الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / المقتحم على الرد المفحم للشيخ المحدث الألباني رحمه الله
المقتحم على الرد المفحم للشيخ المحدث الألباني رحمه الله
37 |
سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية
|
المقتحم
على
الرد المفحم
للشيخ المحدث الألباني رحمه الله
تأليف
العلامة المحدث الفقيه فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه، وجعل الجنة مثواه
دراسة أثرية منهجية علمية في الرد على الشيخ الألباني / في جوازه لكشف المرأة عن وجهها وكفيها.
وبيان أن الأدلة التي استدل بها على هذا الحكم: هي عند التحقيق لا تثبت على النقد، وقد أخطأ الشيخ الألباني / في هذه المسألة.
فمن تلوك من الجهلة المقلدة، فنقول له، فسم لي أنت من كانت له العصمة بعد النبي r.
فلا لوم على من درس فقه الدين، وأدمن النظر فيه، أن يخطئ أحيانا في تفريعه على حكم من الأحكام، فصوابه مشكور، وخطؤه مغفور، وهو على كل حال مأجور.
إنما اللوم على الذين لا فقه عندهم، لا في الأصول، ولا في الفروع، ولا تعبوا في تحصيل العلوم، ولا بحثوا فيها في الكتب، ولا النظر فيها بسبب كسلهم في العلم.
بل يتعبون توهيم بعضهم لبعض في العلم، وهو علم غير نافع فيجمعون ذلك، ويحفظونه بتقليد بعضهم لبعض في المسائل، ثم يلقونه على من لا علم عندهم من المقلدة، بل ولا أدب لديهم.
فيا أيها المقلد راقب الله تعالى فيما تقول وتفعل، وإياك والفتوى من غير علم، فكثرة الفتوى من قلة التقوى!.
فاللهم وفقنا إلى العلم النافع، والعمل الصالح، ويسر ما عسر من أمرنا، وآت هذه الأمة أمر رشد.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني /
في براءته من مقلديه في الدنيا والآخرة، في تصحيح، وتضعيف الأحاديث وغير ذلك؛ بمثل: قول المقلد الجاهل: «هذا الحديث صححه الشيخ الألباني» أو «ضعفه» بغير دراية، ولا رواية؛ بل بالتقليد الأعمى، وهو حديث ضعيف معلول، إذا فلا ينفع المقلد الهالك هذا التقليد المذموم؛ بل يضره في الدنيا، لأنه يعبد الله تعالى بهذا التقليد على غلط، ويأثم به، وله وعيد شديد في الآخرة.
قال الشيخ العلامة الألباني /: (إخواننا طلبة العلم، اقتداء بالأئمة، واتباعا منا لهم، ألا تقلدونا، ونحن نتبرأ من كل إنسان يقلدنا؛ تقليدا أعمى، فإذا بدا له أن الصواب مع غيرنا، فنحن نحرم عليه أن يقلدنا)([1]).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
إلماعة
الإجماع الذي ينضبط: هو ما كان عليه الصحابة y في الأصول، وفي الفروع؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف، حتى أنهم ينقلون الإجماع بالغلط، ولم يكن الحكم بالإجماع، وفي هذا قمع للمقلدة الذين يقلدون بعض العلماء في الأحكام، ويتركون فقه الصحابة أو إجماعهم
قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
قلت: فأمر القرآن باتباع سبيل المؤمنين في الأصول والفروع فيجب اتباعهم، ومن لم يتبعهم في ذلك، فقد ترك سبيلهم، ومن ترك سبيلهم؛ فله وعيد شديد، والعياذ باللـه.([2])
قلت: ووجه الاستدلال بها([3])؛ أنه تعالى توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يوجب اتباع سبيلهـم، وإذا أجمعوا على أمر كان سبيـلا لهم؛ فيكون
اتباعه واجبا على كل واحد منهم، ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة.([4])
* والآية تدل أيضا على أن كل من اتبع غير سبيل المؤمنين، فقد شاق الرسول r، ومن شاق الرسول r اتبع غير سبيل المؤمنين، فلا يتحقق اتباع الرسول r؛ إلا باتباع سبيل المؤمنين أصحاب رسول اللـه r، ولزوم ما كانوا عليه من الدين: اعتقادا، وتلقيا وعبادة، ومعاملات، ودعوة؛ باتباع أقوالهم، وفتاويهم المنقولة عنهم بنقل الثقات.([5])
قلت: والآية قرنت بين مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين في استحقاق الإضلال، وصلي جهنم، ومشاقة الرسول r متلازمة مع اتباع غير سبيل المؤمنين، كما أن اتباع سبيل المؤمنين متلازم مع اتباع سبيل الرسول r؛ وعلى هذا علماء السلف.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة في أصول الفقه» (ج4 ص1064): (فوجه الدلالة: أن الله تعالى توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين، فدل على أن اتباع سبيلهم واجب). اهـ
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة في أصول الفقه» (ج4 ص1065): (لأنه ليس بين اتباع غير سبيلهم، وبين اتباع سبيلهم؛ قسم ثالث، وإذا حرم الله تعالى اتباع غير سبيل المؤمنين، وجب اتباع سبيلهم). اهـ
قلت: وهذا وعيد من اللـه تعالى لمن يحيد عن الصحابة الكرام في الأصول، والفروع([6])، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص194): (فهكذا مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم؛ وهذا ظاهر، ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا؛ فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم. فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك؛ وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الرسولr قلنا: لأنهما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون؛ فإنه يكون منصوصا عن الرسول r، فالمخالف لهم مخالف للرسول r؛ كما أن المخالف للرسول r مخالف للـه؛ ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول r: وهذا هو الصواب.([7])
فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول r، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، ويعلم الإجماع. فيستدل به؛ كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص وهو دليل ثان مع النص). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج20 ص14): (وأما أقوال الصحابة؛ فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم؛ فهي حجة عند جماهير العلماء، وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله تعالى، والرسول r ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «العقيدة الواسطية» (ص128): (والإجماع: هو الأصل الثالث؛ الذي يعتمد عليه في العلم والدين.
وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين.
والإجماع الذي ينضبط: هو ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشرت الأمة). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص327): (فجمهور الأمة أن الإجماع دليل مستقل، وأننا إذا وجدنا مسألة فيها إجماع؛ أثبتناها بهذا الإجماع.
وكأن المؤلف / يريد من هذه الجملة إثبات أن إجماع أهل السنة حجة.
* قوله: (وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين).
* (الأصول الثلاثة): هي الكتاب والسنة والإجماع.
يعني: أن أهل السنة والجماعة يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من قول أو عمل، باطن أو ظاهر، لا يعرفون أنه حق؛ إلا إذا وزنوه بالكتاب والسنة والإجماع؛ فإن وجد له دليل منها؛ فهو حق، وإن كان على خلافه؛ فهو باطل.
* قوله: (والإجماع الذي ينضبط: هو ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشرت الأمة).
يعني: أن الإجماع الذي يمكن ضبطه، والإحاطة به: هو ما كان عليه السلف الصالح، وهم: القرون الثلاثة، الصحابة، والتابعون، وتابعوهم.
* ثم علل المؤلف ذلك بقوله: (إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشرت الأمة)؛ يعني: أنه كثر الاختلاف ككثرة الأهواء؛ لأن الناس تفرقوا طوائف، ولم يكونوا كلهم يريدون الحق، فاختلفت الآراء، وتنوعت الأقوال.
* (وانتشرت الأمة): فصارت الإحاطة بهم من أصعب الأمور.
* فشيخ الإسلام / كأنه يقول: من ادعى الإجماع بعد السلف الصالح، وهم القرون الثلاثة، فإنه لا يصح دعواه الإجماع، لأن الإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح، وهل يمكن أن يوجد إجماع بعد الخلاف؛ فنقول: لا إجماع مع وجود خلاف سابق، ولا عبرة بخلاف بعد تحقق الإجماع). اهـ
وقال العلامة محمد الهراس / في «شرح العقيدة الواسطية» (ص256): (قوله: «ثم من طريقة أهل السنة ...» إلخ؛ هذا بيان المنهج لأهل السنة والجماعة في استنباط الأحكام الدينية كلها، أصولها وفروعها، بعد طريقتهم في مسائل الأصول، وهذا المنهج يقوم على أصول ثلاثة:
أولها: كتاب الله عز وجل، الذي هو خير الكلام وأصدقه، فهم لا يقدمون على كلام الله كلام أحد من الناس.
وثانيها: سنة رسول الله r، وما أثر عنه من هدي وطريقة، لا يقدمون على ذلك هدي أحد من الناس.
وثالثها: ما وقع عليه إجماع الصدر الأول من هذه الأمة قبل التفرق والانتشار وظهور البدعة والمقالات، وما جاءهم بعد ذلك مما قاله الناس وذهبوا إليه من المقالات وزنوها بهذه الأصول الثلاثة التي هي الكتاب، والسنة، والإجماع، فإن وافقها؛ قبلوه، وإن خالفها ردوه؛ أيا كان قائله.
* وهذا هو المنهج الوسط، والصراط المستقيم، الذي لا يضل سالكه، ولا يشقى من اتبعه، وسط بين من يتلاعب بالنصوص، فيتأول الكتاب، وينكر الأحاديث الصحيحة، ولا يعبأ بإجماع السلف، وبين من يخبط خبط عشواء، فيتقبل كل رأي، ويأخذ بكل قول، لا يفرق في ذلك بين غث وسمين، وصحيح وسقيم). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح العقيدة الواسطية» (ص213): (فمن صفات أهل السنة الاجتماع على الأخذ بالكتاب، والسنة، والاتفاق على الحق، والتعاون على البر، والتقوى، وقد أثمر هذا وجود الإجماع: (والإجماع هو الأصل الثالث: الذي يعتمد عليه في العلم والدين)، وقد عرف الأصوليون الإجماع بأنه: اتفاق علماء العصر على أمر ديني، وهو حجة قاطعة يجب العمل به، وقوله: (وهو الأصل الثالث)؛ أي: بعد الأصلين الأولين: وهما الكتاب والسنة.
* من صفات أهل السنة أنهم: (يزنون بهذه الأصول الثلاثة)؛ وهي الكتاب، والسنة، والإجماع: (جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين)؛ فهم يجعلون هذه الأصول الثلاثة ميزانا لبيان الحق من الباطل، والهدى من الضلال، فيما يصدر من الناس من تصرفات قولية، أو فعلية اعتقادية، أو عملية: (مما له تعلق بالدين)؛ من أعمال الناس كالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والمعاملات وغيرها، أما ما ليس له تعلق بالدين من الأمور العادية، والأمور الدنيوية فالأصل فيه الإباحة.
* ثم بين الشيخ / حقيقة الإجماع الذي يجعل أصلا في الاستدلال فقال: (والإجماع الذي ينضبط)؛ أي: يجزم بحصوله ووقوعه: (هو ما كان عليه السلف الصالح)؛ لما كانوا قليلين مجتمعين في الحجاز يمكن ضبطهم، ومعرفة رأيهم في القضية: (وبعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة)؛ أي: بعد السلف الصالح صار الإجماع لا ينضبط لأمرين:
أولا: كثرة الاختلاف بحيث لا يمكن الإحاطة بأقوالهم.
ثانيا: انتشار الأمة في أقطار الأرض بعد الفتوح بحيث لا يمكن عادة بلوغ الحادثة لكل واحد منهم، ووقوفه عليها، ثم لا يمكن الجزم بأنهم أطبقوا على قول واحد فيها). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
درة نادرة
قاعدة علمية: في إعلال الأحاديث بمناقضة متونها؛ بمنهج الصحابة y في الحكم المقطوع به، والحكم الصحيح، وعملهم به
اعلم رحمك الله أن الأحاديث التي أعلها الأئمة بمناقضة متونها، ما صح من رواية أصحابها أنفسهم بخلاف ما وجد في المتون، بعدم عمل الصحابة، وأن عمل الصحابة بخلاف ذلك.([8])
لأنه لا يتصور أن يوجد حديث صحيح عن النبي r، يترك الصحابة جميعا بالعمل به، وهم مخاطبون به.
فالأمة وفي مقدمتهم الصحابة y لا تجتمع على ضلالة.
* إن إعلال الحديث بهذه العلة: قاعدة سار عليها كثير من الأئمة النقاد.
فإعلال الحديث: بهذه العلة من قواعد المحدثين.
قال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل الصغير» (ج2 ص802): (قاعدة: في تضعيف أحاديث رويت عن بعض الصحابة، والصحيح عنهم رواية ما يخالفها ... ثم ذكر أمثلة على هذه القاعدة). اهـ
* وقد عمل أئمة الحديث بهذه القاعدة العلمية، ومنهم: الإمام البخاري /.([9])
فقد ضعف الإمام البخاري / في «المختصر من تاريخ هجرة رسول الله r» (ج2 ص802)؛ حديثا بعدم عمل الصحابة به، ثم قال: (وقد أدرك أصحاب النبي r؛ معاوية بن أبي سفيان ﭭ: أميرا في زمن عمر t، وبعد ذلك عشر سنين فلم يقم إليه أحد فيقتله.
وهذا مما يدل على هذه الأحاديث أن ليس لها أصول، ولا يثبت عن النبي r خبره على هذا النحو في أحد من أصحاب النبي r؛ إنما يقوله: أهل الضعف بعضهم في بعض). اهـ
قلت: فقد عرض الإمام البخاري الحديث على عمل الصحابة، فلم يجد أحدا منهم عمل به، فاستدل بذلك على بطلان الخبر؛ إذ لو كان ثابتا عندهم لبادروا إلى تنفيذه.([10])
* وقد عمل بهذه القاعدة: الحافظ ابن كثير /؛ حيث قال في «البداية والنهاية» (ج11 ص434): (وهذا الحديث كذب بلا شك، ولو كان صحيحا لبادر الصحابة إلى فعل ذلك، لأنهم كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم). اهـ
وكذلك قال بهذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج4 ص380)، وغيرهم أيضا.([11])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
في
وجوب تغطية الوجه واليدين للمرأة المسلمة
قالت: (إن الأدلة التي جاءت دالة على جواز كشف الوجه، واليدين كانت دالة على الأصل قبل نزول الأدلة القرآنية، ومجيء الأدلة من السنة الدالة على الأمر بالتستر، وبهذا يعلم أن الأدلة الدالة على وجوب ستر الوجه، واليدين ناسخة لما دل على جواز ذلك).([12]) اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
إلماعة
الخلاف بين العلماء ليس من أدلة التشريع بالإجماع، وعنده طلب الدليل من الكتاب، أو السنة، أو الآثار
اعلم رحمك الله أن الاحتجاج بالخلاف على الأدلة ممنوع شرعا بالإجماع؛ لأن الخلاف ناشئ من أقوال الرجال، وهم: يصيبون، ويخطئون في الفتاوى.
وأقوال الرجال يستدل لها بالأدلة الشرعية، ولا يستدل بها على الأدلة الشرعية؛ كما هو مقرر في الأصول.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج4 ص131): (والاختلاف ليس بحجة، إنما الحجة في الإجماع). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص922): (الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة؛ إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص80): (والواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس: على الأصول على الصواب منها، وذلك لا يعدم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج20 ص210): (واتفقوا كلهم: على أنه ليس أحد معصوما في كل ما يأمر به، وينهى عنه؛ إلا رسول الله r، ولهذا قال غير واحد من الأئمة: كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا رسول الله r). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص202): (وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة: النص والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقدر مقدماته بالأدلة الشرعية، لا بأقوال بعض العلماء؛ فإن أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية، ولا يحتج بها على الأدلة الشرعية). اهـ
وقال الحافظ الخطابي / في «أعلام الحديث» (ج3 ص2092): (وليس الاختلاف حجة، وبيان السنة حجة على المختلفين من الأولين والآخرين). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن / في «فتح المجيد» (ج2 ص624): (وحينئذ فلا عذر لمن استفتي أن ينظر في مذاهب العلماء، وما استدل به كل إمام، ويأخذ من أقوالهم ما دل عليه الدليل إذا كان له ملكة يقتدر بها على ذلك. كما قال تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[؛ وما زال العلماء يجتهدون في الوقائع، فمن أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله أجر؛ لكن إذا استبان لهم الدليل أخذوا به وتركوا اجتهادهم). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص300): (والمسائل التي اختلف فيها السلف والخلف، وقد تيقنا صحة: أحد القولين فيها كثير). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
جوهرة نادرة
أحكام الأصول والفروع الأدلة فيها واضحة لجميع الناس([13])، فعليهم أن يسئلوا عنها، ويجتهدوا في معرفتها، ولا تخفى إلا على الجاهل المعرض عن العلم،
ولا يعذر بجهله هذا
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإستقامة» (ج1 ص56): (من المعلوم أن الظنون غالبا إنما تكون في مسائل الاجتهاد والنزاع، فأما مسائل الإيمان والإجماع؛ فالعلم فيها أكثر قطعا).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص118): (جمهور مسائل الفقه التي يحتاج إليها الناس، ويفتون بها هي ثابتة بالنص، أو الإجماع، وإنما يقع الظن([14])، والنزاع في قليل مما يحتاج إليه الناس، وهذا موجود في سائر العلوم.
وكثير مسائل الخلاف، هي في أمور قليلة الوقوع ومقدرة، وأما ما لا بد للناس منه من العلم مما يجب عليهم، ويحرم، ويباح، فهو معلوم مقطوع به).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإستقامة» (ج1 ص56): (ومن المعلوم لمن تدبر الشريعة: أن أحكام عامة أفعال العباد معلومة لا مظنونة، وأن الظن فيها إنما هو قليل جدا في بعض الحوادث لبعض المجتهدين، فأما غالب الأفعال مفادها، وأحداثها فغالب أحكامها معلومة، ولله الحمد.
وأعني بكونها معلومة: أن العلم بها ممكن، وهو حاصل لمن اجتهد، واستدل بالأدلة الشرعية عليها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص274): (وهكذا الفقه: إنما وقع فيه الاختلاف لما خفي عليهم بيان صاحب الشرع، ولكن هذا إنما يقع النزاع في الدقيق منه، وأما الجليل فلا يتنازعون([15]) فيه).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص64): (لكن هذا، وهذا: قد يقعان في خفي الأمور ودقيقها؛ باجتهاد من أصحابها، استفرغوا فيه وسعهم في طلب الحق، ويكون لهم من الصواب، والاتباع ما يغمر ذلك... وهم معتصمون بحبل الله تعالى: يحكمون الرسول r فيما شجر بينهم، لا يتقدمون بين يدي الله تعالى، ورسوله r). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج2 ص653): (إنه من المعلوم أن الصحابة سمعوا القرآن والسنة من النبي r وقرأوه وأقرأوه من بعدهم، وتكلم العلماء في معانيه وتفسيره، ومعاني الحديث وتفسيره، وما يتعلق بالأحكام، ومالا يتعلق بها، وهم مجمعون على غالب معاني القرآن والحديث، ولم يتنازعوا؛ إلا في قليل من كثير، لا سيما القرون الأولى؛ فإن النزاع بينهم كان قليلا جدا بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه، وكان النزاع في التابعين أكثر، وكلما تأخر الزمان كثر النزاع، وحدث من الاختلاف بين المتأخرين ما لم يكن في الذين قبلهم؛ فإن القرآن تضمن الأمر بأوامر ظاهرة وباطنة، والنهي عن مناه ظاهرة وباطنة).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
درة نادرة
الحذر من العمل بالفتاوى المخالفة للشريعة المطهرة في أحكام الأصول والفروع، وهي التي أخطأ فيها عدد من العلماء في الدين، فإنها لا تنفعك؛ بل تضرك في الدنيا، وفي الآخرة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج32 ص239): (وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء).اهـ
وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز / في «الحوار» (ص20) عن كيفية معاملة العلماء: (الشيخ محمد بن إبراهيم ليس بمعصوم: فهو عالم من العلماء، يخطيء ويصيب، عالم من العلماء وليس بنبي ولا رسول، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وغيرهم من العلماء، والأئمة الأربعة؛ كلهم: يخطئون ويصيبون، ويؤخذ من قولهم ما وافق الحق، وما خالف الحق يرد على قائله ولو كان كبيرا).اهـ
وقال الإمام سليمان التيمي /: (لو أخذت برخصة كل عالم، أو زلة كل عالم؛ اجتمع فيك الشر كله). ([16])
وقال الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني /: (إخواننا طلبة العلم، اقتداء بالأئمة، واتباعا منا لهم، ألا تقلدونا، ونحن نتبرأ من كل إنسان يقلدنا؛ تقليدا أعمى، فإذا بدا له أن الصواب مع غيرنا، فنحن نحرم عليه أن يقلدنا) ([17]).اهـ
* ومن أجل هذا كله: ترى فتاوى الراسخين في العلم وطلبتهم المقتفين لآثار الصحابة y، والتابعين لهم: مطابقة للقرآن الكريم، والسنة النبوية، يتحرون ذلك غاية التحري، فحصلت لهم السلامة، ومن حاد عن سبيلهم؛ حصل له الخطأ والزلل، والتناقض والاضطراب، ولابد. ([18])
قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
وقال تعالى: ]وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون[ [الأنعام: 112].
وقال تعالى: ]تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون[ [الحشر: 14].
وقال تعالى: ]واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة[ [الأنفال: 25].
وقال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم[ [آل عمران: 105].
وقال تعالى: ]فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون[ [يونس: 32].
وقال تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء: 82].
قلت: فالحق عند الله تعالى في الأصول والفروع: واحد لا يتعدد أبدا، وما عداه فخطأ، ولابد.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
عونك يا رب يسر
المقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
* فإن لهذه الأمة: أن تفخر بأنها خير أمة أخرجت للناس.
قال تعالى: ]كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله[ [آل عمران: 110].
قلت: وقد امتن الله تعالى عليها بهذه الشريعة الخالدة التي نزل بها الكتاب الحكيم، وبينها للخلق الرسول r الأمين.
فجاءت بينة في أصولها، وفي فروعها، واضحة في أحكامها([19])، لم تدع حكما دون بيان.
* لذلك جعل الله تعالى الفقه في الدين منهج حياة الخلق؛ بل الفقه من مفاخر هذه الأمة في الأصول والفروع، وهو سعادة حياتها، تدوم في سعادتها ما دام هذا الفقه، وتنعدم سعادتها ما انعدم، اللهم سلم سلم.
* وقد كان من جملة ما امتن الله تعالى به على هذه الأمة، وبينه تعالى لها: اللباس الذي يستر جميع بدن المرأة([20])، وعورتها، ويواريها عن الرجال.
قال تعالى: ]يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون[ [الأعراف: 26].
قلت: وحين امتن الله تعالى على المرأة المسلمة بهذا الستر، لم يترك الأحكام المتعلقة به بدون بيان واضح للمسلمين.
* بل جاءت نصوص الكتاب، والسنة، والآثار: كاشفة عن أحكامه مبينة لمسائله، ولله الحمد.
وإليك الدليل:
1) قال تعالى: ]يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما[ [الأحزاب:59].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «دقائق التفسير» (ج4 ص429): (وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها، ويديها.([21])
وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها؛ لأنه يجوز لها إظهاره.
ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب؛ بقوله: ]يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب: 56] حجب النساء عن الرجال، وإنما دل ذلك السن المطلوب منها إذا خرجت). اهـ
وقال القرطبي المفسر / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج3 ص372)؛ عن الجلباب: (والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج3 ص212): (هو ما غطى جميع الجسم، لا بعضه). اهـ
* والجلابيب: جمع جلباب، وهو ثوب تشتمل به المرأة، فيغطي جميع بدنها، أو الخمار الذي تغطي به المرأة رأسها، ووجهها.
وقال الفقيه ابن العربي / في «أحكام القرآن» (ج3 ص1574): (اختلف الناس في الجلباب على ألفاظ متقاربة، عمادها أنه الثوب الذي يستر به البدن). اهـ
وقال العلامة الشيخ الألباني / في «حجاب المرأة المسلمة» (ص46): (الجلباب: الذي يتضمن حجب الوجه، فكل جلباب: حجاب). اهـ بتصرف.
وقال العلامة الشيخ الألباني / في «حجاب المرأة المسلمة» (ص47): (ليعلم أن ستر الوجه، والكفين له: أصل في السنة، وقد كان ذلك معهودا في زمنه r).اهـ
وقال العلامة الشيخ الألباني / في «حجاب المرأة المسلمة» (ص48): (والنصوص متضافرة على أن نساء النبي r: كن يحتجبن حتى في وجوههن). اهـ
قلت: فالجلباب: هو الذي تستر به المرأة تسترا كاملا من فوق الرأس إلى أسفل القدم، فلا يرى أي: شيء منها.([22])
والجلباب: هو الثوب الذي يستر جميع البدن بمنزلة العباءة السوداء للنساء في هذا الزمان.([23])
قال اللغوي ابن منظور / في «لسان العرب» (ج1 ص273): (ويدنين عليهن: شامل لجميع أجسادهن بما في ذلك الوجه، لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه، يقال إذا زال الثوب عن الوجه: أدني ثوبك على وجهك). اهـ
2) وقال تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ [النور:31].
فعن ابن مسعود t قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ قال: الثياب).([24])
قلت: وليس المراد: إلا ما ظهر منها، كشف الوجه والكفين، فإن ذلك أبعد ما يكون عن المرأة أن تكشف وجهها، وكفيها أمام الرجال الأجانب!.([25])
قال الإمام أبو عبيد / في «غريب الحديث» (ج4 ص317): (والذي عليه العمل عندنا في هذا قول عبدالله بن مسعود t: «هي الثياب»؛ يعني: أن لا يبدين من زينتهن؛ إلا الثياب). اهـ
قلت: ولا يوجد لابن مسعود t؛ أي مخالف من الصحابة y في تفسير: «الزينة: بالثياب»، حتى ابن عباس([26]) ﭭ قد وافق ابن مسعود t على هذا التأويل في رواية له، لأنه لا يمكن للصحابة tأن يخالفوا السنة في أمرها المرأة بستر وجهها وكفها. ([27])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج20 ص14): (وأما أقوال الصحابة؛ فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم؛ فهي حجة عند جماهير العلماء، وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله تعالى، والرسول r ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «العقيدة الواسطية» (ص128): (والإجماع: هو الأصل الثالث؛ الذي يعتمد عليه في العلم والدين.
وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين.
والإجماع الذي ينضبط: هو ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشرت الأمة). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص327): (فجمهور الأمة أن الإجماع دليل مستقل، وأننا إذا وجدنا مسألة فيها إجماع؛ أثبتناها بهذا الإجماع.
وكأن المؤلف / يريد من هذه الجملة إثبات أن إجماع أهل السنة حجة.
* قوله: (وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين).
* (الأصول الثلاثة): هي الكتاب والسنة والإجماع.
يعني: أن أهل السنة والجماعة يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من قول أو عمل، باطن أو ظاهر، لا يعرفون أنه حق؛ إلا إذا وزنوه بالكتاب والسنة والإجماع؛ فإن وجد له دليل منها؛ فهو حق، وإن كان على خلافه؛ فهو باطل.
* قوله: (والإجماع الذي ينضبط: هو ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشرت الأمة).
يعني: أن الإجماع الذي يمكن ضبطه، والإحاطة به: هو ما كان عليه السلف الصالح، وهم: القرون الثلاثة، الصحابة، والتابعون، وتابعوهم.
* ثم علل المؤلف ذلك بقوله: (إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشرت الأمة)؛ يعني: أنه كثر الاختلاف ككثرة الأهواء؛ لأن الناس تفرقوا طوائف، ولم يكونوا كلهم يريدون الحق، فاختلفت الآراء، وتنوعت الأقوال.
* (وانتشرت الأمة): فصارت الإحاطة بهم من أصعب الأمور.
* فشيخ الإسلام / كأنه يقول: من ادعى الإجماع بعد السلف الصالح، وهم القرون الثلاثة، فإنه لا يصح دعواه الإجماع، لأن الإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح، وهل يمكن أن يوجد إجماع بعد الخلاف؛ فنقول: لا إجماع مع وجود خلاف سابق، ولا عبرة بخلاف بعد تحقق الإجماع). اهـ
وقال العلامة محمد الهراس / في «شرح العقيدة الواسطية» (ص256): (قوله: «ثم من طريقة أهل السنة ...» إلخ؛ هذا بيان المنهج لأهل السنة والجماعة في استنباط الأحكام الدينية كلها، أصولها وفروعها، بعد طريقتهم في مسائل الأصول، وهذا المنهج يقوم على أصول ثلاثة:
أولها: كتاب الله عز وجل، الذي هو خير الكلام وأصدقه، فهم لا يقدمون على كلام الله كلام أحد من الناس.
وثانيها: سنة رسول الله r، وما أثر عنه من هدي وطريقة، لا يقدمون على ذلك هدي أحد من الناس.
وثالثها: ما وقع عليه إجماع الصدر الأول من هذه الأمة قبل التفرق والانتشار وظهور البدعة والمقالات، وما جاءهم بعد ذلك مما قاله الناس وذهبوا إليه من المقالات وزنوها بهذه الأصول الثلاثة التي هي الكتاب، والسنة، والإجماع، فإن وافقها؛ قبلوه، وإن خالفها ردوه؛ أيا كان قائله.
* وهذا هو المنهج الوسط، والصراط المستقيم، الذي لا يضل سالكه، ولا يشقى من اتبعه، وسط بين من يتلاعب بالنصوص، فيتأول الكتاب، وينكر الأحاديث الصحيحة، ولا يعبأ بإجماع السلف، وبين من يخبط خبط عشواء، فيتقبل كل رأي، ويأخذ بكل قول، لا يفرق في ذلك بين غث وسمين، وصحيح وسقيم). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح العقيدة الواسطية» (ص213): (فمن صفات أهل السنة الاجتماع على الأخذ بالكتاب، والسنة، والاتفاق على الحق، والتعاون على البر، والتقوى، وقد أثمر هذا وجود الإجماع: (والإجماع هو الأصل الثالث: الذي يعتمد عليه في العلم والدين)، وقد عرف الأصوليون الإجماع بأنه: اتفاق علماء العصر على أمر ديني، وهو حجة قاطعة يجب العمل به، وقوله: (وهو الأصل الثالث)؛ أي: بعد الأصلين الأولين: وهما الكتاب والسنة.
* من صفات أهل السنة أنهم: (يزنون بهذه الأصول الثلاثة)؛ وهي الكتاب، والسنة، والإجماع: (جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين)؛ فهم يجعلون هذه الأصول الثلاثة ميزانا لبيان الحق من الباطل، والهدى من الضلال، فيما يصدر من الناس من تصرفات قولية، أو فعلية اعتقادية، أو عملية: (مما له تعلق بالدين)؛ من أعمال الناس كالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والمعاملات وغيرها، أما ما ليس له تعلق بالدين من الأمور العادية، والأمور الدنيوية فالأصل فيه الإباحة.
* ثم بين الشيخ / حقيقة الإجماع الذي يجعل أصلا في الاستدلال فقال: (والإجماع الذي ينضبط)؛ أي: يجزم بحصوله ووقوعه: (هو ما كان عليه السلف الصالح)؛ لما كانوا قليلين مجتمعين في الحجاز يمكن ضبطهم، ومعرفة رأيهم في القضية: (وبعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة)؛ أي: بعد السلف الصالح صار الإجماع لا ينضبط لأمرين:
أولا: كثرة الاختلاف بحيث لا يمكن الإحاطة بأقوالهم.
ثانيا: انتشار الأمة في أقطار الأرض بعد الفتوح بحيث لا يمكن عادة بلوغ الحادثة لكل واحد منهم، ووقوفه عليها، ثم لا يمكن الجزم بأنهم أطبقوا على قول واحد فيها). اهـ
وعن عبد الله بن مسعود t قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن[؛ قال الزينة: السوار، والدملج([28])، والخلخال([29])، والقلادة([30])، و ]إلا ما ظهر منها[؛ قال: من الثياب، والجلباب). ([31])
قلت: فالمراد من الزينة الظاهرة؛ ما يظهر في العادة شيء من الثياب بدون تعمد المرأة في الخارج، أو ظهور الثياب نفسها من جلباب، وغيره، وهي ساترة للمرأة كلها، وهذا خارج عن أصل خلقتها في البدن، وظهور جزء من الثياب، أو الجلباب بحكم الاضطرار، والعادة بدون اختيار المرأة؛ كما ترى.
وعن عبد الله بن مسعود t قال: (الزينة زينتان: زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج، فأما الزينة الظاهرة؛ فالثياب، وأما الزينة الباطنة؛ فالكحل، والسوار، والخاتم). ([32])
قلت: فالزينة الظاهرة: الثياب، وما خفي منها الحلي وغيرها، فهذه لا يراها إلا الزوج، وبنحوه من الأقارب.
قلت: والوجه والكفان من الزينة الباطنة، لأن الوجه فيه الكحل، وبقربه القلادة وغيرها، والسوار والخاتم في الكفين، واليدين، وهذه الأمور لا تظهر إلا للزوج، وغيره من الأقارب. ([33])
وهذا يدل على أن المرأة يجب عليها أن تستر كل بدنها، إلا ما ظهر منها، وهي الثياب التي تخرج في العادة بدون قصد منها.
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج3 ص504): (لما أمر الله تعالى النساء بالحجاب عن الأجانب، بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم، كما استثناهم في سورة النور، عند قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن[ إلى آخرها، [النور: 31]). اهـ
قلت: والحجاب يحجب البصر عن رؤية المرأة تماما، ويمنع من وصول البصر إلى رؤية شيء من بدنها.
قال الراغب المفسر / في «المفردات في غريب القرآن» (ج1 ص141): (الحجب، والحجاب: المنع من الوصول.
يقال: حجبه حجبا، وحجابا... وقوله تعالى: ]حتى توارت بالحجاب[ [ص: 32]؛ يعني: الشمس إذا استترت بالمغيب). اهـ
وقال الخليل الفراهيدي اللغوي / في «العين» (ج1 ص347): (الحجب: كل شيء منع شيئا من شيء؛ فقد حجبه حجبا). اهـ
وقال الأزهري اللغوي / في «معجم تهذيب اللغة» (ج6 ص743): (الحجاب: اسم ما حجبت به بين شيئين، وكل شيء منع شيئا: فقد حجبه... والحجاب: الستر، وامرأة محجوبة قد سترت بستر). اهـ
قال الحافظ ابن الجوزي / في «تفسير الغريب» (ج2 ص24): (ولا يبدين زينتهن: وزينتهن على ضربين: خفية؛ كالسوارين، والقرطين([34])، والدملج([35])، والقلادة([36]).
وظاهرة: وهي المشار إليها؛ بقوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[، وهي الثياب: و(الخمر): جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها([37])،]ولا يبدين زينتهن[؛ يعني: الخفية). اهـ
وعن أبي الأحوص / قال: في قوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (الثياب). ([38])
وعن عبيدة السلماني / قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (الثياب). ([39])
3) وقال تعالى: ]والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة[ [النور: 60].
وعن ابن عمر ﭭ وكان يقول: في قوله تعالى: ]والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة[ [النور: 60]؛ (تضع الجلباب). ([40])
وعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة[ [النور: 60]؛ قال: (هي: الجلباب). ([41])
قلت: والثياب هنا: الجلباب، وما كان في معناه، وهذا المعنى يتناسب مع قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ يعني: الثياب.
وعن الأسود قال: قالت عائشة ڤ: (تسدل المحرمة جلبابها من فوق رأسها على وجهها). ([42])
وعن أبي الشعثاء: أن ابن عباس ﭭ قال: (تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به). ([43])
يعني: وهو مسدول على وجهها.
وعن مجاهد / قال: في قوله تعالى: ]أن يضعن ثيابهن[ [النور: 60]؛ قال: (جلابيبهن). ([44])
وعن إسماعيل بن إبراهيم قال: سألت ابن أبي نجيح: عن قوله تعالى: ]فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن[ [النور: 60]؛ قال: (الجلباب). ([45])
4) وقال تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ [النور:31].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «دقائق التفسير» (ج4 ص429): (وإنما ضرب الحجاب على النساء، لئلا ترى وجوههن وأيديهن). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «حجاب المرأة المسلمة» (ص44): (والأصل: أن كل ما كان سببا للفتنة، فإنه لا يجوز، فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة). اهـ
وقال الفقيه السرخسي / في «المبسوط» (ج10 ص152): (ولأن حرمة النظر لخوف الفتنة وعامة محاسنها في وجهها؛ فخوف الفتنة في النظر إلى وجهها أكثر منه إلى سائر الأعضاء). اهـ
قلت: والمراد بالخمر في الآية ما يخمر به الرأس، والوجه؛ أي: يغطي الرأس مع الوجه، فتضع المرأة الخمار على رأسها، وتسدله على وجهها عن الرجال الأجانب.
والمراد بالجيوب في الآية: النحور، والصدور، فالمراد بضرب النساء بخمرهن على جيوبهن: أن يغطين رؤوسهن، ووجوههن، وأعناقهن، وصدورهن بكل ما فيها من زينة وحلي.([46])
* وهي مأمورة بسدل جلبابها من فوق رأسها على وجهها.
فعن الأسود قال: قالت عائشة ڤ: (تسدل المحرمة جلبابها من فوق رأسها على وجهها). ([47])
* وأن كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها.
فعن الإمام أحمد / قال: (كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها).([48])
وعن الإمام أحمد / قال: (الزينة الظاهرة: الثياب، وكل شيء منها عورة، حتى الظفر).([49])
وعن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام – ثقة فقيه عابد من الطبقة الثالثة([50]) – قال: (كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها). ([51])
وعن الإمام أحمد / قال: (ظفر المرأة عورة، وإذا خرجت فلا تبين منها لا يدها، ولا ظفرها، ولا خفها).([52])
وقال العلامة الصنعاني / في «سبل السلام» (ج1 ص219): (وأما عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي إليها، فكلها عورة). اهـ
وقال القرطبي المفسر / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج14 ص227): (وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «فتح القدير» (ج4 ص298): (والنساء كلهن عورة). اهـ
وقال العلامة محمد الأمين / في «أضواء البيان» (ج6 ص603): (أن المرأة كلها عورة يجب عليها أن تحتجب). اهـ
وقال الفقيه أبو حامد الغزالي / في «إحياء علوم الدين» (ج1 ص728): (إن وجه المرأة عورة في حق الرجل الأجنبي). اهـ
قلت: فالنساء مأمورات: بالاستتار، والاحتجاب، دون التبرج، والظهور.([53])
يقال: تبرجت المرأة، إذا أبدت محاسنها من وجهها، وجسدها.([54])
15) وعن عائشة ڤ قالت: (لما نزلت هذه الآية: ]وليضربن بخمرهن على جيوبهن [ [النور:31]؛ أخذن أزرهن، فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها).([55])([56])
وفي رواية: (يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله: ]وليضربن بخمرهن على جيوبهن [ شققن مروطهن فاختمرن بها). الجمع مرط: بكسر الميم، وهو الإزار من القماش. ([57])
* فهي تمدح ڤ وأرضاها: استجابتهن لله تعالى، لما دعاهن لما يحييهن الحياة الطيبة الطاهرة السعيدة، فنعم النساء، ونعم القدوات على مر العصور، وكر الدهور، المتمسكات بأمر الله تعالى عندما أمر الله نبيه r بأن يأمر زوجاته، وبناته، ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن.([58])
قال تعالى: ]يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما[ [الأحزاب:59].
قلت: فأمر الله تعالى المؤمنات بضرب الخمار على رؤوسهن، وهذا نص على اختمارهن.
قال اللغوي الأزهري / في «الزاهر» (ص149): (المروط: هي أكسية من صوف، أو خز، كن النساء يتجلببن بها إذا برزن، واحدها: مرط). اهـ
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج8 ص490): شارحا هذا الحديث: (قولها: «فاختمرن بها»؛ أي غطين وجوههن). اهـ
قلت: انظر إلى امتثال الصحابيات لأمر الله تعالى مباشرة بدون أي مقدمات في الكلام، فلم يقلن مثلا: لقد كان الأمر من قبل على الجواز، فلماذا كذا، ولماذا كذا، ولعلنا ننظر في الأمر، ولم يقلن: المسألة فيها اختلاف، ولا غير ذلك([59])؛ مما يدل على صدقهن في تلقي أحكام الله تعالى، وأحكام رسوله r بالسمع والطاعة: ]وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير [[البقرة:285].
قلت: فالوجه هو المظهر الأكبر للجمال الخلقي، والطبيعي في المرأة، جذبا للأنظار، واستهواء للنزعات، ولفهم هذه الحقيقة لا نحتاج إلى التعمق في هذا الباب.([60])
فهذا القول هو الراجح، وأبعد عن أسباب الفتنة، ذلك أن الشريعة المطهرة جاءت بجلب المصالح، ودرء المفاسد، وكشف المرأة لوجهها، ويديها إن كان فيه مصلحة، فهي يسيرة بجانب المفاسد الناشئة عنه، ولا يخفى أن وجه المرأة هو أصل جمالها، ورؤيته من أعظم أسباب الإفتتان بها.([61])
وعن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: (كنا نخمر وجوهنا، ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق).([62])
قال العلامة الشيخ الألباني / في «حجاب المرأة المسلمة» (ص51): (ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة: على أن حجاب الوجه قد كان معروفا في عهده r، وأن نساؤه كن يفعلن ذلك، وقد استن بهن فضليات النساء بعدهن). اهـ
6) وعن عائشة ڤ قالت: (كان الركبان يمرون بنا، ونحن مع رسول الله r محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه).([63])
قال العلامة الساعاتي / في «بلوغ الأماني» (ج11 ص215)؛ معلقا على أثر عائشة ڤ: (والمعنى: أنهن كن يسترن وجوههن إذا مر عليهن الرجال بجلابيبهن، الجمع جلباب: وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة إذا خرجت لحاجة، فإذا أبعدوا عنهن كشفن وجوههن). اهـ
7) وعن عائشة ڤ قالت: (كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي r صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ما يعرفهن أحد من الغلس). وفي رواية: (وما يعرف بعضنا وجوه بعض)، وفي رواية: (ولا يعرف بعضهن بعضا). ([64])
متلفعات: متلحفات.
والتلفع: هو الالتحاف مع تغطية الرأس والوجه.
وهذا يعني: الحرص على التستر للمرأة في حال خروجها من البيت.
وهذا الحديث يدل على أن النساء في عهد النبي r كن يشهدن صلاة الفجر مغطيات للوجوه، وملتحفات بالثياب على الأجسام والوجوه بمروطهن؛ أي: مسترات لوجوههن، وأبدانهن بمروطهن. ([65])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص482): (إن الحديث يعين أحد الاحتمالين: هل عدم المعرفة بهن لبقاء الظلمة، أو لمبالغتهن في التغطية).اهـ
وكذا قال الحافظ العيني / في «عمدة القاري» (ج4 ص90): (يحتمل أن يكون لبقاء ظلمة من الليل، أو لتغطيتهن بالمروط غاية التغطي). اهـ
قلت: وعلى الاحتمالين؛ فالاستتار حاصل؛ إما بالظلمة، وشدة الغلس، أو بالتغطية للوجوه.
وقولها: «متلفعات»؛ حال. أي: ملتحفات من التلفع، وهو شدة اللفاع، وهو ما يغطي الوجه، ويلتحف به.
قلت: والتلفع أن تشتمل بالثوب حتى تجلل به جسدك، بل التلفع لا يكون؛ إلا بتغطية الرأس أيضا.([66])
قال الأزهري اللغوي / في «الزاهر» (ص149): (المتلفعات: النساء اللواتي قد اشتملن بجلابيبهن حتى لا يظهر منهن شيء غير عيونهن.
وقد تلفع بثوبه، والتفع بثوبه: إذا اشتمل به، أي: تغطى به). اهـ
قلت: وهذا يدل على وجوب تغطية الوجه للمرأة.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج9 ص324): (ولم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن الأجانب).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج15 ص372): (وإنما ضرب الحجاب على النساء؛ لئلا ترى وجوههن، وأيديهن، والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج9 ص337): (استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد، والأسواق، والأسفار منتقبات؛ لئلا يراهن الرجال).اهـ
قلت: وهذا يدل على أن ستر جميع بدن المرأة بما في ذلك وجهها، وكفيها هو الحال الذي كان على عهد النبي r، وكانت عليه النساء الصحابيات في عهده، وفي هؤلاء الأسوة الحسنة فهم خير الناس للناس. ([67])
8) وعن عبد الله بن مسعود t عن النبي r قال: (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من ربها، إذا هي في قعر بيتها).([68])
وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج5 ص231): (وقد أجمع علماء السلف على وجوب ستر المرأة المسلمة لوجهها، وأنه عورة يجب عليها ستره، إلا من ذي محرم). اهـ
وقال العلامة الشيخ بكر أبو زيد / في «حراسة الفضيلة» (ج5 ص231): (واتفق المسلمون على عدم خروج نساء المؤمنين أمام الرجال؛ إلا متحجبات، غير سافرات الوجوه، ولا حاسرات عن شيء من الأبدان، ولا متبرجات بزينة). اهـ
وقال الإمام ابن الملقن / في «التوضيح بشرح الجامع الصحيح» (ج25 ص163): (وإجماع الأمة أنه غير جائز للمرأة أن تظهر شيئا من عورتها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص112): (أما المرأة؛ فإنها عورة). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (ج2 ص329): (والخبر المروي: في أن المرأة عورة بالإجماع). اهـ
وقال الفقيه المناوي / في «فيض القدير» (ج6 ص266): (المرأة عورة: أي: هي موصوفة بهذه الصفة، ومن هذه صفته فحقه أن يستر، والمعنى: أنه يستقبح تبرزها، وظهورها للرجل.
والعورة: سوءة الإنسان، وكل ما يستحيي منه، كنى بها عن وجوب الاستتار في حقها) ([69]). اهـ
قلت: هذا هو السبيل لمن أراد الالتزام بالسنة المحضة، فالطريق إلى معرفة ما جاء به الرسول r هو أن تعرف ألفاظه الصحيحة، وما فسرها به الذين تلقوا عنه اللفظ والمعنى، ومعرفة لغتهم التي كانوا يتخاطبون بها([70]) على المعنى الصحيح، والله ولي التوفيق.
9) وعن عبد الله بن مسعود t قال: (إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها، وما بها من بأس، فيستشرف لها الشيطان، فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه، وإن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال: أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضا، أو أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها؛ مثل: أن تعبده في بيتها).
أثر صحيح
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص185 و195)، و(8914)، و(9480)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (17710)، وابن خزيمة في «التوحيد» (27) من طريق شعبة([71]) بن الحجاج، وشريك([72]) بن عبدالله النخعي، وأبي الأحوص سلام([73]) بن سليم الحنفي؛ كلهم: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود t به موقوفا.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج5 ص314): «والموقوف هو الصحيح من حديث أبي إسحاق».
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج2 ص35)؛ ثم قال: «رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله ثقات».
10) وعن عبدالله بن مسعود t قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في دارها، وصلاتها في دارها أفضل من صلاتها فيما سواه، ثم قال: إن المرأة إذا خرجت تشرف لها الشيطان). وفي رواية: (المرأة عورة، وأقرب ما تكون من ربها إذا كانت في قعر بيتها، فإذا خرجت تشرف لها الشيطان).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7616)، وعبدالرزاق في «المصنف» (5116)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص295)، (9481)، و(9482) من طريق أبي هلال، وأيوب عن حميد بن هلال العدوي –ثقة عالم-، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود t به موقوفا.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج5 ص314): «والموقوف هو الصحيح من حديث حميد بن هلال».
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج2 ص35)؛ ثم قال: «رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله موثوقون».
وأورده الهيثمي أيضا في «مجمع الزوائد» (ج2 ص34)؛ ثم قال: «ورجاله رجال الصحيح».
وقال تعالى: ]وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن[ [الأحزاب:53].
وكذلك المقصود به الحجاب الذي يستر بدن المرأة المسلمة.
* وهذا مبني على أن الأصل في النساء المكث، والقرار في بيوتهن، ولا يخرجن؛ إلا لحاجتهن، لقوله تعالى: ]وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا[ [الأحزاب:33].
فمن أراد من الرجال الأجانب حاجة، سألهن من وراء حجاب؛ تطهيرا للقلوب، وسدا للذرائع، واتقاءا للذنوب.
قلت: ولئن كان هذا خطابا؛ لأمهات المؤمنين اللاتي يحرم الزواج منهن، واللاتي هن أطهر، وأتقى النساء، وأبعدهن عن مظنة الاقتراب من الذنب، أو مقارفة الإثم.
قال الآلوسي المفسر / في «روح المعاني» (ج22 ص6): (والمراد على جميع القراءات: أمرهن([74]) رضي الله تعالى عنهن بملازمة البيوت، وهو أمر مطلوب من سائر النساء). اهـ
وقال المراغي المفسر / في «تفسير القرآن»(ج22 ص10): (أي: الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، وهو: أمر لهن، ولسائر النساء). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «الحجاب والسفور» (ص9): (وأمرهن بلزوم البيوت، ونهاهن عن تبرج الجاهلية، وهو: إظهار الزينة، والمحاسن، كالرأس، والوجه، والعنق، والصدر، والذراع، والساق، ونحو ذلك من الزينة؛ لما في ذلك من الفساد العظيم، والفتنة الكبيرة). اهـ
* وفرضية الحجاب على المرأة المسلمة بموافقة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t لرب العالمين عز وجل.
11) فعن أنس بن مالك t قال: قال عمر بن الخطاب t: (وافقت ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت: ]واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى[ [البقرة: 125]؛ وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر؟ فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي r في الغيرة عليه، فقلت لهن: ]عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن[ [التحريم: 5]، فنزلت هذه الآية).
12) وعن أنس بن مالك t قال: قال عمر بن الخطاب t: (وافقت الله في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى، وقلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النبي r بعض نسائه، فدخلت عليهن، قلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله r خيرا منكن، حتى أتيت إحدى نسائه، قالت: يا عمر، أما في رسول الله r ما يعظ نساءه، حتى تعظهن أنت؟ فأنزل الله: ]عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن[ [التحريم: 5]، الآية).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (402)، و(4483)، و(4790)، و(4916)، والترمذي في «سننه» (2959)، و(2960)، والنسائي في «تفسير القرآن» (18)، و(438)، و(631)، وابن ماجه في «سننه» (1009)، والدارمي في «المسند» (1856)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص23 و24)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص77)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص42)، و(ج4 ص145)، وفي «فضائل الخلفاء الأربعة» (ص58)، والطبري في «جامع البيان» (ج1 ص421)، وفي «تهذيب الآثار» (ج1 ص404 و405 و406)، وابن أبي داود في «المصاحف» (ص98)، والواحدي في «الوسيط» (ج1 ص188)، وابن الجوزي في «مناقب عمر بن الخطاب» (ص190 و191)، وفي «جامع المسانيد» (ج6 ص262)، والآجري في «الشريعة» (ج4 ص1895)، واللالكائي في «أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (ج7 ص1386)، وابن شاهين في «شرح مذاهب أهل السنة» (105)، والمخلص في «المخلصيات» (204)، و(2189)، و(2405)، و(2406)، و(2407)، و(2410) من طريق هشيم بن بشير، ويحيى بن أيوب، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ويحيى بن سعيد القطان، وخالد بن الحارث، وإسماعيل بن علية، ويزيد بن زريع، ويزيد بن هارون، وقرة بن خالد، وحماد بن سلمة، وغيرهم؛ كلهم: عن حميد الطويل قال: سمعت أنس بن مالك t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وهو المحفوظ.
وقوله t: (وافقت ربي)، ما أحسن هذه العبارة، وما ألطفها؛ حيث راعى t فيها: الأدب الحسن، ولم يقل: وافقني ربي، مع أن الآيات؛ إنما نزلت موافقة: لرأيه، واجتهاده، فراعى الأدب؛ فأسند الموافقة إلى نفسه، لا إلى الرب سبحانه.
