرام على هذا الفهم، وهو كفر تارك الصلاة.
وقد أشار الحافظ ابن رجب / على أن كثيرا من أهل الحديث على تكفير تارك الصلاة، مما يدل على أن من ينقل عن جمهور العلماء إنهم لا يكفرون تارك الصلاة، فهو خطأ لا يلتفت إليه في كتب الفقه، لأنهم يقصدون بالجمهور أصحاب المذاهب المعروفة، وهذا أيضا خطأ، فجمهور العلماء هم أكثر العلماء، فلا يقتصر على أصحاب المذاهب، لأنه اصطلاح لا يصح عند أهل الحديث.
قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص21): (وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا منهم، حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقول المرجئة). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص23): (وأكثر أهل الحديث على أن ترك الصلاة كفر... وممن قال بذلك: ابن المبارك، وأحمد -في المشهور عنه- وإسحاق وحكى عليه إجماع أهل العلم).([648]) اهـ
قلت: لذلك لم نظفر بأي رجل من الصحابة الكرام، خالف ما ادعاه: «ربيع»، و«عبيد»، وأشكالهما من إجماع الصحابة الكرام على كفر تارك الصلاة.
إذا فكيف تترك كل هذه الأدلة الواضحة، ويسمع بعد ذلك إلى من يحتج بالخلاف على الإجماع، مع أنهم قبلوا كثيرا من دعاوى الإجماع بما هو دون ذلك، والله المستعان.
قلت: فهذا الإجماع من أقوى الأدلة على بطلان قول: «ربيع المرجئ»، وبه تعرف أن ما سبق من عبثه، وتلاعبه في تضعيف طرق الأثر لا يجدي عنه شيئا، لأن العلماء حكوا الإجماع على صحته، بل حكوا على صحة إجماع الصحابة الكرام على كفر تارك الصلاة.
قلت: فإذا ثبت الإجماع، فمن خالف بعد ذلك، فهو محجوج بالإجماع السابق، ولو جعلنا الخلاف اللاحق سببا في زعزعة الثقة في الإجماع السابق؛ لسقط كثير من الإجماعات التي ادعاها أهل العلم، والعمل عليها حتى الآن، وفي هذا من المفسدة ما لا يخفى، اللهم غفرا.([649])
قلت: فالجميع محكوم بفهم صحابة رسـول الله r، وهم مجمعون على كفر تارك الصلاة.
قلت: ولو طرد مذهب: «ربيع المرجئ» في هذا القول، لما صح لنا إجماع في كل زمان، فإذا كان التابعي الجليل مثل عبدالله بن شقيق لا يقبل قوله بدعوى الإجماع، فمن الذي سيقبل قوله؟!.
ثم دع عنك يا ربيع (لعل)، واجـعلـهـا في رأسـك الـتـالف، فالأصـل أن دعوى العالم -فضلا عن التابعي- بالإجماع؛ دعوى مقبولة، من يظهر خلافها، ولم تستطع أنت أن تظفر بصحابي واحد يقول بمثل قولك، بل ولم يصح عن عالم أنه ضعف أثر عبدالله بن شقيق، فلم يضعف الأثر إلا أشكالك من السفهاء([650])، والمعاندين!، اللهم سلم سلم.
فإن الأصل، والحجة إذا كان أمرا مجمعا عليه عند الصحابة الكرام، سواء في الأصول، أو الفروع؛ أن نقف على ما أجمعوا عليه، لأنهم هم جماعة المسلمين في الأمر الأول، وهذا هو التجمع المحمود، فمن خالف ذلك، فهو مشاق للـرسـولr ، واتبع غير سبيل المؤمنين، ووقع في التفرق، وهو على ضلالة.
قال تعالى: ]فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس:32].
قال المفسر القرطبي / في «جامع أحكام القرآن» (ج8 ص335): ( «ذا» صلة؛ أي: ما بعد عبادة الإله الحق إذا تركت عبادته إلا الضلال... قال علماؤنا: حكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحق، والباطل منزلة ثالثة... والضلال حقيقته الذهاب عن الحق). اهـ
وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
قلت: ووجه الاستدلال بها ([651])؛ أنه تعالى توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يوجب اتباع سبيلهم، وإذا أجمعوا على أمر كان سبيلا لهم؛ فيكون اتباعه واجبا على كل واحد منهم، ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة.([652])
وعن إبراهيم النخعي / قال: (لو بلغني عنهم -يعني: الصحابة- أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفرا لما جاوزته به، وكفى على قوم وزرا أن تخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم r).([653])
وعن عبد الله بن داود الخريبي / قال: (والله لو بلغنا أن القوم - يعني: الصحابة- لم يزيدوا في الوضوء على غسل أظفارهم،لما زدنا عليه).([654])
قال ابن خزيمة: «يريد أن الدين الاتباع».
قلت: يجب الاقتداء بالصحابة y فيما أحببنا، وكرهنا.
وعن عبد الله بن مسعود t أنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد؛ فاختار محمدا r؛ فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه، ثم نظر في قلوب الناس بعده؛ فاختار له أصحابه فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه r، فما رآه المؤمنون حسنا؛ فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحا؛ فهو عند الله قبيح).([655])
وقال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص425): (الإجماع ينعقد عندنا باتفاق العلماء، وإذا اتفقوا عليه كانت العامة تابعة لهم). اهـ
وقال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص427): (إذا أجمع أهل عصر على شئ، كان إجماعهم حجة، ولا يجوز اجتماعهم على الخطأ). اهـ
قلت: إذا لا يعتد باختلاف العلماء([656])بعد إجماع الصحابة y في أن من ترك الصلاة فقد كفر؛ لإجماع الصحابة الكرام على ذلك.
فعن أبي حاتم الرازي / قال: (العلم عندنا ما كان عن الله تعالى من كتاب ناطق، ناسخ غير منسوخ، وما صحت الأخبار عن رسول الله r مما لا معارض له، وما جاء عن الألباء من الصحابة ما اتفقوا عليه، فإذا اختلفوا لم يخرج من اختلافهم؛ فإذا خفي ذلك ولم يفهم فعن التابعين، فإذا لم يوجد عن التابعين، فعن أئمة الهدى من أتباعهم).([657])
قلت: فما أجمع عليه الصحابة الكرام؛ فهو حجة شرعية، ويسقط اختلاف العلماء من بعدهم مع إجماعهم، ويعتذر لهم: أما بأن الإجماع لم يصل إليهم، أو تأولوه، أو دخل عليهم حديث ضعيف، فقالوا به، أو شكوا فيه بما ورد عنهم من القرائن أنه ليس بإجماع، أو غير ذلك من الاجتهادات التي يعذرون بها العلماء؛ دون غيرهم في الدول الإسلامية.([658])
قال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص433): (فما أجمعوا عليه فهو حجة، ويسقط الاجتهاد مع إجماعهم، فكذلك إذا اختلفوا على قولين، لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث). اهـ
قلت: فيجب اتباع ما سـنـه أئمة السلف من الإجماع، وأنه لا يجوز الخروج عنه في أي بلد من البلدان الإسلامية.([659])
قال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص435): (كما أن إجاعهم على قول إجماع على إبطال كل قول سـواه؛ فكما لم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه على قول؛ لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين).اهـ
وعن عمر بن عبد العزيز / قال: سن رسول الله r، وولاة الأمر بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعته، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، فمن اقتدى بما سنوا اهتدى، ومن استبصر بها تبصر، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا).([660])
قلت: فإجماع الصحابة y حجة يجب على المسلمين جميعا العمل به، ولا يجوز لهم مخالفته، وهذا هو الاتباع للسلف ومحبتهم، والاقتداء بهم.
فعن أحمد بن حنبل / قال: (الاتباع: أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي r وعن أصحابه، ثم هو من بعد في التابعين مخير).([661]) أي: عند اختلافهم، فهو مخير بالدليل.
وعن أيوب السختياني / قال: (إذا بلغك اختلاف عن النبي r، فوجدت في ذلك الاختلاف أبا بكر وعمر، فشد يدك به، فإنه الحق، وهو السنة).([662])
قال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج1 ص148): (فطريقة السلف والأئمة: أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون الألفاظ الشرعية، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة، ورد باطلا بباطل). اهـ
وقال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التسعينية» (ج2 ص531): (فالواجب على المسلم أن يلزم سنة رسول الله، وسنة خلفائه الراشدين، والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وما تنازعت فيه الأمة، وتفرقت منه إن أمكنه أن يفصل النزاع بالعلم والعدل، وإلا استـمـسك بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، وأعرض عن الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعا؛ فإن مواضع التفرق والاختلاف عامتها تصدر عن اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى). اهـ
قلت: ومنازعات أهل الأهواء والبدع هي خصومات مذمومة، مدارها على اختلاف التضاد، ويتكلم أهلها بغير علم، وقصد حسن، اللهم غفرا.
قال أبو داود في «المسائل» (ص277): قلت لأحمد، الأوزاعي هو أتبع من مالك؟ قال: (لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء، ما جاء عن النبي r، وأصحابه فخذ به، ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير).
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1058): (الإجماع حجة مقطوع عليه، يجب المصير إليه، وتحرم مخالفته ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ). اهـ
قلت: فالإجماع مقطوع عليه، ويصار إليه لكونه حجة، وتحرم مخالفته لكونه إجماعا، إذ الأمة لا تجتمع على باطل.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1057): (وسـمـي إجماعا؛ لاجتماع الأقوال المتفرقة، والآراء المختلفة). اهـ
قلت: ومن رد الإجماع أثم، وله وعيد شديد يوم القيامة، كائنا من كان اللهم سلم سلم.
قال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص434): (فمن جحد الإجماع الأول استتيب، فإن تاب وإلا قتل، ومن رد الإجماع الآخر، فهو جاهل يعلم ذلك، فإذا علمه ثم رده بعد العلم، قيل له: أنت رجل معاند للحق وأهله). اهـ
قلت: فلا عذر لأحد بعد الإجماع في مخالفة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه مخالفة، قد بينت الأمور، وثبتت الحجة، وانقطع العذر، اللهم غفرا.
ﭑ ﭑ ﭑ
ذكر الدليل
على أن اعتقاد: «عبيد بن عبد الله الجابري»، عدم تكفير من ترك أركان الإسلام؛ من: «صلاة»، و«زكاة»، و«صيام»، و«حج»؛ إلا بالجحود لها، وقد وافق في هذا الاعتقاد الفاسد: لـ«ابن الرواندي» الزنديق، و«المريسي» ([663]) الزنديق، وغيرهما من الزنادقة، ووافق أيضا: «المرجئة القديمة»، و«المرجئة العصرية»، وهو بذلك خالف الكتاب، والسنة، والإجماع([664])، فهلك ولابد
قال عبيد بن عبد الله الجابري في «فتح ذي الجلال والمنة في شرح أصول السنة» (ص42): (بهذا يستبين أن العمل من مسمى الإيمان، ولكن يفصل، فمن الأعمال:
أولا: ما تركه كفر، وخروج من الملة ينافي الإيمان بالكلية؛ كتارك الشهادتين، وهذا بالاتفاق، وترك الصلاة جحودا من العالم بها، والخلاف في تركها تهاونا، وليس هذا موضع بسط الخلاف في هذه المسألة – أعني: مسألة ترك الصلاة، تهاونا، مع الإقرار بوجوبها-.
ثانيا: ما تركه فسق ينافي كمال الإيمان وسائر: أركان الإسلام، مثل: «الزكاة»، و«صوم رمضان»، و«الحج»، وهذه تركها فسق ما لم يجحدها؛ فمن جحدها عالما بوجوبها كفر، ولكن من تركها متهاونا؛ فصنيعه هذا ينافي كمال الإيمان الواجب). اهـ كلام الجابري.
وقال عبيد بن عبد الله الجابري في «التقرير الأحمد بشرح أصول السنة للإمام أحمد» (ص108): (وعند التفصيل يقررون أن الأعمال بالنسبة للإيمان ثلاثة أقسام:
أحدهما: ما يزول الإيمان بتركه، ما يزول الإيمان بزواله، فالشهادتان باتفاق، عدم الشهادتين يزول به الإيمان، والصلاة بخلاف على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الصنف الثاني: ما تركه فسق؛ ينقص به كمال الإيمان الواجب، مثل: «الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج»؛ فهذا لا يكفر من تركها، بل يفسق من تركها تهاونا: أما من تركها جحودا؛ فإنه يكفر إذا كان يعلم ذلك). اهـ كلام الجابري.
* فقول الجابري: (ثانيا: ما تركه فسق، ينافي كمال الإيمان، وسائر: أركان الإسلام، مثل: «الزكاة»، و«صوم رمضان»، و«الحج»، وهذه تركها فسق ما لم يجحدها.
* فمن جحدها عالما بوجوبها كفر، ولكن من تركها متهاونا، فصنيعه هذا ينافي كمال الإيمان الواجب). اهـ
وقول الجابري: (الصنف الثاني: ما تركه فسق؛ ينقص به كمال الإيمان الواجب، مثل: «الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج»، فهذا لا يكفر من تركها، بل يفسق من تركها تهاونا). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن: «الجابري»، يصحح إيمان العبد بالنطق بالشهادتين فقط، من غير فعل: «الصلاة»، و «الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج»، وقد حصل له بذلك خلط وخبط في مسائل الإيمان، والأمر هذا حصل له بسبب تركه لأدلة الكتاب والسنة والإجماع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإخنائية» (ص185): (فينبغي لمن أراد: أن يعرف دين الإسلام، أن يتأمل النصوص النبوية، ويعرف ما كان يفعله: الصحابة، والتابعون، وما قاله أئمة المسلمين، ليعرف المجمع عليه: من المتنازع فيه).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص364): (وكثير من المتأخرين([665]): لا يميزون بين مذاهب: «السلف»، وأقوال: «المرجئة»، و«الجهمية»؛ لاختلاط هذا، بهذا: في كلام كثير منهم؛ ممن هو في باطنه يرى رأي: «الجهمية»، و«المرجئة» في الإيمان([666])، وهو معظم للسلف، وأهل الحديث، فيظن أنه يجمع بينهما، أو يجمع بين كلام، أمثاله، وكلام السلف). اهـ
قلت: ونصوص الكتاب، والسنة، والإجماع: صريحة في تكفير تارك أركان الإسلام، من «الصلاة»، و«الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج»، أو ترك لواحد من هذه الأركان؛ مثل: لو ترك: «الصلاة»، فقد كفر، أو ترك: «الزكاة» لوحدها، فقد كفر، أو ترك «صيام رمضان» لوحده: فقد كفر، أو ترك: «الحج» لوحده: فقد كفر.
قلت: وعلى ذلك أجمع أصحاب رسول الله r، والتابعون لهم بإحسان، وتناقل أئمة أهل العلم هذا الإجماع في كتبهم، إلا أن «المرجئة العصرية»، لم ترفع بذلك رأسا، بل سعوا في نقضه، وإبطاله([667]): بما يسمى بالاختلاف عند المتأخرين، وركنوا إلى قول: «فلان»، وقول: «علان»، لأن هذا الإجماع يعود على أصولهم: بالنقض والإبطال.
* فصحح: «الجابري» إيمان العبد من غير عمل يعمله في حياته، وحصل له بذلك خلط وخبط في الإيمان، وحصل تشعيب كبير من: «عبيد الجابري»، وغيره في «مسائل الإيمان»، وقد خالف ما أجمع عليه السلف الصالح في تكفير تارك العمل بالكلية، من: «صلاة»، و«زكاة»، و«صيام»، و«حج» وغير ذلك.([668])
قلت: و«الجابري» هذا يحكي إجماع الصحابة في تكفير تارك الصلاة، ثم يعارضه بزعمه، بأن الجمهور الذين من بعدهم، ذهبوا مثلا: إلى عدم تكفير تارك الصلاة!.
* وعند التحقيق في أقوال هؤلاء الجمهور، لا يثبت عن كثير منهم: القول بما يخالف إجماع الصحابة ﭫ.
قلت: ومما قرره أهل السنة والجماعة: أنه متى ثبت في مسألة من مسائل الدين إجماع لهم، فلا يجوز لأحد مخالفته كائنا من كان.
* فمن دفع منه شيء من ذلك، فلا ينظر إلى قوله أصلا، ولا يلتفت إلى مخالفته لهم؛ لأن أئمة الحديث، عدوا مخالفة إجماع الصحابة ﭫ بدعة، وهلكة يطعن بها في صاحبها.([669])
وإليك الدليل:
(1) فعن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة t، قال: لما توفي رسول الله r، واستخلف أبو بكر t بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب t لأبي بكر t: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قال: لا إله إلا الله؛ فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله؟» فقال أبو بكر t: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله r، لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب t: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق).([670])
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص262)، و(ج12 ص275)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص51 و52)، وأبو داود في «سننه» (ج2 ص93)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص3 و4)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج7 ص5)، وفي «المجتبى» (ج5 ص14 و15)، و(ج6 ص5)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص423)، والشافعي في «المسند» (3822)، وابن منده في «الإيمان» (ج1 ص164 و380 و382)، وأبو عبيد في «الأموال» (ص24)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج1 ص512)، وفي «مسند الشاميين» (ج1 ص372)، والبيهقي في «السنن الصغرى» (ج2 ص78 و79)، و(ج3 ص271)، وابن جماعة في «مشيخته» (ج2 ص558)، وابن بلبان في «تحفة الصديق» (ص39)، والبغوي في «شرح السنة» (ج5 ص488)، واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (ج4 ص833)، وابن زنجويه في «الأموال» (ص116)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص70 و71)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص70 و71)، والجصاص في «أحكام القرآن» (ج3 ص82) من طريق الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن أبي هريرة t به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقوله: (وكفر من كفر من العرب)، هذا الكفر عام، في مانعي الزكاة، وفي غيرهم، وهو الكفر المخرج عن الملة.
قال الإمام أبو عبيد / في «الإيمان» (ص39): (وقال تعالى: ]خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها[ [التوبة:103].
* فلو أنهم ممتنعون من الزكاة عند الإقرار، وأعطوه ذلك بالألسنة، وأقاموا الصلاة، غير أنهم ممتنعون من الزكاة، كان ذلك مزيلا لما قبله، وناقضا للإقرار والصلاة، كما كان إيتاء الصلاة قبل ذلك ناقضا لما تقدم من الإقرار، والمصدق لهذا:
* جهاد أبي بكر الصديق t بالمهاجرين، والأنصار على منع العرب الزكاة([671])، كجهاد: رسول الله r: أهل الشرك سواء، لا فرق بينها في سفك الدماء، وسبي الذرية، واغتنام المال، فإنما كانوا مانعين([672]) لها غير جاحدين بها!.
* ثم كذلك: كانت شرائع الإسلام كلها، كلما نزلت شريعة صارت مضافة إلى ما قبلها لاحقة به، ويشملها جميعا اسم الإيمان؛ فيقال لأهله: مؤمنون). اهـ
* وهذا هو الصواب، لإجماع الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، على كفر تارك إيتاء الزكاة، من غير تفريق بين من تركها تهاونا، وكسلا، أو تركها جحودا.([673])
وبوب الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص406)؛ باب كفر تارك الصلاة، ومانع الزكاة، وإباحة قتالهم وقتلهم إذا فعلوا ذلك.
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «كشف الشبهات» (ص12): (اعلم أن من ترك: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، فهو كافر؛ بإجماع المسلمين).اهـ
وقال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج4 ص231): (ألا ترى، أن أبا بكر t، شبه الزكاة بالصلاة، ومعلوم أنهم كانوا: مقرين بالإسلام والشهادة). اهـ
قلت: فأبو بكر الصديق t: قاس قتاله، «لمانعي الزكاة»، بما هو مقرر عندهم من كفر، وقتال: من ترك الصلاة.
قال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ص234): (يدل على: أن من ترك الصلاة؛ فإنه يقاتل؛ لأنها حق البدن.
* فكذلك: من ترك الزكاة التي هي حق المال، وفي هذا إشارة إلى: أن قتال، تارك الصلاة، أمر مجمع عليه، لأنه جعله: أصلا مقيسا عليه). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «الكافي» (ج1 ص95): (والصحابة ﭫ: أجمعوا على قتال مانعي الزكاة، والصلاة آكد منها). اهـ
قلت: فإجماع الصحابة ﭫ حجة يجب على المسلمين جميعا العمل به، ولا يجوز لهم مخالفته، وهذا هو الاتباع للسلف ومحبتهم، والاقتداء بهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص519): (وممن قاتلهم الصحابة ﭫ - مع إقرارهم بالشهادتين والصلاة وغير ذلك - مانعي الزكاة كما في «الصحيحين»). اهـ
* وقد بين العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «تبرئة الإمامين الجليلين» (ص172): أن الذين منعوا الزكاة؛ هم: مرتدون، وإن صلوا، وصاموا، وحجوا، وهذا بإجماع الصحابة ﭫ.
* وقد بين العلامة الشيخ محمد بن عبدالوهاب / في «الدرر السنية» (ج9 ص418)؛ في كفر مانعي الزكاة، وأن الصحابة ﭫ، لم يقولوا: أنت مقر بوجوبها، أو جاحد لها، فجعل أبو بكر الصديق t المبيح للقتال، بمجرد المنع، لا جحد الوجوب.
وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج14 ص12) – بعد ما ذكر حديث: أمرت أن أقاتل الناس -: (فدل هذا الحديث: وما جاء في معناه، على أن الذي يبخل بالزكاة، ويمتنع منها، ويقاتل دونها، ولا يؤديها؛ فإنه يباح قتاله، كما قاتل الصديق t مانعيها؛ لأنه لا يكون معصوم الدم؛ إلا بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ولهذا لما امتنع بعض العرب بعد موت النبي r من الزكاة قاتلهم الصحابة حتى يؤدوها).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص57): (وكذلك مانعوا الزكاة؛ فإن الصديق، والصحابة ابتدءوا قتالهم، قال الصديق: «والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله r لقاتلتهم عليه»؛ وهم يقاتلون إذا امتنعوا من أداء الواجبات، وإن أقروا بالوجوب). اهـ
وقال الإمام وكيع بن الجراح /: (أهل السنة يقولون: الإيمان: قول وعمل، والمرجئة يقولون: إن الإيمان قول بلا عمل، والجهمية يقولون: أن الإيمان المعرفة).([674])
وعن الإمام الحميدي / قال: (وأخبرت أن ناسا يقولون: من أقر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ولم يفعل من ذلك شيئا، حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة، حتى يموت، فهو مؤمن، ما لم يكن جاحدا، إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه، إذا كان يقر بالفرائض، واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وفعل المسلمين، قال تعالى: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة[ [البينة: 5].([675])
وعن الإمام إسحاق بن راهويه / قال: (غلت المرجئة حتى صار من قولهم: أن قوما يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود لها: إنا لا نكفره([676])، نرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقر، فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم، ثم هم أصناف).([677])
قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص21)؛ بعد أن ذكر قول إسحاق بن راهويه: (يعني: في أنهم مرجئة، وظاهر هذا: أنه يكفر بترك هذه الفرائض).اهـ
قلت: وهذا التأصيل العقدي من السلف، هو قاصم ظهر: «عبيد الجابري» المرجئ، الذي لا يكفر بترك هذه الفرائض!، ويقرر لمن ترك هذه الأصول، أنه ناقص الإيمان.
وقال الإمام أبو يعلى / في «الإيمان» (ص406): (فإنه إجماع الصحابة ﭫ؛ وذلك أنهم نسبوا الكفر إلى مانع الزكاة وقاتلوه، وحكموا عليه بالردة). اهـ
* فأبو بكر الصديق t، لما ارتد العرب، جاهدهم حتى ردهم إلى الإسلام، وهذا من مناقب أبي بكر الصديق t، وحين اتفقت الصحابة y على رأيه.([678])
وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب t قال: سمعت رسول الله r يقول: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان».
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص49)، وفي «التاريخ الكبير» (ج8 ص322)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص45)، وفي «التمييز» (ص173)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص5 و6)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص17 و18)، وفي «معالم التنزيل» (ج1 ص329)، وفي «مصابيح السنة» (ج1 ص13)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص358)، وفي «السنن الصغير» (ج1 ص105)، وفي «شعب الإيمان» (ج1 ص54)، و(ج3 ص288 و428)، وفي «الاعتقاد» (ص330)، وفي «فضائل الأوقات» (ص137 و138)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص143)، وفي «الإيمان» (22)، و(220)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص531)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص107 و108)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص62)، وفي «أخبار أصبهان» (ج1 ص146)، وفي «المسند المستخرج» (ج1 ص109 و110)، وضياء الدين المقدسي في «فضائل الأعمال» (ص292)، والحرفي في «الأمالي» (ص407)، وابن نقطة في «تكملة الإكمال» (ج3 ص519)، والسبكي في «الطبقات الكبرى الشافعية» (ج1 ص76)، والخطيب البغدادي في «الكفاية» (ص210)، وفي «تاريخ بغداد» (ج14 ص29)، وفي «الأسماء المبهمة» (ص336 و337)، وصدر الدين البكري في «الأربعين» (ص82)، والشجري في «الأمالي» (ج1 ص31 و33)، والرافعي في «التدوين في أخبار قزوين» (ج2 ص237)، وابن حجر في «الإمتاع» (ص269 و270)، والدولابي في «الكنى» (ج1 ص80)، والسمرقندي في «تنبيه الغافلين»؛ تعليقا (ص231)، والمراغي في «مشيخته» (ص124 و125)، من عدة طرق عن عبدالله بن عمر ﭭ به.
وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
وقال ابن منده: «هذا حديث مجمع على صحته».
وقال الإمام النووي / في «المنهاج» (ج1 ص179): (إن هذا الحديث: أصل عظيم في معرفة الدين، وعليه اعتماده، وقد جمع أركانه). اهـ
وقال الحافظ السيوطي / في «الديباج» (ج1 ص17): (بني الإسلام على خمس؛ أي: أركان، أو أشياء، (على خمس)؛ أي: خصال، أو دعائم، أو قواعد). اهـ
قلت: إذا كان الله تعالى قد أمر: بـ«الصلاة»، و«الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج»، كأمره بالتوحيد، ثم كان مضيع هذه الفرائض كافرا، أو هو تارك، لأحدهما: يكفر، كما يكفر من ترك: «الشهادتين».
وقال الحافظ أبو نعيم / في «المسند المستخرج» (ج1 ص109): (باب: بني الإسلام على خمس).
وقال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج1 ص93)؛ تحت حديث: ابن عمر ﭭ: «بني الإسلام على خمس»: (فإن النبي r جعل هذه الخمس دعائم الإسلام ومبانيه، وفسر بها الإسلام في حديث جبريل، وفي حديث طلحة بن عبيد الله الذي فيه: أن أعرابيا سأل النبي r ففسره له بهذه الخمس، ومع هذا؛ فالمخالفون في الإيمان يقولون: لو زال من الإسلام خصلة واحدة، أو أربع خصال سوى الشهادتين، لم يخرج بذلك من الإسلام).([679]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج1 ص358): (إذا اختلفت الأحاديث عن النبي r نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون، فإنهم أعلم بتأويلها وناسخها). اهـ
قلت: لو الناس في عهد الصحابة y: تركوا الحج، لقاتلوهم عليه، كما قاتلوهم على: ترك الصلاة، والزكاة.([680])
وبوب الحافظ الفاكهي في «أخبار مكة» (ج1 ص380)؛ التشديد في التخلف عن الحج، والواجب من علة.
وقال الإمام الحكم بن عتيبة /: (من ترك الصلاة متعمدا، فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمدا، فقد كفر، ومن ترك الحج متعمدا، فقد كفر، ومن ترك صوم رمضان متعمدا، فقد كفر). ([681])
وعن عمر بن الخطاب t قال: (من أطاق الحج، ولم يحج حتى مات، فأقسموا عليه أنه: مات يهوديا، أو نصرانيا).
أثر صحيح
أخرجه محمد بن أسلم الطوسي في «الإيمان» (24)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص252)، والإسماعيلي في «مسند عمر بن الخطاب» (ج1 ص448 – مسند الفاروق) من طريق قبيصة بن عقبة السوائي ثنا سفيان الثوري عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله قال: حدثني عبدالرحمن بن غنم أنه سمع عمر بن الخطاب t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقبيصة بن عقبة السوائي، ثقة، قد حفظ هذا الحديث عن الثوري بالتحديث([682])، وقد صححه ابن حجر في «التلخيص الحبير» (ج2 ص223)، والشيخ الألباني في «الضعيفة» (ج1 ص166).
قال الحافظ الذهبي في «السير» (ج10 ص133)؛ في ترجمة: قبيصة بن عقبة: (الرجل ثقة، وما هو في سفيان: كابن مهدي، ووكيع، وقد احتج به الجماعة في سفيان، وغيره، وكان من العابدين). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ص436)؛ عن قبيصة بن عقبة: (من كبار شيوخ البخاري أخرج عنه أحاديث، عن سفيان الثوري، وافقه عليها غيره). اهـ
ومن هذا الوجه: أورده ابن كثير في «مسند الفاروق» (ج1 ص448)؛ ثم قال: «وهو إسناد صحيح عنه».
وقال ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج2 ص387): (وهذا إسناد صحيح، إلى عمر بن الخطاب t).
* وأثر عمر t، صححه ابن الجوزي في «الموضوعات» (ج2 ص210).
وقد رد العلامة الشيخ سليمان بن سحمان /؛ كما في «الدرر السنية» (ج10 ص495)؛ على: «البغدادي»، بقوله: أن مجرد التلفظ بالشهادتين، يكتفي به في عصمة المال والدم، ويكون به مسلما، وإن لم يصل، ولا يزك، ولا يصم، ولا يحج!.
وقال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص23): (وكذلك قال الإمام سفيان بن عيينة /: (المرجئة: سموا ترك الفرائض ذنبا، بمنزلة: ركوب المحارم، وليسا سواء؛ لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال: معصية، وترك الفرائض من غير جهل، ولا عذر: هو كفر، وبيان ذلك في أمر: «آدم» عليه السلام، و«إبليس»، وعلماء اليهود الذين: أقروا ببعث النبي صلي الله عليه وسلم، ولم يعملوا بشرائعه).اهـ
وقال الإمام الآجري / في «الأربعين» (ص13): (فالأعمال بالجوارح: تصديق على الإيمان، بالقلب واللسان، فمن لم يصدق الإيمان: بعمله بجوارحه، مثل: «الطهارة»، و«الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، و«الجهاد»، وأشباه لهذه، ومن رضي لنفسه، بالمعرفة، والقول، دون العمل، لم يكن مؤمنا). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد السائل إلى دليل المسائل» (ص33): (من كان تاركا، لأركان الإسلام، وجميع فرائضه، ورافضا، لما يجب عليه من ذلك، من الأقوال والأفعال، ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين، فلا شك أن هذا كافر، شديد الكفر، حلال الدم والمال، فإنه قد ثبت بالأحاديث المتواترة: أن عصمة الدماء، والأموال، إنما تكون بالقيام بأركان الإسلام). اهـ
وقال العلامة القصاب / في «نكت القرآن» (ج1 ص480): (ولا أعلم بين الأمة خلافا في أن الخارج من الكفر إلى الإيمان لو قال: أؤمن بالله، وأؤمن بأن الصلاة، والزكاة حق، ولكن لا أقيمها، وأقتصر على القول بالشهادتين؛ أنه لا يقبل منه، وأنه كافر كما كان، حلال الدم والمال). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص621): (وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله تعالى، ورسوله r بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجبا ظاهرا، و«لا صلاة»، و«لا زكاة»، و«لا صياما»، ولا غير ذلك من الواجبات). اهـ
وقال العلامة الشيخ أبا بطين / في «الرسائل والمسائل النجدية» (ج1 ص659): (والمرتد: هو الذي يكفر بعد إسلامه: بكلام، أو اعتقاد، أو فعل، أو شك.
* وهو قبل ذلك يتلفظ بالشهادتين، ويصلي، ويصوم، فإذا أتى بشيء: مما ذكروه: صار مرتدا، مع كونه يتكلم بالشهادتين، ويصلي، ويصوم، ولا يمنعه: تكلمه بالشهادتين، وصلاته، وصومه، من الحكم عليه بالردة، وهذا ظاهر بالأدلة من الكتاب، والسنة، والإجماع). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «الكبائر» (ص161): (وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان، بلا مرض، ولا غرض؛ أنه شر من الزاني، والمكاس، ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه، ويظنون به الزندقة، والانحلال). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص218): (فيمتنع أن يكون الرجل لا يفعل شيئا، مما أمر به من: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»... بل لا يفعل ذلك؛ إلا لعدم الإيمان الذي في قلبه). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون / في «الفتاوى» (ج3 ص262): (وبذلك نعرف أن من لم يصل فهو كافر، أما أن يزعم أنه يؤمن بالله وباليوم الآخر، فهذا إيمان كاذب، وإيمان ادعائي، فكيف يؤمن بالله تعالى، ويؤمن بكتابه، ورسوله r، من لا يمتثل أوامره، ولا يعمل بكتابه؟! والله تعالى يقول: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة[ [البينة:5]، فالذي لا يصلي، ولا يؤتي الزكاة، ليس على دين، ولم يقم بما أمر به، ولم يف بما التزم به من شرع الله ودينه: ]فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا[ [مريم:59]، يعني: عذابا شديدا في جهنم). اهـ
وعن ابن عباس ﭭ قال: (إن وفد عبد القيس، لما قدموا على رسول الله r، أمرهم: بالإيمان بالله، فقال: «أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال r: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (53)، و(87)، و(523)، و(4368)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص47)، وأبو داود في «سننه» (4677)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص464)، وفي «الإيمان» (ص202)، وأبو محمد البغوي في «شرح السنة» (20)، وابن منده في «الإيمان» (21)، والخلال في «السنة» (1100)، و(1094)، والمخلص في «المخلصيات» (124)، و(3095)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج1 ص177 و178)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص249)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (1583)، وابن العطار في «نزهة الناظر» (ص72)، ويوسف بن عبدالهادي المقدسي في «مسألة التوحيد» (ص72)، وابن البخاري في «مشيخته» (87)، و(175)، والقاضي أبو يعلى في «الإيمان» تعليقا (16)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1279)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1295)، وابن النجار في «ذيل تاريخ بغداد» (ص10)، وابن المؤذن في «فوائد مخرجة عن الشيوخ» (ق/20/ط)، وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (932)، وأبو عبدالله البرزالي في «سلوك طريق السلف» (15)، والنعال في «المشيخة» (ص141)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص61 و62)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج1 ص110 و111)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1078)، والعلائي في «إثارة الفوائد» (ص31)، والمراغي في «المشيخة» (ص167 و168 و169)، وابن أبي الفتح الصوري في «حديثه» (ص674)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص104) من طريق شعبة، وحماد بن زيد، وقرة؛ جميعهم: عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس ﭭ به.
وقال الحافظ أبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص61): «بيان: صفة الإيمان، والإسلام، وأنه أداء الفرائض، واجتناب المحارم».
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج3 ص535): (قد أعلم r في هذا الحديث: أن: «الصلاة»، و«الزكاة» من الإيمان، وكذلك: «صوم رمضان»، و«إعطاء خمس الغنيمة»). اهـ
وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي / في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص107): «باب: أداء الخمس من الإيمان».
وقال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص642)؛ سياق ما روي عن النبي r في أن دعائم الإيمان، وقواعده، شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.
وعن جابر t قال: قال رسول الله r: (بين العبد، وبين الكفر: ترك الصلاة)، وفي رواية: (ليس بين العبد، وبين الشرك: إلا ترك الصلاة)، وفي رواية: (بين الإيمان والكفر: ترك الصلاة).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص82 و88)، وأبو داود في «سننه» (4678)، والترمذي في «سننه» (620)، والنسائي في «السنن الكبرى» (328)، وفي «المجتبى» (464)، وابن ماجه في «سننه» (1078)، وأحمد في «المسند» (ج23 ص365)، وفي «الإيمان» (ص258 و259)، والآجري في «الشريعة» (ص133)، وإبراهيم بن عبدالصمد الهاشمي في «الأمالي» (15)، و(16)، وفي «الهاشميات» (ق/188/ط)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (1589)، و(1590) والبوشنجي في «المنظوم والمنثور» (ص37)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (31033)، وفي «الإيمان» (44)، و(45)، والدارمي في «المسند» (1233)، والخلعي في «الخلعيات» (ص307)، والفزاري في «القدر» (ق/89/ط)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص60 و62)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (810)، و(811) من طريق أبي سفيان، وأبي الزبير، كلاهما: عن جابر بن عبدالله ﭭ به.
وعن عبدالله بن شقيق العقيلي / قال: (كان أصحاب محمد لايرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في «سننه» (2622)، ومحمد المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (948)، والبغوي تعليقا في «شرح السنة» (211) من طريق قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن سعيد الجريري عن عبدالله بن شقيق العقيلي به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات، على شرط الشيخين، وسعيد الجريري، وإن كان اختلط([683])، إلا أنه قد سمع منه بشر بن المفضل الرقاشي قبل الاختلاط.([684])
قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص425)؛ عن الجريري:(وما أخرج البخاري من حديثه إلا عن عبد الأعلى، وعبد الوارث، وبشر بن المفضل، وهؤلاء سمعوا منه قبل الاختلاط). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل» (ص313)؛ عن الجريري: (وممن سمع منه قبل أن يختلط: الثوري، وابن عليه، وبشر بن المفضل). اهـ
وأثبت الحافظ ابن عدي / في «الكامل» (ج3 ص1228)؛ أن بشر بن المفضل سمع من الجريري قبل الاختلاط.
وقد أقره العلامة المقريزي في «مختصر الكامل» (ص388).
* والكفر لغة: مصدر؛ قولهم: كفر يكفر كفرا، وهو مأخوذ من مادة: «ك، ف، ر» التي تدل على الستر، والتغطية.
والكفر: ضد الإيمان، سمي بذلك؛ لأنه تغطية الحق.
وكذا كفران النعمة: جحودها، وسترها.
وجمع الكافر: كفار، وكفرة، وكفار؛ مثل: جائع، وجياع، ونائم، ونيام.
وجمع الكافرة: الكوافر.
ويقال؛ إنما سمي: الكافر كافرا؛ لأن الكفر غطى قلبه كله، وكل من ستر شيئا فقد كفره، وكفره.
والكفور: المبالغ في كفران النعمة.
والكفار: أبلغ من الكافر.
ويقال: كفر فلان؛ إذا اعتقد الكفر.
ويقال: كفر إذا أظهر الكفر، وإن لم يعتقد. ([685])
قال تعالى: ﴿إن الإنسان لكفور﴾ [الزخرف: 15].
وقال تعالى: ﴿كل كفار عنيد﴾ [ق: 24].
وقال تعالى: ﴿من كفر فعليه كفره﴾ [الروم: 44].
وقال تعالى: ﴿ولا تكونوا أول كافر به﴾ [البقرة: 41].
وقال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (ج5 ص191): (يقال: لمن غطى درعه بثوب: قد كفر درعه.
والمكفر: الرجل المتغطي بسلاحه، والكفر ضد الإيمان). اهـ
وقال الراغب اللغوي / في «مفردات ألفاظ القرآن» (ص434): (الكفر في اللغة: ستر الشيء، ووصف الليل بالكافر، لستره الأشخاص، والزراع لسترهم البذر في الأرض). اهـ
قال تعالى: ﴿أعجب الكفار نباته﴾ [الحديد: 20].
والكفار هنا: الزراع؛ لأنهم يغطون البذر، وهذا معنى من معاني الآية. ([686])
قلت: ويتبين مما سبق أن الكفر معناه: التغطية والستر.
* والكفر شرعا: ضد الإيمان، فإن الكفر: عدم الإيمان بالله، ورسله، سواء كان معه تكذيب، أو لم يكن معه تكذيب، بل مجرد شك، وريب، أو إعراض، أو حسد، أو كبر، أو اتباع لبعض الأهواء الصادة عن اتباع الرسالة، وإن كان المكذب أعظم كفرا، وكذلك الجاحد، والمكذب حسدا؛ مع استيقان صدق الرسل عليهم السلام. ([687])
* أنواع الكفر:
الكفر نوعان:
1- كفر أصغر.
2- وكفر أكبر.
* فأما الكفر الأصغر: هو موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود في النار، فهو لا يخرج من الملة، ويسمى: الكفر العملي. ([688])
وهذا الكفر لا يصل إلى حد الكفر الأكبر.
* ومثال الكفر الأصغر:
مثل: كفر النعمة؛ قال تعالى: ﴿وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله﴾ [النمل: 112].
ومثل: قتل المسلم؛ فعن ابن مسعود t قال، قال رسول الله r: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر). ([689])
وعن ابن عمر ﭭ، عن النبي r قال: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض). ([690])
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (اثنتان في الناس، هما بهما كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت). ([691])
* الكفر الأكبر: وهو خمسة أنواع؛
1- كفر إنكار، وإعراض، وتولي.
2- وكفر جحود، وتكذيب.
3- وكفر معاندة، ومكابرة، وهو كفر العناد، والإباء والاستكـبـار، والامتناع مع التصديق.
4- وكفر نفاق.
5- وكفر شك، وظن، وريب. ([692])
قلت: ومن لقي ربه سبحانه بشيء من ذلك: لم يغفر له، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
* فأما كفر الإنكار، والإعراض، والتولي: فهو أن يكفر بقلبه ولسانه، ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد، فهو معرض بسمعه، وقلبه، ولسانه عن الـرسول r مطلقا.
قال تعالى: ﴿إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون﴾ [البقرة: 6].
وقال تعالى: ﴿والذين كفروا عما أنذروا معرضون﴾ [الأحقاف: 3].
قلت: والإعراض عن الشيء؛ الصدود عنه، والتولي عنه، وعدم الإقبال إليه.
* فمعنى الإعراض: عدم الانقياد، والامتثال، والإذعان وذلك بترك العمل، والصدود عن الشريعة، والتولي عن الطاعة، وعدم الاستماع لأوامر الله تعالى، وعدم المبالاة بها، وعدم القبول لها.
قال تعالى: ﴿ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون﴾ [النور: 47 و48 و49 و50].
وقال تعالى: ﴿بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون﴾ [الأنبياء: 24].
وقال تعالى: ﴿قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين﴾ [آل عمران: 32].
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج2 ص336): (قوله تعالى: ﴿فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين﴾ [آل عمران: 32]؛ فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى، وزعم في نفسه أنه محب لله تعالى، ويتقرب إليه؛ حتى يتابع الرسول r). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج1ص367): (وأما كفر الإعراض، فأن يعرض بسمعه، وقلبه عن الرسول r، لا يصدقه، ولا يكذبه، ولا يواليه، ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «عقيدة التوحيد» (ص101): (القسم الثاني: كفر الإباء، والاستكبار مع التصديق، والدليل؛ قوله تعالى: ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾ [البقرة: 34]). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «عقيدة التوحيد» (ص101): (القسم الرابع: كفر الإعراض: والدليل؛ قوله تعالى: ﴿والذين كفروا عما أنذروا معرضون﴾ [الأحقاف: 3]). اهـ
* وأما كفر الجحود، والتكذيب: فهو أن يعرف بقلبه، ولا يقر بلسانه، بل هو يكذب الرسل عليهم السلام، مع معرفته بصدقهم في قلبه.
فهذا الكافر جاحد؛ ككفر كفار قريش، وغيرهم من الكفرة.
قال تعالى: ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ [البقرة: 89]؛ يعني: كفر الجحود.
وقال تعالى: ﴿فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون﴾ [الأنعام: 33].
وقال تعالى: ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا﴾ [النمل: 14].
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «عقيدة التوحيد» (ص101): (القسم الأول: كفر التكذيب: والدليل؛ قوله تعالى: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين﴾ [العنكبوت: 68]). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (ج10 ص85): (لا يجحدها إلا معاند للإسلام، يمتنع من التزام الأحكام، غير قابل لكتاب الله تعالى ولا سنة رسوله r). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج1 ص364): (فأما كفر التكذيب: فهو اعتقاد كذب الرسل عليهم السلام، وهذا القسم قليل في الكفار.
فإن الله تعالى أيد رسله عليهم السلام، وأعطاهم من البراهين، والآيات على صدقهم ما أقام به الحجة.
وأما كفر الجحود؛ فهو نوعان: كفر مطلق عام، وكفر مقيد خاص.
فالمطلق: أن يجحد جملة ما أنزله الله تعالى، وإرساله الرسول r.
والخاص المقيد: أن يجحد فرضا من فروض الإسلام، أو تحريم محرم من محرماته، أو صفة وصف الله تعالى بها نفسه، أو خبرا أخبر الله تعالى به عمدا، أو تقديما لقول من خالفه عليه لغرض من الأغراض). اهـ
* وأما كفر المعاندة، والمكابرة، وهو كفر الإباء، والامتناع، والاستكبار، والعناد([693]) مع التصديق: فهو أن يعرف بقلبه، ويقر بلسانه، ويأبى أن يقبل الإيمان؛ ككفر إبليس، وكفر أبي طالب، فإنه عرف بقلبه أن الإسلام هو الحق، وقد أقر ذلك بلسانه، لكنه عاند، وكابر على الكفر.
قال تعالى: ﴿يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها﴾ [الجاثية: 8].
وقال تعالى: ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾ [البقرة: 34].
وقال تعالى: ﴿إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين﴾ [غافر: 60].
وقال تعالى: ﴿قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين﴾ [ص: 75].
وقال تعالى: ﴿وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا﴾ [نوح: 7].
وقد حكى الله تعالى: عن فرعون وقومه هذا الإباء، والاستكبار، فقال تعالى: ﴿أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون﴾ [المؤمنون: 47].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الأوسط» (ج7 ص534): (وكفر إبليس، وفرعون، واليهود، ونحوهم لم يكن أصله من جهة عدم التصديق، والعلم؛ فإن إبليس لم يخبره أحد بخبر، بل أمره الله بالسجود: فأبى، واستكبر، وكان من الكافرين: فكفره بالإباء، والاستكبار، وما يتبع ذلك لا لأجل تكذيب). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج1 ص364): (وأما كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس؛ فإنه لم يجحد أمر الله تعالى، ولا قابله بالإنكار، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار.
ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول r، وأنه جاء بالحق من عند الله تعالى، ولم ينقد له إباء واستكبارا، وهو الغالب على كفر أعداء الرسل عليهم السلام، كما حكى الله تعالى؛ عن فرعون وقومه: ﴿أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون﴾ [المؤمنون: 47]). اهـ
قلت: فهذا الكفر هو: الرفض، وعدم القبول، والتأبي، وعدم الإنقياد.
* وأما كفر النفاق: فإنه يكفر بقلبه، ويقر بلسانه، يعني: أن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي بقلبه على التكذيب، فهذا هو النفاق الأكبر.
فالنفاق: هو إظهار الإسلام، وإبطان الكفر، وأساسه التكذيب.
قال تعالى: ﴿ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون﴾ [المنافقون: 3].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص434): (فمن النفاق ما هو أكبر ويكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار؛ كنفاق عبد الله بن أبي وغيره: بأن يبطن تكذيب الرسول r، أو جحود بعض ما جاء به، أو بغضه، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه، أو المسرة بانخفاض دينه، أو المساءة بظهور دينه؛ ونحو ذلك مما لا يكون صاحبه إلا عدوا لله تعالى، ورسوله r.
وهذا القدر كان موجودا في زمن رسول الله r، وما زال بعده؛ بل هو بعده أكثر منه على عهده r). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الأوسط» (ج7 ص471): (أن الزنديق: في عرف هؤلاء الفقهاء هو: المنافق الذي كان على عهد النبي r، وهو أن يظهر الإسلام، ويبطن غيره، سواء أبطن دينا من الأديان؛ كدين: اليهود، والنصارى، أو غيرهم، أو كان معطلا جاحدا للصانع، والمعاد، والأعمال الصالحة، والامتناع).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج1 ص367): (وأما كفر النفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي بقلبه على التكذيب، فهذا هو النفاق الأكبر). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «عقيدة التوحيد» (ص101): (القسم الخامس: كفر النفاق: والدليل؛ قوله تعالى: ﴿ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون﴾ [المنافقون: 3]). اهـ
* وأما كفر الشك([694]): فإنه لا يجزم بصدقه، ولا يكذبه، بل يشك في أمره.
وهذا لا يستمر شكه؛ إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول r جملة، فلا يسمعها، ولا يلتفت إليها.
وأما مع التفاته إليها، ونظره فيها: فإنه لا يبقى معه شك.
قلت: فيحصل في قلبه التردد، والتذبذب، والشك في أحكام الأصول والفروع، وفيما تدل عليه من معاني، أو الشك في رسالة النبي r، أو في شيء مما جاء به من الأحكام، أو الشك في عدم بطلان جميع الأديان، وكفر أتباعها، والتوقف في كفر المشركين، وأنه يمكن الاجتماع بين الإسلام، وملل الكفر من اليهودية، والنصرانية، وغيرها، أو الشك في الغيبيات من عذاب القبر، وفي اليوم الآخر، والبعث، والحساب، والجنة والنار، وغير ذلك، أو الشك في وجود الله تعالى.
فمن كان كذلك فقد ارتد بذلك الوصف عن الإسلام.
قال تعالى: ﴿وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب * قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض﴾ [إبراهيم: 9 و10].
وقال تعالى: ﴿إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون﴾ [التوبة: 45]، فجعل الله تعالى الشك، والارتياب من النفاق الأكبر، والذي يكفر صاحبه.
وهذا يدل أن الشك من كفر النفاق، وصفة المنافق، فعلاقة الشك بالنفاق واضحة.
قال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «الضياء الشارق» (ص374): (وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر، والشك: هو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول r، ولا كذبه، ولا يجزم بوقوع البعث، ولا عدم وقوعه، ونحو ذلك، كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة، ولا عدم وجوبها، أو لا يعتقد تحريم الزنا، ولا عدم تحريمه، وهذا كفر بإجماع العلماء، ولا عذر لمن حاله هكذا بكونه لم يفهم حجج الله تعالى وبيناته، لأنه لا عذر له بعد بلوغها، وإن لم يفهمها، وقد أخبر الله عن الكفار أنهم لم يفهموا؛ فقال تعالى: ﴿وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا﴾ [الإسراء: 46]؛ والآيات في هذا المعنى كثيرة). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج1 ص367): (وأما كفر الشك: فإنه لا يجزم بصدقه، ولا يكذبه، بل يشك في أمره.
وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول r جملة، فلا يسمعها، ولا يلتفت إليها.
وأما مع التفاته إليها، ونظره فيها؛ فإنه لا يبقى معه شك). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «عقيدة التوحيد» (ص101): (القسم الثامن: كفر الشك: وهو كفر الظن). اهـ
قلت: وكل ما سبق ذكره من أنواع الكفر؛ فإنه يدل أن الكفر: يكون بالقول، والفعل، والاعتقاد، والترك على حسب أنواع الكفر الآنفة الذكر.([695])
قلت: ومن ترك لواحد من أركان الإسلام من: «صلاة»، أو «زكاة»، أو «صيام»، أو «حج» حتى لو لم يجحد؛ فإنه يكفر بتركه لواحد من أركان الإسلام، ولا يشترط في كفر من ترك الأركان: الجحود، فتفطن لهذا.
وعن صالح بن أحمد؛ أن أباه قال: (وإذا قال: لا أجحد، ولا أصلي: عرض عليه الإسلام، فإن صلى، وإلا قتل).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»؛ كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر» (ص474) من طريق محمد بن علي قال: حدثنا صالح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن الحسن بن علي الإسكافي، قال: (قال أبو عبد الله في تارك الصلاة: لا أعرفه إلا هكذا من ظاهر الحديث، فأما من فسره جحودا فلا نعرفه، وقد قال عمر، t، حين قيل له: الصلاة، قال: لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة» (ص471)؛ كتاب: «الردة»، باب: قوله: «من ترك الصلاة فقد كفر»، من طريق يوسف بن عبد الله الإسكافي، أن الحسن بن علي الإسكافي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وبوب الخلال عليه في «أحكام الملل» (ص482)، باب: جامع القول في من ترك فريضة من فرائض الله تعالى.
وقال تقي الدين السبكي / في «الفتاوى» (ج2 ص586): (التكفر: حكم شرعي ... قول، أو فعل: حكم الشارع؛ بأنه كفر، وإن لم يكن جحدا). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص236): (وقد ذهب جمع من أهل العلم: إلى أن من تركها تهاونا، وإن لم يجحد وجوبها: يكفر كفرا أكبر). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص237): (مجرد الترك، والتعمد لهذا الواجب العظيم، يكون به كافرا، كفرا أكبر، وردة عن الإسلام). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص240): (فدل على أن من لم يقم الصلاة، فقد أتى كفرا بواحا). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص244): (فترك الصلاة: من أعظم الأسباب في دخول النار؛ لأن تركها: كفر أكبر). اهـ
* وقد بين العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «تبرئة الإمامين الجليلين» (ص172): أن الذين منعوا الزكاة؛ هم: مرتدون، وإن صلوا، وصاموا، وحجوا، وهذا بإجماع الصحابة ﭫ.
* وقد بين العلامة الشيخ محمد بن عبدالوهاب / في «الدرر السنية» (ج9 ص418)؛ في كفر مانعي الزكاة، وأن الصحابة ﭫ، لم يقولوا: أنت مقر بوجوبها، أو جاحد لها، فجعل أبو بكر الصديق t المبيح للقتال، بمجرد المنع، لا جحد الوجوب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص472): (فاتفق أصحاب رسول الله r على قتال أقوام: يصلون، ويصومون، إذا امتنعوا عن بعض ما أوجبه الله عليهم من زكاة أموالهم، وهذا الاستنباط من صديق الأمة، قد جاء مصرحا به). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص231): (وإذا كان السلف، قد سموا مانعي الزكاة: مرتدين، مع كونهم: يصومون، ويصلون، ولم يقاتلوا جماعة المسلمين). اهـ
قلت: فإذا امتنعوا عن أداء الزكاة، مع اعتقادهم لوجوبها، وإقرارهم بها، أنهم يقاتلوا عليها، مع إخراجهم من الإسلام، وقد أجمع الصحابة ﭫ على ذلك.
وقال العلامة الشيخ ابن غصون / في «الفتاوى» (ج3 ص284): (وحينئذ فالذي لا يصلي أبدا، لا يطلق عليه أنه مسلم.
* وحينئذ صدقاته، وما يفعل من أوجه البر، ومن أوجه الخير، لا تنفعه مع عدم الإسلام، ليس لها أثر مع كون الإنسان لم يلتزم بالإسلام.
فشهادة: أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وحدها لا تكفي، وإن كانتا هما الأساس، لكنهما مع من يعرف أنه لابد من الإتيان ببقية واجبات الإسلام، ودعائمه العظام). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون / في «الفتاوى» (ج3 ص282): (وكل الصلوات، وصيام رمضان، والحج لبيت الله الحرام، وإخراج الزكاة على من عليه زكاة، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهي الأساس كذلك، ليس فيها شيء هو في خيار منه، فمن لم يحافظ على الصلوات، ومن لم يحافظ على واجبات الإسلام، فهو غير مسلم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص76): (الكفر المطلق: هو الكفر الأعظم، المخرج عن الملة؛ فينصرف الإطلاق إليه... أنه بين: أن الصلاة، هي العهد الذي بيننا، وبين الكفار، وهم: خارجون عن الملة، ليسوا داخلين فيها، واقتضى ذلك: أن من ترك هذا العهد، فقد كفر، كما أن من أتى به، فقد دخل في الدين، ولا يكون هذا؛ إلا في الكفر المخرج عن الملة). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص37)؛ معلقا على أثر عبدالله بن شـقيـق: (فذكر: أنهم مجمعون على أن ترك الصلاة: كفر، ولم يقولوا: بشرط أن ينكر وجوبها، أو يجحد وجوبها). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص241): (فهذا يدل على أن تركها: كفر أكبر؛ بإجماع الصحابة y). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص276): (فذكر: ([696]) إجماع الصحابة y: على أن تارك الصلاة: كافر). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون / في «الفتاوى» (ج3 ص265): (الإسلام هو قول وعمل واعتقاد، ولا يتم الإسلام إلا بهذا، لا بد أن ينطق الإنسان بالشهادتين، ولابد أن يعتقد الإنسان أن هذا حق، ولا بد أن يعمل الإنسان أيضا بفرائض الإسلام، كالصلاة، وأداء الزكاة، والصوم، والحج، وما إلى ذلك من الأمور التي شرعها الله عزوجل على لسان سيد الأولين والآخرين، ولا يتم الإسلام إلا بهذه الأمور مجموعها).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على شذوذ زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛
في حديث الشفاعة([697])، وذكر الفهم، والمعنى الصحيح: لتفسيرها
عن أبي سعيد الخدري t؛ أن ناسا في زمن رسول الله r قالوا:
يا رسول الله! هل نري ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله r: نعم. قال r: (هل تضارون([698]) في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا. يا رسول الله! قال: ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما([699])، إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: ليتبع كل أمة ما كانت تعبد؛ فلا يبقى أحد، كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب، إلا يتساقطون فيالنار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، وغبر أهل الكتاب([700])؛ فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير بن الله، فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد؛ فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا! فاسقنا، فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب([701]) يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى. فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح بن الله، فيقال لهم: كذبتم. ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا! فاسقنا، قال فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا([702]) فيتساقطون في النار. حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر، أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها. قال: فما تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد. قالوا: يا ربنا! فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم([703]) ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئا (مرتين أو ثلاثا) حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب([704]). فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم. فيكشف عن ساق([705]). فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة([706])، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم، وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة. فقال: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا، ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة([707]). ويقولون: اللهم! سلم سلم. قيل: يا رسول الله! وما الجسر؟ قال: دحض مزلة([708]). فيه خطاطيف وكلاليب وحسك([709]). تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل، والركاب([710])، فناج مسلم، ومخدوش مرسل. ومكدوس في نار جهنم([711]). حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده! ما منكم من أحد بأشد منـاشدة لله، في استقصاء الحق([712])، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا! كانوا يصومون معنا، ويصلون، ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا! ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا! لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا! لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا، ثم يقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا! لم نذر فيها خيرا([713])).
* وكان أبو سعيد الخدري t يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث؛ فاقرأوا إن شئـتـم: ]إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما[ [النساء:40]؛ فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط، قد عادوا حمما([714])، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة([715])، يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل([716])، ألا ترونها تكون إلى الحجر، أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض([717])؟فقالوا: يا رسول الله! كأنك كنت ترعى بالبادية. قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم([718]). يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله([719]) الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربنا! أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا! أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي. فلا أسخط عليكم بعده أبدا).
* وهذا الحديث: أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170)؛ بهذا اللفظ من طريق سويد بن سعيد قال: حدثني حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري t به.
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه سويد بن سعيد الحدثاني، وهو متكلم فيه؛ قال ابن المديني: «ليس بشيء»، وقال أحمد: «متروك»، وقال البخاري: «عمي وكان يقبل التلقين»([720])، وقال يعقوب بن شيبة: «صدوق – يعني: في نفسه – مضطرب الحفظ»، وقال عنه النسائي: «ليس بثقة»، وقال عنه ابن حبان: «يخطئ في الآثار، ويقلب الأخبار»، وقال الذهبي: «له مناكير»، وقال ابن حجر: «صدوق في نفسه، إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه»، وذكره ابن الجوزي في «الضعفاء والمتروكين» (ج2 ص32)، والذهبي في «ديوان الضعفاء» (ص182).([721])([722])
قلت: فهو سيء الحفظ ويغلط في الحديث، فلا يحتج به.([723])
* وحفص بن ميسرة العقيلي: وهو وإن كان ثقة؛ إلا أنه يهم ويخالف في الحديث، قال عنه أبو حاتم: «محله الصدق وفي حديثه بعض الأوهام»، وقال عنه أبو داود: «يضعف في السماع»، وقال عنه الساجي: «في حديثه ضعف -يعني: يخطئ-»، وقال ابن حجر: «ثقة ربما وهم».([724])
قلت: وسويد بن سعيد أشد منه في المخالفة؛ فافطن لهذا.
* ومن هذا الوجه: أخرجه أبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» مطولا (ج1 ص249)، وابن منده في «الرد على الجهمية» (ص3) من طرق عن سويد بن سعيد به.
قال أبو نعيم: رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جعفر بن عون، ورواه مسلم أيضا عن سويد بن سعيد عن حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار.
قلت: وهو يحتمل القبول لولا أن الثقات الحفاظ خالفوا سويدا فرووه، بدون ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
فخالف بروايته هذه الثقات من يأتي ذكرهم من الثقات، فلا يحتج بخبره هذا، والاعتماد في ذلك على الأحاديث الصحيحة المفسرة، كما سوف يأتي ذكرها.
* وسويد بن سعيد: ضعيف في حفظه فلا يحتج به إذا تفرد، أو وافق مثله؛ كـ«هشام بن سعد المدني» لا سيما إذا خالف الثقات.
قلت: إذا فهذا خطأ منه، وقد خالف من هو أوثق منه مخالفة تستلزم الحكم عليه بالخطأ في هذا الحديث.
قال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج1 ص352) عن سويد بن سعيد: (يخطئ في الآثار، ويقلب الأخبار).([725]) اهـ
وأخرجه مسلم في «صحيحه»، مختصرا: (ج1 ص171)، وأبو عوانه في «المستخرج»؛ مطولا (ج1 ص166 و181)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص285)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص481)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص797)، وفي «الرد على الجهمية» (ص35)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص291)، وفي «الاعتقاد» (ص140)، والدارقطني في «الرؤية» (ص95)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (ج2 ص237)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج3 ص10 و11)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص582)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص296)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1177) من طرق عن جعفر بن عون قال ثنا هشام بن سعد قال ثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به؛ بذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، وفي رواية: (لم يعملوا له عمل خير قط).
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه هشام بن سعد المدني، وهو متكلم فيه، قال عنه أحمد: «لم يكن بالحافظ»، وقال مرة: «ليس هو محكم الحديث»، وقال عنه يحيى بن معين: «ضعيف حديثه مختلط»، وقال مرة: «ليس بذاك القوي»، وقال مرة: «ليس بشيء»، وقال أبو حاتم: «يكتب حديثه ولا يحتج به»، وقال النسائي: «ضعيف»، وقال في موضع آخر: «ليس بالقوي»، وكان يحيى القطان: «لا يحدث عنه»، وقال الحاكم: «روى له مسلم في الشواهد»، وقال ابن حجر: «صدوق –يعني: في نفسه– له أوهام»([726])، وذكره ابن الجوزي في «الضعفاء والمتروكين» (ج3 ص174)، والذهبي في «ديوان الضعفاء» (ص419).
قلت: فهو له أوهام ويغلط في الحديث، فلا يحتج به إذا تفرد، أو وافق مثله؛ كـ«سويد بن سعيد الحدثاني» ولا سيما إذا خالف الثقات، خاصة بذكره زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ فإنه خالف فيها الثقات الأثبات.