وقوله t: (في ثلاث)؛ ليس في تخصيص الثلاث ما ينفي الزيادة، لأنه حصلت له الموافقة له في أشياء غير هذه الثلاث، لأن التخصيص بالعدد، لا يدل على نفي الزائد. ([75])
قال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج2 ص73): (وافقت ربي في ثلاث؛ أي: وافقني ربي فيما أردت أن يكون شرعا، فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه). اهـ
13) وعن ابن عمر t: عن عمر بن الخطاب t قال: (وافقت ربي في ثلاث: في الحجاب، وفي أسارى بدر، وفي مقام إبراهيم عليه السلام). ([76])
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2399)، وابن أبي داود في «المصاحف» (ص242)، وابن الجوزي في «مناقب عمر بن الخطاب» (ص193)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج44 ص111)، والقدوري في «جزئه» (ص86)، والآجري في «الشريعة» (1336)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (5896)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج2 ص586)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص42)، وفي «تثبيت الإمامة» (ص108)، وابن البختري في «الأمالي» (ص187 و188) من طريق محمد بن يحيى الأزدي، وشعيب بن عبدالحميد الواسطي، وعقبة بن مكرم؛ كلهم: عن سعيد بن عامر عن جويرية بن أسماء أخبرنا نافع عن ابن عمر ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: والمقصود بالحجاب في هذا الحديث؛ ستر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن عن أعين الرجال الأجانب: من وراء حجاب، كالستر، والجدار، والأبواب، وعدم الدخول عليهن.
قلت: ومن أعظم الأدلة التي ترد على المخالفين لوجوب ستر المرأة المسلمة بالحجاب الكامل الذي يستر وجهها، وجميع مفاتنها، وهي رد أيضا على من استدل بأدلة قبل فرض الحجاب، حديث حادثة الإفك الطويل، الذي 14) قالت فيه أم المؤمنين عائشة ڤ: (فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآن، وكان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي). وفي رواية: (فسترت وجهي عنه بجلبابي).([77])
* والشاهد في الحديث: هو قولها: (وكان رآني قبل الحجاب)، (خمرت وجهي بجلبابي)([78])، فبهذين الشاهدين هما من أعظم الأدلة على وجوب ستر المرأة المسلمة لوجهها، وسائر بدنها عن أنظار الرجال.
* فثبت عن عائشة ڤ: أنها خمرت وجهها لما سمعت صوت: صفوان بن المعطل t، وقالت ڤ: أنه كان يعرفها قبل الحجاب.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص462): (فعرفني حين رآني: هذا يشعر بأن وجهها انكشف لما نامت؛ لأنه تقدم أنها تلففت بجلبابها ونامت.
فلما انتبهت باسترجاع صفوان بادرت إلى تغطية وجهها، قوله: وكان يراني قبل الحجاب؛ أي: قبل نزول آية الحجاب). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج17 ص105): (قولها: (خمرت وجهي)؛ أي: غطيته). اهـ
قلت: فأمر الله تعالى النساء بالحجاب، ولم يؤمر الرجال بالحجاب، وذلك لعدم الافتتان بهم.
وبوب الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج8 ص61)؛ باب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال.
وقال الإمام ابن خزيمة / في «صحيحه» (ج4 ص203): (إذ الخمار الذي تستر به وجهها). اهـ
* وأما حديث أنس بن مالك t الدال على وجوب ستر النساء عن أنظار الرجال، وضرب الستر بينهن، وبين الرجال، لهو أكبر شاهد على أن النساء عورة، وعلى أنهن مأمورات بالستر التام إنهن أردن الخروج لحوائجهن خارج البيت.
15) فعن أنس بن مالك t، قال: (لما تزوج رسول الله r زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام، فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي r ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت فجئت فأخبرت النبي r أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل فذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله: ]يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي[ [الأحزاب: 53] الآية).([79])
* وأما حادثة أم المؤمنين سودة ڤ، التي تبين شدة حرص عمر بن الخطاب t على حجب نساء النبي r عن أنظار الرجال، مع أنهن متغطيات في الأصل، لهو من الأدلة الواضحة على كمال ستر المرأة.
16) فعن عائشة ڤ، قالت: (خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة، أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين).([80])
* والشاهد: (يا سودة، والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين)، ففي هذا الحديث دلالة واضحة على أن وجه أم المؤمنين سودة كان مستورا، وعلى أن عمر بن الخطاب t: كان يعرفها قبل الحجاب، ولم يعرفها إلا لجسامتها، وأراد أن يبالغ في سترها، ولكن رسول الله r أنزل عليه الوحي بأن الله تعالى قد أذن لهن أن يخرجن لحاجتهن شريطة لبس الحجاب الكامل الساتر لجميع البدن مع الوجه.
17) وعن عروة بن الزبير، عن عائشة ڤ: (أن أفلح، أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها، وهو عمها من الرضاعة، بعد أن نزل الحجاب، فأبيت أن آذن له، فلما جاء رسول الله r أخبرته بالذي صنعت فأمرني أن آذن له). وفي رواية: (لا تحجبي منه).([81])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج9 ص150): (وفيه وجوب احتجاب المرأة من الرجال الأجانب). اهـ
وقال الحافظ العيني / في «عمدة القاري» (ج20 ص98): (قوله: (بعد أن نزل الحجاب)؛ فيه أنه لا يجوز للمرأة أن تأذن للرجل الذي ليس بمحرم لها في الدخول عليها، ويجب عليها الاحتجاب منه بالإجماع، وما ورد من بروز النساء؛ فإنما كان قبل نزول الحجاب، وكانت قصة أفلح t مع عائشة ڤ بعد نزول الحجاب، كما صرح به هنا). اهـ
* وهناك غيرها من الأدلة الواضحة الصريحة الصحيحة التي تدل على أن الحجاب هو الستر الكامل للمرأة المسلمة.
قلت: فالقول بجواز كشف الوجه للمرأة، لا يقاوم للأدلة الدالة على حظره على من يجب عليها الحجاب منه من الرجال.
لذلك عزمت في الرد على الشيخ الألباني / فيما ذهب إليه؛ في كتابه: «الرد المفحم»، وفي كتابه: «جلباب المرأة المسلمة».
على جوازه لكشف المرأة: «للوجه والكفين»، وهذا الحكم من زلة عالم، قد اجتهد في هذا الحكم، وأخطأ، فلا يجوز الأخذ بخطئه، وزلته في الدين.
وقد رأيت من الواجب الرد على خطئه في هذا الحكم، المخالف للكتاب، والسنة، والآثار، والإجماع، ولغة العرب.
وقد سلكت في هذا الرد العلمي؛ بمسلك أئمة الحديث في الردود، وهو القائم على الدليل الصريح، بالفهم الصحيح، والمعنى بالتصريح.
وقد سميت هذا الرد؛ بـ«المقتحم على الرد المفحم»، فاستعنت بالله تعالى في بيان حقيقة خطأ فتوى الشيخ الألباني / في مسألة: «كشف المرأة لوجهها وكفيها».
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب جميع الأمة الإسلامية، وأن يتقبل مني هذا الجهد، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن يتولانا بعونه ورعايته، إنه نعم المولى، ونعم النصير، وصلى الله على عبده، ورسوله محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم.
كتبه
فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
والله تعالى الموفق والهادي
ذكر الدليل على تفنيد شبهة الشيخ الألباني / فيما نسب لابن عباس ﭭ؛ أنه فسر، قوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[؛ بكشف المرأة للوجه والكفين، وهو أثر ضعيف، مضطرب في متونه وأسانيده
عن ابن عباس ﭭ؛ قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (وجهها، وكفاها، والخاتم).
أثر منكر
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج8 ص2574)، ويحيى بن معين في «حديثه» (8)، والأزهري في «تهذيب اللغة» (ج6 ص244)، وابن عبد البر في «التمهيد» تعليقا (ج6 ص368)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج11 ص24-الدر المنثور)، وأبو الليث السمرقندي في «بحر العلوم» تعليقا (ق/297/ط) من طريق عبد الله بن نمير عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده ضعيف، فيه سليمان بن مهران الأعمش، وهو مدلس، وقد عنعنه، ولم يصرح بالتحديث، فالإسناد ضعيف لا يحتج به. ([82])
وعلقه ابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج3 ص221) وصححه، ولم يصب، لعلة تدليس الأعمش في الإسناد.([83])
قلت: وعامة ما يروي الأعمش عن سعيد بن جبير مدلس.
قال الإمام علي بن المديني /: (إنما سمع الأعمش من سعيد بن جبير أربعة أحاديث!). ([84])
قلت: وعلى هذا يكون الأعمش دلس في هذا السند.
ويوضح هذا أنه يروى هذا الأثر عن مسلم بن كيسان الملائي عن سعيد بن جبير.
والأعمش يروي عن مسلم بن كيسان الملائي([85])، وهو ضعيف لا يحتج به، كما في «التقريب» لابن حجر (ص940).
قال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج2 ص341)؛ عن مسلم بن كيسان: (اختلط في آخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به، فجعل يأتي بما لا أصل له عن الثقات؛ فاختلط حديثه ولم يتميز، تركه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين).
وعن عمرو بن علي قال: (كان يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي لا يحدثان، عن مسلم الأعور) ([86])؛ لضعفه في الحديث.
قلت: وعلى هذا يكون الأعمش دلس في هذا السند، فأسقط مسلم بن كيسان، وهذا واضح من عنعنته في السند، ولم يصرح بالتحديث. ([87])
قال الإمام أبو حاتم / في «الجرح والتعديل» (ج8 ص178) لابنه: (الأعمش حافظ يخلط، ويدلس).
قلت: والسند المعنعن غير متصل حتى يثبت السماع.
وقال الحافظ أبو الفتح الأزدي /: (ولا نقبل من الأعمش تدليسه، لأنه يحيل على غير ملئ) ([88]). يعني: على غير ثقة.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج1 ص29): (قالوا: لا يقبل تدليس الأعمش، لأنه إذا أوقف أحال إلى غير ملئ -يعنون: على غير ثقة-).اهـ
وقال الحافظ ابن عمار الشهيد / في «علل الحديث» (ص138): (الأعمش كان صاحب تدليس، فربما أخذ عن غير الثقات).
وقال الحافظ الذهبي / في «ميزان الاعتدال» (ج2 ص224): (سليمان بن مهران الأعمش أحد الأئمة الثقات، عداده في صغار التابعين، ما نقموا عليه إلا التدليس).
ووصفه بالتدليس يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص633).
وقال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج4 ص302): (سليمان بن مهران الأعمش... وكان مدلسا).
وقال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج4 ص939): (كان الأعمش يدلس).
قلت: ورواه عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير، واختلف عليه:
فأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (17181)، وابن المنذر في «الأوسط» (2404)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص225) من طريق حفص بن غياث عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﭭ قال:في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (وجهها، وكفها).
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (17182)، وإسحاق بن إبراهيم البستي في «تفسير القرآن» (ق/66/ط)، والطبري في «جامع البيان» (ج10 ص118) من طريق مروان بن معاوية؛ كلاهما: «الثوري»، و«مروان» عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير من قوله: (كفها، ووجهها). ولم يذكرا ابن عباس ﭭ!.
قلت: هذا الاختلاف علة أخرى في الإسناد، وهو مطعن في الحديث، وعبد الله بن مسلم بن هرمز هذا ضعيف الحديث، ولا يحتج به في الحديث. ([89])
قال عنه أحمد: «ضعيف، ليس بشيء»، وقال النسائي: «ضعيف»، وقال أبو داود: «ضعيف»، وقال يحيى بن معين: «ضعيف»، وقال أبو حاتم: «ليس بالقوي». ([90])
وهذا الإسناد أعله الشيخ الألباني في «الإرواء» (ج6 ص200)؛ بقوله: «وابن هرمز هذا ضعيف».
قلت: ومن تأمل هذه الألفاظ في أثر ابن عباس ﭭ، علم أنها ليست من قول ابن عباس ﭭ، لا سيما، وأنها تخالف الأصول من القرآن، والسنة، والآثار.
قال الحافظ الخطيب في «الكفاية» (ص464): (ولا يقبل خبر الواحد في منافاة حكم العقل، وحكم القرآن الثابت المحكم، والسنة، المعلومة، والفعل الجاري مجرى السنة، وكل دليل مقطوع به). اهـ
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص225)، و(ج7 ص85)، والطبري في «جامع البيان» (ج10 ص118)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص421)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج4 ص332)، وابن وهب في «الجامع في تفسير القرآن» (ج2 ص13) من طريق مسلم الملائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (الكحل، والخاتم).
قلت: وهذا سنده ضعيف، فيه مسلم بن كيسان الملائي وهو ضعيف، لا يحتج به في الحديث، كما في «التقريب» لابن حجر (ص940).
وذكره ابنأبي زمنين في «تفسير القرآن» (ج3 ص230).
وأخرجه ابن أبي الدنيا في «العيال» (406) من طريق عمرو بن عثمان عن مسلم الملائي عن سعيد بن جبير قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (الكحل، والخاتم). ولم يذكر ابن عباس ﭭ!.
قلت: وهذا الاختلاف علة أخرى في الأثر.
وإسناده منكر، فيه مسلم بن كيسان الملائي، قال عنه أحمد: «ضعيف»، وقال يحيى بن معين: «إنه اختلط»، وقال أبو زرعة: «ضعيف الحديث»، وقال أبو حاتم: «ضعيف الحديث»، وقال أبو داود: «ليس بشيء»، وقال البخاري: «ضعيف، ذاهب الحديث». ([91])
* ورواه مروان بن معاوية عن مسلم الملائي، واختلف عليه:
فأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص118) ويحيى بن سلام في «تفسير القرآن» (ج2 ص440) من طريق مروان بن معاوية عن مسلم الملائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (الكحل، والخاتم).
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص118) من طريق عمرو بن عبد الحميد عن مروان بن معاوية عن مسلم الملائي عن سعيد بن جبير من قوله: ولم يذكر ابن عباس ﭭ!.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه مسلم بن كيسان الملائي، وهو منكر الحديث.
قلت: وهذا الاختلاف يقدح في الأثر، فاختلف على ابن عباس ﭭ: في هذا الأثر، كما ترى، وهذا الاختلاف يوجب ضعفه، وأنه غير محفوظ، فلا تتكلف اعتباره.
* واختلف فيه أيضا:
فأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص283)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج8 ص2574)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج11 ص24- الدر المنثور) من طريق زياد بن الربيع عن صالح الدهان عن جابر بن زيد عن ابن عباس ﭭ في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (الكف، ورقعة الوجه).
قلت: وهذا سنده ضعيف، فيه صالح بن إبراهيم الدهان البصري، وهو لين الحديث غير معروف بالحديث، لا يحتج به. ([92])
قال يحيى بن معين: (صالح الدهان قدري، وكان يرضى بقول الخوارج). ([93])
* وهذا الأثر يعرف عن سعيد بن جبير، وقد رواه عنه أكثر الرواة، لا عن جابر بن زيد، فإنه لا يعرف عنه، وهذا التخليط من صالح بن إبراهيم الدهان، وقد تفرد به، ولا يحتمل التفرد، فالإسناد غير محفوظ بهذا الإسناد.
قال الإمام الجعبري / في «رسوم التحديث في علوم الحديث» (ص132)؛ عن المعلل: (ما فيه قادح خفي؛ كتفرد، ومخالفة، وإرسال، ووقف، وتداخل).اهـ
لذلك قال الحافظ ابن عدي / في «الكامل في الضعفاء» (ج4 ص1389): (وصالح الدهان هذا؛ لم يحضرني له حديث، فأذكره وليس هو معروف).
قلت: لذلك قال الإمام أحمد /، كما نقل عنه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج4 ص393) أنه قال: (صالح الدهان ليس به بأس) ([94]). يعني: إذا وافق الثقات، وإلا لا يحتج به كما هنا.
وقال الإمام أحمد / في «العلل» (ج2 ص484): (ليس به بأس). ([95])
لذلك فتوثيق الإمام يحيى بن معين له، كما في «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج4 ص393)؛ ليس بشيء!، وهو القائل عنه؛ إنه قدري، وكان يرضى بقول الخوارج، وهذا يشعر بضعفه، وعدم الاحتجاج به في الدين.
قلت: فلا يتحمل نقل الحديث، ولا يعرف به، لذلك ذكره الحافظ ابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج4 ص1389)، وأقره الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» (ج3 ص178).
وقال الشيخ الألباني / في «إرواء الغليل» (ج6 ص200): «وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات».
وليس هو كما قال: لحال صالح بن إبراهيم الدهان، فقد لينه أحمد، وابن عدي، فليس بالقوي في الحديث، لكي يتفرد بذكر جابر بن زيد الأزدي عن ابن عباس ﭭ، والأثر معروف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﭭ.
وقال الشيخ الألباني في «الرد المفحم» (ص133): «وهذا إسناد صحيح، وصالح الدهان ثقة».
قلت: وهذا الإسناد غير محفوظ، ولا يعرف به جابر بن زيد الأزدي عن ابن عباس ﭭ.
وهذا مطعن في إسناده، وهو غير محفوظ.
وصالح بن إبراهيم الدهان ([96]) هذا: روى الأثر، ولم يتابعه على هذا الإسناد الثقات الأثبات.
* ورواه زياد بن الربيع اليحمدي قال: نا صالح الدهان عن جابر بن زيد: أن ابن عباس ﭭ: كان يقول في هذه الآية: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ رفعه إلى النبي r قال: (الوجه والكفان).
أخرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي في «أحكام القرآن» (ص203-إحكام النظر).
قلت: فرفعه منكر، وهذا من الاضطراب في سنده.
فمرة: عن زياد بن الربيع اليحمدي عن صالح الدهان عن جابر بن زيد عن ابن عباس ﭭ.
ومرة: عن زياد بن الربيع اليحمدي عن صالح الدهان عن جابر بن زيد عن ابن عباس ﭭ عن النبي r.
وهذا يدل على أن صالحا الدهان، لم يضبط الأثر.
فهو راوي لا يعرف بعدالة في الحديث، ولا يعرف بضبط، ولم يشتهر بحمل الحديث الصحيح.
وإذا انفرد هذا الراوي القليل الرواية؛ بمثل: هذا الإسناد المنكر([97])، علم أنه
راوي لا يحل الإحتجاج بخبره، ولا يجوز الاعتماد على روايته. ([98])
قلت: وهنا جزمنا بخطأ الشيخ الألباني في تصحيح هذا الإسناد، باجتهاد منه، وسبب ذلك أنه لم يجمع كل الطرق حتى يتبين له خطأ الحديث، بل اكتفى على طريق، أو طريقين، في الظاهر([99])، ثم حكم عليه بالصحة بناء على ذلك، فوقع في الخطأ، ولا بد.
قال الحافظ النووي / في «التقريب والتيسير» (ص44): (والعلة عبارة عن سبب غامض خفي؛ قادح، مع أن الظاهر السلامة منه). اهـ
وهذه العلة من الأسباب الخفية المضعفة؛ لحديث الراوي؛ لأنها لا تظهر إلا بجمع الطرق والأسانيد، ومعرفة الاختلاف على الراوي الذي عليه مدار الرواية في كل سند، حتى يتعين موضوع الاضطراب، والاختلاف في السند، أو المتن، وممن هو. ([100])
قلت: ولا يظهر هذا الاضطراب؛ إلا بعد جمع طرق الحديث، فجمعناها فوجدنا الاضطراب فيه واضحا.
إذا من ذا الذي لا يخطئ، ومن ذا يسلم من الوهم. ([101])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص352): (وكما أنهم يستشهدون، ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ؛ فإنهم أيضا يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم أنه غلط فيها، بأمور يستدلون بها، ويسمون هذا: علم علل الحديث). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص42): (وقد يترك من حديث الثقة ما علم أنه أخطأ فيه). اهـ
وعن الإمام يحيى بن معين / قال: (لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها، ما عقلناه).([102])
وعن الإمام أحمد / قال: (الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه) ([103]).([104])
قلت: وهذا يدل على أن الحديث لا بد أن تجمع طرقه، لكي يتبين اضطرابه، وشذوذه، والخطأ في أسانيده.
قال الإمام ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علوم الحديث» (ص193): (والاضطراب موجب ضعف الحديث؛ لإشعاره بأنه لم يضبط).اهـ
وقال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج9 ص161): (الغلط لا يسلم منه أحد).اهـ
وقال الإمام ابن طاهر / في «المؤتلف والمختلف» (ص2): (فليس يسلم أحد من سهو، وخطأ) ([105]).اهـ
* ورواية: صالح الدهان عن جابر بن زيد عن ابن عباس ﭭ، ذكرها الشيخ الألباني أيضا في «جلباب المرأة المسلمة» (ص59 و60)؛ ثم قال: «وهذا سنده صحيح».
وهذا ذهول من الشيخ الألباني، في الإسناد، فإنه معلول، بالاختلاف، والاضطراب، وبضعف الدهان هذا.
وهذا الإسناد أيضا، قد وهم فيه: صالح بن إبراهيم الدهان في ذكره: لجابر بن زيد.
وأسانيد الرواة الذين اجتمعوا على سعيد بن جبير، أولى بالصواب. ([106])
قلت: وقد بينا عوار هذه الرواية، وأنها غير محفوظة، والمحفوظ: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﭭ.
فظهر بذلك أن الحديث: إنما هو حديث: سعيد بن جبير، وقد وهم صالح بن إبراهيم الدهان فيه، فرواه عن جابر بن زيد الأزدي عن ابن عباس ﭭ.
فهو أثر مضطرب الإسناد، والاضطراب دليل على أن الراوي لم يضبط الحديث، ولم يحفظه جيدا.
قلت: وبهذا يتبين أن هذا الإسناد غير صالح للاعتبار، فهو جزما من أوهام صالح بن إبراهيم الدهان.
وهذا الخبر لا يضعف فقط، لضعف أسانيده، بل من أجل اختلاف الرواة في متنه، وفي إسناده، واضطرابهم فيها.
فهو أثر منكر.
قلت: وقد اضطرب صالح الدهان في إسناده، فرواه عن جابر بن زيد عن ابن عباس ﭭ؛ في تفسير، قوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ وقد سبق.
ورواه زياد بن الربيع عن صالح الدهان عن جابر بن زيد: (أنه كان يكره أن تظهر المرأة خفها، ويقول: إنه يصف قدمها).
أخرجه أحمد في «أحكام النساء» (ص32) من طريق محمد بن أبي بكر قال: حدثنا زياد بن الربيع، عن صالح الدهان، عن جابر بن زيد من قوله.
وهذا الاختلاف يوجب ضعفه، فمرة: عن جابر بن زيد عن ابن عباس، ومرة: عن جابر بن زيد قوله.
وهذا يدل على ضعف صالح الدهان هذا.
* ثم كيف لجابر بن زيد، يكره ([107]) أن تظهر المرأة خفها، لأنه يصف قدمها، وهو الخوف من الفتنة، ثم يروي بعد ذلك: أنه يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها وكفها: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
* وكذلك فيه علة أخرى، فيه زياد بن الربيع اليحمدي، ولم يتابع على إسناده، فهو غير محفوظ، من رواية: جابر بن زيد.
لذلك قال الحافظ البخاري؛ عن زياد بن الربيع: (في إسناده نظر) ([108]).([109])
ولهذه العلة ذكره أئمة الجرح والتعديل في: «الضعفاء».
قال الحافظ مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (ج5 ص104): (زياد بن الربيع اليحمدي... ذكره أبو العرب القيرواني في «جملة: الضعفاء»، وكذلك: أبو بشر الدولابي، والعقيلي، والبلخي، وابن السكن).
وقال الحافظ ابن شاهين في «تاريخ أسماء الثقات» (ص 92): (زياد بن الربيع: كان شيخا صدوقا، وليس بحجة؛ قاله عثمان).
وقال الحافظ الذهبي في «ديوان الضعفاء» (ص 147): (زياد بن الربيع: قال البخاري: «في إسناد حديثه نظر»).
قلت: وهذا يدل على أنه يخطيء في الحديث، ويهم، ولا يتابع.
لذلك لا يسلم للشيخ الألباني بأن زياد بن الربيع: أخرج له البخاري في «صحيحه».
* وذلك لأن الحافظ البخاري: إنما أخرج له أثرا واحدا عن أنس بن مالك t في؛ كتاب: «المغازي» في «لباس الطيالسة»، وليس له إلا هذا الأثر.
فعن أبي عمران قال: (نظر أنس بن مالك t إلى الناس يوم الجمعة، فرأى طيالسة([110])، فقال: كأنهم الساعة يهود خيبر).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج7 ص475)؛ في كتاب: «المغازي»، في باب: «غزوة خيبر» (38)؛ من طريق محمد بن سعيد الخزاعي، حدثنا زياد بن الربيع، عن أبي عمران به.
قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج7 ص475)؛ عن زياد بن الربيع: (وليس له في البخاري، سوى هذا الحديث).
وهذا يعني: أنه لم يخرج له في الأصول، وذلك لعدم ضبطه لها.
والطيالسة: هي نوع من الثياب الأعجمية، كان يلبسها اليهود.
ولعلها نوع من الأوسمة توضع على الكتف، وهي بدون خياطة.
والساعة: هذا الوقت، على حالهم هذه يشبهون يهود خيبر.
وهذا يعني: أن الحافظ البخاري، لم يقبل منه الأحاديث المرفوعة، ولا الآثار التي في الأصول، والأحكام، لأنه لا يحتمل ذلك.
والحافظ البخاري يسهل في مثل: هذا الأثر عن أنس بن مالك t، وعن مثل هؤلاء الذين قال: فيهم نظر، فيما ليس من الأصول، ولا في الأحكام، وهذا واضح في فعله عن زياد بن الربيع.
قال الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ص403): (زياد بن الربيع اليحمدي البصري، يكنى: أبا خداش... عن الدولابي عن البخاري أنه قال: «في إسناده نظر»، قد روى له البخاري في «الصحيح» حديثا واحدا في «المغازي» من روايته عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك t: «أنه نظر إلى الناس وعليهم الطيالسة»؛ الحديث، ما له عنده غيره).اهـ
* وقد أعل الحافظ البيهقي له حديثا تفرد به.
فقال في «شعب الإيمان» (ج11 ص489): (الإسنادان الأولان: أصح من رواية: «زياد بن الربيع»، وفيهما دلالة على خطإ؛ رواية: «ابن الربيع»، وقد قال البخاري: فيه نظر).
وهذا الحديث الذي أعله الحافظ البيهقي بتفرد زياد بن الربيع، في العطاس.
وقد أعله به الحافظ السيوطي في «الجامع الكبير» (ج21 ص203).
وقد أعل الحافظ الذهبي في «السير» (ج11 ص419)؛ أثرا من رواية: زياد بن الربيع، هذا.
وقد أعلت أحاديث: بتفرد زياد بن الربيع بها. ([111])
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ص384 و403)؛ تحت: الفصل التاسع: في سياق أسماء من طعن فيه: وهو من رجال هذا الكتاب؛ فذكر منهم: «زياد بن الربيع» هذا.
قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص384): (الفصل التاسع: في سياق أسماء من طعن فيه من رجال هذا الكتاب، مرتبا لهم على حروف المعجم، والجواب: عن الاعتراضات موضعا، موضعا، وتمييز من أخرج له منهم: في الأصول، أو في المتابعات، والاستشهادات: مفصلا لذلك جميعه). اهـ
قلت: فهذا يتفاوت درجات من أخرج له الإمام البخاري في «صحيحه»، فمنهم: من أخرج له في الأصول، ومنهم: في المتابعات، ومنهم: في الاستشهاد، ومنهم: في التعليق، ومنهم: في الآثار.
* وزياد بن الربيع هذا: لم يخرج له الإمام البخاري في الأصول، بل في الآثار، وذلك لعدم ضبطه للأحاديث المرفوعة في الأصول، فافهم لهذا.
قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص384): (وهذا معنى: لم يحصل لغير من خرج عنه في «الصحيح»، فهو بمثابة: إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما؛ هذا إذا خرج له في الأصول.
فإما إن خرج له في المتابعات، والشواهد، والتعاليق، فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم: في الضبط، وغيره مع حصول اسم الصدق لهم). اهـ
وقال الحافظ الخطيب / في «الكفاية» (ج2 ص561): (فإن كان اختلافا يؤدي إلى اختلاف معنى الخبر، فهو آكد وأظهر في اضطرابه، وأجدر أن يكون راويه ضعيفا قليل الضبط لما سمعه، أو كثير التساهل في تغيير لفظ الحديث).اهـ
قلت: ولا يعرف هذا الأثر؛ إلا من وجه سعيد بن جبير.
وأخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص56)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج11 ص23-الدر المنثور) من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس ﭭ: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (هو الكف، والخضاب، والخاتم).
أثر واه
قلت: وهذا سنده تالف، فيه عبد الوهاب بن مجاهد، وهو ضعيف جدا.
قال عنه أحمد: (لم يسمع من أبيه، ليس بشيء ضعيف الحديث)، وقال سفيان الثوري: (كذاب)، وضعفه ابن معين، وأبو حاتم. ([112])
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص23).
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص118) من طريق ابن حميد قال: حدثنا هارون عن أبي عبد الله نهشل عن الضحاك عن ابن عباس ﭭ قال: (الظاهر منها: الكحل، والخدان).
قلت: وهذا إسناده ساقط، وله ثلاث علل:
الأولى: محمد بن حميد بن حيان الرازي، وهو ضعيف لا يحتج به. ([113])
الثانية: نهشل بن سعيد الورداني، وهو متروك. ([114])
الثالثة: الضحاك بن مزاحم الهلالي: صاحب التفسير؛ لم يسمع من ابن عباس ﭭ. ([115])
فعن شعبة بن الحجاج، قال: قلت؛ لمشاش المروزي: (سمع الضحاك عن ابن عباس؟ قال: لا، ولا رآه قط). ([116])
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص225) من طريق أحمد بن عبد الجبار، ثنا حفص بن غياث عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (ما في الكف، والوجه).
قلت: وهذا سنده ضعيف جدا، وله علتان:
الأولى: أحمد بن عبد الجبار العطاردي ضعفوه. ([117])
الثانية: عبد الله بن مسلم بن هرمز، وهو ضعيف.
وقد ضعفه ابن معين، وأبو حاتم، وابن المديني، والنسائي، وغيرهم. ([118])
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص118) من طريق الحسين بن داود سنيد قال: ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: قال ابن عباس ﭭ: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (الخاتم، والمسكة).
قلت: وهذا سنده واه، وله ثلاث علل:
الأولى: الحسين، وهو الملقب بسنيد بن داود المصيصي، وهو ضعيف([119])، لكونه كان يلقن حجاج بن محمد شيخه، وهذا من روايته عنه.
الثانية: ابن جريج لم يسمع من ابن عباس ﭭ، فهو مرسل ضعيف.([120])
الثالثة: حجاج بن محمد روى عنه سنيد المصيصي بعد تغيره في آخر عمره. ([121])
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص418) من طريق عتاب بن بشر، نا خصيف عن عكرمة عن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (الكحل، والخاتم، والزينة الأخرى).
قلت: وهذا سنده منكر، وله علتان:
الأولى: عتاب بن بشر الجزري لا بأس به؛ إلا في روايته عن خصيف، فإنها منكرة([122])، وهذه منها.
فعن الإمام أحمد / قال: (أحاديث عتاب عن خصيف: منكرة). ([123])
الثانية: خصيف بن عبد الرحمن الجزري وهو سيء الحفظ. ([124])
قال الإمام أحمد: «شديد الاضطراب».
وأخرجه أبو عبيد في «غريب الحديث» (ج5 ص347)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص225) من طريق خصيف عن عكرمة عن ابن عباس ﭭ قال: (الكحل، والخاتم).
وقال أبو عبيد: «عن عكرمة، أو غيره عن ابن عباس ﭭ».
قلت: وهذا سنده كسابقه منكر، فيه خصيف بن عبد الرحمن وهو سيء الحفظ([125])، والشك في الإسناد علة أخرى: «عن عكرمة، أو غيره»، وهذا التخليط من خصيف الجزري.
* وقد تتبع عدد من العلماء طرق ما نسب إلى ابن عباس ﭭ من التفسير: «بالوجه، والكفين» في الآية: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ فرأوا أنها أسانيد ضعيفة لا تقوم بها حجة.
قال العلامة السندي / في «الحجاب» (ص21 و22): (وبذلك يمكن أن يقال: إن هذه النسبة غير صحيحة إلى عبد الله بن عباس ﭭ). اهـ
* والحاصل: فإن أثر ابن عباس ﭭ، هذا: شاذ، سندا، ومتنا.
قلت: فيتحصل من هذا التفصيل في ذكر علل أثر ابن عباس ﭭ، أن الحديث ضعيف مضطرب.
* وقد اضطرب في إسناده، وفي متنه.
* أما في الإسناد:
فمرة: عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﭭ.
ومرة: عن الأعمش عن مسلم بن كيسان عن سعيد بن جبير عن ابن عباسﭭ.
ومرة: عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﭭ.
ومرة: عن عمرو بن عثمان عن مسلم الملائي عن سعيد بن جبير من قوله، ولم يذكر ابن عباس ﭭ!.
ومرة: عن مروان بن معاوية عن مسلم الملائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﭭ.
ومرة: عن مروان بن معاوية عن مسلم الملائي عن سعيد بن جبير، من قوله، ولم يذكر ابن عباس ﭭ!.
ومرة: عن مسلم الملائي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﭭ.
ومرة: عن زياد بن الربيع عن صالح الدهان عن جابر بن زيد عن ابن عباسﭭ.
ومرة: عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس ﭭ.
ومرة: عن نهشل عن الضحاك عن ابن عباس ﭭ.
ومرة: عن حجاج بن محمد عن ابن جريج عن ابن عباس ﭭ.
ومرة: عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس ﭭ.
ومرة: عن خصيف عن عكرمة أو غيره عن ابن عباس ﭭ.
قلت: فهذا اضطراب شديد من الرواة في إسناد الأثر، وهذا يدل على أن الأثر لم يثبت عن ابن عباس ﭭ.
فهذا ما وقفت عليه من أسانيد ما نسب إلى ابن عباس ﭭ من القول بأنه فسر آية النور: ]ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ (بالوجه والكفين)، وهي كما رأيت أسانيد ضعيفة، لا يصح الاحتجاج بها البتة في الشريعة المطهرة؛ لضعف أسانيدها.
* وكذلك نكارة واضطراب متونها؛ فمرة يقال: (وجهها، وكفها، والخاتم!)، ومرة يقال: (الكحل، والخاتم!)، ومرة يقال: (الكف، ورقعة الوجه!)، ومرة يقال: (الكف، والخضاب، والخاتم!)، ومرة يقال: (الكحل، والخدان!)، ومرة يقال: (الخاتم، والمسكة!)، ومرة يقال: (الوجه، وخضاب الكف!)، فهذه الروايات للأثر فيها اختلاف شديد في الألفاظ.
قلت: وتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف ظاهر الآية، فيمتنع أن صحابيا؛ مثل: ابن عباس ﭭ دعا له النبي r: (أن يفقهه الله بالدين، ويعلمه التأويل)؛ أن يفسر الزينة بما يخالف ظاهرها، بل يمتنع منه t أن يفسر الزينة من أصل خلقتها، لأن ما تتزين به المرأة هو خارج عن أصل خلقتها؛ كـ«الحلي»، و«الثياب»، وغيرها، وهذا في لغة العرب.
قلت: ولا يجوز تفسير الزينة في عرف الناس قديما وحديثا ببعض بدن المرأة، لأن هذا خلاف الظاهر، بل هو قول أهل الأهواء خاصة في هذا الزمان الحاضر.
* لذلك تعلم أن تفسير الزينة بـ«الوجه»، و«الكفين» فيه نظر، لأن المراد بالزينة في القرآن والسنة ما يتزين به مما هو خارج عن أصل الخلقة. ([126])
قال الإمام ابن قتيبة / في «تأويل مختلف الحديث» (ص150): (ومن جهل أهل الكلام: أنهم يفسرون القرآن بمذاهبهم، ويتأولونه عن مقالبهم). اهـ
وقال العلامة الشنقيطي / في «أضواء البيان» (ج6 ص198): (اعلم أننا قدمنا في ترجمة: هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولا، وتكون في نفس الآية قرينة دالة على عدم صحة ذلك القول، وقدمنا أيضا في ترجمته أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يكون الغالب في القرآن إرادة معنى معين في اللفظ، مع تكرر ذلك اللفظ في القرآن، فكون ذلك المعنى هو المراد من اللفظ في الغالب، يدل على أنه هو المراد في محل النزاع ; لدلالة غلبة إرادته في القرآن بذلك اللفظ، وذكرنا له بعض الأمثلة في الترجمة.
* وإذا عرفت ذلك، فاعلم أن هذين النوعين من أنواع البيان للذين ذكرناهما في ترجمة هذا الكتاب المبارك، ومثلنا لهما بأمثلة متعددة كلاهما موجود في هذه الآية، التي نحن بصددها.
أما الأول منهما: فبيانه أن قول من قال في معنى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[؛ أن المراد بالزينة: الوجه والكفان مثلا، توجد في الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول، وهي أن الزينة في لغة العرب: هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها؛ كالحلي، والحلل. فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وبه تعلم أن قول من قال: «الزينة الظاهرة»: الوجه، والكفان خلاف ظاهر معنى لفظ الآية، وذلك قرينة على عدم صحة هذا القول، فلا يجوز الحمل عليه إلا بدليل منفصل يجب الرجوع إليه.
وأما نوع البيان الثاني المذكور، فإيضاحه: أن لفظ الزينة يكثر تكرره في القرآن العظيم مرادا به الزينة الخارجة عن أصل المزين بها، ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك الشيء المزين بها; كقوله تعالى: ]يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد[ [الأعراف: 31]، وقوله تعالى: ]قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده[ [الأعراف: 32]، وقوله تعالى: ]إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها[ [الكهف: 7]، وقوله تعالى: ]وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها[ [القصص: 60]، وقوله تعالى: ]إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب[ [الصافات: 6]، وقوله تعالى: ]فخرج على قومه في زينته[ [القصص: 79]، وقوله تعالى: ]المال والبنون زينة الحياة الدنيا[ [الكهف 46]، وقوله تعالى: ]أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة[ [الحديد:20]، وقوله تعالى: ]قال موعدكم يوم الزينة[ [طه:59]، وقوله تعالى عن قوم موسى: ]ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم[ [طه:87]، وقوله تعالى: ]ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن[ [النور:31].
فلفظ الزينة في هذه الآيات كلها يراد به ما يزين به الشيء، وهو ليس من أصل خلقته -كما ترى- وكون هذا المعنى هو الغالب في لفظ الزينة في القرآن، يدل على أن لفظ الزينة في محل النزاع يراد به هذا المعنى، الذي غلبت إرادته في القرآن العظيم، وهو المعروف في كلام العرب ; كقول الشاعر:
يأخذن زينتهن أحسن ما ترى ... وإذا عطلن فهن خير عواطل
وبه تعلم أن تفسير «الزينة» في الآية: «بالوجه، والكفين»، فيه نظر.
وإذا علمت أن المراد بالزينة في القرآن ما يتزين به مما هو خارج عن أصل الخلقة، وأن من فسروها من العلماء بهذا اختلفوا على قولين:
فقال بعضهم: هي زينة لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة كظاهر الثياب.
وقال بعضهم: هي زينة يستلزم النظر إليها رؤية موضعها من بدن المرأة؛ كالكحل، والخضاب، ونحو ذلك.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين المذكورين عندي قول ابن مسعود t: «أن الزينة الظاهرة»: هي ما لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبية، وإنما قلنا: إن هذا القول هو الأظهر ; لأنه هو أحوط الأقوال، وأبعدها عن أسباب الفتنة، وأطهرها لقلوب الرجال والنساء، ولا يخفى أن وجه المرأة هو أصل جمالها، ورؤيته من أعظم أسباب الافتتان بها، كما هو معلوم، والجاري على قواعد الشرع الكريم، هو تمام المحافظة، والابتعاد من الوقوع فيما لا ينبغي).اهـ
قلت: ولا يجوز للمرأة أن تبدي الزينة الظاهرة: كـ«الحلي»، وغيرها للرجال الأجانب، بل تبديها لذوي المحارم، والنساء، وبنحوهم. ([127])
قلت: ويدل على ضعف هذا التفسير من ابن عباس ﭭ أيضا، أنه ثبت عنه بأسانيد صحيحة في تفسير؛ قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ بتغطية الوجه.
فأخرج أبو داود في «مسائله» (ص108-110)، والشافعي في «الأم» (ج2 ص149)، وفي «المسند» (855)، والبيهقي في «معرفة السنن» (2822) من طريق يحيى، وسعيد بن سالم، وروح عن ابن جريج قال: أخبرنا عطاء بن أبي رباح قال: أخبرني أبو الشعثاء([128])؛ أن ابن عباس ﭭ قال: (تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به)؛ قال روح في حديثه: (قلت: وما «لا تضرب به»؟، فأشار لي، كما تجلبب المرأة)؛ ثم أشار لي: (ما على خدها من الجلباب، قال: تعطفه، وتضرب به على وجهها، كما هو مسدول على وجهها).
وفي رواية: (ولكن تسدله على وجهها، كما هو مسدولا).
وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
قلت: ثم على فرض صحته: عن ابن عباس ﭭ، أنه قال عن الزينة: «الوجه، والكف».
* فإن ذلك ليس مطلقا، وإنما هو مقيد في بيتها، لمن دخل عليها في بيتها من محارمها، كما هو العادة في دخولهم عليها، ولكن عددا من الفقهاء ينقلون: عن ابن عباس ﭭ، أنه يقول: «الوجه، والكف»، وهذا غلط بلا شك، فما نسب إلى ابن عباس ﭭ، فليس مطلقا.
وإليك الدليل:
فعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (والزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العين، وخضاب الكف، والخاتم، فهذه تظهره في بيتها لمن دخل من الناس عليها). ([129])
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص118)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص94) من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة([130]) عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
والتفسير الذي: رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وهو ما يعرف بصحيفة علي بن أبي طلحة([131])؛ هو من تدوين ابن عباس، وقد رواه علي بن أبي طلحة عنه بطريق الوجادة.
فيكون علي بن أبي طلحة قد أخذ هذه الصحيفة ورواها عن ابن عباس من غير أن يلقاه، أو يسمعها منه، وهذا ما يسمى في علم مصطلح الحديث: بالوجادة.
قال الإمام ابن الصلاح / في «علوم الحديث» (ص292): (ومثال الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم يلقه، أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجد بخطه، ولا له من إجازة ولا نحوها، فله أن يقول وجدت بخط فلان، أو قرأت بخط فلان، أو في كتاب فلان بخطه، أخبرنا فلان بن فلان، ويذكر شيوخه، ويسوق سائر الإسناد والمتن). اهـ
وقال الإمام ابن جماعة / في «المنهل الروي» (ص381): (وهو أن يقف على كتاب بخط شخص فيه أحاديث يرويها ذلك الشخص، ولم يسمعها منه الواجد، ولا له منه إجازة، أو نحوها.
فله أن يقول: «وجدت بخط فلان»، أو «قرأت»، وما أشبهه، وعلى هذا العمل، وهو من باب المرسل، ويشوبه شيء من الإتصال بقوله: «وجدت بخط فلان»). ([132]) اهـ
ورواية: علي بن أبي طلحة لهذه الصحيفة عن ابن عباس؛ بواسطة بينهما، فتارة يذكرون أن بينهما مجاهدا، وعكرمة.
فسلسلة الرواية هي: علي بن أبي طلحة عن مجاهد عن ابن عباس؛ أحيانا.
وعلي بن أبي طلحة عن عكرمة عن ابن عباس؛ أحيانا.
وأحيانا يجعل الواسطة بينهما: مجاهدا، وأحيانا: سعيد بن جبير.
يعني: علي بن أبي طلحة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
فما دام عرفنا الواسطة بين علي بن أبي طلحة، وابن عباس، وهم ثقات([133])، فلا يضر الانقطاع بينهما، فيعتبر الإسناد صحيحا. ([134])
وذكر الحافظ المزي / في «تهذيب الكمال» (ج20 ص490)؛ أن بين علي بن أبي طلحة، وابن عباس: مجاهد بن جبر التابعي.
يعني: إنما يروي عن مجاهد عن ابن عباس.
وكذا قال الحافظ العراقي في «تحفة التحصيل» (ص234).
قلت: فإذا عرفت الواسطة، فلا تضر الرواية، وهي مرسلة. ([135])
قال الإمام ابن أبي حاتم / في «الجرح والتعديل» (ج1 ص188): (حدثنا عبدالله بن يوسف عن عبدالله بن سالم عن علي بن أبي طلحة عن مجاهد).
قال الحافظ ابن حجر /؛ معلقا بقوله: (بعد أن عرفت الواسطة، وهو ثقة، فلا ضير في ذلك). ([136])
وقال الإمام ابن النحاس / في «الناسخ والمنسوخ» (ج1 ص13): (والذي يطعن في إسناده يقول: إن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس التفسير، وإنما أخذ عن مجاهد، وعكرمة... وهذا القول لا يوجب طعنا؛ لأنه أخذه عن رجلين ثقتين، وهو في نفسه صدوق). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج7 ص298): (روى عن ابن عباس، ولم يسمع منه بينهما مجاهد). اهـ
عن مجاهد / قال: (عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفته عند كل آية منه، وأسأله عنها).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (108)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص279 و280)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج2 ص706)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج16 ص252) من طريق محمد بن إسحاق، حدثنا أبان بن صالح، عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وقال الذهبي: «هذا حديث حسن الإسناد».
وأخرجه أحمد في «فضائل الصحابة» (1866)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج10 ص559) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص10).
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (107) من طريق طلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مليكة، قال: (رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه الواحه؛ قال: فيقول له ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله).
وإسناده حسن.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص10).
ولهذا كان سفيان الثوري يقول: (إذا جاءك التفسير عن مجاهد، فحسبك به). ([137])
وقال الإمام السيوطي / في «الدر المنثور» (ج6 ص423): (ومن طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وعلي صدوق، ولم يلق ابن عباس؛ لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه، فلذلك كان البخاري، وأبو حاتم، وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة). اهـ
والخلاصة: أن علي بن أبي طلحة لم يسمع التفسير عن ابن عباس مباشرة، ولكن هناك وسائط بينهما؛ مثل: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وهم من تلاميذ ابن عباس الموثوق بهم. ([138])
فهذه الصحيفة هي أجود الطرق عن ابن عباس ﭭ.
وعن الإمام أحمد / قال: (بمصر كتاب التأويل([139]) عن معاوية بن صالح، لو أن رجلا رحل إلى مصر: فكتبه ثم انصرف به، ما كانت رحلته عندي ذهبت باطلا). ([140])
قلت: فنقل الإمام أحمد / أن بمصر صحيفة في التفسير: رواها علي بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا. ([141])
وهذا يدل أن الإمام أحمد / يرى صحة كتاب علي بن أبي طلحة في التفسير عن ابن عباس، وهو الصواب.
وهذا التفسير([142]) من أقدم الروايات التي دونت عن ابن عباس ﭭ.
وقد اعتمد هذا التفسير عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الإمام البخاري في «صحيحه» ([143]) (ج8 ص206 و255 و295 و348)، والإمام ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج1 ص49)، و(ج2 ص230)، و(ج4 ص370)،والإمام الطبري في «جامع البيان» (ج1 ص98 و207 و234)، والإمام ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص289 و290)، والإمام ابن عطية في «المحرر الوجيز» (ج1 ص148)، والإمام السيوطي في «الإتقان في علوم القرآن» (ج1 ص115)، وغيرهم من علماء التفسير.
قال الإمام الذهبي / في «ميزان الاعتدال» (ج3 ص134): (روى معاوية بن صالح عنه [يعني: علي بن أبي طلحة] عن ابن عباس تفسيرا كبيرا ممتعا). اهـ
وقال الإمام ابن عطية / في «المحرر الوجيز» (ج1 ص148): (ثم حمل تفسير كتاب الله تعالى: عدول كل خلف، وألف الناس فيه، كعبدالرزاق، والمفضل، وعلي بن أبي طلحة، والبخاري، وغيرهم). اهـ
وقد روى الإمام مسلم؛ لعلي بن أبي طلحة في «صحيحه» (ج10 ص12)؛ في كتاب «النكاح».
وأخذ معاوية بن صالح الحضرمي: هذه الصحيفة عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
وعبدالله بن صالح المصري، كاتب الإمام الليث بن سعد، وكان صاحب حديث وعلم.
روى عن معاوية بن صالح: هذه الصحيفة، وأصبح واحدا ممن يملكون حق رواية هذه الصحيفة عن طريق الكتاب، وهذا الكتاب صحيح.
قال الحافظ ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج7 ص299): (ونقل البخاري من تفسيره رواية: معاوية عنه([144]) عن ابن عباس شيئا كثيرا في التراجم وغيرها). اهـ
وقد استفاد من هذه الصحيفة: الإمام أبو حاتم الرازي، فروى عن عبدالله بن صالح كثيرا منها، ورواها عنه ابنه: عبدالرحمن بن أبي حاتم في «تفسير القرآن».
وهناك كثير من العلماء: استفادوا من هذه: «الصحيفة»، فنقلوا منها.
وإن تفاوت حظهم في هذا النقل بين مقل ومكثر؛ منهم: الإمام ابن النحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ج1 ص5 و13 و16 و19)، وفي «القطع والائتناف» (ص90 و95 و199)، والإمام البيهقي في «الأسماء والصفات» (ص311 و343 و355)، والإمام البغوي في «معالم التنزيل» (ج2 ص186)، والإمام البلاذري في «أنساب الأشراف» (ج1 ص127 و177)، والإمام الآجري في «الشريعة» (ص6 و102 و449)، وغيرهم من علماء التفسير.
قلت: فنستطيع أن نستخلص من هذا كله: أن تفسير ابن عباس رضي الله عنهما؛ الذي رواه علي بن أبي طلحة: هو من التفاسير القديمة المدونة لجامع آيات القرآن، وهو مرتب على وفق ترتيب المصحف، وهو كتاب صحيح في التفسير بالمأثور. ([145])
لذلك لا يمنع من قبول هذا التفسير ونقله، والاحتجاج به في الدين.
قال الإمام السيوطي / في «الإتقان» (ج1 ص151): (وأولى ما يرجع إليه في ذلك ما ثبت عن ابن عباس، وأصحابه الآخذين عنه، فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن بالأسانيد الثابتة الصحيحة.
وها أنا أسوق هنا ما ورد من ذلك: عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة خاصة؛ فإنها من أصح الطرق عنه وعليها اعتمد البخاري في «صحيحه» مرتبا على السور). اهـ
فرواية: عبدالله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، هي من أجود الطرق، وأصحها عن ابن عباس، وهي صحيفة صحيحة.
فالله تعالى نهى عن إظهار الزينة للمرأة؛ بقوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن[ [النور: 31].
ثم استثنى، فقال تعالى: ]إلا ما ظهر منها[ [النور: 31].
ثم أراد تعالى أن يبين المعنيين بإظهار المرأة الزينة لهم، مفصلا لمراتبهم بحسب قربهم للمرأة من المحارم.
فقال تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن[ [النور: 31].
* وقد ذكر الزوج مع غيره من المحارم من باب حصر المعنيين حتى لا يظن: أن الخطاب للأجانب الأبعدين.
قلت: ولذا بدأ الله تعالى بالزوج للخصوصية. ([146])
فعن عبد الرحمن بن زيد / قال: (والزوج له فضل، والآباء من وراء الرجل لهم فضل، قال: والآخرون يتفاضلون، وهذا كله يجمعه ما ظهر من الزينة).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج19 ص173 و174) من طريق يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
* فقوله: (وهذا يجمعه ما ظهر من الزينة)؛ يعني: أن المذكورين، هم: المحارم، وهم: المعنيون، بقوله: قبل ذلك: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ وليس الأجانب من الرجال، فذكروا للبيان والإيضاح، والزوج له فضل على الجميع وخصوصية.
* فمراد الصحابة y، بكشف الزينة الظاهرة([147])، للمحارم لا الأجانب، فنصوصهم تدل على ذلك.
وقد نص على هذا الحافظ ابن عبد البر /؛ فجعل كشف الزينة، وإظهارها للمحارم، لا للأجانب.
فقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج8 ص236): (أن ذوي المحارم من النسب والرضاع لا يحتجب منهم ولا يستتر عنهم، إلا العورات، والمرأة في ما عدا وجهها وكفيها عورة) ([148]). اهـ
* ومما يؤكد هذا: تفسير ابن عباس ﭭ؛ لقوله تعالى: ]ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما [ [الأحزاب: 59].