قال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج3 ص89): عن هشام بن سعد (فلما كثر مخالفة الأثبات فيما يروي عن الثقات بطل الاحتجاج به، وإن اعتبر بما وافق الثقات من حديثه فلا ضير). اهـ
ومن هذا الوجه: أخرجه أبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج1 ص248) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا جعفر بن عون ثنا هشام بن سعد به.
قال أبو نعيم: رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جعفر بن عون.
وأخرجه ابن منده في «الإيمان»؛ مطولا: (ج2 ص802) من طرق عن سـويـد بن سعيد ثنا حفص بن ميسرة الصنعاني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به، بذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
قلت: وهذا سنده كسابقه فيه سويد بن سعيد الحدثاني وهو سـيء الحفظ ويخلط؛ كما سبق ذكر ذلك، وحفص بن ميسرة الصنعاني يهم في الحديث.
* وفي هذه الرواية متابعة حفص بن ميسره، لهشام بن سعد عن زيد بن أسلم.
إذا هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط)، وهم من الراوي، وهي غير محفوظة.
قال الإمام الشافعي /: (ومن كثر غلطه من المحدثين، ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة، لم تقبل شهادته). وفي رواية: (ومن كثر تخليطه من المحدثين). ([727])
أثر صحيح
أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص404)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص125)، والبيهقي في «مناقب الشافعي» (ج2 ص26)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص75)، والخطيب في «الكفاية» (ج1 ص429) من طرق عن الربيع بن سليمان عن الشافعي به، وهو في كتابه: «الرسالة» (ص350).
قلت: وهذا سنده صحيح.
* وقد أطلق الإمام أحمد /، لفظ: «منكر الحديث»، على جماعة من الثقات الأثبات المحتج بهم في الصحيحين؛ لمجرد تفردهم عن الثقات، وغلطهم في ألفاظ الأحاديث.
كقول الإمام أحمد /، عن يزيد بن عبدالله بن خصيفة: «منكر الحديث»، مع أنه قال فيه: «ثقة، ثقة».([728])
قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص453): (هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يغرب على أقرانه بالحديث، عرف ذلك بالاستـقـراء من حاله، وقد احتج بابن خصيفة: مالك والأئمة كلهم). اهـ
قلت: ومن المعلوم أن الثقات يتفاوتون في الضبط، ففيهم من هو في أعلى درجات الثقة والضبط، وفيهم من هو في أوسطها، وفيهم من هو في أدناها.
* ومن المعلوم أيضا أنه إذا اختلف ثقات أحدهم أوثق من الآخر يرجح حديث الأوثق والأضبط، وهذا هو الأولى.([729])([730])
قال الحافظ ابن دقيق العيد / في «الإقتراح» (ص55): (يمكن أن يكون للترجيح مدخل عند تعارض الروايات، فيكون من لم يتكلم فيه أصلا راجحا على من قد تكلم فيه، وإن كان جميعا من رجال الصحيح، وهذا عند وقوع التعارض). اهـ
* وهذا الحديث كما سبق ذكره يرويه زيد بن أسلم، واختلف عليه:
1) فرواه هشام بن سعد المدني، وخلاصة القول فيه: «سيء الحفظ لا يحتج به»، وقد خالف الثقات في ذكره لهذه الزيادة.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170) وغيره.
2) ورواه حفص بن ميسره العقيلي، وهو وإن كان ثقة؛ إلا أنه يهم في الحديث، قال عنه أبو حاتم: «محله الصدق، وفي حديثه بعض الأوهام»، وقال أبو داود: «يضعف في السماع»، وقال الساجي: «في حديثه ضعف – يعني: يخطئ -»، وقال ابن حجر: «ثقة ربما وهم»([731])([732]).
* وقد خالف الثقات في موافقته لهشام في هذه الزيادة، بالإضافة إلى أن الراوي عنه سويد بن سعيد، وخلاصة القول فيه: «سيء الحفظ ويخطئ فلا يحتج به».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170) وغيره، كما سبق.
* وخالفهما جماعة من الثقات، فلم يذكروا هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط) وهم:
1) سعيد بن أبي هلال المصري، وهو ثقة اختلط([733]). روى له البخاري ومسلم، وقد وافق الثقات هنا في عدم ذكر الزيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، إلا أنه أخطأ: خطأ آخرا في ذكر زيادة أخرى بلفظ: (بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه)؛ فجعل هذه اللفظة من قول أهل الجنة([734]).، وهو خطأ منه كذلك.([735])
أخرجه البخاري في «صحيحه»؛ مطولا: (ج13 ص421)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص521)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص169)، وابن حبان في «صحيحه» (7377)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص802)، وفي «الرد على الجهمية» (ص36)، والليث بن سعـد في «مجلس من فوائده» (ص46)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص251)، والدارقطني في «الرؤية» (ص100)، وأبو القـاسم الأصبهاني في «الحجـة» (ج2 ص237)، والآجري في «الشريعة» (ص260) واللالكائي في «الاعتقاد» (818)، والبيهقي في «الأسمـاء والصفات» (ص344)، وفيه (فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل).
قلت: فوافق الثقات في عدم ذكر الزيادة بلفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، مما يتبين بأنها غير محفوظة.
* إذا فهشام بن سعد، وسويد بن سعيد، يذكرا الزيادة بلفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، ومرة بلفظ: (لم يعملوا له عمل خير قط)، ومرة بلفظ: (بغير عمل عملوه ولا خير قدموه)، وسعيد بن أبي هلال: يذكر الزيادة من قول أهل الجنة بلفظ: (بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه).
قلت: وهذا يعتبر اضطرابا في المتن أيضا؛ يدل بأن الرواة غير ضابطين لهذه الزيادات، وهذا يوجب ضعف هذه الزيادات، وهو الصواب.
وكذلك في ذكر زيادة (بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه)، فتارة تذكر من قول النبي r، كما عند البيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص291)، وفي «الاعتقاد» (ص256) من طريق هشام بن سعد أنا زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد الخدري t مرفوعا: (هؤلاء الجهنميون هؤلاء الذين أخرجهم الله من النار بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه).
فذكرها من قول النبي r مباشرة، وكذا أخرجها مسلم في «صحيحه» (ج1 ص169) من طريق سويد بن سعيد.
وتارة تذكر من قول أهل الجنة مباشرة بلفظ: (فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه)؛ كما عند البخاري في «صحيحه» (ج13 ص422)، وغيره من طريق سـعـيد بن أبي هلال، وتارة لا تذكر، فهذه علة أخرى، وهي الاضطراب بسبب عدم ضبط الرواة للحديث.
قلت: ولقد اعتبر أهل الحديث أيضا في وجوه الترجيح باعتبار ألفاظ الحديث المتعلقة به من حيث عدم الشذوذ والاضطراب فيرجح لفظ الحديث السالم من الشذوذ والاضطراب([736])، على ما كان شاذا أو مضطربا([737])، ويرجح ما كان قولا صريحا.
قلت: فيرجح ما اتفق الرواة على لفظه؛ أي: لم يخالف بعضهم بعضا، ولم يختلفوا في حروفه، بل نقلوه مرفوعا على صفة واحدة، أو تقارب ألفاظه، على الآخر الذي اختلف الرواة في لفظه، وذلك بأن يخالف بعضهم بعضا في ألفاظه.
قال الفقيه القرافي / في «تنقيح الفصول» (ص424): (ويرجح ما روي بلفظ واحد لم يختلف على ما روي بعبارات مختلفة). اهـ
قلت: فإنه يرجح الحديث الذي لم يضطرب متنه على الحديث الذي وقع في متنه اضطراب.([738])
* إذا لا يصح في الباب حديث بهذه الألفاظ الشاذة.
قلت: ثم إن المحققين من أهل الحديث قديما وحديثا، لا يكتفون حين الطعن في الحديث من جـهـة إسنـاده فـقـط، بل كثيرا ما ينظرون إلى متنه أيضا؛ فإذا وجدوه غير متلائم مع نصوص الشريعة، أو قواعدها، لم يترددوا في الحكم عليه بالشذوذ وغيره، كما سوف يأتي بيان ذلك.
قال الإمام مسلم بن الحجاج / في «التمييز» (ص170): (ليس من ناقل خبر، وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا - وإن كان من أحفظ الناس، وأشدهم توقيا واتقانا لما يحفظ وينقل- إلا والغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله، فكيف بمن وصف لك ممن طريقة الغفلة والسهو في ذلك([739])). اهـ
2) عبدالرحمن بن إسحاق المدني، وهو صدوق.([740])
أخرجه أحمد في «المسند»؛ مطولا: (ج3 ص94)، وابن أبي عاصم في «السنة» (458)، و(634)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص307)، وفيه: (ثم يقول الله: من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه...)، ولم يذكروا زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ مما يتبين بأنها غير محفوظة، وهو الصواب.
وإسناده حسن.
3) معمر بن راشد الأزدي، وهو ثقة ثبت.([741])
أخرجه ابن ماجه في «سـنـنـه» (ج1 ص23)، وابن خزيـمـة في «التوحيد» (ص480) من طريق محمد بن يحيى النيسابوري، وهو ثقة حافظ جليل.([742])
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص533)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص112) من طريق محمد بن رافع القشيري، وهو ثقة عابد.([743])
وأخرجه الترمذي في «سـنـنـه» (ج5 ص314) من طريق سلمـة بن شبيب المسمعي، وهو ثقة.([744])
وأخرجه الخلال في «السنة» (ج1 ص46)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص367) من طريق أبي عبدالله أحمد.
كلهم عن عبدالرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به، دون ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
وإسناده صحيح، وهو المحفوظ؛ لموافقته الثقات.
وأخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص409 و410)، ومن طريقه أحمد في «المسند» (ج3 ص94)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص294)، والجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (ج1 ص25)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص181 و182)، وفي «التفسير» (ج1 ص428)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص36)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص183) من طريق معمر به؛ وفيه: (قال: فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين ناسا لم يعملوا لله خيرا قط).
قلت: وذكر الحديث بهذا الشك: (فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين)؛ وبزيادة: (لم يعملوا لله خيرا قط)؛ فيه وهم من عبدالرزاق بن همام الصنعاني، لأنه وإن كان ثقة؛ إلا أنه تغير حفظه، وخالف في هذا الحديث جمعا من الثقات الأثبات، فخالفه هذا الجمع ورووا الحديث، بدون زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ وبدون شك.
* ولذلك أنكرت عليه أحاديث نبوية بسبب ذلك.
قال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج8 ص412): (وكان ممن يخطيء إذا حدث من حفظه). اهـ
قلت: فما حدث من كتابه فهو أصح.([745])
وقال الحافظ الذهبي / في «المغني في الضعفاء» (ج2 ص393): (لعبدالرزاق أحاديث ينفرد بها، قد أنكرت عليه). اهـ
قلت: فبذلك تترجح لنا رواية الجماعة، وتظهر جليا، أن رواية عبدالرزاق: رواية شاذة ضعيفة.
انظر: «التقريب» لابن حجر (ص607)، و«التاريخ الكبير» للبخاري (ج6 ص130)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص154)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج18 ص52)، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج3 ص107).
* ويؤيد ذلك: بأن الحديث لم يذكر في الشك: (فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين)؛ كما في رواية البخاري، ومسلم، وغيرهما: (فيقبض قبضة)؛ بدون الشك.
* وكذلك الرواية التي مرت علينا من جمع من الثقات من طريق عبدالرزاق لم يذكر فيها لفظ: (فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين)، ولا لفظ: (لم يعملوا لله خيرا قط).
قلت: فرواية الحديث بالشك شاذة كذلك.
* ويؤيده: بأن الحديث: رواه محمد بن ثور الصنعاني – وهو ثقة – عن زيد بن أسلم به نحوه، دون ذكر: (فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين ناسا لم يعملوا لله خيرا قط).
أخرجه أبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص183) من طريق يوسـف القاضي قال ثنا محمد بن عبيد قال ثنا محمد بن ثور به.
* ويوسف القاضي توبع.
وأخرجه الآجري في «الشريعة» (ج3 ص1237) من طريق عثمان بن مطر قال حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: (ما مجادلة أحدكم يكون له الحق على صاحبـه أشـد من المؤمنين لربهم عزوجل في إخوانهم الذين دخلوا النار، يقولون: ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون، أدخلوا النار، قال الله عزوجل: اذهبوا، فأخرجوا من عرفتم، فيخرجونهم، ثم يقول الله عزوجل: أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان حتى يقول: نصف مثقال، حتى يقول خردلة، حتى يقول: ذرة، ثم يقول: شفعت الأخيار من المؤمنين، وبقي أرحم الراحمين، ثم يقبض قبضة، أو قبضتين من النار فيدخلون الجنة).
قلت: وإسنـاده ضعيف، فيه عثمان بن مطر الشيباني، وهو ضعيف؛ كما في التقريب لابن حجر (ج1 ص14)؛ وزيادة: (أو قبضتين من النار)، منكرة: كما سبق.
وقال إسحاق بن إبراهيم الختلي في «الديباج» (ص105) حدثنا أحمد بن أبي الحارث، حدثنا عبد المجيد بن أبي رواد، عن معمر بن راشد، وعن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: (يقول الله تعالى يوم القيامة: قد شـفـع الملائكة، والنبيون، والمؤمنون، وبقي أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين، فيخرج منها خلقا كثيرا؛ لم يعملوا خيرا).
قلت: وإسناده منكر، فيه إسحاق بن إبراهيم الختلي؛ قال عنه الحاكم: «ليس بالقوي»، وقال مرة: «ضعيف»، وقال الدارقطني: «ليس بالقوي»، وذكر ابن حجر له مناكير. ([746])
وقال الذهبي: وفي كتابه «الديباج» أشياء منكرة([747])، وشيخه أحمد بن أبي الحارث لا يعرف، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد يخطئ في حديثه. ([748])
قلت: وتعريف الحديث الصحيح عند أهل الحديث: ما رواه عدل ضابط عن مثله عن مثله إلى منتهاه، ولا يكون شاذا، ولا معلا ([749])، وهذا الحديث لم يسلم من الشذوذ، والعلة الخفية، على أن هناك أدلة أخرى تؤيد الحكم بشذوذ زيادة: (لم يعملوا لله خيرا قط)؛ كما سوف يأتي ذكرها.
قلت: ويرد الناقد بلا شك الحديث إذا وجد من خلال خبرته، أنه لا يمكن أن يكون من كلام النبوة، ولو صدر هذا الحديث من ثقة، لاحتمال وهمه، أو تخليطه، أو تلقينه، أو خطئه.
قال الحافظ ابن الجوزي / في «الموضوعات» (ج1 ص106): (المستحيل لو صدر عن الثقات رد، ونسب إليهم الخطأ، ألا ترى أنه لو اجتمع خلق من الثقات فأخبروا أن الجمل قد دخل في سم الخياط، لما نفعتنا ثقتهم، ولا أثرت في خبرهم؛ لأنهم أخبروا بمستحيل، فكل حديث رأيته يخالف المعقول، أو يناقض الأصول([750])، فاعلم أنه موضوع، فلا تتكلف اعتباره). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «الموضوعات» (ج1 ص103): (واعلم أن الحديث المنكر يقشعر له جلد طالب العلم، وقلبه في الغالب). اهـ
قلت: فـمـثــل هـشـام وسـويـد، وعبدالرزاق، لا يحتملون تفردهم بهذه الزيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، لأن الرواة الثقات أخذوا هذا الحديث عن الرواة الثقات، فلا يعقل حفظ هؤلاء وحدهم؛ لهذه الزيادة دون غيرهم.
* والوهم معناه: ما أخطأ وغلط فيه الراوي وجه الصواب في لفظ حديث، وغيره.([751])
والوهم أطلقه النقاد: على خلل أصاب الراوي في السند، أو المتن، فهو خلل في ضبط الراوي للحديث.
* والمقرر في أصول الحديث: إذا خالف الراوي الجماعة كان حديثه ضربا مـن الـوهـم، وسـمـي عند المحدثين بالشاذ إن كان من ثقة، وبالمنكر إن كان من ضعيف.([752])
وهؤلاء الثقات أيضا: تابعهم مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى بن عمارة قال حدثني أبي عن أبي سعـيد الخدري به، دون ذكر: (لم يعملوا خيرا قط)، وبلفظ (ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فأخرجوه، فيخرجون منها حمما، قد امتحشوا فيلقون في نهر الحياة، أو الحيا؛ فينبتون فيه كما تنبت الحبة في جانب السيل).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص456)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص805)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص251)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص185) من طريق عبدالله بن وهب قال أخبرني مالك بن أنس به.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص16)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص806)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص498)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص391)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص190)، وأبو يعلى في «المسند» (ج2 ص423) من طريق ابن أبي أويس ثنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري به، بدون ذكر: (لم يعملوا خيرا قط).([753])
قلت: وفيه متابعة ابن أبي أويس، لابن وهب عن مالك بن أنس.
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص408) من طريق معن بن عيسى قال حدثنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري t به.
وإسناده صحيح.
قال الحافظ الخطابي / في «أعلام الحديث» (ج1 ص155): (في هذا الحديث: بيان أن أهل المعاصي من المسلمين، لا يخلدون في النار). اهـ
* وتابع مالكا: اثنان من الرواة الثقات، على عدم ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
1) وهيب بن خالد الباهلي([754]) – وهو ثقة ثبت - ثنا عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري t به.
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج11 ص416)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص806)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص185)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص289)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص191)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص56) من طرق عن وهيب بن خالد به.
2) خالد بن عبدالله الطحان([755]) – وهو ثقة ثبت – عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري t به.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص252)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص43)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص807)، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1233)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص350)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص34) من طرق عن خالد بن عبدالله به.
* وتابع عمرو بن يحيى، سليمان التيمي عن أبي نضرة العبدي عن أبي سعيد الخدري به، بنحوه؛ دون ذكر: (لم يعملوا خيرا قط).
أخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص807 و808)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص186)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص476)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1097) من طرق عن سليمان التيمي به.
وإسناده صحيح.
وقال الحافظ الذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص35): وإسناده حسن صحيح.
* وتابع سليمان التيمي: جماعة من الرواة الثقات، على عدم ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
1) عثمان بن غياث الزهراني([756]) – وهو ثقة – ثنا أبو نضرة عن أبي سـعيـد الخدري t به.
أخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص809 و810) من طرق عن عثمان بن غياث به.
وإسناده صحيح.
2) سعيد بن يزيد الأزدي([757]) – وهو ثقة – عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t به.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص78)، وابن ماجه في «سنـنـه» (ج2 ص1441)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص810)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص471)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص252)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص427) من طرق عن سعيد بن يزيد به.
3) سعيد الجريري – وهو ثقة مختلط، وقد وافق الثقات – عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t به.
أخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص812)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص484)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (861)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص20) من طرق عن الجريري به.
وإسناده صحيح، وروى بعضهم عن الجريري قبل اختلاطه.
4) عوف بن أبي جميلة الأعرابي – وهو ثقة([758]) – عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t به.
أخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص813)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص465)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1097) من طريقين عن عوف بن أبي جميلة به.
وإسناده صحيح.
قلت: وفيه متابعة عوف بن أبي جميلة، لسعيد الجريري عن أبي نضرة.
5) أبو مسلمة: سعيد بن يزيد – وهو ثقة([759]) - عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t به.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص90)، والدارمي في «المسند» (727)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص461)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص293)، وفي «الاعتقاد» (ص140)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص812)، وأبو يعلى في «المسند» (ج2 ص348)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص252)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص35)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص186)، والطبري في «جامع البيان» (ج1 ص248) من طريق بشر بن المفضل عن أبي مسلمة به.
* وتابعه سليمان بن عمرو عن أبي سعيد الخدري t به، وفيه: (ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا، فيخرجونهم منها، قال: ثم يتحنن الله برحمته على من فيها، فما يترك فيها عبدا في قلبه حبة من إيمان إلا أخرجه منها).
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص585)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص11)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (103)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج7 ص81)، وابن جرير في «تفسيره» (ج9 ص113)، والخلال في «السنة» (ج2 ص51)، والخطيب في «الموضح» (ج2 ص116)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص325)، وحسين المروزي في «زوائد الزهد» (ص448) من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب عن سليمان بن عمرو به.
وإسناده فيه مقال([760])، ولا يصح، وقد حسنه الشيخ مقبل الوادعي في «الشفاعة» (ص160).
وانظر: «تعجيل المنفعة» لابن حجر (ص356).
* وهؤلاء الثقات ذكروا الحديث: بعضهم مطولا، وبعضهم مختصرا؛ بذكر الشاهد من الحديث، ولم يذكروا الزيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
* وهم أكثر: فالقول قولهم بلا شك؛ لاتفاقهم على عدم ذكر الزيادة، وهم جماعة، فالقول قول الجماعة.
قلت: والذين ذكروا هذه الزيادة قد تكلم فيهم: غير واحد من أهل العلم؛ لأوهامهم فلا يحتج بما خالفوا فيه، وقد ذكروها بألفاظ مضطربة عندهم؛ وهم:
1) عبدالرزاق بن همام الصنعاني، له أوهام ويخالف.
2) سويد بن سعيد الحدثاني، يخطيء ويهم ويخالف.
3) هشام بن سعد المدني سيء الحفظ.
قلت: وقد أعل أئمة الحديث بعض الزيادات بالشذوذ حتى لو رواها ثلاثة، أو أكثر في الصحيحين، أو غيرهما.
* فقد أعلوا زيادة: (فصاعدا)، بالشذوذ، عند مسلم في «صحيحه» (ج2 ص8) في حديث عبادة بن الصامت t (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا)، رغم أن هذه الزيادة رواها ثلاثة من الرواة الثقات: قتيبة، وأحمد ابن السرح، ومعمر.
* وممن أعل هذه الزيادة: (فصاعدا): الشيخ ناصر الدين الألباني / فقال: في «صحيح سنن أبي داود» (ج3 ص406): (وقد أخرجاه – يعني: حديث عبادة بن الصامت – من طرق عن سفيان بن عيينة، دون قوله (فصاعدا)، وأراه هو المحفوظ، فقد أخرجه سائر الأئمة في كتبهم عن بضعة عشر حافظا، كلهم عن سفيان: بدون هذه الزيادة...). اهـ
* وكذلك أعلها الحافظ البخاري / في «جزء القراءة» (ص4).
قلت: فافطن لهذا ترشد والله ولي التوفيق.
* فهؤلاء([761]) لوهمهم ذكروا الزيادة، فخالفوا الجماعة الذين رووا: حديث أبي سعيد الخدري t، بدون ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، والقول قول الجماعة.
قلت: ولقد اعتبر أهل الحديث وجوه الترجيح باعتبار سند الحديث.
* فوجوه الترجيح باعتبار حال الراوي المتعلقة به من حيث عدالته وضبطه.
فإذا كان راوي أحدهما متفقا على عدالته وضبطه، والآخر مختلفا في عدالته، وضبطه؛ فيرجح الحديث الذي اتفق على عدالة راويه، على الحديث الذي اختلف في عدالة راويه.
* وكذلك اعتبر أهل الحديث وجوه الترجيح باعتبار مجموعة الرواة لضبطهم، أي: باعتبار قوة السند في مجموعه([762])، لأن الجماعة أكثر حفظا وضبطا من الأقل.
فيرجح ما روته الجماعة من الرواة الثقات.
قال العلامة القاسمي / في «قواعد التحديث» (ص323): (الترجيح بكثرة الرواة: فيرجح ما رواته أكثر على من أقل؛ لقوة الظن به، وإليه ذهب الجمهور).اهـ
وقال الحافظ ابن دقيق العيد / في «الإقتراح» (ص55): (يمكن أن يكون للترجيح مدخل عند تعارض الروايات، فيكون من لم يتكلم فيه أصلا راجحا على من قد تكلم فيه، وإن كان جميعا من رجال الصحيح، وهذا عند وقوع التعارض). اهـ
وقال الإمـام أحمـد /: (الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضا).([763])
وقال الإمام ابن المبارك /: (إذا أردت أن يصح لك الحديث، فاضرب بعضه ببعض).([764])
* أي قارن بين طرقه، وألفاظه بعين فاحصة، ونظرة ناقدة يتبين لك الصحيح منه سندا، ومتنا.
وقال الإمام ابن معين /: (لو لم نكتب الحديث من مئة وجه، ما وقعنا على الصواب).([765])([766])
* ثم للحديث شواهد: في الشفاعة بمثل حديث أبي سعيد الخدري t؛ مع اختلاف يسير في الألفاظ، ليس فيها ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ رواها الثقات عن أبي هريرة، وأنس بن مالك، وجابر بن عبدالله y؛ مما يتبين شذوذ هذه الزيادة.
1) أما حديث أبي هريرة t.
فأخرجه البخاري في «صحيحه» مطولا (ج11 ص444)، و(ج13 ص419)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص504)، وفي «السنن الصغرى» (1140)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص162)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص407)، والطيالسي في «المسند» (2383)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (ج2 ص238)، والبغوي في «شرحالسنة» (ج15 ص173)، والدارقطني في «الرؤية» (32 و33)، والطبري في «تفسيره» (ج13 ص155)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص292)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص787)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص256)، وفي «البعث» (ص176)، وعثمان الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص91)، والآجري في «التصديق» (ص65) من طريق معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة t قال: (قال أناس: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال r: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب. قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب. قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك، يجمع الله الناس، فيقول: من كان يعبد شيـئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه، ويضرب جسر جهنم، قال رسول الله r: فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم. وبه كلاليب مثـل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان. قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم، منهم الموبق([767]) بعمله ومنهم المخردل([768])، ثم ينجو، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج، ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمر الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، فيقول: يا رب، قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فاصرف وجهي عن النار، فلا يزال يدعو الله، فيقول: لعلك إن أعطيتك أن تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، فيصرف وجهه عن النار، ثم يقول بعد ذلك: يا رب قربني إلى باب الجنة، فيقول: أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره، ويلك ابن آدم ما أغدرك، فلا يزال يدعو، فيقول: لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره، فيقربه إلى باب الجنة، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: رب أدخلني الجنة، ثم يقول: أو ليس قد زعمت أن لا تسألني غيره، ويلك ابن آدم ما أغدرك، فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها، فإذا دخل فيها قيل: تمن من كذا، فيتمنى، ثم يقال له: تمن من كذا، فيتمنى، حتى تنقطع به الأماني، فيقول له: هذا لك ومثله معه).
* قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا.
* قال: وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة: لا يغير عليه شيـئا من حديثه، حتى انتهى إلى قوله: (هذا لك ومثله معه). قال أبو سعيد: سمعت رسول الله r يقول: (هذا لك وعشرة أمثاله). قال أبو هريرة حفظت: (مثله معه).
وأخرجه الآجري في «الشريعة» (259) من طريق عبدالرزاق، ومحمد بن ثور؛ كلاهما: عن معمر به.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» مطولا (ج11 ص444)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص789)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص162)، وابن تيمية في «منتقى العوالي» (ص166 و167)، وابن عبدالهادي في «مسألة التوحيد وفضل لا إله إلا الله» (ص56)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص167)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص479)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11488)، و(11647)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص181)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص247)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص139)، وفي «الأسمـاء والصفات» (ج2 ص66)، والآجري في «التصديق بالنظر إلى الله في الآخرة» (ص64)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص275) من طريق الزهري عن سعـيـد بـن الـمسـيـب، وعطاء بن يزيد عن أبي هريرة t به.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» مطولا (ج13 ص419)، وعثمان الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص90)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص293)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص457)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1177)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص159)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص784)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (ج2 ص238) من طرق عن إبراهيم بن سعـد عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة t به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» مطولا (ج1 ص163)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص246) من طريق زهير بن حرب ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي به.
وأخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص786) من طريق الليث بن سعـد عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة t به.
وأخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص787) والحنائي في «الفوائد» (ق/82/ط) من طريق محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة t به.
* ورواه بعضهم مطولا، وبعضهم مختصرا.
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص400) من طريق سليمـان بن داود ثنا عبدالرحمن بن أبي الزناد قال أخبرني صالح بن أبي صالح مولى التوأمة قال أخبرني أبو هريرة t قال: قالرسول الله r: (ليتحمدن الله يوم القيامة على أناس (ما عملوا من خير قط) فيخرجهم من النار بعد ما احترقوا فيدخلهم الجنة برحمته بعد شفـاعة من يشفع).
حديث منكر
قلت: ورواية صالح بن أبي صالح رواية شاذة بلا شك، لأن صالح بن أبي صالح وإن كان صدوقا، إلا أنه قد تكلم فيه غير واحد من أهل العلم لاختلاطه، فلا يحتج بما خالف فيه.([769])
* فخالف الثقات الأثبات في هذا الحديث بذكر زيادة (ما عملوا من خير قط)، وهم: رووا حديث أبي هريرة t، بدون ذكر هذه الزيادة، كما سبق.
قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص488): «صدوق اختلط بآخره».
وقال الشيخ مقبل الوادعي / في «الشفاعة» (ص144): (الحديث ضعيف: لأن فـي سـنـده صالح بن أبي صالح مولى التوأمة، وهو صالح بن نبهان، مختلط). اهـ
قلت: وأنت ترى بأن هذه الزيادة، لا يذكرها؛ إلا الذي سـاء حفظه بسبب الاختلاط وغيره، مما يتبين شذوذها، وإلا لماذا الرواة الثقات الأثبات لم يذكروا هذه الزيادة؟!
قلت: ثم إن المحققين من أهل الحديث قديما وحديثا، لا يكتفون حين الطعن في الـحـديث مـن جـهـة إسـنـاده فقط، بل كثيرا ما ينظرون إلى متنه أيضا فإذا وجدوه غير متلائم مع نصوص الشريعة، أو قواعدها؛ لم يترددوا في الحكم عليه بالشذوذ، وغيره.
قلت: والوهم يتعلق بالخلل في ضبط الراوي للحديث، والحفاظ قد عنوا بضبط متون السنة نفسها أشد الاعتناء، فكانوا يعرضون ما يريبهم منها من ألفاظ، أو روايات، وعلى ما علموا من قواعد شرعية مقررة، أو نصوص قاطعة من الكتاب والسنة، فإذا خالفت الألفاظ، أو الروايات ذلك طرحوها جانبا، وحكموا على راويها بالوهم، ولمعرفة نماذج من ذلك يكفي أحدنا مطالعة كتب العلل والرجال، كل ذلك صيانة للسنة من أن يدخلها ما ليس منها.([770])
قال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج1 ص27): عندما ذكر جهاد الصحابة، ونقدهم للحديث، وقبوله: (ثم أخذ مسلكهم – أي: الصحابة – واستـن لسنتهم، واهتدى بهديهم، فيما استـنـوا من التيقظ في الروايات جماعة من أهل المدينة من سادات التابعين). اهـ
وأخرجه أبو الشيخ في «العظمة» مطولا (ص136 و143) من طريق إسماعيل بن محمد بن يزيد عن محمد بن كعب عن أبي هريرة t به. وفيه (ولم يبق في النار أحد (عمل لله خيرا قط) قال الله عزوجل: بقيت أنا، وأنا أرحم الراحمين، ثم يدخل كفه في جهنم، فيخرج ما لا يحصى عدده أحد إلا هو).
قلت: وإسـنـاده ضعيف أيضا لا يحتج به، فيه إسمـاعيل بن محمد بن يزيد، وهو مجهول، ولعل في الظاهر أنه تصحيف، وصوابه: إسمـاعيل بن رافع عن محمد بن يزيد، كما في: «المطبوعة الأخرى»، لكتاب «العظمة» (ج3 ص822) برقم (386)، وكما في الحديث الآخر (ج3 ص838) برقم (387).
قلت: ومن هذا الوجه، أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص283) برقم (273)، وأبو الشيخ في «العظمة» (ج3 ص838) برقم (387)، وابن أبي الدنيا في «الأهوال» (ص86) من طريق إسماعيـل بن رافع المدني عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة t به، وهذا يؤكد ما صوبناه، ومع ذلك فسنده لا يحتج به لجهالة محمد بن يزيد، وضعف إسماعيل بن رافع المدني،([771]) ورجل لم يسم.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في «الأهوال» (ص169) من طريق إسماعـيـل بن رافع عن محمد بن كعب عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة t
قلت: وهذا سنده كسابقه، منكر.
وأخرجه الطبراني في «الأحاديث الطوال» (ص56) من طريق إسماعيـل بن رافع عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب عن أبي هريرة t به.
قلت: وهذا سنده كسابقه، منكر.
وانظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج8 ص126).
2) وأما حديث أنس بن مالك t.
فأخرجه البخاري في «صحيحه» مطولا (ج13 ص473 و474)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص182)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11131)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص183)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج19 ص66)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج15 ص551)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص261)، وأبو يعلى في «المسند» (4350)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص841)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص157)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج28 ص241)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص23)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص42)، وفي «الاعتقاد» (ص77)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص289) من طرق عن حماد بن زيد: حدثنا معبد بن هلال العنزي قال: اجتمعنا ناس من أهل البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك t، وذهبنا معنا بثابت البناني إليه، يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره، فوافقناه يصلي الضحى، فاسـتـأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة، هؤلاء إخوانك من أهل البصرة، جاؤوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال t: حدثنا محمد r قال: (إذا كـان يـوم القيامة ماج([772]) الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع([773]) لنا إلى ربك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن([774])، فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيأتون موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته([775])، فيأتون عيسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد r، فيأتونني، فأقول: أنا لها، فأستأذن([776]) على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد([777]) أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد، وأخر([778]) له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسكوقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعـيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفـع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل).
فلما خرجنا من عند أنس، قلت لبعض أصحابنا: لو مررنا بالحسن، وهو متوار([779]) في منزل أبي خليفة، فحدثناه بما حدثنا أنس بن مالك t، فأتيناه فسلمنا عليه فأذن لنا، فقلنا له: يا أبا سعيد، جئناك من عند أخيك أنس بن مالك، فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة، فقال: هيه([780])، فحدثناه بالحديث، فانتهى إلى هذا الموضع، فقال: هيه، فقلنا: لم يزد لنا على هذا، فقال: لقد حدثني، وهو جميع([781])، منذ عشرين سنة، فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا([782])، قلنا يا أبا سعيد فحدثنا: فضحك وقال: خلق الإنسان عجولا، ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم، حدثني كما حدثكم به، وقال: (ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفـع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله).
قال الحافظ البيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص286): (وفي رواية: معبد بن هلال عن أنس بن مالك t عن النبي r، في هذه القصة: ما دل على أن ذلك، لأهل الكبائر من أمته).
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص296)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص272 و273)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص253)؛ مطولا من طريق حماد بن سلـمـة عن ثابت عن أنس t: مرفوعا، وفيه بلفظ (فيقال: أخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة).
وإسناده صحيح.
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص144)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص502)، والضياء في «الأحاديث المختارة» (ج6 ص322)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص846)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج5 ص479)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص27)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص330)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص276) من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن عبدالله بن أسامـة بـن الـهـاد عـن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك t: مرفوعا، وفيه: (فيقول: اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان، فأدخله الجنة فأذهب، فمن وجدت في قلبه ذلك، أدخلتهم الجنة، وفرغ من حساب الناس، وأدخل من بقى من أمتي النار مع أهل النار، فيقول أهل النار: ما أغنى عنكم، إنكم كنتم تعبدون الله، لا تشركون به شيئا، فيقول الجبار: بعزتي لأعتقنهم من النار، فيرسل إليهم، فيخرجون من النار، قد امتحشوا، فيدخلون في نهر الحياة، فينبتون فيه، كما ينبت الحبة في غثاء السيل).
وإسناده صحيح.
وقال ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص847): هذا حديث صحيح مشهور عن ابن الهاد.
وقال الذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص26): هذا حديث صحيح غريب.
وأخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص279) من طريق ابن أبي أويس حدثني أخي عن سليـمـان بن بلال عن سـهـيل بن أبي صالح عن زياد النميري عن أنس بن مالك t به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص182)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (ص354)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص184)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1100)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص177)، والطيالسي في «المسند» (1966)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص173)، والترمذي في «سنـنـه» (2593)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (851)، وأبو يعلى في «المسند» (3273) من طرق عن شعبة عن قتادة عن أنس t قال: قال رسول الله :r (يقول الله: أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، ومن كان في قلبه من الخير ما يزن برة، أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، ومن كان في قلبه من الخير ما يزن شعـيرة، أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله ومن كان في قلبه من الخير ما يزن ذرة).
* وتابعه هشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس t به.
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص392)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص182)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص184)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1442)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص116)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص191)، وفي «التفسير» (ج3 ص204)، والبيهقي في «الأسمـاء والصفات» (ج1 ص487)، و(ج2 ص118)، وفي «شعب الإيمان» (ج1 ص285)، وفي «الاعتقاد» (ص90 و249)، والترمذي في «سننه» (2593)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص271)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص809)، وفي «التوحيد» (ج3 ص90)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص266)، والطيالسي في «المسند» (1966)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص378)، وفي «الزهد» (849)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص338)، وابن مردويه في «ثلاثة مجالس من أماليه» (ص206)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص450)، وعبد بن حميد في «المنتخب المسند» (ص357)، وأبو يعلى في «المسند» (ج5 ص305 و331 و351)، والخلال في «السنة» (ج5 ص52)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص199)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص462)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص394)؛ بلفظ: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة).
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص300) مختصرا، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1228) من طريق حميد الطويل عن أنس بن مالك t به.
وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» (ص300) من طريق الحسين بن الحسن قال حدثنا المعتمر بن سليمان عن حميد الطويل عن أنس t به.
وإسناده حسن.
* وتابعه: محمد بن أبي بكر ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن أنس t به.
أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص286).
وإسناده صحيح.
وأخرجه ضياء الدين المقـدسي في «الأحاديث المختارة» (ج7 ص249 و250) من طريق حرب بن ميمون الأنصاري عن النضر بن أنس عن أنس t به.
وإسناده صحيح.
قال ضياء الدين المقدسي: (فقد ورد في «الصحيح» من حديث أنس، حديث الشفاعة؛ إلا أن هذا فيه ألفاظ ليست في ذلك).
وقال الحافظ البيهقي / في «شـعـب الإيمان» (ج1 ص286): (هذا الحديث يجمع شفاعة النبي r؛ لأهل الجمع، حتى يريحهم من مكانهم الذي بلغوا فيه من الغم، والكرب ما لا يطيقون من طول القيام في الشمس ثم شفاعته؛ لأهل الذنوب من أمته). اهـ
وقال الحافظ البيهقي / في «شعـب الإيمان» (ج1 ص286): (وفي كل ذلك دلالة على أنه يشفع لأهل الكبائر من أمته). اهـ
وقال الحافظ البيهقي / في «شعـب الإيمان» (ج1 ص295): (وقد ثبت بما ذكرنا، أن المؤمن لا يخلد في النار بذنوبه، غير أن القدر الذي يبقى فيها غير معلوم، والذي تلحقه الشفاعة ابتداء حتى لا يعذب أصلا غير معلوم فالذنب خطره عظيم، وشأنه جسيم وربنا غفور رحيم، عقابه شديد أليم). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن الذين يخرجون من النار من المسلمين من أهل الكبائر من أمة النبي r، وقد عملوا أعمالا، لكن دخلوا النار بسبب ذنوبهم، ثم أدخلوا الجنة على ماعندهم من إيمان، وهذا لا يكون إلا من عمل، فافطن لهذا.
قال الإمام أبو عمرو الداني / في «الرسالة الوافية» (ص112): (ومن قولهم – يعني: أهل السنة – إن الله تعالى يشفع نبيه r، وأهل بيته وصحابته، ومن يشاء من صالح عباده، في عصاة أهل ملته، ويخرج بشفاعة رسول الله r من النار قوم: بعد ما امتحشوا فيها وصاروا حمما، ويدخلون الجنة، ويغسلون في ماء الحياة فتنبت لحومهم كما تنبت الحبة في حميل السيل، على ما أتت به الأخبار الصحاح عن الرسول r). اهـ
وقال شيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص148): (وأما شفاعته r؛ لأهل الذنوب من أمته، فمتفق عليها بين الصحابة، والتابعين لهم بإحـسـان، وسائـر أئمة الـمـسـلـمـين الأربعة وغيرهم، وأنكرها كثير من أهل البدع، والخوارج والزيدية). اهـ
وقال أبو الحسن الأشعـري / في «رسالته إلى أهل الثغر» (ص90): (أجمعوا على أن شفاعة النبي r؛ لأهل الكبائر من أمته، وعلى أنه يخرج من النار قوما من النار، بعد أن صاروا حمما). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «إثبات الشفاعة» (ص20): (نؤمن أن الله تعالى يخرج من النار من في قلبه أدنى وزن ذرة من إيمان؛ برحمته، وكرمه، وشفاعة نبيه r، وغير ذلك). اهـ
3) وأما حديث جابر بن عبدالله t.
فأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص177 و178)، وابن شاذان في «حديث ابن جريج» (ص105)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص283)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص139) من طريق ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمـع جابر بن عبد الله t، وفيه: (ثم تحل الشفاعة، ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه).
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص178)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص404)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص466 و467)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1092 و1093)، والحميدي في «المسند» (1245)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج12 ص177)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص294)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص 191)، وفي «الاعتقاد» (ص252)، وابن سمـعون في «الأمالي» (ص189)، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1231) من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو سمـع جابرا t يقول: سـمـعه من النبي r بأذنه يقول: (إن الله يخرج ناسا من النار فيدخلهم الجنة).
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص178)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص263) من طريق قيس بن سلـيـم العنبري قال حدثني يزيد الفقير حدثنا جابر بن عبد الله t قال: قال رسول الله r (إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم، حتى يدخلون الجنة).
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص409)، وابن الجعد في «حديثه» (2639 و2643)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص325) من طريق زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر t به.
وإسناده صحيح، وأبو الزبير توبع، كما سبق.
قلت: فهذه الأحاديث تدل على شذوذ الأحاديث المتقدمة جميعها من جهة ما فيها من ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، وهو الصواب بلا ريب.
* ثم إن المحققين من أهل الحديث قديما وحديثا، لا يكتفون حين الطعن في الحديث من جهة إسناده فقط، بل كثيرا ما ينظرون إلى متنه أيضا، فإذا وجدوه غير متلائم مع نصوص الشريعة، أو قواعدها، لم يترددوا في الحكم عليه بالشذوذ وغيره.
قلت: ولا ريب أن الصواب مع الذين لم يذكروا زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ لأن النصوص في عدم ذكرها محكمة.
* وقد روي حديث الشفاعة في: «الصحيح» من طريق الثقات الأثبات، كما سبق من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وأنس بن مالك t، غير أن في هذا ألفاظ ليس فيها كـ(لم يعملوا خيرا قط)، و(بغير عمل عملوه ولا خير قدموه)، و(بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه).
* وهذا ما تيسر جمعه، مما له صلة بالباب من أحاديث الشفاعة، وإلا أحاديث الشفاعة كثيرة، وأنا اقتصرت على الأقرب من ألفاظ الباب، وقد بسطت القول في ذلك لعظم الفائدة المترتبة من معرفة الأحكام في هذه الروايات.
قلت: فكذلك هذه الشواهد ذكرها الثقات الاثبات في أحاديث الشفاعة، ولم يذكروا: (لم يعملوا خيرا قط)؛ فهي روايات الجماعة، وروايات الجماعة أولى أن تكون محفوظة.
* إذا يسوغ لنا ويدفعنا إلى القطع، والجزم بعدم صحة هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط).
قلت: وهذه اللفظة تعتبر من الألفاظ التي تنكر على الإمام مسلم / في «صحيحه».
قال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص73)، بعدما علق على: «صحيح البخاري» قال: (وأما – صحيح – مسلم ففيه ألفاظ عرف أنها غلط).اهـ
قلت: وعلى فرض صحة زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ فهي تعتبر من الزيادات المجملة التي تحتاج إلى تفسير، لأن أحاديث الشفاعة جاءت مجملة ومفسرة، ومختصرة ومتقصاة، كما ذكر ذلك الإمام ابن خزيمة / في «كتاب التوحيد» في غير ما موضع، وعليه فتحمل الأحاديث المجملة على المفسرة، طالما أن الجمع ممكنا من جهة القواعد الحديثية.([783])
قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ج2 ص602): (فأصحاب النبي r ربما اختصروا أخبار النبي r إذا حدثوا بها، وربما اقتصوا الحديث بتمامه، وربما كان اختصار بعض الأخبار، أن بعض السامعين، يحفظ بعض الخبر، ولا يحفظ جميع الخبر، وربما نسي بعد الحفظ بعض المتن، فإذا جمعت الأخبار كلها، علم حينئذ جميع المتن والسند، ودل بعض المتن على بعض، كذكرنا أخبار النبي r في كتبنا، نذكر المختصر منها، والمتقصى منها، والمجمل والمفسر، فمن لم يفهم هذا الباب لم يحل له تعاطي علم الأخبار، ولا ادعاؤها). اهـ
قلت: والناظر في أحاديث الشفاعة يجد هذا بجلاء، بل لا تكاد ترى حديثا في هذا الباب؛ إلا وفيه إجمال، أو إبهام([784])، والموفق من وفقه الله تعالى.
قال الإمام الشاطبي / في «الموافقات» (ج5 ص401): (فالمجمل: الشأن فيه طلب المبين، أو التوقف). اهـ
قلت: بل المجمل ما لا يكفي وحده في العمل به، وإن كان ظاهرا حقا.([785])
قال الإمام الشاطبي / في «الموافقات» (ج4 ص637): (فإذا ثبت هذا، فإن وجد في الشريعة مجمل، أو مبهم المعنى، أو ما لا يفهم، فلا يصح أن يكلف بمقتضاه، لأنه تكليف بالمحال، وطلب ما لا ينال، وإنما يظهر هذا الإجمال في المتشابه([786]) الذي قال الله فيه: ]وأخر متشابهات[ [آل عمران:7]. اهـ
* واعلم أن المقصود الشرعي من الخطاب الوارد على المكلفين تفهم ما لهم، وما عليهم، مما هو مصلحة لهم في دنياهم وأخراهم، وهذا يستلزم كونه بينا واضحا لا إجمال فيه ولا اشتباه، ولو كان فيه بحسب هذا القصد اشتباه وإجمال لناقض أصل مقصود الخطاب، فلم تقع فائدة، وذلك ممتنع من جهة رعي المصالح تفضلا، أو انحتاما، أو عدم رعيها إذ لا يعقل خطاب مقصود من غير تفهيم مقصود.([787])
قال الإمام الشاطبي / في «الموافقات» (ج3 ص328): (إذ قد تبين في باب الإجمال والبيان، أن المجمل لا يتعلق به تكليف إن كان موجودا؛ لأنه إما أن يقع بيانه بالقرآن الصريح، أو بالحديث الصحيح، أو بالإجماع القاطع، أو لا، فإن وقع بيانه بأحد هذه، فهو من قبيل الضرب الأول من التشابه، وهو الإضافي وإن لم يقع بشيء من ذلك فالكلام في مراد الله تعالى من غير هذه الوجوه تسور على ما لا يعلم، وهو غير محمود). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج17 ص386): (وقد قال كثير من السلف([788]): إن المحكم ما يعمل به، والمتشابه ما يؤمن به، ولا يعمل به).اهـ
* والنبي r كان مبينا بقوله، وفعله، وإقراره؛ لما كان مكلفا بذلك، في قوله تعالى: ]وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النحل:44].
قلت: فكان r يبين للناس ما نزل إليهم في أحكام كثيرة.([789])
* وعلى الجملة: فالمراعى ها هنا، مواضع طلب البيان الشافي المخرج عن الانحراف عن الفهم الصحيح، لنصوص الكتاب والسنة، والراد إلى الصراطالمستقيم، ومن تأمل سيـر السلف الصالح في هذا المعنى تبين ما تقرر بحول الله تعالى، ولا بد من بيان هذه الجملة: (لم يعملوا خيرا قط)، بالنسبة إلى الحكم الصحيح فيها حتى يظهر منها الغرض المطلوب، والله المستعان.
* وهنا يجب أن يرعى ما يرجع إلى معنى صحيح في الاعتبار، متفق عليه في الجملة بين المختلفين، ويكون اللفظ المؤول قابلا له بحسب لغة العرب – كما بين ابن خزيمة وغيره من العلماء – جاريا ذلك على سنـن اللغة العربية، واللفظ إذا كان قابلا بحسب اللغة العربية؛ فالحمل على اللغة أولى من الحمل على غيرها.
* فيحمل لفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، على العمل اليسير([790]) لصحة المعنى في الاعتبار بأن يكون متفقا مع الشريعة، قابلا له بوجه من وجوه الدلالة الحقيقية في النصوص الأخرى.([791])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص621): (وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسولـه بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجبا ظاهرا، ولا «صلاة»، ولا «زكاة»، ولا «صياما»، ولا غير ذلك من الواجبات [أو] لا لأجل أن الله أوجبها، مثل أن يؤدي الأمانة أو يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله، لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد r). اهـ
وقـال شيـخ الإسـلام ابـن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص611): (ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، ويعيش دهره لا يسجد له سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب، وزندقة لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع عن السجود الكفار). اهـ
وقال الإمام الآجرى / في «الأربعين» (ص135): (اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين: أن الإيمان واجب على جميع الخلق: وهو التصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح... ولا تجزئ معرفة بالقلب، والنطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح.
* فإذا كملت الخصال الثلاث كان مؤمنا... فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان.
* فمن لم يصدق الإيمان بعمله، وبجوارحه مثل: «الطهارة»، و«الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، و«الجهاد» أشباه لهذه، ورضي لنفسه المعرفة والقول، دون العمل لم يكن مؤمنا، ولم تنفعه المعرفة والقول). اهـ
قلت: وهذا متفق عليه في الجملة بين المختلفين.([792])
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص187): (وبالجملة: فالتأويل الذي يوافق ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها: هو التأويل الصحيح.
والتأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة هو التأويل الفاسد). اهـ
قلت: إذا فعلى فرض صحة زيادة: (لم يعملوا خيرا قط) ([793])، لا يدل ذلك على أن هؤلاء تركوا العمل مطلقا، وإنما يراد بها نفي الكمال.
لان لا بد من اعتبار هذه الرواية ضمن باقي الطرق، والروايات، والشواهد الواردة في هذا الباب.
* ومن هنا يجب معرفة كيفية استنباط الأحكام الشرعية من نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وما يؤول إليها، ومعرفة طرق دلالة النص على المعاني الصحيحة الواضحة الدلالة.
لأن مهمة أهل العلم اقتباس الأحكام من أصولها، وعملهم يتطلب فقه النص، وفهمه الفهم الصحيح، إذ لا يمكن له استنباط الحكم من النص؛ إلا إذا أدرك المعنى الصحيح، وعرف مرمى اللفظ ومدلوله.
* وفهم النص يتوقف على معرفة الألفاظ الواضحة البينة في النصوص الأخرى، وبيانها في لغة العرب، وما تدل عليها ألفاظها مجملة، أو مفسرة.
فليست الألفاظ في النصوص في درجة واحدة من الوضوح والخفاء، فهي تتفاوت درجتها ووضوحها.
قلت: وقد يعرف الحكم من صريح عبارة النص، أو بواسـطـة إشارة النص التي تومئ إلى المعنى، أو من طريق دلالة الاقتضاء بتقدير لفظ لا بد من تقديره، وقد يكون النص الصريح في الحكم أولى بالحكم من غير الصريح، فيحكم بالمصرح به؛ لأنه أولى بالحكم.
* ثم إن اللفظ من جهة أخرى قد يكون مفسرا في نص آخر مقصورا على حكم ما، أو حكم معين فيتعين الحكم بجميع الألفاظ المتقاربة في الحكم؛ فيحكم بها على أنها الحكم الشرعي، وذلك على إفادة المعنى المفسر لمجمل نص، أو نصين، أو أكثر.([794])
قلت: ولا يحكم بالنص المجمل مع وجود النص المفسر له، لأن المعنى يحتمله بدليل، فصرفه إلى المعنى الحقيقي أولى.([795])
* إذا فيلزم من تفسير لفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، بالنصوص الأخرى المفسرة بالعمل اليسير والذي يؤهلهم أن يكونوا من المسلمين، والذي أوصلهم إلى هذا الحال ارتكابهم المخالفات الشرعية مما أضعف إيمانهم حتى استحقوا العذاب من الله تعالى بالنار.
* فألفاظ الأحاديث قيدت بحالة معينة، ألفاظها تدل على حكم معين، ما لم يرد دليل يدل على غيره.
* فدليل دل على مجمل وهو: (لم يعملوا خيرا قط)، ولكن قام الدليل على تفسيره بالعمل الصالح اليسير الذي أوصل بعضهم إلى أن يكون إيمانه كـ«شعيرة»، وبعضهم كـ«خردلة»، وبعضهم كـ«ذرة»، واتحدت الأدلة على ذلك فكانت هي الأولى.
قلت: فيحمل هنا المجمل على المفسر، وهذا باتفاق العلماء، كما هو مقرر في: «أصول الفقه»، لأن دل الدليل على الحمل، إذ لا تنافي في الجمع بينهما، ولا تعارض بينهما([796])، بل من المنـاسب حمل لفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، على الألفاظ الأخرى التي تدل على العمل اليسير من الخير، كما في حديث: أبي سعـيد الخدري نفسه، وأبي هريرة، وجابر بن عبدالله y.
وأما أن يحكم بالمجمل مع وجود المفسر، فهذا عين الغلط في دين الله تعالى، وهذا تحكم، وهو باطل.
لأن المفسر: هو اللفظ الذي دل على معناه دلالة أكثر وضوحا، وبيانا من النص الظاهر، بحيث لا يحتمل التأويل.
* فهو يزيل الخفاء المحيط باللفظ، ويزيل إجماله، ويجعله واضحا للحكم به، فيجب العمل به قطعا؛ لأنه محكم.
والمحكم: هو اللفظ الذي دل بصيغته على معناه دلالة واضحة، لا تحتمل تأويلا، ولا غيره.
قلت: واللفظ المحكم يجب العمل به قطعا، دون تردد؛ لأنه لا يحتمل غير معناه.([797])
* إذا فالنص المفسر، والمحكم يوجبا الحكم قطعا، ويقينا، وهذا هو الأصل.
لأن العمل بالأوضح والأقوى أولى وأحرى، لأن فيه جمعا بين الدليلين بحمل ظاهر النص على احتماله الآخر الموافق للنص المفسر([798])، المبين للمشكل لإيضاح مدلول الكتاب والسنة من مجمل، وعام، ومطلق، وغير ذلك.([799])
قلت: وهذا بيان فحكمه تابع لما هو بيان له؛ لأنه حكم الشرع في تلك المسألة، فالدال بمنطوقه أولى، ويترجح العمل به.
قال الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص232): (أما المبين فهو: ما استقل بنفسه في الكشف عن المراد، ولم يفتقر في معرفة المراد إلى غيره، وذلك على ضربين:
ضرب يفيد بنطقه، وضرب يفيد بمفهومه.
فالذي يفيد بنطقه هو: النص، والظاهر، والعموم.
فالنص: كل لفظ دل على الحكم بصريحه، على وجه لا احتمال فيه.
* مثل: قوله تعالى: ]ولا تقربوا الزنا[ [الإسراء:32]، ]ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق[ [الإسراء:33]، ونحو ذلك من الألفاظ الصريحة في بيان الأحكام.
والظاهر: كل لفظ احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر.
* كالأمر والنهي وغيرهما من أنواع الخطاب الموضوعة للمعاني المخصوصة المحتملة لغيرها.
والعموم: ما عم شيئين فصاعدا.
وأما الضرب الذي يفيد بمفهومه فهو: فحوى الخطاب، ولحن الخطاب، ودليل الخطاب.
ففحوى الخطاب: ما دل عليه اللفظ من جهة التنبيه. كقوله تعالى ]فلا تقل لهما أف[ [الإسراء:23]، فيه تنبيه على النهي عن ضربهما وسبـهما، لأن الضرب والسب أعظم من التأفيف.
وأما لحن الخطاب فهو: ما دل عليه اللفظ من الضمير الذي لا يتم الكلام إلا به، مثل قوله تعالى: ]فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا[ [البقرة:60]؛ ومعناه: فضرب فانفجرت.
* ومن ذلك أيضا: حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامة: كقوله تعالى: ]واسأل القرية[ [يوسف:82]؛ ومعناه: اسأل أهل القرية.
* ولا خلاف أن هذا، كالمنطوق به في الإفادة والبيان.
وأما دليل الخطاب فهو: أن يعلق الحكم على إحدى صفتي الشيء، فيدل على أن ما عداها بخلافه، كقوله تعالى: ]إن جاءكـم فـاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة[ [الحجرات:6]، فيه دلالة على أن العدل، إن جاء بنبإ لم يتبين.
* وكذلك: قوله تعالى: ]وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن[ [الطلاق:6]؛ فيه دليل على أن المبتوتات غير الحوامل لا يجب عليهن الإنفاق.
وأما المجمل فهو: ما لا يعقل معناه من لفظه، ويفتقر في معرفة المراد إلى غيره.
* مثال ذلك: إن الله تعالى قال: ]وآتوا حقه يوم حصاده[ [الأنعام:141]، وقال رسول الله r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها»([800]). فالحق المذكور في الآية، والمذكور في الحديث، كل واحد منهما مجهول الجنس والقدر، فيحتاج إلى البيان). اهـ
قلت: فالعمل بالراجح متعين؛ لأنه ترجيح بدليل.
* وكذلك هذه الزيادة مشتبهة.
وطريقة أهل العلم أن يحمل المتشابه على المحكم.([801])([802])
قال شيـخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «الخلاف بين العلماء» (ص5): (من المعلوم عند جميع المسلمين مما فهموه من كتاب الله، وسنة رسوله r أن الله تعالى بعث محمدا r بالهدى، ودين الحق، وهذا يتضمن أن يكون رسـول الله r قد بين هذا الدين بيانا، شافيا، كافيا، لا يحتاج بعده إلى بيان). اهـ
قلت: إذا لا بد من اعتبار هذه الرواية ضمن باقي الروايات، والشواهد الواردة في الباب، التي تبين مراد الله تعالى، ورسوله r في المعنى الصحيح لزيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
* فالروايات الأخرى تبين بأن هؤلاء العباد من المسلمين الذين دخلوا النار بسبب ذنوبهم وضعف إيمانهم، ومنهم من يكون إيمانه قدر الذرة من الخير في قلبه، وهذا لا يكون؛ إلا من المسلم، ثم يخرجون من النار لبقاء شيء يسير من الخير فيهم، وهذا تفسير لزيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، وإليك الدليل:
1) عن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r قال: (يدخل الله أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار النار، ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حمما قد امتحشوا فيلقون في نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل، ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (4919)، و(7436)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص456)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص805)، وفي «الرد على الجهمية» (ص36)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص251)،وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص185)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص498)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص391)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص190)، وأبو يعلى في «المسند» (ج2 ص423)، والدارقطني في «الرؤية» (ص100)، وأبو الـقـاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص237)، والآجري في «الشريعة» (ص260)، واللالكائي في «الاعتقاد» (818)، والبيهقي في «الأسمـاء والصفات» (ص344)، وفي «شعب الإيمان» (ج1 ص289)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص191)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص94)، وابن ماجه في «سنـنـه» (ج1 ص23)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص533)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص112)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص314)، والخلال في «السنة» (ج1 ص46)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص350)، والمؤيد الـطـوسي في «الأربعين عن المشايخ الأربعين» (ص92)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (861)، وأسد بن موسى في «الزهد» (ص52)، والحاكم في «الأربعين» (ق /1 /ط) من طريق مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى بن عمارة قال حدثني أبي عن أبي سعيـد الخدري t به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وأبو داود في «السنن» (ج2 ص441)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص427)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص7)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص252)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص186)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص461)، والطبري في «تفسيره» (ج1 ص248)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص293)، وفي «الاعتقاد» (ص40)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص882)، وأبو يعلى في «المسند» (ج2 ص348) من طريق أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: (أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما، أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر([803]) ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل).
وأخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (ص284) من طريق عبدالرحمن بن إسحـاق عن زيد بن أسلـم عن عطاء بن يسار عن أبي سعـيد الخدري :t مطولا؛ وفيه: (فيقول الله: انظروا من كان في قلبه زنة دينار من إيمان فأخرجوه قال فيخرجون ثم يقول: انظروا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه قال فيخرجون؛ قال أبو سعيد الخدري t: بيني وبينكم كتاب الله، قال عبدالرحمن بن إسحاق: فأظنه يريد ]وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبـين[ [الأنبياء:47]، قال: فيقذفون في نهر يقال له نهر الحياة، قال فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل أما ترون ما يكون من النبت...).
وإسناده حسن، وليس فيه زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
وقال الشيخ الألباني / في «ظلال الجنة» (ص284): (إسنـاده جيد، وهو على شرط مسلم).
وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» (ص521) بهذا الإسناد، ومتنه، إلا أنه لم يسقه بتمامه.
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص15)؛ مطولا من طريق عبدالرحمن بن إسحـاق حدثنا زيد بن أسلـم عن عطاء بن يسار عن أبي سـعـيد الخدري t؛ وفيه بلفظ: (فيقول الله عزوجل: انظروا من كان في قلبه زنة دينار من إيمان فأخرجوه، قال: فيخرجون، قال: ثم يقول: من كان في قلبه زنة قيراط من إيمان فأخرجوه ، قال: فيخرجون، قال: ثم يقول: من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه قال: فيخرجون، قال: ثم يقول أبو سعيد الخدري: بيني وبينكم كتاب الله، قال عبدالرحمن بن إسحاق: وأظنه يعني قوله ]وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبـين[ [الأنبياء:47]، قال: فيخرجون من النار فيطرحون في نهر يقال له نهر الحيوان، فينبتون كما تنبت الحب في حميل السيل...). وإسناده حسن.
2) وعن جابر بن عبدالله ﭭ؛ في حديث الشفاعة، وفيه: (ثم تحل الشفاعة، ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص177 و178)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص283)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص139)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص363)، والحميدي في «المسند» (1245)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج12 ص177)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص404)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص466 و467)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1092)، وابن سمعـون في «الأمالي» (189)، وابن المظفر في «حديث شعبة» (ص122 و123)، وسعـدان المخرمي في «جزئه» (ص35)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص56 و57)، والآجريفي «الشريعة» (ج3 ص1231)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص294)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص191)، وفي «الاعتقاد» (ص252)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص409)، وابن الجعد في «حديثه» (2639 و2643) من طرق عن جابر بن عبدالله t به.
3) وعن أنس بن مالك t أن النبي r قال: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعـيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص473 و474)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص182)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص266)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص184)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11131)، وأبو يعلى في «المسند» (4350)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص841)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص157)، وفي «تفسيره» (ج3 ص204)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج28 ص341)، والبيهقي في «السنن الكبري» (ج10 ص42)، وفي «دلائل النبوة» (ج5 ص479)، وفي «الأسـمـاء والصفات» (ج1 ص487)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص289)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج19 ص66)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج15 ص551)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص296)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص253)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص27)، والضياء المـقدسـي في «الأحاديث المختارة» (ج6 ص323)، وعبد بن حميد في «المنتخب» (ص354)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1100)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص177)، والطيالسي في «المسند» (1966)، والترمذي في «سنـنـه» (2593)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (851)، وفي «السنة» (ص378)، وابن ماجه في «سنـنه» (ج2 ص1442)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص450)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص22)، والخلال في «السنة» (ج5 ص52)، وأبو الـقـاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص394)، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1228)، والنقاش في «فوائد العراقيين» (ص101)، وابن أبي داود في «البعث» (ص98)، وأســد بن موسى في «الزهد» (ص52) من طرق عن أنس بن مالك t به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص182) من طريق حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي قال: انطلقنا، إلى أنس بن مالك – ثم ذكر: حديث الشفاعة -، وفيه: (فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفـع تشفع، فأقول: أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان؛ فأخرجه منها، فأنطلق فأفعل... فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان؛ فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل).
قلت: فدلت هذه الروايات على تفسير ما أجمل؛ من قوله: (لم يعملوا خيرا قط)، وأنه يقصد به العمل اليسير من الخير، وهذا لا يقع إلا من المسلم بسبب ضعف إيمانه، وإسرافه في المعاصي والله المستعان.
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج14 ص175): (وأنتم تروون عن النبي r قال: أنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، ومن كان في قلبه من الخير ما يزن ذرة). اهـ
قلت: وأن المراد بذلك ليس نفي مطلق العمل، وأنه يدخل في عمومها الصلاة، بدلالة آثار السجود التي حرمت على النار لكونهم يصلون.([804])
وإليك الدليل:
1) عن أبي هريرة t - في حديث الشفاعة – وفيه: (حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يشهد أن لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون تحته، كما تنبت الحبة في حميل السيل).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص419)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص165)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص292)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص787)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص275)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص247)، والآجري في «الشريعة» (ص259)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص457)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص181) من طريق ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة t به.
2) وعن جابر بن عبدالله ﭭ قال: قال رسول الله r: (إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم([805])، حتى يدخلون الجنة).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص178)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص829) من طريق قيس بن سلـيـم العنبري قال حدثني يزيد الفقير حدثنا جابر بن عبدالله t به.
* وقد بين عبدالله بن مسعود t عظم قدر الصلاة، ومنزلتها في الإسلام، ولا يحافظ عليها؛ إلا مسلم فقال t: (من سره أن يلقى الله غدا مسلما؛ فليحافظ على هؤلاء الصلوات، حيث ينادى بهن، فإن الله شـرع لنبيكم r سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى... الحديث).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص453)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص382 و455)، والطيالسي في «المسند» (313)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج2 ص7)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص58)، وابن ماجه في «سنـنـه» (ج1 ص255)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج2 ص249 و250)، وأبو داود في «سنـنـه» (ج1 ص148)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص297)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص84) من طرق عن أبي الأحوص عن عبدالله بن مسعود t به.
* بل حذيفة t: لما رأى رجلا، لا يتم الركوع، والسجود، قال له: (ما صليت: ولو مت مت على غير الفطرة، التي فطر الله محمدا r([806])). فما بالك الذي لا يصلي، ولا يعمل عملا قط.
قال الإمام المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص1009): (قال r في حديث الشفاعة: الذي رواه أبو هريرة، وأبو سعـيـد جميعا ﭭ: (أنهم يخرجون من النار، يعرفون بآثار السجود)، قد بين لك أن المستحقين للخروج من النار بالشفاعة؛ هم المصلون). اهـ
قلت: وهذه النصوص تدل على أن هؤلاء من المسلمين، لأنهم كانوا يصلون، ويحجون، ويصومون مع المسلمين.
وإليك الدليل أيضا:
عن أبي سعيد الخدري t، وفيه: (إذا خلص المؤمنون من النار فأمنوا... يقولون ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، فأدخلتهم النار، فيقول: اذهبوا، فأخرجوا من قد عرفتم؛ فيأتونهم فيعرفونهم بصورتهم، لا تأكل النار صورهم...).
حديث صحيح
أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (20857)، ومن طريقه: أحمد في «المسند» (ج3 ص94 و95)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5010)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص112)، والترمذي في «سننه» (2598)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص480) من طريق معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» (ص521)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص284)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص16) من طريق عبدالرحمن ابن إسـحـاق عن زيد بن أسـلـم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t قال: قلنا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة فذكر الحديث؛ بطوله: وقال: فما أحدكم في حق يعلم أنه حق له بأشـد مناشـدة منهم لإخوانهم الذين سقطوا في النار، يقولون: أي رب كنا نغزوا جميعا، ونحج جميعا، ونعتمر جميعا، فبم نجونا اليوم وهلكوا، قال: فيقول الله تبارك وتعالى: انظروا من كان في قلبه زنة دينار من الإيمان فأخرجوه... الحديث).([807])
وإسناده حسن.
قال الشيخ الألباني / في «ظلال الجنة» (ص284): (إسنـاده جيد، وهو على شرط مسلم).
قلت: وهذه الأحاديث تدل أيضا؛ بأن المؤمنين يعرفون إخوانهم الذين في النار بصورهم، أو وجوههم([808])، فإن منهم: من أخذته النار إلى كعبيه، أو ركبتيه، أو حقويه، أو ثدييه، أو عنقه، ولا تغشى النار الوجوه، فالمعرفة تكون بالوجه أيضا، لا بمجرد أثر السجود في الوجه فقط.
* والرواية التي فيها: ادارات الوجوه ليست بصريحة على أن المراد بها أثر السجود فقط.
فقد قال العلامة الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج1 ص586): (قوله: الدارات الوجوه، جمع دارة، وهو ما يحيط بالوجه من جوانبه، والمراد الوجه كله، لأن فيه محل السجود، ويحتمل أن يكون المراد محل السجود منه فقط، وهو الجبهة والأنف، وجمعت الدارات بحسب الأشخاص). اهـ
* إذا دارات: جمع دارة، وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه([809]).
هذا مع؛ أن رواية: (فيأتونهم فيعرفونهم بصورتهم لا تأكل النار صورهم)؛ صريحة في أنهم عرفوهم من صورهم ووجوههم([810])، لا بمجرد أثر السجود في الوجه فقط.([811])
قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص479): (باب ذكر الدليل على أن النبي r إنما أراد بقوله: «فيصيرون فحما»؛ أي: أبدانهم خلا صورهم، وآثار السجود منهم، إن الله عز وجل حرم على النار أكل أثر السجود من أهل التوحيد). اهـ
* فالمؤمنون يعرفون إخوانهم بصورهم ووجوههم في جميع الدفعات، لأن النار لا تغشى جميع أبدانهم، إنما تغشاهم على حسب أعمالهم، باستثناء الوجه في بعضهم، والوجه وغيره في البعض الآخر.
قال أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج1 ص449): (فتكون النار لم تقرب صورهم، ولا وجوههم بالتغيير، ولا الأكل). اهـ
* وأيضا جعل الله تعالى لهم علامة أخرى، وهي مسألة الوزن، سـواء كان وزن شعيرة، أو برة، أو خردلة، أو ذرة، أو قيراط، أو نصف قيراط، أو نحو ذلك، مما جاء في الروايات.([812])
قلت: وهذه الأحاديث تدل على أن الله تعالى يعذب قوما من أهل الإيمان، ثم يخرجهم بالشفاعة حتى لا يبقى في النار، إلا من ذكرهم الله عزوجل: ]ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين[ [المدثر:42- 48].
قلت: هل ترون في هؤلاء خيرا.
* إذا لا يترك الله تعالى في النار أحدا فيه خير؛ إلا أخرجه لما في قلبه من الإيمان.
قال الإمام أحمد /: (قال الله تعالى: ]خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك[ [هود:107]، فإنما يقع الاستثناء عندنا على أهل التوحيد... لما جاء عن النبي r أن له شفاعة لأهل الذنوب، فهذا ما أولنا).([813])
* ويؤيده: حديث ابن مسعود t عن النبي r قال: (لا يدخل([814]) النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (91)، والترمذي في «سننـه» (ج4 ص361)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص451)، وأبو يعلى في «المسند» (ج8 ص476)، و(ج9 ص226)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص384)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص31)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص589)، والبغوي في «شرح السنة» (ج13 ص165)، وابن ماجه في «سنـنـه» (ج1 ص22)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص405)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص89)، والجركاني في «جزئه» (ص92)، والقشيري في «الرسـالـة» (ص115)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج5 ص161)، وفي «الآداب» (661)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج3 ص362)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج5 ص2)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين» (206)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص184)، وفي «المستخرج» (ج1 ص167)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج5 ص155)، وأبو داود في «سنـنـه» (ج4 ص351)، والطبراني في «المعجم الكبير» (10001)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص184) من طريق إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود t به.
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج14 ص183): (في هذا الباب عن ابن مسعود عن النبي r، الأول منهما على نفي دخول معه التخليد، وإثبات التخليد لمن سواهم). اهـ
وقال الحافظ ابن حبان / في «صحيحه» (ج7 ص405): (في هذا الخبر، معنيان اثنان:
أحدهما: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر، أراد به جنة عالية يدخلها غير المتكبرين.
وقوله r: «لا يدخل النار من كان في قلبه حبة خردل من إيمان»، أراد به نارا سافلة([815]) يدخلها غير المسلمين.
والمعنى الثاني: لا يدخل الجنة أصلا من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر، أراد بالكبر: الشرك، إذ المشرك لا يدخل الجنة أصلا.
وقوله r: «لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان»، أراد به على سبيل الخلود، حتى يصح المعنيان معا). اهـ
وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص621): (فمعنى: هذه الأخبار التي فيها ذكر بعض الذنوب الذي يرتكبه بعض المؤمنين، فإن النبي r يعني: قال: إن مرتكبه لا يدخل الجنة، معناها: أنه لا يدخل العالي من الجنان، التي هي دار المتقين الذين لم يرتكبوا تلك الذنوب، والخطايا والحوبات، وقد كنت أقول، وأنا حدث: جائز أن يكون؛ معنى: أخبار النبي r: «لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان»([816])؛ أي: لا يدخل النار دخول الأبد، كدخول أهل الشرك، والأوثان، كما قال النبي r: «أما أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها، ولا يحيون»؛ الأخبار التي قد أمليتها بتمامها، أو يكون معناها أي: لا يدخلون النار موضع الكفار، والمشركين من النار، إذ الله عز وجل، قد أعلم أن النار: سبـعـة أبواب، وأخبر أن لكل باب منهم جزءا مقسوما، فقال تعالى: ]لها سبعة أبواب[ [الحجر:44]؛ فمعنى: هذا الخبر قد يكون أنهم لا يدخلون النار موضع الكفار منها). اهـ
وقال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج1 ص560): (وذكر في هذه الأحاديث في المعذبين من المؤمنين: «أن النار لا تأكل أثر السجود»، وفي الحديث الآخر: (يحرم صورهم على النار)، دليل على أن عذاب المؤمنين المذنبين بالنار خلاف عذاب الكافرين، وأنها لا تأتي على جميعهم). اهـ
وقال الإمام الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص175): (وأنتم تروون عن النبي r قال: «أنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله»، ومن كان في قلبه من الخير ما يزن ذرة). اهـ
وقال الإمام حرب الكرماني / في «المسائل» (ص430): (وأما معنى؛ حديث الشفاعة: (أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان)، إنما معناه: أن يخرج من براني النار). اهـ
* وهؤلاء معهم شهادة أن لا إله إلا الله، وهذه الشهادة؛ معناها: التوحيد الخالص لله تعالى، لا مجرد التلفظ بها... وعلم بذلك أيضا، أنها تتضمن الصلاة، والدليل على ذلك: ذكر أثر السجود وغيره من العلامات التي تدل على إسلامـهـم، وهذا مستفاد من مجموع الروايات.
قلت: ثم إن لفظة: (لم يعملوا خيرا قط)، لا تدل بحال على امتناع وقوع العمل من العباد الذين دخلوا النار بسبب ذنوبهم مطلقا، بل قد تطلق مع وقوع بعض الأعمال اليسيرة، وإنما يراد بها نفي الكمال، والتمام([817])؛ فتنبه.
وإليك الدليل:
1) عن أبي هريرة t، عن رسول الله r قال: (إن رجلا لم يعمل خيرا قط، وكان يداين([818]) الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز، لعل الله تعالى أن يتجاوز عنا، فلما هلك قال الله عز وجل له: هل عملت خيرا قط؟ قال: لا، إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس، فإذا بعثته ليتقاضى، قلت له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله تعالى: قد تجاوزت عنك).
حديث حسن
أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص91)، وفي «السنن الصغرى» (ج7 ص318)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص285)، وابن حبان في «صحيحه» (ج11 ص422)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص28)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص533)، والقاضي أبو يعلى في «ستـة مجالس من أماليه» (ص51)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج18 ص41) من طريقين عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة t به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج4 ص309) وعزاه للنسائي.
* وأصله في «صحيح البخاري» (ج4 ص309)، و«صحيح مسلم» (1562)؛ من حديث: أبي هريرة t، ويأتي تفصيل ذلك.
قلت: فأطلق عليه أنه: «لم يعمل خيرا قط»، مع أنه كان ينظر المعسر، ويتجاوز عنه، وهذا مفهوم في لغة العرب.
وما حثه على هذه الخصلة الطيبة؛ إلا بسبب إيمانه الذي في قلبه.
قال الإمام ابن عبدالبر / في «التمهيد» (ج18 ص41): (فقول هذا الرجل الذي: (لم يعمل خيرا قط)، غير تجاوزه عن غرمائه: (لعل الله أن يتجاوز عنا)؛ إيمان، وإقرار بالرب، ومجازاته، وكذلك قوله الآخر: (خشيتك يا رب) إيمان بالله، واعتراف له بالربوبية). اهـ
2) وعن أبي مسعود t قال: قال رسول الله r: (حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان رجلا موسرا فكان يخالط الناس فيقول لغلامه تجاوز عن المعسر، فقال الله جل وعلا لملائكته نحن أحق بذلك تجاوزوا عنه).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (1561)، والترمذي في «سنـنـه» (1307)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص120)، والطبراني في «المعجم الكبير» (537)، وابن حبان في «صحيحه» (ج11 ص427)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص356)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص29) من طريق الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود الأنصاري t به.
قلت: فأطلق عليه أنه لم يوجد له من الخير شيء، مع أنه كان ينظر المعسر، ويتجاوز عنه، ويخالط الناس للمساعدة، وغيرها.
3) وعن أبي هريرة t عن رسول الله r أنه قال: (نزع رجل لم يعمل خيرا قط غصن سواك عن الطريق، إما كان في شجـرة فقطعه وألقاه، وإما كان موضوعا فأماطه، فشكر الله له بها فأدخله الجنة).
حديث حسن
أخرجه أبو داود في «سنـنـه» (ج5 ص408)؛ بهذا اللفظ: من طريق الليث عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة t به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فأطلق عليه أنه: «لم يعمل خيرا قط»، مع أنه أماط الأذى عن الطريق، وهذا مفهوم في لغة العرب.
* وهذا يبين أن الإيمان في قلبه وإن كان قليلا، فجعله الإيمان، أن يعمل لمساعدة الناس، وبذلك دخل الجنة.
* وهذا هو الذي يتبادر إلى ذهن السامع بالنسبة إلى زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ أي: المقصود بها العمل اليسير.([819])
قلت: لأنه لا يتصور أن ينتفي العمل من العبد نهائيا ثم يدخل الجنة!.
4) وعن أبي بكر الصديق t في حديث الشفاعة وفيه: (يقول الله عز وجل: أنا أرحم الراحمين، أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيـئا، قال: فيدخلون الجنة، قال: ثم يقول الله عز وجل: انظروا في النار، هل تلقون من أحد عمل خيرا قط، قال: فيجدون في النار رجلا، فيقول له: هل عملت خيرا قط؟ فيقول: لا، غير أني كنت أسامح الناس في البيع والشراء، فيقول الله عز وجل: اسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي، ثم يخرجون من النار رجلا آخر فيقول له: عملت خيرا قط؟ فيقول: لا، غير أني قد أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار، ثم اطحنوني حتى إذا كان مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح، فقال الله عز وجل: لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك، قال: فيقول الله عز وجل: انظر إلى ملك أعظم ملك فإن لك مثله وعشرة أمثاله).
حديث حسن
أخرجه أبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص175)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص310)، وابن حبان في «صحيحه» (6476)، والدارمي في «الرد على الجهمية» (181)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص335 و367)، والبزار في «المسند» (ج1 ص149)، والأموي في «مسند الصديق» (ص48)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج8 ص185)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص122)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (1556)، وضياء الدين المقـدسي في «الأحاديث المختارة» (ج1 ص122)، ويحيى بن معين في «التاريخ» (ج2 ص55)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص29)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص4)، وأبو يعلى في «المسند» (56)، والدولابي في «الكنى» (ج2 ص155)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (ج2 ص920) من طريق أبي نعامة العدوي عن أبي هنيدة البراء بن نوفل عن والان العدوي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق t به.
قلت: وهذا سنده حسن، ووالان العدوي، وثقه ابن معين، وابن حبان، وروى عنه اثنان.([820])
والحديث حسنه الشيخ الألباني في «ظلال الجنة» (ص335).
* وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج10 ص374) ثم قال: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، ورجالهم ثقات.
* ووالان العدوي: هو والان بن بهيس العدوي، ويقال، والان بن قرفة، ذكره أيضا البخاري في «التاريخ الكبير» (ج8 ص185)، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقال يحيى بن معين: «بصري ثقة»، كما في «الجرح والتعديل» (ج9 ص43).
والحديث ذكره الدارقطني في «العلل» (ج1 ص189؛ مسألة رقم: 14) ثم قال: (يرويه أبو نعامة... إلى أن قال: (ورواه الجريري عن أبي هنيدة، وأسنـده عن حذيفة عن النبي r، ولم يذكروا؛ فيه: أبا بكر t، ووالان غير مشهور، إلا في هذا الحديث، والحديث غير ثابت). اهـ
* وتعقبه ابن حجر في «لسان الميزان» (ج6 ص263): بقوله: (كذا قال، وقد قال يحيى بن معين: بصري: «ثقة»، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وأخرج حديثه في «صحيحه». قلت: وكذا أخرجه أبو عوانة، وهو من زياداته على مسلم). اهـ
قلت: غاية ما أعل به هذا الحديث أمران:
الأول: جهالة والان.
الثاني: كون الجريري أسقط أبا بكر t من السند.
والجواب عن الأول: أن والان، قد روى عنه أبي هنيدة، كما عند ابن خزيمة في «التوحيد».
* وأما رواية: الجريري؛ بإسقاط أبي بكر t من السند؛ فلا تضر، لأن حذيفة بن اليمان هو صحابي، وعلى فرض أنه لم يسمعه من أبي بكر t؛ فهو: مـرسـل صحابي، ومراسيل الصحابة حجة؛ كما هو معروف عند أهل الحديث.([821])
فائدة:
قال المحدث الشيخ مقبل بن هادي الوادعي / في «الشفاعة» (ص33): (والان: وثقة ابن معين، كما في تعجيل المنفعة، وروى عنه اثنان، كما في «التوحيد» لابن خزيمة، فحديثه يصلح في الشواهد والمتابعات، وما انفرد به يتوقف فيه، وقد انفرد هنا بالسجود مرتين قدر جمعة، وبقوله: «ادعوا الصديقين»([822])، وتقديمهم على الأنبياء، وبقصة الذي أوصى بأن يحرق، وقصة الوصية: بالإحراق في «الصحيحين» في غير حديث الشفاعة، ومن غير هذه الطريق، والله أعلم). اهـ
قلت: وفي الحديث ألفاظ منكرة، والأصل فيه الشاهد.
قال الحافظ الذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص30): هذا حديث غريب.
قلت: وللحديث شواهد سبق ذكرها.
قلت: وأصل الحديث في: «الصحيحين».
* فأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص731)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج5 ص41)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص534)، وفي «السنن الكبرى» (ج5 ص356)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص324)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص148) من طريق زهير بن معاوية حدثنا منصور بن المعتمر أن ربعي بن حراش حدثه أن حذيفة t قال: قال النبي r: (تلقت الملائكة روح رجل – أي استقبلت – ممن كان قبلكم، قالوا: أعملت من الخير شيـئـا؟ قال: كنت آمر فتياني([823]) أن ينظروا([824]) المعسر([825]) ويتجاوزوا([826]) عن الموسر([827])، قال: فتجاوزوا عنه).
وفي رواية: (يا رب ما عملت شيئا أرجو به كثيرا).
قلت: وهذه الرواية تبين بأنه كان يعمل عملا قليلا، ولم يترك العمل مطلقا؛ فتنبه.
ولذلك قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص309): (وفي حديث الباب: والذي قبله أن اليسير من الحسنات إذا كان خالصا لله، كفر كثيرا من السيئات)([828]). اهـ
قلت: فلا إيمان إلا بعمل.
قال الإمام أحمد /: (الإيمان لا يكون، إلا بعمل).([829])
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص843)، والمحاملي في «الأمالي» (ص303)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص149)، والمراغي في «الأربعين» (ص69)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص399)، وابن ماجه في «سنـنـه» (ح2 ص808)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص306)، والبزار في «المسند» (ج7 ص245)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص231)، وبحشل في «تاريخ واسـط» (ص97) من طريق شعبة عن عبدالملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة t قال: سمعت النبي r يقول: (مات رجل، فقيل له، قال: كنت أبايع الناس، فأتجوز عن الموسر، وأخفف عن المعسر، فغفر له).
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1273)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص395)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج5 ص430)، والبزار في «مسنده» (ج7 ص244)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص231)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج2 ص329) من طريق أبي عوانة حدثنا عبدالملك عن ربعي بن حراش قال: قال حذيفة t سمعت النبي r يقول: (إن رجلا كان فيمن كان قبلكم، أتاه الملك ليقبض روحه، فقيل له: عملت من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا وأجازيهم، فأنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر، فأدخله الله الجنة).
* قال حذيفة t وسمعت النبي r يقول: (إن رجلا حضره الموت، فلما يئس من الحياة أوصى أهله إذا مـت فاجمعوا لي حطبا كثيرا، وأوقدوا فيه نارا، حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت، فخذوها فاطحنوها، ثم انظروا يوما راحا([830])، فاذروه في اليم([831]) ففعلوا، فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له).
* قال أبو مسعود عقبة بن عمرو t: وأنا سـمـعته يقول ذاك: «وكان نباشا»؛ يعني: للقبور.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1194) من طريق زهير حدثنا منصور عن ربعي بن حراش، أن حذيفة: حدثهم قال: قال رسول الله r: (تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيـئـا؟ قال: لا. قالوا: تذكر. قال: كنت أداين([832]) الناس. فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا([833]) عن الموسر، قال: قال الله عزوجل: تجوزوا عنه).
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1195)، وبحشل في «تاريخ واسط» (ص88)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص233)، والمحاملي في «الأمالي» (ص302) من طريق نعيم بن أبي هند عن ربعي بن حراش قال اجتمع حذيفة، وأبو مسعود: فقال حذيفة t: (رجل لقي ربه فقال: ما عملت؟ قال: ما عملت من الخير، إلا أني كنت رجلا ذا مال. فكنت أطالب به الناس، فكنت أقبل الميسور، وأتجاوز عن المعسور([834])، فقال: تجاوزوا عن عبدي).
* قال أبو مسعود t: سمعت رسول الله r يقول.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1195) من طريق أبي خالد الأحمر عن سـعـد بن طارق عن ربعي بن حراش عن حذيفة t: (أتي الله بعبد من عباده، آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدنيا (قال: ولا يكتمون الله حديثا)، قال: يا رب! آتيتني مالك، فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز([835])، فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر، فقال الله: أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي).
* فقال عقبة بن عامر الجهني([836])، وأبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعناه من في رسول الله r.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1195)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص808)، وصدر الدين البكري في «الأربعين» (ص153) من طريق شعبة عن عبدالملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة عن النبي r: (أن رجلا مات فدخل الجنة... الحديث).
قال البخاري / في «صحيحه» (ج2 ص371): (وقال أبو مالك عن ربعي: «كنت أيسر على الموسر، وأنظر المعسر»، وتابعه: شعبة عن عبدالملك عن ربعي. وقال أبو عوانة عن عبدالملك عن ربعي: (أنظرا الموسر، وأتجاوز عن المعسر)، وقال نعيم بن أبي هند عن ربعي: (فأقبل من الموسر، وأتجاوز عن المعسر).
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص731)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص250)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج5 ص43) من طريق الزبيدي عن الزهري عن عبيدالله بن عبدالله أنه سمع أبا هريرة t عن النبي r قال: (كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه).
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1283)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1196)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص263)، والبغوي في «شرح السنة» (ج8 ص196)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص534) من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (كان رجل يداين الناس... الحديث).
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1196)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص252)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص356) من طريق يونس عن ابن شهاب، أن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن أبي هريرة t به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1196) من طريق الأعمش عن شقيق عن أبي مسعود t قال: قال رسـول الله r: (حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال: قال الله عزوجل: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه).
وعن أبي سعـيـد الخدري t عن النبي r: (أن رجلا كان قبلكم، رغسه([837]) الله مالا فقال لبنيه لما حضر: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني لم أعمل خيرا قط، فإذا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني([838])، ثم ذروني([839]) في يوم عاصف([840])، ففعلوا، فجمعه الله عزوجـل فقـال : مـا حملك؟ قال: مخافتك، فتلقاه برحمته).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1283)، و(ج5 ص2378)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2111 و2112)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج7 ص490) من طرق عن قتادة سمعت عقبة بن عبدالغافر سمعت أبا سعيد الخدري به، في حديث سليمان التيمي: (فإنه لم يبتئر عند الله خيرا)، قال فسرها قتادة: لم يدخر عند الله خيرا.
* وفي حديث شيبان بن عبدالرحمن: (فإنه والله ما ابتأر عند الله خيرا)، وفي حديث: أبي عوانة: (ما امتأر) بالميم، وفي حديث شعبة: (وإن الله يقدر علي أن يعذبني).
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص2726)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1112) من طريق معتمر بن سليـمـان سمعت أبي حدثنا قتادة عن عقبة بن عبدالغافر عن أبي سعـيـد الخدري t عن النبي r (أنه ذكر رجلا فيمن سلف، أو فيمن كان قبلكم – يعني من بني إسرائيل-)، وفيه: (فقال الله عزوجل: كن، فإذا هو رجل قائم، قال الله: أي عبدي ما حملك على أن فعلت ما فعلت؟ قال: مخافتك... الحديث).
وعن أبي هريرة t أن رسـول الله r قال: (قال رجل لم يعمل حسنة([841]) قط لأهله إذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر([842]) الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر الله له).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج4 ص2110)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج4 ص389)، ومالك في «الموطأ» (ج1 ص240)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص392)، والجوهري في «مسند الموطأ» (ص445)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج18 ص38)، وابن القـاسـم في «المؤطأ» (ص360)، والحدثاني في «الموطأ» (ص375) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة t به.
* وفي رواية، أبي مصعب: (لم يعمل خيرا قط)، وفي رواية الحدثاني: (كان رجل لم يعط أن يعمل خيرا قط).
قلت: وهذه الروايات تفسر الحسنة، في رواية: مسلم، ومالك رحمهما الله.
* وبهذا الإسناد: أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص2725)، مرفوعا: (قال رجل لم يعمل خيرا قط، فإذا مات.... الحديث).
قلت: فقوله: «لم يعمل خيرا قط»، فهذا تفسير أيضا، للفظ: «لم يعمل حسنة قط»، فافطن لهذا.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1283)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2110)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1421)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص269)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص283) من طريق معمر عن الزهري عن حميد بن عبدالرحمن عن أبي هريرة t عن النبي r قال: (كان رجل يسرف على نفسه – يعني: يبالغ في المعاصي – فلما حضره([843]) الموت... الحديث).
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج4 ص2110)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص666)، وفي «السنن الصغرى» (ج4 ص113)، والمراغي في «الأربعين» (ص84) من طريق الزبيدي عن الزهري حدثني حميد بن عبدالرحمن بن عوف عن أبي هريرة t به.
وأخرجه ابن صاعد في «زوائد الزهد» (ص372) من طريق الحجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري قال أخبرني حميد بن عبدالرحمن به.
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص304) من طريق حماد بن سـلـمـة عن ثابت البناني عن أبي رافع الصائغ عن أبي هريرة عن النبي r قال: (كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد، فلما احتضر قال لأهله: انظروا إذا أنا مت أن يحرقوه حتى يدعوه حمما، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم راح، فلما مات فعلوا ذلك به، فإذا هو في قبضة الله، فقال الله عزوجل: يا بن آدم، ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي رب من مخافتك، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيرا قط إلا التوحيد).
وإسناده صحيح، وقد ذكر: مرسلا، مقرونا من طريق الحسن، وابن سيرين.
والحديث صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج7 ص106).
* وتابعه على الموصول: يحيى بن إسـحـاق حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني به، عند أحمد في «المسند» (ج1 ص398).
وإسناده صحيح.
قلت: وهذه الأحاديث يفسر بعضها بعضا، في رفع الإشكال، في نفي إيمان الرجل، فافطن لهذا.
قال الإمام ابن عبدالبر / في «التمهيد» (ج18 ص40): (روي من حديث أبي رافع عن أبي هريرة، في هذا الحديث؛ أنه قال: (قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد)، وهذه اللفظة إن صحت([844])، رفعت الاشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل، فهي صحيحة، من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها، لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون، وهم: كفار، لأن الله عز وجل قد أخبر أنه: «لا يغفر أن يشرك به»، لمن مات كافرا، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة، وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث: (لم يعمل حسنة قط)، أو (لم يعمل خيرا قط)، لم يعذبه – إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير، وهذا سائغ في لسان العرب، جائز في لغتها أن يؤتى بلفظ الكل، والمراد البعض، والدليل على أن الرجل كان مؤمنا، قوله حين قيل له: (لم فعلت هذا؟ فقال: من خشيتك يا رب)، والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم؛ كما: قال الله عز وجل: ﴿$yJ¯RÎ) Óy´øs ©!$# ô`ÏB ÍnÏ$t6Ïã (#às¯»yJn=ãèø9$# 3 ﴾[فاطر:28]، قالوا: كل من خاف الله آمن به وعرفه، ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به، وهذا واضح لمن فهم، وألهم رشده).اهـ
قلت: وهذا الكلام اسـتحسنه؛ فضيلة الشيخ ناصر الدين الألباني / بقوله في «الصحيحة» (ج7 ص111): (هذا كله كلام الحافظ ابن عبد البر، وهو كلام قوي متين يدل على أنه كان إماما في العلم، والمعرفة؛ بأصول الشريعة وفروعها، جزاه الله عن الإسلام، والمسلمين خيرا). اهـ
وقال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص491) بعد أن ساق الحديث؛ برواية: «الصحيح»، وذكر أنه حديث متواتر: (وهنا أصلان عظيمان:
أحدهما: متعلق بالله تعالى، وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير.
والثاني: متعلق باليوم الآخر، وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله، ومع هذا فلما كان مؤمنا بالله في الجملة، ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب، ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملا صالحا([845])وهو خوفه من الله، أن يعاقبه على ذنوبه غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح). اهـ
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني / في «الصحيحة» (ج7 ص112): (وخلاصته: أن الرجل النباش كان مؤمنا موحدا، وأن أمره أولاده بحرقه... إنما كان، إما لجهله بقدرة الله تعالى على إعادته – وهذا ما أسـتـبـعـده أنا– أو لفرط خوفه من عذاب ربه، فغطى الخوف على فهمه، كما قال ابن الملقن؛ فيما ذكره الحافظ (11/314)، وهو الذي يترجح عندي من مجموع روايات قصته.
* وسـواء كـان هذا، أو ذاك فمن المقطوع به أن الرجل لم يصدر منه ما ينافي توحيده، ويخرج به من الإيمان إلى الكفر؛ لأنه لو كان شيء من ذلك لما غفر الله له، كما تقدم تحقيقه من ابن عبدالبر). اهـ
قلت: بل هذا الرجل من أهل التوحيد – كما سبق -، وقد ترك بعض العمل الزائد على الأصول – كـ«التوحيد والصلاة» وغير ذلك – من النوافل: «فلم يعملها قط»، وهذه لا تضر العبد ما دام أنه مؤمن بالله تعالى، وموحد لله تعالى، وإليك الدليل.
1) عن أبي هريرة t عن النبي r قال: (كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد، فلما احتضر قال لأهله: انظروا إذا أنا مت أن يحرقوه حتى يدعوه حمما، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم راح([846])، فلما مات فعلوا ذلك به، فإذا هو في قبضة الله، فقال الله عزوجل: يا بن آدم، ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي رب من مخافتك، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيرا قط إلا التوحيد).
حديث صحيح
أخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص304) من طريق أبي كامل مظفر الخـراسـاني ثنا حماد بن سـلـمـة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي r. وغير واحد عن الحسن، وابن سيرين عن النبي r.
قلت: وللحديث إسنادان:
أولهما: عن حـمـاد بـن سـلـمـة عـن ثـابت البناني عن أبي رافع الصائغ عن أبي هريرة t.
قلت: وهذا إسناد متصل صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج7 ص106).
ثانيهما:عن حماد بن سلمة عن غير واحد عن الحسن وابن سيرين مرسلا.
قلت: وهذا ضعيف، لإرساله، ولجهالة الذين روى عنهم حماد بن سلمة.
* وتابعه على الإسـنـاد المتصل يحيى بن إسـحـاق حدثنا حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة t به.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص398).
وإسناده صحيح.
والصواب: هو المتصل.
قلت: فقوله r (لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد)، يدل على أن هذا العبد من الموحدين المؤمنين فغفر له، ودخل الجنة بناء على وجود العمل الصالح عنده([847])، فتنبه.
2) وعن عبدالله بن مسعود t قال: (أن رجلا لم يعمل من الخير شيئا قط إلا التوحيد فلما حضرته الوفاة قال لأهله إذا أنا مت فخذوني واحرقوني حتى تدعوني حممة، ثم اطحنوني، ثم اذروني في البحر في يوم راح، قال: ففعلوا به ذلك، قال: فإذا هو في قبضة الله، قال: فقال الله عزوجل له ما حملك على ما صنعت قال: مخافتك، قال: فغفر الله له).
حديث صحيح
أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص398) من طريق يحيى بن إسحاق أخبرنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبدالله بن مسعود t به.
قلت: وهـذا سـنـده حسن، وهو في حكم المرفوع، وإن كان موقوفا، كما هو معروف؛ عند أهل العلم.
قال الشيخ ناصر الدين الألباني / في «الصحيحة» (ج7 ص106): (وهو في حكم المرفوع، كما لا يخفى).
وأخرجه أبو يعلى في «المسند» (ج2 ص285) و(ج8 ص470) من طريق أبي كريب عن معاوية بن هشام عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله بن مسعود t موقوفا به، وزاد فيه: (وكان الرجل نباشا، فغفر له لخوفه).
وإسناده صحيح، وسفيان الثوري: قديم السماع من أبي إسحاق.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص194)، ثم قال: رواه أبو يعلى بسندين، ورجالهما رجال الصحيح.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (10467) من طريق يحيى بن إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة بن معن حدثني أبي عن أبيه عن جده عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبدالله بن مسعود t به، ثم قال في آخره: قال رسـول الله r: (فوقع في يد الله، فقال: ما حملك على الذي صنعت؟ قال: مخافتك. قال: قد غفرت لك). وإسناده منكر.
وأخرجه أبو يعلى في «المسند» (ج9 ص422) من طريق محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا أبو الجواب حدثنا سليمان بن قرم عن الأعمش عن شقيق عن عبدالله بن مسعود t، موقوفا به.
وإسـنـاده ضعيف فيه سـلـيـمان بن قرم البصري، وهـو سـيء الحفظ، كما في «التقريب» لابن حجر (ص411).
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص194): وإسناد ابن مسعود حسن، وقال أيضا: رواه أبو يعلى بسندين، ورجالهما رجال الصحيح، ورواه الطبراني بنحوه... وإسناده منقطع، وروى بعضه مرفوعا، أيضا بإسناد متصل، ورجاله رجال الصحيح، غير أبي الزعراء، وهو: «ثقة».
قلت: إذا فهذا الرجل كان يعمل الأعمال الصالحة، لكن لإسرافه في المعاصي كان يسيء الظن بعمله، فيظن أنه لم يعمل خيرا قط، وذلك بقوله (رب ما كنت أعمل خيرا)، كما في رواية: أحمد في «المسند» (ج38 ص449).
وإليك الدليل أيضا:
1) عن حذيفة t عن رسول الله r قال: (كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله فلما حضرته الوفاة قال لأهله إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني، ثم اذروني في البحر فإن الله يقدر علي لم يغفر لي قال فأمر الله الملائكة فتلقت روحه فقال له ما حملك على ما فعلت، قال: يا رب ما فعلت إلا من مخافتك فغفر الله له).
حديث صحيح
أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص667)، وفي «السنن الصغرى» (ج4 ص113) من طريق إسـحـاق بن إبراهيم قال أنبا جرير عن منصور عن ربعي بن حراش عن حذيفة t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقد صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن النسائي» (ج2 ص447).
2) وعن أبي مسعود t قال: قال رسول الله r: (حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخـيـر شـيء، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال: قال الله عزوجل: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه).([848])
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1196)، والبخاري في «الأدب المفرد» (293)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص201)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج7 ص11)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص120)، وهناد في «الزهد» (1076)، والترمذي في «سنـنـه» (ج3 ص599)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص252)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص356)، وفي «شعب الإيمان» (ج7 ص533)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص29) من طريق الأعمش عن شقيق عن أبي مسعود t به.
قلت: إذا فأطلقا على أنفسهما أنهما: «لم يعملا خيرا قط»، مع أن الأول كان يسامح الناس في البيع والشراء، وهذا لا يكون إلا من كان في قلبه شيء من الإيمان، والإيمان جاءه عن طريق العمل، وإن كان يسيرا.
والثاني: كان يخاف([849]) الله تعالى، ويسئ الظن بعمله([850]) لإسـرافه في المعاصي، وقد تاب عن ذلك أيضا، وهذا هو طريق الإيمان، لأن لا يخاف العبد من الله، إلا إذا كان في قلبه الإيمان، وهذا الإيمان أتى بسبب العمل، وإن كان يسيرا، وهذا طريق لغة العرب، كما سبق.
قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص116): (وهو سبـحـانه كما جعل الرجاء؛ لأهل الأعمال الصالحة، فكذلك جعل الخوف، لأهل الأعمال الصالحة، فعلم أن الرجاء، والخوف النافع، هو ما اقترن به العمل). اهـ
وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص521): (هذه اللفظة «لم يعملوا خيرا قط»، من الجنس الذي تقول العرب: ينفي الاسـم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل: «لم يعملوا خيرا قط»([851]) على الكمال والتمام، لا على ما أوجب عليه، وأمر به). اهـ
وقال الإمام أبو عوانة / في «المستخرج» (ج1 ص181): (بيان الدليل: على أن الشفاعة لمن قال «لا إله إلا الله» وكان في قلبه شيء من الخير، وأنه لا تحرق النار صورهم، وأن الشفاعة لا تنفع من قال «لا إله إلا الله»، ولم يكن في قلبه من الخير شيء). اهـ
قلت: فهذا محمول على إخراج من بقي من أهل التوحيد من النار، وخلود الكفار، والمنافقين فيها.([852])
قلت: وأيضا هذا الرجل، كما دل قوله بأنه تائب إلى ربه سبـحـانه وتعالى، بدليل أن الإمام مسلما / ذكر هذا الحديث في «كتاب التوبة» (ج4 ص2110)، وكذلك هذا: صنيع الحافظ البيهقي /، فإنه ذكره في «شعب الإيمان» (ج5 ص430)؛ باب: في معالجة كل ذنب بالتوبة، ومن مات بتوبة غفر له ذنبه، ودخل الجنة، حتى لو أسرف في المعاصي.
وإليك الدليل:
عن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r قال: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله تعالى.
وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم أي حكما فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له؟ فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة).([853])
قلت: والشفاعة مخصوصة للنبي r في المذنبين من أمته، الذين ماتوا بلا توبة، فشفاعته r للمذنبين بالتجاوز عن ذنوبهم.([854])
* إذا المجمل لا يكفي وحده في العمل، حتى يتبين المراد منه، ولا يجوز العمل به إلا بدليل خارجي صحيح، فهو محتاج إلى البيان.([855])
قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص418): (إذا جمعت الأخبار كلها علم حينئذ جميع المتن، واستدل ببعض المتن على بعض). اهـ
وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص505): (ليس خبر قتادة عن أنس t «أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه من الخير ما يزن برة»، خلاف هذه الأخبار التي فيها: «في قلبه من الإيمان ما يزن كذا»، إذ العلم محيط أن الإيمان من الخير لا من الشر، ومن زعم من: «الغالية المرجئة» أن ذكر الخير في هذا الخبر ليس بإيمان كان مكذبا لهذه الأخبار التي فيها «أخرجوا من النار من كان في قلبه من الإيمان كذا»، فيلزمهم: أن يقولوا: هذه الأخبار كلها غير ثابتة، أو يقولوا: إن الإيمان ليس بإيمان، أو يقولوا: إن الإيمان ليس بخير، وما ليس بخير فهو شر، ولا يقول مسلم: إن الإيمان ليس بخير، فافهمه لا تغالط). اهـ
قلت: وأكثر أهل زماننا لا يفهمون هذه الصناعة، ولا يميزون بين الخبر المجمل، وبين الخبر المفسر، وبين الخبر المختصر، وبين الخبر المتقصى، وغير ذلك... فيحتجون بالخبر المجمل، ويدعون الخبر المفسر، أو يحتجون بالخبر المختصر، ويدعون الخبر المتقصى... وهكذا، وهذا ليس طريق العلم.([856])
وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص500): (أن الأخبار رويت على ما كان يحفظها رواتها، منهم من كان يحفظ بعض الخبر، ومنهم من كان يحفظ الكل، فبعض الأخبار رويت مختصرة، وبعضها متقصاة، فإذا جمع بين المتقصى من الأخبار، وبين المختصر منها، بان حينئذ العلم والحكم). اهـ
وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص581): (ولا يزال يسمع أهل الجهل، والعناد: يحتجون بأخبار مختصرة غير متقصاة، وبأخبار مجملة غير مفسرة، ولا يفهمون أصول العلم، يستدلون بالمتقصى من الأخبار على مختصرها، وبالمفسر منها على مجملها، قد ثبتت الأخبار عن النبي r بلفظة لو حملت على ظاهرها، كما حملت المرجئة الأخبار التي ذكرناها في شهادة: «أن لا إله إلا الله»، على ظاهرها لكان العالم بقلبه أن لا إله إلا الله مستحقا للجنة، وإن لم يقر بذلك لسانه، ولا أقر بشيء مما أمر الله تعالى بالإقرار به، ولا آمن بقلبه بشيء أمر الله بالإيمان به، ولا عمل بجوارحه شيئا أمر الله به، ولا انزجر عن شيء حرمه الله). اهـ
قلت: إذا فلا يجوز ترك الاستدلال بالأخبار المبينة، المفسرة، المتقصاة.([857])
قلت: والبيان والتفسير يحصل من قول الله تعالى، أو من رسوله r، أو من قول أهل لغة العرب.
* ثم إن حديث أبي هريرة t يبين بأن آخر أهل النار خروجا من النار، هو الرجل الذي يبقى مقبل بوجهه على النار، وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة، ولم يكن من القبضة الذين: (لم يعملوا خيرا قط)، لأن هؤلاء آخر العباد خروجا من النار؛ كما جاء في الحديث، وهذا مخالف لحديث أبي هريرة t الذي فيه آخر أهل النار خروجا، هو الرجل المقبل بوجهه على النار، مما تبين شذوذ هذه الزيادة، وإليك الدليل:
عن أبي هريرة t - في حديث الشفاعة – وفيه: (ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، هو آخر أهل النار دخولا الجنة، فيقول: أي رب اصرف وجهي عن النار، فإنه قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فيدعو الله بما شاء أن يدعوه، ثم يقول الله: هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسالك غيره، ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب قدمني إلى باب الجنة، فيقول الله له: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير الذي أعطيت أبدا، ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، فيقول: أي رب، ويدعو الله حتى يقول: هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، ويعطـي ما شـاء من عهود ومواثيق ، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا قام إلى باب الجنة انفهقت له الجنة، فرأى ما فيها من الحبرة والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب أدخلني الجنة، فيقول الله: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت، فيقول: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، فيقول: أي رب لا أكونن أشـقـى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك منه قال له: ادخل الجنة، فإذا دخلها قال الله له: تمنه، فسأل ربه وتمنى، حتى إن الله ليذكره، يقول: كذا وكذا، حتى انقطعت به الأماني، قال الله: ذلك لك ومثله معه).
* قال عطاء بن يزيد: وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة، لا يرد عليه من حديـثـه شيئا، حتى إذا حدث أبو هريرة: أن الله تبارك وتعالى قال: (ذلك لك ومثله معه). قال أبو سعيد الخدري: (وعشرة أمثاله معه). يا أبا هريرة. قال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: (ذلك لك ومثله معه). قال أبو سعيد الخدري: أشـهـد أني حفظت من رسول الله r قوله: (ذلك لك وعشرة أمثاله).
قال أبو هريرة: فذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة).([858])
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص419) من طريق إبراهيم بن سـعـد عن ابن شهاب عن عطاء الليثي عن أبي هريرة t به.
قلت: ودل الحديث على، أن أبا سعيد الخدري t، قد أقر أبا هريرة t، على روايته هذه، وأن هذا اللفظ المذكور في حديث أبي هريرة: مفسر لما أجمل، من قوله: (لم يعملوا خيرا قط)([859])؛ في حديث: أبي سعيد الخدري t، وأن المراد بذلك ليس نفي مطلق العمل، وأنه يدخل في عمومه الصلاة، بدلالة آثار السجود، التي حرمت على النار.([860])
قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص393): (فهذه المقالة تثبت أن أبا سعيد t، قد حفظ هذا الخبر عن النبي r، على ما رواه([861]) أبو هريرة...). اهـ
وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص544): (باب ذكر البيان: أن الرجل الذي ذكرنا صفته وخبرنا أنه آخر أهل النار خروجا من النار، ممن يخرج من النار زحفا، لا ممن يخرج بالشفاعة: وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وأن من يخرج بالشفاعة يدخلون الجنة قبله، وأن هذا الواحد يبقى بعدهم بين الجنة والنار، ثم يدخله الله بعد ذلك الجنة بفضله، ورحمته، لا بشفاعة أحد). اهـ
* وقد ثبت عن النبي r أن الذين يدخلون النار من الموحدين المصلين، ويعيرهم المشركون بذلك، ثم يخرجهم الله تعالى عند ذلك لما معهم من الأعمال الصالحة، ومنها الصلاة بدليل ما جاء في الأحاديث؛ بأنهم يعبدون الله تعالى.
وإليك الدليل:
1) عن أنس بن مالك t وفيه: (ما أغنى عنكم إنكم كنتم تعبدون الله، لا تشركون به شيئا).
حديث صحيح
أخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص144)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص502)، وضياء الدين في «الأحاديث المختارة» (ج6 ص323)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص846)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج5 ص479)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص27)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص330)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص276) من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الحافظ ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص847): هذا حديث صحيح مشهور عن ابن الهاد.
* وقد فسر هذا القول: بحديث أبي هريرة t.
2) وعن أبي هريرة t مرفوعا، وفيه: (حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود).
* وفي رواية (حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيـئا، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يشهد أن لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (86)، ومسلم في «صحيحه» (182)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص504)، وفي «السنن الصغرى» (1140)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص407) )، والطيالسي في «المسند» (2383)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (238)، و(239)، و(240)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص162)، وابن المبارك في «الزهد» (284)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص173)، والدارقطني في «الرؤية» (32 و33)، والطبري في «تفسيره» (ج13 ص155)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص292)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص787)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص256)، وفي «الأسـمـاء والصفات» (ج2 ص66)، وفي «البعث» (ص176)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص480)، وعثمان الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص91)، وابن عبدالهادي في «مسألة في التوحيد وفضل لا إله إلا الله» (ص56)، والآجري في «التصديق» (ص65)، وفي «الشريعة» (259)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص247)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1177) من طرق عن أبي هريرة t به.
قلت: فبين هذا الحديث أنه لا يلزم من إخراج من كان يشهد: «أن لا إله إلا الله»، أنه لا يصلي، أو أنه يتلفظ بهذه الكلمة دون شيء من عمل الجوارح، وأهم ذلك عندنا جميعا بالنسبة للعمل الصلاة.
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص795): (فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل، وأن من صدق بالقول، وترك العمل كان مكذبا وخارجا من الإيمان، وأن الله لا يقبل قولا إلا بعمل، ولا عملا إلا بقول). اهـ
وأما قول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة (بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه).
* فزيادة: «بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه»، زيادة شاذة كذلك، كما سبق.
أخرجها البخاري في «صحيحه» (ج13 ص421)، وغيره: من رواية سعيد بن أبي هلال المصري، وهو مختلط قال عنه أحمد: ما أدري أي شيء يخلط في الأحاديث، وقد سبقت هذه الرواية.
انظر: «التهذيب» لابن حجر (ج4 ص94).
ثم على فرض صحتها لا تدل على «عدم العمل» لأمور:
أولا: هذه اللفظة لا تدل بحال على امتناع وقوع العمل منهم مطلقا، بل قد تطلق مع وقوع يسير الأعمال، وإنما يراد بها نفي الكمال، وهذا مفهوم في لغة العرب، كما سبق.
ثانيا: لا يتصور من العبد المسلم انتفاء العمل مطلقا، مع وجود الإيمان في قلبه، حتى لو كان يسيرا، ولذلك ما دخل الجنة بعد تعذيبه، إلا لوجود الإيمان في قلبه، وهذا طريق الموحدين المقصرين في الآخرة.
ثالثا: فلم يرد ما يدل على ترك العمل مطلقا، إلا من قول أهل الجنة، وهم إنما قالوا ذلك على حسب ظاهر ما يعلمون من حالهم، وهذا شأن العباد في الدنيا والآخرة لا يعلمون من الأمور إلا ما علمهم الله تعالى، وقد يخفى عليهم بعض الأمور، حتى لو كانوا من أهل الجنة لأن الله تعالى كتب على بني آدم ذلك حتى في الآخرة.([862])
* ولذلك أخرجوا من عرفوه، وبقي أناس من أهل التوحيد، لم يعرفهم أهل الجنة، والله يعلم بهم، فأخرجهم لما في قلوبهم من الإيمان.([863])
وإليك الدليل:
عن أبي سعيد الخدري t وفيه (فوالذي نفسي بيده! ما منكم من أحد بأشـد مـنـاشدة لله، في استقصاء الحق لله، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار. قالوا: كانوا يصومون معنا، ويحجون، ويصلون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم صورهم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: يا ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به، ثم يقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه([864]) مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا([865])).
وفي رواية (ربنا لم نذر فيها أحدا).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص802) من طرق عن سـويـد بن سـعـيد ثنا حفص بن ميسرة الصنعاني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به.
* وسويد بن سعيد الحدثاني توبع، تابعه: مخلد بن يزيد، وعبدالرزاق.
فأخرجه أبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص169) من طريقين عن مخلد بن يزيد ثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t، فذكر الحديث.
وإسناده صحيح.
ويؤيده: ما أخرجه ابن ماجه في «سننه»، مطولا (ج1 ص23) من طريق محمد بن يحيى ثنا عبدالرزاق أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t وفيه: (فيقول اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم... الحديث).
وإسناده صحيح.
* ومعمر، تابع: ميسرة في روايته.
والحديث صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (ج1 ص16).
* وللحديث شواهد بهذه الألفاظ، سبق الكلام عليها.
قلت: فهذه اللفظة ليس فيها دليل على أن هؤلاء: «لم يعملوا عملا قط وخيرا قط»، إلا من قول أهل الجنة على حسب ما علمهم الله تعالى في أناس دون أناس، كما هو ظاهر النصوص.
قلت: فقول أهل الجنة: «هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه»([866])، هذا على حسب علمهم ومعرفتهم، وذلك لنقص علم الخلق حتى في الآخرة، بدليل قوله: «فيخرجون من عرفوا»، وقوله «فأخرجوا من عرفتم»، وقولهم: «ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به».([867])
* وقد صرح الإمام ابن خزيمة /، بأن شـفـاعة النبي r فيمن كان في قلبه مثقال كذا وكذا من إيمان، أن المراد بذلك البعض، لا الكل.
فقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ج2 ص727): (باب ذكر الدليل: أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها، إلى هذا الموضع، في شفاعة النبي([868]) r، في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة، مرادها خاص، قوله: «أخرجوا من النار من كان في قلبه وزن كذا من الإيمان»، أن معناه بعض من كان في قلبه قدر ذلك الوزن من الإيمان، لأن النبي r قد أعلم أنه يشفع ذلك اليوم أيضا غيره، فيشفعون، فيأمر الله أن يخرج من النار بشفاعة غير نبينا محمد r، من كان في قلوبهم من الإيمان قدر ما أعلم أنه يخرج بشفاعة نبينا محمد r، – إلى أن قال -: ومعروف أيضا في لغة العرب الذين بلغتهم خوطبنا أن يقال: أخرج الناس من موضع كذا وكذا، أو القوم أو من كان معه كذا أو عنده كذا، وإنما يراد بعضهم، لا جميعهم لا ينكر من يعرف لغة العرب أنها بلفظ العام يريد الخاص، وقد بينا من هذا النحو من كتاب ربنا، وسنة نبينا المصطفى r في كتاب معاني القرآن، وفي كتبنا المصنفة من المسند في الفقة ما في بعضه الغنية، والكفاية لمن وفق لفهمه، كان معنى الأخبار التي قدمت ذكرها في شفاعة النبي r عندي خاصة، معناها: أخرجوا من النار، من كان في قلبه من الإيمان كذا، أي غير من قضيت إخراجه من النار، بشفاعة غير النبي r من الملائكة، والصديقين والشفعاء غيره، فمن كان له أخوة في الدنيا، يصلون، ويصومون معهم، ويحجون معهم، ويغزون معهم، قد قضيت أني أشفعهم فيهم، فأخرجوهم من النار بشفاعتهم).اهـ
قلت: وما قاله في حق النبي r، هو كذلك في حق شفاعة المؤمنين في إخوانهم، فإنهم أمروا بإخراج من كان في قلبه وزن كذا، أو مثقال كذا من الإيمان، ثم أمر الأنبياء عليهم السلام بإخراج من كان عنده نفس القدر من الإيمان.
* مما يدل على أن المؤمنين لم يخرجوا الكل، والقرينة لهذا أيضا فوق ما سبق من برهان أنهم أمروا بأن يخرجوا من عرفوا من إخوانهم، فالذين لم يعرفوهم لم يدخلوا في ذلك الأمر أصلا.([869])
قلت: إذا فالروايات التي فيها: «لم يعملوا خيرا قط»، محمولة على أنهم كانوا يقولون: «لا إله إلا الله» ولا بد، كما في الروايات السابقة، والروايات التي جاءت بأنهم كانوا يقولون: «لا إله إلا الله»، محمولة أيضا على أنهم لم يأتوا بما يناقضها، ولا بد، كما أوضحت الروايات الأخرى.
* لأن من خرجوا هم من المسلمين، كما هو صريح، رواية: أبي هريرة وغيره، ولو كانوا من غير المسلمين لخلدوا في النار، ولم يخرجوا منها.([870])
قلت: وهذا مستفاد من مجموع الروايات التي سبقت، ومن ضيعه ولم يصبه – لا سيما في هذه المسألة – فاته علم كثير، وأخطأ في هذه المسألة.([871])
* لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، وهذه قاعدة ضرورية في تشريع الأحكام عند وجود الأدلة المجملة والمفسرة.([872])
قال الحافظ السبكي / في «شرح الإبهاج» (ج3 ص210): (وإذا تعارض فإنما يرجح أحدهما على الآخر إذا لم يمكن العمل بكل منهما، فإن أمكن – ولو من وجهه – فلا يصار إلى الترجيح لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما بالكلية، لأن الأصل في الدليل الإعمال لا الإهمال). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج1 ص149): (ثم المختلف قسمان: أحدهما: يمكن الجمع بينهما، فيتعين ويجب العمل بالحديثين جميعا، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه، يكون أعم للفائدة تعين المصير إليه). اهـ
وقال الفقيه القرافي / في «تنقيح الفصول» (ص421): (إذا تعارض دليلان فالعمل بكل واحد منهما من وجه، أولى من العمل بأحدهما). اهـ
وقال أبو زهرة / في «أصول الفقه» (ص184): (ومن التوفيق أن يؤول أحد النصين بحيث يتلاقى مع النص الآخر). اهـ
قلت: فهذه القاعدة تعطي حكما مفيدا حسب مقتضى الأدلة، وبإهمالها هو إهمال للحكم الشرعي، وما يترتب عليه من ثمرة علمية مفيدة.([873])
* فالعالم عليه أن يصان هذه القاعدة، وإلا ألغى بعض الأحكام، وهو لا يشعر.
إذا فلو تركنا الروايات الأخرى، كحديث أبي هريرة وغيره، للزم من ذلك إهدار الأدلة السابقة التي تفسر المقصود.
* ثم إن المخالف ليس معه إلا ظاهر جملة مجملة وهي: (لم يعملوا خيرا قط)، و(أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه)، في رواية أبي سعيد الخدري، وقد فصلت هذه الجملة في مواضع أخرى من حديث أبي سـعـيـد الخدري، وأبي هريرة، وغيرهما.
* فكيف يؤول كل هذه الروايات، ويهدر تلك الأدلة لجملة مجملة مشتركة قد فصلت في مواضع أخرى، كما سبق.
قلت: فالواجب حملها على المعنى المفيد للحكم، لأن خلافه إهمال وإلغاء للحكم المفسر الصحيح المترجح.
قلت: ومنهج التوفيق والترجيح من الأمور الأسـاسـيـة، لفهم معاني الأحاديث النبوية، فهما، سـلـيـما، وهو من أهم الأدوات لاستنباط الأحكام الشرعية من السنة النبوية، اسـتـنـبـاطا، صحيحا، وجهله يؤدي بالناظر في مختلف الحديث إلى التخبط، وعدم الوصول إلى الحكم الصحيح، فهو من أهم العلوم التي يحتاج إلى معرفتها: العلماء، وطلبة العلم.
قال الحافظ النووي / في «التقريب» (ج2 ص197): (هذا فن من أهم الأنواع، ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف). اهـ
قلت: وأيضا فإن التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث، لا يؤهل له إلا المجتهدون من أهل العلم، المتعمقون في علوم الحديث والفقه، ويقصر عنه المقلدون المتعالمون([874]) المقلون في علوم الحديث والفقه.
قال الحافظ ابن الصلاح / في «المقدمة» (ص285): (وإنما يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه، الغواصون على المعاني الدقيقة).([875])اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج1 ص149): (وإنما يقوم بذلك غالبا الأئمة الجامعون بين الحديث، والفقه، والأصوليون المتمكنون، في ذلك الغائصون في المعاني الدقيقة، الرائضون أنفسهم في ذلك، فمن كان بهذه الصفة لم يشكل عليه شيء من ذلك إلا النادر في بعض الأحيان). اهـ
قلت: ومن المعلوم أن الأحاديث النبوية، إنما جاءت للعمل بها، وفي حالة التعارض الظاهري بينها يكون الجمع بين الأحاديث هو السبيل إلى تحقيق الغاية التي جاءت من أجلها حيث إن الجمع بين الأحاديث يؤدي إلى إعمالها جميعا، أما دفع التعارض بالترجيح الصوري، بلا دليل كـ:«ترجيح المجمل على المفسر»، فإنه لا يحقق الإعمال لجميع الأدلة، بل يعمل ببعضها، ويترك البعض الآخر، فيجب إذا الالتزام بالأصل في أن إعمال الأدلة أولى من إهمالها.([876])
قال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص222): (وكلما احتمل حديثان، أن يستعملا معا استعملا معا، ولم يعطل واحد منهما الآخر).اهـ
وقال اللكنوي / في «الأجوبة الفاضلة» (ص196): (والذي يظهر اعتباره هو تقديم الجمع على الترجيح، لأن في تقديم الترجيح يلزم ترك العمل بأحد الدليلين من غير ضرورة داعية إليه، وفي تقديم الجمع يمكن العمل بكل منهما على ما هو عليه). اهـ
قلت: فإن أمكن الجمع والترجيح على ما هو عليه للأحاديث المفسرة، فهذا هو العلم فافطن لهذا ترشد.
وقال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج1 ص3): (إني نظرت في الآثار المروية عنه r، بالأسـانـيد المقبولة التي نقلها ذووا التثبت فيها، والأمانة عليها وحسن الأداء لها، فوجدت فيها أشياء مما سقطت معرفته، والعلم بما فيها عن أكثر الناس، فمال قلبي إلى تأملها، وتبيان ما قدرت عليه من مشكلها، ومن استـخـراج الأحكام التي فيها، ومن نفي الإحالات عنها، وأن أجعل ذلك أبوابا أذكر في كل باب منها ما يهب الله عز وجل لي من ذلك فيها، حتى أبين ما قدرت عليه منها).([877]) اهـ
وقال الإمام ابن خزيمة /: (ليس ثم حديثان متعارضان من كل وجه، ومن وجد شيئا من ذلك فليأتني لأؤلف له بينهما).([878]) اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص213): (ورسـول الله r عربي اللسان والدار، فقد يقول: القول عاما يريد به العام، وعاما يريد به الخاص).اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص341): (كل كلام كان عاما ظاهرا في سـنـة رسـول الله r، فهو على ظهوره وعمومه، حتى يعلم حديث ثابت عن رسول الله r يدل على أنه إنما يريد بالجملة العامة في الظاهر بعض الجملة دون بعض). اهـ
قلت: والمطلق على اطلاقه هو الظاهر، ولا يعدل هذا الظاهر الشائع إلى التقييد إلا بدليل يدل على إرادة هذا القيد، وظاهر الأمر الوجوب فيجب العمل بالظاهر، ولا يحمل الأمر على الندب، أو الإرشاد إلا بدليل، وكذلك النهي ظاهر التحريم، فلا يتحقق مدلوله إلا بالكف، ولا يحمل النهي على الكراهة إلا بدليل.([879])
* وكذلك يرجح الحديث بأمر خارجي، أي: في ترجيح الحديث الذي وافقه دليل آخر في الحكم، وهذا قول جمهور العلماء.([880])
* لأن المقصود من الترجيح المفسر بيان الحكم الصحيح في أحد الدليلين، وقد وضح أن الحكم الصحيح في الدليل الذي وافقه دليل آخر، فوجب ترجيحه.([881])
قلت: وأحاديث الباب عمل بها جميع الأمة في مسألة الشفاعة للمسلمين، فيجب العمل بها، لأن الترجيح بعمل جميع الأمة أولى، والله ولي التوفيق.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على أن: «المرجئة» تجعل الخلق يتفاضلون في الأعمال،
لتفر عن القول: أن الخلق أيضا؛ يتفاضلون في الإيمان، فلا تقول: «المرجئة»
أن الخلق يتفاضلون في الأعمال، كما: أنهم يتفاضلون أيضا في الإيمان،
وقد كشف السلف بدعتهم هذه أيضا، وحذروا منها، وهي قولهم: «أن الناس يتفاضلون في الأعمال» ويسكتون، ولا يقولون: «أن الناس أيضا يتفاضلون في الإيمان»، وهذه البدعة وقع فيها: «عبيد الجابري» ([882]) وهو لا يشعر، حيث جعل الخلق إنما يتفاضلون في الأعمال، ويسكت، والأعمال قد أخرجها من الإيمان، ولم يقل، وهم أيضا يتفاضلون في الإيمان، مع عبارته التي ذكرها في أثناء شرحه لمسائل الإيمان، ثم لا يعلم مدى خطورة هذه المقولة في الدين
* اعلم رحمك الله أن: «المرجئة»، تجعل تفاضل الخلق في الأعمال، إذ الإيمان عندهم لا تفاضل فيه بين الخلق([883])، وهذا الذي وقع فيه: «عبيد الجابري» أيضا، حيث ذكر التفاضل في الأعمال، ولم يذكر التفاضل في الإيمان.