فعن ابن عباس ﭭ قال: (أمر الله تعالى نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص33)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (411) من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج6 ص471)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج5 ص221).
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ص486): (قوله تعالى: ]يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب: 59]؛ جمع: جلباب، وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة؛ أي: يرخين بعضها على الوجوه: إذا خرجن لحاجتهن، إلا عينا واحدة، لضرورة النظر.
جمع جلباب، وهي الملاءة: وهي تشبه العباءة عندنا).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ص485): (فأمر الله عز وجل: أن يدنين عليهن من جلابيبهن، أي: على هذا المكشوف الذي يكشف عادة، وهو الوجه والنحر، كما قال ذلك: ابن عباس ﭭ، وغيره: بأن تغطي وجهها، ولا تبد إلا عينا واحدة، تنظر بها للضرورة... فلا حاجة إلى إبداء العين؛ لأن إبداء العين إنما هو للضرورة؛ بدليل أن الصحابة؛ كابن عباس ﭭ، وغيره: رخصوا في إبداء العين الواحدة؛ لأنها بقدر الضرورة، وإلا لكانوا يقولون: تخرج العينين جميعا).اهـ
ويؤيد ذلك: الرواية الثانية لابن عباس ﭭ، وفيها أن الزينة التي تبديها، من قرطها، وقلادتها، وسوارها، وأما الخلخال، والنحر، والشعر، فلا تبديه، إلا لزوجها، وأقاربها المحارم في البيت. ([149])
فعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال[ [النور: 31]؛ قال: (فهذا الرجل يتبع القوم، وهو مغفل في عقله، لا يكترث للنساء، ولا يشتهيهن، فالزينة: التي تبديها، لهؤلاء: قرطاها، وقلادتها، وسواراها، وأما خلخالاها([150])، ومعضداها([151])، ونحرها([152])، وشعرها، فإنها لا تبديه؛ إلا لزوجها). وفي رواية: (لا تبدي خلاخلها، ومعضداتها، ونحرها، وشعرها، إلا لزوجها).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص120 و122)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (394)، و(395)، و(412)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص94 و96)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص24 –الدر المنثور) من طرق عن عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره الخازن في «لباب التأويل» (ج5 ص57)، والشوكاني في «فتح القدير» (ج4 ص26)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص24).
فهذه الحلي من الزينة: تظهرها في بيتها لمن دخل عليها من المحارم، لا الأجانب.
قلت: فقد صح عن ابن عباس ﭭ، كما ترى ما يؤيد حمل تفسيره على تخصيصه للمحارم صريحا، أو قرينة قوية في هذا الموضع.
فعلى هذا اتسق جميع تفسير ابن عباس ﭭ على أن مراده من إبداء الزينة الظاهرة للمحارم من الرجال، لا الأجانب من الرجال في خارج البيت، فافهم لهذا ترشد.
وعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن[ [النور:60]؛ قال: (وهي المرأة لا جناح عليها أن تجلس في بيتها بدرع وخمار، وتضع عنها الجلباب([153])، مالم تتبرج لما يكره الله).
وفي رواية: (الثياب: الجلباب).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج8 ص2641)، وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص307)، وابن الأنباري في «المصاحف» (ج11 ص110-الدر المنثور)، والطبري في «جامع البيان» (ج10 ص165)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص93)، والبستي في «تفسير القرآن» (ص487)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص110-الدر المنثور) من طريق عكرمة، وعمرو بن دينار، وعلي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» (ج12 ص309)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص110).
* واتفق المفسرون من الصحابة، والتابعين، أن الثياب التي رخص الله تعالى بوضعها للعجوز: هي الجلابيب. ([154])
والجلابيب: هي ما تختص بستر الوجه من بشرة الجسم، وتكون فوق بقية الثياب؛ ثوبا على ثوب.
فالجلباب: فوق الخمار.
فعن بكير بن الأشج: أن عبد الله بن عمر ﭭ: كان يقول: في قوله تعالى: ]والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة[ [النور:60]؛ قال: تضع الجلباب).
قال بكير بن الأشج: وقال سليمان بن يسار: (تضع خمارها إن شاءت).
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1616)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص110-الدر المنثور) من طريق عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وهذا هو المحفوظ.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج6 ص91)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص111)، والشوكاني في «فتح القدير» (ج4 ص55).
* وخالف في ذلك ابن لهيعة، وهو مختلط، فرواه عن بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر ﭭ به.
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (14847).
وعلقه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص93).
* وقد زاد ابن لهيعة نافعا في الإسناد، وهذا غلط، وهو غير محفوظ لاختلاط ابن لهيعة، والصحيح: رواية: بكير بن الأشج عن ابن عمر، لأن عمرو بن الحارث ثقة حافظ.
وعن عاصم الأحول قال: (كنا ندخل على حفصة بنت سيرين ([155])، وقد جعلت: الجلباب هكذا، وتنقبت به، فنقول لها: رحمك الله، قال الله تعالى: ]والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة[ [النور: 60]؛ وهو الجلباب ([156])، قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: ]وأن يستعففن خير لهن[ [النور: 60]؛ فتقول: هو إثبات الجلباب). وفي رواية: (دخلنا على حفصة بنت سيرين، وقد ألقت عليها ثيابها... قالت: اقرأ ما بعده؛ ]وأن يستعففن خير لهن[ [النور: 60]).
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1618)، وسعدان بن نصر في «جزءه» (60)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص93)، والبستي في «تفسير القرآن» (ق/72/ط)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص112-الدر المنثور) من طرق عن سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «جلباب المرأة المسلمة» (ص110).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص112).
* وإذا اتفق الصحابة y على رخصة النساء العجائز بوضع الجلابيب، وكشف الوجه من غير زينة، فماذا يحلون للمرأة الشابة أمام الأجانب؟!.([157])
وبوب عليه الحافظ البيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص94)؛ باب: ما تبدي المرأة من زينتها للمذكورين في الآية من محارمها.
قال العلامة المباركفوري / في «تحفة الأحوذي» (ج4 ص337): (زينها في نظر الرجال، وقيل؛ أي: نظر إليها ليغويها، ويغوي بها، والأصل في الاستشراف: رفع البصر للنظر إلى الشيء). اهـ
وعن قتادة / قال: في قوله تعالى: ]ولا يضربن بأرجلهن[ [النور: 31]؛ قال: (هو الخلخال، لا تضرب امرأة برجلها ليسمع صوت خلخالها).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص58)، والطبري في «جامع البيان» (ج10 ص124) من طريق معمر عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص37).
* فنهيت المرأة أن تضرب برجلها؛ ليسمع صوت الجلاجل فيها. ([158])
وقد بين ابن عباس ﭭ: أن المرأة لو قرعت الخلخان برجلها أمام الرجال، فإن ذلك من المحرم في الدين، وأنه فتنة، وهو من عمل الشيطان، فكيف يجوز كشف الوجه، واليدين للمرأة أمام الرجال في خارج البيت، وهما أشد فتنة للرجال من صوت الخلخان أمامهم: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص:5].
فعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن[ [النور:31]؛ قال: (فهو أن تقرع الخلخال بالآخر عند الرجال، ويكون في رجليها خلاخل، فتحركهن عند الرجال، فنهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك، لأنه من عمل الشيطان). ([159])
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص124)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (430)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص24-الدر المنثور) من طرق عن عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (ج3 ص327)، وابن الجوزي في «زاد المسير» (ج6 ص34)، وأبو الليث السمرقندي في «بحر العلوم» (ق/298/ط)، وابن العربي في «أحكام القرآن» (ج3 ص1376).
* وقد نهى الله تعالى عن كشف الوجه واليدين للمرأة أمام الرجال، لأن خروج المرأة من بيتها، وهي كاشفة عن وجهها، ويديها، أمام الرجال؛ فإن ذلك من عمل الشيطان بلا شك.
قال تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن([160]) أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون[ [النور:31].
وقال تعالى: ]ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما[ [الأحزاب: 59].
وعن صفية بنت شيبة، أن عائشة ڤ؛ كانت تقول: (لما نزلت هذه الآية: ]وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ [النور:31]؛ أخذن أزرهن([161]) فشققنها من قبل الحواشي([162])، فاختمرن بها). وفي رواية: (يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: ]وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ [النور:31]؛ شققن مروطهن([163])، فاختمرن به).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص347) في كتاب: «التفسير»، لسورة النور، باب: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) [النور:31]، والنسائي في «تفسير القرآن» (ج2 ص121)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج10 ص119)، وأبو داود في «سننه» (4102) من طريق إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة به.
ومن طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة ڤ به.
قلت: فعائشة ڤ، تفسر آية الحجاب، وتبين أن المراد منها: تغطية الوجه للمرأة([164])، وقد فعلن الصحابيات ذلك، وهذا التفسير لآية الحجاب، قد فسره جميع الصحابة y، بأنه تغطية الوجه للمرأة.
وعن الأسود قال: قالت عائشة ڤ: (تسدل المحرمة جلبابها من فوق رأسها على وجهها).
أثر صحيح
أخرجه أبو داود في «مسائله» (ص109)، وسعيد بن منصور في «السنن» (ج3 ص406-فتح الباري) من طريق هشيم قال: أخبرنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج3 ص406)، والعيني في «عمدة القاري» (ج9 ص166).
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ص487): (فإن كل ما يخشى منه الفتنة، فإنه يجب البعد عنه؛ لهذا: قال تعالى: ]ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن[ [النور:31]؛ لأن الخلخال الذي يسمع إذا ضربت المرأة برجلها يخشى منه الفتنة.
وخشية الفتنة بمخفي عند ضرب المرأة برجلها أقل بكثير من أن تخرج المرأة وجهها، ذلك الوجه الجميل المجمل بالكحل، والتحمير، وغير ذلك.
وكل يعلم: أن هذا أعظم فتنة من خلخال مستور يسمع صوته عند الضرب بالرجل.
وتأتي حكمة الله تعالى: أن ينهى عن ضرب المرأة برجلها؛ لئلا يسمع خلخالها، ثم يرخص لامرأة من أجمل النساء أن يظهر وجهها وكفيها!، فهذا تأباه حكمة الله تعالى).اهـ
وعن أم سلمة ڤ قالت: (لما نزلت هذه الآية: ]يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب: 59] ([165])؛ خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها).
أثر حسن
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج3 ص52)، وأبو داود في «سننه» (4101)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (407) من طريقين عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة ڤ به.
قلت: وسنده حسن.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج6 ص48).
والأثر صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3456).
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ص485): (والجلباب: هو الرداء، أو الملاءة، أو الملحفة، يعني: الشيء الواسع الذي يشمل جميع البدن، أو أكثره). اهـ
قال صفي الرحمن المباركفوري / في «إبراز الحق» (ص49): (وهذا الحديث أيضا صريح في شمول الحجاب للوجوه، ويفيد أن تغطية الوجوه كان هو المقصود بأمر الحجاب.
وحكم هذا الحديث عام لجميع نساء المؤمنين؛ لأن المراد بخمائر، جمع ليست أمهات المؤمنين فحسب، كما يزعمه الزاعمون.
والدليل في ذلك: أن عائشة ڤ، هي التي روت هذا الحديث، وهي كانت تفتي: «بأن المرأة المحرمة تسدل جلبابها من فوق رأسها على وجهها».
* وقد روى مالك في «الموطأ» ما أن تغطية الوجوه في الإحرام كانت عامة في النساء، لا في زمن الصحابة y فقط، بل فيما بعدهم أيضا.
* فقد روى عن فاطمة بنت المنذر قالت: «كنا نخمر وجوهنا، ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق، فلا تنكره علينا».). اهـ
قلت: والجلباب قريب من العباءة اليوم، لكنها غير مفصلة، وهو القناع والملاءة.
والجلباب ليس غطاء خاصا بالوجه وحده، ولكنه للوجه وغيره.
ولذا قال تعالى: ]يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب: 59]؛ يعني: تأخذ شيئا من جلبابها، وتنزله على وجهها.
والإدناء: من الدنو، وهو القرب، ويكون من مكان عال، أو مواز.
والدنو: نزول، فيسمى أسفل الشيء وأقربه: أدناه.
ويقال: للنازل الهابط بالنسبة للعالي: أدنى، ودان، كما في قوله تعالى: ]في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون[ [الروم: 3].
قلت: ويدل على أن الإدناء في الآية: يتضمن القرب من علو.
والإدناء: هو الإدلاء، والإدلاء يكون من الشيء العالي.
ومنه قوله تعالى: ]علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى[ [النجم: 5-8].
* وهو قرب جبريل عليه السلام: من النبي r، فكان عاليا ثم دنى، فتدلى إليه، ومنه يسمى الدلو دلوا؛ لأنه يدلى به من علو إلى أسفل البئر.
وقد فسر إدناء الجلابيب بتغطية الوجه في هذه الآية، وغيرها من السنة، والأثر: جماعة من الصحابة، والتابعين.
* وقد أجمع الصحابة y على هذا التفسير للآية، ولا يوجد أي خلاف بينهم، بخلاف هذا المعنى. ([166])
قلت: ومن تتبع حال الصحابيات، والتابعيات، وجد أن حجابهن، وسترهن لا يختلف في الستر العام للمرأة، وأن عملهن كلهن على تغطية الوجوه، ولا يعلم عن أي صحابية، ولا تابعية حرة شابة معروفة الحال تكشف وجهها، وقد كان عملهن على تغطية الوجه.
قلت: ويذهب عدد من المفسرين إلى أن الحجاب، لم يفرض جملة واحدة -كما هو في الأحكام الأخرى- وإنما جاء متدرجا.
فأول ما نزل، وذكر فيه عموم المؤمنات: آيات النور، وثم آيات سورة الأحزاب، وقد استقر الحكم بفرض تغطية المرأة لوجهها، وكفها إلى آخر الدنيا.
وكثير ممن ينظر في كتب المفسرين، ينظر في سورة النور، فيراهم ينقلون تفسير الصحابة y، وينصون على فرض الحجاب.
ولو نظروا في تفسيرهم لسورة الأحزاب لوجدوا أنهم يمنعون المرأة أن تخرج بدون الحجاب، خاصة من منعهم لكشف وجهها، وكفيها، غاية المنع.
قلت: ومن جهل تفسير السلف لسورة النور، وسورة الأحزاب، وفرض الحجاب على المرأة بتغطية وجهها، وكفيها، وأنها كلها عورة، فهذا لم يفهم مقاصد القرآن، وأحكام المفسرين من السلف.
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج22 ص33)؛ في تفسير سورة الأحزاب: (لا يتشبهن بالإماء في لباسهن: إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فكشفن شعورهن، ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن). اهـ
ثم ذكر الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج22 ص33)؛ لتفسير السلف لتغطية المرأة لوجهها، بالجلابيب، فحكى المفسرون فرض الحجاب في سورة النور في المرحلة الأولى، ثم استقرار الحكم في فرض الحجاب في سورة الأحزاب بعدها، بأن المرأة كلها عورة، حتى وجهها، وكفيها.
* وهكذا كثير من المفسرين، يفسرون آية النور على حال سابقة في فرض الحجاب على المرأة، ثم ينصون صراحة على منع المرأة من كشف وجهها عند آية الأحزاب، منهم: الإمام الطبري، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وأبو الليث السمرقندي الحنفي، والإمام الجصاص، والإمام البيضاوي، والإمام الثعلبي، والإمام العز بن عبد السلام، والإمام ابن أبي زمنين، وغيرهم. ([167])
قلت
* ومن تتبع حال الصحابيات، والتابعيات، وجد أن حجابهن وسترهن لا يختلف في الستر العام للمرأة، وأن عملهن كلهن على تغطية الوجوه، والأيدي، والبدن.
قال أبو حامد الغزالي / في «إحياء علوم الدين» (ج2 ص47): (لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء: يخرجن متنقبات). اهـ
وقال الفقيه الجويني / في «نهاية المطلب» (ج62 ص31): (اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه، لأن النظر مظنة الفتنة). اهـ
* لذلك لا يقبل أي: تفسير بعد تفسير الصحابة y لآية الحجاب، وأنها نزلت في وجوب تغطية النساء لوجوههن، وأيديهن عن الرجال إذا خرجن من بيوتهن، لأن النساء كلهن عورة.
قال العلامة الشوكاني / في «فتح القدير» (ج4 ص298): (والنساء كلهن عورات).اهـ
وقال العلامة الشنقيطي / في «أضواء البيان» (ج6 ص594): (وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيات المذكورات فيه فهمن: أن معنى قوله تعالى: ]وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ [النور: 31]؛ يقتضي: ستر وجوههن، وأنهن شققن أزرهن فاختمرن؛ أي: سترن وجوههن بها امتثالا لأمر الله تعالى، في قوله تعالى: ]وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ [النور: 31]؛ المقتضي: ستر وجوههن.
وبهذا يتحقق المنصف: أن احتجاب المرأة عن الرجال، وسترها وجهها عنهم ثابت في السنة الصحيحة المفسرة لكتاب الله تعالى.
* وقد أثنت عائشة ڤ على تلك النساء بمسارعتهن، لامتثال أوامر الله في كتابه، ومعلوم أنهن ما فهمن ستر الوجوه: من قوله تعالى: ]وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ [النور: 31]؛ إلا من النبي r لأنه موجود وهن يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن.
والله جل وعلا يقول: ]وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النمل:44]؛ فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن).اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج8 ص490): (قوله: «مروطهن»، جمع مرط، وهو الإزار، وفي الرواية الثانية: «أزرهن»، وزاد: «شققنها من قبل الحواشي».
قوله: «فاختمرن»؛ أي: غطين وجوههن، وصفة ذلك: أن تضع الخمار على رأسها، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو: التقنع([168]) ). اهـ
قلت: وكان أمير المؤمنين: عمر بن الخطاب t يشدد على الحرائر لبس الحجاب مع تغطية الوجه واليدين، لتطبيقه العمل بآيات الحجاب على النساء، وهذا يدل على أن الصحابة y قد أجمعوا على ستر النساء من أعين الرجال.
فعن أنس بن مالك t: (أن عمر بن الخطاب t: رأى أمة عليها قناع، فضربها بالدرة، وقال: اكشفي عن رأسك، ولا تشبهي بالحرائر). وفي رواية: (رأى جارية متنقبة). وفي رواية: (وعليها جلباب متقنعة به).
أثر صحيح
أخرجه يحيى بن سلام في «تفسير القرآن» (ج3 ص230)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص230 و231)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج3 ص136)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص236) من طريق سعيد، وعثمان، ومعمر، وشعبة، عن قتادة، والزهري، والمختار بن فلفل عن صفية بنت أبي عبيد، وأنس بن مالك عن عمر بن الخطاب t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال البيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص237): «والآثار عن عمر بن الخطاب t في ذلك صحيحة».
وذكره ابن منظور في «لسان العرب» (ج6 ص3755)، وابن الأثير في «النهاية» (ج4 ص114)، وابن حجر في «الدراية» (ج1 ص124)، والزيلعي في «نصب الراية» (ج4 ص250).
قوله: (منتقبة)؛ يعني: متغطية في وجهها.
وقوله: (متقنعة)؛ يعني: ساترة وجهها.
قال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (ج9 ص501): (وهذا دليل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضا بينهم مشهورا، وأن الحجب لغيرهن كان معلوما).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ص487): (فلا يؤذين: بالتعرض لهن بخلاف الإماء، فلا يغطين وجوههن([169])، فكان المنافقون: يتعرضون لهن.
* وهكذا كانت الإماء في عهد رسول الله r، وفي عهد الخلفاء، لا يحتجبن، لأنهن مملوكات، ولا يتعلق بهن، إلا ردئ النفس). اهـ
قلت: فكان عمر بن الخطاب t لا يدع أمة تتقنع، وتتغطى في وجهها، لكي تعرف أنها أمة، ويحصل التفريق بينها، وبين الحرة، لأن الحرة تغطي وجهها، ورأسها، فتعرف أنها حرة، فلا تؤذى، حتى قال عمر بن الخطاب t: «إنما القناع([170]) للحرائر، لكيلا يؤذين».
والقناع: ما تغطي به المرأة وجهها، ورأسها.
يقال: تقنعت المرأة: لبست القناع، وهو ما تقنع به المرأة من ثوب يغطي رأسها، ومحاسنها.
يقال: ألقى عن وجهه قناع الحياء.
المقنع: المستور الوجه.
فالتقنع: يطلق على تغطية الوجه.
ويقال: اختمرت النساء؛ أي: تقنعن بمروطهن، يعني: غطين وجوههن.
وصفة ذلك: أن تضع الخمار على رأسها، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنع.
وعن عائشة ڤ: (أنها سدلت طرف، قناعها على وجهها، وهي محرمة)؛ يعني: أسبلته.
فالقناع: ما يستر به الوجه، ويطلق على الخمار.
والخمر: المقانع.([171])
قال الفيروزآبادي اللغوي / في «بصائر ذوي التمييز» (ج1 ص79): (سفرت المرأة: كشفت قناعها عن وجهها). اهـ
وقال الآلوسي المفسر / في «روح المعاني» (ج11 ص264): (قوله تعالى: ]يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب: 59]؛ وإدناء ذلك عليهن: أن يتقنعن فيسترن الرأس والوجه، بجزء من الجلباب مع إرخاء الباقي على بقية البدن).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ص485): (قوله تعالى: ]يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب: 59]؛ لم يقل: «على وجوههن»، ولا «على نحورهن»، ولا «على صدورهن»، فيكون شاملا لجميع البدن، فقال تعالى: ]يدنين عليهن[؛ أي: على جميع البدن). اهـ
وقال أبو حامد الغزالي / في «إحياء علوم الدين» (ج2 ص47): (لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء: يخرجن متنقبات). اهـ
قلت: وهذا التخريج، لم تراه في أي: كتاب؛ بذكر الأسانيد والمتون، والاضطراب فيها، والاختلاف.
وهذا لم يتوصل إليه الشيخ الألباني /، ولم يقع عليه بمثله، وقد فاته هذا التخريج في حياته.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على تفنيد شبهة الشيخ الألباني / فيما نسب لابن عمر ﭭ؛ أنه فسر، قوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[ [النور:31]؛
بكشف المرأة: للوجه والكفين، وهو أثر ضعيف لا يصح، وأنه t فسر بتفسير صحيح، لتغطية المرأة لوجهها وكفيها، وهو الصحيح
عن ابن عمر ﭭ قال: (الزينة الظاهرة: الوجه، والكفان).
أثر منكر
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج6 ص207)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج11 ص23-الدر المنثور) وابن عبد البر في «التمهيد» تعليقا (ج6 ص368)، والسمرقندي في «بحر العلوم» تعليقا (ق/ 297 /ط)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص226) من طريق شبابة بن سوار قال: نا هشام بن الغاز قال: نا نافع عن ابن عمر ﭭ به.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه شبابة بن سوار الفزاري، وهو وإن كان ثقة؛ إلا أنه يخطيء أحيانا من حفظه([172])، وهنا أخطأ بلا شك على ابن عمر ﭭ.
قال الحافظ ابن عدي / في «الكامل في الضعفاء» (ج3 ص1366)؛ عن شبابة الفزاري: (والذي أنكر عليه الخطأ، ولعل حدث به حفظا).اهـ
وقال الحافظ أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (ج4 ص1715): (صدوق: يكتب حديثه، ولا يحتج به)؛ يعني: إذا حدث من حفظه.
وقد أنكرت عليه أحاديث أخطأ فيها. ([173])
لذلك ذكره الحافظ العقيلي في «الضعفاء» (ج2 ص577)، وابن الجوزي في «الضعفاء» (ج2 ص37).
* وهشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي، يخالف ويخطيء إذا انفرد، فلا يحتج به هنا، فالإسناد ضعيف.
لذلك قال الإمام أحمد في «العلل» (ج2 ص506 و507)؛ عنه: (صالح الحديث).
* واستشهد به الحافظ البخاري؛ تعليقا، ولم يرو عنه عند التفرد مطلقا، ولم يحتج به في «صحيحه» ([174])، فافهم لهذا.
والأثر علقه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج8 ص2574).
وعلقه ابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج3 ص222)؛ وصححه، ولم يصب لضعف الإسناد.
وذكره الجصاص في «أحكام القرآن» (ج3 ص315)، والشوكاني في «فتح القدير» (ج4 ص23).
ولذلك أخطأ الشيخ الألباني في «الرد المفحم» (ص129)، بقوله: (أثر ابن عمر، بلفظ: «الزينة الظاهرة: الوجه والكفان». أخرجه ابن أبي شيبة (4/284)؛ بسند صحيح عنه).
وقد بينا ضعف إسناده، فلا يصح.
قلت: ويؤيد على ما في هذا الأثر من خطأ من الرواة كما سبق ذكره، وقوع خطأ من الرواة أيضا، في وجه آخر.
فنسبة هذا التفسير إلى ابن عمر t من العجائب!.
فأخرج يحيى بن معين في «حديثه» (ص89) من طريق يحيى بن يمان ثنا هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر ﭭ قال: (الكف، والوجه). هكذا بدون ذكر الزينة الظاهرة!.
قلت: وهذا سنده ضعيف كسابقه، فيه يحيى بن يمان العجلي يخطيء كثيرا، وليس بحجة إذا خالف، وقد تغير حفظه([175])؛ فيأتي في التفسير بالعجائب، وهذا التفسير الذي نقله عن ابن عمر من عجائبه!.
قال الحافظ العقيلي في «الضعفاء» (ج4 ص1540): (لا يتابع على حديثه).
وقال الحافظ الخطيب البغدادي / في «تاريخ بغداد» (ج14 ص124): (قال زكريا بن يحيى الساجي: ضعفه أحمد بن حنبل، وقال: حدث عن الثوري بعجائب لا أدري لم يزل هكذا، أو تغير حين لقيناه، أو لم يزل الخطأ في كتبه، وروى من التفسير عن الثوري عجائب!).اهـ
قلت: وهذا التفسير الذي نقله عن ابن عمر ﭭ من عجائبه بلا شك، لأنه يمتنع من ابن عمر ﭭ أن: يفسر: «الزينة الظاهرة»، ببعض بدن المرأة، ذلك خلاف ظاهر الآية التي تدل على أن الزينة للمرأة تكون خارجة عن أصل خلقتها؛ كـ«الحلي»، و«الحلل»؛ فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة من «الوجه»، و«الكفين» خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل على ذلك إلا بدليل يجب الرجوع إليه من الكتاب والسنة. ([176])
قال الآجري في «سؤالاته» (ص69): (سمعت أبا داود، وذكر يحيى بن يمان، فقال: يخطيء في الأحاديث ويقلبها!).