حيث قال الجابري في «التقرير الأحمد» (ص106): (واستدل بهذا الحديث: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا»([884])؛ هذا الحديث دليل على أن المؤمنين، متفاضلون في أعمالهم، وأن منهم الأكمل، ومنهم الأنقص). اهـ
* فقوله: (أن المؤمنين متفاضلون في أعمالهم)؛ فهذا دليل على أن: «الجابري» يقول بقول: «المرجئة»، إذ الإيمان عندهم لا تفاضل فيه بين الناس، وإنما يتفاضلون في الأعمال في مذهبهم الباطل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص271)؛ وهو يتكلم عن المرجئة: (قالوا: وإيمان الخلق، متماثل، لا متفاضل، وإنما التفاضل في غير الإيمان، من الأعمال، وقالوا: الأعمال ليست من الإيمان). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص556): (والسلف: اشتد نكيرهم على: «المرجئة»، لما أخرجوا العمل من الإيمان، وقالوا: إن الإيمان يتماثل الناس فيه، ولا ريب أن قولهم بتساوي إيمان الناس من أفحش الخطأ، بل لا يتساوى الناس في التصديق، ولا في الحب، ولا في الخشية، ولا في العلم، بل يتفاضلون من وجوه كثيرة).([885] ) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص510): (وقالت: «المرجئة»، و«الجهمية»: ليس الإيمان، إلا شيئا واحدا، لا يتبعض). اهـ
قلت: وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية / أن مذهب: «المرجئة» هو القول بتفاضل الناس في الأعمال، دون التفاضل في الإيمان.
وقول الجابري هذا: (أن المؤمنين متفاضلون في أعمالهم).
* فإنه يلزم منه لوازم خطيرة، وهو لا يشعر بها بسبب جهله باعتقاد السلف في مسائل الإيمان، وبجهله بمقاصد، ونيات: «المرجئة» المبتدعة بإزاء الإسلام.
* وأن مقصد: «المرجئة القديمة»؛ ومرادهم، بقولهم: أن الناس يتفاضلون في الأعمال بالدرجة الأولى([886])، التنقص بالإسلام، وجعل عمل آحاد الأمة من بعد رسول الله r، وصحابته الكرام، أفضل من عمل الرسول r، وأفضل من عمل الصحابة y، كما بين السلف، منهم: الإمام الأوزاعي، والإمام محمد بن أسلم الطوسي، وغيرهما.
قلت: وقد كشف السلف عن هذه البدعة الخبيثة، وحذروا منها، لخطورتها في الدين، وأن مراد: «المرجئة» التنقص بالرسول r، وبالصحابة y، وأن أعمال آحاد الأمة، أفضل من أعمالهم، والله المستعان.
وإليك الدليل:
(1) قال الإمام محمد بن أسلم الطوسي / في «الإيمان» (ص427): (وقال المرجئ: ويتفاضل الناس في الأعمال([887]): خطأ؛ لأنه زعم أن من كان أكثر عملا، فهو أفضل من الذي كان أقل عملا!.
* فعلى زعمه أن من كان بعد رسول الله r، كان أفضل من رسول الله r([888])؛ لأنهم: عملوا بعده أعمالا كثيرة من: «الحج»، و«العمرة»، و«الغزو»، و«الصلاة»، و«الصيام»، و«الصدقة»، والأعمال الجسمية، ورسول الله r: أفضل منهم؛ بالاتفاق.
* ثم من كان بعد أبي بكر الصديق t، وعمر t، قد عملوا الأعمال الكثيرة، التي لم يعملها عمر t، ولم يبلغها، وعمر t، أفضل منهم.([889])
* ثم من كان بعد أصحاب رسول الله r، من التابعين، قد عملوا أعمالا كثيرة أكثر مما عملته الصحابة y، والصحابة y: أفضل منهم.
* فأي: خطأ أعظم من خطأ هذا: «المرجئ» الذي زعم أن الناس يتفاضلون بالأعمال.([890])
* وإنما الفضل بيد الله تعالى: يؤتيه من يشاء، ويفضل من يشاء من عباده على من يشاء عدلا منه، ورحمه.
* فكل من فضله الله تعالى، فهو أعظم إيمانا من الذي دونه؛ لأن الإيمان قسم من الله تعالى قسمه بين عباده، كيف شاء، كما قسم الأرزاق، فأعطى منها: كل عبد ما شاء). اهـ
(2) وقال عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص635)، وجدت في كتاب: أبي / قال: أخبرت: أن الفضيل بن عياض / قال: يقول أهل البدع: الإيمان الإقرار بلا عمل والإيمان واحد، وإنما يتفاضل الناس بالأعمال، ولا يتفاضلون بالإيمان، ومن قال ذلك فقد خالف الأثر ورد على رسول الله r... وتفسير من يقول: الإيمان لا يتفاضل، يقول: إن الفرائض ليست من الإيمان، فميز أهل البدع: العمل من الإيمان([891])، وقالوا: إن فرائض الله عز وجل ليس من الإيمان، ومن قال ذلك؛ فقد أعظم الفرية، أخاف أن يكون جاحدا للفرائض، رادا على الله عز وجل أمره).
قلت: فجعل الإمام فضيل بن عياض / أن ذلك من قول: أهل البدع، أي: كون الزيادة، والنقصان في الأعمال فقط([892])، دون الإيمان.
قال تعالى: ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون[ [الأنفال:2].
قلت: وهذه الآية دلت على أن الإيمان: يزيد، وينقص، والناس يتفاضلون في الإيمان، كما يتفاضلون في الأعمال، وقد دلت أدلة الكتاب، والسنة على التفاضل في الإيمان، وفي الأعمال.([893])
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج4 ص12): (وقد استدل البخاري، وغيره من الأئمة، بهذه الآية، وأشباهها، على زيادة الإيمان: وتفاضله في القلوب، كما هو مذهب جمهور الأمة.
* بل قد حكى الإجماع على ذلك: غير واحد من الأئمة، كالشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد). اهـ
(3) وعن الإمام عبدالله بن المبارك / قال: «الإيمان: قول وعمل، والإيمان يتفاضل»
أثر صحيح
أخرجه عبدالله بن أحمد في «السنة» (666)، وأبو داود في «المسائل» (1768)، والخلال في «السنة» (ج4 ص58)، والآجري في «الشريعة» (263)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1504) من طريق أحمد بن حنبل حدثنا إبراهيم بن شماس قال: سمعت ابن المبارك به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1505) من طريق أبي معاذ المروزي قال: سمعت إبراهيم بن الشماس به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(4) وعن الإمام النضر بن شميل / قال: «الإيمان قول وعمل والإيمان يتفاضل».
أثر صحيح
أخرجه عبدالله بن أحمد في «السنة» (667)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1504)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1109)، والخلال في «السنة» (ج4 ص58) من طريق أحمد بن حنبل حدثنا إبراهيم بن شماس قال: سمعت النضر بن شميل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(5) وعن المروذي قال: «أن أبا عبد الله، قيل له: كان ابن المبارك يقول: يزيد، ولا ينقص؟، فقال: كان يقول: الإيمان يتفاضل».
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (ج3 ص583) من طريق أبي بكر المروذي، أن أبا عبد الله، أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال ابن هانئ / في «المسائل» (1722)، سمعت: أبا عبد الله: سأل: ابن أبي رزمة، ما كان أبوك يقول، عن ابن المبارك في الإيمان؟، قال: كان يقول: الإيمان يتفاضل، قال أبو عبد الله: يا عجباه!، إن قال لكم: يزيد وينقص: رجمتموه، وإن قال: يتفاضل: تركتموه، وهل شيء يتفاضل، إلا وفيه: الزيادة، والنقصان).
وقال الحافظ النسائي في «الإيمان» (ج8 ص111)؛ تفاضل أهل الإيمان.
وقال الإمام أبو عبيد / في «الإيمان» (ص55): (في أشياء من هذا النحو: كثيرة يطول ذكرها؛ تبين لك التفاضل في الإيمان بالقلوب، والأعمال). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص113): (ولهذا: السبب؛ يتفاوت الناس في الإيمان، والأعمال، حتى ينتهي إلى أدنى مثقال ذرة في القلب). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص50): (والصحابة y قد ثبت عنهم: أن الإيمان يزيد وينقص وهو قول أئمة السنة... وذلك أن أصل أهل السنة؛ أن الإيمان: يتفاضل). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص50): (تفاضل الناس في الإتيان به([894])... يتفاضلون فيه، فليس إيمان السارق، والزاني، والشارب، كإيمان غيرهم، ولا إيمان من أدى الواجبات، كإيمان من أخل ببعضها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص223): (ولهذا كان أهل السنة والحديث: على أنه يتفاضل). اهـ، يعني: الإيمان.
(6) وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (الإيمان بضع([895]) وسبعون: أفضلها، قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (9)، ومسلم في «صحيحه» (35)، وأبو داود في «سننه» (4511)، والترمذي في «سننه» (2614)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج ص)، وفي «المجتبى» (5004)، و(5005)، وابن ماجه في «سننه» (57) من طريق عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة t به.
* وبوب عليه الإمام أبو داود في «السنن» (ج4 ص219)؛ باب: في رد الإرجاء.
وقال الإمام النووي / في «المنهاج» (ص24): «باب: بيان تفاضل الإسلام، وأي: الأمور أفضل».
وقال الإمام النووي / في «المنهاج» (ص26): «باب تفاضل أهل الإيمان».
وقال الحافظ القرطبي / في «المفهم» (ج1 ص134): (والشعبة: في أصلها، واحدة الشعب، وهي أغصان الشجرة، فيراد: بالشعبة في الحديث الخصلة، ويعني: أن الإيمان: ذو خصال معدودة). اهـ
وقال عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص635)؛ وجدت في كتاب: أبي / قال: أخبرت: أن الفضيل بن عياض / قال: (يقول أهل البدع: الإيمان: الإقرار بلا عمل،والإيمان واحد، وإنما يتفاضل الناس بالأعمال، ولا يتفاضلون بالإيمان، ومن قال ذلك، فقد خالف الأثر، ورد على رسول الله r قوله؛ لأن رسول الله r قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»، وتفسير من يقول: الإيمان لا يتفاضل، يقول: إن الفرائض ليست من الإيمان؛ فميز أهل البدع: العمل من الإيمان، وقالوا: إن فرائض الله عز وجل ليست من الإيمان، ومن قال ذلك؛ فقد أعظم الفرية، أخاف أن يكون جاحدا للفرائض، رادا على الله عز وجل أمره).
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج3 ص531): (وفي هذا الباب: إثبات التفاضل في الإيمان، وتباين المؤمنين في درجاته). اهـ
وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي / في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص95): «باب الإيمان: قول وعمل، ونية، ويزيد وينقص، وبعضه أفضل من بعض».
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: (كذلك من ناحية العمل، الناس يتفاضلون في العمل، منهم كما: قال الله عز وجل: ]ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه[؛ هذا العاصي الذي معصيته دون الشرك، فإنه ظالم لنفسه؛ لأنه معرض نفسه للخطر: ]ومنهم مقتصد[؛ وهو الذي يعمل الواجبات، ويتجنب المحرمات: ]ومنهم سـابـق بالخيرات[؛ وهذا هو الذي يعمل الواجبات والمستحبات، ويترك المحرمات، والمكروهات، وبعض المباحات من باب الاحتياط.
* فالأمة ليست سواء، فصارت ثلاث طوائف، فمنها: الظالم لنفسه، ومنها: المقتصد، ومنها: السابق بالخيرات، فدل على أن الإيمان متفاضل).([896]) اهـ
قلت: فذكر الشيخ الفوزان، أن الناس يتفاضلون في الأعمال، وكذلك يتفاضلون في الإيمان.
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح رسالة الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى أهل القصيم» (ص36): (والحق: أن الإيمان يتفاوت؛ فالمؤمنون، منهم: من إيمانه كامل، ومنهم: من إيمانه ناقص: نقصا كثيرا، قليلا.
* فالإيمان يتفاوت، ويزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والعمل داخل في حقيقة الإيمان). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص347):
وتفاضـــــل الأعمـــــــال يتبـــــع مــا |
|
|
يقوم بقلب صاحبها من البرهان |
وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي / في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص99): «باب: تفاضل أهل الإيمان فيه».
وقال الحافظ البغوي / في «شرح السنة» (ج15 ص190): (وفي الحديث: دليل على أن أهل المعاصي، لا يخلدون في النار، وفيه دليل على تفاضل الناس في الإيمان). اهـ
(7) وعن عبد الله بن مسعود t قال: «إن الله عز وجل قسم: بينكم أخلاقكم، كما قسمت بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي المال، من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان، إلا من يحب، وإذا أحب الله عبدا أعطاه الإيمان).
أثر صحيح
أخرجه محمد بن أسلم الطوسي في «الإيمان» (ص428)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج7 ص2321) من طريق حجاج بن المنهال ثنا محمد بن طلحة عن زبيد عن مرة عن عبد الله بن مسعود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص90)؛ ثم قال: رواه الطبراني، موقوفا، ورجاله، رجال الصحيح.
قلت: وهذا الأثر يدل على تفاضل الخلق في الأعمال، وكذلك يتفاضلون في الإيمان.
(8) وعن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: (الإيمان المعرفة بالقلب، والإقرار باللسان، والتفضيل بالعمل).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (667) من طريق محمد بن علي بن الحسن نا إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج6 ص479): (وأما زيادة، العمل الصالح: الذي على الجوارح، ونقصانه؛ فمتفق عليه). اهـ
* وبوب الحافظ البخاري في «صحيحه» (ج1 ص16)؛ باب: تفاضل أهل الإيمان في الأعمال.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج1 ص93): (قول البخاري /: (باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال)؛ هل يلزم من تفاضلهم في الأعمال أن يتفاضلوا في الإيمان؟.
الجواب: نعم، خصوصا إذا قلنا: إن الأعمال من الإيمان، فإذا قلنا: إن الأعمال من الإيمان لزم أن يتفاضل الإيمان بتفاضلها، فمن قرأ جزءا من القرآن أكثر عملا ممن قرأ نصف جزء، فيكون بهذا أقوى إيمانا، وإيمانه أفضل.
* ولكن قد يكون العمل أكثر، ولكن الإيمان في القلب أقوى، وحينئذ يكون لكل واحد من العاملين مزية على أخيه من وجه، فالذي أكثر العمل له مزية الكثرة، والذي وقر العمل في قلبه، وازداد إيمانه: في قلبه يكون أفضل من جهة ما وقر في قلبه من الإيمان، وهذا أمر واقع وظاهر). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص544): (والمرجئة: أخرجوا العمل الظاهر عن الإيمان، فمن قصد منهم: إخراج أعمال القلوب أيضا، وجعلها: هي التصديق، فهذا ضلال بين، ومن قصد إخراج العمل الظاهر، قيل لهم: العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه، وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن). اهـ
وقال الإمام الآجري / في «الأربعين» (ص135): (اعلموا رحمنا الله وإياكم: أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو التصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح... هذا مذهب علماء المسلمين قديما وحديثا، فمن قال غير هذا فهو: «مرجئ » خبيث، احذره على دينك). اهـ
قلت: ومن هنا لابد أن نبين مراتب الإيمان الثلاثة؛ ليتبين لنا حقيقة الإيمان الصحيح، وهي:
1) المرتبة الأولى: أصل الإيمان: وهو الحد الأدنى من الإيمان، ولا يوجد الإيمان بدونه، وبه ينجو صاحبه من الكفران، ويدخل في زمرة الإيمان، وبه خلاصه من الخلود في النار إن مات عليه، ويطلق عليه أيضا: «الإيمان المجمل»، و«مطلق الإيمان».([897])
* ويسمى بمطلق الإيمان؛ لأن صاحبه داخل في مسمى الإيمان، لأنه قد ثبت له أصل الإيمان فيعد من أهله، ولكن لا يعطى له اسم الإيمان مطلقا؛ لأن الإيمان إذا أطلق يراد به جميع الشرائع الواجبة والمستحبة، واسم المؤمن إذا أطلق فيراد به من أتى بالإيمان الواجب، ولكنه يعطى له مطلق الاسم، لصحة نسبة صاحبه إليه، ولو لم يأت بكماله الواجب، فهو مؤمن ناقص الإيمان بسبب تقصيره، وتفريطه في الواجبات، وركوبه المحارم، فهو مؤمن بإيمانه فاسق بتفريطه، وارتكابه الكبائر.
المرتبة الثانية:([898]) الإيمان الواجب: «الكمال الواجب» ويسمى: «الإيمان المفصل»، و«الإيمان المطلق»؛ وهو ما زاد على أصل الإيمان من فعل الواجبات، وترك المحرمات، وهذا الإيمان هو ما أوجبه الله تعالى على عباده، وهو فعل جميع الطاعات، واجتناب جميع المحرمات، وقد رتب الله تعالى على: «الإيمان الواجب» الثواب والوعد بالجنة، والعتق من النار، والوعيد لمن قصر فيه بترك واجب، أو فعل محرم.
قال تعالى: ]أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم[ [الأنفال:4].
قلت: وفي هذا تقع الزيادة والنقصان، والفوز والخسران؛ فلا يعطى لأحد اسم: «المؤمن المطلق»، إلا لمن كمل إيمانه: بفعل جميع الطاعات، وترك جميع المحرمات.
* فإذا قصر في الواجبات، أو ارتكب الموبقات؛ فلا يستحق اسم: المؤمن على الإطلاق، بل يعتبر من أهل الوعيد، وإيمانه ناقص.
* والناس في الإيمان الواجب على قسمين:
القسم الأول: الذين أتوا بالإيمان الواجب بتمامه، ولم ينقصوا منه، ولم يزيدوا عليه إضافة إلى الإتيان بأصل الإيمان؛ لأنه الأساس للإيمان الواجب، والمستحب، ولذا سمي: «بأصل الإيمان»، فهو أساس البناء، فهؤلاء هم المؤمنون حقا، المستحقون لوعد الله السالمون من وعيده، والفائزون بدخول الجنة ابتداء؛ بلا عذاب بفضل الله وكرمه، وهؤلاء هم المقتصدون، كما قال تعالى: ]ومنهم مقتصد[([899]) [فاطر:32].
القسم الثاني: الذين زادوا على: «أصل الإيمان»، ودخلوا في: «الإيمان الواجب» بفعل ما يجب، وترك ما يحرم عليهم، ولكنهم لم يكملوه بل قصروا فيه، إما بترك واجب، أو بفعل محرم؛ فهؤلاء يشملهم الوعيد، وهم ممن، قال تعالى فيهم: ]فمنهم ظالم لنفسه[([900])؛ كأصحاب: «أصل الإيمان»، وهم الذين يطلق عليهم أصحاب الكبائر، أو عصاة الموحدين؛ فهؤلاء في مشيئة الله الذين إن ماتوا بلا توبة إن شاء عفى الله عنهم، وأدخلهم الجنة ابتداء، وإن شاء عذبهم على ذنوبهم، ثم يدخلهم الجنة على ما عندهم من إيمان، وعمل صالح، وهم الذين خلطوا عملا صالحا، وآخر سيئا، وهم المرجون: لأمر الله: قال تعالى: ]وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم[ [التوبة:106].
المرتبة الثالثة: الإيمان المستحب([901]): ويسمى: «الإيمان الكامل بالمستحبات» وهو إيمان السابق بالخيرات([902]) ]ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله[ [فاطر:32]؛ الزائد على: «الإيمان الواجب»، بفعل المندوبات والمستحبات، وترك المكروهات، والمشتبهات، والسابق إلى فعل الخيرات، والاجتهاد في الطاعات، والقربات، والترقي في مقامات الإحسان، فهو دائم المراقبة لله، والمشاهدة لآلائه، وعظمته وجلاله سبحانه وتعالى يعبد الله كأنما يرى الله تعالى؛ خوفا، وتعظيما، ومهابة، وتوكلا عليه، وإخلاصا له؛ مع كمال الحب، والذل، والخضوع، والإنابة، والمسكنة.
* وهذا إيمان الصديقين، والمقربين الأبرار فازوا بالمراتب العلية، والمقامات السامية برفقة النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
* وأصحاب هذه المرتبة يستحقون دخول الجنة ابتداء في أعلى الدرجات بفضل الله وتوفيقه، والنقص في هذه المرتبة، لا يترتب عليه فسق، أو وعيد بعقاب، أو نفي لكمال: «الإيمان الواجب».
قلت: ولكن صاحبه يفوته علو الدرجة، وسمو المنزلة عند الله تعالى.([903])
* وإليك أقوال علماء السنة والأثر في تفصيل أصل الإيمان، والإيمان الواجب، والإيمان المستحب:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص271): (فعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر، أو ولدوا على الإسلام، والتزموا شرائعه، وكانوا من أهل الطاعة لله تعالى، ورسوله r، فهم مسلمون ومعهم: «إيمان مجمل»، ولكـن دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم، إنما يحصل شيئا فشيئا، إن أعطاهم الله ذلك). اهـ
وقال الإمام المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ص334): (الكفر: ضد أصل الإيمان، لأن للإيمان أصلا، وفروعا؛ فلا يثبت الكفر حتى يزول: «أصل الإيمان»، الذي هو ضد الكفر). اهـ
والحاصل: أن «للإيمان أصل»، لا يتم، ولا يصح الإسلام والإيمان إلا به إجماعا.([904])
وقال الإمام ابن الصلاح /: (ولهذا لا يقع اسم: «المؤمن المطلق» على من ارتكب كبيرة، أو بدل فريضة؛ لأن اسم الشيء مطلقا يقع على الكامل منه، ولا يستعمل في الناقص ظاهرا؛ إلا بقيد).([905]) اهـ
وقال الإمام المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ص371): (والمؤمنون الذين زكاهم وأثنى عليهم، ووعدهم بالجنة؛ هم: الذين أكملوا إيمانهم باجتناب كل المعاصي، واجتناب الكبائر). اهـ
وقال الإمام ابن منده / في «الإيمان» (ج1 ص331): (ولا يكون مستكملا له حتى يأتي بفرعه، وفرعه المفترض عليه، أو الفرائض، واجتناب المحارم). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبدالرحمن بن حسن /: (والمرتبة الثانية: من مراتب الإيمان والدين: مرتبة أهل: «الإيمان المطلق»، الذين كمل إسلامهم، وإيمانهم؛ بإتيانهم ما وجب عليهم، وتركهم ما حرم الله عليهم، وعدم إصرارهم على الذنوب؛ فهذه هي المرتبة الثانية، التي وعد الله أهلها بدخول الجنة، والنجاة من النار؛ لقوله تعالى: ]سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله[ [الحديد:21]؛ فهؤلاء: اجتمعت لهم الأعمال الظاهرة والباطنة؛ ففعلوا ما أوجبه الله عليهم، وتركوا ما حرمه الله عليهم، وهم السعداء أهل الجنة).([906])اهـ
قلت: ومرتكب الصغائر لا ينقص من مرتبة الواجب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ج7 ص353- الفتاوى): (والرسول r لم ينفه إلا عن صاحب كبيرة، وإلا فالمؤمن الذي يفعل الصغيرة، وهي مكفرة عنه بفعله الحسنات، واجتناب الكبائر، لكنه ناقص الإيمان عمن اجتنب الصغائر، فمن أتى: «بالإيمان الواجب»، ولكنه خلطه بسيئات كفرت عنه بغيرها، ونقص بذلك درجة عمن لم يأت بذلك). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص345): (وأما السابقون المقربون: فنستغفر الله الذي لا إله إلا هو أولا من وصف حالهم، وعدم الاتصاف به، بل ما شممنا له رائحة، ولكنه محبة القوم تحمل على تعرف منزلتهم والعلم بها، وإن كانت النفوس متخلفة منقطعة عن اللحاق بهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتـاوى» (ج7 ص637): (وهو مركب: – أي: الإيمان – من أصل لا يتم بدونه([907])، ومن واجب ينقص بفواته نقصا يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة).اهـ
قلت: وسـبـق إجماع أهل السنة والجماعة، على أن الإيمان: قول وعمل، وهذا يشمل مراتب الإيمان الثلاثة.
* وسبق أيضا: أن الإيمان إذا أطلق فالمراد به الدين كله، وهو يشمل على شعب، وهذه الشعب جامعة: لكل أمور الإيمان الواجبات، والمنهيات، فصار الإيمان بهذه الشعب مشتملا على جميع الطاعات فرضها، ونفلها، مما يجب على القلب، واللسان، والجوارح، على ترك المحضورات المحرمة منها والمكروهات، ولكن هذه الشعب تتفاوت.([908])
فمنها: ما يدخل في «أصل الإيمان»، فلا يصح الإيمان إلا به.
ومنها: ما يدخل في «الإيمان الواجب».
ومنها: ما يدخل في «الإيمان المستحب».
* وسنذكر الشعب الداخلة في كل مرتبة من المراتب الثلاث:
1) أما أصل الإيمان: فإنه يشتمل على شعب، لا يصح إلا باكتمالها وهي:
* على القلب: معرفة ما جاء به الـرسـول r إجمالا، والتصديق، والانقياد له، وتواطؤ القلب مع اللسان في الإقرار بوحدانية الله، والخضوع، والمحبة مع الرضا، والتسليم، والتصديق بنبوة محمد r، والانقياد لطاعته وعدم معاندته به.
* وعلى اللسان: الإقرار بالشهادتين، وما يتوقف على اللسان من الأعمال الداخلة في: «أصل الإيمان»؛ كأذكار الصلاة مثلا.
* وعلى الجوارح: ما يكفر تاركها؛ كالصلاة، أو مانعها؛ كالزكاة: بإجماع الصحابة y، وغير ذلك من الأركان.
* إضافة إلى البراءة من الشرك وأهله، والتجرد من المكفرات، وكل ما يناقض الإيمان من قول، أو فعل، أو اعتقاد مكفر.
* وضابط دخول الأعمال في أصل الإيمان: أن كل طاعة يكفر تاركها ففعلها من: «أصل الإيمان»، كالتصديق، والإقرار، والانقياد القلبي، والصلاة، وكل محرم يكفر فاعله؛ فتركه من: «أصل الإيمان» كالاستهزاء بالدين، والدعاء، والاستغاثة بغير الله تعالى.
قلت: وقد ذكرنا: أن ضد «أصل الإيمان» الكفر، فلا يجتمع «أصل الإيمان»، مع ما يناقضه من الأمور المكفرة.([909])
2) وأما الإيمان الواجب: فكل الشعب الواجبة داخلة فيه إضافة إلى شعب: «أصل الإيمان»، وضابط ما يدخل في «الإيمان الواجب» من الأعمال سواء كان فعلا، أو تركا: أم كل عمل ورد في تركه وعيد، ولم يكفر تاركه؛ ففعله من: «الإيمان الواجب».
قلت: وكل عمل ورد في فعله وعيد، ولم يبلغ حد الكفر؛ فتركه من: «الإيمان الواجب» كـ«ترك: «الفواحش»، و«الموبقات» من: الزنا، والربا، والسرقة، وشرب الخمر، والكذب، والغيبة، والنميمة، والقذف، وأكل أموال الناس بالباطل، وإيذاء الجار...» وغير ذلك.
قلت: ومما يدخل في حكم الواجب، ما يتعين تعلمه من العلم بالواجبات، والنواهي التي تدخل في: «أصل الإيمان»، و«الإيمان الواجب»، وكذا وجوب تعلم كل واجب آن أوان الشروع فيه: كـ«قاصد الحج عند حلول موسمه، والنكاح عند إرادته»، وهكذا جميع الواجبات يجب على المرء العلم بشروطها، وأركانها، ومفسداتها قبل الشروع فيها.
* وهذا يدخل ضمن الفرض العيني على عوام المسلمين لا ينبغي التفريط فيه؛ فإن التقصير في تعلم ذلك قد يوجب الكفر، والعياذ بالله، إذا كان يسبب جهلا([910]): «بأصل الإيمان» ونواقضه، ومفسقا إذا كان يسبب جهلا بالمحرمـات والمنهيـات، وفسادا لصحة العبادات إذا كان بسبب جهلا بنواقضها ومفسداتها.([911])
3) وأما الإيمان المستحب: فيشتمل على جميع شعب الإيمان المستحبة من نوافل العبادات، والطاعات مما لم يوجبها الله تعالى ورسـولـه r؛ فكل ما سـوى الواجبات، فهو من: «الإيمان المستحب».
* وضابط دخول الأعمال: فعلا كانت، أو تركا، أن كل عمل رغب فيه الله تعالى، ورسـولـه r، ورتب عليه الثواب الجزيل، ولم يرد وعد في تركه بعقوبة، فهو من: «الإيمان المستحب».([912])
* وكذلك كل فعل نهى عنه الله تعالى، ورسـولـه r نهيا لم يصل إلى حد التحريم، كـ«المكروهات»، فتركها من الإيمان المستحب، ودليل على ورع تاركه، وشدة التزامه بأوامر الشرع، وعلو إيمانه.
* إضافة إلى أن ترك الأمور المشتبهة التي يشتبه فيها الحلال، والحرام من الإيمان المستحب، فالذين يريدون المراتب العلية، وبلوغ مرتبة الكمال المستحب، يبتعدون عن كل شيء يشم منه رائحة الحرام من قريب، أو بعيد، ويدعون ما لا بأس به خشية ما فيه بأس، ورعا في نفوسهم، وزهدا في الدنيا، وملذاتها وشهواتها.
* فهؤلاء هم أصحاب النفس المطمئنة الذين اطمأنت نفوسـهـم لما عند الله، وصرفوا عينهم عن متاع الدنيا، فقد شغلتهم الآخرة عن الدنيا.
قلت: فلا هم لهم إلا نيل رضا الله، وجزيل ثوابه... ومن نظر إلى سـيـر هؤلاء الصالحين، وعباد الله الصادقين رأى العجب العجاب من أخبار القوم، نسأل الله أن يجمعنا بهم وأن يحشرنا في زمرتهم، وأن يوفقنا للاقتداء بهم، إنه ولي ذلك، والقادر على كل شيء، والله ولي التوفيق.([913])
قلت: إذا فإن من الأصول التي أجمع عليها أهل السنة والجماعة، أن الإيمان: قول وعمل، وهذا الأصل يقتضي بالضرورة أن الالتزام بالعمل شرطا لدخول الجنة، والنجاة من الخلود في النار، وذلك أنه لا يدخل الجنة؛ إلا نفس مؤمنة، والإيمان لا يتحقق بمجرد الإقرار بالشهادتين، بل لابد في تحقيقه من الالتزام بمقتضاهما ظاهرا، وباطنا، فمن لم يلتزم بالعمل لم يكن قد حقق الإيمان، فلا يكون من أهل الجنة.
قلت: فمن ظن أن دخول الجنة يمكن أن يكون لمن أقر بالشهادتين، ولم يلتزم بأي: عمل في الظاهر؛ فإنه يلزمه إخراج العمل من مسمى الإيمان، وموافقة: «المرجئة» في هذا الباب.([914])
قال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص673): (وهو – أي: الإيمان – مركب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصا يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة، فالناس فيه: «ظالم لنفسه»، و«مقتصد»، و«سابق»). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص52): (هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن.
* فأعمال القلب: فيه المعتقدات والنيات، وتشتمل على: «أربع وعشرين» خصلة ثم ذكرها...
* وأعمال اللسان، وتشتمل على: «سبع» خصال ثم ذكرها...
* وأعمال البدن، وتشتمل على: «ثمان وثلاث» خصلة ثم ذكرها... إلى أن قال: فهذه: «تسع وتسعون» خصلة، ويمكن عدها: «تسعا وسبعين» خصلة باعتبار أفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذكر، والله أعلم). اهـ
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج5 ص56): (...أن الإيمان الشرعي: اسم لمعنى، ذي شعب، وأجزاء له أدنى وأعلى، فالاسم يتعلق ببعضها، كما يتعلق بكلها، والحقيقة تقتضي جميع شعبها، وتستوفي جملة أجزائها، كالصلاة الشرعية، لها شعب وأجزاء، والاسـم يـتعلق ببعضها، كما يتعلق بكلها، والحقيقة تقتضي: جميع أجزائها وتستوفيها). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «حكم تارك الصلاة» (ص41): (الإيمان أصل: له شعب متعددة، وكل شعبة تسمى إيمانا، «فالصلاة من الإيمان»، وكذلك «الزكاة»، و«الحج»، و«الصوم»، والأعمال الباطنة: كالحياء، والتوكل... وهذه الشعب، منها: ما يزول الإيمان بزوالها؛ كشعبة الشهادة، ومنها: ما لا يزول بزوالها، كترك إماطة الأذى عن الطريق، وبينها شعب متفاوته تفاوتا عظيما، منها: ما يلحق بشعبة الشهادة، ويكون إليها أقرب، ومنها: ما يلحق بشعبة: إماطة الأذى، ويكون إليها أقرب.
* وكذلك: الكفر أصل، وشعب، فكما أن شعب الإيمان إيمان، فشعب الكفر: كفر، والحياء شعبة: من الإيمان، وقلة الحياء: شعبة من شعب الكفر، والصدق شعبة من شعب الإيمان، والكذب شعبة: من شعب الكفر... والمعاصي: كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات: كلها من شعب الإيمان). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج1 ص342): (والذنوب تنقسم إلى؛ صغائر، وكبائر؛ بنص القرآن، والسنة، وإجماع السلف بالاعتبار). اهـ
قلت: وهذه الحقيقة الإيمانية أعني ارتباط العمل بالإيمان، تضافرت عليها نصوص الكتاب والسنة، وأجمع عليها سلف هذه الأمة.([915])
* وهذا هو الإيمان الذي عرفه الصحابة الكرام؛ فكانوا به أفضل الجيل في أعظم أمة، ثم ألقى هؤلاء النبلاء إلى التابعين ما تلقوه من مشكاة النبوة قائلين لهم: هذا ما عهد نبينا إلينا، وقد عهدنا به إليكم، وسـنـدنا عن نبينا r عن جبريل u عن رب العالمين عز وجل.
* ثم جرى التابعون لهم بإحسان، على منهج الصحابة القويم، واقتفوا أثر صراطهم المستقيم، ثم سلك تابعو التابعين هذا المسلك الرشيد، فهدوا إلى الطيب من القول، وهدوا إلى صراط الحميد.
* ثم سار من اقتدى بهم على منهاجهم، يسيرون مع الحق أين سارت ركائبه، ويستقلون مع الصواب حيث استـقـلـت مضاربه، واقفين مع الحجج لا يتجاوزونها، فدين الله في نفوسهم أعظم من أن يقدموا عليه متبعا، أو قولا مبتدعا، ثم خلف من بعدهم خلوف ضيعوا دينهم، وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون.
قلت: إذا يتفاوت أصحاب هذه المراتب، بقدر تفاوتهم بالعلم والعمل، ويقابل ذلك تفاوتهم في درجات العلى من جنة الخلد.
قال تعالى: ]ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير[ [فاطر:32].
فعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله: ]ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا[ [فاطر:32]، إلى آخر الآية؛ قال: (هم أمة محمد r: أورثهم الله سبحانه، كل كتاب أنزله، فظالمهم: يغفر له، ومقتصدهم: يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم: يدخل الجنة بغير حساب).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «البعث والنشور» (ص440)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج13 ص166)، والطبري في «جامع البيان» (ج19 ص368)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج12 ص284- الدر المنثور) من طريق عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج12 ص284).
قال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص27): (فإن قيل: فخشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق واجب، قيل: نعم لكن الناس فيه على قسمين: «مقتصد»، و«سابق»، فالسابقون يختصون بالمستحبات، والمقتصدون الأبرار هم: عموم المؤمنين المستحقين للجنة، ومن لم يكن من هؤلاء، ولا هؤلاء، فهو «ظالم لنفسه»). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي / في «تفسيره» (ج6 ص320): (قوله تعالى: ]ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا[؛ وهم هذه الأمة: ]فمنهم ظالم لنفسه[؛ بالمعاصي، التي هي دون الكفر: ]ومنهم مقتصد[؛ مقتصر على ما يجب عليه، تارك للمحرم: ]ومنهـم سـابق بالخيرات[؛ أي: مسارع فيها واجتهد؛ فسبق غيره، وهو المؤدي للفرائض، المكثر من النوافل، التارك للمحرم والمكروه.
* فكلهم اصطفاه الله تعالى، لوراثة هذا الكتاب، وإن تفاوتت مراتبهم، وتميزت أحوالهم.
* فلكل منهم قسط من وراثته، حتى: «الظالم لنفسه»، فإن ما معه من: «أصل الإيمان»، و«علوم الإيمان»، و«أعمال الإيمان»، من وراثة الكتاب، لأن المراد بوراثة الكتاب، وراثة علمه وعمله، ودراسة ألفاظه، واستخراج معانيه.
* وقوله تعالى: ]بإذن الله[؛ راجع إلى السابق إلى الخيرات، لئلا يغتر بعمله، بل ما سـبـق إلى الخيرات، إلا بتوفيق الله تعالى، ومعونته، فينبغي له أن يشتغل بشكر الله تعالى، على ما أنعم به عليه: ]ذلك هو الفضل الكبير[؛ أي: وراثة الكتاب الجليل، لمن اصطفى تعالى من عباده، هو الفضل الكبير، الذي جميع النعم بالنسبة إليه كالعدم، فأجل النعم على الإطلاق، وأكبر الفضل، وراثة هذا الكتاب.
* ثم ذكر جزاء الذين أورثهم كتابه فقال تعالى: ]جنات عدن يدخلونها[؛ أي: جنات مشتملات على الأشجار، والظل والظليل، والحدائق الحسنة، والأنهار المتدفقة، والقصور العالية، والمنازل المزخرفة، في أبد لا يزول، وعيش لا ينفد). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: (كذلك من ناحية العمل، الناس يتفاضلون في العمل، منهم كما: قال الله عز وجل: ]ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه[؛ هذا العاصي الذي معصيته دون الشرك، فإنه ظالم لنفسه؛ لأنه معرض نفس للخطر: ]ومنهم مقتصد[؛ وهو الذي يعمل الواجبات، ويتجنب المحرمات: ]ومنهـم سـابق بالخيرات[؛ وهذا هو الذي يعمل الواجبات والمستحبات، ويترك المحرمات، والمكروهات، وبعض المباحات من باب الاحتياط.
* فالأمة ليسـت سـواء، فصارت ثلاث طوائف، فمنها: الظالم لنفسه، ومنها: المقتصد، ومنها: السابق بالخيرات، فدل على أن الإيمان متفاضل).([916]) اهـ
وقال العلامةالشيخ محمد الأمين الشنقيطي / في «أضواء البيان» (ج6ص164): (فقد بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن إيراث هذه الأمة لهذا الكتاب، دليل على أن الله اصطفاها، في قوله تعالى: ]ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا[ [فاطر:32]؛ وبين أنهم ثلاثة أقسام:
الأول: الظالم لنفسه، وهو الذي يطيع الله، ولكنه يعصيه أيضا، فهو الذي قال الله في فيه: ]خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا[ [التوبة:102].
والثاني: المقتصد، وهو الذي يطيع الله، ولا يعصيه، ولكنه لا يتقرب بالنوافل من الطاعات.
والثالث: السابق بالخيرات: وهو الذي يأتي بالواجبات، ويجتنب المحرمات، ويتقرب إلى الله بالطاعات، والقربات، التي هي غير واجبة، وهذا على أصح الأقوال في تفسير: «الظالم لنفسه»، و«المقتصد»، و«السابق»). اهـ
وقال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «العقيدة الواسطية» (ص76): (الفاسق: مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فـاسـق بكبيرته؛ فلا يعطى: «الاسم المطلق»، ولا يسلب: «مطلق الاسم»). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص13): (فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه، كان ذلك دليلا على أن قلبه ليس فيه: «الإيمان الواجب»). اهـ
وقال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص17): (فتبين أن أهل رهبة الله يكونون متقين لله، مستحقين لجنته، بلا عذاب، وهؤلاء هم الذين أتوا «بالإيمان الواجب»). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص152): (ومما يدل من القرآن على أن: «الإيمان المطلق»، مستلزم للأعمال: ]إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون[ [السجدة:15]. اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص158): (وإذا أطلق الهدى، كان: «كالإيمان المطلق» يدخل فيه هذا، وهذا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص180): (كل ما فيها – يعني الأعمال – مما فرضه الله تعالى، ورسوله r، فهو من: «الإيمان الواجب»، وفيها ما أحبه ولم يفرضه، فهو من: «الإيمان المستحب»، فالأول لابد لكل مؤمن منه، ومن اقتصر عليه، فهو من الأبرار أصحاب اليمين، ومن فعله، وفعل الثاني كان من المقربين السابقين، وذلك مثل حب الله تعالى، ورسوله r، بل أن يكون الله تعالى، ورسوله r، أحب إليه مما سواهما...). اهـ
وقال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص180): (وأوجب على أمة محمد r من الإيمان ما لم يوجبه على غيرهم، والإيمان: الذي كان يجب قبل نزول جميع القرآن، ليس هو مثل: الإيمان الذي يجب بعد نزول القرآن، والإيمان: الذي يجب على من عرف ما أخبر به الـرسـول r؛ مفصلا ليس مثل الإيمان: الذي يجب على من عرف ما أخبر به؛ مجملا، فإنه لابد في الإيمان من تصديق الـرسـول r في كل ما أخبر، لكن من صدق الـرسـول r، أو مات عقب ذلك لم يجب عليه من الإيمان غير ذلك.
* وأما من بلغه القرآن والأحاديث، وما فيهما من الأخبار، والأوامر المفصلة، فيجب عليه من التصديق المفصل بخبر خبر، وأمر أمر ما لا يجب على من لم يجب عليه إلا «الإيمان المجمل» لموته قبل أن يبلغه شيء آخر). اهـ
وقـال شيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص186): (وكذلك قولهم: من آمن، ومات قبل وجوب العمل عليه مات مؤمنا فصحيح، لأنه أتى «بالإيمان الواجب» عليه، والعمل لم يكن وجب عليه بعد، فهذا ما يجب أن يعرف.
فإذا قيل: الأعمال الواجبة من الإيمان، «فالإيمان الواجب» متنوع ليس شيئا واحدا في حق جميع الناس، وأهل السنة والحديث يقولون: جميع الأعمال الحسنة واجبها، ومستحبها من الإيمان، أي من: «الإيمان الكامل» بالمستحبات، ليس من: «الإيمان الواجب»، ويفرق بين: «الإيمان الواجب»، وبين: «الإيمان الكامل» بالمستحبات).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص209): (فإذا كان: «الإيمان المطلق» يتناول جميع ما أمر الله تعالى به، ورسوله r). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص219): (ولا يجب على كل عبد من: «الإيمان المفصل» مما أخبر به الـرسـول r، ما يجب على من بلغه غيره، ممن عرف القرآن، والسنن، ومعانيها؛ لزمه من: «الإيمان المفصل» بذلك ما لا يلزم غيره).اهـ
وقـال شيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص231): (وإن لم يكن لهم أن يدعوا: «مطلق الإيمان»...). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «شرح العقأيدة الواسطية» (ص175): (فالإيمان المطلق: هو الإيمان الكامل، و«مطلق الإيمان»، هو الإيمان الناقص). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «شرح العـقيدة الواسطية» (ص175) معلقا على حديث: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...»: (أي: «كامل الإيمان»، فالمنفي هنا عن الزاني، والسارق، والشارب، هو: «كمال الإيمان» لا جميع الإيمان... فعلم أن الإيمان المنفي في هذا الحديث، إنما هو: «كمال الإيمان الواجب»). اهـ
قلت: فالمراد بنفي الإيمان هنا: نفي تمام الإيمان.
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «إعانة المستفيد» (ج2 ص179): (قوله r: «لا يؤمن أحدكم»، هذا نفي: «للإيمان الكامل»، وليس نفيا، «للإيمان كله»، لأنه قد يأتي نفي الإيمان، ويراد نفي: «الإيمان الكامل»، كما في قوله r: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، ومثل: قوله r: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...»؛ فالمراد بهذا: نفي: «الإيمان الكامل»، لا نفي: «مطلق الإيمان»، فإن الفاسق يكون معه من الإيمان ما يصح به إسلامه، أما الذي ليس معه: «إيمان أصلا»، فهذا كافر خارج من المله.
* وهذا مذهب أهل السنة والجماعة: أن الفاسق لا يسلب «مطلق الإيمان»، ولا يعطى: «الإيمان المطلق»، فلا يسلب: «مطلق الإيمان»، بحيث يكون كافرا، كما تقوله: «الخوارج»، و«المعتزلة»، ولكنه لا يعطى: «الإيمان الكامل»، كما تقول: «المرجئة»([917])، وإنما يقال مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، أو يقال: مؤمن ناقص الإيمان).اهـ
وقال الإمام النووي / في «المنهاج» (ج2 ص41): (قوله r: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...» فالقول الصحيح؛ الذي قاله المحققون: أن معناه لا يفعل هذه المعاصي، وهو: «كامل الإيمان»، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء، ويراد نفي كماله...). اهـ
وقال شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العـقيدة الواسطية» (ج2 ص241): (فأهل السنة والجماعة: لا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية، فلا يمكن أن يقولوا: إن هذا ليس بمسلم، لكن يمكن أن يقولوا: إن هذا ناقص الإسلام، أو ناقص الإيمان). اهـ
وقال شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العـقيدة الواسطية» (ج2 ص237): (والفرق بين: «الشيء المطلق»، و«مطلق الشيء»: أن الشيء المطلق؛ يعني: الكمال، ومطلق الشيء؛ يعني: أصل الشيء.
* فالمؤمن الفاعل للكبيرة عنده: «مطلق الإيمان»؛ فأصل الإيمان موجود عنده، لكن «كماله» مفقود). اهـ
وقال شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العـقيدة الواسطية» (ج2 ص242): (قوله: «وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق»؛ أي: في مطلق اسم الإيمان.
* كما في قوله تعالى: ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون[ [الأنفال:2]؛ فـ«إنما» أداة حصر، يعني: ما المؤمنون إلا هؤلاء، والمراد بالمؤمنين يعني: ذوي «الإيمان المطلق الكامل».
* فلا يدخل في المؤمنين هنا الفساق؛ لأن الـفـاسق لو تلوت عليه آيات الله ما زادته إيمانا، ولو ذكرت الله له لم يوجل قلبه.
* فبين المؤلف: أن الإيمان قد يراد به «مطلق الإيمان»، وقد يراد به «الإيمان المطلق».
فإذا رأينا رجلا: إذا ذكر الله لم يوجل قلبه، وإذا تليت عليه آياته لم يزدد إيمانا فيصح أن نقول: «إنه مؤمن»، ويصح أن نقول: ليس بمؤمن فنقول: مؤمن أي: معه «مطلق الإيمان»، يعني: أصله، وليس بمؤمن؛ أي: ليس معه «الإيمان الكامل»).اهـ
قلت: فالإيمان المطلق أي: الكامل.
* فالفرق بين «مطلق الشيء»، و«الشيء المطلق»: أن «الشيء المطلق»، هو «الشيء الكامل»، و«مطلق الشيء»، يعني: «أصل الشيء»، وإن كان ناقصا.
قلت: فالفاسق الملي: لا يعطى «الاسم المطلق» في الإيمان، وهو «الاسم الكامل»، ولا يسلب: «مطلق الاسم»، فلا نقول: ليس بمؤمن، بل نقول: مؤمن ناقص الإيمان، أو: مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته.
* هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو مذهب العدل والوسط.
* وخالفهم في ذلك طوائف:
1) المرجئة يقولون: «مؤمن كامل الإيمان».
2) والخوارج يقولون: «كافر».
3) والمعتزلة يقولون: «في منزلة بين منزلتين».([918])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على الرد على: «عبيد الجابري»، الذي ما زال يصور حكم تارك الصلاة، بمجرد حكم فقهي، وذلك لوقوعه في الإرجاء، ولتأثره به، على طريقة المتأخرين الذين وقعوا في الإرجاء، وتأثروا به، والسلف جعلوا حكم تارك الصلاة تحت أبواب الاعتقاد والإيمان؛ للرد على المرجئة في هذا الجانب([919])
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص406)؛ في كتاب: «الإيمان والرد على المرجئة»: (باب كفر تارك الصلاة، ومانع الزكاة، وإباحة قتالهم، وقتلهم: إذا فعلوا ذلك). اهـ
وقال الإمام الآجري في «الشريعة» (ج2 ص644)؛ في كتاب: «الإيمان، والرد على المرجئة»: (ذكر كفر من ترك الصلاة). اهـ
وقال الإمام أبو داود في «السنن» (4 ص219)؛ باب: في رد الإرجاء، وذكر فيه، حديث: جابر بن عبد الله t عن النبي r: قال: (بين العبد، وبين الشرك: ترك الصلاة).
وقال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص896): (سياق ما روي عن النبي r، في أن الصلاة من الإيمان، وروي ذلك من الصحابة y). اهـ
وقال الإمام الترمذي في «السنن» (ج5 ص13)؛ في أبواب الإيمان: (باب ما جاء في ترك الصلاة).
وبوب الإمام أبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص61)؛ بيان أفضل الأعمال، والدليل على أن الإيمان: قول وعمل، وأن من ترك الصلاة، فقد كفر، والدليل على أنها أعلى الأعمال، إذ تاركها يصير بتركها كافرا.
قلت: فمن صور مسألة تارك الصلاة على أنها مسألة فقهية فقد أخطأ، وخالف السلف في ذلك.([920])
قال الإمام الترمذي في «السنن» (ج5 ص13): سمعت أبا مصعب المدني، يقول: (من قال: الإيمان قول يستتاب، فإن تاب؛ وإلا ضربت عنقه).
وذكر الإمام عبد الله بن أحمد في «السنة» (ص273)؛ مسألة تارك الصلاة تحت أبواب: الإيمان، والرد على المرجئة.
فعن جابر بن عبد الله t قال: قال النبي r: (إن بين الرجل، وبين الشرك، والكفر؛ ترك الصلاة). وفي رواية: (بين الكفر والإيمان: ترك الصلاة). وفي رواية: (ليس بين العبد، وبين الكفر من الإيمان؛ إلا ترك الصلاة).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (134)، والترمذي في «سننه» (2617)، والنسائي في «السنن الكبرى» (328).
قلت: والكفر الوارد في الصلاة في هذا الحديث، هو الكفر الأعظم، والكفر المطلق هو الكفر الأكبر، المخرج عن الملة، فينصرف الإطلاق إليه، وهنا عرف باللام؛ بقوله r: (ليس بين العبد، وبين الكفر)، والكفر ينصرف إلى الكفر المعروف، وهذه المخرج عن الملة، وقد أجمع الصحابة ﭫ على الكفر الأكبر.([921])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على كفر من ترك الزكاة، وامتنع عن أدائها، ولا فرق بين ترك الزكاة كسلا، وتهاونا، وبين من جحد وجوبها
* القرآن والسنة مملوءان بما يدل على أن العبد لا يثبت له حكم الإيمان، إلا بالعمل مع التصديق، من تأدية: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج».
قلت: وهذا هو الإيمان الذي أوجبه الله تعالى على الخلق، وهو تصديق، واعتقاد القلب، وإقرار وقول باللسان، وعمل بالجوارح. ([922])
قال الإمام ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص405): (وذلك خلاف مقالة: «المرجئة»، الذين حجبت عقولهم، وصرفت قلوبهم، وحرموا البصيرة، وخطئوا طريق الصواب). اهـ
وإليك الدليل:
(1) عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة t، قال: لما توفي رسول الله r، واستخلف أبو بكر t بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب t لأبي بكر t: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قال: لا إله إلا الله؛ فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله؟» فقال أبو بكر t: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله r، لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب t: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق).([923])
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص262)، و(ج12 ص275)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص51 و52)، وأبو داود في «سننه» (ج2 ص93)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص3 و4)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج7 ص5)، وفي «المجتبى» (ج5 ص14 و15)، و(ج6 ص5)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص423)، والشافعي في «المسند» (3822)، وابن منده في «الإيمان» (ج1 ص164 و380 و382)، وأبو عبيد في «الأموال» (ص24)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج1 ص512)، وفي «مسند الشاميين» (ج1 ص372)، والبيهقي في «السنن الصغرى» (ج2 ص78 و79)، و(ج3 ص271)، وابن جماعة في «مشيخته» (ج2 ص558)، وابن بلبان في «تحفة الصديق» (ص39)، والبغوي في «شرح السنة» (ج5 ص488)، واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (ج4 ص833)، وابن زنجويه في «الأموال» (ص116)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص70 و71)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص70 و71)، والجصاص في «أحكام القرآن» (ج3 ص82) من طريق الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن أبي هريرة t به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقوله: (وكفر من كفر من العرب)، هذا الكفر عام، في مانعي الزكاة، وفي غيرهم، وهو الكفر المخرج عن الملة.
قلت: وأبو بكر الصديق t، لم يفرق بين من ترك الصلاة، فيكفر، فكذلك عنده من ترك الزكاة، فيكفر مطلقا، ولا فرق([924]) بينهما في: الكفر، والقتال.
* لذلك، لم يكتف أبو بكر الصديق رضي الله عه، بقولهم: «لا إله إلا الله»، بدون عمل الزكاة، وغيرها من الأعمال، وقتالهم لمنعهم الزكاة، لأنه t، اعتبرهم من الكفار، في عدم تأديتهم الزكاة، وإن كانوا يقرون بوجوبها، ويقولون: «لا إله إلا الله»، ويصلون الصلوات المفروضة، فهم: كفار بذلك.
* فقال أبو بكر الصديق t: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال».
* وقد وافق الصحابة ﭫ كلهم؛ لأبي بكر الصديق t، حتى قال عمر بن الخطاب: «فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق».
* وذكره عبد الحق الإشبيلي في «الجمع بين الصحيحين» (ج1 ص123 و124)، والحميدي في «الجمع بين الصحيحين» (ج1 ص116 و117).
وبوب عليه الحافظ البخاري في «صحيحه» (ج6 ص2538)؛ باب: قتل من أبى قبول الفرائض، وما نسبوا إلى الردة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص502): (كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة؛ من هؤلاء القوم، وغيرهم، فإنه يجب قتالهم، حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه.
* كما قاتل أبو بكر الصديقt، والصحابة ﭫ: مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر t، لأبي بكر t، فاتفق الصحابة ﭫ، على القتال على حقوق الإسلام، عملا بالكتاب والسنة). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «الكبائر» (ص127): (وقد قاتل أبو بكر الصديق t: مانعي الزكاة). اهـ
وبوب الحافظ ابن الجوزي / في «الحدائق» (ج2 ص194)؛ باب: قتال الإمام مانع الزكاة.
(2) وعن طارق بن شهاب قال: (جاء وفد بزاخة([925]): من أسد، وغطفان إلى أبي بكر t يسألونه الصلح، فخيرهم أبو بكر t بين الحرب المجلية([926])، أو السلم المخزية، قال: فقالوا: هذا الحرب المجلية قد عرفنا، فما السلم المخزية؟ قال أبو بكر t: تؤدون الحلقة والكراع([927])، وتتركون أقواما تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه r، والمسلمين أمرا يعذرونكم به، وتدون قتلانا، ولا ندي قتلاكم، وقتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار، وتردون ما أصبتم منا، ونغنم ما أصبنا منكم، فقام عمر t فقال: رأيت رأيا، وسنشير عليك، أما أن يؤدوا الحلقة والكراع فنعم ما رأيت، وأما أن يتركوا قوما يتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه r، والمسلمين أمرا يعذرونهم به، فنعم ما رأيت، وأما أن نغنم ما أصبنا منهم، ويردون ما أصابوا منا فنعم ما رأيت، وأما أن قتلاهم في النار، وقتلانا في الجنة فنعم ما رأيت، وأما أن لا ندي قتلاهم فنعم ما رأيت، وأما أن يدوا قتلانا فلا، قتلانا قتلوا على أمر الله فلا ديات لهم، فتتابع الناس على ذلك). وفي رواية: (فتتابع القول على ما قال عمر بن الخطاب).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص210) مختصرا، وأبو بكر البرقاني في «المخرج على الصحيحين» (ج1 ص131 – الجمع بين الصحيحين)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص285) من طريق سفيان عن قيس بن أسلم عن طارق بن شهاب به.
* وذكر عبدالحق الإشبيلي في «الجمع بين الصحيحين» (ج4 ص630)، مختصرا، من رواية البخاري.([928])
* وذكره الحميدي في «الجمع بين الصحيحين» (ج1 ص130 و131)؛ (اختصره البخاري، وأخرج طرفا منه، وهو قوله لهم: «تتبعون أذناب الإبل([929]) حتى يري([930]) الله خليفة نبيه r، والمهاجرين، أمرا يعذرونكم([931]) به».
قلت: وهؤلاء كانوا قد ارتدوا، ثم تابوا، وأرسلوا وفدهم إلى أبي بكر الصديق t، يعتذرون إليه، فأحب أن لا يقضي فيهم حتى يشاور أصحابه في أمرهم، فقال لهم ما قال.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المغازي» (ص431) من طريق يزيد بن هارون قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: (لما ارتد من ارتد على عهد أبي بكر t، أراد أبو بكر t: أن يجاهدهم، فقال عمر t: أتقاتلهم، وقد سمعت رسول الله r يقول: «من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، حرم ماله، ودمه؛ إلا بحق، وحسابه على الله»، فقال أبو بكر t: ألا أقاتل من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لأقاتلن من فرق بينهما حتى أجمعهما، قال عمر t: فقاتلنا معه، وكان رشدا، فلما ظفر بمن ظفر به منهم، قال: اختاروا مني خطتين: إما حرب مجلية، وإما الخطة المخزية([932])، قالوا: هذه الحرب المجلية قد عرفناها، فما الخطة المخزية، قال: تشهدون على قتلانا أنهم في الجنة، وعلى قتلاكم أنهم في النار، ففعلوا).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «الفتاوى» (ج28 ص557 و558).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص519): (وقد اتفق الصحابة ﭫ، والأئمة بعدهم: على قتال مانعي الزكاة، وإن كانوا يصلون الخمس، ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة، فلهذا كانوا مرتدين: وهم يقاتلون على منعها، وإن أقروا بالوجوب، كما أمر الله تعالى). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص535): (فإن المسلم الأصلي إذا ارتد عن بعض شرائعه، كان أسوأ حالا ممن لم يدخل بعد في تلك الشرائع، مثل: مانعي الزكاة، وأمثالهم ممن قاتلهم الصديق t). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص545): (وقد اتفق علماء المسلمين: على أن الطائفة الممتنعة إذا امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتواترة، فإنه يجب قتالها، إذا تكلموا بالشهادتين، وامتنعوا عن: «الصلاة»، و«الزكاة»، أو «صيام شهر رمضان»، أو «حج البيت العتيق»). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص356): (وأيما طائفة انتسبت إلى الإسلام، وامتنعت من بعض شرائعه الظاهرة المتواترة؛ فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين، حتى يكون الدين كله لله، كما قاتل أبو بكر الصديق t، وسائر الصحابة ﭫ: مانعي الزكاة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص357): (فثبت بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، أنه يقاتل من خرج عن شريعة الإسلام، وإن تكلم بالشهادتين). اهـ
قلت: فأجمع الصحابة ﭫ على كفر مانعي الزكاة([933])، وقتالهم، فقاتلوهم جميعا، ولم يختلف الصحابة ﭫ في ذلك.
قال الإمام أبو عبيد / في «الإيمان» (ص39): (وقال تعالى: ]خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها[ [التوبة:103].
* فلو أنهم ممتنعون من الزكاة عند الإقرار، وأعطوه ذلك بالألسنة، وأقاموا الصلاة، غير أنهم ممتنعون من الزكاة، كان ذلك مزيلا لما قبله، وناقضا للإقرار والصلاة، كما كان إيتاء الصلاة قبل ذلك ناقضا لما تقدم من الإقرار، والمصدق لهذا:
* جهاد أبي بكر الصديق t بالمهاجرين، والأنصار على منع العرب الزكاة، كجهاد: رسول الله r: أهل الشرك سواء، لا فرق بينها في سفك الدماء، وسبي الذرية، واغتنام المال، فإنما كانوا مانعين([934]) لها غير جاحدين بها!.
* ثم كذلك: كانت شرائع الإسلام كلها، كلما نزلت شريعة صارت مضافة إلى ما قبلها لاحقة به، ويشملها جميعا اسم الإيمان؛ فيقال لأهله: مؤمنون). اهـ
* فأبو بكر الصديق t، لما ارتد العرب، جاهدهم حتى ردهم إلى الإسلام، وهذا من مناقب أبي بكر الصديق t، وحين اتفقت الصحابة y على رأيه.([935])
* وقد حكى اتفاق الصحابة ﭫ: على رأيه بعد الاختلاف: ابن قدامة في «المغني» (ج2 ص572 و574)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج12 ص290 و293)، وغيرهما.