وقال الإمام النسائي / في «السنن» (ج8 ص325)؛ عن يحيى بن يمان: (لا يحتج بحديثه لسوء حفظه، وكثرة خطئه).
وقال الحافظ ابن حجر / في «التقريب» (ص598): (يخطيء كثيرا، وقد تغير).
قلت: فأنكر عليه كثرة الغلط، والوهم في النقل، فإنه يتوهم الشيء فيحدث به، فليس بحجة إذا خولف. ([177])
قال الإمام أحمد / في «العلل» (ج1 ص247): (حديث: يحيى بن يمان العجلي عن سفيان عن قيس بن مسلم عن إبراهيم النخعي: ]ولا يبدين زينتهن[. [النور:31]؛ قال: أخطأ يحيى بن يمان([178])!، إنما هو عن علقمة بن مرثد عن إبراهيم)([179]).
قلت: كذلك أخطأ هشام بن الغاز هنا في هذا التفسير للزينة الظاهرة، كما سبق ذكره.
* وسكت عنه الشيخ الألباني في «الرد المفحم» (ص103)، وهو ضعيف، وقد أشار إلى تصحيح ابن حزم له، وليس بشيء، ولا يحتج بتصحيحه، لأنه لا يصح.
قلت: وتفسير الزينة الظاهرة ببعض بدن المرأة خلاف ظاهر الآية، وتفسير الصحابة الكرام لها، فيمتنع أن صحابيا مثل ابن عمر ﭭ أن يفسر الزينة بما يخالف ظاهرها.
* وهذه قرينة على عدم صحة هذا الأثر من ابن عمر ﭭ، والرواة الذين رووا عنه هذا التفسير اخطئوا عليه، كما بينا، وذلك أن الزينة في لغة العرب: هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها، كـ«الحلي»، وغيرها. ([180])
قلت: فهذا التفسير مخالف لأصل الكتاب، والسنة، والآثار، واللغة، فلا يعتد به في التأويل، فافهم لهذا ترشد.
ولقد بينا أن معنى: (ما ظهر من الزينة)؛ هو: ما فوق بدن المرأة، وليس فيها، أي: هو خارج عن أصل خلقتها، اللهم غفرا.
* وهذه قرينة قوية تدل على عدم صحة هذا التأويل لكتاب الله تعالى، فلا يجوز الحمل عليه إلا بدليل مفصل من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع يجب الرجوع إليه، ولا يوجد، وأين يوجد؟!.
قلت: وقد ثبت عن ابن عمر ﭭ بخلاف ذلك، في تغطية المرأة وجهها، وكفها، وجميع بدنها إذا خرجت من البيت.
فعن ابن عمر ﭭ وكان يقول: في قوله تعالى: ]والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة[ [النور:60]؛ (تضع الجلباب). ([181])
قلت: والثياب هنا: الجلباب، وما كان في معناه، وهذا المعنى يتناسب مع قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ يعني: الثياب.
قال العلامة الساعاتي / في «بلوغ الأماني» (ج11 ص215)؛ معلقا على أثر عائشة ڤ: (والمعنى: أنهن كن يسترن وجوههن إذا مر عليهن الرجال بجلابيبهن، الجمع جلباب: وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة إذا خرجت لحاجة، فإذا أبعدوا عنهن كشفن وجوههن). اهـ
وعن أم عطية ڤ قالت: قال رسول الله r في خروج النساء في العيدين: (لتلبسها صاحبتها من جلبابها). ([182])
يعني: من لحافها، وهذا يدل على أن الجلباب كبير يكفي اثنتين، وهو الثوب الواسع الذي يشتمل به النائم، فيغطي جسده كله.
ففي الحديث دلالة على أن المعتاد عن نساء الصحابة؛ ألا تخرج إلا بجلباب ولم ياذن لهن الرسول r بالخروج بغير جلباب.
والجلباب: ثوب واسع يلبس فوق الملابس، وهو ثوب مشتمل على الجسد كله.
فتشتمل به المرأة على جسدها كله، تغطي به راسها، وظهرها، وصدرها، ووجهها، وكفيها. ([183])
قال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (ج2 ص138): («الجلباب»: قال ابن مسعود ومجاهد وغيرهما: هو الرداء، ومعنى ذلك: أنه للمرأة؛ كالرداء للرجل، يستر أعلاها، إلا أنه يقنعها فوق راسها، كما يضع الرجل رداءه على منكبيه).اهـ
قلت: فالجلباب من أكيسة الراس والوجه، والصدر، وهذا يتناسب مع قوله تعالى: ]يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب:59].
وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «مسائل السفور والحجاب» (ص6): (والجلابيب: جمع جلباب، والجلباب: هو ما تضعه المرأة على راسها للتحجب، والتستر به).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على تفنيد شبهة الشيخ الألباني / فيما نسب لعائشة ڤ؛ أنها فسرت، قوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[ [النور:31]؛
بكشف المرأة للوجه والكفين، وهو أثر ضعيف لا يصح
عن عائشة ڤ قالت: (ما ظهر منها: الوجه، والكفان).
أثر منكر
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص226) من طريق آدم بن أبي إياس ثنا عقبة بن الأصم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة ڤ به.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه عقبة بن عبد الله الأصم منكر الحديث([184])، قال عنه البيهقي نفسه في «السنن الكبرى» (ج6 ص137): «ضعيف لا يحتج به!».
وقد تعقب العلامة ابن التركماني / في «الجوهر النقي» (ج2 ص225)؛ البيهقي على سكوته عن تبيين حال عقبة بن الأصم في هذا الموضع؛ بقوله: (سكت عن عقبة، وهو متكلم فيه؛ قال ابن معين: «ليس بثقة»، وعنه قال: «ليس بشيء»، وقال الذهبي: «ضعفه الفلاس، وغيره»... وقد ذكر البيهقي عقبة بن الأصم([185]) هذا؛ في باب: «من زرع أرض غيره بغير إذنه»، فلم يسكت عنه؛ بل قال: «ضعيف لا يحتج به»!).
* فعقبة بن الأصم هذا، قال عنه ابن معين: «ليس بشيء»، وقال مرة: «ليس بثقة»، وقال أبو داود: «ضعيف»، وقال النسائي: «ليس بثقة»، وقال عمرو بن علي: «وكان ضعيفا واهي الحديث ليس بالحافظ»، وقال أبو حاتم: «لين الحديث ليس بقوي». ([186])
وعن عائشة ڤ قالت: (في القلب([187])، والفتخة) ([188]).
أثر منكر
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص207)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص24-الدر المنثور)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص76)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج11 ص24-الدر المنثور)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج8 ص2575) من طريق وكيع، وروح، ويحيى بن يمان عن حماد بن سلمة عن أم شبيب عن عائشة ڤ به.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه أم شبيب، وهي مجهولة لا يحتج بها، وقد ذكرها البخاري في «التاريخ الكبير» (ج4 ص233)؛ في ترجمة: «شبيب بن شبيب»، وهي: جدته أم شبيب بنت عامر العامرية([189])، سمعت عائشة ڤ.
وحماد بن سلمة تغير في آخره، وساء حفظه، وهذا ظاهر هنا لروايته عن أم شبيب وهي لا تعرف. ([190])
وذكره الجصاص في «أحكام القرآن» (ج3 ص315).
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص119) من طريق ابن جريج قال: قالت عائشة ڤ: (القلب، والفتخة).
قلت: وهذا سنده ضعيف جدا، ابن جريج ([191]) وهو عبد العزيز بن جريج القرشي؛ لم يسمع من عائشة ڤ، ثم الطبري علقه بدون إسناد.
قال الإمام أحمد: (لم يلق عائشة). ([192])
وقال الحافظ ابن حبان في «الثقات» (ج7 ص114): (روى عن عائشة، ولم يسمع منها). ([193])
وقال الحافظ البخاري في «التاريخ الكبير» (ج6 ص1564): (لا يتابع في حديثه).
وذكره الذهبي في «ديوان الضعفاء» (ص251)، والعقيلي في «الضعفاء» (ج3 ص775).
قلت: احتج به الشيخ الألباني في «الرد المفحم» (ص103)، وفي «جلباب المرأة المسلمة» (ص59)؛ وسكت عنه، وهو ضعيف صريح؛ لا يحتج به في الاستدلال.
والخلاصة: أن هذا الأثر اختلف فيه على عائشة ڤ:
* فرواه عقبة بن الأصم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة.
ورواه حماد بن سلمة عن أم شبيب عن عائشة.
ورواه الطبري عن ابن جريج عن عائشة.
* وكذلك اضطرب في متنه:
فمرة يقال: (الوجه، والكفان).
ومرة يقال: (القلب، والفتخة).
قلت: وأثر عائشة ڤ، هذا مخالف للآية التي فيها أمر الله تعالى بفرض الحجاب على أمهات المؤمنين.
قال تعالى: ]ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب: 59].
والجلباب: وهو ما يكون من لباس فضفاض فوق الخمار يستوعب أعلى البدن، ووسطه، وهو دون الرداء، ويسدل: فيغطى به الوجه والصدر. ([194])
فعن عائشة ڤ قالت: (فخمرت وجهي بجلبابي). ([195])
والجلباب: قريب من العباءة اليوم، لكنها غير مفصلة، ويسمى: القناع، أو الملاءة.
قال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج3 ص212): (هو ما غطى جميع الجسم لا بعضه). اهـ
قلت: فالجلباب: هو رداء ساتر من الرأس إلى القدم، يعني: من الأعلى إلى الأسفل.
قال الإمام القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج3 ص372): «الصحيح: أنه الثوب الذي يستر جميع البدن).اهـ
فالجلباب: هو ثوب تشتمل به المرأة، فيغطي جميع بدنها، حتى الوجه والكف.
* وكذلك مخالف لما روت عائشة ڤ من الآثار في تغطية الوجه، والكفين.
* وهي مأمورة بسدل جلبابها من فوق رأسها على وجهها.
فعن الأسود قال: قالت عائشة ڤ: (تسدل المحرمة جلبابها من فوق راسها على وجهها). ([196])
وعن عائشة ڤ قالت: (فبينما أنا جالسة في منزلي، غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي) وفي رواية: (فسترت وجهي عنه بجلبابي). ([197])
* والشاهد في الحديث: هو قولها: (وكان رآني قبل الحجاب)، و(خمرت وجهي بجلبابي) ([198])، فبهذين الشاهدين هما من أعظم الأدلة على وجوب ستر المرأة المسلمة لوجهها، وسائر بدنها عن أنظار الرجال.
* فثبت عن عائشة ڤ: أنها خمرت وجهها لما سمعت صوت: صفوان بن المعطل t، وقالت ڤ: أنه كان يعرفها قبل الحجاب.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص462): (فعرفني حين رآني: هذا يشعر بأن وجهها انكشف لما نامت؛ لأنه تقدم أنها تلففت بجلبابها ونامت.
فلما انتبهت باسترجاع صفوان بادرت إلى تغطية وجهها، قوله: وكان يراني قبل الحجاب؛ أي: قبل نزول آية الحجاب). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج7 ص105): (قولها: (خمرت وجهي)؛ أي: غطيته). اهـ
وقال الإمام ابن خزيمة / في «صحيحه» (ج4 ص203): (إذ الخمار الذي تستر به وجهها).اهـ
وعن عائشة ڤ قالت: (كان الركبان يمرون بنا، ونحن مع رسول الله r محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من راسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه). ([199])
قال العلامة الساعاتي / في «بلوغ الأماني» (ج11 ص215) معلقا على أثر عائشة ڤ: (والمعنى: أنهن كن يسترن وجوههن إذا مر عليهن الرجال بجلابيبهن، الجمع جلباب: وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة إذا خرجت لحاجة، فإذا أبعدوا عنهن كشفن وجوههن). اهـ
وعن أم عطية ڤ قالت: قال رسول الله r في خروج النساء في العيدين: (لتلبسها صاحبتها من جلبابها). ([200])
يعني: من لحافها، وهذا يدل على أن الجلباب كبير يكفي اثنتين، وهو الثوب الواسع الذي يشتمل به النائم، فيغطي جسده كله.
ففي الحديث دلالة على أن المعتاد عن نساء الصحابة؛ ألا تخرج إلا بجلباب ولم ياذن لهن الرسول r بالخروج بغير جلباب.
والجلباب: ثوب واسع يلبس فوق الملابس، وهو ثوب مشتمل على الجسد كله.
فتشتمل به المرأة على جسدها كله، تغطي به راسها، وظهرها، وصدرها، ووجهها، وكفيها. ([201])
قال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (ج2 ص138): («الجلباب»: قال ابن مسعود ومجاهد وغيرهما: هو الرداء، ومعنى ذلك: أنه للمرأة؛ كالرداء للرجل، يستر أعلاها، إلا أنه يقنعها فوق راسها، كما يضع الرجل رداءه على منكبيه).اهـ
وعن عائشة ڤ قالت: (المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت، إلا ثوبا مسه ورس، أو زعفران، ولا تتبرقع، ولا تلثم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت).([202])
قولها: «ولا تتبرقع»؛ فهذا يدل على أن التبرقع كان معروفا في النساء على عهد النبي r، وعهد الصحابة y.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على تفنيد شبهة الشيخ الألباني / فيما نسب لمسور بن مخرمة t؛ أنه فسر، قوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[ [النور:31]؛
بالقلب، والخاتم، والكحل، وهو أثر ضعيف لا يصح
عن المسور بن مخرمة t قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (هو القلبان ([203])، والخاتم، والكحل).
أثر منكر
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج2 ص56)، والطبري في «جامع البيان» (ج10 ص119) من طريق معمر عن الزهري عن رجل عن المسور بن مخرمة t به.
قلت: وهذا سنده ضعيف، فيه رجل لم يسم.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص25)
قلت: احتج به الشيخ الألباني / في «الرد المفحم» (ص104)؛ وسكت عنه، وهو ضعيف صريح؛ لا يحتج به في الاستدلال.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل تفنيد شبهة الشيخ الألباني / فيما نسب لأبي هريرة t؛ أنه فسر، قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور:31]؛
بالقلب والفتخة
عن أبي هريرة t قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (القلب([204])، والفتخة([205])).
أثر منكر
أخرجه ابن وهب في «المسند» (ج6 ص368-التمهيد)، وفي «الجامع» (ج2 ص40 و41) من طريق جرير بن حازم قال: حدثنا قيس بن سعد: أن أبا هريرة t قال: فذكره.
قلت: وهذا سنده ضعيف، فيه قيس بن سعد المكي لم يسمع من أبي هريرة t، ولم يدركه؛ ذكره ابن المديني /: فيمن لم يلق أحدا من الصحابة y، فهو مرسل. ([206])
قلت: احتج به الشيخ الألباني / في «الرد المفحم» (ص104)؛ وسكت عنه، وهو ضعيف صريح؛ لا يحتج به في الاستدلال.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على تفنيد شبهة الشيخ الألباني / فيما نسب لأنس بن مالك t؛ أنه فسر، قوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[ [النور:31]؛ بالكحل، والخاتم، وهو أثر ضعيف لا يصح
عن أنس بن مالك t قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (الكحل، والخاتم).
أثر منكر
أخرجه ابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص23-الدر المنثور)، ولا يصح، لثبوت إجماع الصحابة الكرام على وجوب تغطية «الوجه»، و«الكفين» للمرأة أمام الرجال الأجانب، كما سبق ذكره.
وعلقه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص225)، وابن حزم في «المحلى» (ج3 ص222) وصححه، ولم يصب.
قلت: والمعلق من قسم الضعيف.
لذلك لم يذكره ابن عبد البر في «التمهيد» (ج6 ص368)؛ مع بقية الآثار عن الصحابة الكرام التي تقدمت.
قلت: احتج به الشيخ الألباني / في «الرد المفحم» (ص104)؛ وسكت عنه، وهو ضعيف صريح؛ لا يحتج به في الاستدلال.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على أن المرأة كلها عورة، فيجب عليها ستر بدنها كله، مع تغطية وجهها وكفيها، وفي هذا تفنيد لتأويل الشيخ الألباني /، للفظ الحديث: (المرأة كلها عورة)؛ أي: جعلها نفسها عورة؛ لأنها إذا ظهرت يستحيى منها، كما يستحيى من العورة إذا ظهرت، وهذا التأويل بعيد، لأن النبي r قال: (المرأة عورة)، ولم يستثن شيئا من المرأة حتى الوجه عورة، وهو صريح لا حاجة إلى تأويله، فلا قول لأحد مع قول الرسول r
عن عبد الله بن مسعود t، أن رسول الله r قال: (إن المرأة عورة؛ فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان؛ فأقرب ما تكون من وجه ربها، وهي في قعر بيتها)، وفي رواية: (وإنها أقرب ما تكون إلى الله، وهي في قعر بيتها). وفي رواية: (المرأة عورة).
حديث صحيح
وليس عند الترمذي في «السنن» (1173)؛ قوله r: (وإنها أقرب ما تكون إلى الله، وهي في قعر بيتها).
* واختلف في هذا الحديث.
* فرواه همام بن يحيى العوذي، وسويد بن إبراهيم أبو حاتم الجحدري، وسعيد بن بشير عن قتادة عن مورق العجلي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود به.
أخرجه الترمذي في «سننه» (1173)، والبزار في «المسند» (2061)، وابن عدي في «الكامل»([207]) (ج3 ص1259)، وابن حبان في «صحيحه» (5599)، وابن المنذر في «الأوسط» (2081)، وابن خزيمة في «صحيحه» (1685)، وفي «التوحيد» (14)، والطبراني في «المعجم الكبير» (10115)، وفي «المعجم الأوسط» (8092)، والطيوري في «الطيوريات» (904)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج2 ص175)، و(ج3 ص116)، وموسى بن هارون الحمال في «الفوائد» (ص340 و343)، وابن المقرئ في «الفوائد» (7)، وابن الجوزي في «أحكام النساء» (ص211).
وذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج10 ص417 و418)، بهذا الإسناد.
قلت: وهذا سنده صحيح، وعنعنة قتادة هنا تحمل على الاتصال، لأنها من رواية: همام بن يحيى العوذي، وهو ثقة ثبت، وهو من الأثبات في قتادة، فلا تضر عنعنته في الإسناد([208])، وقد صححه الحافظ الدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» (ج5 ص315).
وقال الحافظ ابن عدي في «الكامل» (ج7 ص129): (وأحاديثه مستقيمة عن قتادة).
وعن الإمام أحمد قال: (همام ثبت في كل المشايخ). ([209])
وعن الإمام أحمد قال: (ما أصح حديث: همام بن يحيى عندي). ([210])
وعن الإمام يزيد بن هارون قال: (كان همام قويا في الحديث). ([211])
وعن الإمام يحيى بن معين قال: عن همام: (ثقة صالح، وهو في قتادة أحب إلي من حماد بن سلمة، وأحسنهما حديثا عن قتادة). ([212])
وعن الإمام عمرو بن علي قال: (الأثبات من أصحاب قتادة: ابن أبي عروبة، وهشام، وشعبة، وهمام). ([213])
وعن الإمام عبد الله بن المبارك قال: (همام ثبت في قتادة). ([214])
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: وهذا أقرب للصواب في ثبوت التصحيح عن الحافظ الترمذي، لهذا الحديث.
وكذا نقله: أبو حامد الغزالي في «إحياء علوم الدين» (ج2 ص58)، والحافظ العراقي في «المغني عن حمل الأسفار» (ج1 ص412)، والإمام ابن قدامة في «المغني» (ج1 ص349)، والحافظ ابن حجر في «الدراية» (ج1 ص123).
ونقله عنه: الحافظ المزي في «تحفة الأشراف» (ج7 ص131)؛ أن الترمذي قال: «هذا حديث حسن غريب»، وكذا نقله عنه المناوي الفقيه في «التيسير» (ج2 ص455)، وفي «فيض القدير» (ج6 ص267).
ونقله عنه: الحافظ المنذري في «الترغيب والترهيب» (ج1 ص227)، أنه قال: «هذا حديث حسن صحيح غريب»، وكذا نقله عنه الإمام الزيلعي في «نصب الراية» (ج1 ص298)، والمباركفوري في «تحفة الأحوذي» (ج4 ص283).
وقال صدر الدين المناوي في «كشف المناهج» (ج3 ص15): (وقال الترمذي: حديث غريب).
* وهذا الحديث لم يستخرجه عليه أبو علي الطوسي في «مختصر الأحكام» (ج5 ص312).
وقال الشيخ الألباني في «تعليقاته على صحيح ابن خزيمة» (ج3 ص93): (إسناده صحيح).
وقال الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج1 ص203): (وهذا إسناد صحيح).
وقال الحافظ الدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» (ج5 ص315): (ورفعه صحيح من حديث قتادة).
وقال الحافظ ابن رجب في «فتح الباري» (ج5 ص318): (صححه الترمذي، وإسناده ثقات).
وأورده الحافظ المنذري في «الترغيب والترهيب» (ج1 ص226)؛ ثم قال: رواه الطبراني في «الأوسط»، ورجاله رجال الصحيح.
والحديث صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن الترمذي» (ج1 ص343).
* والحديث شكك في صحته: الحافظ ابن خزيمة في «صحيحه» (ج4 ص94)؛ فقال: (وإنما شككت أيضا في صحته، لأني لا أقف على سماع قتادة في هذا الخبر من مورق).
وهذا الإعلال بالتشكيك فيه نظر لأمرين:
الأول: أن قتادة تدليسه نادر، وأكثر ما ذكروا عنه الإرسال، فالأصل تمشية عنعنته، فتحمل على الاتصال، ما لم يثبت الانقطاع في السند بالدليل.
الثاني: أني لم أجد أحدا من أئمة الحديث رد حديث همام عن قتادة؛ كما هي عادتهم في مثل هذا.
قلت: وقتادة بن دعامة السدوسي، ثقة ثبت. ([215])
وقد ذكره الحافظ ابن حجر في «تعريف التقديس» (ص43)، في الطبقة الثالثة من المدلسين.
* ولكن يظهر من ترجمته في: «جامع التحصيل» للعلائي (ص254)؛ أن أكثر ما وقع منه في هذا الباب: هو من الإرسال ([216])، وليس من التدليس.
وأما التدليس: فهو قليل، ولهذا نقل الحافظ ابن حجر في «مقدمة فتح الباري» (ص512)؛ عن الحافظ الخليلي أنه قال: (كان ربما دلس).
ولذلك لم يذكره ابن حجر في «التقريب» (ص798)، أنه يدلس، كعادته فيمن دلس.
فالأصل تمشية عنعنته اعتبارا بالغالب، وأما القليل النادر، فلا يصار إليه، إلا بقرينة واضحة.
ولوجود القرينة، فلا يشترط تصريحه بالسماع حتى يقبل حديثه.
* وهنا قد ذكر سويد بن إبراهيم الجحدري: أن ما رواه عن أبي الأحوص، فهو: عن مورق عنه، وكذا سعيد بن بشير عن قتادة، فهي متابعة منهما لهمام بن يحيى العوذي.
* فلا مجال للتشكيك بوجود واسطة أخرى بينه، وبين مورق أيضا.
قلت: والرفع زيادة من ثقة يتعين الأخذ بها، على أن الوقف لا يعارض الرفع من كل وجه.
إذ لا مانع أن ينشط الراوي أحيانا فيرفع الحديث، ولا ينشط أحيانا أخرى، فيوقفه.
ولهذا صحح الوجهين: الحافظ الدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» (ج5 ص314)؛ فقال: (يرويه قتادة؛ واختلف عنه:
فرواه همام، وسعيد بن بشير، وسويد بن إبراهيم، عن قتادة، عن مورق العجلي، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، عن النبي r...
ووقفه غيره من أصحاب شعبة، وكذلك: رواه إسرائيل، وغيره، عن أبي إسحاق موقوفا، والموقوف هو الصحيح، من حديث أبي إسحاق، وحميد بن هلال، ورفعه صحيح: من حديث قتادة). اهـ
* وتابع هماما عليه:
سعيد بن بشير، وسويد بن إبراهيم الجحدري: فروياه عن قتادة عن مورق العجلي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود: أن النبي r قال: (المرأة عورة، وإنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وإنها أقرب ما تكون إلى الله، وهي في قعر بيتها).
أخرجه موسى بن هارون الحمال في «الفوائد» (ص342 و343)، وابن المقرئ في «الفوائد» (7)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج8 ص101)، وفي «المعجم الأوسط» (ج10 ص108)، وابن خزيمة في «صحيحه» (1687)، وابن عدي في «الكامل» (ج3 ص1206).
* وسعيد بن بشير الأزدي، يهم في الحديث ويغلط، ويروي عن قتادة أحيانا، لا يتابع عليه([217])، وفي حديث الباب هذا قد توبع عليه([218])، فصح الإسناد.
قال الإمام شعبة بن الحجاج: (سعيد بن بشير صدوق الحديث). وفي رواية: (صدوق اللسان في الحديث). ([219])
وعن حيوة بن شريح، وموسى بن أيوب عن بقية: سألت شعبة عن سعيد بن بشير، فقال: «صدوق»، وقال: أحدهما: «ثقة»، قال بقية: فذكرت ذلك، لسعيد بن عبد العزيز، فقال: (انشر هذا الكلام، فإن الناس قد تكلموا فيه). ([220])
وقال الإمام البخاري في «التاريخ الكبير» (ج3 ص460): (يتكلمون في حفظه، وهو يحتمل).
وقال الإمام ابن عدي في «الكامل» (ج3 ص1206): (ولا أرى بما يروي عن سعيد بن بشير بأسا، ولعله يهم في الشيء بعد الشيء ويغلط، والغالب على حديثه الاستقامة، والغالب عليه الصدق).
قلت: فهو شيخ يكتب حديثه في المتابعات، ويعتبر به. ([221])
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج4 ص7): (سمعت: أبي، ينكر على من أدخله في كتاب: «الضعفاء»، وقال: يحول منه). اهـ
* وسويد بن إبراهيم الجحدري أبو حاتم، حديثه عن قتادة ليس بذاك، روى عنه مالم يتابع عليه([222])، ولا بأس به إذا توبع، كما هنا.
قال الحافظ البزار في «المسند» (ج10 ص423): (سويد بن إبراهيم أبو حاتم: شيخ من أهل البصرة، لا بأس به).
وقال عثمان بن سعيد الدارمي في «التاريخ» (ص50 و128): (قلت ليحيى بن معين: سويد أبو حاتم ما حاله في قتادة؟، قال: أرجو أن لا يكون به بأس).
وقال الإمام يحيى بن معين، عن سويد الجحدري: (صالح). ([223])
وقال الإمام أبو زرعة؛ عن سويد الجحدري: (ليس بالقوي، يشبه حديثه حديث أهل الصدق). ([224])
قلت: وحديث الباب وافق سويد بن إبراهيم فيه أهل الصدق، فصح الإسناد هنا.
وقال الإمام ابن عدي في «الكامل» (ج3 ص1259): (ولسويد: غير ما ذكرت من الحديث، عن قتادة، وعن غيره بعضها مستقيمة، وبعضها لا يتابعه أحد عليها).
وذكره الإمام ابن شاهين في «تاريخ أسماء الثقات» (ص161).
وبسويد الجحدري([225]) ضعف الحديث: الحافظ ابن طاهر في «ذخيرة الحفاظ» (ج4 ص2459)؛ بقوله: (رواه سويد بن إبراهيم أبو حاتم: عن قتادة عن أبي الأحوص عن عبد الله. وسويد ضعيف).
قلت: وقد علمت أن سويدا، وبشيرا، تابعهما: همام بن يحيى على الحديث، فالحديث: صحيح.
لذلك قال الحافظ ابن عدي في «الكامل» (ج3 ص1259)؛ عن سويد بن إبراهيم الجحدري عن قتادة: (ولسويد: غير ما ذكرت من الحديث، عن قتادة، وعن غيره بعضها مستقيمة، وبعضها لا يتابعه أحد عليها).
وقال الحافظ الطبراني في «المعجم الأوسط» (ج8 ص101): (لم يرو هذا الحديث عن قتادة؛ إلا سويد أبو حاتم، وهمام، وسعيد بن بشير، تفرد به عن همام: عمرو بن عاصم، وتفرد به عن سعيد، أبو الجماهير).
* ولم ينفرد به أبو الجماهير محمد بن عثمان التنوخي، وهو ثقة، بل تابعه عليه: الوليد بن مسلم؛ عند ابن المقرئ في «الفوائد» (7).
وقال الحافظ البزار في «المسند» (ج5 ص428): (وحديث: مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله: «أن المرأة عورة»، لا نعلم رواه عن قتادة؛ إلا همام).
وقال الحافظ الدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» (ج5 ص315): (ورفعه صحيح من حديث قتادة).
قلت: وقد تفرد به عن همام بن يحيى: عمرو بن عاصم الكلابي، وهو صدوق في حفظه شيء، وهذا الحديث قد حفظه عن همام بن يحيى.
فلم يخالفه: أحد من الرواة في هذا الحديث عن همام بن يحيى، بل توبع عليه متابعة قاصرة، فمتابعة سعيد بن بشير، وأبي حاتم الحناط، بزيادة: «مورق العجلي» في الإسناد، فهو ثابت عن همام.
وقد أخرج البخاري في «صحيحه» (575)، و(3464)، و(5046)؛ لعمرو بن عاصم الكلابي عن همام، فيما توبع عليه، وعلى أصله.
وكذلك أخرج مسلم في «صحيحه» (635)، و(2455)، و(2465)، لعمرو بن عاصم الكلابي عن همام، فيما توبع عليه.
وقال الحافظ ابن خزيمة في «صحيحه» (ج3 ص177): (وإنما قلت: ولا هل سمع قتادة: هذا الخبر عن أبي الأحوص؛ لرواية: سليمان التيمي: هذا الخبر عن قتادة عن أبي الأحوص؛ لأنه أسقط: «مورقا» من الإسناد، وهمام، وسعيد بن بشير؛ أدخلا في الإسناد: «مورقا».). اهـ
* فخالف: همام بن يحيى، وسويد بن إبراهيم، وسعيد بن بشير: المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود t عن رسول الله r: (المرأة عورة، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لاتكون إلى وجه الله أقرب منها في قعر بيتها).
فأسقط منه ذكر: «مورق العجلي» من الإسناد.
* فرواه سليمان بن طرخان التيمي: تابعي ثقة عن قتادة عن أبي الأحوص، ولم يذكر: «مورق بن عبد الله العجلي» في الإسناد.
وهو حديث منكر بهذا الإسناد
أخرجه الدارقطني في «الأفراد والغرائب» (ج4 ص141-الأطراف)، وابن خزيمة في «صحيحه» (1686)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج8 ص451)، والبزار في «المسند» (ج5 ص428)، وابن حبان في «صحيحه» (5598).
قلت: وسليمان بن طرخان التيمي ليس هو من أصحاب قتادة الحفاظ، وأحيانا ينفرد عنه بما لا يتابع عليه، وفي بعض حديثه عنه اضطراب. ([226])
وقال الحافظ الدارقطني في «الأفراد والغرائب» (ج4 ص141): (تفرد به المعتمر عن أبيه عنه).
فهو إسناد منكر.
* فحديث همام بن يحيى مقدم على حديث سليمان التيمي، وذلك لأسباب:
الأول: أن هماما أعلم بحديث قتادة من كل من روى هذا الحديث عن قتادة، وهو أعلى بكثير من سليمان التيمي في قتادة.
والثاني: أنه قد أنكر على سليمان التيمي في حديث قتادة أكثر مما أنكر على همام بن يحيى في حديث قتادة.
والثالث: أن هماما قد توبع عليه.
والرابع: أن هماما، وسعيد بن بشير، وأبا حاتم الحناط، قد زادوا في الإسناد: «مورقا» بين قتادة، وبين أبي الأحوص، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
لذا قال الإمام أبو حاتم في «المراسيل» (ص142): (قتادة عن أبي الأحوص: مرسل، بينهما مورق).
وقال الحافظ الدارقطني في «الأفراد والغرائب» (ج4 ص141): (تفرد به المعتمر عن أبيه عن قتادة عنه).
وقال الحافظ البزار في «المسند» (ج5 ص428): (وحديث: مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله: «أن المرأة عورة»، لا نعلم رواه عن قتادة، إلا همام).
قلت: فوهم سليمان التيمي([227]) على قتادة، بعدم ذكره «لمورق العجلي» في الإسناد.
فهو حديث منكر: بهذا الإسناد.
والراوي هذا خالفوه الثقات في قتادة، فإن قولهم مقدم على قوله، وذلك لمزيد ضبطهم. ([228])
لذلك قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص1024)؛ عن همام بن يحيى العوذي: (ثقة ربما وهم).
* وهنا وافقوه الرواة، وهذا يزيد الحديث صحة.
وخالفهم: عاصم بن النضر: أنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن قتادة عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله r قال: (المرأة عورة، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها).
أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (2890).
وهذا وهم من عاصم بن النضر على المعتمر بن سليمان، فقد جعله عن قتادة عن سالم بن عبد الله عن أبيه.
والصواب: حديث عبد الله بن مسعود.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج4 ص314)؛ عن ابن عمر، ثم قال: (رواه الطبراني في «الأوسط»، ورجاله رجال الصحيح).
* وعاصم بن النضر البصري هذا: لا يحتج فيما تفرد به([229])، وقد تفرد بنكارة الإسناد هذا، حيث جعله من مسند عبد الله بن عمر، وهو: من مسند عبد الله بن مسعود.
* وهذا يدل على أنه يخالف، ويهم في الحديث، فهو إسناد منكر.
وعاصم هذا ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج6 ص351):؛ ولم يذكر فيه جرحا، ولا تعديلا.
وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج8 ص506).
وقال عنه ابن حجر في «التقريب» (ص474): «صدوق».
وكذلك يدل أيضا على وهم: سليمان التيمي في حديث: قتادة هذا.
* ورواه بهز بن أسد عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود عن النبي r قال: (النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها بلباس يستشرفها الشيطان يقول: ما مررت بأحد؛ إلا أعجبته، وإن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال لها: أين تريدين، فتقول: أعود مريضا، أشهد جنازة، أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها بمثل أن تعبد في بيتها).
حديث شاذ مرفوعا
أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج6 ص172).
قال الحافظ الدارقطني في «الأفراد والغرائب» (ج4 ص141): (غريب من حديثه عن شعبة مرفوعا).
وقال الحافظ الدارقطني في «الأفراد والغرائب» (ج4 ص141): (ورواه: ورقاء، ومغيرة عن أبي إسحاق، وتفرد به شبابة عنهما).
* ورواه عمرو بن مرزوق الباهلي عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود t أنه قال: (إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها، وما بها من بأس، فيستشرف لها الشيطان، فيقول: إنك لا تمرين بأحد، إلا أعجبته، وإن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال: أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضا، أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها بمثل: أن تعبده في بيتها).
أثر صحيح موقوفا، له حكم الرفع
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج7 ص2306 و2402)، وابن الجوزي في «أحكام النساء» (ص211).
وإسناده صحيح.
وقال الحافظ المنذري في «الترغيب والترهيب» (ج1 ص229): (وإسناده حسن).
والموقوف أصح من المرفوع، بهذا الإسناد.
قال الحافظ الدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» (ج5 ص314): (والموقوف: هو الصحيح من حديث أبي إسحاق، وحميد بن هلال).
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج2 ص35)؛ موقوفا على ابن مسعود، ثم قال: (رواه الطبراني في «الكبير» ورجاله ثقات).
* وتابع شعبة بن الحجاج على وقفه على ابن مسعود t:
أبو الأحوص سلام بن سليم، وهو ثقة متقن، وشريك بن عبد الله النخعي([230])، وهو صدوق: روياه عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود t قال: (إذا لبست المرأة ثيابها ثم خرجت، قيل: أين تذهبين؟، فتقول: أعود مريضا، أو أصلي على جنازة، أو أصلي في مسجد، فقيل: وما تريدين بذلك؟، فتقول: وجه الله، والذي لا إله غيره ما التمست المرأة وجه الله بمثل أن تقر في بيتها، وتعبد ربها).
أخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» (ج1 ص44)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص53).
وإسناده صحيح.
وهذه الرواية الموقوفة أرجح من الرواية المرفوعة.
* ورواه حميد بن هلال، وهو ثقة تابعي، عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود t قال: (إن المرأة عورة، وإنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان فتقول: ما رآني أحد إلا أعجبته، وأقرب ما تكون إلى الله إذا كانت في قعر بيتها).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص157)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج3 ص150)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج7 ص2402).
وإسناده صحيح.
وعلى هذا، فالموقوف: هو المحفوظ من حديث أبي إسحاق السبيعي.
قال الحافظ الدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» (ج5 ص314): (والموقوف: هو الصحيح، من حديث: أبي إسحاق، وحميد بن هلال).
* ورواه زائدة بن قدامة، وجعفر بن عون عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن ابن مسعود t به، موقوفا.
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج7 ص2402)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص131).
وإسناده ضعيف فيه إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو لين الحديث. ([231])
قلت: هكذا اختلف على أبي الأحوص: في رفع هذا الحديث، ووقفه.
فرفعه: مورق بن مشمرج العجلي، وهو تابعي ثقة، ووقفه أبو إسحاق السبيعي، وحميد بن هلال.
والموقوف قد سبق:
فأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج7 ص2402)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (17710)، وابن خزيمة في «التوحيد» (27)، وعبد الرزاق في «المصنف» (5116)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص131).
وعلقه ابن عبد البر في «التمهيد» (ج23 ص402)، وفي «الاستذكار» (ج7 ص254)؛ موقوفا: برواية الثوري، بقوله: قال الثوري: قال عبد الله بن مسعود: (المرأة عورة وأقرب ما تكون إلى الله في قعر بيتها؛ فإذا خرجت استشرفها الشيطان).
قلت: وقد اجتهد الشيخ الألباني / في تأويل لفظ هذا الحديث([232])، ولم يصب، لأنه على ظاهره: (إن المرأة كلها عورة).
وهذا لفظ النبي r: يبين كيفية هيئة المرأة إذا خرجت من بيتها لحاجاتها.
* ولهذا فنحن لسنا بحاجة بمثل هذه التأويلات لنصوص السنة، لأنها من التكلف في الدين.
وقوله r: (استشرفها الشيطان)؛ أي: زينها في نظر الرجال، ليغويها، ويغوي بها، فتقع في فتنة الشيطان، ثم توقع الرجال في فتنتها. ([233])
قال الفقيه المناوي / في «فيض القدير» (ج6 ص346): (قوله r: «استشرفها الشيطان»؛ يعني: رفع البصر إليها ليغويها، أو يغوي بها، فيوقع أحدهما، أو كلاهما: في الفتنة).اهـ
والمعنى: أنها ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان فيها، وفي إغواء الناس.
فإذا خرجت طمع، وأطمع، لأنها حبائله، وأعظم فخوخه.
وأصل: الاستشراف، وضع الكف فوق الحاجب، ورفع الرأس للنظر. ([234])
قلت: فجعل النبي r المرأة نفسها عورة؛ أي: كلها عورة، لأنها إذا ظهرت يستحي منها؛ كما يستحي من العورة إذا ظهرت، إذا فنعت السنة النبوية أن المرأة كلها عورة، ومن العورة كشف الوجه والكفين.
قال الإمام ابن القيم / في «تهذيب السنن» (ج2 ص351): (ولا يترك له الحديث الصحيح([235]): الدال على أن وجهها([236])؛ كبدنها). اهـ
قلت: فالمرأة عورة في ميزان الشرع، فلا يجوز لها كشف وجهها، وكفيها: بنص القرآن، والسنة، والآثار.
* والعورة: من الرجل ما بين سرته إلى ركبته، والمرأة كلها عورة.([237])
قلت: وقد أجمع العلماء من الصحابة، والتابعين على أنه يجب على المرأة ستر جميع بدنها حتى الوجه والكفين، لأن ذلك من العورة.
قلت: فجميع بدن المرأة عورة، وبهذا قال المالكية في إحدى الروايتين عن الإمام مالك، والشافعية في أحد القولين، وصححه الفقيه الرملي في «نهاية المحتاج» (ج6 ص184)، وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة.([238])
قال الإمام ابن العربي المالكي / في «أحكام القرآن» (ج2 ص18)؛ عند قوله تعالى: ]وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب[ [الأحزاب:53]: (وهذا يدل على أن الله تعالى أذن في مساءلتهن من وراء حجاب: في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتى فيها؛ والمرأة كلها عورة؛ بدنها، وصوتها، فلا يجوز كشف؛ ذلك إلا لضرورة، أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها). اهـ
وقال الفقيه الرملي الشافعي / في «نهاية المحتاج» (ج6 ص184): (ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة أجنبية، وهي ما عدا وجهها، وكفيها بلا خلاف... وكذا وجهها، وكفها عند خوف فتنة إجماعا، وكذا عند الأمن من الفتنة على الصحيح، ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، وبأن النظر مظنة الفتنة، ومحرك للشهوة، فاللائق بمحاسن الشريعة سد الباب، والإعراض عن تفاصيل الأحوال؛ كالخلوة بالأجنبية، وبه اندفع القول بأنه غير عورة... على أن السبكي قال: الأقرب إلى صنيع الأصحاب أن وجهها، وكفيها عورة في النظر). اهـ
وعن الإمام أحمد / قال: (الزينة الظاهرة: الثياب، وكل شيء منها عورة، حتى الظفر).([239])
وعن الإمام أحمد / قال: (كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها).([240])
وعن الإمام أحمد / قال: (ظفر المرأة عورة، وإذا خرجت فلا تبين منها لا يدها، ولا ظفرها، ولا خفها).([241])
وعن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام – ثقة فقيه عابد من الطبقة الثالثة([242]) – قال: (كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها). ([243])
وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج5 ص231): (وقد أجمع علماء السلف على وجوب سترالمرأة المسلمة لوجهها، وأنه عورة يجب عليها ستره، إلا من ذي محرم). اهـ
وقال العلامة الشيخ بكر أبو زيد / في «حراسة الفضيلة» (ج5 ص231): (واتفق المسلمون على عدم خروج نساء المؤمنين أمام الرجال؛ إلا متحجبات، غير سافرات الوجوه، ولا حاسرات عن شيء من الأبدان، ولا متبرجات بزينة). اهـ
وقال الإمام ابن الملقن / في «التوضيح بشرح الجامع الصحيح» (ج25 ص163): (وإجماع الأمة أنه غير جائز للمرأة أن تظهر شيئا من عورتها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص112): (أما المرأة؛ فإنها عورة). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (ج2 ص329): (والخبر المروي: في أن المرأة عورة بالإجماع). اهـ
وقال الفقيه المناوي / في «فيض القدير» (ج6 ص266): (المرأة عورة: أي: هي موصوفة بهذه الصفة، ومن هذه صفته فحقه أن يستر، والمعنى: أنه يستقبح تبرزها، وظهورها للرجل.
والعورة: سوءة الإنسان، وكل ما يستحيي منه، كنى بها عن وجوب الاستتار في حقها) ([244]). اهـ
قلت: هذا هو السبيل لمن أراد الالتزام بالسنة المحضة، فالطريق إلى معرفة ما جاء به الرسول r هو أن تعرف ألفاظه الصحيحة، وما فسرها به الذين تلقوا عنه اللفظ والمعنى، ومعرفة لغتهم التي كانوا يتخاطبون بها([245]) على المعنى الصحيح، والله ولي التوفيق.
والعورة: السوأة، وكل ما يستحى منه إذا ظهر، فيجب ستر الوجه والكفين للمرأة لأن ذلك من العورة، والعورة يجب سترها.
قلت: فإذا خرجت استشرفها الشيطان؛ أي: زينها في نظر الرجال... ليغويها، ويغوي بها، فيوقعها في الفتنة، ويوقع الرجال في الفتنة.([246])
قلت: والعجيب أن الشيخ الألباني / في «الصحيحة» (ج6 ص424)؛ يقول: (استدلوا بهذا الحديث على أن وجه المرأة عورة على الأجانب، ولا دليل فيه البتة).اهـ
* ثم أوله على غير تأويله، بتقليده للحافظ ابن الأثير / في «النهاية» (ج4 ص205)؛ بقوله: (المرأة عورة: جعلها نفسها عورة، لأنها إذا ظهرت يستحيى منها، كما يستحيى من العورة إذا ظهرت). اهـ
وهذا التأويل: ليس بصحيح، وهو بعيد جدا.
* وذلك أن النبي r قال: (المرأة عورة)، ولم يستثن شيئا من المرأة حتى الوجه عورة.
ثم رجع الشيخ الألباني /: مرة ثانية في «الصحيحة» (ج6 ص425)، يقر أنها عورة؛ بقوله: (فهي عورة على كل حال عند خروجها). اهـ
هذا أمر.
قلت: وقد بينت أم المؤمنين عائشة ڤ التشديد في منع فتنة النساء إذا خرجن.
فعن عائشة ڤ، قالت: (لو أدرك رسول الله r ما أحدث النساء بعد لمنعهن المسجد، كما منعت نساء بني إسرائيل). وفي رواية: (لو رأى رسول الله r من النساء ما نرى لمنعن المساجد، كما منعت نساء بني إسرائيل).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (869)، ومسلم في «صحيحه» (445)، وأبو داود في «سننه» (569)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص91 و93)، ومالك في «الموطأ» (533)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (7610)، وإسحاق ابن راهويه في «المسند» (ج2 ص148 و426)، وابن بكير في «الموطأ» (ج1 ص429)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج3 ص149)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص397)، وابن خزيمة في «صحيحه» (1698)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج12 ص141)، وفي «أحكام القرآن» (ج1 ص465)، وابن الجوزي في «الحدائق» تعليقا (ج2 ص71)، وفي «أحكام النساء» (ص215)، وفي «جامع المسانيد» (ج8 ص262)، والحدثاني في «الموطأ» (176)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج2 ص65)، وفي «حلية الأولياء» (ج7 ص333)، والبغوي في «شرح السنة» (ج3 ص440)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (543)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج2 ص603)، وتمام الرازي في «الفوائد» (983)، والسراج في «المسند» (804)، و(806)، وفي «حديثه» (253)، و(255)، والدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» (ج14 ص420)، وفي «المؤتلف والمختلف» (ج1 ص165 و166)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج13 ص51)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص133)، وفي «الآداب» (904)، وأبو علي الطوسي في «مختصر الأحكام» (507)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج7 ص48)، وفي «مسند الشاميين» (ج1 ص292)، وابن الحميري في «جزئه» (55)، وابن القاسم في «الموطأ» (496)، والحسن بن علي في «الأمالي والقراءة» (21)، وأبو يعلى في «المسند» (ج7 ص466)، وابن البختري في «حديثه» (356)، والبزار في «المسند» (ج18 ص255)، والجوهري في «مسند الموطأ» (791)، وإسماعيل بن إسحاق في «مسند حديث مالك بن أنس» (ص53)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج3 ص516)، وعبد الحق الإشيبلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج2 ص44)، من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، وعبيد الله بن عمر، وإسماعيل بن أمية، كلهم: عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن عائشة ڤ زوج النبي r قال: فذكرته.
قلت: وتمسك عدد من أهل العلم، بقول عائشة ڤ: في منع النساء من الخروج إذا ترتب منهن تغير في الزمان، ويخشى منهن الفتنة على الرجال في خروجهن إلى المساجد؛ أن يمنعن من الذهاب لها، درءا للفتنة.
فيخرجن على قدر حاجتهن لمصالحهن في الخارج، مع إلتزامهن بالحجاب الشرعي لكامل جسمها.
ويمنعن على قدر ما يخشى منهن الفساد، فيتعين منعهن إذا ظهر الفساد منهن، وانتشر في البلد.
وكلام عائشة ڤ يشعر بأنها كانت ترى منع النساء من الخروج إذا يسببن فتنة خروجهن إلى المساجد. ([247])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج29 ص296): (فإن عائشة ڤ: كانت أتقى لله تعالى من أن تسوغ رفع الشريعة بعد موته r، وإنما أرادت: أن النبي r لو رأى ما في خروج بعض النساء من الفساد، لمنعهن الخروج.
تريد بذلك: أن قوله r: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»، وإن كان مخرجه على العموم؛ فهو مخصوص بالخروج الذي فيه فساد.
كما قال أكثر الفقهاء: إن الشواب التي في خروجهن فساد يمنعن، فقصدت بذلك تخصيص اللفظ الذي ظاهره، أنها علمت من حال النبي r: أنه لا يأذن في مثل هذا الخروج، لا أنها قصدت منع النساء مطلقا؛ فإنه ليس كل النساء أحدثن، وإنما قصدت منع المحدثات).اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج23 ص394): (في هذا الحديث: دليل على أن النساء كن يشهدن مع رسول الله r الصلاة، وفيه دليل على أن أحوال الناس تغيرت بعد موت رسول الله r نساء ورجالا). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج7 ص252): (وفي هذا الحديث: بيان شهود النساء المساجد على عهد رسول الله r ومعه، ... وفيه أن أحوال الناس تغيرت بعد رسول الله r نساء ورجالا). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «أحكام النساء» (ص215)؛ في ذكر أنه إذا خيف من المرأة الفتنة نهيت عن الخروج.
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «أحكام النساء» (ص216)؛ في نهي المرأة إذا تطيبت أن تخرج.
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «أحكام النساء» (ص207): (وقد بينا أن خروج النساء مباح، لكن إذا خيفت الفتنة بهن أو منهن، فالامتناع من الخروج أفضل، لأن نساء الصدر الأول كن على غير ما نشأ نساء هذا الزمان عليه، وكذلك الرجال).اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «أحكام النساء» (ص209): (تحذير النساء من الخروج: ينبغي للمرأة أن تحذر من الخروج مهما أمكنها، فإنها إن سلمت في نفسها لم يسلم الناس منها.
فإذا اضطرت إلى الخروج خرجت بإذن زوجها في هيئة رثة، وجعلت طريقها في المواضع الخالية، دون الشوارع والأسواق، واحترزت من سماع صوتها، ومشت في جانب الطريق لا في وسطه). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على إجماع الصحابة y، على فرضية: تغطية المرأة المسلمة لوجهها، وكفيها، بتفسير القرآن الكريم، والسنة النبوية، بفرض أن المرأة كلها عورة إذا خرجت من بيتها، وقد خالف الشيخ الألباني هذا الإجماع، فحصل على أجر واحد من أجل اجتهاده([248]) في العلم
* فإن مسألة الحجاب، ولباس المرأة عند الأجانب من المسائل الجلية في الشريعة المطهرة.
ولم تحتج على مر قرون الإسلام إلى فقيه يصنف فيها، مؤلفا مفردا، لوضوح حكمها، وجلائه في الدين. ([249])
* وكانت أدلة الحجاب، واللباس للمرأة المسلمة توضع في موضعها الذي أنزلت فيه، وتجري على العمل الذي كان الصحابة y من إجماعهم على فرضية الحجاب على المرأة المسلمة، وأنها كلها عورة، حتى الوجه والكفين.
حتى جاء الشيخ الألباني /، باجتهاد منه في هذا العصر، فأخذ الأدلة: فوضعها في غير موضعها الشرعي.
بل جعل تفاسير الصحابة y في غير سياقها، وفي غير مسلكها الصحيح.
* حتى أنه لم يفرق بين تفاسير الصحابة y الصحيحة في آيات فرضية الحجاب([250])، وبين تفاسير الصحابة y الضعيفة، ولم يميز بينها في هذه المسألة. ([251])
حتى ترتب على ذلك، أن جعل خلافا بين الصحابة y في مسألة الحجاب؛ أي: بسبب هذه التفاسير الضعيفة. ([252])
والأصل: أنه لم يثبت؛ أي: خلاف بين الصحابة y في مسألة حجاب المرأة المسلمة، وفي لباسها الشرعي.
* وقد أجمع الصحابة y على وجوب ستر المرأة المسلمة لوجهها، وكفيها، وأنها كلها عورة أمام الرجال الأجانب في كل مكان.