قال الإمام الشافعي / في «الأم» (ج1 ص55): (وأخبر أبو بكر t، أنه: إنما يقاتلهم على الصلاة، والزكاة، وأصحاب رسول الله r قاتلوا من منع الزكاة، إذ كانت فريضة من فرائض الله تعالى... فاستحلوا قتالهم)([936]). اهـ
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص414 و554 و555)؛ الإجماع على قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، وأنهم سموهم: أهل الردة.([937])
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص179): (فتأمل كلامه وتصريحه: بأن الطائفة الممتنعة عن أداء الزكاة إلى الإمام، أنهم يقاتلون، ويحكم عليهم بالكفر والردة عن الإسلام، وتسبى ذراريهم، وتغنم أموالهم، وإن أقروا بوجوب الزكاة، وصلوا الصلوات الخمس، وفعلوا جميع شرائع الإسلام غير أداء الزكاة، وأن ذلك ليس بمسقط للقتال لهم، والحكم عليهم بالكفر والردة، وأن ذلك قد ثبت بالكتاب والسنة، واتفاق الصحابة رضي الله عنهم). اهـ
وقال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج4 ص231): (أن أبا بكر الصديق t: استحل دماء مانعي الزكاة، وقال: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة، والزكاة»، فقاتلهم على ذلك في جمهور الصحابة ﭫ، وأراق دماءهم، لمنعهم الزكاة، وإبايتهم من أدائها). اهـ
وقال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج4 ص231): (ألا ترى، أن أبا بكر t، شبه الزكاة بالصلاة، ومعلوم أنهم كانوا: مقرين بالإسلام والشهادة). اهـ
قلت: فأبو بكر الصديق t: قاس قتاله، «لمانعي الزكاة»، بما هو مقرر عندهم من كفر، وقتال: من ترك الصلاة.
قال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ص234): (يدل على: أن من ترك الصلاة؛ فإنه يقاتل؛ لأنها حق البدن.
* فكذلك: من ترك الزكاة التي هي حق المال، وفي هذا إشارة إلى: أن قتال، تارك الصلاة، أمر مجمع عليه، لأنه جعله: أصلا مقيسا عليه). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «الكافي» (ج1 ص95): (والصحابة ﭫ: أجمعوا على قتال مانعي الزكاة، والصلاة آكد منها). اهـ
(3) وعن الإمام سفيان بن عيينة / قال: (السيوف أربعة: نزل بها القرآن، ومضت بها السنة، وأجمعت عليها الأمة؛ وذكر: منها، وسيف لأهل الردة على يدي أبي بكر t، وهو قوله تعالى: ]تقاتلونهم أو يسلمون[ [الفتح:16].
أثر صحيح
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص606) من طريق أحمد بن مسروق الطوسي قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: سمعت سفيان بن عيينة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص687)؛ باب: ذكر ما كان من تفضل الله تعالى، على أمة محمد r؛ بخلافة: أبي بكر t، وقيامه في الردة.
وقال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص603): (واستخلف: أبو بكر t؛ فقام مقام رسول الله r، في قتال من ارتد من العرب، فلم يزل موفقا رشيدا سديدا، بين الله تعالى أمره، وأظهر فضله، وأعلى ذكره، ومكن له في الأرض، وأظهر دعوته، وأفلج حجته، ورفع درجته، واستوثق به الإسلام). اهـ
(4) وعن أبي الصقر قال: أن أبا عبد الله قال: (من ترك الزكاة ليس بمسلم، هكذا قال ابن مسعود t: «ما تارك الزكاة بمسلم»، وقد قاتل أبو بكر t: أهل الردة على ترك الزكاة، وقال: «لو منعوني عقالا مما أدوا إلى رسول الله r، قاتلتهم»).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة» (ص488)؛ كتاب: «الردة»، باب: «في مانع الزكاة» من طريق محمد بن أبي هارون؛ أن أبا الصقر حدثهم: أن أبا عبد الله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(5) وقال الإمام الحسن البصري /: (فقاتل من أدبر، بمن أقبل، حتى دخلوا في الإسلام: طوعا، أو كرها، وبرز: رأي أبي بكر t على رأيهم، وسموا أهل الردة؛ بمنعهم الزكاة، فقالوا: إنا نزكي؛ لكن لا ندفعها إليك، فقال أبو بكر t: « لا والله حتى آخذها، كما أخذها رسول الله r، فأضعها في مواضعها).
أثر حسن
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص688) من طريق حجاج بن منهال قال: حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن البصري به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص689): (وكان أبوبكر t: وحده بنفسه طائفة، فرأى جهادهم، ومحاربتهم، فأطاع أصحاب رسول الله r: كلهم أمره، ورجعوا إلى رأيه السديد الموفق، فقاتل من عصاه بمن أطاعه، فأعلى الله تعالى أمره، وأظهر نصره، وجمع شمل الإسلام به، فاستأنف بالإسلام مجددة). اهـ
(6) وعن الإمام أحمد / قال: (ولا يصلى خلف، من لم يؤد الزكاة).([938])
(7) وعن الأثرم قال: قيل لأبي عبد الله: تارك الزكاة؟، قال: قد جاء عن النبي r: «ما تارك الزكاة بمسلم»، وأبو بكر t: قاتلهم عليها).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة» (ص488) من طريق محمد بن علي قال حدثنا الأثرم قال: قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(8) وعن إسحاق بن منصور أنه قال: لأبي عبدالله: تقاتل من منع الزكاة؟، قال: نعم. أبو بكر t: قاتلهم حتى يؤدون، قال أبو عبدالله: وأن من منع فريضة فعلى المسلمين، قتاله حتى يأخذوها منه).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»؛ كتاب: «الردة»، باب: «في مانع الزكاة» (ص483) من طريق أحمد بن محمد بن حازم قال: حدثنا إسحاق بن منصور أنه قال: لأبي عبدالله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
* فلما توفى رسول الله r؛ امتنعت قبائل العرب من دفع الزكاة إلى خليفة رسول الله r: أبي بكر الصديق t.
وقد عظم الخطب، واشتدت الحال، وطمع كثير من الأعراب في المدينة، لكن الصديق t: وقف إزاء هذه المحنة، وقفة قوية، وتصدى لها بكل حزم.
* وجند الجيوش، وعقد الألوية لحرب المرتدين، وإعادتهم إلى حظيرة الإسلام، مع أن عددا من الصحابة، وعلى رأسهم: عمر بن الخطاب t، كانوا يعارضون قتالهم.
فعن أبي هريرة t قال: (لما توفي رسول الله r، واستخلف أبو بكر t بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب t: يا أبا بكر، كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله r: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله... قال أبو بكر t: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة، والزكاة، قال عمر بن الخطاب t: فوالله: ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر: أبي بكر t، للقتال، فعرفت أنه الحق).([939])
* وهكذا كانت وقفة: أبي بكر الصديق t في هذه المحنة؛ تمثل دعامة من دعائم الإسلام، وركيزة من ركائزه المهمة، وقد أعز الله تعالى الإسلام، بأبي بكر الصديق t في محنة مانعي الزكاة.([940])
قلت: ثم إن عمر بن الخطاب t: أقره على كفر تارك الزكاة، وقتاله، وأنه حق، فقال: «فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر t، للقتال، فعرفت أنه الحق».
* فمن ترك لواحد من أركان الإسلام، فيقاتل، ويكفر، والأركان هي: شهادة: «أن لا إله إلا الله»، و«أن محمدا رسول الله»، و«إقام الصلاة»، و«إيتاء الزكاة»، و«صوم رمضان»، و«حج البيت».([941])
فعن حنظلة بن علي بن الأسقع؛ أن أبا بكر الصديق t، بعث خالد بن الوليد t، وأمره أن يقاتل الناس على خمس، قال: (ومن ترك واحدة من الخمس، فقاتله، كما تقاتل من ترك الخمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان).([942])
وقال ابن الحيري المفسر / في «الكفاية في التفسير» (ج2 ص86): (وخرج مسيلمة الكذاب، وغلب على اليمامة، وامتنعوا، فشاور: أبو بكر الصديق أصحاب النبي r في قتلهم، فقالت الصحابة: كيف نقاتل قوما؛ يشهدون أن لا إله إلا الله؟، وقال r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»، فقال أبو بكر: الزكاة من حقها. ثم قال: والله لو منعوني عقالا مما كانوا يعطونها إلى رسول الله r، لقاتلتهم علىها»، فاتفقت الصحابة على قول أبي بكر t، وجمعوا العسكر). اهـ
قلت: فإجماع الصحابة ﭫ حجة يجب على المسلمين جميعا العمل به، ولا يجوز لهم مخالفته، وهذا هو الاتباع للسلف ومحبتهم، والاقتداء بهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص519): (وممن قاتلهم الصحابة ﭫ - مع إقرارهم بالشهادتين والصلاة وغير ذلك - مانعي الزكاة كما في «الصحيحين»). اهـ
* وقد بين العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «تبرئة الإمامين الجليلين» (ص172): أن الذين منعوا الزكاة؛ هم: مرتدون، وإن صلوا، وصاموا، وحجوا، وهذا بإجماع الصحابة ﭫ.
* وقد بين العلامة الشيخ محمد بن عبدالوهاب / في «الدرر السنية» (ج9 ص418)؛ في كفر مانعي الزكاة، وأن الصحابة ﭫ، لم يقولوا: أنت مقر بوجوبها، أو جاحد لها، فجعل أبو بكر الصديق t المبيح للقتال، بمجرد المنع، لا جحد الوجوب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص472): (فاتفق أصحاب رسول الله r على قتال أقوام: يصلون، ويصومون، إذا امتنعوا عن بعض ما أوجبه الله عليهم من زكاة أموالهم، وهذا الاستنباط من صديق الأمة، قد جاء مصرحا به). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص231): (وإذا كان السلف، قد سموا مانعي الزكاة: مرتدين، مع كونهم: يصومون، ويصلون، ولم يقاتلوا جماعة المسلمين). اهـ
قلت: فإذا امتنعوا عن أداء الزكاة، مع اعتقادهم لوجوبها، وإقرارهم بها، أنهم يقاتلوا عليها، مع إخراجهم من الإسلام، وقد أجمع الصحابة ﭫ على ذلك.
فعن الإمام أحمد بن حنبل / قال: (الاتباع: أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي r وعن أصحابه، ثم هو من بعد في التابعين مخير). ([943]) أي: عند اختلافهم، فهو مخير بالدليل.
وعن الإمام أيوب السختياني /قال: (إذا بلغك اختلاف عن النبي r، فوجدت في ذلك الاختلاف أبا بكر وعمر، فشد يدك به، فإنه الحق، وهو السنة).([944])
(9) وعن الإمام وكيع بن الجراح / قال: (لولا أبو بكر t؛ ذهب الإسلام).
أثر صحيح
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص689) من طريق الميموني قال: حدثنا أحمد بن عبدالله بن يونس قال: سمعت وكيعا يقول: فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص689): (وكما قال وكيع: لولا أبو بكر t؛ ذهب الإسلام). اهـ
وقال الإمام أبو عبدالله ابن منده / في «رسالة في بيان فضل الأخبار، وشرح مذاهب أهل الأثر» (ص25): (فلما قبض الله جل وعلا: نبيه r، من بين أصحابه المنتخبة ﭫ أجمعين، وجمعهم على خيرهم، وأفضلهم في أنفسهم، فقام بأمر الله جل وعلا، وأخذ منهاج رسول الله r، وقال: (والله لو منعوني عقالا، كانوا يؤدونه إلى رسول الله r، لقاتلتهم علىها).
فإن الزكاة واجبة، كالصلاة، فقاتل بمن أقبل من أهل الإسلام من أدبر، منهم: وارتد، حتى راجعوا دينهم، وأطاعوا أمر الله تعالى، وأدوا ما افترض الله عليهم، وأمضى حكم الله عز وجل، ورسوله r، فيمن أبى ذلك، فرضي الله عنه، وعن جميع الصحابة). اهـ
وقال الحافظ الآجري / في «الأربعين» (ص82): (اعلم أنه أول ما بعث النبي r أمر أن يدعو الناس إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن قالها صادقا من قلبه، ومات على ذلك دخل الجنة، ثم فرضت عليهم الصلاة بعد ذلك فصلوا، ثم هاجروا إلى المدينة، ثم فرضت عليهم الفرائض حالا بعد حال، كلما فرض عليهم فرض قبلوه، مثل: «صيام شهر رمضان»، ومثل: «الزكاة»)، ثم فرض: «الحج على من استطاع إليه سبيلا»، فلما آمنوا بذلك، وعملوا بهذه الفرائض، قال الله عز وجل: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة: 3]، فقال النبي r: «بني الإسلام على خمس»؛ فاعلم ذلك؛ فمن ترك فريضة من هذه الخمس، وكفر بها، وجحد بها لم ينفعه التوحيد، ولم يكن مسلما، وقد قال النبي r: «بين العبد، وبين الكفر ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة، فقد كفر»، وقال ابن مسعود: «إن الله عز وجل قرن الزكاة مع الصلاة، فمن لم يزك ماله؛ فلا صلاة له»، ولما قبض النبي r ارتد أهل اليمامة عن أداء الزكاة، وقالوا: نصلي، ونصوم، ولا نزكي أموالنا، فقاتلهم أبو بكر الصديق t مع جميع الصحابة حتى قتلهم، وسباهم وقال: «تشهدون أن قتلاكم في النار، وقتلانا في الجنة؟» كل ذلك لأن الإسلام: «خمس» لا يقبل بعضه دون بعض، فاعلم ذلك). اهـ
(10) وعن أبي طالب قال: سألت؛ أبا عبد الله؛ عمن قال: الصلاة فرض، ولا أصلي؟ قال: يستتاب ثلاثة أيام؛ فإن تاب، وصلى، وإلا ضربت عنقه، قلت: فرجل قال: الزكاة علي، ولا أزكي؟ قال: يقال له: مرتين، أو ثلاثا: زك؛ فإن لم يزك يستتاب ثلاثة أيام؛ فإن تاب، وإلا ضربت عنقه).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل والردة»، كتاب: «الردة»، باب: «في مانع الزكاة» (ص488 و489) من طريق أحمد بن محمد بن مطر قال: حدثنا أبو طالب، قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (ج2 ص437)؛ بعد أن ساق خلاف العلماء المتأخرين: في كفر مانع الزكاة: (وعن أحمد / ما يدل على أنه يكفر بقتاله عليها، وساق مسألة الميموني في الباب، ثم قال: (ووجه ذلك ما روي أن أبا بكر t، لما قاتلهم، وعضتهم الحرب، قالوا: نؤديها، قال: لا أقبلها حتى تشهدوا: أن قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار، ولم ينقل إنكار ذلك عن أحد من الصحابة ﭫ، فدل على كفرهم). اهـ
قلت: فبين الإمام أحمد / أن مجرد قتال أبي بكر الصديق t، لمانعي الزكاة، هو كفر لهم، وقد أجمع الصحابة ﭫ على كفر مانعي الزكاة، لقتال أبي بكر الصديق t لهم، لأن اعتبرهم أهل ردة عن الإسلام. ([945])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج20 ص102): (تارك الصلاة، والزكاة: إذا قتل عند أحمد /، فهو عنده من قسم المرتدين، لأنه بالإسلام ملتزم: لهذه الأفعال، فإذا لم يفعلها، فقد ترك ما التزمه، أو لأنها عنده من الغاية التي يمتد القتال إليها، كالشهادتين، فإنه لو تكلم، بإحداهما: وترك الأخرى لقتل). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «الدرر السنية» (ج10 ص495): (وقد أشكل هذا على: عمر بن الخطاب t، فقال: «يا خليفة رسول الله، كيف نقاتل الناس... الحديث»، فقال أبو بكر: ألم يقل: «إلا بحقها»، فإن الزكاة من حقها، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله r، لقاتلتهم على منعها».
قال عمر بن الخطاب t: «فوالله ما هو إلا إن رأيت الله، قد شرح صدر أبي بكر، للقتال: فعلمت أنه الحق».
* فوافق عمر t، أبا بكر t، واتفق الصحابة ﭫ، كلهم على ذلك.
وقاتلوا من منع الزكاة، وأدخلوهم في حكم أهل الردة، فكيف بمن أضاف إلى ذلك: ترك الصلاة، والصيام، والحج، فهذا أولى بالكفر، والردة عن الإسلام، ممن ترك: الزكاة وحدها.
* فناقض ما أجمع عليه أصحاب رسول الله r، من تكفير هؤلاء، وجعلهم: مسلمين، بمجرد التلفظ بالشهادتين). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ / في «الرسائل» (ج1 ص246)؛ عن ترك عمل الجوارح: (هذا من فروع مذهب: «المرجئة»، وهو الرائج في البلدان التي أهلها يدعون الإسلام). اهـ
(11) وعن عبد الله بن عمرو ﭭ قال: (إن عرى الدين، وقوامه الصلاة، والزكاة، لا يفرق بينهما، وحج البيت، وصوم رمضان).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (10483)، وفي «الإيمان» (124) من طريق محمد بن بشر نا زكريا قال: حدثني حواري بن زياد؛ أن عبد الله بن عمرو t به.
قلت: وهذا سنده حسن.
(12) وعن الإمام مالك بن أنس / قال: (الأمر عندنا إن كان قد منع فرائض الله تعالى، فلم يستطع المسلمون أخذها منه، فإن حقا عليهم جهادهم([946])، حتى يأخذوها منه.
* قال حنبل: سمعت أبا عبدالله يقول: (ما فعل أبو بكر، قلت: فما ترى أنت؟، قال: ما أجيب في هذا بشيء، فقد قال مالك: في ذلك، وأمسك أبو عبدالله عن الجواب).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «أحكام الملل»، كتاب: «الردة» (ص482) من طريق حنبل قال: حدثنا القعنبي قال: قال مالك بن أنس به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وبوب الخلال عليه في «أحكام الملل» (ص482)، باب: جامع القول في من ترك فريضة من فرائض الله تعالى.
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص502): (من آمن بالله، واليوم الآخر، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فلم يفرق بين الإيمان، وبين الصلاة والزكاة، فمن لم يؤمن لم تنفعه الصلاة، ومن لم يصل لم ينفعه الإيمان). اهـ
وقال عبدالله بن أحمد في «السنة» (ص361)؛ وجدت في كتاب أبي /، قال: أخبرت أن فضيل بن عياض قال: (وقال أصحاب الرأي: ليس الصلاة، ولا الزكاة، ولا شيء من الفرائض من الإيمان؛ افتراء على الله عز وجل، وخلافا لكتابه، وسنة نبيه r، ولو كان القول؛ كما يقولون: لم يقاتل أبو بكر t: أهل الردة).
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص59): (قوله تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11]؛ فعلق أخوتهم للمؤمنين؛ بفعل الصلاة، فإذا لم يفعلوها لم يكونوا: إخوة للمؤمنين، فلا يكونوا: مؤمنين، لقوله تعالى: ]إنما المؤمنون إخوة[ [الحجرات:10]). اهـ
وقال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج5 ص956): (فوصف الله عز وجل الدين قولا، وعملا؛ فقال تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11]؛ والتوبة: من الشرك، وهو: الإيمان، والصلاة، والزكاة: عمل).
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج1 ص151): (وفي الحديث من الفوائد:
(1) فيه دليل على مراجعة الأكابر، حيث راجع عمر t، أبا بكر t.
(2) وفيه دليل على أن أبا بكر t: أقرب إلى الصواب، من عمر t، بإقرار عمر t، وهو كذلك.
وجهه: قوله t: (فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال)، فلما شرح الله صدره للقتال، واطمأن به، علم أنه الحق، مع أن عمر t كان معارضا في أول الأمر.
(3) وفيه دليل على شدة أبي بكر t، في مواضع الشدة، مع أنه كان ألين من عمر t، لكنه في مواضع الشدة: أقوى من عمر t). اهـ
وقال الإمام أبو يعلى / في «الإيمان» (ص406): (فإنه إجماع الصحابة ﭫ؛ وذلك أنهم نسبوا الكفر إلى مانع الزكاة وقاتلوه، وحكموا عليه بالردة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «وجوب الإتباع» (ص306): (وقد أوجب الله تعالى على أهل دينه جهاد من خرج عن شيء – يعني: من الدين - حتى يكون الدين كله لله، كما قال تعالى: ]وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله[ [التوبة:11].([947])
* فمن خرج عن بعض الدين: إن كان مقدورا عليه، أمر بالكلام فإن قبل، وإلا ضرب، وحبس حتى يؤدي الواجب، ويترك المحرم، فإن امتنع عن الإقرار بما جاء به الرسول r، أو شيء منه ضربت عنقه، وإن كان في طائفة ممتنعة قوتلوا، كما قاتل أبو بكر t وسائر الصحابة مانعي الزكاة مع أنهم كانوا مقرين بالإسلام، باذلين للصلوات الخمس، حتى قال أبو بكر الصديق t: (والله لو منعوني عناقا([948]) كانوا يؤدونها إلى رسول الله r لقاتلتهم على منعها). ([949])([950])
* وكما قاتل علي بن أبي طالب t، ومن معه من الصحابة الخوارج الذين: قال فيهم النبي r: (...فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة). ([951])
* وهؤلاء الخوارج الحرورية هم أول من ابتدع في الدين، وخرج عن السنة والجماعة... فكل من خرج عن كتاب الله، وسنة رسوله r، من سوائر الطوائف فقد وجب على المسلمين أن يدعوه إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r بالكلام، فإن أجاب؛ وإلا عاقبوه بالجلد تارة، وبالقتل أخرى، على قدر ذنبه، وسواء كان منتسبا إلى الدين...). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج21 ص282): (الآثار المرفوعة: في هذا الباب كلها تدل على أن مفارقة الجماعة، وشق عصا المسلمين، والخلاف على السلطان المجتمع عليه، يريق الدم ويبيحه، ويوجب قتال من فعل ذلك. فإن قيل: قد قال رسول الله r: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) فمن قال لا إله إلا الله حرم دمه.
* قيل لقائل ذلك: لو تدبرت قوله في هذا الحديث: «إلا بحقها»، لعلمت أنه خلاف ما ظننت؛ ألا ترى أن أبا بكر الصديق t قد رد على عمر t ما نزع به من هذا الحديث، وقال: «من حقها الزكاة»؛ ففهم عمر t ذلك من قوله وانصرف إليه، وأجمع الصحابة عليه، فقاتلوا مانعي الزكاة، كما قاتلوا أهل الردة([952])، وسماهم بعضهم أهل ردة على الاتساع، لأنهم ارتدوا عن أداء الزكاة.
* ومعلوم مشهور عنهم أنهم قالوا: ما تركنا ديننا، ولكن شححنا على أموالنا، فكما جاز قتالهم عند جميع الصحابة على منعهم الزكاة، وكان ذلك عندهم في معنى قوله ـ عليه السلام ـ «إلا بحقها»؛ فكذلك من شق عصا المسلمين، وخالف إمام جماعتهم وفرق كلمتهم، لأن الفرض الواجب اجتماع كلمة أهل دين الله المسلمين، على من خالف دينهم من الكافرين، حتى تكون كلمتهم واحدة، وجماعتهم غير مفترقة.
* ومن الحقوق المريقة للدماء المبيحة للقتال: الفساد في الأرض، وقتل النفس، وانتهاب الأهل والمال، والبغي على السلطان، والامتناع من حكمه، وهذا كله داخل تحت قوله: «إلا بحقها»؛ كما يدخل في ذلك الزاني المحصن، وقاتل النفس بغير حق، والمرتد عن دينه). اهـ
وقال الفقيه ابن جزي / في «القوانين الفقهية» (ص121) عن الزكاة: (وهي فرض من قواعد الإسلام: من جحد وجوبها فهو كافر، ومن منعها أخذت منه قهرا، فإن امتنع: قوتل حتى يؤديها). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج14 ص12) – بعد ما ذكر حديث: أمرت أن أقاتل الناس -: (فدل هذا الحديث: وما جاء في معناه، على أن الذي يبخل بالزكاة، ويمتنع منها، ويقاتل دونها، ولا يؤديها؛ فإنه يباح قتاله، كما قاتل الصديق t مانعيها؛ لأنه لا يكون معصوم الدم؛ إلا بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ولهذا لما امتنع بعض العرب بعد موت النبي r من الزكاة قاتلهم الصحابة حتى يؤدوها).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص57): (وكذلك مانعوا الزكاة؛ فإن الصديق، والصحابة ابتدءوا قتالهم، قال الصديق: «والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله r لقاتلتهم عليه»؛ وهم يقاتلون إذا امتنعوا من أداء الواجبات، وإن أقروا بالوجوب). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص90): (وإن كانوا طائفة ممتنعة ذات شوكة؛ فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا أداء الواجبات الظاهرة والمتواترة: كالصلاة، والصيام، والزكاة، وترك المحرمات: كالزنا، والربا، وقطع الطريق، ونحو ذلك). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص207): (فالواجب على ولي الأمر أن يأمر بالصلوات المكتوبات جميع من يقدر على أمره، ويعاقب التارك بإجماع المسلمين، فإن كان التاركون طائفة ممتنعة: قوتلوا على تركها بإجماع المسلمين، وكذلك يقاتلون على ترك الزكاة، والصيام، وغيرهما، وعلى استحلال المحرمات الظاهرة المجمع عليها، كنكاح ذوات المحارم، والفساد في الأرض، ونحو ذلك، فكل طائفة ممتنعة من التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة يجب جهادها، حتى يكون الدين كله لله باتفاق العلماء). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الأم» (ج4 ص215): (فسار إليهم أبو بكر t بنفسه حتى لقي أخا بني بدر الفزاري فقاتله معه عمر t، وعامة أصحاب رسول الله r ثم أمضى أبو بكر t خالد بن الوليد t في قتال من ارتد، ومن منع الزكاة معا فقاتلهم بعوام من أصحاب رسول الله r قال ففي هذا الدليل على أن من منع ما فرض الله عز وجل عليه فلم يقدر الإمام على أخذه منه بامتناعه قاتله). اهـ
قلت: ورسول الله r قد أمرنا بقتال الخوارج كما جاء في الأحاديث، بل قد ساوى قتالهم بقتال الكفار.
وهذا قول رسول الله r في الخوارج فما بالك بمن حمل مع بدعة الخوارج بدعا أخرى؟!.
* علما بأن الخوارج كانوا أهل عبادة وتخشع كما وصفهم رسول الله r في الأحاديث، ولكن ما ينفعهم ذلك والأصل فاسد.
ولذلك أقول: يجب على من أتى ببدعة الخوارج أن يستتاب أو يقتل، فإن كان الأمر دون قتله، فيكون الأولى حبسه، أو نفيه إلى أن يموت.
* وهكذا عمل معهم علي بن أبي طالب t، ومن معه من الصحابة ﭫ في عصره.
فعن عبد الله بن عباس ﭭ قال: (لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار، وكانوا ستة آلاف، فقلت لعلي t: يا أمير المؤمنين، أبرد بالصلاة، لعلي أكلم هؤلاء القوم... فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقتلوا على ضلالتهم، قتلهم المهاجرون، والأنصار).
حديث حسن
أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج5 ص165 و167)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص342)، وأبو داود في «سننه» (4037)؛ مختصرا، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص522)، وأبو عبيد في «الأموال» (444)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج10 ص157)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص150)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج8 ص179)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص318)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص91)، والطبراني في «المعجم الكبير» (15098)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص962) من طريقين عن عكرمة بن عمار قال: حدثني أبو زميل قال: حدثني عبدالله بن عباس به.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3406).
وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج49 ص292) بوجه آخر بنحوه.
والحديث صححه الشيخ أحمد شاكر في «شرح المسند» (ج5 ص67).
قلت: ومما يدل على كفر الخوارج، وتكفيرهم للمسلمين قديما وحديثا، ومن كفر المسلمين، فهو كافر بالنص.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص481)؛ عن الخوارج: (وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب، بل بما يرونه هم من الذنوب، واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك). اهـ
قلت: فلما حصل منهم ذلك اتفق الصحابة الكرام على أنهم كفار، وأنهم المعنيون في الأحاديث عن النبي r، واتفقوا على وجوب قتالهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص481): (ولذلك اتفق على قتالهم الصحابة، والأئمة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص483): (فلما شاع في الأمة أمر الخوارج، تكلمت الصحابة فيهم، ورووا عن النبي r الأحاديث فيهم، وبينوا ما في القرآن من الرد عليهم، وظهرت بدعتهم في العامة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص279): (والخوارج هم أول من كفر المسلمين، يكفرون بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم ويستحلون دمه وماله). اهـ
قلت: وهذه الصفات السيئة هي صفات الكفار والعياذ بالله؛ فقد أحدث الخوارج بدعة مكفرة لهم بوصفهم أهل الإسلام بالكفر، يريدون بذلك إخراجهم من الإسلام، وعيبهم، والطعن عليهم، والوقيعة فيهم، والازدراء بهم عند أتباعهم الخوارج.
* فالخوارج تكلموا في تكفير أهل الذنوب من الأمة عموما، فقالوا: بأنهم كفار مخلدون في النار، وأحكامهم في الدنيا أحكام الكفار، ودارهم دار كفر، واستحلوا بذلك دماء المسلمين، وأموالهم، وقتالهم([953])، اللهم غفرا.
فالخوارج تشبهوا بالمشركين، والمبتدعين في رميهم أهل الإسلام، بهذه المعائب التي إذا لم يوجد لها مكان فيهم ردت عليهم.
* بحكم قول رسول الله r: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك». ([954])
* وقول رسول الله r: «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما». ([955])
* وقول رسول الله r: «أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما». ([956])
وعن عبد الله بن مسعود t، قال: (إذا قال الرجل، للرجل: أنت لي عدو، فقد كفر: أحدهما، بالإسلام).
وفي رواية: (فقد خرج: أحدهما، من الإسلام).
وفي رواية:(إذا قال المسلم لأخيه: أنت عدوي، فقد خرج أحدهما من الإسلام).
أثر صحيح
أخرجه أحمد في «الإيمان» (315)، و(317)، و(328)، و(329)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص677)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1899)، والخلال في «السنة» (1284) من طريق عبدالرحمن بن يزيد، وقيس، وأبي وائل؛ كلهم: عن عبدالله بن مسعود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
* وبتكفيرهم – يعني: الخوارج - ذهب علي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وابن عمر، وجميع الصحابة ﭫ، والإمام مالك([957])، والإمام أحمد([958]) وغيرهم.
قلت: ولم يثبت عن أحد من الصحابة ﭫ بعدم تكفيرهم، بل ما نقل لنا عن الصحابة ﭫ إلا تكفيرهم، ولذلك اتفقوا على قتالهم مع علي بن أبي طالب t لأنهم اعتبروهم في حكم المرتدين، وصرح بذلك أبو أمامة t، وغيره بذلك.
قلت: ويدل على كفر الخوارج، بأنهم كلاب النار؛ لأن هذا اللفظ يدل على تخليدهم فيها، وهذا لا يكون إلا للكفار، والعياذ بالله.
* لذلك ذهب إلى تكفير الخوارج: «الإمام مالك»، و«الإمام أحمد» في رواية وهي الأشهر، و«الحافظ البخاري»، و«الحافظ أبو بكر ابن العربي»، و«الحافظ السبكي»، و«الحافظ أبو العباس القرطبي»، و«الحافظ القاضي عياض»، و«الحافظ النووي»، و«العلامة ابن باز»، و«العلامة الشيخ صالح الفوزان»، وأكثر أهل الحديث على تكفير الخوارج. ([959])
فالحافظ البخاري / في «صحيحه» (ج12 ص282) أشار إلى تكفير الخوارج في الترجمة، (باب: قتل الخوارج والملحدين([960]) بعد إقامة الحجة([961]) عليهم)؛ وقول الله تعالى ]وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون[ [التوبة:115]، فهذا مقتضى صنيع الحافظ البخاري: حيث قرنهم بالملحدين.
قال ابن حجر / في «فتح الباري» (ج12 ص299): (وإلى ذلك أشار البخاري في الترجمة، بالآية المذكورة فيها، واستدل به لمن قال بتكفير الخوارج، وهو مقتضى صنيع البخاري، حيث قرنهم بالملحدين، وأفرد عنهم المتأولين بترجمة). اهـ
وقال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص222): (فقد علم العقلاء من المؤمنين، والعلماء من أهل التمييز، أن عليا t: قاتل في خلافته، أهل التأويل([962]) الذين تأولوا في خروجهم عليه، ومن عنده أخذت الأحكام في قتال المتأولين، كما علم المؤمنون قتال المرتدين، حيث قاتلهم: أبوبكر t، على ظاهر التنزيل). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج4 ص501): (واعلم: أن طائفة من الفقهاء([963])، من أصحاب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، جعلوا: قتال مانعي الزكاة، وقتال الخوارج جميعا من قتال: البغاة... وهذا القول خطأ مخالف لقول الأئمة الكبار، وهو خلاف نص: مالك، وأحمد، وأبي حنيفة، وغيرهم من أئمة السلف، ومخالف للسنة الثابتة عن النبي r). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص504): (وثبتت النصوص عن النبي r، بما استقر عليه إجماع الصحابة y، من قتال الصديق، وقتال الخوارج). اهـ
وقال الإمام ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص250): (فسمى النبي r: القوم الذين قتلهم علي t: «مارقة»، وسماهم: «خوارج»([964])،... وحلت دماؤهم، وعظمت المثوبة لمن قتلهم). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الأم» (ج4 ص226): (وأهل الردة بعد رسول الله r ضربان:
1) منهم: قوم كفروا بعد الإسلام، مثل: طليحة، ومسيلمة، والعنسي، وأصحابهم.
2) ومنهم: قوم تمسكوا بالإسلام، ومنعوا الصدقات). اهـ
قلت: فإن ذكر: «المرجئة العصرية»، اختلاف عدد من المتأخرين في ذلك، فإجماع الصحابة، والسلف، يحجهم، لأن كفر تارك الزكاة، قد كان في عهد الخلفاء الراشدين، فدل على فساد مذهب: «المرجئة العصرية»، في عدم تكفيرهم لتارك الزكاة، أو بقية المباني. ([965])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص616): (أن من قال من الفقهاء: أنه إذا أقر بالوجوب، وامتنع عن الفعل، لا يقتل، أو يقتل مع إسلامه؛ فإنه دخلت عليه الشبهة، التي دخلت على: «المرجئة»، و«الجهمية»). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص381): (وأمر النبي r بقتال المارقين([966]) منه؛ فثبت عنه r في «الصحاح»... وهؤلاء لما خرجوا في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t، قاتلهم هو وأصحاب رسول الله r، بأمر النبي r، وتحضيضه على قتالهم، واتفق على قتالهم جميع أئمة الإسلام.
* وهكذا: كل من فارق جماعة المسلمين، وخرج عن سنة رسول الله r، وشريعته من أهل الأهواء المضلة، والبدع المخالفة... فإذا كان على عهد رسول الله r، وخلفائه الراشدين، قد انتسب إلى الإسلام من مرق منه، مع عبادته العظيمة؛ حتى أمر النبي r بقتالهم، فيعلم أن المنتسب إلى الإسلام، أو السنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضا من الإسلام والسنة، حتى يدعي السنة من ليس من أهلها، بل قد مرق منها، وذلك بأسباب ). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص286)؛ عن تأويلات التتر: (وليس لهم تأويل سائغ بالكتاب والسنة والإجماع؛ ولكن لهم تأويل من جنس تأويل: مانعي الزكاة، والخوارج، واليهود والنصارى). اهـ
(13) وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب t قال: سمعت رسول الله r يقول: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان».
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص49)، وفي «التاريخ الكبير» (ج8 ص322)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص45)، وفي «التمييز» (ص173)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص5 و6)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص17 و18)، وفي «معالم التنزيل» (ج1 ص329)، وفي «مصابيح السنة» (ج1 ص13)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص358)، وفي «السنن الصغير» (ج1 ص105)، وفي «شعب الإيمان» (ج1 ص54)، و(ج3 ص288 و428)، وفي «الاعتقاد» (ص330)، وفي «فضائل الأوقات» (ص137 و138)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص143)، وفي «الإيمان» (22)، و(220)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص531)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص107 و108)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص62)، وفي «أخبار أصبهان» (ج1 ص146)، وفي «المسند المستخرج» (ج1 ص109 و110)، وابن سمعون في «الأمالي» (ص211)، وابن المقرئ في «المعجم» (ص183)، وفي «الأربعين» (7)، والخلال في «السنة» (1184)، و(1382)، و(1383)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج1 ص174)، ويوسف بن عبدالهادي في «مسألة في التوحيد» (ص71)، وابن أبي الرجاء في «الفوائد الملتفظة والفرائد الملتقطة» (ق/55/ط)، وابن منده في «الإيمان» (ج1 ص184 و185 و301)، وفي «التوحيد» (ج2 ص30)، وأبو الفضل الزهري في «حديثه» (ج2 ص526)، والنسفي في «القند» (992)،وابن عبد البر في «التمهيد» (ج16 ص160)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج1 ص159)، و(ج4 ص128)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص188)، والآجري في «الشريعة» (ص106)، وفي «الأربعين» (ص20)، وسفيان الثوري في «حديثه» (ص164)، وابن ظهيرة في «مشيخته» (ج2 ص840)، والحميدي في «المسند» (ج2 ص308)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج12 ص309)، وفي «مسند الشاميين» (ج2 ص283)، وفي «المعجم الأوسط» (2930)، و(6264)، (6533)، وابن صاعد في «حديثه» (ق/142/ط)، والجعبري في «الإفصاح في مراتب الصحاح» (ص70)، وابن الدبيثي في «ذيل تاريخ مدينة السلام» (ج1 ص528)، و(ج2 ص304 و489)، و(ج3 ص310)، و(ج4 ص164 و566)، والحيري؛ تعليقا في «الكفاية في التفسير» (ج6 ص186)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص52 و53)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (ص261)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص636 و637 و638)، والمؤيد الطوسي في «الأربعين عن المشايخ الأربعين» (ص90)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص418 و419 و420 و421)، والحربي في «الحربيات» (ق/8/ط)، ودانيال في «مشيخته» (ق/88/ط)، والدارقطني في «المؤتلف والمختلف» (ج2 ص932)، و(ج3 ص1176)، وفي «الأفراد» (1911)، و(2882)، و(2986)، وابن عدي في «الكامل» (ج2 ص660)، و(ج4 ص1419)، وأبو يعلى في «المسند» (ج10 ص164)، وابن الجوزي في «مشيخته» ص169 و170)، وفي «جامع المسانيد» (ج4 ص319)، وفي «الحدائق» (ج1 ص66)، وأبو عبيد في «الإيمان» (ص59)، وفي «الناسخ والمنسوخ» (ص203)، والذهبي في «معجم الشيوخ» (ج2 ص283)، وفي «المعجم المختص بالمحدثين» (ص264)، والديلمي في «الفردوس» (ج2 ص30)، وابن أبي عمر العدني في «الإيمان» (ص84)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص151)، والمخلص في «المخلصيات» (ج1 ص233)، والسهمي في «تاريخ جرجان» (ص416 و450)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» (ج4 ص295)، وبيبي الهروية في «جزء حديثها» (ص62)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص105)، وأبو حيان الأندلسي في «المنتخب من حديث: شيوخ بغداد» (ص132)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ق/53/ط)، وابن غيلان في «الغيلانيات» (480)، واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (ج4 ص810)، والحسن بن سفيان النسوي في «الأربعين» (ص47)، وابن طولون في «الفهرست الأوسط من المرويات» (ج1 ص244)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج43 ص86)، و(ج54 ص53)، و(ج58 ص86)، و(ج60 ص314)، و(ج63 ص228)، و(ج68 ص234)، وفي «معجم الشيوخ» (12، و(166)، و(994)، وضياء الدين المقدسي في «فضائل الأعمال» (ص292)، والحرفي في «الأمالي» (ص407)، وابن نقطة في «تكملة الإكمال» (ج3 ص519)، والسبكي في «الطبقات الكبرى الشافعية» (ج1 ص76)، والخطيب البغدادي في «الكفاية» (ص210)، وفي «تاريخ بغداد» (ج14 ص29)، وفي «الأسماء المبهمة» (ص336 و337)، وصدر الدين البكري في «الأربعين» (ص82)، والشجري في «الأمالي» (ج1 ص31 و33)، والرافعي في «التدوين في أخبار قزوين» (ج2 ص237)، وابن حجر في «الإمتاع» (ص269 و270)، والدولابي في «الكنى» (ج1 ص80)، والسمرقندي في «تنبيه الغافلين»؛ تعليقا (ص231)، والمراغي في «مشيخته» (ص124 و125)، من عدة طرق عن عبدالله بن عمر ﭭ به.
وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
وقال ابن منده: «هذا حديث مجمع على صحته».
وقال الإمام النووي / في «المنهاج» (ج1 ص179): (إن هذا الحديث: أصل عظيم في معرفة الدين، وعليه اعتماده، وقد جمع أركانه). اهـ
وقال الحافظ السيوطي / في «الديباج» (ج1 ص17): (بني الإسلام على خمس؛ أي: أركان، أو أشياء، (على خمس)؛ أي: خصال، أو دعائم، أو قواعد). اهـ
قلت: إذا كان الله تعالى قد أمر: بـ«الصلاة»، و«الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج»، كأمره بالتوحيد، ثم كان مضيع هذه الفرائض كافرا، أو هو تارك، لأحدهما: يكفر، كما يكفر من ترك: «الشهادتين».
وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي / في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص103): «باب الصلاة من الإيمان».
وقال الحافظ أبو نعيم / في «المسند المستخرج» (ج1 ص109): (باب: بني الإسلام على خمس).
وقال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج1 ص93)؛ تحت حديث: ابن عمر ﭭ: «بني الإسلام على خمس»: (فإن النبي r جعل هذه الخمس دعائم الإسلام ومبانيه، وفسر بها الإسلام في حديث جبريل، وفي حديث طلحة بن عبيد الله الذي فيه: أن أعرابيا سأل النبي r ففسره له بهذه الخمس، ومع هذا؛ فالمخالفون في الإيمان يقولون: لو زال من الإسلام خصلة واحدة، أو أربع خصال سوى الشهادتين، لم يخرج بذلك من الإسلام).([967]) اهـ
وقال الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ص224)؛ باب: وجوب الزكاة، وقول الله تعالى: ]وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين[ [البقرة:43].
وقال الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ص225)؛ باب: البيعة على إيتاء الزكاة: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11].
وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي / في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص104): «باب: الزكاة من الإيمان».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص318): (وقول الإمام أحمد /: إن الإسلام هو: «الإقرار»، يدل على أن هذا أول دخوله الإسلام، وأنه لا يكون قائما بالإسلام الواجب، حتى يأتي بالخمس). اهـ
وقال الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ج1 ص23)؛ باب: الصلاة من الإيمان.
وقال الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ج1 ص25)؛ باب: الزكاة من الإسلام.
وقال العلامة الشيخ ابن غصون / في «الفتاوى» (ج3 ص284): (وحينئذ فالذي لا يصلي أبدا، لا يطلق عليه أنه مسلم.
* وحينئذ صدقاته، وما يفعل من أوجه البر، ومن أوجه الخير، لا تنفعه مع عدم الإسلام، ليس لها أثر مع كون الإنسان لم يلتزم بالإسلام.
فشهادة: أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وحدها لا تكفي، وإن كانتا هما الأساس، لكنهما مع من يعرف أنه لابد من الإتيان ببقية واجبات الإسلام، ودعائمه العظام). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون / في «الفتاوى» (ج3 ص282): (وكل الصلوات، وصيام رمضان، والحج لبيت الله الحرام، وإخراج الزكاة على من عليه زكاة، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهي الأساس كذلك، ليس فيها شيء هو في خيار منه، فمن لم يحافظ على الصلوات، ومن لم يحافظ على واجبات الإسلام، فهو غير مسلم). اهـ
(14) وعن عبد الله بن مسعود t قال: (من أقام الصلاة، ولم يؤت الزكاة، فليس بمسلم، ينفعه عمله).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1356)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (1477)، وأحمد في «الإيمان» (341)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (790)، من طريق يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله بن مسعود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(15) وعن عبد الله بن مسعود t قال: (ما تارك الزكاة بمسلم).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1357)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (855)، والخلال في «السنة» (1500)، وأحمد في «الإيمان» (339)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (891) من طريق وكيع بن الجراح عن الحسن بن صالح عن مطرف عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله بن مسعود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(16) وعن عبد الله بن مسعود t قال: (أمرتم بالصلاة والزكاة؛ فمن لم يزك فلا صلاة له).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1355)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (1476)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (732)، (856)، والطبراني في «المعجم الكبير» (8974)، و(10095)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (9919)، والخلال في «السنة» (1502)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (890)، وحميد بن زنجويه في «الأموال» (1349)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (231)، وأبو عبيد في «الأموال» (940) من طريق سلام بن سليم الحنفي، وسويد بن سعيد الهروي، وإسماعيل بن عمرو البجلي، ووكيع بن الجراح، وعبدالرحمن بن مهدي، وأسد بن موسى، والنعمان بن عبدالسلام؛ كلهم: عن شريك بن عبدالله القاضي، وإسرائيل بن يونس، كلاهما: عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج3 ص62): «وله إسناد صحيح».
وذكره ابن تيمية في «الفتاوى» (ج7 ص302 و303).
قلت: فالتارك للزكاة: ليس بمؤمن، بل هو كافر، وهذا بالإجماع، فمن أحدث قولا خالف الإجماع السابق للصحابة ﭫ، فلا حكم لقوله، ولا يلتفت إلى خلافه المزعوم في عصر المتأخرين، وفي عصر المعاصرين([968])
قال تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11].
* فالله تعالى: لم يثبتهم إخوانا لنا، إلا بهذه الشرائط: من صلاة وزكاة.
وهذا يدل على أن: تارك الصلاة، والزكاة، لا يكون أخا لنا في الدين، لأنه كافر في الدين، والدين: هو الإيمان.([969])
(17) وعن الإمام مسروق / قال: (أمرتم في كتاب الله بإقامة أربع: بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، والعمرة، فالعمرة من الحج، منزلة الصلاة من الزكاة).
أثر صحيح
أخرجه ابن زنجويه في «الأموال» (1351) من طريق زهير عن أبي إسحاق قال: سمعت مسروقا به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(18) وعن سلمة بن نبيط قال: سئل: الضحاك بن مزاحم عن الزكاة، فقال: (لا ترفع الصلاة؛ إلا بالزكاة).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص114)، وابن زنجويه في «الأموال» (1350) من طريق محمد بن عبيد، وأبي خالد الأحمر عن سلمة بن نبيط به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «الإيمان الكبير» (ص569).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص354): (والإمام أحمد /: في أكثر الروايات عنه، وأوفقها لأصوله، أن تارك الأركان الأربعة، عدا الشهادتين متعمدا: كافر). اهـ
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص609)؛ أن الأركان ما عدا الشهادتين، في تكفير تاركها: نزاع مشهور، ثم رجح كفره بترك واحدة منهن.
* وهو اختيار: القاضي أبي بكر بن العربي، وطائفة من أصحاب الإمام مالك /.
(19) وعن الضحاك بن مزاحم / قال: (فهذه صفة دين الله، وهو الإيمان، وما شرع الله فيه من الإقرار بما جاء من عند الله، وبين من حلاله وحرامه، وسننه وفرائضه).([970])
* ونقل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج10 ص258)؛ عن أهل العلم: أن من ترك الزكاة، أو ترك صيام رمضان، من غير عذر شرعي، أنه يكفر، وهو الصواب: في اختلاف المتأخرين، لأنه موافق لإجماع الصحابة، والتابعين.
* ونقل شيخنا ابن عثيمين / في «حكم تارك الصلاة» (ص47)؛ كفر تارك إيتاء الزكاة، وأنه قال بهذا الحكم عدد من أهل العلم، وهو إحدى الروايتين: عن الإمام أحمد /.
* وهو الصواب، لموافقتهم لإجماع الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، على كفر تارك إيتاء الزكاة، من غير تفريق بين من تركها تهاونا، وكسلا، أو تركها جحودا.([971])
وبوب الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص406)؛ باب كفر تارك الصلاة، ومانع الزكاة، وإباحة قتالهم وقتلهم إذا فعلوا ذلك.
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «كشف الشبهات» (ص12): (اعلم أن من ترك: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، فهو كافر؛ بإجماع المسلمين).اهـ
(20) وقال الإمام الحكم بن عتيبة /: (من ترك الصلاة متعمدا، فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمدا، فقد كفر، ومن ترك الحج متعمدا، فقد كفر، ومن ترك صوم رمضان متعمدا، فقد كفر). ([972])
قال تعالى: ]وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون[ [النور:56].
وقال تعالى: ]وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين[ [البقرة:43].
(21) وعن ابن عباس ﭭ قال: (إن وفد عبد القيس، لما قدموا على رسول الله r، أمرهم: بالإيمان بالله، فقال: «أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال r: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (53)، و(87)، و(523)، و(4368)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص47)، وأبو داود في «سننه» (3692)، و(4677)، والترمذي في «سننه» (1689)، و(2797)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص537)، وفي «المجتبى» (ج8 ص120)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص464)، وفي «الإيمان» (ص202)، وأبو محمد البغوي في «شرح السنة» (20)، وابن منده في «الإيمان» (18)، و(19)، و(21)، والخلال في «السنة» (1100)، و(1094)، وأبو عبيد في «الإيمان» (ص33)، والمخلص في «المخلصيات» (124)، و(3095)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج1 ص177 و178)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص249)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (1583)، وابن العطار في «نزهة الناظر» (ص72)، ويوسف بن عبدالهادي المقدسي في «مسألة التوحيد» (ص72)، وابن البخاري في «مشيخته» (87)، و(175)، والقاضي أبو يعلى في «الإيمان» تعليقا (16)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1279)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1295)، وابن النجار في «ذيل تاريخ بغداد» (ص10)، وابن المؤذن في «فوائد مخرجة عن الشيوخ» (ق/20/ط)، وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (932)، وابن الجوزي في «الوفا بفضائل المصطفى» (ج4 ص260)، وفي «المشيخة» (ص64)، والذهبي في «معجم الشيوخ» (ج1 ص364)، وأبو عبدالله البرزالي في «سلوك طريق السلف» (15)، والنعال في «المشيخة» (ص141)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص294)، و(ج8 ص303)، وفي «شعب الإيمان» (ج1 ص50)، وفي «دلائل النبوة» (ج5 ص324)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (390)، و(391)، وابن بلبان في «خمسة أحاديث عن الأئمة الخمسة» (ص20)، وابن حبان في «صحيحه» (157)، و(172)، والطيالسي في «المسند» (ج4 ص466)، وابن خزيمة في «صحيحه» (307)، و(2245)، و(2246)، وابن الجارود في «المنتقى» (374)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص6)، والطبراني في «المعجم الكبير» (12949)، وابن رجب في «الذيل على طبقات الحنابلة» (ج2 ص516 و517)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص61 و62)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج1 ص110 و111)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1078)، والعلائي في «إثارة الفوائد» (ص31)، وفي «المجالس الثمانية» (ص260)، والمراغي في «المشيخة» (ص167 و168 و169)، وابن أبي الفتح الصوري في «حديثه» (ص674)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص104) من طريق عباد بن عباد، وأبي التياح، وشعبة، وحماد بن زيد، وقرة بن خالد؛ جميعهم: عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس ﭭ به.
وقال الحافظ أبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص61): «بيان: صفة الإيمان، والإسلام، وأنه أداء الفرائض، واجتناب المحارم».
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج3 ص535): (قد أعلم r في هذا الحديث: أن: «الصلاة»، و«الزكاة» من الإيمان، وكذلك: «صوم رمضان»، و«إعطاء خمس الغنيمة»). اهـ
وقال الإمام الترمذي في «السنن» (ج4 ص563)؛ «باب: ما جاء في إضافة الفرائض إلى الإيمان). اهـ
وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي / في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص107): «باب: أداء الخمس من الإيمان».
وقال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص642)؛ سياق ما روي عن النبي r في أن دعائم الإيمان، وقواعده، شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.
وقال الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ج1 ص18)؛ باب: من قال: إن الإيمان، هو العمل.
وقال الحافظ ابن حبان / في «صحيحه» (ج4 ص334): (أطلق المصطفى r: اسم: الكفر على تارك الصلاة، إذ ترك الصلاة أول بداية الكفر؛ لأن المرء إذا ترك الصلاة واعتاده، ارتقى منه إلى ترك غيرها من الفرائض، وإذا اعتاد ترك الفرائض أداه ذلك إلى الجحد، فأطلق r اسم النهاية التي: هي آخر شعب الكفر على البداية التي: هي أول شعبها، وهي ترك الصلاة). اهـ
(22) وقال تعالى: ]فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم[ [التوبة:5].
(23) وقال تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11].
(24) وقال تعالى: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة[ [البينة:5].
قلت: فأخبرنا الله تعالى: أن الحنيف المسلم، هو على الدين القيم، وأن الدين القيم: هو بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن التارك لهما: هو المشرك الذي افترض علينا قتاله، وقتله حتى يتوب، ولا توبة له إلا بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة. ([973])
وقال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج5 ص956): (فوصف الله عز وجل الدين قولا، وعملا؛ فقال تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11]؛ والتوبة: من الشرك، وهو: الإيمان، والصلاة، والزكاة: عمل).([974]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص59): (قوله تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11]؛ فعلق أخوتهم للمؤمنين؛ بفعل الصلاة، فإذا لم يفعلوها لم يكونوا: إخوة للمؤمنين، فلا يكونوا: مؤمنين، لقوله تعالى: ]إنما المؤمنون إخوة[ [الحجرات:10]). اهـ
وقال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج11 ص361): (القول في تأويل: قوله تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11]؛ يقول جل ثناؤه: فإن رجع هؤلاء المشركون الذين أمرتكم، أيها المؤمنون، بقتلهم عن كفرهم، وشركهم؛ بالله تعالى إلى الإيمان به وبرسوله r، وأنابوا إلى طاعته، ]وأقاموا الصلاة[ المكتوبة، فأدوها بحدودها، ]وآتوا الزكاة[ المفروضة أهلها: ] فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11]، يقول تعالى: فهم إخوانكم في الدين الذي أمركم الله تعالى به، وهو الإسلام). اهـ
وقال الإمام ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص418): (قال الله عز وجل: ]حنفاء لله غير مشركين به[ [الحج:31].
* ثم وصف الحنفاء، والذين هم غير مشركين به، فقال عز وجل: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة[ [البينة:5].
* فأخبرنا - جل ثناؤه وتقدست أسماؤه - أن الحنيف المسلم هو على الدين القيم، وأن الدين القيم هو: بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن التارك لهما: هو المشرك الذي افترض علينا قتاله وقتله حتى يتوب، ولا توبة إلا بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فقال تعالى: ]فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم[ [التوبة:5].
وقال تعالى: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11].
* فأي بيان - رحمكم الله - يكون أبين من هذا؟
وأي دليل على أن الإيمان قول وعمل، وأن الصلاة والزكاة من الإيمان يكون أدل من كتاب الله، وسنة رسول الله r، وإجماع علماء المسلمين، وفقهائهم الذين لا تستوحش القلوب من ذكرهم، بل تطمئن إلى اتباعهم، واقتفاء آثارهم رحمة الله عليهم، وجعلنا من إخوانهم). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «حكم تارك الصلاة» (ص45): (وإذا رددنا هذا النزاع إلى الكتاب والسنة، وجدنا أن الكتاب والسنة، كلاهما: يدل على كفر تارك الصلاة، الكفر الأكبر المخرج عن الملة، قال الله تعالى في سورة التوبة: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين[ [التوبة:11].
* وقال في سورة مريم: ]فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا (59) إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا[ [مريم:59 -60].
* فوجه الدلالة: في الآية الثانية، آية سورة مريم، أن الله قال: في المضيعين للصلاة، المتبعين للشهوات: ]إلا من تاب وآمن[ فدل، على أنهم حين إضاعتهم للصلاة، واتباع الشهوات غير مؤمنين.
* ووجه الدلالة: من الآية الأولى، آية سورة التوبة، أن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين، ثلاثة شروط:
1) أن يتوبوا من الشرك.
2) أن يقيموا الصلاة.
3) أن يؤتوا الزكاة.
* فإن تابوا من الشرك، ولم يقيموا الصلاة، ولم يؤتوا الزكاة، فليسوا بإخوة لنا.
وإن أقاموا الصلاة، ولم يؤتوا الزكاة، فليسوا بإخوة لنا.
* والأخوة في الدين لا تنتفي إلا حيث يخرج المرء من الدين بالكلية، فلا تنتفي بالفسوق، والكفر دون الكفر). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون / في «الفتاوى» (ج3 ص265): (الإسلام هو قول وعمل واعتقاد، ولا يتم الإسلام إلا بهذا، لا بد أن ينطق الإنسان بالشهادتين، ولابد أن يعتقد الإنسان أن هذا حق، ولا بد أن يعمل الإنسان أيضا بفرائض الإسلام، كالصلاة، وأداء الزكاة، والصوم، والحج، وما إلى ذلك من الأمور التي شرعها الله عزوجل على لسان سيد الأولين والآخرين، ولا يتم الإسلام إلا بهذه الأمور مجموعها).اهـ
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص501): (وإقام الصلاة: هو العمل، وهو الدين الذي أرسل به المرسلين، وأمر به المؤمنين، فما ظنكم رحمكم الله بمن يقول: إن الصلاة ليست من الإيمان، والله عز وجل يقول: ]منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين[ [الروم:31]؛ فجعل الله من ترك الصلاة: مشركا خارجا من الإيمان؛ لأن هذا الخطاب للمؤمنين تحذير لهم أن يتركوا الصلاة، فيخرجوا من الإيمان، ويكونوا كالمشركين، وقال عز وجل: ]إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين[ [التوبة:18]؛ فقال سبحانه: من آمن بالله، واليوم الآخر، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فلم يفرق بين الإيمان، وبين الصلاة والزكاة، فمن لم يؤمن لم تنفعه الصلاة، ومن لم يصل لم ينفعه الإيمان). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص218): (فيمتنع أن يكون الرجل لا يفعل شيئا، مما أمر به من: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»... بل لا يفعل ذلك؛ إلا لعدم الإيمان الذي في قلبه). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون / في «الفتاوى» (ج3 ص262): (وبذلك نعرف أن من لم يصل فهو كافر، أما أن يزعم أنه يؤمن بالله وباليوم الآخر، فهذا إيمان كاذب، وإيمان ادعائي، فكيف يؤمن بالله تعالى، ويؤمن بكتابه، ورسوله r، من لا يمتثل أوامره، ولا يعمل بكتابه؟! والله تعالى يقول: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة[ [البينة:5]، فالذي لا يصلي، ولا يؤتي الزكاة، ليس على دين، ولم يقم بما أمر به، ولم يف بما التزم به من شرع الله ودينه: ]فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا[ [مريم:59]، يعني: عذابا شديدا في جهنم.
* أفنؤمن بالله ونرفض أوامره؟!، هذه دعوى كاذبة لم يتصورها قائلها، فليس هناك إيمان، ولا تصديق؛ إلا بانقياد، وقبول، واستجابة، وطاعة، أما بدون انقياد، وبدون قبول، وبدون استجابة لأوامر الله، فهذه دعوى زائغة كاذبة، يكذبها الواقع والحس، فلا إيمان لمن لم يصل، ولا إيمان لمن لم يمتثل أوامر الله، والنبي r قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) ([975])، والأحاديث والآيات في ذلك كثيرة كما تقدم، وهذا أمر معلوم من دين الإسلام بالضرورة.
* وأما أن الأنسان يكفيه أن ينطق بالشهادتين، نطقا كاذبا، أجوف، لا قيمة له، ولا معول عليه، فذلك لا يصح، فكيف ينطق بالشهادتين، وهو لا يطيع أمر الله عز وجل؟ وكيف يقول أشهد أن محمدا رسول الله، وهو لا يتابعه، ولا يطيعه، لا في قليل، ولا في كثير؟، قال تعالى: ]قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله[ [آل عمران:31]، وقال تعالى: ]قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين[ [آل عمران:32]، فكيف يزعم إنسان أنه يشهد أن محمد رسول الله، ولا يتابعه في صلاة، ولا في صيام ولا في زكاة، ولا في عفة ولا نزاهة؟، فشهادته حينئذ تعتبر شهادة كذب، ومن شهد أن محمدا رسول الله، فعليه أن يتبعه ويمتثل أوامره، ويتقيد بشرعه ودينه، ويبتعد عما نهى عنه.
* ومعنى شهادة أن محمد رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع، وما سوى ذلك فدعاوى كاذبه، وأمور فارغة، وأقوال لا تغني، لا نقير، ولا قطمير: ]إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون[ [الشعراء:227]). اهـ
وعن الإمام أحمد / في رواية عنه، أنه يكفر من ترك واحدا من المباني، وهي الرواية: الصحيحة لموافقتها، لإجماع الصحابة y، وهذا الحكم هو اختيار أبي بكر ابن العربي، وطائفة من أصحاب الإمام مالك بن أنس، كابن حبيب([976]). وهو الصحيح: من أقوال المتأخرين، ولا يلتفت إلى اختلافهم.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على تناقض الجابري في مسائل الإيمان، وثنائه على: «علي بن حسن الحلبي» المرجئ، ورده على: «اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء»
فمن عجيب أمر هذا المدعي، أنه كثير المناقضة لنفسه، يقع فيما ينهى الآخرين عنه، ويتصف بما يذم الآخرين بتلبسه.
* فقد تناقص عبيد الجابري في الإيمان في مجلس واحد، وإليك الدليل:
* سئل الجابري: هل من قال بشرط كمال الإيمان يكون من المرجئة؟.
فأجاب: (نعرف الإرجاء أولا ما هو: الإرجاء في اللغة معناه: التأخير ... والإرجاء الذي ذمه الأئمة، وشنعوا عليه هو: تأخير العمل عن مسمى الإيمان، عدم إدخال العمل في مسمى الإيمان، ومن هنا لابد من بيان أصناف المرجئة – ثم ذكرها- ثم قال: (وعلى هذا فإن من رأى أنه لا يعمل، أو لا يعمل، وإن العمل؛ يعني: شرط كمال إن عمل، أو لا يعمل؛ فهذا مرجئ، ولهذا أهل السنة شنع على أبي حنيفة، وأتباعه حين؛ رأوا أن الإيمان هو مجرد القول والاعتقاد، والصواب: التفصيل).([977]) اهـ
قلت: وهذا الكلام موافق، لمذهب أهل السنة والجماعة في الإيمان.
* ثم ذكر عبيد الجابري؛ بعدما أن سئل عن كتاب: «علي بن حسن الحلبي» المرجئ، وهما: «التعريف والتنبئة»، لعلي بن حسن الحلبي، و«الأجوبة المتلائمة» له، وهما كتابان، في الرد على «اللجنة الدائمة»؛ بالمملكة العربية السعودية.
قال الجابري؛ عن الكتابين: (ألفيت الردين، جيدين، قويين، وفيهما غاية الأدب، والقوة العلمية!).([978]) اهـ
قلت: وهذا من التناقض، والكذب الجلي من: «عبيد الجابري» في جلسة واحدة؛ بصوته، والله المستعان.
* فهو في: «الوجه الأول» يرد على: «المرجئة»؛ الذين لا يدخلون الأعمال في مسمى الإيمان، ويذكر في ذلك مذهب السلف؛ بل يذكر بأن السلف اشتد نكيرهم على: «مرجئة الفقهاء»؛ الذين جعلوا الأعمال شرط كمال في الإيمان، ويقول عن الذي يقول بأن الأعمال شرط كمال؛ بأنه: «مرجئ»، ثم يصحح معتقد: «علي الحلبي» في الكتابين رغم أنه ذكر بأن الأعمال شرط كمال في الإيمان فيهما، وقد أخرج الأعمال عن مسمى الإيمان، وألف هاذين الكتابين على طريقة المرجئة، وقد بينت: «اللجنة الدائمة» وفقها الله، في فتاوى؛ رقم: (21517)؛ إرجاء: «علي الحلبي».
قلت: فعبيد الجابري في «الوجه الأول» من الشريط: يوافق مذهب السلف في مسائل الإيمان، ثم في: «الوجه الثاني» يتناقض، ويوافق: «مذهب المرجئة»، اللهم سلم سلم.
ثانيا: ثناء: «عبيد الجابري» على «علي الحلبي» على ما عنده من إرجاء في كتبه، بل وثناؤه على كتب: «علي الحلبي» على ما فيها من إرجاء واضح، اللهم غفرا.
* سئل عبيد الجابري: يا شيخ بالنسبة لكل من الكتب، كتب طلبة الشيخ الألباني، وبالخصوص الكتب التي تتكلم في مسائل الكفر، والإيمان مثل:
1) «التحذير من فتنة التكفير».
2) و«صيحة نذير».
3) و«التعريف والتنبئة».
4) و«الأجوبة المتلائمة».
ومجمل مسائل الإيمان؛ هل نقرؤها؟.
فأجاب: (أما كتاب: «التعريف والتنبئة»؛ هذا جيد، أنا قرأته؛ وهو «للشيخ علي» قرأته، وهو جيد، إن شاء الله تعالى، أما بقية الكتب فما قرأتها).([979]) اهـ
* هكذا يثني على: «علي الحلبي» رغم إرجائه، ويثني على كتابه: «التعريف والتنبئة» على ما فيه من إرجاء، وموافقته لمذهب: «المرجئة»، وهو رد على: «اللجنة الدائمة»؛ وفقها الله تعالى.([980])([981])
قلت: فهنا: «الجابري» يثني على: «علي الحلبي المرجئ»، ولم يقرأ كتبه في الإرجاء؛ كما زعم.
* والأصل: في ذلك أن يوافق: «اللجنة»؛ لأنها قرأت كتب: «علي الحلبي»، ووجدت فيها موافقته لمذهب: «المرجئة».
إذا: كيف يحكم على تزكية لشخص لم يقرأ كتبه؛ بل يتناقض في الحكم على مسألة دخول الأعمال في مسمى الإيمان. ([982])
* فقد قرر المدعو: «علي بن حسن الحلبي» معتقد المرجئة في كثير من كتبه([983]) : منها:
1) الرد البرهاني.
2) صيحة نذير.
3) التحذير من فتنة التكفير.
4) التنبيهات المتوائمة في نصرة حق الأجوبة المتلائمة على فتوى اللجنة الدائمة!.
5) التعريف والتنبئة.
وغيرها من كتبه الخبيثة.
قلت: وقد رد عليه كبار علماء أهل السنة والجماعة.
* فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية في التحذير من كتابي: «التحذير من فتنة التكفير»، و«صيحة نذير»، وأنهما يدعوان إلى مذهب الإرجاء:
قالت اللجنة: (الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ...
أما بعد:
* فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء اطلعت على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من بعض الناصحين من استفتاءات مقيدة بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم: (2928)، وتاريخ: (13/ 5/1421هـ)، ورقم: (2929)، وتاريخ: (13/ 5/1421هـ)؛ بشأن كتابي: «التحذير من فتنة التكفير»، و«صيحة نذير» لجامعها/ علي حسن الحلبي، وأنهما يدعوان إلى: «مذهب الإرجاء»، من أن العمل ليس شرط صحة في الإيمان، وينسب ذلك إلى أهل السنة والجماعة، ويبني هاذين الكتابين على نقول محرفة عن شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن كثير، وغيرهما رحم الله الجميع، ورغبة الناصحين بيان ما في هاذين الكتابين ليعرف القراء الحق من الباطل ... الخ ...
* وبعد دراسة اللجنة للكتابين المذكورين، والاطلاع عليهما؛ تبين للجنة أن كتاب: «التحذير من فتنة التكفير». جمع/ علي حسن الحلبي، فيما أضافه إلى كلام العلماء في مقدمته وحواشيه، يحتوي على ما يأتي:
1) بناه مؤلفه على مذهب المرجئة البدعي الباطل، الذين يحصرون الكفر بكفر الجحود، والتكذيب، والاستحلال القلبي، كما في ص/6 حاشية/2، وص/22، وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة: من أن الكفر يكون بالاعتقاد، وبالقول، وبالفعل، وبالشك.
2) تحريفه في النقل عن ابن كثير / في «البداية والنهاية: 13/ 118» حيث ذكر في حاشية ص/15 نقلا عن ابن كثير: «أن جنكز خان ادعى في الياسق أنه من عند الله، وأن هذا هو سبب كفرهم»، وعند الرجوع إلى الموضع المذكور لم يوجد فيه ما نسبه إلى ابن كثير /.
3) تقوله على شيخ الإسلام ابن تيمية / في ص/17 - 18 إذ نسب إليه جامع الكتاب المذكور: أن الحكم المبدل لا يكون عند شيخ الإسلام كفرا إلا إذا كان عن معرفة واعتقاد واستحلال. وهذا محض تقول على شيخ الإسلام ابن تيمية /، فهو ناشر مذهب السلف أهل السنة والجماعة ومذهبهم، كما تقدم، وهذا إنما هو مذهب المرجئة.
4) تحريفه لمراد سماحة العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم / في رسالته/ تحكيم القوانين الوضعية، إذ زعم جامع الكتاب المذكور: أن الشيخ يشترط الاستحلال القلبي، مع أن كلام الشيخ واضح وضوح الشمس في رسالته المذكورة على جادة أهل السنة والجماعة.
5) تعليقه على كلام من ذكر من أهل العلم بتحميل كلامهم ما لا يحتمله، كما في الصفحات 108 حاشية/1، 109 حاشية/21، 110 حاشية/2.
6) كما أن في الكتاب التهوين من الحكم بغير ما أنزل الله، وبخاصة في ص/5 ح/1، بدعوى أن العناية بتحقيق التوحيد في هذه المسألة فيه مشابهة للشيعة -الرافضة- وهذا غلط شنيع.
7) وبالاطلاع على الرسالة الثانية: «صيحة نذير»، وجد أنها كمساند لما في الكتاب المذكور -وحاله كما ذكر-؛ لهذا فإن اللجنة الدائمة ترى أن هاذين الكتابين: لا يجوز طبعهما، ولا نشرهما، ولا تداولهما؛ لما فيهما من الباطل والتحريف، وننصح كاتبهما أن يتقي الله في نفسه وفي المسلمين، وبخاصة شبابهم، وأن يجتهد في تحصيل العلم الشرعي على أيدي العلماء الموثوق بعلمهم، وحسن معتقدهم، وأن العلم أمانة لا يجوز نشره إلا على وفق الكتاب والسنة، وأن يقلع عن مثل هذه الآراء، والمسلك المزري في تحريف كلام أهل العلم، ومعلوم أن الرجوع إلى الحق فضيلة وشرف للمسلم. والله الموفق.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... الرئيس
عبدالله بن عبدالرحمن الغديان ... عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ
عضو ... عضو
بكر بن عبدالله أبو زيد ... صالح بن فوزان الفوزان). اهـ
* فتوى العلامة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان حفظه الله عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس القضاء الأعلى بالمملكة العربية السعودية في الرد على «علي الحلبي»:
* سئل العلامة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان حفظه الله: بارك الله فيكم، ونفع بكم المسلمين، في شريط مسجل بصوت محاضر يخطئ اللجنة الدائمة في ردها على كتب علي الحلبي في الإرجاء، ويقول في رد علي الحلبي على اللجنة الدائمة للإفتاء: (يكتب بماء الذهب).
فأجاب فضيلته: (والله اللجنة الدائمة للإفتاء، أنا أتهم الذي رد عليهم، إما أنه ما فهم كلامهم، أو أنه داخل في الإرجاء، واللجنة الدائمة للإفتاء رئيسهم الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، والذي معه الشيخ عبدالله الغديان، والشيخ صالح الفوزان وبقيتهم، الذي أعرفه عنهم: الاستقامة في العقيدة، والذي رد عليهم هذا الأثري نصحهم في بعض الأشياء فأخطأ وردوا عليه، والذي على الظن أنه الأثري قد يكون هو المخطئ.
السائل: الشيخ طبعا هو علي الحلبي تقصد.
الشيخ: الحلبي هو الذي يسمي نفسه بالأثري، يعني: يزعم أنه متمسك بالأثر!!!.
السائل: هو يا شيخ كتبه ممتلئة بالإرجاء؟.
الشيخ: الأسواق ممتلئة بكل ما هو غث وسمين، مليئة بالغث والسمين، وما يتعلق بالأخلاق، ما تنظر في مكتبة في العالم إلا يدخل فيها حتى تمجيد النصرانية.
السائل: شيخنا هو يقول أن الأعمال شرط كمال، علي الحلبي.
الشيخ: هو يقول في مذهب أبي حنيفة، يقول: إرجاء الفقهاء، إرجاء الفقهاء يقولون: هذه شرط كمال، يأخذون بالمعنى اللغوي، المؤمن يعني المصدق، لكن هذا اللفظ إذا أطلق: إبليس مؤمن بوجود الله لكن ما نفعه إيمانه، فالنبي r عدد أركان الإيمان، ثم عدد أركان الإسلام، فاجعلوا قراءتكم فيما يتعلق في كتب الحديث، إذا قرأتم في الاعتقاد فاقرءوا لأمثال: الإمام الشافعي، والإمام مالك، والإمام أحمد الذي جمع بين علم الحديث والعقيدة، وتلامذة هؤلاء، حياك الله).([984])اهـ
* فتوى العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء في أن: «عليا الحلبي» المرجئ يخبط الناس بأفكاره، وجهله:
* سئل العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: ما رأيكم فيمن يجعل الكفر المخرج من الملة بالاستحلال فقط، وهل صحيح أن خلاف اللجنة الدائمة مع «علي الحلبي» خلاف صوري؟.
فأجاب فضيلته: (اتركونا من الكلام هذا، مسألة الردة: بينها العلماء من قبل، وفي كتب الفقه، وفي كتب التوحيد مبينة، ونحن لسنا بحاجة لإنسان جديد يأتي، ويلخبط الناس بأفكاره، وجهله وتخرصاته، نحن لسنا بحاجة لأمثال هؤلاء يكفينا قول علمائنا، وما دونوه في الكتب الصحيحة من كتب الفقه، وكتب العقيدة يكفينا هذا ونمشي عليه، ونترك الكتابات الجديدة، والتعالم الجديد الذي شغل الشباب، وشغل الناس).([985])اهـ
* وسئل العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: تكلمتم عن ظهور ظاهرة الإرجاء، وقد سمعنا أن اللجنة الدائمة قد تراجعت عن نقدها لكتاب «الحلبي»، وشكري، وأن «الحلبي» قد قام بزيارة اللجنة وأبان أن الخطأ في هذه الفتوى، فهل هذا صحيح؟.
فأجاب فضيلته: (هذا كذب كله، اللجنة ما تراجعت، ولا تراجع إن شاء الله عن الحق وبيان الباطل، ولا زار اللجنة أحد، ولو زارها؟!، ثم ماذا إذا زارها؟!، اللجنة ما تتراجع عن الحق أبدا، ومن الواجب إنه هو الذي يتراجع عن الباطل، ويتوب إلى الله عز وجل).([986]) اهـ
* فتوى العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان / عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء في أن: «عليا الحلبي» يقود مذهب المرجئة:
* سئل العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان /: عندنا دعاة هنا في في الجزائر ينصحون بـ«علي حسن عبد الحميد الحلبي»؟.
فأجاب فضيلته: (عبد الحميد هذا اتركوه؛ لأن هذا هو الذي يقود مذهب المرجئة في المملكة).([987]) اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة..................................................................................................... |
10 |
2) |
فكر المرجئة الخامسة النفرة من نقصان الإيمان في قلب العبد............ |
50 |
3) |
ذكر الدليل على نقض مقالات عبيد الجابري الإرجائية في الدين...... |
55 |
4) |
ذكر الدليل على أن من مذهب السلف كفر تارك: «جنس العمل»، وليس هذا مذهب الخوارج؛ كما تدعي: «المرجئة الخامسة»، وذكر الفرق بين مذهب السلف، وبين مذهب الخوارج في ذلك....... |
103 |
5) |
ذكر الدليل على ثبوت أثر عبدالله بن شقيق العقيلي في إجماع الصحابـــــــــــة الكرام على تكفير تارك الصــــــــــــــــــــــلاة، وأجمع التابعون أيضا على هذا الحكم، وفي هذا بيان جهل: «عبيد الجابري» العنيد؛ بفقه الصحابة، وبإجماعهم على كفر تارك الصلاة، والسلف؛ وأن هذا الحكم ليس من الأحكام الفقهية المحضة، بعد خوض المرجئة فيه؛ بل هذا الحكم أصبح من أحكام الأصول المحضة، وذلك لأن المرجئة في كل زمان يثيرون هذا الموضوع، ويجعلونه من الأحكام الفقهية، المختلف فيها، ليقرروا عن طريق هذا الاختلاف الإرجاء الخبيث، لذلك لا يلتفتون إلى إجماع السلف في ذلك، وهذا يكشف زيف علم: «عبيد الجابري» في الدين، مع قمع شبهته؛ بقوله: أن عدم تكفير تارك الصلاة: هو قول جمهور العلماء، وهو يقصد ما اشتهر عند أصحاب المذاهب، ووقع في ذلك بسبب تقليده للناس، وما يدندنون به في هذا الحكم؛ بل قول جمهور العلماء على كفر تارك الصلاة، وأن بهذا التقليد هلك: «عبيد الجابري» مع الهالكين............................................................................ |
142 |
6) |
ذكر الدليل على أن مسألة تارك الصلاة، قد أصبحت من مسائل الاعتقاد، فانتقلت من الفروع إلى الأصول، لأنها صارت من شعار المرجئة قديما وحديثا، واستدلالها بهذه المسألة على إرجائها، وكذلك مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة، حيث صارت من شعارات الرافضة، فأدخلها السلف في الاعتقاد بسبب ذلك، وغيرها |
223 |
7) |
ذكر الدليل على بطلان قول: «المرجئة العصرية»، على أن قول الجمهور: هو عدم تكفير تارك الصلاة، وأنه لم يصح عنهم، بل قول الجمهور على كفر تارك الصلاة، ولم يخالفوا إجماع الصحابة على هذا الحكم................................................................................................ |
230 |
8) |
ذكر الدليل على أن: «عبيد بن عبد الله الجابري» يقول الآن؛ بمذهب: «المرجئة القديمة» بأن الإيمان: في اللغة؛ هو مجرد التصديق، وأن الإيمان لا يزول بالكلية، بترك: «جنس العمل»، وأنه لا يكفر، إلا من ترك النطق بالشهادتين، أو عدم اعتقادها، وأن من نطق بالشهادتين، وترك: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، فإنه لا يكفر، بل عنده أنه ناقص الإيمان، ما دام يعتقد بقلبه بالشهادتين، ولا يكفر؛ إلا بجحود ترك أركان الإسلام، والتكذيب فقط، وهذا مذهب: المرجئة قديما وحديثا...................... |
250 |
9) |
ذكر الدليل على قمع الشبهة اللغوية؛ «للمرجئة العصرية» على أن الإيمان في اللغة: هو التصديق، وبيان أن نصوص القرآن، والسنة إذا عرف تفسيرها، وما أريد بها من تفسير النبي، وتفسير الصحابة، لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال، بأقوال أهل اللغة، ولا غيرهم من بعدهم. ..................................................................................................... |
262 |
10) |
ذكر الدليل على بطلان؛ تفسير: «عبيد الجابري» للإيمان: أنه؛ بمعنى: «التصديق» فقط في اللغة، وذلك لما فيه من موافقة: «المرجئة»، و«الجهمية»، و«الماتريدية»، و«الأشاعرة»، ولما يظهر فيه من اللوازم؛ أن: «إبليس»، و«فرعون وقومه»، و«اليهود»، و«النصارى» من المؤمنين؛ لأنهم صدقوا بقولهم في الباطن، دون: «الإقرار»، و«الانقياد»، و«العمل»، ولأنه يستلزم: «عدم عمل القلب»، مع «اعتقاد الصدق» فقط، بمعنى: الإيمان، هو: «التصديق»، وهذا باطل، لأن الإيمان: ليس مجرد: «التصديق»، بل هو: «التصديق» المستلزم، للطاعة، والإنقياد، والإقرار، مع العمل، وإذا زال عمل القلب، مع بقاء اعتقاد التصديق فقط، فهذا موضع المعركة، بين أهل السنة، وبين أهل الإرجاء، فلا ينفع التصديق، مع انتفاء عمل القلب، والإقرار، والانقياد.................................................. |
281 |
11) |
ذكر الدليل على كفر من ترك، ولم يأت بالشهادتين، فهو كافر، ومن ترك لواحد من الأعمال الأربعة: وهي: الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، والحج، فهو كافر مرتد، حتى لو أتى بالشهادتين، وقد أجمع الصحابة والتابعون لهم بإحسان على كفر من ترك لواحد من المباني الخمسة، وقد خالف: «عبيد الجابري»، الكتاب، والسنة، والإجماع، فهلك ووافق مذهب: «المرجئة المحضة القديمة»، ولابد......................................................................................................... |
361 |
12) |
ذكر الدليل على أن اعتقاد: «عبيد بن عبد الله الجابري»، عدم تكفير من ترك أركان الإسلام؛ من: «صلاة»، و«زكاة»، و«صيام»، و«حج»؛ إلا بالجحود لها، وقد وافق في هذا الاعتقاد الفاسد: لـ«ابن الرواندي» الزنديق، و«المريسي» الزنديق، وغيرهما من الزنادقة، ووافق أيضا: «المرجئة القديمة»، و«المرجئة العصرية»، وهو بذلك خالف الكتاب، والسنة، والإجماع، فهلك ولابد............................................. |
488 |
13) |
ذكر الدليل على شذوذ زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ في حديث الشفاعة، وذكر الفهم، والمعنى الصحيح: لتفسيرها............................ |
562 |
14) |
ذكر الدليل على أن: «المرجئة» تجعل الخلق يتفاضلون في الأعمال، لتفر عن القول: أن الخلق أيضا؛ يتفاضلون في الإيمان، فلا تقول: «المرجئة» أن الخلق يتفاضلون في الأعمال، كما: أنهم يتفاضلون أيضا في الإيمان، وقد كشف السلف بدعتهم هذه أيضا، وحذروا منها، وهي قولهم: «أن الناس يتفاضلون في الأعمال» ويسكتون، ولا يقولون: «أن الناس أيضا يتفاضلون في الإيمان»، وهذه البدعة وقع فيها: «عبيد الجابري» وهو لا يشعر، حيث جعل الخلق إنما يتفاضلون في الأعمال، ويسكت، والأعمال قد أخرجها من الإيمان، ولم يقل، وهم أيضا يتفاضلون في الإيمان، مع عبارته التي ذكرها في أثناء شرحه لمسائل الإيمان، ثم لا يعلم مدى خطورة هذه المقولة في الدين..................................................................................................... |
648 |
15) |
ذكر الدليل على الرد على: «عبيد الجابري»، الذي ما زال يصور حكم تارك الصلاة، بمجرد حكم فقهي، وذلك لوقوعه في الإرجاء، ولتأثره به، على طريقة المتأخرين الذين وقعوا في الإرجاء، وتأثروا به، والسلف جعلوا حكم تارك الصلاة تحت أبواب الاعتقاد والإيمان؛ للرد على المرجئة في هذا الجانب......................................... |
688 |
16) |
ذكر الدليل على كفر من ترك الزكاة، وامتنع عن أدائها، ولا فرق بين ترك الزكاة كسلا، وتهاونا، وبين من جحد وجوبها............................. |
691 |
17) |
ذكر الدليل على تناقض الجابري في مسائل الإيمان، وثنائه على: «علي بن حسن الحلبي» المرجئ، ورده على: «اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء»...................................................................... |
747 |
([3]) وانظر: «التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص48 و49 و50)، و«التعليق على صحيح مسلم» له (ج1 ص179)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج1 ص5 و6).
([4]) وانظر: «الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة» للأثري (ص29)، و«مسائل في الإيمان» للشيخ الفوزان (ص16)، و«نكت القرآن» للقصاب (ج1 ص302 و499)، و«تعليم أصول الإيمان» للشيخ السعدي (ص15)، و«القدرية والمرجئة» للعقل (ص75)، و«الإيمان بين السلف والمتكلمين» للغامدي (ص17)، و«أقوال ذوي العرفان» للسناني (ص5 و6 و7)، و«التبيان لعلاقة العمل بمسمى الإيمان» لابن سوف (ص29)، و«جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ج1 ص114 و115)، و«الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص382)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج3 ص16-19)، و«التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص48-50)، و«منحة الملك الجليل» للشيخ الراجحي (ج1 ص56 و57)، و«التلخيص في شرح الجامع الصحيح» للنووي (ج2 ص452 و454)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص49).
([5]) وانظر: «الإيمان» للأثري (ص28)، و«تعليم أصول الإيمان» للشيخ السعدي (ص15)، و«التبيان لعلاقة العمل بمسمى الإيمان» لابن سوف (ص31)، و«جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ج1 ص114 و115)، و«فتح الباري» له (ج1 ص5-6)، و«الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص184-187)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج3 ص17 و20)، و«التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص48-50)، و«التلخيص في شرح الجامع الصحيح» للنووي (ج2 ص452 و454)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص25).
([6]) وهذه الأدلة من الكتاب تدل على أن الأعمال جزء من الإيمان، وأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق ولا القول بدون العمل. فإذا تجرد الإيمان عن العمل فلا فائدة فيه.
وانظر: «الإيمان» للأثري (ص29)، و«نكت القرآن» للقصاب (ج1 ص302 و499)، و«جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ج1 ص114 و115)، و«فتح الباري» له (ج1 ص5-6)، و«الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص416 و424)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج3 ص18-20)، و«التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص48-50)، و«منحة الملك الجليل» للشيخ الراجحي (ج1 ص56 و57)، و«التلخيص في شرح الجامع الصحيح» للنووي (ج2 ص452 و454)، و«تعليم أصول الإيمان» للشيخ السعدي (ص15)، و«الإيمان بين السلف والمتكلمين» للغامدي (ص20)، و«أقوال ذوي العرفان» للسناني (ص52)، و«التبيان لعلاقة العمل بمسمى الإيمان» لابن سوف (ص31).
([10]) وانظر: «الإيمان بين السلف والمتكلمين» للغامدي (ص22 - 26)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج1 ص5 و6)، و«التبيان لعلاقة العمل بمسمى الإيمان» لابن سوف (ص46)، و«مسائل في الإيمان» للشيخ الفوزان (ص21)، و«تعليم أصول الإيمان» للشيخ السعدي (ص25)، و«أقوال ذوي العرفان» للسناني (ص52)، و«الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص428 و429 و515)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج3 ص19-22)، و«التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص48-50)، و«منحة الملك الجليل» للشيخ الراجحي (ج1 ص56 و57)، و«التلخيص في شرح الجامع الصحيح» للنووي (ج2 ص452 و454)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص25).
([15]) وانظر: «مسائل في الإيمان» للشيخ الفوزان (ص16)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج1 ص5 و6)، و«التبيان لعلاقة العمل بمسمى الإيمان» لابن سوف (ص29)، و«القدرية والمرجئة» للعقل (ص75)، و«أقوال ذوي العرفان» للسناني (ص52)، و«نكت القرآن» للقصاب (ج1 ص302 و499)، و«الإيمان الكبير» ضمن: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص141 و216 و562 و582)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج3 ص19 و22)، و«التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص48-50)، و«منحة الملك الجليل» للشيخ الراجحي (ج1 ص56 و57)، و«التلخيص في شرح الجامع الصحيح» للنووي (ج2 ص452)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص25).
([18]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص18)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص88).
وهذه الأدلة من السنة تدل على أن الأعمال جزء من الإيمان، وأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق ولا القول بدون العمل.
فإذا تجرد الإيمان عن العمل فلا فائدة فيه.
([19]) وانظر: «أقوال ذوي العرفان» للسناني (ص59)، و«الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص162 و381 و515)، و«مسائل في الإيمان» للشيخ الفوزان (ص16)، و«التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص48-50)، و«الإيمان» للأثري (ص29)، و«أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر» للشيخ الراجحي (ص17).
([20]) وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص148 و149 و157 و158)، و«الإيمان الصغير» لابن تيمية أيضا، وهو المطبوع في «مجموع الفتاوى» (ج7 ص483 و487)؛ باسم: «الإيمان الأوسط»، وطبع أيضا، باسم: شرح حديث جبريل عليه السلام».
وانظر: «التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص179 و184).
أخرجه اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (1593).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «الإيمان» (ص197)، وكما في «الفتاوى» (ج7 ص208 و209)، وابن رجب في «فتح الباري» (ج1 ص5).
([27]) كما قال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني / في: «الفرقة التبليغية» في هذا العصر: «صوفية عصرية»، وقال عن: «الفرقة السرورية» في هذا العصر: «خارجية عصرية».
* «شريط مسجل»، بعنوان: «السرورية خارجية عصرية»، نهاية الوجه الأول، تسجيلات: «بيت المقدس»، الأردن.
* وقد سماها الشيخ الفوزان حفظه الله بـ«المرجئة المعاصرة»: وهذا بخط يده.
انظر: «الأقوال الخفية للمرجئة المعاصرة» للعرجاني (ص5).
([28]) وهذا بالنسبة للفظ في أصل مذهبهم، لأنها تخالف من سبقها في ألفاظ الإرجاء؛ كما سوف يأتي ذكر ذلك، وإلا قد تطورت المرجئة هذه بقولها بالإرجاء على أنه من مذهب السلف، فهي أخطر لهذه التسمية.
([29]) والناطق الرسمي لهذه الطائفة في هذا العصر: هو «ربيع المدخلي المرجئ».
* وقد اتبعه: «عبيد الجابري المرجئ» على معتقد الإرجاء، والتنازل عن الأصول، وغير ذلك من الأصول الفاسدة إلى الآن، ولم يتب، ولم يترك أصول مذهب: «ربيع المدخلي»، اللهم سلم سلم.
([30]) وأهل السنة والجماعة، كما بينا على خلافه؛ يقولون: إن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والأعمال كلها من حقيقة الإيمان، أو داخلة في مسمى الإيمان، وجزء منه.
([31]) والمرجئة يجمعون: تقريبا على أن العمل ليس داخلا في حقيقة الإيمان، ولا داخلا في مفهومه.
انظر: «أقوال ذوي العرفان» للسناني (ص41).
([32]) وانظر: «البيان لأخطاء بعض الكتاب» للشيخ صالح الفوزان (ص179)، و«مسائل في الإيمان» له (ص18)، و«أقوال ذوي العرفان» للسناني (ص39 و40)، و«القدرية والمرجئة» للعقل (ص89)، و«الملل والنحل» للشهرستاني (ج1 ص139)، و«مقالات إسلاميين» للأشعري (ج1 ص214)، و«الإيمان» لأبي عبيد (ص79 و101)، و«أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر» للشيخ الراجحي (ص14 و15)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص195 و196 و204)، و«الفصل في الملل والأهواء والنحل» لابن حزم (ج3 ص137 و138)، و«التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص48-50)، والتلخيص في شرح الجامع الصحيح» للنووي (ج1 ص454)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز (ج2 ص459)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص46)، و«الإيمان» لابن منده (ج1 ص405)، و«لوامع الأنوار» للسفاريني (ج1 ص405)، و«منحة الملك الجليل» للشيخ الراجحي (ج1 ص63 و64 و65).
([33]) وهذا الفرقة برآسة: «ربيع المدخلي المرجئ»، ونائبه: «عبيد الجابري المرجئ»، ومن تابعهما على بدعة الإرجاء الخبيث، في «الفرقة الربيعية»!.
([35]) ومراد الشيخ أن الشرط خارج عن ما هية الشيء، والعمل جزء من الإيمان لا خارج عنه.
قلت: فالوضوء مثلا شرط في صحة الصلاة، لأنه خارج عن الصلاة، فالوضوء ليس داخلا في الصلاة فتنبه.
([43]) وهذا الأمر في: «عبيد الجابري» فإنه لم يعرف بطلب العلم على يد علماء السنة، وليس له مشيخة في العلم، إنما أخذ العلم من العلم الآكاديمي من الجامعة، ومن الكتب، وظن أنه عالم، وهو متعالم في العلم، لذلك أرتكز في بدع كثيرة في الاعتقاد والمنهج، والشريعة، والدعوة.
قال الشيخ العلامة ابن باز / في «مسؤولية طالب العلم» (ص7): (المعروف: أن من كان شيخه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه). اهـ
أخرجه ابن أبي عمر في «الإيمان» (ص96)، وحرب الكرماني في «المسائل» (ص373)، والآجري في «الشريعة» (ج2 ص640 و684)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج5 ص1000)، بإسناد صحيح.
أخرجه الكرماني في «المسائل» (ص377).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج1 ص21).
([58]) ومن نهج طريق القرآن والسنة بفهم السلف الصالح في إثبات مسائل الإيمان، فهو سلفي، ومن حاد عنها واشتغل فيها بالطرق العقلية بعيدا عن الوحي، فهو مرجئ كائنا من كان، اللهم غفرا.
([60]) قلت: وما علمت: «بالجابري» ذكر شيئا من الإرجاء قديما، ولكنه تكلم في الإرجاء حديثا، فزرع شرا عظيما؛ اللهم غفرا.
([63]) وقد جاءت ردود بعد الفتوى مؤيدة لها من أهل العلم شهدوا للجنة الدائمة وفقها الله بإصابة الحق، ووجاهة النقد، ووضوح الرد العلمي من الأدلة النقلية التي تنير الطريق، وتقومبها الحجة.
راجع: «أشرطة مسجلة»، بعنوان: «أقوال علماء أهل السنة والجماعة في منهج ربيع المدخلي»، الجزء الأول، والثاني، والثالث، والرابع.
([65]) وللعلم فإن: «الجابري» هذا كثير التجريح للعلماء، وطلبة العلم الذين يخالفونه، حتى من لم يوافقه على مسائل فقهية، أو في تصحيح حديث، أو تضعيفه، أو غير ذلك مثل: «صوم عرفة»!!!..
([66]) فعلى: «عبيد الجابري» أن يدرس العقيدة الصحيحة في مسائل الإيمان، وغير ذلك، إذا أراد لنفسه النجاة، ولا يكابر أكثر من ذلك، ويتمادى في أباطيله.
([68]) ولعل الله تعالى أوقعه في هذا الخطأ، ليعرف ضعفه في علم العقيدة، فيتدارك هذا الضعف بالرجوع إلى العلماء الراسخين في العلم، بدلا أن يظل مفتخر بما عنده من العلم الذي يسخر به على طلبة العلم، وغيرهم بألفاظ لو وصف بها للبسته لبوسا لا تنفك عنه، فكيف يتهم بها غيره؟!!!.
قال تعالى: ]فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم[ [غافر: 83].
قلت: فعليه أن يعلن رجوعه عن خطئه، وهو طريق أهل العلم، اللهم غفرا.
* سئل العلامة الشيخ ابن باز /: إذا سئل شخص عن مسألة فأفتى فيها، وبعد مدة تبين له أن ما أفتى به غير صحيح فماذا عليه أن يفعل؟.
فأجاب فضيلته: (عليه أن يرجع إلى الصواب، ويفتي بالحق، ويقول أخطأت ... فالرجوع إلى ما يعتقد العالم أنه الصواب، والحق أمر معروف، وهو طريق أهل العلم والإيمان، ولا حرج في ذلك، ولا نقص بل ذلك يدل على فضله، وقوة إيمانه، حيث رجع إلى الصواب، وترك الخطأ). اهـ
انظر «مسؤولية طالب العلم» (ص44).
([69]) وليس هذا الانحراف في أوساط الجهال من المسلمين فقط، بل يقع فيه كثير من المتفقهين، والمنتسبين إلى العلم، ولا سيما المنخرطين في سلك حب الظهور عن طريق التأليف وغيره، وما أكثرهم في بلدان المسلمين، اللهم سلم سلم.
([70]) فلا يستطيع أن يميز بين الخير والشر، وعلى هذا فلا بد من مواقعة الشر.
والشاعر الحكيم يقول:
عرفت الشر لا للشـ ... ــــــــر لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر ... من الخير يقع فيه
([71]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص523)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص450)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص504)؛ من حديث ثوبان t.
أخرجه الجوهري في «مسند الموطأ» (ص584)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج23 ص10)؛ عن الإمام مالك /قال: (كان وهب بن كيسان يقعد إلينا، ثم لا يقوم أبدا، حتى يقول لنا: إنه لا يصلح آخر هذه الأمة، إلا ما أصلح أولها).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن خلفون في «أسماء شيوخ مالك» (ص33).
([78]) إذا عرفت هذا، عرفت لماذا قال: «الجابري المرجئ»، باعتقاد: «المرجئة» في عدم ذهاب الإيمان بالكلية.
([79]) ونفور: «ربيع المدخلي» من النقصان واضح وضوح الشمس في الظهيرة، وهذا يعرفك لماذا: «ربيع المدخلي» شن الحرب على نقص الإيمان بالكلية.
([80]) ولا يفهم من كلامي هذا أني أقول إن: «المرجئة الخامسة» قد وافقوا «المرجئة الخالصة» الأوائل في جميع مسائل الإيمان، وإنما أقول إن القوم بينهم، وبين: «المرجئة الأوائل» توافق أدى إلى اتحاد الأدلة المشتبهة، والقول في حكم تارك جنس العمل الذي ظاهره قول السلف، وباطنه قول الخلف!!!، وغير ذلك من مسائل الإيمان.
أخرجه الفريابي في «صفة المنافق» (93)، ومن طريقه الذهبي في «السير» (ج11 ص162)، بإسناد حسن.
([85]) كـ«المدخلي» الذي لا يميز بين مذهب السلف، وبين مذهب: «المرجئة» في مسائل الإيمان، لاختلاط هذا بهذا عليه، وهو يدعي أنه معظم للسلف، وأهل الحديث، والله المستعان.
([86]) قلت: فلم يبرأ: «المدخلي» من الإرجاء بذلك، لأنه وافق السلف في المقولة لفظا، وخالفهم في حقيقة المذهب معنى، فلم تتحقق فيه شروط البراءة من الإرجاء، وكذلك: «الجابري»، فافطن لهذا.
([87]) هنا يدخل العمل في الإيمان، ويثبت الإيمان للعبد بفعله العمل، وبعد قليل سوف يخرج العمل من الإيمان، ويثبت الإيمان للعبد بتركه للعمل!، اللهم غفرا.
([88]) وقد بينت شذوذ هذا الحديث، وتفسير هذه الزيادة: «لم يعملوا خيرا قط»، التفسير الصحيح من الكتاب والسنة، والآثار، وأقوال العلماء في كتابي: «القناعة في تبيين شذوذ لم يعملوا خيرا قط في حديث الشفاعة»، ولله الحمد والمنة.
([89]) «فالجابري» هذا يستدل بهذا الحديث على إثبات الإيمان للعبيد مع تركهم الأعمال، وهذا فهم شارد للحديث، فلا يقال بأن هؤلاء جاءوا بالإيمان مجرد لم يضموا إليه شيئا من الأعمال فتنبه، وسوف يأتي الرد عليه في ذلك.
([91]) «فالجابري» هذا يرى أن العبيد يدخلون الجنة بتصديقهم بالقلب فقط!، وهذا هو مذهب: «الأشاعرة»، والله المستعان.
([92]) والعجيب من السائل يقول: (ولا نريد أن نقع في الإرجاء؛ فرددنا الأمر إلى علمائنا!)، وهذا يدل على أن السائل لا يفرق بين العالم والمتعالم، فهو رد الأمر إلى عالم بزعمه، ليخلصه من ورطة الوقوع في الإرجاء، فأوقعه عالمه! في الإرجاء المهلك، اللهم سلم سلم.
لذلك يجب أن نتعرف على علماء السنة، ونسأل عنهم في البلدان للرجوع إليهم في أحكام الدين، لقوله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل: 43].
([93]) قلت: وهنا يريد: «الجابري» أن يهرب من التكفير بترك العمل، فذكر الخلاف في تارك الصلاة للاحتجاج به، كعادة المقلدين المحتجين في فتواهم المخالفة للكتاب والسنة، وإلا فقد نقل عبد الله بن شقيق: «إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة»، فهذا الأصل الذي اعتمد عليه أهل السنة والجماعة على كفره، لذلك لا يعتد بالخلاف الذي حدث في هذه المسألة بعد ثبوت إجماع الصحابة الكرام، بل وثبوت النصوص الصريحة من الكتاب والسنة على كفره، بل هذا الخلاف يقبل في الجملة، وعلى الأتباع من الأمة أن يحكموا بكفر تارك الصلاة للنصوص الواردة في ذلك والإجماع، ولا يذكر في الحكم، وليس خلاف العلماء في ذلك حجة في الدين، لأن النصوص أحق أن تعظم، ويقتدى بها من رأي أي معظم.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الجامع» (ج2 ص922): (الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من علماء الأمة إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله). اهـ
لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص72): على معنى الكفر في الأثر: (قوله: (كان أصحاب محمد r لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة)؛ لا يجوز أن يراد به إلا الكفر الأعظم). اهـ
قلت: فكيف يجرؤ: «الجابري» بذكر الخلاف بدون التنصيص على الراجح فيه، وبدون ذكر الإجماع قبله، لأن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن الأثر لا يحتمل غير قول واحد في المسألة، ولا يحتمل غير الكفر الأكبر، والله يقول: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59]. ويأتي الرد عليه في ذلك جملة وتفصيلا.
([95]) وهو يقصد هنا أهل السنة، في ردودهم على أهل الإرجاء، فإنهم ردوا اعتقاد الإرجاء بألفاظه، وهذا ليس بتصيد، ولله الحمد والمنة.
([97]) «شريط مسجل» بصوت الجابري في «شبكة الأثري» بتاريخ 30/04/2011، وهو مفرغ في مقال بـــ«شبكة الأثري».
([98]) وهذا يدل على أن سكوت: «الجابري»، عن اعتقاد: «ربيع المدخلي»، من قبل في الإرجاء لموافقته على الإرجاء، فافطن لهذا.
([99]) فأنت ترى – وقاك الله شر البدع، وأهلها – كيف يتناقض هذا الرجل التناقض تلو الآخر في مقال واحد، حتى أنه يقع فيما: لا يخفى على صغار طلبة الدعوة السلفية، فضلا ممن يدعي أنه من علماء الدعوة السلفية؟!، وهو فوق هذا كله يفتخر، والله المستعان.
وهذا لون مما هو متلبس به، ويتهم به غيره.
([100]) فظهرت هذه النابتة فجعلت بعض أصول العقيدة السلفية مجالا للنقاش، والأخذ والرد، بل جعلوا ذلك من المسائل الخلافية، ومن ذلك قضية الإيمان، وإدخال الإرجاء فيه تريد فصل العمل، وإخراجه عن حقيقة الإيمان، بحيث يصبح العبد مؤمنا ناقص الإيمان بدون عمل، فلا يؤثر تركه في الإيمان عندهم.
* وهذا يدل عليه قول: «الجابري» هذا؛ بقوله: (فمن نطق الشهادتين، واعتقد بالقلب لكن لم يعمل أي شيء، لا صلاة، لا صيام، لا حج، لم يعمل أي شيء؛ فهذا أقل ما يقال فيه إيمانه ناقص!). اهـ
«شريط مسجل» بصوت الجابري في «شبكة الأثري» بتاريخ 30/04/2011، وهو مفرغ في مقال بـــ«شبكة الأثري».
وانظر: «مسائل في الإيمان» للشيخ الفوزان (ص23).
([101]) فجعل من ترك هذه الأصول، أنه لا يكفر!، لأنه فاسق عنده، وسوف يأتي الرد عليه في كتاب أخر.
وأضف أنه لا يكفر بترك الصلاة، وعلى هذا عنده لا يكفر إلا من ترك النطق بالشهادتين، وصدق بها في قلبه، وإن لم يعمل؛ أي: عمل!.
فعبيد الجابري: لا يكفر من ترك الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، والحج، وهذا قول المرجئة تماما.
([102]) فهو لا يكفر؛ إلا بترك الشهادتين، وهذا هو الإرجاء الذي أنكره أئمة الحديث على أهل البدع.
وهذا قدح صريح بعدالة هذا: «الجابري» الذي يعرف ويحرف.
وهذا من الخبط في «مسائل الإيمان»، ولا يجوز الخلط والخبط في الدين.
([103]) فهنا يكفر تارك الصلاة، وفي موضع آخر لا يكفر تارك الصلاة، ليثبت الإرجاء في نفسه.
فهذا طرف من تناقضه في أصل قوله في: «الإرجاء»، فأي تناقض أكبر من هذا.
وهذه كبرى معايب هذا «الجابري»؛ بشهادة نفسه على نفسه، ويكأنه بدأ يخلط، وتختلط عليه الأمور.
([106]) «شريط مسجل» بصوت الجابري في «شبكة الأثري» بتاريخ 30/04/2011، وهو مفرغ في مقال بـــ«شبكة الأثري».
([107]) «شريط مسجل» بصوت الجابري في «شبكة الأثري» بتاريخ 30/04/2011، وهو مفرغ في مقال بـــ«شبكة الأثري».
([117]) وانظر في كتابي: «القاصمة الخافضة لفرقة المرجئة الخامسة داحضة» (ص131) باب: ذكر الدليل على تفنيد دعاوى ربيع المدخلي في تشنيعه على أهل السنة والجماعة في ذكرهمجنس العمل، ولتكفيرهم بتركه.
([118]) انظر: «الانتصار في فتاوى العلماء الكبار» جمع: أبي معاذ السلفي، (ص81)، و«شريط مسجل» بصوت الشيخ، بعنوان: «أقوال علماء أهل السنة والجماعة في منهج ربيع المدخلي» الجزء الأول، وجه (أ).
([119]) انظر: «الانتصار في فتاوى العلماء الكبار» جمع: أبي معاذ السلفي، (ص84)، و«شريط مسجل» بصوت الشيخ، بعنوان: «أقوال علماء أهل السنة والجماعة في منهج ربيع المدخلي» الجزء الأول، وجه (أ).
([120]) انظر: «الانتصار في فتاوى العلماء الكبار» جمع: أبي معاذ السلفي، (ص93)، و«شريط مسجل» بصوت الشيخ، بعنوان: «أقوال علماء أهل السنة والجماعة في منهج ربيع المدخلي» الجزء الأول، وجه (أ).
([121]) انظر: «الانتصار في فتاوى العلماء الكبار» جمع: أبي معاذ السلفي، (ص97)، و«شريط مسجل» بصوت الشيخ، بعنوان: «أقوال علماء أهل السنة والجماعة في منهج ربيع المدخلي» الجزء الثالث، وجه (ب).
([122]) انظر: «الانتصار في فتاوى العلماء الكبار» جمع: أبي معاذ السلفي، (ص110)، و«شريط مسجل» بصوت الشيخ، بعنوان: «أقوال علماء أهل السنة والجماعة في منهج ربيع المدخلي» الجزء الثالث، وجه (ب).
([123]) وانظر: «الانتصار في فتاوى العلماء الكبار» جمع: أبي معاذ السلفي، (ص111)، و«شريط مسجل» بصوت الشيخ، بعنوان: «أقوال علماء أهل السنة والجماعة في منهج ربيع المدخلي» الجزء الثالث، وجه (ب).
([124]) وانظر: «الانتصار في فتاوى العلماء الكبار» جمع: أبي معاذ السلفي، (ص21)، و«شريط مسجل» بصوت الشيخ، بعنوان: «الأسئلة الجزائرية في مسائل الإيمان».
([125]) وانظر: كتابي: (القناعة في تبيين شذوذ زيادة «لم يعملوا خيرا قط» في حديث الشفاعة).
قلت: وبيأتي الرد على: «الجابري» في ذلك جملة وتفصيلا.
([126]) قلت: وهؤلاء المميعة الحزبية يظهرون لك الود، والصفاء بلسانهم، ويضمرون لك العداوة والبغضاء، فأصمهم الله تعالى، وأعمى قلوبهم: ]إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين[ [الأنبياء: 106].
قلت: فمن عرف حقيقة: «المميعة المرجئة» استراح، ولا طاح.
وإذا أراد الله تعالى لعبد خيرا وفق له رجلا صالحا سلفيا على الجادة.
([127]) قلت: وهذا المرجئ المبتدع أضاف إلى أهل السنة، وأهل الحديث المحالات في اعتقادهم، ووضع أشياء مختلفة من الضلالات قد أعاذنا الله تعالى منها.
([128]) فهؤلاء اتبعوا أهواءهم في دين الله تعالى بمؤازرة إبليس لمحاربة أهل السنة والأثر بعلم منهم، لكن هيهات هيهات.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص435)، والطبري في «تفسيره» (ج8 ص88)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص318)؛ بإسناد حسن.
([130]) وهذا يبين أن: «عبيدا» لا يدخل الأعمال في تعريف الإيمان، ولم يجعلها ركنا في الإيمان، ولا يكفر بترك: «جنس العمل»، فالرجل مضطرب في هذه المسألة، اللهم سلم سلم.
([132]) فهو هنا يقول: (بأن تارك جنس العمل ناقص الإيمان).
قلت: وفي موضع آخر يناقض قوله هذا، والله المستعان.
([133]) قلت: فالرجل ظهر منه أنه يجازف في أحكام الدين عن غير علم وبرهان، بل بالظنون والتهور المفرط، والله المستعان.
([134]) قلت: وهذا الاضطراب والتناقض يدل على فساد معتقده ومنهجه في مسائل الإيمان، لأن معتقد أهل السنة والجماعة ليس فيه أي اضطراب وتناقض.
([135]) وقد نصح من قبل علماء الحرمين، ولم يرجع، ولم يتب، بل زاد في عناده وغيه إلى أن يهلك، والعياذ بالله.
([136]) كـ (الظفيري) العراقي المرجئ، وهذا الذي أفسد «شبكة سحاب» سابقا، مع «ربيع المرجئ»؛ وأدخل فيها ما هب ودب من أهل البدع والأهواء، ومن المجهولين والمتعالمين.
([138]) وهؤلاء السحابيون المتعالمون: لم يكلفوا أنفسهم بالبحث لمقالات: «ربيع»، و«عبيد»، وغيرهما حتى يعرفوا التلبيس، بل يعرفوا خطورة ما تفوه به «الجابري» في معتقد أهل السنة والجماعة في مسائل الإيمان.
([142]) فمن بدع: «المرجئة» أن الأعمال عندهم لا تدخل في مسمى الإيمان، لأنهم يعتقدون أن الأعمال شرط كمال في الإيمان، فهي شيء زائد عندهم عن الإيمان، والله المستعان.
وانظر «التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاوية» للشيخ الفوزان (ص145).
([143]) كذلك هؤلاء مخالفون في الإيمان لأهل السنة والجماعة؛ لأنهم قالوا: لو زالت جميع الأعمال سوى الشهادتين لم يخرج بذلك من الإسلام.
قلت: وهذه المقولة الحادثة انتشرت بين أتباع: «ربيع المدخلي» في «شبكة سحاب» سابقا وغير ذلك، والله المستعان.
([148]) و«الجابري» دخلت عليه الشبهة التي دخلت على: «المرجئة في السابق»، فلم يستطع التخلص منها إلى الآن، اللهم غفرا.
([149]) ومن خطأ بعض: «المرجئة» في هذه المسألة من المعاصرين المنتسبين للسلف؛ أنهم يصفون المخالفين من أهل السنة والجماعة بالخوارج، وهذا فيه تجن على السلف من جهتين.
الأولى: أنهم نسبوا إلى السلف ما ليس من مذهبهم.
الثانية: أنه يلزم على ذلك الطعن في السلف الصالح. لأن ما زال السلف يدخلون العمل في مسمى الإيمان، و«المرجئة» لا يدخلون العمل في مسمى الإيمان.
([151]) إذا فالمتقرر عند أهل السنة والجماعة: هو تلازم الجوارح الظاهرة، وأعمال القلوب الباطنة، لا يمكن تصور وجود أحدهما دون الآخر.
([161]) وقد فصلت القول في ذلك في كتابي (القناعة في تبيين شذوذ زيادة «لم يعملوا خيرا قط» في حديث الشفاعة)، ولله الحمد والمنة.
([162]) قلت: لأن أقوال هؤلاء بعيدة عن التأصيل العلمي، بل بعيدة كل البعد عن منهج السلف، عصمنا الله وإياكم من الهوى.
([163]) قلت: فوجب درء فتنة: «فكر الإرجاء» المعاصر، بوقفة صادقة حيال ذلك، مع عدم إغفال الطرف الآخر وهو فكر الخوارج.
قلت: وللأسف فإن الأجيال القادمة ستدفع ضريبة باهظة حين تستشري تلك الأفكار، وتجد من يروج لها في بلاد الإسلام، اللهم سلم سلم.
([164]) وانظر: «الصلاة وحكم تاركها» لابن القيم (ص41 - 42)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج2 ص836)، و«معارج القبول» للحكمي (ج3 ص1016)، و«التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاوية» للشيخ الفوزان (ص149)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص72)، و«المفهم» للقرطبي (ج1 ص317).
([166]) كما أخذ «ربيع المدخلي» عقيدة المرجئة من كتب أهل الكلام، كقوله عن الخلاف الذي وقع بين أهل السنة، وبين أهل الإرجاء بأنه لفظي صوري!.
قلت: وهذا القول قول أهل الكلام من: «الماتريدية» وغيرهم يزعمون فيها أن الخلاف في هذه المسألة لفظي وليس حقيقيا.
انظر إلى كتب أهل الكلام في هذه المسألة منها: «حاشية الكستلي على النسفية» (ص158)، و«قواعد في علوم الحديث» للتهانوي (ص235)، و«فيض الباري» للكشميري (ج1ص59)، و«النبراس شرح العقائد» للفرهاري (ص405)، و«المسامرة شرح المسابرة» لابن أبي شريف (ص373)..
([168]) وكذلك «المرجئة العصرية» يعيبون أهل السنة في تكفير تارك: «جنس العمل»، فهؤلاء قوم سوء، والعياذ بالله.
([170]) قلت: لأن من أرتكب كبيرة فقد خرج من الإيمان، ودخل في الكفر عند الخوارج، فلا يجتمع عندهم في الشخص الواحد ثواب وعقاب، وحسنات وسيئات، والله المستعان.
* وأما عند السلف، والسنة، فإنه يجتمع عندهم في الشخص الواحد الحسنات المقتضية للثواب، والسيئات المقتضية للعقاب، ولذلك هم يرون التكفير بترك: «جنس الأعمال» على الإطلاق، لأن: «جنس الأعمال» ركن في الإيمان.
* وأما الخوارج يرون التكفير بترك آحاد العمل على الإطلاق، كما سبق.
قلت: وهذا هو الفارق بين السلف والسنة، وبين الخوارج الوعيدية!.
([172]) وانظر: «قواعد في بيان حقيقة الإيمان» للشيخان، و«أصول السنة للإمام أحمد» (ص74)، و«فتاوى إسلامية» فتوى: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (ج1 ص21).
([174]) وهذا مثل قول العلامة الحكمي / في «معارج القبول» (ج2 ص30)؛ عندما يرد على الخوارج: (والفرق بين هذا، وبين قول السلف الصالح أن السلف لم يجعلوا كل الأعمال شرطا في الصحة، بل جعلوا كثيرا منها شرطا في الكمال). اهـ.
([175]) أي: بكل ذنب، لأن من الذنوب ما يكون كفرا كما بين أهل العلم.
وقد شرح الفرق بين الاطلاقين: العلامة ابن أبي العز الحنفي /، فقال في «شرح العقيدة الطحاوية» (ص251): (امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحدا بذنب، بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب، كما تفعله الخوارج، وفرق بين النفي العام، ونفي العموم، والواجب إنما هو نفي العموم مناقضة لقول الخوارج الذين يكفرون بكل ذنب). اهـ
قلت: ومما يؤيد هذا، ما رواه إسحاق النيسابوري في «مسائل أحمد» (1876): (حضرت رجلا عند أبي عبد الله، وهو يسأله: فجعل الرجل يقول: وأن لا يكفر أحدا بذنب؟ قال أبو عبد الله: اسكت!، من ترك الصلاة فقد كفر).
([178]) قلت: و«ربيع المدخلي» لم يفرق بين هذا وذاك، فوصف أهل السنة بالخوارج؛ إذا كفروا تارك: «جنس العمل»، والله المستعان.
([180]) وهذه بدعة قديمة، فإن أهل البدع في القديم يعيبون أهل السنة في تكفيرهم بالدليل من الكتاب والسنة، والله المستعان.
([181]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1523)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص450)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص504) من حديث ثوبان t.
([182]) «كربيع المرجئ»، و«إخوانه المرجئة»! في (شبكة سحاب الحزبية) سابقا!، وهم: «الفرقة الربيعية» في البلدان.
([184]) قلت: فهو لم يفرق بين مذهب أهل السنة، وبين مذهب الخوارج في مسألة التكفير، فهو يرمي أي جماعة بالتكفيريين، أو الخوارج إذا كفرت تارك: «جنس العمل»، حتى لو بالضوابط الشرعية، اللهم غفرا.
([185]) وهو دائما وأبدا ينكر أنه قال: كذا، أو قال: كذا، وكتبه وأشرطته تدينه بضلالاته هذه، اللهم غفرا.
([186]) قلت: بل أجمع السلف على الاعتقاد في مسائل الإيمان، ومن ذلك: «أن الإيمان ينقص، ينقص: حتى لا يبقى منه شيء»؛ ذكروا هذه الزيادة في كتبهم منهم: الإمام الآجري في «الشريعة»، والإمام اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة»، والإمام ابن بطة في «الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة»، والإمام الخلال في «السنة»، والإمام عبدالله بن أحمد في «السنة»، والإمام البربهاري في «شرح السنة»، والإمام الصابوني في «عقيدة السلف وأصحاب الحديث»، فهؤلاء ذكروا إجماع السلف على اعتقاد أهل السنة والجماعة، ومن ذلك الزيادة المذكورة، ولم ينكروها.
قال الإمام الصابوني / في «عقيدة السلف وأصحاب الحديث» (ص315): (وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء؛ كانت معتقد جميعهم، لم يخالف فيها بعضهم، بل أجمعوا عليها كلها). اهـ
قلت: ومن الجمل التي ذكرها الإمام الصابوني /: بـ «أن الإيمان ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء».
أخرجه إسحاق بن منصور في «المسائل» (ج2 ص589)، ومن طريقه الخلال في «السنة» (ج3 ص582) قال: قال إسحاق بن راهويه فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح
أخرجه الحميدي في أصول «السنة» (ص41)، والصابوني في «الاعتقاد» (ص270)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج5 ص1032)، والعدني في «الإيمان» (ص94)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص854)، والآجري في «الشريعة» (ج2 ص607) من طريقين عن سفيان به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه الخلال في «السنة» (ج3 ص583) من طريق أبي بكر المروذي أن أبا عبد الله قيل له فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
ذكره ابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (ج2 ص210)، وابن مفلح في «المقصد الأرشد» (ج2 ص325)، والعليمي في «المنهج الأحمد» (ج2 ص154) في ترجمة القاسم بن عبدالله البغدادي؛ فيما نقله عن الإمام أحمد.
أخرجه حرب الكرماني في «المسائل» (ص370) قال: سمعت بشار بن موسى به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه الأصم في «حديثه» (ص153)، ومن طريقه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج5 ص1030)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج11 ص41) من طريق العباس بن الوليد البيروتي حدثنا أبو قدامة الجبيلي قال: سمعت عقبة بن علقمة يقول: سألت الأوزاعي فذكره.
قلت: وهذا سنده فيه أبو قدامة الجبيلي تمام بن كثير، ترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق (ج11 ص41)؛ ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وله ذكر في «تهذيب الكمال» للمزي (ج2 ص212)، فهو لا بأس به في المتابعات، لأن اعتقاد السلف يتبع بعضه بعضا؛ كما ذكرنا، فافهم لهذا ترشد.
قلت: ويشهد له ما قبله من الآثار السلفية.
([194]) أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج11 ص42)، والأصم في «حديثه» (ص153)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج5 ص1030).
ذكره الثعلبي في «تفسير القرآن» (ج3 ص213) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي قال: سألت علي بن عبدالله المديني فذكره.
([200]) ومع هذا فإنك ترى: «المدخلي» المخالف معرضا عن صريح كلامه، متعلقا ببعض العبارات التي يمكن أن يقال: إنها مجملة.
([203]) قلت: لذلك فإن «عبيدا» عهد إلى أسلوب خطير قد يروج على ضعاف الإيمان والعلم، وعلى من لم يتمكنوا من فهم عقيدة السلف المستمدة من الكتاب والسنة.
([204]) قلت: والعلماء يعبرون في ذلك بعبارات متنوعة، وألفاظ مختلفة... مع سلامة كلامهم من الاضطراب والتناقض، فانتبه.
([205]) اضمحل: ذهب وانحل وفني.
وانظر: «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ج3 ص124)، و«مختار الصحاح» للرازي (ج1 ص179)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص317).
([208]) قلت: و«أهل السنة»، إذا تقابلوا هم: و«أهل الإرجاء»، فلهم نصيب من تقابل المسلمين والكافرين، اللهم سدد سدد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج2 ص293): (وأهل السنة إذا تقابلوا هم وأهل البدع؛ فلهم نصيب من تقابل المؤمنين والكفار). اهـ
([209]) قلت: و«ربيع» خالف هذا الإجماع، بل أنكره، كما في «كشفه البالي» (ص78)، وفي «بيانه البالي» (ص115)، وفي «شرحه البالي لمعتقد السلف وأصحاب الحديث» (ص173و174).
([210]) قلت: وقول الإمام سفيان بن عيينة / نقله عنه الإمام الصابوني / في «معتقد السلف» (ص271)؛ على أنه معتقد السلف، المجمع عليه!!!.
([213]) قلت: فمن أخذ في مثل هذه المحجة أمن في دينه، وتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها... ومن أعرض عنها، وابتغى في غيرها مما يهواه، فقد سلك سبيل الضلالة، وسقط في مهاوي الهلكة.
وانظر: «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» للالكائي (ج1 ص10).
([214]) «فالجابري» هذا يقلد ويرمي غيره به، ويحرف ويتهم مخالفه، وهو فوق هذا كله يفتخر، ويتعالم في كتبه وأشرطته بما يوهم إخوانه: «المرجئة»؛ أنه فريد عصره، ووحيد دهره!.
([215]) قلت: وخرق «الجابري» الإجماع في «مسائل الإيمان»، وغيرها، فهو مأزور، وإلى الله ترجع الأمور، اللهم سلم سلم.
([219]) وانظر: «التوضيح عن توحيد الخلاق»؛ لأئمة الدعوة وهم: الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، والشيخ محمد بن علي بن غريب، والشيخ حمد بن معمر، فهؤلاء ثلاثة من أئمة الدعوة اشتركوا فيه، وهم يقولون: بـ «زوال الإيمان بالكلية»، فهل يقال بعد ذلك أنهم لم يقولوا: بزوال الإيمان بالكلية!.
قلت: وهؤلاء أئمة نجد يقولون: بـ (أن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء) فماذا يقول ربيع؟!. هل يتوب ويرجع عن الإرجاء المهلك؟!، وإلا سوف يستمر فيه ويهلك!.
([220]) قلت: لذلك فإن: «عبيدا» عهد إلى أسلوب خطير قد يروج على ضعاف الإيمان والعلم، وعلى من لم يتمكنوا من فهم عقيدة السلف المستمدة من الكتاب والسنة.
([224]) والحاصل أن: «الجابري» المخالف لم يسق حجة صحيحة على ما ادعاه، وإنما اعتقد ثم تكلف في فهم كلام السلف، وتأويله، ثم تضعيفه؛ اللهم غفرا.
([225]) قلت: و«عبيد الجابري» هذا راج عليه الباطل بسبب فساد فطرته في الاعتقاد، وعدم علمه ومعرفته بنصوص الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، والميل إلى اتباع الآراء المختلفة.
وانظر: «ستة أصول عظيمة» للشيخ محمد بن عبدالوهاب (ص26)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص463)، و«إتحاف الخيرة المهرة» لزوجتي الفاضلة أم عبدالرحمن الجودر الأثرية (ص36).
([227]) قلت: فأين فطرتك السليمة ذهبت يا: «عبيد»؟!، التي توجب ترجيح الحق على الباطل في الأصول، فهي تطبعت على ترجيح الباطل على الحق، والعياذ بالله.
وانظر: «مختصر الصواعق» لابن القيم (ج2 ص566)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص463).
([229]) انظر: «تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ص379)، و«إتحاف الخيرة المهرة» لزوجتي الفاضلة أم عبدالرحمن الجودر الأثرية (ص36و37).
قلت: ولو كانت فطرة «الجابري» سليمة لأقبل على الحق، وترك الباطل، وذلك لأن القلب السليم يحب الحق، ويريده، ويطلبه، اللهم غفرا.
وانظر: «الشرح الممتع» لشيخنا الشيخ ابن عثيمين (ج6 ص193).
([230]) قلت: والواجب على «الجابري» أن يلزم الفطرة السليمة في الاعتقاد، ويحذر الأسباب التي تصده عن الحق، وتصرفه عنه، وعليه بعلماء الحرمين ليلزم الحق وأهله، ويجتنب الباطل وأهله.
* والله تعالى بحكمته يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، مع قيام الحجة على الخلق، وإرسال الرسل، وظهور الحق.
وانظر: «توضيح الكافية الشافية» للشيخ السعدي (ص79).
([231]) انظر: «الصوارف عن الحق» للدكتور حمد العثمان (ص5).
قلت: والله تعالى بحكمته يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، مع قيام الحجة على الخلائق، وإرسال الرسل، وظهور الحق.
([232]) وانظر: «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ص72)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج2 ص787)، و«توضيح الكافية الشافية» للشيخ السعدي (ص79).
([235]) قلت: و«الجابري» هذا لو طلب الحق بصدق لعرفه، وهذا الحق واضح سهل لمن يطلبه بحسن قصد، وهو ظاهر غاية الظهور، لكنه أعرض عنه، وصد عنه؛ والعياذ بالله.
قلت: وهذا بسبب ميله إلى أقواله الباطلة، وهي صد عن الحق، ومن أسباب لزوم الحق هو معرفة ما يصد عنه، والله المستعان.
وانظر: «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج2 ص787).
([236]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص28)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1219).
قلت: والاشتباه هذا إنما هو بالنسبة لمن لم يعرفها، وليست مشتبه في نفس الأمر، فانتبه.
قال الحافظ ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ص72): (وإنما هي مشتبه على من لم يعلمها، وليست مشتبه في نفس الأمر). اهـ
([238]) قلت: فمن فرط في رفع الجهل عن نفسه، فمثل هذا لا يقبل اعتذاره بالجهل، فتنبه.
وقد وقع في شبهة إبليسية شيطانية في عدم النظر، والتحري للحق والعلم، لاشتباه الحق عليه وغموضه، والله المستعان.
([239]) قلت: والمصيبة العظمى مع تبين ضعف «عبيد الجابري» في العلم كما في كتبه، وأشرطته، رضا عن نفسه بذلك، واقتناعه بعلمه واغتراره به، فتراه لا يبحث في العلم، ولا يحقق، ولا يدقق، ولا ينظر إلى كلام أهل العلم؛ ليصل إلى الحق الذي بينوه له في الأصول، ولم يباحث علماء الحرمين ليبينوا له خطأه اللهم غفرا.
وانظر: «صيد الخاطر» لابن الجوزي (ص374).
([240]) قلت: وغموض الحق على: «الجابري» جعله أن لا يدركه، وزاد ذلك رسوخه في: «اعتقاد الإرجاء»، واستفحاله فيه، وذلك لتفريطه في طلبه، وترك النظر، والتدقيق في البحث، حتى في كتبه لا ترى تحقيقا لا في أقوال العلماء، ولا في تخريج الأحاديث، ولا الآثار، ولا في ذكر المراجع التفصيلية، ولا في ترتيب المادة العلمية، بل الضعف في كتبه أوضح من الشمس في الظهيرة؛ اللهم سلم سلم.
وانظر: «الاعتصام» للشاطبي (ج2 ص344)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج1 ص54).
([242]) قلت: فأخذ القول على علاته، وفرط فيما يجب عليه من بذل الوسع في تبين الصواب، وهذا يقع غالبا من خامد الذهن، والله المستعان.
وانظر: «قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر» للشيخ صديق حسن خان (ص175).
([243]) قلت: واختلاطه لم يكن بالفاحش، وهذا لا يضر في الجملة.
قال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج6 ص351) عن الجريري: (وهو مختلط، ولم يكن اختلاطه اختلاطا فاحشا، فلذلك أدخلناه في الثقات). اهـ
([247]) قلت: وأضف أن الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري /، والحافظ مسلم بن الحجاج القشيري /؛ روايا عن بشر بن المفضل عن الجريري في صحيحيهما، وهذا الإسناد متفق عليه عند الشيخين، فلا يرد ذلك بالتكلف والتعسف، فإن ذلك مسلك أهل الأهواء، والعياذ بالله.
قال ابن الكيال / في «الكواكب النيرات» (ص184): (وقد روى الشيخان للجريري من رواية بشر بن المفضل). اهـ
([253]) قلت: وهؤلاء: «المرجئة» ليس لهم سلف فيما ذهبوا إليه من تضعيف أثر عبدالله بن شقيق العقيلي في كفر تارك الصلاة بهذه الطريقة الفاسدة في تضعيف الأسانيد للأحاديث، وهذا إن دل، فإنه يدل على انحراف القوم في الدين، اللهم سلم سلم.
([255]) وانظر: «تلخيص الحبير» لابن حجر (ج2 ص720)، و«تخريج الأحاديث والآثار في الكشاف» للزيلعي (ج1 ص204)، و«المجموع» للنووي (ج9 ص252).
([256]) وقع عنده: «شقيق بن عبدالله»، وهو خطأ؛ صوابه: «عبدالله بن شقيق»، وهو الذي صوبه الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص515)، وكذا في «المجموع» للنووي (ج3 ص18).
([257]) قلت: وهي الطبعة المعتمدة عند الشيخ الألباني / في صحة الأحاديث والآثار في آخر حياته، والله ولي التوفيق.
([258]) وانظر: «موسوعة الصلاة الصحيحة» للثبتة (ج2 ص777)، و«آراء الإمام عبدالعزيز بن باز الفقهية» للحاشدي (ج2 ص627).
([259]) قلت: فتضعيف «المرجئة» للأثر لا يقبل منهم، ولا يلتفت إليهم، لذلك نوافق، ونتابع ما اتفق عليه العلماء قديما وحديثا في صحته، اللهم غفرا.
([262]) وانظر: «شرح العمدة» لابن تيمية (ج2 ص75)، و«الصلاة» لابن القيم (ص67)، و«التمهيد» لابن عبدالبر (ج4 ص225)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج1 ص23)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج10 ص265)، و«الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج12 ص134).
أخرجه الخلال في «السنة» (ج4ص142)، واللالكائي في «الإعتقاد» (ج4 ص1829)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (87) من طريق محمد بن جعفر عن جعفر بن عوف عن الحسن البصري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (893)، والخلال في «السنة» (1379)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (876)، واللالكائي في «الإعتقاد» (1538) من طريق يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحاق ثني أبان ابن صالح عن مجاهد بن جبر به.
قلت: وهذا سنده حسن.
أخرجه اللالكائي في «الإعتقاد» (ج2 ص828)، وابن منده في «الإيمان» (2170)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (947)، والبغوي في «شرح السنة» (347)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج4 ص229)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (ج3 ص366) من طريق زهير بن حرب عن أبي الزبير به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص925) من طريق محمد بن يحيى الذهلي ثنا محمد بن المفضل السدوسي ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ومحمد بن المفضل ثقة تغير بآخرة، وقد روى عنه محمد بن يحيى الذهلي قبل الإختلاط.
انظر: «حاشية كتاب المختلطين» للعلائي (ص117).
([269]) قلت: والمرجئة لم يظفروا: بصحابي واحد يقول بقولهم، بل ولم يصح لهم عن التابعين عن أحد والذي جاء، عن الزهري /، وهو من صغار التابعين، لا يصح عنه، وهو ليس بصريح أيضا في عدم تكفيره لتارك الصلاة، مع أنه لا يعتد بقوله في هذه المسألة، وإن صح عنه؛ لما ثبت من الكتاب، والسنة، والإجماع على تكفير تارك الصلاة، اللهم سلم سلم.
* وأثر الزهري: أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص957).
وانظر: «الصلاة» لابن القيم (ص67)، و«الترغيب والترهيب» للمنذري (ج1 ص393).
([270]) قلت: وهل يقال عن أئمة السنة قد فاتهم تضعيف أثر عبدالله بن شقيق، ثم تأتي أنت فتضعفه، وأهل السنة يروون مالهم، وما عليهم، وأما أهل الأهواء من أمثالك لا يروون إلا مالهم، فليس لك وجه في تضعيف الأثر، فكيف نترك نهج الأئمة الرشيد، لمثل فهمك البعيد، ومن علم حجة على من لم يعلم.
([271]) قلت: وأول من احتج بهذه الآية هو الإمام الشافعي /، ولعله كان أول من احتج للإجماع بنص من الكتاب، وبها احتج أكثر علماء الأصول.
([272]) وانظر: «أحكام القرآن» للشافعي (ج1 ص53)، و«الرسالة» له (ص475)، و«العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1064)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص155)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل ابن تيمية (ج1 ص615)، و«الإحكام» للآمري (ج1 ص200).
([273]) قلت: والضلال المبين مخالفة سبيل المؤمنين، والتدين بما لم يتدينوا به، والضلالة هي أخذ غير سبيلهم، ونهج غير طريقهم!.
([275]) قلت: وكان ذنب من يعرف الحق، ويزيغ عنه أعظم من ذنب الجاهل، فهو أعظم جرما؛ لأنه اطلع على الحق، وعمل بخلاف ما يقتضيه على سبيل العناد لله تعالى.
قلت: وسبيل المؤمنين: هو الدين الحنيفي الذي هم عليه، فمن يشاقق الرسول r هو متبع غير سبيل المؤمنين ضرورة، ولكنه بدأ بالأعظم في الإثم، وأتبع بلازمه توكيدا.
وانظر: «البحر المحيط» لأبي حيان (ج3 ص496)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج5 ص385).
([278]) قلت: وزعموا بئسما زعموا: أن أقوال غير المذاهب المختلفة درست، وذهبت، فحكموا على من يخالف هذه المذاهب، بالضلال، والشذوذ، فضيعوا آثار الصحابة الكرام وفقههم، وإجماعهم في الدين، ونسبوا إلى الخلافيات المذهبية؛ الحفظ والصحة، وكأنها بمنزلة الذكر الذي تكفل الله بحفظه، فاعتبر.
([279]) قلت: والإجماع سبيلهم، أو من سبيلهم، فيجب اتباعه، ويكون حجة على المخالفين له.
وانظر: «التفسير الكبير» للرازي (ج3 ص462)، و«إجمال الإصابة في أقوال الصحابة» للعلائي (ص57)، و«الاعتصام» للشاطبي (ج3 ص135)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص18).
([280]) قلت: إن من يشاقق الرسول r، ويخالف الصحابة الكرام، ويتبع غيرهم من العلماء في اختلافهم، فإنه متوعد له، وهذا يقتضي لحوق الإثم عليه: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
أخرجه البيهقي في «أحكام القرآن» (ج1 ص52)، والسبكي في «الطبقات الكبرى» (ج2 ص19).
وإسناده صحيح.
([282]) قلت: لأنه لا معنى لمشاقة الرسول r؛ إلا ترك الإيمان، وذلك لأن ترك الاتباع بالكلية هو من اتباع غير سبيل الرسول r، وهذا من الشقاق، بل هو اتباع غير سبيل الصحابة الكرام أيضا، فمن اختاره لنفسه، فقد اختار غير سبيل المؤمنين.
وانظر: «نهاية السول شرح منهاج الوصول» للأسنوي (ج2 ص282)، و«الإبهاج في شرح المنهاج» للسبكي (ج2 ص357).
([283]) انظر: «الإبهاج في شرح المنهاج» للسبكي (ج2 ص354)، و«معراج المنهاج شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول» للجزري (ج2 ص75)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج1 ص338)، و«نهاية السول شرح منهاج الوصول» للأسنوي (ج2 ص281)، و«الإجماع» الباحسين (ص220)، و«الأحكام» للآمدي (ج1 ص208).
([284]) قلت: لذلك لم يرض علماء الحرمين؛ اعتراضات: «ربيع المدخلي» في مسائل الإيمان، لأنه ذكرها على طريقة: «المرجئة القديمة».
([285]) وانظر: «حجية الإجماع» للسرميني (ص132)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج11 ص35)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج5 ص190)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج1 ص463).
([288]) وانظر: «روح المعاني» للآلوسي (ج5 ص132)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج1 ص463)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج3ص496).
([290]) قلت: فلا إنفكاك بين علو مكانتهم، وفضلهم، وخيرتهم، وعلمهم، وفقههم، فهم أصحاب المنهج الأسلم، والأحكم، والأعلم؛ كما أنهم خير الناس وأفضلهم.
([292]) قلت: فمن سوى بين أقوال السلف، وبين أقوال الخلف، فقد استوجب على نفسه المؤاخذة، والله المستعان.
أخرجه الدارمي في «المسند» (224)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج4 ص227).
وإسناده صحيح.
ونقله عنه ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج6 ص27).
أخرجه البيهقي في «المدخل» (49)، وفي «الإعتقاد» (ص208)، وابن النقور في «الفوائد» (32)، وابن الأعرابي في «المعجم» (861)، والقطيعي في «زوائد فضائل الصحابة» (541)، والآجري في «الشريعة» (ج2 ص413)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص379)، والبزار في «المسند» (130)، والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (445)، والحاكم في «المستدرك» (ج3 ص78)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (3602)، وفي «المعجم الكبير» (8582)، والطيالسي في «المسند» (246)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص375)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص214).
وإسناده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «الضعيفة» (ج2 ص17)، والسخاوي في «المقاصد الحسنة» (959)، والعجلوني في «كشف الخفاء» (ج2 ص188).
([296]) قلت: والمراد أن اجتهاد العلماء من بعدهم يسقط مع إجماعهم؛ فلا يبحث، ولا يحتج به، فافهم لهذا ترشد.
([299]) قلت: فما أجمع عليه السلف فهو حجة، ويسقط الاجتهاد فيما يسمى بـ«المجالس، والهيئات، والمؤتمرات، واللجان، والجمعيات»، فلا يعتد مع إجماعهم، ومن رد إجماعهم أثم وضل، ووقع في الندامة، والويل يوم القيامة.
أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص386)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (230)، واللالكائي في «الإعتقاد» (134)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (455)، وفي «شرف أصحاب الحديث» (5)، والأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص109)، والآجري في «الشريعة» (ص48)، وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (2326)، والخلال في «السنة» (ج4 ص127)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص357).
وإسناده حسن.
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص439)، وأبو داود في «المسائل» (277).
وإسناده صحيح.
أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص404)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص466)، وعبدالرزاق في «المصنف» (4755)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (386).
وإسناده حسن.
أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (ج7 ص75)، واللالكائي في «الإعتقاد» (158)، والآجري في «الشريعة» (ج1 ص123)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص555)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (133)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (ج3 ص723).
وإسناد صحيح.
أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص296)، والمروزي في «السنة» (90)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص103)، وأحمد في «الزهد» (869)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (161)، وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1179)، والهروي في «ذم الكلام» (ج3 ص70)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص383)، والطوسي في «الأمالي» (484)، والطبراني في «المعجم الكبير» (10488).
وإسناده صحيح.
أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص115)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص453)، والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص381)، والنسائي في «السنن الكبرى» (369)، وفي «السنن الصغرى» (ج1 ص278)، وابن عبدالبر في «الجامع» (ج2 ص1183)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص110)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج2 ص433)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص118)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص305)، وابن أبي حاتم في «التفسير» (ج9 ص3134)، والبيهقي في «المعرفة» (ج1 ص129)، والشافعي في «المسند» (ج1 ص55)، وفي «الرسالة» (ص443).
وإسناده حسن.
([309]) قلت: وقد مرت بهم سنوان طويلة، وهم يربون أتباعهم على قول فلان، وفلان، أو مذهب فلان، ومذهب فلان... فكان ينبغي لهم أن يربوا أتباعهم على مذهب الصحابة الكرام، وفهمهم، لا على أقوال المذاهب!.
أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (815)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص77)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (776)، وفي «نصيحة أهل الحديث» (6)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص249)، وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص616)، وابن الأعرابي في «المعجم» (926)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص164)، والطبراني في «المعجم الكبير» (8589)، وفي «المعجم الأوسط» (ج7 ص311)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص49)، واللالكائي في «الإعتقاد» (101).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (87)، واللالكائي في «الإعتقاد» (ج1 ص59)، والأصبهاني في «الترغيب» (469)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص252)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (250)، وعبدالله بن أحمد في «زوائد المسند» (1091)، وأبو داود في «الزهد» (199)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص21).
وإسناده حسن.
أخرجه الدرامي في «المسند» (583)، وأبو زرعة الرازي في «التاريخ» (924)، والفسوي في «التاريخ والمعرفة» (ج1 ص441)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج1 ص56)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص335)، وفي «الرحلة في طلب الحديث» (21).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (501)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج7 ص124)، وابن الأعرابي في «الزهد» (ص42)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص136)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص374).
وإسناده صحيح.
([316]) حديث ضعيف. ومعناه صحيح.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج6 ص396)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج2 ص314)، وابن أبي عاصم في «السنة» (82) وغيرهم مرفوعا.
والحديث مشهور المتن، وله أسانيد كثيرة، وشواهد عديدة، وكلها ضعيفة.
([321]) فلم تغن عنهم مراكزهم الدنيوية، ولم تنفعهم علومهم الجامعية في هذه المراكز فـ ]فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون [[الروم:32].
فالحذر الحذر من الانخداع بهم في البلدان الإسلامية...فمن انخدع بهم؛ فيا حسرة عليه خسر الدنيا والآخرة: ]ذلك هو الخسران المبين[ [الحج:11].
([323]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج12 ص17 و124)، وأبو داود في «سننه» (ج3 ص312)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص415).
([327]) قلت: و«ربيع» بفعله هذا في جمعه اختلافات العلماء في الأحكام بهذه الطريقة المخزية، يعتبر من الذين يتتبعون رخص الفقهاء، ليروج اجتهاداته الفاسدة، اللهم غفرا.
([332]) قلت: وجواب الإمام سليمان التيمي / من الأجوبة القامعة للمقلدة للعلماء بذكر اختلافاتهم، والاحتجاج بها.
أخرجه ابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (1766) و(1767).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج5 ص236).
([334]) قلت: و«ربيع المدخلي» هذا سلك في أقواله تتبع الحيل، والرخص معا، فخالف الإجماع، لأن ذلك ليس من مسالك الإجتهاد، فافظن لهذا.
وهذا هو التقليد المذموم عند أهل العلم، فهو إذا تورط في الأحكام، ركن إلى التقليد، ومن تقليده ذكره لاختلاف العلماء، ويدعي أنه لا يقلد، اللهم غفرا.
وانظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (ج5 ص241).
([335]) قلت: والقائم بذكر مسائل الخلاف يحتاج على معرفة العلم بمعاني الكتاب والسنة، ثم العلم بمعاني عبارات المختلفين، ثم يبين الراجح من المرجوح في مسائل النزاع في الأحكام، والله ولي التوفيق.
وانظر: «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج1 ص75).
([336]) فالخلاف في المهمات من المسائل؛ فهو غير الخلاف في دقيق العلم من المسائل الخفيفة التي عامة من تكلم فيها هم من أهل السنة والجماعة.
([338]) قلت: يجب على الحقيقة معرفة فضل أهل العلم، وحقوقهم ومقاديرهم، وترك كل ما يجر إلى ثلمهم.
وانظر: «الفتاوى الكبرى» لابن تيمية (ج3 ص178).
([339]) ولا عجب في ذلك فقد أجمعت الأمة على هدايتهم، ودرايتهم، والتفاوت في العلم له أثره في إصابه الحق قولا وعملا، والله ولي التوفيق.
([340]) قلت: ولا عجب في ذلك، فقد أجمعت الأمة على ضلالاتهم وجهلهم، والتفاوت في الجهل له أثره في البعد عن الحق قولا وعملا، والعياذ بالله.
قلت: وهؤلاء يظنون أنهم يسلكون مسالك علماء الحرمين والسنة، وهم أبعد الناس منهم، بل سلكوا مسالك الضلال والقصاص، فهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا.
وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج19 ص123)، و«الرد على البكري» له (ج1 ص170).
([341]) وفي هذا المقام يتعين التفريق بين علماء الملة، وبين غيرهم، وبين من يحسن الكلام في فنون العلم، وبين من لا يحسن الكلام إلا في فن واحد.
([342]) وانظر: «الرد على البكري» لابن تيمية (ج1 ص170 و171)، و«الفتاوى» له (ج11 ص43)، و«منهاج السنة» له أيضا (ج4 ص134 و135)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج1 ص332).
([343]) قلت: وبهذا يظهر خطأ من عكف على الرد على أهل البدع الظاهرين، مع إهمال الرد على أهل البدع الربعيين؛ إذ خطر هؤلاء على الشباب أشد، ومداخلهم عليهم خفية، والعياذ بالله.
([344]) قلت: ومن هنا؛ فإنه يتعين الرد على أهل البدع الربيعيين؛ حتى ولو كانت لهم ردود على بدع أخرى، فافطن لهذا.
وانظر: «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج10 ص317)، و«الاستقامة» له (ج1 ص354).
([345]) قلت: لذلك يجب التحذير من «ربيع الضال»، ولو أظهر ما أظهر بزعمه من العلم والسنة، والرد على أهل البدع، والله المستعان.
([346]) أي: إطلاقات الجمل، وتعميم الكلام فيها، وهو رد على: «ربيع» في أخذه العموميات من أقوال العلماء، وتركه المفصل والمفسر من كلامهم، فجره ذلك إلى بدع قبيحة، والعياذ بالله.
([347]) قلت: وهذا المسلك ورطه بالأخذ بالشاذ، والتعلق برخص المتأخرين، بل جره إلى تقرير أصول فاسدة في الإعتقاد.
([348]) حتى زعم: «ربيع» أن المجمل والمفصل، والمطلق والمفسر لا يكون في كلام العلماء، بل لا يكون إلا في كلام الله تعالى، ورسوله r، اللهم غفرا.
وانظر: «الفتاوى الكبرى» لابن تيمية (ج2 ص226).
([349]) قلت: ودخل الاعتقاد الفاسد على: «ربيع» بسبب خبرته بالكلام خبرة مفصلة عندما كان مع الإخوانيين والسروريين، وغيرهم من أهل الكلام، وخبرته بالسنة مجملة.
قلت: ومن هنا دخل الخطأ على: «ربيع وأتباعه» من جهة نقص خبرتهم بالسنة، ولذلك آل هذا الأمر بهم إلى البدع، وموافقتهم لأهل البدع في أصولهم.
وانظر: «بيان تلبيس الجهمية» لابن تيمية (ج1 ص13)، و«الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج4 ص1504).
([350]) قلت: وهذا الذي وقع فيه: «ربيع» تماما، لضعف خبرته بالسنة، وافق: «المرجئة»، و«الجهمية»، و«المعتزلة»، و«الخوارج» وغيرهم في بعض أصولهم، بل ونسبها إلى أصول أهل السنة والجماعة!، فظلم نفسه في الدنيا والآخرة.
وانظر: «منهاج السنة» لابن تيمية (ج5 ص254).
([355]) قلت: لأن لا يعتد بالخلاف في هذه المسألة بعد ثبوت إجماع السلف من الصحابة، والتابعين، y.
والتابعون كانوا على منهاج النبوة، وسبيل الصحابة y، لم يغيروا، ولم يبدلوا، والله المستعان.
([356]) قلت: ومن لم يتبعهم فيما أجمعوا عليه، فهو غير متبع لهم، ولم يستحق الثناء، ولا الرضوان، اللهم سلم سلم.
قلت: فالمخالف في الحكم لا يسمى موافقا، فكيف يسمى متبعا؟!.
([362]) وانظر: «االمسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ج2 ص633)، و«العمدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ج4 ص1059).
([363]) وانظر: «االمسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ج2 ص616)، و«العمدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ج4 ص1059).
([364]) وانظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (ص81)، و«االمسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ج2 ص615)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج19 ص267و270).
([367]) وانظر: «التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج3 ص224)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ص317)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج1 ص372)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج2 ص214).
([374]) قلت: وهذا يدل أن المخالف للإجماع كل واحد بحسبه، يختلف في الحكم بالتكفير، أو التضليل، أو التفسيق وذلك بحسب بعده، وقربه عن الإجماع.
وانظر: «الأجوبة المفيدة» للشيخ الفوزان (ص10).
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج4 ص200 و201)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص45)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص126)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص104)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص19 و30) و(ج2 ص483)، والآجري في «الأربعين» (ص33 و34)، وفي «الشريعة» (ص46)، والبيهقي في «المدخل» (ص115)، ومحمد بن نصر المروزي في «السنة» (ص26 و27)، وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص182)، وفي «التمهيد» (ج21 ص279)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص97)، والمزي في «تهذيب الكمال» (1/ق236/ط)، والقاضي عياض في «الشفا» (ج2 ص10 و11).
وإسناده صحيح.
([379]) قلت: إذا كان هذا من رؤوس أهل السنة انحرف فما بالك بربيع الذي كان إخوانيا، ثم تسلف مع السلفيين، ولم يكن سلفيا في يوم من الأيام ألا ينحرف، ويتضح انحرافه في الأصول والفروع بلى ورب الكعبة، فنسال الله أن يختم لنا بخير، وأن يتوفانا على السنة.
([382]) فكان أئمة الحديث في الأمصار: يعدون حكم تارك الصلاة من جملة مسائل أصول الدين، التي يتميز بها أهل السنة عن أهل الإرجاء، فافهم لهذا.
([383]) وانظر: «الاعتقاد» للالكائي (ج4 ص816)، و«تعظيم قدر الصلاة»؛ باب: ذكر إكفار تارك الصلاة، لابن نصر (ج1 ص873 و939)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج2 ص778 و781 و789 و790)، و«الشريعة» للآجري (ج2 ص644 و654)، و«الإيمان»؛ باب: ذكر ما يدل على أن مانع الزكاة، وتارك الصلاة يستحق اسم الكفر، لابن منده (ج1 ص382 و383)، و«الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار» لابن أبي الخير العمراني (ج3 ص753).
([384]) فقد صرح الإمام ابن منده /: أن تارك الصلاة يستحق اسم الكفر، ومقصوده: تارك الصلاة تكاسلا، فإنه يكفر، لأنه هو موضع الخلاف بين العلماء المتأخرين.
([385]) هو الحسن بن الحسين أبو علي ابن أبي هريرة، القاضي الفقيه البغدادي، أحد أئمة الشافعية، من أصحاب الوجوه، صنف «التعليق الكبير على مختصر المزني»، وكان معظما عند السلاطين فمن دونهم.
انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية» للسبكي (ج3ص256)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج11ص304)، و«طبقات الشافعية» لابن قاضي (ج1ص126)، و«تاريخ بغداد» للخطيب (ج7ص298).
([386]) وانظر: «فتح الباري» لابن رجب (ج4 ص380)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج7 ص273)، و«المغني» لابن قدامة (ج1 ص360).
([388]) وهذا من المستحيل: أن يفعل جمهور العلماء ذلك، وأن يخالفوا الصحابة y، في كفر تارك الصلاة، لأن ذلك من الأحكام المشهورة في الدين.
أخرجه أحمد في «الإيمان» (1381)، وفي «المسائل» (ج1 ص192)، وابن أبي شيبة في «الإيمان» (103)، وفي «المصنف» (ج11 ص25)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص670)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص357)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص385)، والبغوي في «شرح السنة» (ج2 ص157)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج3 ص350) من طريق مالك، وعبد الله بن نمير، ووكيع، كلهم: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب t فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج1 ص622).
وقال الشيخ الألباني في «تعليقه على الإيمان» (ص55): «والأثر صحيح الإسناد على شرط الشيخين».
([391]) فقوله: «استتيب، فإن صلى، وإلا قتل»، فهذا يدل على أنه يكفر تارك الصلاة مطلقا، إذا لم يصل، حيث حكم عليه بالقتل، وهذا الحكم لا يكون؛ إلا للكافر في مثل هذه الأحكام.
قلت: والعجيب من أمر المقلدة، أنهم يفرقون بين: «حكم الكفر»، و«حكم القتل»، في مسألة تارك الصلاة.
* فيقولون: أن جمهور العلماء على عدم تكفير تارك الصلاة تهاونا، ثم يقولون: وقد اتفقوا على قتله!.
* سبحان الله: ألا يعلم هؤلاء، أن مجرد قول الأئمة: بقتل تارك الصلاة مطلقا، أنه كافر عندهم، كما سوف يأتي توضيح ذلك.
([392]) قلت: فمذهب الإمام مالك الصحيح: أن من ترك صلاة واحدة متعمدا مصرا حتى خرج وقتها، فهو كافر، ويقتل، فما بالك فيمن يترك الصلوات كلها.
وأخرجه الخلال في «السنة» (1398) من طريق أحمد بن حنبل به.
وإسناده صحيح.
قلت: فهذا الإمام أحمد /: يقر بحكم الإمام مالك / في قتل تارك الصلاة، فدل هذا: على ثبوت هذا الحكم عن الإمام مالك /، لأن السلف إذا حكموا بقتل عبد على ترك، أي: فريضة، فإنه كافر عندهم، فافهم لهذا.
وانظر: «مختصر اختلاف العلماء» للطحاوي (ج4 ص393).
([397]) قلت: الشيخ ابن باز /، حكم على تارك الصلاة بالقتل، لأن الحكم بالقتل، يدل على كفره عنده، لأن لا يقتل؛ إلا الكافر في هذا الأمر، فافهم لهذا ترشد.
([398]) فلم يفرق الإمام الشافعي /، بين: «الكفر والقتل»، وبين: «الصلاة والإيمان»، وأنه حكم بالقتل لتارك الصلاة، لأنه كافر، وأن: «الصلاة»، هي: «الإيمان»، فمن تركها فقد كفر، وليس بمؤمن.
([399]) وهذا يدل على أن الإمام الشافعي /، قد حكم بحكم القتل لمن انتقل من: «الإيمان إلى الشرك»، لأنه عنده: كافر بمجرد القتل في هذه الحالة.
* فهل يقول المقلد: أن الذي ينتقل من: «الإيمان إلى الشرك»، لا يكفر، وأن الإمام الشافعي / لم يصرح بكفره، لكنه صرح بقتله، وهذا يدل عنده: كفر بمجرد الحكم عليه بالقتل، فافطن لهذا.
([400]) قلت: وهذا فعل الصحابة y في قتل مانعي الزكاة في عهد أبي بكر الصديق t، وقتل الخوارج في عهد علي بن أبي طالب t، وقتلهم لهم يدل أنهم كفار عندهم في الدين، فافطن لهذا.
([402]) وهذا يدل أنه يكفر تارك الصلاة، عند الإمام الشافعي /، وقد نقل أهل العلم عنه ذلك، وهذا ظاهر من قوله.
قلت: إذا فأين قال الإمام الشافعي، أنه لا يكفر، وفي أي: كتاب قال ذلك، لا يوجد.
* ما نقل عنه إلا عدد من المتأخرين، بدون تثبت في المسألة، اللهم غفرا.
([403]) قلت: وهؤلاء، هم: الجمهور من السلف والخلف، وأضف إلى ذلك، إجماع الصحابة، والتابعين.
* وهذا يدل على أن الذي ينقل أن مذهب جمهور العلماء، وهو عدم تكفير تارك الصلاة، هذا قول عدد من المتأخرين، ليس هو: مذهب الجمهور، وهذا المذهب لا يلتفت إليه؛ بعد إجماع الصحابة، والتابعين لهم بإحسان.
وانظر: «كفاية النبيه في شرح التنبيه» لابن الرفعة (ج2 ص316).
وانظر: «الاعتقاد» للالكائي (ج4 ص896)، و«مختصر اختلاف العلماء» للطحاوي (ج4 ص393)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج5 ص243)
([406]) وانظر: «الفروع» لابن مفلح (ج1 ص269)، و«كفاية النبيه في شرح التنبيه» لابن الرفعة (ج2 ص313)، و«المهذب» للشيرازي (ج1 ص51)، و«مغني المحتاج» للشربيني (ج1 ص327)، و«المغني» لابن قدامة (ج2 ص442)، و«بداية المجتهد» لابن رشد (ج2 ص442)، و«المجموع» للنووي (ج3 ص14)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (ج1 ص327)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج5 ص143).
([409]) ولم يثبت عن الإمام الشافعي / هذا الحكم في كتبه، ولم يحفظ عنه، لأن ذلك كان عنده بدعة.
وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ج2 ص744).
([412]) وانظر: «الفروع» لابن مفلح (ج1 ص294)، و«الحاشية على الروض المربع» لابن القاسم (ج1 ص423)، و«الإحكام في شرح أصول الأحكام» له (ج1 ص132 و133)، و«الكافي» لابن قدامة (ج1 ص94 و95)، و«الإنصاف» للمرداوي (ج1 ص374).
([413]) فإذا جمعت: الصحابة، والتابعين، والسلف كلهم، وأكثر الأئمة من المتقدمين، ومن وافقهم من المتأخرين، تبين أن الأكثر على تكفير تارك الصلاة.
وهذا يدل على أن المتأخرين، هم: أقل من المتقدمين، فكيف يقال: عنهم: هم: الجمهور: ]إن هذا لشيء يراد[ [ص:6].
([414]) وهذه الرواية، نقلها عدد من المتأخرين عنه، ولم تثبت عن الإمام أحمد /.
* لذلك: لا تعتبر هذه الرواية من مذهبه، ولا تروى عنه في حكم تارك الصلاة.
([416]) وانظر: «المختصر» لابن تميم (ج2 ص15 و16)، و«المسائل» لصالح بن أحمد (ج1 ص375)، و«المغني» لابن قدامة (ج3 ص351)، وفي «الكافي» له (ج1 ص94 و95)، و«الفروع» لابن مفلح (ج1 ص294)، و«الإنصاف» للمرداوي (ج1 ص374).
([419]) قلت: والمرجئة لم يظفروا: بصحابي واحد يقول بقولهم، بل ولم يصح لهم عن التابعين عن أحد والذي جاء، عن الزهري /، وهو من صغار التابعين، لا يصح عنه، وهو ليس بصريح أيضا في عدم تكفيره لتارك الصلاة، مع أنه لا يعتد بقوله في هذه المسألة، وإن صح عنه؛ لما ثبت من الكتاب، والسنة، والإجماع على تكفير تارك الصلاة، اللهم سلم سلم.
* وأثر الزهري: أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص957).
وانظر: «الصلاة» لابن القيم (ص67)، و«الترغيب والترهيب» للمنذري (ج1 ص393).
([420]) وقد كان أهل العلم: لا يعدون انفراد الواحد، من أهل العلم، ناقضا؛ لإجماع من قبله من إجماع السلف، غيرهم.
وانظر: «الأوسط» لابن المنذر (ج1 ص411).
([421]) فقوله: «أن الإيمان في اللغة: هو التصديق»، لا يصح في اللغة، كما سوف يأتي تفصيل ذلك.
* وتعريف: أن الإيمان: هو «التصديق» فقط، هو مذهب المبتدعة: من «الجهمية»، و«الأشعرية»، و«الكرامية»، و«الماتريدية»، و«المرجئة القديمة».
* وقد بين أئمة الحديث: أن الإيمان في اللغة، ليس هو: «التصديق» فقط، فلا يكفي مجرد: «التصديق».
([422]) وتفسير: «عبيد الجابري»، لهذه الآية: «بالتصديق»، هذا باطل قطعا، وهو مخالف لتفسير السلف من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان.
* والمعنى الصحيح، للإيمان في اللغة: هو التصديق، والإقرار، والاعتقاد، والإذعان، والانقياد للعمل والأوامر.
وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص707 و807 و709 و713).
* وأما تعريفه: بمجرد «التصديق» فهذا قول أهل البدع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص351): (ومنهم: من يقول، بقول: «المرجئة»، إنه: التصديق بالقلب واللسان). اهـ
([423]) قلت: هنا «الجابري»، يقر، بأعمال الجوارح، وأنها من الإيمان، فما لبث، إلا وأسقطها من الإيمان!.
([424]) فعند «الجابري» من نطق «بالشهادتين»، واعتقدها بقلبه، ولو لم يعمل بجوارحه؛ أي: طاعة، فإن عنده لا يكفر، بل هو ناقص الإيمان، وهذا قول: «المرجئة القديمة».
([425]) وقد صرح: «الجابري» في موضع، أن تارك الصلاة لا يكفر.
* لذلك عنده: لو ترك «الصلاة»، و«الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج»، وجميع الأعمال، لا يكفر!، والله المستعان.
([426]) وهذا يدل أن «الجابري»، لا يكفر إلا بالجحود، وهذا قول: «المرجئة»، قديما وحديثا، وسوف يأتي الرد عليه.
([427]) فـ«عبيد الجابري»، هنا: يقر أن مذهب: «المرجئة»، هو قولهم: أن الإيمان: هو مجرد «التصديق»، فوقع في مذهبهم، وهو لا يشعر، وذلك لجهله بمذهب: أهل السنة، في مسائل الإيمان على التفصيل، فوقع في الفخ، ولابد.
([428]) والإيمان: أصله في اللغة؛ من الأمن الذي هو ضد: الخوف؛ ومنه: قوله تعالى: ]فآمن[ [العنكبوت: 26]؛ أي: صار داخلا في الأمن.
وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص553).
([429]) فيقال للمخبر: إذا صدقه، «صدقه»، ولا يقال: «آمنه»، و«آمن به»، بل يقال: «آمن له»، فلفظ: الإيمان يتعدى إلى الضمير «باللام» دائما، فلا يقال: «آمنته»، ولا «صدقت له»، وإنما يقال: «آمنت له»، كما يقال: «أقررت له».
وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص550).
([430]) ولمن جوز أن يقال: «ما أنت بمصدق لنا»، لأن دخول: «اللام»، لتقوية العامل، كما إذا تقدم المعمول، أو كان العامل اسم فاعل، أو مصدرا، على ما عرف في موضعه.
وانظر: «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج2 ص472)، و«الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص551).
([431]) ليس مرادفا له في المعنى: فإن كل مخبر عن مشاهدة، أو غيب، يقال له في اللغة: «صدقت»، كما يقال: «كذبت».
* أما لفظ الإيمان: فلا يستعمل، إلا في الخبر الغائب، فلو قال: طلعت الشمس، أو غربت، فلا يقال: «آمناه»، كما يقال: «صدقناه»، لأن الإيمان: مشتق من الأمن.
فإنما استعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر، كالأمر الغائب، ولهذا لا يوجد في القرآن، وغيره قط: «آمن له»؛ إلا في هذا النوع.
* والإيمان: مصدر آمن، وهو مأخوذ من مادة: «أ، م، ن»، والأمان، وهو ضد الخوف.
وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص551).
([434]) فلفظ الإيمان: لم يقابل بالتكذيب؛ كلفظ: «التصديق»، وإنما مقابل الإيمان: «الكفر»، أن الكفر ليس هو: «التكذيب» فقط.
* فكذلك ما يقابله، وهو الإيمان، ليس هو: «التصديق» فقط.
([438]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص2304)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2047) من حديث ابن عباس، وأبي هريرة ﭭ.
([439]) فدعوى الإجماع: في أن الإيمان، هو «التصديق»، فهي دعوى بغير دليل، فلا تصح، وسوف يأتي تبيين ذلك أيضا.
([443]) وهذا الكتاب: للإمام أحمد /، وهو كتاب مفرد، سماه كتاب: «طاعة الرسول r».
وانظر: «الطرق الحكمية» لابن القيم (ص102).
والكتاب ذكره ابن النديم في «الفهرست» (ص285).
([444]) فما خلفوه كم هائل من شبهات، وتأويلات باطلة، سببها قصور أفهامهم، وقلة علم، وجهل بالغ، وهوى هالك، وبكسل في طلب الحجج، ومعرفة الحق بالرجال.
وانظر: «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج1 ص335).
([445]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291): (ومعلوم: أن الإيمان: هو «الإقرار»؛ لا مجرد «التصديق»، و«الإقرار»: ضمن قول القلب: الذي هو: «التصديق»، وعمل القلب الذي هو: «الانقياد»).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291): (فكان تفسيره؛ يعني: «الإيمان»، بلفظ «الإقرار»، أقرب من تفسيره؛ بلفظ: «التصديق»؛ مع أن بينهما فرقا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291)؛ في رده على من ادعى الترادف بين الإيمان، والتصديق: (إنه؛ يعني: الإيمان، ليس مرادفا «للتصديق» في المعنى).اهـ
([447]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج2 ص94)، و(ج7 ص509 و543 و550)، و«التسعينية» له (ص160)، و«الإيمان الكبير» له أيضا (ص318 و319 و321).
([449]) ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية في «الإيمان الكبير» (ص362)؛ أن الباقلاني: نصر أيضا قول: «جهم بن صفوان» في مسألة الإيمان.
([453]) والكرامية: بفتح الكاف، وتشديد الراء، وهم: أتباع محمد بن كرام السجستاني.
انظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي (ج4 ص21)، و«الملل والنحل» للشهرستاني (ج1 ص154)، و«الفصل» لابن حزم (ج3 ص188)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص140 و141).
([455]) ومرجئة الفقهاء: مقصودهم بالمعرفة مع القول: التصديق بالقلب، مع الإقرار باللسان فقط، وهو المشهور في مذهبهم.
أخرجه الخلال في «السنة» (ج3 ص571).
وإسناده صحيح.
وانظر: «المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل» (ج1 ص73).
([458]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص291)، و«الإيمان الكبير» له (ص707 و708 و709 و713)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص229)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص337 و338)، و«الصلاة» لابن القيم (ص60 و61 و62).
قلت: فالتصديق بدون انقياد في الشرع لا ينفع في الإيمان، فتنبه.
([459]) وقد يراد «بالإقرار»، بمجرد التصديق، بدون التزام الطاعة جملة وتفصيلا، وهذا قول: «المرجئة»، اللهم غفرا.
([461]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص2304)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2046 و2047) من حديث ابن عباس، وأبي هريرة ﭭ.
* ومعناه: أنه قد يحقق الزنى بالفرج، وقد لا يحققه، بأن لا يولج الفرج، وإن قارب ذلك.
وانظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص206).
([462]) وانظر: «الصلاة» لابن القيم (ص60 و61 و62).
قلت: وسوف يأتي الرد على من ادعى الإجماع على أن الإيمان في اللغة: هو «التصديق»، في آخر هذا الباب، وقد سبق أيضا.
أخرجه اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (1593).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «الإيمان» (ص197)، وكما في «الفتاوى» (ج7 ص208 و209)، وابن رجب في «فتح الباري» (ج1 ص5).
أخرجه الكرماني في «المسائل» (ص377).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج1 ص21).
([468]) واحدة الخوخ والخوخة: كوة في البيت تؤدي إليه الضوء، والخوخة مخترق ما بين كل دارين لم ينصب عليها باب، بلغة أهل الحجاز.
انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج3 ص14).
([470]) وإن حوصروا، وألزموا، وألقموا حجرا بكثرة الحجج في ثبوت هذا النوع من الكفر، حرفوا النصوص لأجله، والله المستعان.
([471]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص327)، و(ج12 ص18)، و«منهاج السنة» له (ج5 ص251)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (ج1 ص367)، و«طريق الهجرتين» له (ص395)، و«الفصل في الملل والنحل» لابن حزم (ج2 ص215 و238).
([476]) والمرجئة العصرية: تدافع عن عقيدتها الإرجائية، وأن الإيمان: هو التصديق القلبي؛ كما صرح: «ربيع المدخلي»، و«عبيد الجابري».
([479]) وانظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج2 ص60)، و«مناقب الإمام أحمد» لابن الجوزي (ص187)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج21 ص291).
([480]) وإمام: «عبيد الجابري» في تقريره للإرجاء، هو بمثل: «جهم بن صفوان»، و«بشر المريسي»، وغيرهما من أئمة الضلالة، اللهم غفرا.
([481]) هو أبو الحسن محمد بن أسلم الطوسي: أحواله مشتهرة مشهورة، وشمائله مسطرة مذكورة، كان بالآثار مقتديا، وعن الآراء منتهيا، أعطي بيانا وبلاغة، نقض على المخالفين بتبيانه.
انظر: «حلية الأولياء» لأبي نعيم (ج9 ص238).
([487]) فلا يجوز أن يكون بإحدهما مؤمنا، إذا ترك الآخر، لأن الله تعالى أراد بالأمرين جميعا.
* فلو قال العبد: أقر، ولا أعمل، لم يطلق له اسم الإيمان.
وفيما بينا من هذا ما يكتفى به، ونسأل الله التوفيق.
([495]) وهذا التعريف: مما تكلم الناس به، بعد عصر الصحابة y، فلا يلتفت إلى هذا التعريف، وسوف يأتي الرد عن ذلك.
([496]) وأين التواتر الموجود عن العرب القاطبة، قبل نزول القرآن، أنهم لا يعرفون، للإيمان، معنى غير التصديق.
([497]) وانظر: «الصارم المسلول على شاتم الرسول» لابن تيمية (ج3 ص967 و969)، و«الفتاوى» له (ج18 ص272)، و«الشريعة» للآجري (ج2 ص686)، و«قواعد في بيان حقيقة الإيمان» للشيخاني (ص153).
([498]) يشير إلى قصة: «هرقل»، وهي موجودة في: «الجامع الصحيح» للبخاري (402)؛ وفيها، أنه قال: (وقد كنت أعلم أنه خارج).
([506]) ولو صدق به: مع العمل؛ بخلاف مقتضاه، لم يقولوا: هو مؤمن به أيضا.
فلا يوجد دليل يدل على ما ادعوه في لغة العرب، أن الإيمان: هو التصديق فقط.
([508]) وهذا يدل على أنه لا يكتفى بالتصديق المجرد؛ بل لا أكتفي بتصديق القلب واللسان، فضلا عن تصديق القلب وحده.
بل لا بد أن يعمل بموجب ذلك التصديق.
وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص331).
([511]) وانظر: «الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية» لأبي عذبة (ص40)، و«تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد» للبيجوري (ص30)، و«المسايرة» لابن الهمام (173).
([517]) وتصديق القلب: هو الاعتقاد، ويشمل ذلك: أعمال القلوب، كالحب، والخوف، والرجاء، والخشية، والتقوى، واليقين، وغير ذلك.
والنطق باللسان: هو قول اللسان، والكلمة: وأعظمها شهادة: «أن لا إله إلا الله»، و«أن محمدا رسول الله».
وعمل الجوارح: وهو سائر ما تقوم به الأعضاء من الأعمال الصالحة.
([521]) فتغلل الفكر الإرجائي في: «أتباع المرجئة العصرية» حتى أصبح شعارا ودثارا، والمذهب المرتضى عندهم.
([522]) فهذا الإرجاء، ليس شعارا للإسلام، وإنما هو من البدع المحدثة في الإسلام، التي ضحك بها المرجئيون على أتباعهم السذج في البلدان الإسلامية.
فجعلوا هذه البدعة الشنيعة من مذهب السلف، والسنة الحقيقية تركوها ظهريا.
([523]) قال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج2 ص165): (وأصل كل فتنة؛ إنما هو: من تقديم الرأي: على الشرع، والهوى: على العقل). اهـ
([524]) وإن قال الإمام ابن بطة /: أنه التصديق، فلا يعني به ما قصده: «المرجئة» وغيرهم، ممن يجعلون الإيمان، هو: التصديق، ويحصرون الإيمان فيه، فانتبه.
لكن قوله أن الإيمان: هو التصديق، فيه نظر.
* ولهذا صرح الإمام ابن بطة / في «الإبانة الصغرى» (ص249)؛ بأن هذا التصديق، لا بد أن يجتمع فيه ثلاثة أركان، حيث قال: (والتصديق بذلك: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان).اهـ
([526]) وهذه اجتهادات من أهل اللغة، كلها فيها نظر، لأنه لم يثبت ذلك في لغة العرب، كما سبق ذلك، وفي الحقيقة: أن كل واحد يقلد الثاني في، أن الإيمان: هو التصديق، فأول من قلدوه هو: «الخليل» في كتابه «العين» (ج1 ص108).
([527]) فإن إبليس: لم يكذب بأمر الله تعالى: لما أمره بالسجود، وإنما أبى الإذعان، والانقياد؛ لأمر الله تعالى، واستكبر عن ذلك الأمر، وكفر.
([528]) وكذلك: «عبيد الجابري»، لم يفصل في تعريف الإيمان في الشرع، بمثل: تفصيل أهل السنة والجماعة، في تعريفهم للإيمان في الشرع، وقد سبق ذلك.
وهذا التفصيل في الإيمان، لا يوافق: لـ«عبيد الجابري».
([531]) وهؤلاء: «المرجئة العصرية» خالفوا السلف؛ لتتبعهم متشابه الأقوال، والأدلة، بل سعوا؛ لتأييد رأيهم بذلك، اللهم غفرا.
([532]) ولا يهولنك: هذا القول، فإنه موروث عن متقدمي: «المرجئة»، من: «جهمية»، و«أشعرية»، و«ماتريدية»، و«كرامية».
([533]) ومن ثبت عنه المخالفة، للإجماع ممن يعتبر خلافه، فقد تقرر في أصول أهل الحديث: أنه لا عبرة بقول يخالف إجماعهم، مهما كانت منزلة القائل.
([536]) ولا فرق بين من تهاون في تأدية الزكاة، وبين من جحدها.
وهذا الحكم ذهب إليه أبو بكر الصديق، والصحابة في قتال مانعي الزكاة.
([537]) بزاخة: ماء لطيء، أو لبني أسد، كانت فيه وقعة عظيمة، في أيام أبي بكر الصديق t.
انظر: «معجم البلدان» للحموي (ج1 ص408، و«فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص210).
([538]) الحرب المجلية: المخرجة عن المال، والدار.
السلم المخزية: الصلح، والقرار على الذل والصغار.
ودى القتيل يديه: إذا أدى ديته.
تدونهم؛ أي: تدون ديتهم.
انظر: «نسخة الإمام ابن الصلاح، للجمع بين الصحيحين» للحميدي (ج1 ص131).
([540]) قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج13 ص210): (كذا ذكر البخاري: هذه القطعة من الخبر مختصرة، وليس غرضه منها؛ إلا قول أبي بكر t). اهـ
([543]) أمرا يعذرونكم به: رأيا، وحكما، يكون سببا لقبولكم، والعفو عنكم.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص210).
([546]) قلت: فلم يقبل t الصلح، مع مانعي الزكاة، إلا بالحرب المجلية، والسلم المخزية.
* فلم يقبل t: توبة المرتدين، إلا بهذه الشروط.
([548]) والمرجئة العصرية: يفرقون بين مانعي الزكاة، وبين المرتدين، في قتال الصحابة y لهم.
بل الذين منعوا الزكاة، هم: المرتدون أنفسهم، لا فرق بينهم.
* فلا نقسم الذين قاتلهم الصحابة y إلى قسمين:
فنقول: قسم من الذين منعوا الزكاة، وقسم: من الذين ارتدوا، فإن هذا التقسيم ليس بصحيح.
* فهم: قسم واحد فتنبه.
وانظر: «الإيمان» لأبي عبيد (ص39)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج2 ص603 و687)، و«التمهيد» لابن عبدالبر (ج4 ص23).
([549]) وانظر: «الكفاية في التفسير» لابن الحيري (ج2 ص87 و89)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج7 ص552)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج5 ص212)، و(ج6 ص315 و328)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج2 ص336)، و«تاريخ الأمم والملوك» للطبري (ج10 ص412)، و«بحر العلوم» للسمرقندي (ج3 ص102).
([550]) قلت: فاستحلوا قتالهم، لأنهم كفروا في عدم تأديتهم الزكاة، مع إقرارهم بوجوبها، من غير جحود لها.
أخرجه أبو بكر البغدادي في «زاد المسافر» (ج2 ص193)؛ رواية بكر بن محمد.
وإسناده صحيح.
([553]) وانظر: «الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج1 ص102 و224)، و«والبداية والنهاية» لابن كثير (ج6 ص311)، و«الكامل في التاريخ» لابن الأثير (ج2 ص342)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج12 ص276).
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص439)، وأبو داود في «المسائل» (277).
وإسناده صحيح.
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص438)، وابن المنذر في «الأوسط» (124).
وإسناده صحيح
([559]) فالإمام مالك /: يرى أن من ترك فريضة من فرائض الإسلام؛ من «صلاة»، أو «زكاة»، أو «صيام»، أو «حج»، فإنه يقاتل، لأنه كافر بتركه لهذه الفريضة، وقد أقره الإمام أحمد على ذلك.
([562]) العقال: الحبل الذي تربط به الدابة كيلا تنفلت.
فهذا أبو بكر t لو منع إنسان عناقا، أو عقالا لقاتله.
([571]) انظر: «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» للمرداوي (ج10 ص273)، و«المبدع في شرح المقنع» لأبي إسحاق ابن مفلح (ج9 ص160)، و«كشاف القناع عن متن الإقناع» للبهوتي (ج5 ص138).
([572]) انظر: «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» لابن حجر (ج12 ص300)، و«المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (ج3 ص110)، و«إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري» للقسطلاني (ج14 ص409)، و«الإجابات المهمة» للشيخ الفوزان (ص10)، و«الشفا بتعريف حقوق المصطفى» للقاضي عياض (ص583)، و«فيض الباري شرح صحيح البخاري» للكشميري (ج8 ص130)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج13 ص161).
([575]) وهم الخوارج: الذين خرجوا على: علي بن أبي طالب t.
* ومن أعظم: ما تأولوه في خروجهم على علي بن أبي طالب t؛ قولهم: أنك حكمت الرجال، والله يقول: (إن الحكم إلا لله) [الأنعام:57].
* وكانت قصة: التحكيم، بين علي، ومعاوية ﭭ، بعد معركة صفين.
وقال الخوارج: «لعلي t»، ولم تحكم القرآن، وقد كفرت بذلك، ولا حكم إلا لله.
وانظر: «تغليق التعليق» لابن حجر (ج5 ص259)، و«خصائص علي بن أبي طالب» للنسائي (ص195)، و«فضائل الصحابة» لأحمد (ج2 ص627)، و«الشريعة» للآجري (ص27 و131)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج7 ص278)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج1 ص250).
([576]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج12 ص276 و277)، و«معالم السنن» للخطابي (ج3 ص563)، و«أعلام الحديث» له (ج1 ص741)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج1 ص202 و203)، و«إكمال المعلم» للقاضي (ج1 ص243 و244).
([577]) الحديث: أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج9 ص99)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص742) من حديث: أبي سعيد الخدري t.
([580]) كذلك هؤلاء مخالفون في الإيمان لأهل السنة والجماعة؛ لأنهم قالوا: لو زالت جميع الأعمال سوى الشهادتين لم يخرج بذلك من الإسلام.
قلت: وهذه المقولة الحادثة انتشرت بين أتباع: «ربيع المدخلي» في «شبكة سحاب» سابقا وغير ذلك، والله المستعان.
([587]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج16 ص223)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج6 ص56)، و«تقريب التهذيب» له (3667).
([588]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج30 ص211)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج11 ص42)، و«تقريب التهذيب» له (7296).
([589]) وانظر: «الثقات» لابن حبان (ج6 ص123)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج4 ص385)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج2 ص17).
([590]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج11 ص369)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج4 ص153)، و«تقريب التهذيب» له (2537).
([591]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج16 ص143)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج6 ص33)، و«تقريب التهذيب» له (3621).
([592]) وانظر: «الإيمان» لأحمد (ص312)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ح2 ص276)، و«الإيمان» للعدني (ص55)، و«أخبار مكة» للفاكهي (ج1 ص384).
([599]) وانظر: «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» للالكائي (ج2 ص658 و659 و660)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج7 ص162)، و«الترغيب والترهيب» للمنذري (ج1 ص55)، و«كشف الخفاء» للعجلوني (ج1 ص348)، و«تعظيم قدر الصلاة» للمروزي (ج2 ص1003 و1006)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج2 ص76).
([600]) وانظر: «الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج1 ص418)، و«تعظيم قدر الصلاة» للمروزي (ج2 ص1006)، و«جامع البيان» للطبري (ج11 ص361)، و«الصلاة» لابن القيم (ص59).
([603]) وقد نقل غير واحد من أهل العلم: إجماع الصحابة، والتابعين: على تكفير تارك الصلاة، من غير تفريق بين من تركها تهاونا، وكسلا، أو تركها جحودا.
([604]) يثعب: بفتح، ثم سكون، ثم فتح، أي: يجري، يسيل، وينفجر.
انظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج1 ص212)، و«السان العرب» لابن منظور (ج1 ص236)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج2 ص278).
([605]) وانظر: «مشكلات الموطأ» للبطليوسي (ص63)، و«الاستذكار» لابن عبدالبر (ج2 ص281)، و«تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص893)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج1 ص167)، و«الصلاة» لابن القيم (ص67)، و«الشريعة» للآجري (ج2 ص649)، و«معرفة الصحابة» لابي نعيم (ج1 ص215)، و«الإيمان» لابن أبي عمر العدني (ص98 و99)، و«الإيمان» لابن أبي شيبة (ص34).
([606]) وانظر: «السنة» للخلال (ج5 ص21)، و«المحلى بالآثار» لابن حزم (ج2 ص235)، و(ج11 ص19 و376)، و«الكبائر» للذهبي (ص114 و115 و117 و118).
([608]) وإن تعجب، فعجب أمر أدعياء السنة، إذا احتجوا لنقضه؛ بأقوال خصوم أهل السنة والجماعة: من أهل الأهواء.
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1876) من طريق محمد بن إدريس الرازي قال: حدثنا عبدالله بن صالح، قال: كتب الأوزاعي فذكره.
قلت: وهذا سنده حسن.
أخرجه ابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص120 و121) من طريق جعفر بن محمد الفريابي حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني الهيثم بن جميل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
ومن هذا الوجه ذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج2 ص140).
([614]) وانظر: «الشرح الممتع» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص28)، و«الصلاة» لابن القيم (ص26)، و«المحلى بالآثار» لابن حزم (ج2 ص242).
([617]) قلت: واختلاطه لم يكن بالفاحش، وهذا لا يضر في الجملة.
قال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج6 ص351) عن الجريري: (وهو مختلط، ولم يكن اختلاطه اختلاطا فاحشا، فلذلك أدخلناه في الثقات). اهـ
([621]) قلت: وأضف أن الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري /، والحافظ مسلم بن الحجاج القشيري /؛ روايا عن بشر بن المفضل عن الجريري في صحيحيهما، وهذا الإسناد متفق عليه عند الشيخين، فلا يرد ذلك بالتكلف والتعسف، فإن ذلك مسلك أهل الأهواء، والعياذ بالله.
قال ابن الكيال / في «الكواكب النيرات» (ص184): (وقد روى الشيخان للجريري من رواية بشر بن المفضل). اهـ
([627]) قلت: وهؤلاء: «المرجئة» ليس لهم سلف فيما ذهبوا إليه من تضعيف أثر عبدالله بن شقيق العقيلي في كفر تارك الصلاة بهذه الطريقة الفاسدة في تضعيف الأسانيد للأحاديث، وهذا أن دل، فإنه يدل على انحراف القوم في الدين، اللهم سلم سلم.
([629]) وانظر: «تلخيص الحبير» لابن حجر (ج2 ص720)، و«تخريج الأحاديث والآثار في الكشاف» للزيلعي (ج1 ص204)، و«المجموع» للنووي (ج9 ص252).
([630]) وقع عنده: «شقيق بن عبدالله»، وهو خطأ؛ صوابه: «عبدالله بن شقيق»، وهو الذي صوبه الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص515)، وكذا في «المجموع» للنووي (ج3 ص18).
([631]) قلت: وهي الطبعة المعتمدة عند الشيخ الألباني / في صحة الأحاديث والآثار في آخر حياته، والله ولي التوفيق.
([632]) وانظر: «موسوعة الصلاة الصحيحة» للثبتة (ج2 ص777)، و«آراء الإمام عبدالعزيز بن باز الفقهية» للحاشدي (ج2 ص627).
([633]) قلت: فتضعيف «المرجئة» للأثر لا يقبل منهم، ولا يلتفت إليهم، لذلك نوافق، ونتابع ما اتفق عليه العلماء قديما وحديثا في صحته، اللهم غفرا.
([638]) وانظر: «شرح العمدة» لابن تيمية (ج2 ص75)، و«الصلاة» لابن القيم (ص67)، و«التمهيد» لابن عبدالبر (ج4 ص225)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج1 ص23)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج10 ص265)، و«الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج12 ص134).
أخرجه الخلال في «السنة» (ج4ص142)، واللالكائي في «الإعتقاد» (ج4 ص1829)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (87) من طريق محمد بن جعفر عن جعفر بن عوف عن الحسن البصري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (893)، والخلال في «السنة» (1379)، وأحمد في «الإيمان» (210)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (876)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1538) من طريق يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحاق ثني أبان ابن صالح عن مجاهد بن جبر به.
قلت: وهذا سنده حسن.
أخرجه اللالكائي في «الإعتقاد» (ج2 ص828)، وابن منده في «الإيمان» (2170)، وابن الجعد في «حديثه» (2634)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (947)، والبغوي في «شرح السنة» (347)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج4 ص229)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (ج3 ص366) من طريق زهير بن حرب عن أبي الزبير به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص925) من طريق محمد بن يحيى الذهلي ثنا محمد بن المفضل السدوسي ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ومحمد بن المفضل ثقة تغير بآخرة، وقد روى عنه محمد بن يحيى الذهلي قبل الإختلاط.
انظر: «حاشية كتاب المختلطين» للعلائي (ص117).
وذكره الشيخ الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (ج1 ص371).
وأورده ابن القيم في «الصلاة» (ص524)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج4 ص225)، والذهبي في «الكبائر» (ص118).
([646]) قلت: و«المرجئة العصرية»، في منهجهم الذي جعلوه ركيزة من ركائزهم في التهوين من شأن أركان الإسلام، عدا الشهادتين.
([649]) قلت: والمرجئة لم يظفروا: بصحابي واحد يقول بقولهم، بل ولم يصح لهم عن التابعين عن أحد والذي جاء، عن الزهري /، وهو من صغار التابعين، لا يصح عنه، وهو ليس بصريح أيضا في عدم تكفيره لتارك الصلاة، مع أنه لا يعتد بقوله في هذه المسألة، وإن صح عنه؛ لما ثبت من الكتاب، والسنة، والإجماع على تكفير تارك الصلاة، اللهم سلم سلم.
* وأثر الزهري: أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص957).
وانظر: «الصلاة» لابن القيم (ص67)، و«الترغيب والترهيب» للمنذري (ج1 ص393).
([650]) قلت: وهل يقال عن أئمة السنة قد فاتهم تضعيف أثر عبد الله بن شقيق، ثم تأتي أنت فتضعفه، وأهل السنة يروون مالهم، وما عليهم، وأما أهل الأهواء من أمثالك لا يروون إلا مالهم، فليس لك وجه في تضعيف الأثر، فكيف نترك نهج الأئمة الرشيد، لمثل فهمك البعيد، ومن علم حجة على من لم يعلم.
([651]) قلت: وأول من احتج بهذه الآية هو الإمام الشافعي /، ولعله كان أول من احتج للإجماع بنص من الكتاب، وبها احتج أكثر علماء الأصول.
([652]) وانظر: «الأحكام القرآن» للشافعي (ج1 ص53)، و«الرسالة» له (ص475)، و«العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1064)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص155)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل ابن تيمية (ج1 ص615)، و«الإحكام» للآمدي (ج1 ص200).
أخرجه الدارمي في «المسند» (224)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج4 ص227).
وإسناده صحيح.
ونقله عنه ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج6 ص27).
أخرجه البيهقي في «المدخل» (49)، وفي «الإعتقاد» (ص208)، وابن النقور في «الفوائد» (32)، وابن الأعرابي في «المعجم» (861)، والقطيعي في «زوائد فضائل الصحابة» (541)، والآجري في «الشريعة» (ج2 ص413)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص379)، والبزار في «المسند» (130)، والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (445)، والحاكم في «المستدرك» (ج3 ص78)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (3602)، وفي «المعجم الكبير» (8582)، والطيالسي في «المسند» (246)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص375)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص214).
وإسناده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «الضعيفة» (ج2 ص17)، والسخاوي في «المقاصد الحسنة» (959)، والعجلوني في «كشف الخفاء» (ج2 ص188).
([656]) قلت: والمراد أن اجتهاد العلماء من بعدهم يسقط مع إجماعهم؛ فلا يبحث، ولا يحتج به، فافهم لهذا ترشد.
([659]) قلت: فما أجمع عليه السلف فهو حجة، ويسقط الاجتهاد فيما يسمى بـ«المجالس، والهيئات، والمؤتمرات، واللجان، والجمعيات»، فلا يعتد مع إجماعهم، ومن رد إجماعهم أثم وضل، ووقع في الندامة، والويل يوم القيامة.
أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص386)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (230)، واللالكائي في «الإعتقاد» (134)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (455)، وفي «شرف أصحاب الحديث» (5)، والأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص109)، والآجري في «الشريعة» (ص48)، وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (2326)، والخلال في «السنة» (ج4 ص127)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص357).
وإسناده حسن.
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص439)، وأبو داود في «المسائل» (277).
وإسناده صحيح.
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص438)، وابن المنذر في «الأوسط» (123).
وإسناده صحيح.
([663]) وقد نسب هذا الاعتقاد الباطل، الشهرستاني في «الملل والنحل» (ج1 ص144)؛ لـ«بشر المريسي»، و«ابن الرواندي»؛ فقال: (وإلى هذا المذهب ميل ابن الرواندي، وبشر المريسي. قالا: الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان جميعا. والكفر: هو الجحود، والإنكار). اهـ
([664]) وثبت في الشرع الكفر، يكون: بالإنكار، والجحود، والتكذيب، والعناد، والامتناع، والترك، والشك، والاعتقاد، والفعل، والقول، وغير ذلك.
([666]) وهؤلاء: «المرجئة العصرية» خالفوا السلف؛ لتتبعهم متشابه الأقوال، والأدلة، بل سعوا؛ لتأييد رأيهم بذلك، اللهم غفرا.
([667]) ولا يهولنك: هذا القول، فإنه موروث عن متقدمي: «المرجئة»، من: «جهمية»، و«أشعرية»، و«ماتريدية»، و«كرامية».
([668]) ومن ثبت عنه المخالفة، للإجماع ممن يعتبر خلافه، فقد تقرر في أصول أهل الحديث: أنه لا عبرة بقول يخالف إجماعهم، مهما كانت منزلة القائل.
([672]) والمرجئة العصرية: يفرقون بين مانعي الزكاة، وبين المرتدين، في قتال الصحابة y لهم.
بل الذين منعوا الزكاة، هم: المرتدون أنفسهم، لا فرق بينهم.
* فلا نقسم الذين قاتلهم الصحابة y إلى قسمين:
فنقول: قسم من الذين منعوا الزكاة، وقسم: من الذين ارتدوا، فإن هذا التقسيم ليس بصحيح.
* فهم: قسم واحد فتنبه.
وانظر: «الإيمان» لأبي عبيد (ص39)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج2 ص603 و687)، و«التمهيد» لابن عبدالبر (ج4 ص23).
أخرجه ابن أبي عمر في «الإيمان» (ص96)، وحرب الكرماني في «المسائل» (ص373)، والآجري في «الشريعة» (ج2 ص640 و684)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج5 ص1000)، بإسناد صحيح.
أخرجه الكرماني في «المسائل» (ص377).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج1 ص21).
([678]) وانظر: «الكفاية في التفسير» لابن الحيري (ج2 ص87 و89)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج7 ص552)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج5 ص212)، و(ج6 ص315 و328)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج2 ص336)، و«تاريخ الأمم والملوك» للطبري (ج10 ص412)، و«بحر العلوم» للسمرقندي (ج3 ص102).
([679]) كذلك هؤلاء مخالفون في الإيمان لأهل السنة والجماعة؛ لأنهم قالوا: لو زالت جميع الأعمال سوى الشهادتين لم يخرج بذلك من الإسلام.
قلت: وهذه المقولة الحادثة انتشرت بين أتباع: «ربيع المدخلي» في «شبكة سحاب» سابقا وغير ذلك، والله المستعان.
([680]) وانظر: «الإيمان» لأحمد (ص312)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ح2 ص276)، و«الإيمان» للعدني (ص55)، و«أخبار مكة» للفاكهي (ج1 ص384).
([683]) قلت: واختلاطه لم يكن بالفاحش، وهذا لا يضر في الجملة.
قال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج6 ص351) عن الجريري: (وهو مختلط، ولم يكن اختلاطه اختلاطا فاحشا، فلذلك أدخلناه في الثقات). اهـ
([685]) وانظر: «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج17 ص65)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج1 ص46)، و«مقاييس اللغة» لابن فارس (ج5 ص191)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص434)، و«عقيدة التوحيد» للشيخ الفوزان (ص100)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج12 ص335)، و«الصحاح» للجوهري (ج2 ص807 و 808)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص146 و149)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص188)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص605).
([687]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج2 ص79 و368) و(ج12 ص335) و(ج20 ص86)، و«تفسير القرآن» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص 27 و36)، و«عقيدة التوحيد» للشيخ الفوزان (ص100)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج1 ص46)، و«الشفا بتعريف حقوق المصطفى» للقاضي عياض (ص580 و585)، و«التعريفات» للجرجاني (ص185)، و«التوقيف» للمناوي (ص282)، و«الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق» لابن سحمان (ص373 و374 و375)، و«مرقاة المفاتيح» للقاري (ج1 ص114)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج10 ص193 و194)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (ج1 ص364 و367)، و«نزهة الأعين النواظر» لابن الجوزي (ص516)، و«نواقض الإسلام» للشيخ محمد بن عبدالوهاب (ص9 و20 و32 و37 و60).
([688]) وانظر: «عقيدة التوحيد» للشيخ الفوزان (ص101 و102)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (ج1 ص364 و367)، و«الزواجر» للهيتمي (ص255).
([692]) وانظر: «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» للقاضي عياض (ص585 و587)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (ج1 ص364 و367)، و«عقيدة المسلم» للقحطاني (ص623)، و«عقيدة التوحيد» للشيخ الفوزان (ص100)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج10 ص193 و194)، و«نزهة الأعين النواظر» لابن الجوزي (ص516)، و«نواقض الإسلام» للشيخ محمد بن عبدالوهاب (ص9 و20 و32 و37 و60)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج1 ص46)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج2 ص79)، و(ج7 ص181 و525)، و(ج12ص335)، و(ج20 ص86)، و«الإيمان الكبير» له (ص 347 و348)، و«درء تعارض العقل والنقل» له أيضا (ج7 ص285)، و«الصارم المسلول» له أيضا (ج3 ص967 و969 و970)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج1 ص332 و587)، و(ج2 ص336)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج1ص368)، و(ج7 ص639)، و«الإيمان» لأبي عبيد (ص40).
([695]) وانظر: «درء الفتنة عن أهل السنة» للشيخ بكر بن عبد الله (ص27)، و«المنتقى» للشيخ الفوزان (ج2 ص9 و10)، و«الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص125 و126)، و«فتاوى نور على الدرب» للشيخ ابن باز (ج1 ص157 و158)، و«شرح كشف الشبهات» للشيخ محمد آل الشيخ (ص41)، و«أعلام السنة المنثورة» للحكمي (ص181 و182)، و«القول السديد في مقاصد التوحيد» للشيخ السعدي (ص54)، و«منار السبيل» لابن ضويان (ج2 ص357)، و«مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» (ج1 ص659)، و«المغني» لابن قدامة (ج4 ص370).
[697]) قلت: وحديث الشفاعة قد اشتهر رواته بالاختصار، والتطويل كما سوف يأتي.
[698]) وقوله r: (تضارون)؛ أي: لا تزدحمون عند رؤيته تعالى، كما أنكم لا تزدحمون عند رؤية الشمس، والقمر، فلا يزدحم بعضكم بعضا.
[699]) وقوله :r (ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما)؛ معناه: لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا.
[700]) وقوله r: (وغبر أهل الكتاب)؛ معناه: بقاياهم. جمع غابر، بمعنى: الباقي، كقول الله تعالى: ]إلا امرأته كانت من الغابرين[ [الأعراف:83].
[701]) وقوله :r (كأنها سراب)؛ السراب: ما يتراءى للناس في الأرض القفر، والقاع المستوي، وسط النهار في الحر الشديد لامعا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
[702]) وقوله r: (يحطم بعضها بعضا)؛ معناه: لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها. والحطم الكسر والإهلاك.
[703]) وقوله :r (فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم)؛ معنى قولهم: التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم، وأنهم لزموا طاعته سبحانه وتعالى، وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته سبحانه من قراباتهم وغيرهم، ممن كانوا يحتاجون في معايشهم ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم للارتفاق بهم.
[704]) وقوله r: (ليكاد أن ينقلب)؛ هكذا هو في الأصول بإثبات أن. وإثباتها مع كاد لغة. كما أن حذفها مع عسى لغة. ومعنى ينقلب: أي يرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى.
[705]) وقوله r: (فيكشف عن ساق)؛ فالمراد بالساق: ساق الله عزوجل، كما قال تعالى: ]يوم يكشف عن ساق[ [القلم:42]، وهو صفة من صفاته، وهذه الصفات لا تماثل صفات المخلوقين، كما أن ذاته لا تماثل ذوات المخلوقين كما قال تعالى: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى:11].
[706]) وقوله :r (طبقة واحدة)؛ قال الهروي وغيره: الطبق فقار الظهر، أي: صار فقارة واحدة كالصفيحة، فلا يقدر على السجود لله تعالى.
[707]) وقوله :r (ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة)؛ الجسر، بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان. وهو الصراط؛ ومعنى: تحل الشفاعة: بكسر الحاء، وقيل بضمها؛ أي تقع ويؤذن فيها.
[708]) وقوله :r (دحض مزلة)؛ الدحض والمزلة بمعنى واحد، وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر، ومنه: دحضت الشمس، أي: مالت، وحجة داحضة؛ أي: لا ثبات لها.
[709]) وقوله :r (فيه خطاطيف وكلاليب وحسك)؛ أما الخطاطيف: فجمع خطاف، بضم الخاء في المفرد، والكلاليب: بمعناه، وحديدة معوجة الرأس ينشل بها الشيء، أو يعلق، وأما الحسك: فهو شوك صلب من حديد.
[710]) وقوله r: (كأجاويد الخيل، والركاب)؛ من إضافة الصفة إلى الموصوف، والأجاويد جمع أجواد، وهي جمع جواد، وهو الجيد الجري من المطى، والركاب؛ أي: الأبل، واحدتها راحلة من غير لفظها، فهو عطف على الخيل، والخيل: جمع الفرس.
[711]) وقوله r: (فناج مسلم، ومخدوش مرسل. ومكدوس في نار جهنم)؛ معناه: أنهم ثلاث أقسام: قسم يسلم فلا يناله شيء أصلا، وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص، وقسم يكردس ويلقى فيسقط في جهنم، وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط، ويروى بالشين المعجمة، من الكدش وهو السوق الشديد. والكدش: الطرد والجرح أيضا.
[712]) وقوله r: (في استقصاء الحق)؛ أي: تحصيله من خصمه والمتعدي عليه.
[713]) وقوله r: (لم نذر فيها خيرا)؛ هكذا: هو خير بإسكان الياء؛ أي: صاحب خير.
[714]) وقوله :r (قد عادوا حمما)؛ معنى: عادوا: صاروا. وليس بلازم في عاد أن يصير إلى حالة كان عليها قبل ذلك، بل معناه صاروا. أما الحمم فهو الفحم، واحدته حممة، كحطمة.
[715]) وقوله :r (في أفواه الجنة)؛ الأفواه: جمع فوهة. وهو جمع سمع من العرب على غير قياس، وأفواه الأزقة، والأنهار أوائلها، والمراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها.
[716]) وقوله :r (الحبة في حميل السيل)؛ الحبة، بالكسر، بزور البقول وحب الرياحين، وقيل: هو نبت صغير ينبت في الحشيش، وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين، أو غثاء وغيره، فعيل بمعنى مفعول، فإذا اتفقت فيه حبة، واستقرت على شط مجرى السيل، فإنها تنبت في يوم وليلة، فشبه بها سرعة عود أبدانهم، وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها.
[717]) وقوله r: (ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض)؛ أما يكون في الموضعين الأولين فتامة، ليس لها خبر. معناها: ما يقع، وأصيفر وأخيضر مرفوعان، وأما يكون أبيض فيكون فيه ناقصة، وأبيض منصوب وهو خبرها.
[718]) وقوله r: (فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم)؛ الخواتم: جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها، والمراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب، أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. قال: معناه تشبيه صفائهم، وتلألئهم باللؤلؤ.
[719]) وقوله :r (هؤلاء عتقاء الله)؛ أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله تعالى.
وانظر: «المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج» للنووي (ج3 ص55)، و«المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (ج1 ص450)، و«التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص632)، و«إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج1 ص546)، و«النهاية» لابن الأثير (ج4 ص155)، و«المعجم الوسيط» (ج2 ص800)، و«الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج1 ص252).
[720]) والتلقين: إدخال شيء في حديث الراوي، ليس من مروياته، سواء في حفظه، أو كتابه، دون علمه، فيحدث به.
انظر: «الوهم في روايات مختلفي الأمصار» للوريكات (ص396).
[721]) انظر: «الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص118)، و«المجروحين» لابن حبان (ج1 ص352)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج2 ص32)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج4 ص272)، و«التقريب» له (ص260)، و«المغني في الضعفاء» للذهبي (ج1 ص290)، و«ميزان الاعتدال» له (ج2 ص148)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج12 ص247).
[722]) وقال الشيخ ناصر الدين الألباني / في «حكم تارك الصلاة» (ص48): (سويد بن سعيد، وهو متكلم فيه). اهـ
[723]) ويوصف الراوي؛ كـ«سويد بن سعيد»، الذي يتساهل في ضبطه للحديث بالغفلة، وسوء الحفظ، لأنه يستغل من قبل الآخرين، فيدخلوا في مروياته ما ليس منها، وهو ما يسميه المحدثون بالتلقين.
* فهو لا يفطن لذلك، فيرويه على أنه من مروياته لسوء حفظه وغفلته.
وانظر: «الكفاية» للخطيب (ص149)، و«الكامل» لابن عدي (ج1 ص45)، و«العلل» لأحمد (ج2 ص134).
[724]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج7 ص73)، و«التقريب» لابن حجر (ص260)، و«المغني في الضعفاء» للذهبي (ج1 ص183)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج1 ص225).
[725]) قلت: بسبب سوء حفظه.
[726]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج30 ص204)، و«المجروحين» لابن حبان (ج3 ص89)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج4 ص298)، و«المغني في الضعفاء» له (ج2 ص710)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج11 ص39)، و«التقريب» له (ص572)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج3 ص174)، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج4 ص341)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص234).
[727]) فإن وجدناه كثير المخالفة، للثقات عرفنا اختلال ضبطه، ولم نحتج بحديثه.
وانظر: «معرفة أنواع علم الحديث» لابن الصلاح (ص254)، و«جامع الأصول» لابن الأثير (ج1 ص72 و43)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص304).
[728]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ق/ 1536/3)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج9 ص274).
[729]) قلت: ولكن أحيانا فقد يحكم لمن هو أقل ثقة على الأوثق، وهذا نادر.
انظر: «السنن الصغرى» للنسائي (ج6 ص59).
[730]) قلت: وهذا يتطلب دراسة كاملة، ومتأنية لكتب الرواية، والرجال التي تستدعي معرفة واسعة، أو اطلاعا على علم العلل، ويزين ذلك حسن الفهم للألفاظ والمعاني في الروايات، ودقة الاستنتاج للوصول إلى تأصيل علمي؛ لهذه الأوهام التي تقع من الرواة.
فلابد من دراسة نقدية علمية متخصصة تعمق الفهم في معرفة علل الحديث.
[731]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج7 ص73)، و«التقريب» لابن حجر (ص260)، و«المغني في الضعفاء» للذهبي (ج1 ص183)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج1 ص225).
[732]) قلت: وهو أيضا من رجال البخاري، ومع ذلك لم يخرج له من طريقه هذه الزيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ كما سوف يأتي ذلك.
قلت: ما أخرجه إلا مسلم في ««صحيحه»» (ج1 ص170) من طريق حفص بن ميسرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص73): بعدما علق على صحيح البخاري قال: (وأما – صحيح – مسلم ففيه ألفاظ عرف أنها غلط). اهـ
[733]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج11 ص94)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج2 ص162).
[734]) قلت: وهو خطأ منه أيضا فسعيد بن أبي هلال المصري، وإن كان ثقة إلا أنه وهم بذكره هنا هذه اللفظة؛ لأنه قد اختلط، ولم يتابع من أحد من الثقات بهذه الزيادة، قال الساجي: صدوق، كان أحمد يقول: ما أدري أي شيء يخلط في الأحاديث، كما في «التهذيب» لابن حجر (ج4 ص94).
وقال ابن حجر في «التقريب» (ص390): «صدوق لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفا؛ إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط».
قلت: وقد اتبع ابن حزم في تضعيف: «سعيد بن أبي هلال المصري» الشيخ ناصر الدين الألباني.
انظر: «ملحق الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات» (ص468).
[735]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص73): عن بعض ألفاظ أحاديث صحيح البخاري: (لكن في بعض ألفاظ الحديث ما هو غلط). اهـ
[736]) لأن ما لا اضطراب فيه يدل على قوة حفظ راويه وضبطه.
[737]) وما كان فيه اضطراب يدل على سوء حفظ الراوي، وعدم ضبطه.
[738]) والحديث المضطرب: هو الحديث الذي يروى على وجوه يخالف بعضها بعضا، مع عدم إمكان ترجيح أحدهما على غيره.
انظر: «الغاية في شرح الهداية» للسخاوي (ج1 ص328)، و«النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص551)، و«نزهة النظر» له (ص127).
[739]) كـ«سويد بن سعيد، وهشام بن سعد».
[740]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج11 ص94)، و«التقريب» لابن حجر (ص570).
[741]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص961).
[742]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص907).
[743]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص844).
[744]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص247).
[745]) انظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (ج6 ص130)، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج3 ص107).
[746]) انظر: «الميزان» للذهبي (ج1 ص180)، و«المغني في الضعفاء» له (ج1 ص68)، و«لسان الميزان» لابن حجر (ج1 ص348).
[747]) «السير» (ج13 ص342).
[748]) انظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص620).
[749]) انظر: «نزهة النظر في توضيح نخبه الفكر» لابن حجر (ص82).
[750]) قلت: كـ(حديث: لم يعملوا خيرا قط)، فهذا الحديث يخالف المعقول، ويناقض الأصول في دخول أناس الجنة؛ لم يعملوا عملا قط بعد دخولهم النار؛ اللهم غفرا.
[751]) وانظر: «الصحاح» للجوهري (ج5 ص2054).
[752]) انظر: «الموقظة في علم مصطلح الحديث» للذهبي (ص42 و77).
[753]) قال الإمام البغوي / في «شرح السنة» (ج15 ص190): (وفي الحديث: دليل على أن أهل المعاصي لا يخلدون في النار، وفيه دليل على تفاضل الناس في الإيمان). اهـ
[754]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص1045).
[755]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص287).
[756]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص668).
[757]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص391).
[758]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص757).
[759]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص242).
[760]) وسوف أذكر تخريجه في «جزء» مفرد.
[761]) يعني: عبدالرزاق، وسويد بن سعيد، وهشام بن سعد.
[762]) وانظر: «الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص636)، و«الإحكام» للآمدي (ج4 ص329)، و«المحصول» للرازي (ج2 ص559)، و«قواعد التحديث» للقاسمي (ص323)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص276)، و«الغاية في شرح الهداية» للسخاوي (ج1 ص377)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ص286).
[763]) أثر حسن.
أخرجه الخطيب في «الجامع» (ج2 ص212)، بإسناد حسن.
[764]) أثر حسن.
أخرجه الخطيب في «الجامع» (ج2 ص296)، بإسناد حسن.
[765]) أثر صحيح.
أخرجه ابن حبان في «المجروحين» (ج1 ص33)، والخطيب في «الجامع» (ج2 ص212)، والخليلي في «الإرشاد» (ج2 ص595)، واللفظ للخليلي، بإسناد صحيح.
[766]) قلت: والقوم يفتون في دين الله تعالى عن طريق شريط، أو كتاب؛ فكيف يصيبون الحق!.
[767]) قوله r: (منهم: الموبق)؛ يعني: الهالك.
[768]) قوله r: (ومنهم: المخردل)؛ أي: الذي قطع.
انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج11 ص454).
[769]) انظر: «الكواكب النيرات» لابن الكيال (ص258)، و«المختلطين» للعلائي (ص58).
[770]) ومن هنا نشأ علم علل الحديث له أسسه، وقواعده، ورجاله الذي يعنى بتتبع الثقات، وبيان الوهم الواقع في رواياتهم، لأن الناس عادة يتلقون أحاديث هؤلاء الثقات بالقبول، والتسليم ظهرت من خلال ذلك جلالة المشتغل بهذا العلم.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص202): (والثقة إذا حدث بالخطأ، فيحمل عنه، وهو لا يشعر أنه خطأ، يعمل به على الدوام للوثوق بنقله، فيكون سببا للعمل بما لم يقله الشرع). اهـ
[771]) قلت: والحديث في سنده اختلاف ليس هذا موضع بسطه، وهو يعرف بحديث الصور.
وانظر: «التاريخ الكبير» (ج1 ص260)، و«الكامل» لابن عدي (ج6 ص2270).
[772]) ماج الناس: اضطربوا، واختلطوا.
[773]) يقال: «شفعت»: من التشفيع، وهو تفويض الشفاعة إليه والقبول منه. (خردلة)؛ أي: من الإيمان، والخردلة واحدة: الخردل، وهو نبت صغير الحب، وهذا تمثيل للقلة.
[774]) «خليل الرحمن»: هو الذي أحبه محبة كاملة، لا نقص فيها، ولا خلل.
[775]) «روح الله وكلمته»: أي الذي خلقه مباشرة بكلمة منه دون واسطة أب.
[776]) «فأستأذن على ربي»: أتوسل إليه أن يأذن لي بالشفاعة.
[777]) «يلهمني محامد»: يلقي في نفسي معاني للحمد لم تسبق لي.
[778]) «أخر»: أسقط على وجهي.
انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص475 و476)، و«عمدة القاري» للعيني (ج20 ص361 و362)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج15 ص549 و552).
[779]) «متوار»: مختف في منزل أبي خليفة الطائي البصري، خوفا من الحجاج، «بالحسن» البصري.
[780]) «هيه»: زد من هذا الحديث.
[781]) «وهو جميع»: مجتمع، وهو الرجل الذي بلغ أشده، أراد أنه كان شابا حين حدثه بذلك.
[782]) «تتكلوا»: تعتمدوا على الشفاعة فتتركوا العمل.
انظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج15 ص553).
[783]) والغالب في خطأ من أخطأ في فقه هذا الباب، هو عدم جمع طرق أحاديث الشفاعة، وإدراك هذه الحقيقة.
[784]) ولذلك يجب تجنب الحكم في الفقه؛ بأحاديث مجملة، إلا بأدلة مفسرة لها تبين الحكم الصحيح فيها.
قال الإمام أحمد /: (يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين: المجمل والقياس).
* ذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج2 ص60) من رواية عبدالملك الميموني.
[785]) انظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص391).
[786]) انظر: للفائدة الموقف السليم من المتشابه: «القواعد الحسان لتفسير القرآن» للشيخ عبدالرحمن السعدي (ص70 -71)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص294 و295 و304).
[787]) انظر: «الموافقات» للشاطبي (ج4 ص140).
[788]) انظر: الآثار الواردة في ذلك عند الطبري في «جامع البيان» (ج3 ص185 -186).
[789]) انظر: «الموافقات» للشاطبي (ج4 ص73) في البيان والإجمال.
[790]) ويراد بها نفي الكمال والتمام في العمل. وذلك لضعف إيمانهم بسبب مبالغتهم، وإسرافهم في فعل المعاصي.
[791]) قلت: ومن ترك اللفظ الظاهر الصريح المفسر، فهو ترك الدليل لغير شيء، وما كان كذلك فباطل، لأن لا يلزم نفسه الجمع بين الأدلة، فيبطل الراجح جملة اعتمادا على المرجوح، والله المستعان.
[792]) وعلى هذا يجب أن نرجع إلى أصل معتبر في صلب العلم، لقطع النزاع في هذه المسألة، لأن الشريعة إنما هي بيان وهدى.
[793]) وحملها بعض أهل العلم على ترك الفرائض، ومنها: الصلاة، وترك مطلق العمل، وهذا فيه نظر، كما سوف يأتي تفصيل ذلك، والله المستعان.
[794]) ولهذا وضع علماء الأصول من القواعد والضوابط هي في الحقيقة مستمدة من الكتاب، والسنة، واللغة العربية؛ لضبط الألفاظ المجملة، والمفسرة، والمشتبهة، والواضحة.
[795]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج34 ص43)، و(ج31 ص138)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص111)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص194)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج3 ص474)، و«مذكرة» للشنقيطي (ص235).
[796]) فلا بد أن يجعل أحدهما أصلا، ويبنى الآخر عليه، باعتبار أن العمل الصالح مأمورا به على جميع العباد، فكان أولى بأن يجعل فاعل العمل الصالح كثيرا، أو قليلا أصلا؛ ليكون للأصل فائدة، ويبنى الفرع على الأصل، والله ولى التوفيق.
[797]) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ج1 ص409)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج13 ص110 و111 و120)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص619 و627)، و«الرسالة» للشافعي (ص341 و342)، و«مذكرة» للشنقيطي (ص224 و317).
[798]) والحق أن النص المجمل لا يترجح فيه التفسير، إلا من النص الخارجي.
[799]) وانظر: «العدة» لأبي يعلى (ج1 ص578)، و«المحصول» للفخر الرازي (ج1 ص13)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص167)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص160)، و«الإحكام» للآمدي (ج2 ص163)، و«بيان المختصر» للأصفهاني (ج2 ص424)، و«المسودة» لآل تيمية (ص352)، و«إجابة السائل» للصنعاني (ص419)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج1 ص358)، و(ج4 ص320)، و(ج7 ص199)، و«المدخل» لابن بدران (ص328)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص148)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص219).
[800]) أخرجه البخاري في ««صحيحه»» (7284)، ومسلم في ««صحيحه»» (20) من حديث أبي هريرة t.
[801]) وانظر: «الخلاف بين العلماء، أسبابه وموقفنا منه» لشيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ص18).
[802]) قلت: وهذا من أسباب الخلاف بين العلماء أن يفهم من الدليل خلاف مراد الله تعالى، ورسوله r.
[803]) أي جماعات.
انظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص185).
[804]) لأن أثر السجود لا يأتي إلا كون العبد يصلي.
* فعلم بذلك أنها تتضمن الصلاة، والدليل على ذلك ذكر أثر السجود... وهذا مستفاد من مجموع الروايات.
[805]) دارات وجوههم: جمع دارة، وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه، ومعناه: أن النار لا تأكل دارة الوجه؛ لكونها محل السجود بسبب صلاتهم.
انظر: «النهاية» لابن الأثير (ج2 ص139).
[806]) أخرجه البخاري في ««صحيحه»» (ج1 ص273) من طريق شعبة عن سليمان قال سمعت زيد بن وهب به.
[807]) قلت: وأيضا هذا العمل الصالح الذي في قوله: «لم يعملوا خيرا قط»، هو زائد على الأصول كـ«التوحيد، والصلاة»، وغير ذلك، كما في هذه الروايات، والأخرى، كما سوف تأتي فتنبه.
وانظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج1 ص566).
[808]) ليس فقط يعرفونهم بآثار السجود، بل أناس يعرفون من صورهم ووجوههم، وأناس يعرفون بآثار السجود؛ فتنبه لذلك.
[809]) انظر: «الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج» للسيوطي (ج1 ص251).
[810]) فهذه علامات أخرى لمعرفة المسلمين الذين في النار.
[811]) والذين خرجوا ، هم: موحدون غير مشركين، كما: هو صريح في رواية: أبي هريرة وغيره، ولو كانوا مشركين لخلدوا في النار، ولم يخرجوا منها، والأمر المهم أن الرجل لا يكون موحدا؛ إلا إذا كان معه من الأعمال الصالحة، ومنها: الصلاة... فلو كان العبد لا يعمل عملا صالحا – وأخص بالذكر الصلاة – أو كان يصلي: صلاة اللاهين الغافلين، لما كان له من الإيمان في قلبه، لتركه لجميع عمل الجوارح – وأهمه الصلاة – فإن عمل الجوارح – عملا وتركا – يؤثر في القلب قوة، وضعفا؛ كما هو معروف، والله المستعان.
[812]) ولو سلمنا بأن المؤمنين قد أخرجوا من عرفوه بآثار السجود، فلا يلزم من ذلك أنهم أخرجوا جميع من فيه أثر السجود، إنما أخرجوا من عرفوا فقط، ولا يقال: إن المؤمنين باجتماعهم يعرفون كل المصلين، لأن هذا – كما سبق – غير مسلم به في ذاته.
* وأيضا فإن هؤلاء الشافعين ليسوا كل المصلين، بدليل إنهم يشفعون في بعض المصلين... ومن ادعى غير ذلك فعليه الدليل الصريح.
[813]) أثر صحيح.
أخرجه حرب الكرماني في «مسائله» (ص430).
[814]) يعني: لا يخلد في النار، كما سوف يأتي من أقوال العلماء.
وانظر: «مشكل الآثار» للطحاوي (ج14 ص179).
[815]) قال حرب الكرماني في «المسائل» (ص429): سمعت أبا عبدالله محمد بن نصر الفراء قال: نازلت سليمان بن حرب، وعبيدالله بن محمد التيمي، وأبا عبيد: دخل كلام، بعضهم في بعض، والمعنى واحد قالوا: (إن للنار جواني وبراني. فلا يدخل أهل التوحيد مدخل أهل الكفر، والنفاق، لأن من أدخل مدخل أهل الكفر، والنفاق، لا يخرج منه أبدا، أما تسمع؛ إلى قوله تعالى: ]لا يصلاها إلا الأشقى * الذي كذب وتولى[ [الليل:15-16]...؛ فمعنى الحديث: أنه لا يدخل أهل التوحيد مدخل أهل الكفر، والنفاق، وهو جوف النار، وأسفله يقول الله: ]إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار[ [النساء:145]، وتلك النار أعدت للكافرين). اهـ
[816]) قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص113): (ولهذا السبب يتفاوت الناس في الإيمان والأعمال، حتى ينتهي إلى أدنى مثقال ذرة في القلب). اهـ
[817]) وما وقع في أعمالهم من الخلل، والنقص؛ إلا بسبب عملهم في المعاصي.
قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص124): (فمما ينبغي أن يعلم: أن الذنوب والمعاصي تضر ولابد وأن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء؛ إلا سببه الذنوب والمعاصي). اهـ
[818]) فقوله r: (وكان يداين الناس...)؛ يدل على أن معه: عملا ظاهرا.
[819]) ومثله: قول ابن القيم /، في زيادة: (لم يعملوا خيرا قط):
قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص71): (وأما قوله في النار: ]أعدت للكافرين[ [البقرة:24]، فقد قال في الجنة: ]أعدت للمتقين[ [آل عمران:133]، ولا ينافي إعداد النار للكافرين أن يدخلها الفساق والظلمة، ولا ينافي إعداد الجنة للمتقين، أن يدخلها من في قلبه أدنى مثقال ذرة من الإيمان، ولم يعمل خيرا قط). اهـ
قلت: فأثبت، أولا الإيمان، بأدنى مثقال ذرة، ثم ذكر الزيادة ليبين بأن الإيمان القليل يكون من العمل القليل.
[820]) انظر: «تعجيل المنفعة» لابن حجر (ص287)، و«لسان الميزان» له (ج7 ص313)، و«الثقات» لابن حبان (ج3 ص278)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج9 ص43)، و«العلل» للدراقطني (ج1 ص190).
[821]) انظر: «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص571)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ج1 ص406)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص207)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص308).
[822]) قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (531): (إن للفظة التي في خبر أبي بكر الصديق t، قبل ذكر الأنبياء معنيين:
أحدهما: الصديقون من الأنبياء، أي: الأفضل منهم، كما قال تعالى: ]ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض[ [الإسراء:55]، فيكون منهم صديقون بعد نبينا المصطفى r، ثم يقال: ادع الأنبياء، أي: غير الصديقين الذين قد شفعوا قبل.
والمعنى الثاني: أن الصديقين من هذه الأمة ممن يأمرهم النبي r بأن يشفعوا، فتكون هذه الشفاعة التي يشفعها الصديقون من أمة النبي r بأمره، شفاعة للنبي r مضافة إليه لأنه الآمر، كما قد أعلمت من مواضع من كتبي: أن الفعل يضاف إلى الآمر، كإضافته إلى الفاعل فتكون هذه الشفاعة مضافة إلى النبي r لأمره بها، ومضافة إلى المأمور بها؛ فيشفع، لأنه الشافع بأمر النبي r). اهـ
[823]) فتياني: جمع فتى، وهو الأجير والخادم.
[824]) ينظروا: من الإنظار، وهو الإمهال.
[825]) المعسر: الذي تعسر عليه سداد الدين.
[826]) يتجاوزوا: يتسامحوا في الاقتضاء، والاستيفاء في الأموال.
[827]) الموسر: يعني يأخذ الشيء اليسير، وهو الناقص عن الاستيفاء.
انظر: «المنهاج» للنووي (ج10 ص224) و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص308) و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج5 ص41).
[828]) قلت: ولا يتصور أن الله تعالى يتحاوز عن عبد لا يعمل عملا نهائيا، بعد أن أوجب عليه العمل في الدنيا، ورتب عليه دخول الجنة، أو النار، اللهم غفرا.
[829]) أثر صحيح.
أخرجه الخلال في «السنة» (ج3 ص566)، بإسناد صحيح.
[830]) «راح»، أي: ذي ريح شديدة.
[831]) «اليم»، البحر.
[832]) يداين الناس: يبيعهم مع تأخير الثمن إلى أجل.
[833]) قوله r: «ويتجوزوا»؛ التجاوز، والتجوز معناهما: المسامحة في الاقتضاء، والاستيفاء، وقبول ما فيه نقص يسير.
انظر: «المنهاج» للنووي (ج10 ص224)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص308).
[834]) أي: آخذ ما تيسر، وأسامح بما تعسر.
[835]) «الجواز»: أي التسامح والتساهل في البيع والاقتضاء، ومعنى: الاقتضاء الطلب.
[836]) وهذا الحديث: إنما هو محفوظ، لأبي مسعود الأنصاري: عقبة بن عمرو البدري وحده، وليس لعقبة بن عامر فيه رواية.
قال الحافظ الدارقطني: (والوهم: في هذا الإسناد من أبي خالد الأحمر قال: وصوابه، عقبة بن عمرو، أبو مسعود الأنصاري). اهـ
انظر: «المنهاج» للنووي (ج10 ص224).
[837]) رغسه: أي أعطاه.
[838]) اسحقوني: من السحق، وهو أشد الدق.
[839]) ذروني: انثروني، وفرقوني.
[840]) عاصف: شديد الريح.
انظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج7 ص491 و492).
[841]) الحسنة: المراد بها هنا العمل، والخير؛ كما في الروايات الأخرى، وليس المراد من ذلك ترك العمل بالكلية؛ فتنبه.
[842]) وأما قوله: (فوالله لئن قدر الله عليه): فقد اختلف في معناه: فقال بعض العلماء: هذا رجل جهل بعض صفات الله تعالى، وهي القدرة، فلم يعلم أن الله على كل ما يشاء قدير، قالوا: ومن جهل صفة من صفات الله تعالى، وآمن بسائر صفاته، وعرفها لم يكن بجهله بعض صفات الله كافرا، قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله، وهذا قول المتقدمين من العلماء، ومن سلك سبيلهم من المتأخرين.
وقال بعض العلماء: أراد بقوله: «لئن قدر الله عليه»، من القدر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة، والاستطاعة في شيء قالوا: وهو: مثل، قوله تعالى، في ذي النون: ﴿Î) |=yd© $Y6ÅÒ»tóãB £`sàsù br& `©9 uÏø)¯R Ïmøn=tã﴾[الأنبياء:87].
انظر: «التمهيد» لابن عبدالبر (ج18 ص42).
قال الإمام ابن عبدالبر في «التمهيد» (ج18 ص42): (وللعلماء: في تأويل هذه اللفظة قولان، أحدهما: أنها من التقدير والقضاء، والآخر: أنها من التقتير والتضيق. وكل ما قاله العلماء في تأويل هذه الآية، فهو جائز في تأويل هذا الحديث، في قوله: (لئن قدر الله علي) فأحد الوجهين تقديره: كان الرجل قال: (لئن كان قد سبق في قدر الله وقضائه، أن يعذب كل ذي جرم على جرمه، ليعذبني الله على إجرامي، وذنوبي عذابا، لا يعذبه أحدا من العالمين غيري، والوجه الآخر: تقديره، والله لئن ضيق الله علي، وبالغ في محاسبتي، وجزائي على ذنوبي ليكونن ذلك). اهـ
[843]) حضره الموت: أي جاءه الموت.
[844]) قلت: صحت، والحمد لله، كما سبق تخريجها.
[845]) قلت: فبين شيخ الإسلام ابن تيمية /، بأن الرجل كان يعمل عملا صالحا، وهذا الذي ذكرناه فيما سبق، وأما أن نظن بأنه لم يعمل أي عمل، فهذا لا يتصور، والله المستعان.
[846]) أي: في يوم ريح.
[847]) وأنه كان يعمل عملا صالحا، لم يترك العمل بالكلية، فافهم لهذا ترشد.
[848]) وبين ابن الجوزي: بأن الذي لا يعمل؛ أي: عمل فهو كافر، فكيف يدخل الجنة؟!.
فقال الحافظ ابن الجوزي / في «جامع المسانيد» (ج6 ص117): (فإن قيل: هذا الذي ما عمل خيرا قط كافر، فكيف يغفر له؟ فقال ابن عقيل: هذا رجل لم تبلغه الدعوه فعمل بخصلة من الخير). اهـ
قلت: وقد بينا بأن الرجل كان يعمل الخير القليل كما قال ابن عقيل، مع بقاء الأصول فيه، لكن الاستدلال هنا على أن الذي لا يعمل؛ أي: عمل فهو كافر.
[849]) كما قال ابن مسعود t: (وكان الرجل نباشا، فغفر له لخوفه).
أخرجه أبو يعلى في «المسند» (ج2 ص285)، و(ج8 ص470)، بإسناد صحيح.
[850]) ولذلك قال الحسن البصري /: (إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل).
أخرجه أحمد في «الزهد» (ص402)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص144) من طريقين عن الحسن البصري به.
وإسناده حسن.
وذكره ابن القيم في «الداء والدواء» (ص73).
قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص76): (ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه). اهـ
[851]) ولا يقال: بأن هؤلاء جاءوا بإيمان مجرد لم يضموا إليه شيئا من العمل، فتنبه.
[852]) انظر: «المفهم» للقرطبي (ج1 ص421)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج15 ص403)، و«التوحيد» لابن خزيمة (ص621).
[853]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص512)، ومسلم في «صحيحه» (ج17 ص82).
[854]) وانظر: «إثبات الشفاعة» للذهبي (ص22).
[855]) وانظر: «الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص75)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج1 ص93)، و«مذكرة» له (ص246)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج3 ص4141)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص43)، و«الرسالة» للشافعي (ص322).
[856]) وانظر: «التوحيد» لابن خزيمة (ص488).
[857]) وانظر: «التوحيد» لابن خزيمة (ص588).
[858]) فهذا الرجل يخرج من النار، بما بقي له من صالح عمله، لا بشفاعة مخلوق، فتنبه.
[859]) على فرض صحتها.
[860]) انظر: «الإيمان» لأبي عبدالرحمن عمرو عبدالمنعم (ص139).
[861]) وحديث أبي هريرة: ليس فيه زيادة: «لم يعملوا خيرا قط»، وعلى ذلك لا تعتبر هذه الزيادة، في حديث أبي سعيد الخدري، لأنه حفظ الحديث، كما حفظه أبو هريرة؛ فافطن لهذا.
[862]) وهذه سنة الله تعالى في خلقه في الدنيا والآخرة.
[863]) قال أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج1 ص442): (قال الشافعون: لم نذر فيها خيرا، مع أنه تعالى مخرج بعد ذلك جموعا كثيرة ممن يقول: لا إله إلا الله، وهم مؤمنون قطعا، ولو لم يكونوا مؤمنين لما خرجوا بوجه من الوجوه). اهـ
[864]) وقوله: «فمن وجدتم في قلبه»، هذا يبين بأن الله تعالى أعلمهم ذلك بحسب طبيعة الإنسان الذي يعتريه بعض القصور في العلم والمعرفة، ولذلك أخرجوا بعض الناس وتركوا البعض، كما في الروايات الصحيحة، لأن لا يلزم معرفتهم ما في القلوب أن يعرفوا الجميع، والدليل على ذلك خفاء البعض عليهم.
[865]) في «صحيح مسلم»: «لم نذر فيها خيرا»، أي: صاحب خير، وهذا على حسب علمهم، كما في رواية الحافظ: ابن منده / المذكورة.
[866]) قلت: وهذا على فرض صحة هذه الزيادة كما سبق.
[867]) ويتكرر منهم هذا مرارا، مما يتبين بأن أناسا لم يعرفوا من قبل أهل الجنة، وذلك بحسب علمهم، وإلا لماذا يتكرر منهم ذلك مرارا، كما في الرواية، فيقولون: «ربنا لم نذر فيها أحدا»، وقد بقي أناس في النار لم يعرفهم أهل الجنة.
[868]) وهي الشفاعة العظمى، وهي أولى الشفاعات.... والنبي r أول من يشفع في إخراج بعض الموحدين من النار.
[869]) قلت: ولو أخرج المؤمنون البواقي أي سائر الدفعات التي يشفع فيها المؤمنون، لا باقي من كان كذلك من أهل النار... لأنه لو كان ذلك كذلك لما بقي لشفاعة الأنبياء وغيرهم شيء.
[870]) إذا فلا بد من تخصيص عموم حديث أبي سعيد الخدري t، بلفظة: «لم يعملوا خيرا قط».
[871]) فالقواعد المستفادة من مجموع الروايات، وقد أشار لذلك: ابن خزيمة، كما سبق، فبالجمع بين الروايات يتضح بعد هذا الاحتمال.
[872]) وانظر: «الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية» للبورنو (ص257)، و«موسوعة القواعد الفقهية» له (ج2 ص219).
[873]) وهذا كله يدلنا على أهمية هذه القاعدة وضرورتها في تشريع الأحكام.
[874]) كـ«القصاص والوعاظ»، وغيرهم.
[875]) قلت: وقد ينشأ هذا الاختلاف في الأحاديث بسبب اختلاف الرواة في الحفظ والضبط.
[876]) انظر: «التمهيد» للأسنوي (ص506)، و«الأشباه والنظائر» للسيوطي (ص128)، و«الأشباه والنظائر» لابن نجيم (ص135).
[877]) وقد اجتهد الطحاوي في تحقيق ما قصد إليه فأبان كثيرا مما سقطت معرفته على الناس، وأزال الإشكال عن كثير من الأحاديث، وحرص على جمع كثير من الأحاديث، وكان يذكر الحديث، ويبين المراد منه بذكر أحاديث أخرى تبينه، وكثيرا ما يجمع بين حديثين أو أكثر.
[878]) انظر: «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص170)، مع شرحه «الباعث الحثيث» للشيخ أحمد شاكر.
[879]) انظر: «التمهيد» لأبي الخطاب (ج1 ص8).
[880]) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ص209)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص635)، و«التمهيد» لأبي الخطاب (ج3 ص217)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص280)، و«المحصول» للرازي (ج2 ص534).
[881]) ومن المعلوم أن صحة الحديث أيضا هي الأساس قبل أي مرجح، ويبلغ الحديث أعلى مراتب الصحة إذا كان متفقا عليه، ويزداد قوة إذا وافقته أحاديث أخرى كما في مسألتنا هذه.
([882]) ونحن الزمنا: «الجابري»، بأنه يقول بتفاضل الناس في الأعمال، لوقوعه في شبه: «المرجئة القديمة»، جملة وتفصيلا، لأنهم؛ هم: الذين يقولون، أن الناس إنما يتفاضلون في الأعمال، دون التفاضل في الإيمان وقد كشف السلف بدعتهم في قولهم بالتفاضل في الأعمال فقط.
([884]) فـ«عبيد الجابري» استدل بهذا الحديث على تفاضل الخلق في الأعمال!.
* والإمام أحمد / استدل به على تفاضل الإيمان، كما هو ظاهر.
([885]) لذلك لابد أن نقول: أن الناس يتفاضلون في الأعمال، كما يتفاضلون في الإيمان، لكي لا يشتبه الأمر في مذهب: «المرجئة».
* وهذا مذهب السلف.
([887]) المرجئة: يخرجون الأعمال من مسمى الإيمان، ولهذا يرون التفاضل، والزيادة، والنقصان، في الأعمال، لا في الإيمان.
([890]) وهذا القول يكشف عن النيات الخبيثة: «للمرجئة القديمة» من قولهم: «أن الناس يتفاضلون في الأعمال، ولا يتفاضلون في الإيمان».
([895]) بضع: فيما بين الثلاثة إلى تمام العشر.
انظر: «معالم السنن» للخطابي (ج3 ص531)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج1 ص139 و140).
([897]) وهذه المرتبة: من الإيمان غير قابلة للنقصان، لأنها حد الإسلام، والفاصل بين الإيمان والكفر، وهذا النوع واجب على كل من دخل دائرة الإيمان. فهي ما بقي فيه أصل الإيمان، وثبت لصاحبه اسم الإيمان، وصح نسبة الإيمان إليه، ولو لم يكمله.
([898]) وهذه المرتبة: تكون بعد مرتبة: «أصل الإيمان»، ويكون صاحبها ممن يؤدي الواجبات، ويتجنب الكبائر والمنكرات، ويلتزم بكل تفصيلات الشريعة. تصديقا، والتزاما، وعملا، ظاهرا وباطنا؛ حسب استطاعته.
([899]) المقتصد: المكتفي بفعل الواجبات، واجتناب المحظورات، وإن لم يحافظ على المسنونات، ولا تورع عن المكروهات، وهو صاحب: «الإيمان الواجب».
* انظر: «تفسير الطبري» (ج11 ص189)، و«تفسير ابن كثير» (ج3 ص562)، و«الإيمان» لابن تيمية (ص27)، و«تفسير الآلوسي» (ج22 ص504)، و«تفسير السعدي» (ج6 ص320).
([900]) الظالم لنفسه: هو المفرط في بعض الواجبات، والمرتكب لبعض المحرمات والمعاصي، التي لا تصل إلى الكفر، أو الشرك الأكبر، وهو صاحب: «الإيمان المجمل».
* انظر: «الإيمان» لابن تيمية (ص27)، و«تفسير الطبري» (ج11 ص189)، و«تفسير ابن كثير» (ج3 ص562)، و«تفسير الآلوسي» (ج22 ص504)، و«تفسير السعدي» (ج6 ص320).
([901]) وهذه المرتبة: تكون بعد مرتبة: «الإيمان الواجب»، وهي مرتبة: «الإحسان»، وصاحبها لا يكتفي بعمل الواجبات، وترك المنكرات بل يضيف إلى ذلك فعل المستحبات، واجتناب المكروهات، والمشتبهات بقدر ما ييسر الله تعالى له ذلك.
([902]) السابق بالخيرات: هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه، وهو الفاعل للواجبات، والمستحبات، التارك للمحرمات، والمتورع عن المكروهات.
* انظر: «تفسير الطبري» (ج11 ص189)، و«تفسير ابن كثير» (ج3 ص562)، و«الإيمان» لابن تيمية (ص27)، و«تفسير الآلوسي» (ج22 ص504)، و«تفسير السعدي» (ج6 ص320).
([903]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص271، 353، 637)، و(ج16 ص293)، و«تعظيم قدر الصلاة» للمروزي (ص334)، و«فتاوى الأئمة النجدية» (ج1 ص289)، و«الدرر السنية في الفتاوى النجدية» (ج1 ص333، 518)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج1 ص105)، و«الإيمان» لابن منده (ج1 ص331)، و«طريق الهجرتين وباب السعادتين» لابن القيم (ص345).
([907]) أي: وهو مركب بأصل لا يوجد بدونه، لأن الإيمان لا يتم إلا بأصل.
قلت: وقد بين شيخ الإسلام / أن الإيمان التام، هو فعل جميع المأمورات، وترك جميع المنهيات، وأن الإيمان إذا أطلق المقصود به الإيمان الكامل، وهو جميع ما أمر الله به من الواجبات، والمستحبات، وما نهى عنه من المحرمات والمكروهات.
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج16 ص293): (وهو جميع ما أمر الله به، فهذا هو الإيمان الكامل التام). اهـ
* فالإيمان الكامل التام لا يتم؛ إلا بمجموع مراتبه الثلاث.
([909]) فمن قصر في «أصل الإيمان» بترك واجب من الواجبات الداخلة في: «أصل الإيمان»؛ كترك الإقرار بالشهادتين، وترك الصلاة، وانتفاء التصديق وغيرها... فهذا كفر مخرج من الملة؛ لأنه ينافي: «أصل الإيمان».
* وكذلك فإن «أصل الإيمان» ينهدم بفعل محرم يضاده وهو: كل أمر نهى عنه الشارع، وكفر فاعله؛ لأن فعله ينافي: «أصل الإيمان»، ويخرج صاحبه من الملة: ومن هذه الأمور: سب الله تعالى، والرسول r، والاستهزاء بالدين، ومحاربة الإسلام...
([910]) ونقصد هنا: العذر المطلق؛ أي: الجهل «بأصل الإيمان»، والتوحيد، بحيث لا يعرف الإيمان من الكفر، ولا الشرك من التوحيد، ولا يعرف ما يجب له، وما لا يجوز لغيره؛ فهذا لم يدخل في الإيمان، ولو ادعى ذلك.
وانظر: «أقوال الشيخ ابن باز في العذر بالجهل» (ص12 و13 و14 و27 و35)، و«فتاوى نور على الدرب» للشيخ ابن باز (ج1 ص190 و194)،
* أما الجهل ببعض المسائل التي يعذر فيها الجاهل، ولا يحكم عليه بالكفر، إلا بعد التعليم، وإقامة الحجة؛ فهذا أمر آخر، وهو أحد موانع التكفير لأنها من المسائل الدقيقة التي تشكل على العبد، لكن: «أصل الإيمان» عنده، وهذا له تفصيل آخر.
وانظر: «أقوال الشيخ ابن باز في العذر بالجهل» (ص17 و19 و22 و35)، و«مسألة العذر بالجهل» للشيخ الفوزان (ص55)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج35 ص101).
قال العلامة الشيخ ابن باز / في «مسألة العذر بالجهل» (ص43): (ليست خلافية، يعني: مسألة العذر بالجهل؛ إلا في الدقائق التي تخفى؛ مثل: قصة الذي قال: لأهله حرقوني). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «مسألة العذر بالجهل» (ص35): (يعذر بالأشياء الخفية، لا سيما في بعض الأحكام الشرعية... في بعض المسائل التي قد تخفى في مسائل الأحكام الدقيقة قد يعذر فيها الإنسان، لأجل كونه ليس من أهل العلم). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «مسألة العذر بالجهل» (ص22)؛ في الرجل الذي خفي عليه بعض الأمور: (فهذا الجهل الذي جهل الشيء الدقيق، عفا الله تعالى عنه؛ لأنه حمله عليه خوف الله تعالى، والحذر من عقابه سبحانه). اهـ
([911]) قلت: فالتقصير فيه يكون بترك واجب من الواجبات، أو انتهاك محرم من المحرمات؛ مما لا يقبل إلى حد الكفر، كما هو الحال في: «أصل الإيمان».
* فمن ترك واجبا، أو فعل محرما استحق الوعيد، وصار من فساق الملة، ولا يعد من أصحاب: «الإيمان الكامل الواجب»، لأن إيمانه نقص لما ارتكبه من تقصير في واجب، أو انتهاك في محرم من كبائر الذنوب، فلا يعطى له اسم: «الإيمان على الإطلاق»، لأنه كما ذكرنا، أن اسم: «المؤمن المطلق»، لا يعطى إلا لمن أدى جميع الواجبات، وترك جميع المحرمات، بل يعطى مطلق الاسم، فيقال: «مؤمن ناقص الإيمان»، مع بيان صفة إيمانه بأنه ناقص، أو يعطى له اسم الإيمان على التقييد، فيقال: «مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته»، كما هو صريح النصوص الشرعية.
([912]) والإيمان المستحب: لا يعتبر التقصير فيه إثما، لأن الله تعالى لم يوجبه على عباده، ولكن رغبهم فيه، ليصلوا إلى أعلى درجات الكمال في الإيمان، ويفوزوا بالدرجات العلى، وينالوا الرحمة والرضوان، والفردوس والجنان، ويحوزوا ولاية الرحمن.
([913]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص271، 353، 637) و(ج16 ص293)، و«تعظيم قدر الصلاة» للمروزي (ص334)، و«فتاوى الأئمة النجدية» (ج1 ص289)، و«الدرر السنية في الفتاوى النجدية» (ج1 ص333 و518)، و«الاعتقاد» للبيهقي (ص212)، و«مسائل الإيمان» للشبل (ص53)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج1 ص105)، و«الإيمان» لابن منده (ج1 ص331)، و«طريق الهجرتين وباب السعادتين» لابن القيم (ص345)، و«التمهيد» لابن عبدالبر (ج9 ص238).
([914]) ومع ذلك فإن العالم السني: إذا اجتهد في فهم نص فأخطأ، وقال ما يلزم منه مخالفة أهل السنة فلا يحكم ببدعته، بمجرد ذلك، ونسبته إلى من وافقهم من مخالفي أهل السنة، بل نرجو له الأجر، وإن لم يقبل منه ما أخطأ فيه.
([915]) وقد ظهر من ينتسب إلى أهل السنة، ويعتقد أن التصديق القلبي المجرد عن العمل الظاهر هو حقيقة الإيمان، ومناط النجاة في الآخرة، مما ينتج عنه مفهوم باطل لدى البعض، وأن معنى كون العمل ركن من أركان الإيمان، إنما هو اعتقاد وجوبه، والتصديق به فحسب، وأن العمل أمر كمالي.
قلت: والعجيب أننا نجد هؤلاء يستدلون بالمتشابه من الأحاديث على الوجه الذي استدلت به: «المرجئة» قديما، ويضعونها في غير موضوعها.
* والحقيقة فإن مآل هذه المقالة قاض، بإخراج العمل عن حقيقة الإيمان الشرعي، والمصير إلى قول: «المرجئة» في أصل مذهبهم الفاسد.
([917]) قلت: وأهل السنة: وسط بين هذين المذهبين، فلا يسلبون مرتكب الكبيرة: «الإيمان بالكلية»، ولا يعطونه: «الإيمان الكامل»، وإنما يسمونه مؤمنا فاسقا.
([918]) انظر «شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص244) و«شرح العقيدة الواسطية» للشيخ الفوزان (ص171).
([919]) فالسلف يعدون هذه المسألة، في المسألة العقدية، لا مجرد مسألة فقهية، فهم جعلوها في أبواب الاعتقاد، وليست تحت أبواب الصلاة وصفتها في كتب الفقه، ليردوا على المرجئة في هذه الأبواب العقيدة.
([920]) كما يصورها عدد من المتأخرين، ومن المعاصرين: من الذين وقعوا في الإرجاء، وتأثروا به، والله المستعان.
([922]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص128 و611 و621)، و«الفوائد» لابن القيم (ص283)، و«الشريعة» للآجري (ص135)، و«مسائل في الإيمان» للشيخ الفوزان (ص34).
([924]) ولا فرق بين من تهاون في تأدية الزكاة، وبين من جحدها.
وهذا الحكم ذهب إليه أبو بكر الصديق، والصحابة في قتال مانعي الزكاة.
([925]) بزاخة: ماء لطيء، أو لبني أسد، كانت فيه وقعة عظيمة، في أيام أبي بكر الصديق t.
انظر: «معجم البلدان» للحموي (ج1 ص408، و«فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص210).
([926]) الحرب المجلية: المخرجة عن المال، والدار.
السلم المخزية: الصلح، والقرار على الذل والصغار.
ودى القتيل يديه: إذا أدى ديته.
تدونهم؛ أي: تدون ديتهم.
انظر: «نسخة الإمام ابن الصلاح، للجمع بين الصحيحين» للحميدي (ج1 ص131).
([928]) قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج13 ص210): (كذا ذكر البخاري: هذه القطعة من الخبر مختصرة، وليس غرضه منها؛ إلا قول أبي بكر t). اهـ
([931]) أمرا يعذرونكم به: رأيا، وحكما، يكون سببا لقبولكم، والعفو عنكم.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص210).
([932]) قلت: فلم يقبل t الصلح، مع مانعي الزكاة، إلا بالحرب المجلية، والسلم المخزية.
* فلم يقبل t: توبة المرتدين، إلا بهذه الشروط.
([934]) والمرجئة العصرية: يفرقون بين مانعي الزكاة، وبين المرتدين، في قتال الصحابة y لهم.
بل الذين منعوا الزكاة، هم: المرتدون أنفسهم، لا فرق بينهم.
* فلا نقسم الذين قاتلهم الصحابة y إلى قسمين:
فنقول: قسم من الذين منعوا الزكاة، وقسم: من الذين ارتدوا، فإن هذا التقسيم ليس بصحيح.
* فهم: قسم واحد فتنبه.
وانظر: «الإيمان» لأبي عبيد (ص39)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج2 ص603 و687)، و«التمهيد» لابن عبدالبر (ج4 ص23).
([935]) وانظر: «الكفاية في التفسير» لابن الحيري (ج2 ص87 و89)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج7 ص552)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج5 ص212)، و(ج6 ص315 و328)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج2 ص336)، و«تاريخ الأمم والملوك» للطبري (ج10 ص412)، و«بحر العلوم» للسمرقندي (ج3 ص102).
([936]) قلت: فاستحلوا قتالهم، لأنهم كفروا في عدم تأديتهم الزكاة، مع إقرارهم بوجوبها، من غير جحود لها.
([937]) وانظر: «تبرئة الإمامين الجليلين» لابن سحمان (ص172)، و«الدرر السنية» (ج10 ص179)، و«الأربعين» للآجري (ص83).
أخرجه أبو بكر البغدادي في «زاد المسافر» (ج2 ص193)؛ رواية بكر بن محمد.
وإسناده صحيح.
([940]) وانظر: «الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج1 ص102 و224)، و«والبداية والنهاية» لابن كثير (ج6 ص311)، و«الكامل في التاريخ» لابن الأثير (ج2 ص342)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج12 ص276).
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص439)، وأبو داود في «المسائل» (277).
وإسناده صحيح.
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص438)، وابن المنذر في «الأوسط» (124).
وإسناده صحيح
([946]) فالإمام مالك /: يرى أن من ترك فريضة من فرائض الإسلام؛ من «صلاة»، أو «زكاة»، أو «صيام»، أو «حج»، فإنه يقاتل، لأنه كافر بتركه لهذه الفريضة، وقد أقره الإمام أحمد على ذلك.
([949]) العقال: الحبل الذي تربط به الدابة كيلا تنفلت.
فهذا أبو بكر t لو منع إنسان عناقا، أو عقالا لقاتله.
([958]) انظر: «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» للمرداوي (ج10 ص273)، و«المبدع في شرح المقنع» لأبي إسحاق ابن مفلح (ج9 ص160)، و«كشاف القناع عن متن الإقناع» للبهوتي (ج5 ص138).
([959]) انظر: «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» لابن حجر (ج12 ص300)، و«المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (ج3 ص110)، و«إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري» للقسطلاني (ج14 ص409)، و«الإجابات المهمة» للشيخ الفوزان (ص10)، و«الشفا بتعريف حقوق المصطفى» للقاضي عياض (ص583)، و«فيض الباري شرح صحيح البخاري» للكشميري (ج8 ص130)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج13 ص161).
([962]) وهم الخوارج: الذين خرجوا على: علي بن أبي طالب t.
* ومن أعظم: ما تأولوه في خروجهم على علي بن أبي طالب t؛ قولهم: أنك حكمت الرجال، والله يقول: (إن الحكم إلا لله) [الأنعام:57].
* وكانت قصة: التحكيم، بين علي، ومعاوية ﭭ، بعد معركة صفين.
وقال الخوارج: «لعلي t»، ولم تحكم القرآن، وقد كفرت بذلك، ولا حكم إلا لله.
وانظر: «تغليق التعليق» لابن حجر (ج5 ص259)، و«خصائص علي بن أبي طالب» للنسائي (ص195)، و«فضائل الصحابة» لأحمد (ج2 ص627)، و«الشريعة» للآجري (ص27 و131)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج7 ص278)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج1 ص250).
([963]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج12 ص276 و277)، و«معالم السنن» للخطابي (ج3 ص563)، و«أعلام الحديث» له (ج1 ص741)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج1 ص202 و203)، و«إكمال المعلم» للقاضي عياض (ج1 ص243 و244).
([964]) الحديث: أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج9 ص99)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص742) من حديث: أبي سعيد الخدري t.
([967]) كذلك هؤلاء مخالفون في الإيمان لأهل السنة والجماعة؛ لأنهم قالوا: لو زالت جميع الأعمال سوى الشهادتين لم يخرج بذلك من الإسلام.
قلت: وهذه المقولة الحادثة انتشرت بين أتباع: «ربيع المدخلي» في «شبكة سحاب» سابقا وغير ذلك، والله المستعان.
([973]) وانظر: «الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج1 ص418)، و«تعظيم قدر الصلاة» للمروزي (ج2 ص1006)، و«جامع البيان» للطبري (ج11 ص361)، و«الصلاة» لابن القيم (ص59).
([977]) ذكر ذلك في «شريط مسجل» بعنوان: «الأجوبة السلفية على الأسئلة السويدية»، وهذا الكلام في «الوجه الأول» من الشريط المذكور.
([978]) ذكر ذلك في «شريط مسجل» بعنوان: «الأجوبة السلفية على الأسئلة السويدية»، وهذا الكلام في «الوجه الثاني» من الشريط المذكور.
([980]) وقد أصابت: «اللجنة» في ردها على: «علي الحلبي المرجئ»، وبينت ما عنده من إرجاء واضح.
والجابري يخطئ: «اللجنة»، ويصوب: لـ«علي الحلبي» المرجئ على ما عنده من إرجاء واضح.
([981]) ويظهر لنا هنا كذب الجابري، فقد ذكر في الإجابة الأولى بأنه قرأ كتاب: «التعريف والتنبئة»، وكتاب: «الأجوبة المتلائمة»، وفي الإجابة الثانية ذكر فقط، بأنه فقط قرأ: «التعريف والتنبئة»، ولم يذكر قراءته لكتاب: «الأجوبة المتلائمة»، ويقول عنه جيد، والله المستعان.
([982]) فالجابري: يثني على كتاب: «علي الحلبي» وفيه يقول: «بأن الأعمال شرط كمال في الإيمان»، وهو يقول: بأن من قال بأن الأعمال شرط كمال؛ فهو مرجئ، والله المستعان.
([983]) و«الحلبي» كغيره من الكتاب طفق يكتب في مسائل الإيمان على طريقة كلامية؛ فارتكس في كثير من الأخطاء المتعلقة في الإيمان، فتصدى له علماء أهل السنة والجماعة فردوا على أخطائه في مسائل الإيمان وغير ذلك.
([984]) «التواصل المرئي»، بعنوان: «أقوال علماء أهل السنة والجماعة في منهج ربيع المدخلي، الجزء السادس- قناة أهل الحديث» في سنة: «1442هـ».
([985]) «التواصل المرئي»، بعنوان: «علي الحلبي يلخبط الناس بأفكاره للعلامة صالح الفوزان- قناة أهل الحديث» في سنة: «1442هـ».