والعلماء: كانوا يعرفون هذه الأدلة، ويمرون عليها مرور العارفين لمنازلها، ومواضعها في الدين.
ولم يخطر بالبال: أن يحتج بها محتج على خلافها باجتهاد خطأ، وبعدم معرفة تواريخ نزول الوحيين في حكم الحجاب للمرأة المسلمة.
قلت: لأنه لم يكن تشريع الحجاب، والستر باللباس فرض جملة واحدة بجميع تفاصيله، وإنما جاء متدرجا.
ولا بد لمن أراد أن يعرف أحكام حجاب المرأة ولباسها، أن يكون عارفا بأنواعهن، فالنساء أنواع باعتبارات عديدة.
* وقد جعلت الشريعة لكل واحدة أحكاما تختص بها، ومن أحكامها، أحكام اللباس، والحجاب:
1) والنساء باعتبار السن: طفلة، وشابة، وقاعدة عجوز.
2) وباعتبار الرق: حرة، وأمة.
3) وباعتبار الدين: مسلمة، وكافرة.
* وكلهن يوصفن في الشرع، واللغة: بالنساء، وتوصف الواحدة منهن، بأنها: أنثى، وامرأة. ([253])
قلت: ومن لم يعرف خصائص هذه الأنواع، خفيت عليه أدلة الحجاب، واضطرب في معرفة أحكام الحجاب، وأدخل نوعا في نوع، واشتبه عليه الأمر، لأن الأحاديث، والآثار تذكر هذه الأنواع من النساء على حسب الحادثة، وحسب نوع النساء، من حرة، أو أمة، أو عجوز، أو جارية، أو صغيرة، قبل فرض الحجاب، أو بعده، وهكذا.([254])
* ومن لم يعرف هذه الأنواع من النساء، وزمن فرض الحجاب، فيغيب على المفتي أحكام الإماء، والجواري اللاتي خصهن الله تعالى في الستر، والحجاب، لأن يختلفن لها عن الحرائر.
* فللحرة لباس وعورة، وللأمة لباس وعورة، والقياس في هذا لا يجوز.
فحمل ما لا يجوز على ما يجوز تعد على حدود الله تعالى وأحكامه.
قلت: وقد جعل الله تعالى للأمة حدا في لباسها وحجابا يخصها، يختلف عن الحرة الشابة، والحرة العجوز.
* لذلك الشيخ الألباني /، لم يفرق بين الأحاديث، والآثار التي وردت فيها أمة، والتي وردت فيها حرة، وبين الأدلة التي فيها الشابة، والعجوز، ولا بين ما قبل فرض الحجاب، وبعده، ولا بين محكم ومتشابه.
قلت: فخلط الأدلة بعضها ببعض، وقاس هذه على هذه فيها، فذهب عنه الفهم الصحيح فيها، فوضع الأدلة في غير موضعها، وإلحاق بعضها ببعض، وبدون تمييز في أنواع النساء.
فاختلفت عليه أحكام الحجاب، وذلك لعدم تبينه في الفرق بين حرة وأمة، ولا بين شابة وعجوز، ولا بين ما قبل فرض الحجاب وبعده، ولا بين محكم ومتشابه. ([255])
* ومن أجل ذلك خفي عليه الحكم الصحيح في مسألة الحجاب، مع وضوحها في الشريعة المطهرة.
وقد أتقن الصحابة y أدلة حجاب النساء ولباسهن، أي: إتقان، وأفتوا لكل امرأة على حسب جنسها، وفرقوا بين حرة وأمة، وبين شابة وعجوز، وجعلوا الأدلة لكل نوع على حسب الجنس، ولم يدمجوا الأدلة لكل امرأة من هذا النوع، مع معرفتهم الناسخ والمنسوخ، في أحاديث الحجاب، وبين ما قبل فرض الحجاب، وبعده، ومعرفتهم تواريخ الحوادث، والنوازل، وبين المحكم والمتشابه في أحاديث الحجاب، مع إجماعهم على هذا الحكم.
وإليك الدليل:
قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
قلت: فأمر القرآن باتباع سبيل المؤمنين في الأصول والفروع فيجب اتباعهم، ومن لم يتبعهم في ذلك، فقد ترك سبيلهم، ومن ترك سبيلهم؛ فله وعيد شديد، والعياذ باللـه.([256])
قلت: ووجه الاستدلال بها([257])؛ أنه تعالى توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يوجب اتباع سبيلهـم، وإذا أجمعوا على أمر كان سبيـلا لهم؛ فيكون
اتباعه واجبا على كل واحد منهم، ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة.([258])
* والآية تدل أيضا على أن كل من اتبع غير سبيل المؤمنين، فقد شاق الرسول r، ومن شاق الرسول r اتبع غير سبيل المؤمنين، فلا يتحقق اتباع الرسول r؛ إلا باتباع سبيل المؤمنين أصحاب رسول اللـه r، ولزوم ما كانوا عليه من الدين: اعتقادا، وتلقيا وعبادة، ومعاملات، ودعوة؛ باتباع أقوالهم، وفتاويهم المنقولة عنهم بنقل الثقات.([259])
قلت: والآية قرنت بين مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين في استحقاق الإضلال، وصلي جهنم، ومشاقة الرسول r متلازمة مع اتباع غير سبيل المؤمنين، كما أن اتباع سبيل المؤمنين متلازم مع اتباع سبيل الرسول r؛ وعلى هذا علماء السلف.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة في أصول الفقه» (ج4 ص1064): (فوجه الدلالة: أن الله تعالى توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين، فدل على أن اتباع سبيلهم واجب). اهـ
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة في أصول الفقه» (ج4 ص1065): (لأنه ليس بين اتباع غير سبيلهم، وبين اتباع سبيلهم؛ قسم ثالث، وإذا حرم الله تعالى اتباع غير سبيل المؤمنين، وجب اتباع سبيلهم). اهـ
قلت: وهذا وعيد من اللـه تعالى لمن يحيد عن الصحابة الكرام في الأصول، والفروع([260])، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص194): (فهكذا مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم؛ وهذا ظاهر، ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا؛ فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم. فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك؛ وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الرسولr قلنا: لأنهما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون؛ فإنه يكون منصوصا عن الرسول r، فالمخالف لهم مخالف للرسول r؛ كما أن المخالف للرسول r مخالف للـه؛ ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول r: وهذا هو الصواب.([261])
فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول r، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، ويعلم الإجماع. فيستدل به؛ كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص وهو دليل ثان مع النص). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج20 ص14): (وأما أقوال الصحابة؛ فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم؛ فهي حجة عند جماهير العلماء، وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله تعالى، والرسول r ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «العقيدة الواسطية» (ص128): (والإجماع: هو الأصل الثالث؛ الذي يعتمد عليه في العلم والدين.
وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين.
والإجماع الذي ينضبط: هو ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشرت الأمة). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص327): (فجمهور الأمة أن الإجماع دليل مستقل، وأننا إذا وجدنا مسألة فيها إجماع؛ أثبتناها بهذا الإجماع.
وكأن المؤلف / يريد من هذه الجملة إثبات أن إجماع أهل السنة حجة.
* قوله: (وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين).
* (الأصول الثلاثة): هي الكتاب والسنة والإجماع.
يعني: أن أهل السنة والجماعة يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من قول أو عمل، باطن أو ظاهر، لا يعرفون أنه حق؛ إلا إذا وزنوه بالكتاب والسنة والإجماع؛ فإن وجد له دليل منها؛ فهو حق، وإن كان على خلافه؛ فهو باطل.
* قوله: (والإجماع الذي ينضبط: هو ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشرت الأمة).
يعني: أن الإجماع الذي يمكن ضبطه، والإحاطة به: هو ما كان عليه السلف الصالح، وهم: القرون الثلاثة، الصحابة، والتابعون، وتابعوهم.
* ثم علل المؤلف ذلك بقوله: (إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشرت الأمة)؛ يعني: أنه كثر الاختلاف ككثرة الأهواء؛ لأن الناس تفرقوا طوائف، ولم يكونوا كلهم يريدون الحق، فاختلفت الآراء، وتنوعت الأقوال.
* (وانتشرت الأمة): فصارت الإحاطة بهم من أصعب الأمور.
* فشيخ الإسلام / كأنه يقول: من ادعى الإجماع بعد السلف الصالح، وهم القرون الثلاثة، فإنه لا يصح دعواه الإجماع، لأن الإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح، وهل يمكن أن يوجد إجماع بعد الخلاف؛ فنقول: لا إجماع مع وجود خلاف سابق، ولا عبرة بخلاف بعد تحقق الإجماع). اهـ
وقال العلامة محمد الهراس / في «شرح العقيدة الواسطية» (ص256): (قوله: «ثم من طريقة أهل السنة ...» إلخ؛ هذا بيان المنهج لأهل السنة والجماعة في استنباط الأحكام الدينية كلها، أصولها وفروعها، بعد طريقتهم في مسائل الأصول، وهذا المنهج يقوم على أصول ثلاثة:
أولها: كتاب الله عز وجل، الذي هو خير الكلام وأصدقه، فهم لا يقدمون على كلام الله كلام أحد من الناس.
وثانيها: سنة رسول الله r، وما أثر عنه من هدي وطريقة، لا يقدمون على ذلك هدي أحد من الناس.
وثالثها: ما وقع عليه إجماع الصدر الأول من هذه الأمة قبل التفرق والانتشار وظهور البدعة والمقالات، وما جاءهم بعد ذلك مما قاله الناس وذهبوا إليه من المقالات وزنوها بهذه الأصول الثلاثة التي هي الكتاب، والسنة، والإجماع، فإن وافقها؛ قبلوه، وإن خالفها ردوه؛ أيا كان قائله.
* وهذا هو المنهج الوسط، والصراط المستقيم، الذي لا يضل سالكه، ولا يشقى من اتبعه، وسط بين من يتلاعب بالنصوص، فيتأول الكتاب، وينكر الأحاديث الصحيحة، ولا يعبأ بإجماع السلف، وبين من يخبط خبط عشواء، فيتقبل كل رأي، ويأخذ بكل قول، لا يفرق في ذلك بين غث وسمين، وصحيح وسقيم). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح العقيدة الواسطية» (ص213): (فمن صفات أهل السنة الاجتماع على الأخذ بالكتاب، والسنة، والاتفاق على الحق، والتعاون على البر، والتقوى، وقد أثمر هذا وجود الإجماع: (والإجماع هو الأصل الثالث: الذي يعتمد عليه في العلم والدين)، وقد عرف الأصوليون الإجماع بأنه: اتفاق علماء العصر على أمر ديني، وهو حجة قاطعة يجب العمل به، وقوله: (وهو الأصل الثالث)؛ أي: بعد الأصلين الأولين: وهما الكتاب والسنة.
* من صفات أهل السنة أنهم: (يزنون بهذه الأصول الثلاثة)؛ وهي الكتاب، والسنة، والإجماع: (جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين)؛ فهم يجعلون هذه الأصول الثلاثة ميزانا لبيان الحق من الباطل، والهدى من الضلال، فيما يصدر من الناس من تصرفات قولية، أو فعلية اعتقادية، أو عملية: (مما له تعلق بالدين)؛ من أعمال الناس كالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والمعاملات وغيرها، أما ما ليس له تعلق بالدين من الأمور العادية، والأمور الدنيوية فالأصل فيه الإباحة.
* ثم بين الشيخ / حقيقة الإجماع الذي يجعل أصلا في الاستدلال فقال: (والإجماع الذي ينضبط)؛ أي: يجزم بحصوله ووقوعه: (هو ما كان عليه السلف الصالح)؛ لما كانوا قليلين مجتمعين في الحجاز يمكن ضبطهم، ومعرفة رأيهم في القضية: (وبعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة)؛ أي: بعد السلف الصالح صار الإجماع لا ينضبط لأمرين:
أولا: كثرة الاختلاف بحيث لا يمكن الإحاطة بأقوالهم.
ثانيا: انتشار الأمة في أقطار الأرض بعد الفتوح بحيث لا يمكن عادة بلوغ الحادثة لكل واحد منهم، ووقوفه عليها، ثم لا يمكن الجزم بأنهم أطبقوا على قول واحد فيها). اهـ
* وإليك الدليل على فرضية الحجاب على المرأة المسلمة من آثار الصحابة رضي الله عنهم:
1) فعن أنس بن مالك t قال: قال عمر بن الخطاب t: (وافقت ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت: ]واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى[ [البقرة: 125]؛ وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر؟ فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي r في الغيرة عليه، فقلت لهن: ]عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن[ [التحريم: 5]، فنزلت هذه الآية).
وعن أنس بن مالك t قال: قال عمر بن الخطاب t: (وافقت الله في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى، وقلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النبي r بعض نسائه، فدخلت عليهن، قلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله r خيرا منكن، حتى أتيت إحدى نسائه، قالت: يا عمر، أما في رسول الله r ما يعظ نساءه، حتى تعظهن أنت؟ فأنزل الله: ]عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن[ [التحريم: 5]، الآية).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (402)، و(4483)، و(4790)، و(4916)، والترمذي في «سننه» (2959)، و(2960)، والنسائي في «تفسير القرآن» (18)، و(438)، و(631)، وابن ماجه في «سننه» (1009)، والدارمي في «المسند» (1856)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص23 و24)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص77)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص42)، و(ج4 ص145)، وفي «فضائل الخلفاء الأربعة» (ص58)، والطبري في «جامع البيان» (ج1 ص421)، وفي «تهذيب الآثار» (ج1 ص404 و405 و406)، وابن أبي داود في «المصاحف» (ص98)، والواحدي في «الوسيط» (ج1 ص188)، وابن حبان في «صحيحه» (6896)، والطبراني في «المعجم الصغير» (ج2 ص38)، والبغوي في «شرح السنة» (3887)، وفي «معالم التنزيل» (ج1 ص113)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج2 ص609 و610)، والفاكهي في «أخبار مكة» (ج1 ص441)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج4 ص825)، والثعلبي في «الكشف والبيان» تعليقا (ج1 ص270)، والجصاص في «أحكام القرآن» تعليقا (ج1 ص91)، وابن وهب في «تفسير القرآن» (ج2 ص20 و21)، والبزار في «المسند» (ج1 ص339)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج2 ص586)، والمحاملي في «المحامليات» (221)، و(222)، والقطيعي في «زوائده على فضائل الصحابة» (493)، و(494)، و(495)، و(682)، وابن المديني في «المسند» (ج2 ص474 –مسند الفاروق)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح» (ج4 ص230)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج2 ص73)، وابن الجوزي في «مناقب عمر بن الخطاب» (ص190 و191)، وفي «جامع المسانيد» (ج6 ص262)، والآجري في «الشريعة» (ج4 ص1895)، واللالكائي في «أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (ج7 ص1386)، وابن شاهين في «شرح مذاهب أهل السنة» (105)، والمخلص في «المخلصيات» (204)، و(2189)، و(2405)، و(2406)، و(2407)، و(2410) من طريق هشيم بن بشير، ويحيى بن أيوب، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ويحيى بن سعيد القطان، وخالد بن الحارث، وإسماعيل بن علية، ويزيد بن زريع، ويزيد بن هارون، وقرة بن خالد، وحماد بن سلمة، وغيرهم؛ كلهم: عن حميد الطويل قال: سمعت أنس بن مالك t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وهو المحفوظ.
وأخرجه المخلص في «المخلصيات» (2408) من طريق موسى بن حبيب البصري عن ثابت عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب t به.
وأخرجه المخلص في «المخلصيات» (2409) من طريق هشيم حدثنا عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب t به.
وأخرجه المخلص في «المخلصيات» (2410) من طريق محمد بن عبدالله بن مسلم عن عمه الزهري عن أنس بن مالك قال: سمعت عمر بن الخطاب t به.وأخرجه السمرقندي في «بحر العلوم» (ج1 ص118) من طريق سفيان عن زكريا بن أبي زائدة، عمن حدثه، عن عمر بن الخطاب t به.
وأخرجه سفيان الثوري في «تفسير القرآن» (ص49) من طريق عبدالملك بن أبي سليمان عن مجاهد قال: قال عمر بن الخطاب t به.
قلت: وهذه الأسانيد التي سبقت كلها معلولة؛ لا تصح، وليست بمحفوظة.
والصحيح: رواية الجماعة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب t.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المسند» (ج4 ص92 –المطالب العالية)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج4 ص145)، والدارقطني في «الأفراد» (ج1 ص156-الغرائب) من طريق زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن أبي ميسرة قال: قال عمر بن الخطاب t به.
قلت: وهذا سنده فيه انقطاع، لأن أبا ميسرة لم يشهد القصة. ([262])
قال الدارقطني: (غريب من حديث أبي إسحاق عن أبي ميسرة: عمرو بن شرحبيل عن عمر تفرد به زكريا بن أبي زائدة عنه).وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج1 ص291).
وقوله t: (وافقت ربي)، ما أحسن هذه العبارة، وما ألطفها؛ حيث راعى t فيها: الأدب الحسن، ولم يقل: وافقني ربي، مع أن الآيات؛ إنما نزلت موافقة: لرأيه، واجتهاده، فراعى الأدب؛ فأسند الموافقة إلى نفسه، لا إلى الرب سبحانه.
وقوله t: (في ثلاث)؛ ليس في تخصيص الثلاث ما ينفي الزيادة، لأنه حصلت له الموافقة له في أشياء غير هذه الثلاث، لأن التخصيص بالعدد، لا يدل على نفي الزائد. ([263])
قال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج2 ص73): (وافقت ربي في ثلاث؛ أي: وافقني ربي فيما أردت أن يكون شرعا، فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه). اهـ
2) وعن ابن عمر t: عن عمر بن الخطاب t قال: (وافقت ربي في ثلاث: في الحجاب، وفي أسارى بدر، وفي مقام إبراهيم عليه السلام). ([264])
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2399)، وابن أبي داود في «المصاحف» (ص242)، وابن الجوزي في «مناقب عمر بن الخطاب» (ص193)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج44 ص111)، والقدوري في «جزئه» (ص86)، والآجري في «الشريعة» (1336)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (5896)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج2 ص586)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص42)، وفي «تثبيت الإمامة» (ص108)، وابن قانع في «معجم الصحابة» (ج2 ص223)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج12 ص281-إتحاف المهرة)، وابن البختري في «الأمالي» (ص187 و188) من طريق محمد بن يحيى الأزدي، وشعيب بن عبدالحميد الواسطي، وعقبة بن مكرم؛ كلهم: عن سعيد بن عامر عن جويرية بن أسماء أخبرنا نافع عن ابن عمر ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج12 ص400)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج7 ص175) من طريق جعفر بن محمد بن جعفر المدائني ثنا أبي ثنا هارون بن موسى النحوي عن أبان بن تغلب عن الحكم عن مجاهد عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب t به.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج6 ص316)؛ ثم قال: رواه الطبراني في «الكبير»، وفيه جعفر بن محمد بن جعفر المدائني، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
وقال الحافظ الخطيب في «تاريخ بغداد» (ج7 ص175): (قال محمد بن غالب: وحدثنا به؛ جعفر مرة أخرى، فقال عن مجاهد، ولم يذكر ابن عمر).
قلت: فهو معلول بهذا الإسناد بالإرسال عن مجاهد عن عمر بن الخطاب t، فلا يصح.
قلت: والمقصود بالحجاب في هذا الحديث؛ ستر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن عن أعين الرجال الأجانب: من وراء حجاب، كالستر، والجدار، والأبواب، وعدم الدخول عليهن.
قال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم[ [الأحزاب:53].
وقال تعالى: ]وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن[ [الأحزاب:53].
وكذلك المقصود به الحجاب الذي يستر بدن المرأة المسلمة.
* وهذا مبني على أن الأصل في النساء المكث، والقرار في بيوتهن، ولا يخرجن؛ إلا لحاجتهن، لقوله تعالى: ]وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا[ [الأحزاب:33].
فمن أراد من الرجال الأجانب حاجة، سألهن من وراء حجاب؛ تطهيرا للقلوب، وسدا للذرائع، واتقاءا للذنوب.
قلت: ولئن كان هذا خطابا؛ لأمهات المؤمنين اللاتي يحرم الزواج منهن، واللاتي هن أطهر، وأتقى النساء، وأبعدهن عن مظنة الاقتراب من الذنب، أو مقارفة الإثم.
قال الآلوسي المفسر / في «روح المعاني» (22/6): (والمراد على جميع القراءات: أمرهن([265]) رضي الله تعالى عنهن بملازمة البيوت، وهو أمر مطلوب من سائر النساء). اهـ
وقال المراغي المفسر / في «تفسير القرآن» (22/10): (أي: الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، وهو: أمر لهن، ولسائر النساء). اهـ
قال اللغوي ابن منظور / في «لسان العرب» (ج1 ص273): (ويدنين عليهن: شامل لجميع أجسادهن بما في ذلك الوجه، لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه، يقال إذا زال الثوب عن الوجه: أدني ثوبك على وجهك). اهـ
3) وقال تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ [النور:31].
فعن ابن مسعود t قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ قال: الثياب).([266])
قلت: وليس المراد: إلا ما ظهر منها، كشف الوجه والكفين، فإن ذلك أبعد ما يكون عن المرأة أن تكشف وجهها، وكفيها أمام الرجال الأجانب!.([267])
قال الإمام أبو عبيد / في «غريب الحديث» (ج4 ص317): (والذي عليه العمل عندنا في هذا قول عبدالله بن مسعود t: «هي الثياب»؛ يعني: أن لا يبدين من زينتهن؛ إلا الثياب). اهـ
قلت: ولا يوجد لابن مسعود t؛ أي مخالف من الصحابة y في تفسير: «الزينة: بالثياب»، حتى ابن عباس([268]) ﭭ قد وافق ابن مسعود t على هذا التأويل في رواية له، لأنه لا يمكن للصحابة tأن يخالفوا السنة في أمرها المرأة بستر وجهها وكفها. ([269])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج20 ص14): (وأما أقوال الصحابة؛ فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم؛ فهي حجة عند جماهير العلماء، وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله تعالى، والرسول r ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء). اهـ
4) وعن عبد الله بن مسعود t قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن[؛ قال الزينة: السوار، والدملج([270])، والخلخال([271])، والقلادة([272])، و ]إلا ما ظهر منها[؛ قال: من الثياب، والجلباب). ([273])
قلت: فالمراد من الزينة الظاهرة؛ ما يظهر في العادة شيء من الثياب بدون تعمد المرأة في الخارج، أو ظهور الثياب نفسها من جلباب، وغيره، وهي ساترة للمرأة كلها، وهذا خارج عن أصل خلقتها في البدن، وظهور جزء من الثياب، أو الجلباب بحكم الاضطرار، والعادة بدون اختيار المرأة؛ كما ترى.
5) وعن عبد الله بن مسعود t قال: (الزينة زينتان: زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج، فأما الزينة الظاهرة؛ فالثياب، وأما الزينة الباطنة؛ فالكحل، والسوار، والخاتم). ([274])
قلت: فالزينة الظاهرة: الثياب، وما خفي منها الحلي وغيرها، فهذه لا يراها إلا الزوج، وبنحوه من الأقارب.
قلت: والوجه والكفان من الزينة الباطنة، لأن الوجه فيه الكحل، وبقربه القلادة وغيرها، والسوار والخاتم في الكفين، واليدين، وهذه الأمور لا تظهر إلا للزوج، وغيره من الأقارب. ([275])
وهذا يدل على أن المرأة يجب عليها أن تستر كل بدنها، إلا ما ظهر منها، وهي الثياب التي تخرج في العادة بدون قصد منها.
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج3 ص504): (لما أمر الله تعالى النساء بالحجاب عن الأجانب، بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم، كما استثناهم في سورة النور، عند قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن[ إلى آخرها، [النور: 31]). اهـ
قلت: والحجاب يحجب البصر عن رؤية المرأة تماما، ويمنع من وصول البصر إلى رؤية شيء من بدنها.
قال الراغب المفسر / في «المفردات في غريب القرآن» (ج1 ص141): (الحجب، والحجاب: المنع من الوصول.
يقال: حجبه حجبا، وحجابا... وقوله تعالى: ]حتى توارت بالحجاب[ [ص: 32]؛ يعني: الشمس إذا استترت بالمغيب). اهـ
وقال الخليل الفراهيدي اللغوي / في «العين» (ج1 ص347): (الحجب: كل شيء منع شيئا من شيء؛ فقد حجبه حجبا). اهـ
وقال الأزهري اللغوي / في «معجم تهذيب اللغة» (ج6 ص743): (الحجاب: اسم ما حجبت به بين شيئين، وكل شيء منع شيئا: فقد حجبه... والحجاب: الستر، وامرأة محجوبة قد سترت بستر). اهـ
قال الحافظ ابن الجوزي / في «تفسير الغريب» (ج2 ص24): (ولا يبدين زينتهن: وزينتهن على ضربين: خفية؛ كالسوارين، والقرطين([276])، والدملج([277])، والقلادة([278]).
وظاهرة: وهي المشار إليها؛ بقوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[، وهي الثياب: و(الخمر): جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها([279])،]ولا يبدين زينتهن[؛ يعني: الخفية). اهـ
6) وعن عبد الله بن مسعود t قال: (إنما النساء عورة([280])، وإن المرأة لتخرج من بيتها، وما بها من بأس، فيستشرف لها الشيطان، فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه، وإن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال: أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضا، أو أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها؛ مثل: أن تعبده في بيتها).
أثر صحيح
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص185 و195)، و(8914)، و(9480)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (17710)، وابن خزيمة في «التوحيد» (27) من طريق شعبة([281]) بن الحجاج، وشريك([282]) بن عبدالله النخعي، وأبي الأحوص سلام([283]) بن سليم الحنفي؛ كلهم: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود t به موقوفا.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج5 ص314): «والموقوف هو الصحيح من حديث أبي إسحاق».
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج2 ص35)؛ ثم قال: «رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله ثقات».
7) وعن عبدالله بن مسعود t قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في دارها، وصلاتها في دارها أفضل من صلاتها فيما سواه، ثم قال: إن المرأة إذا خرجت تشرف لها الشيطان). وفي رواية: (المرأة عورة، وأقرب ما تكون من ربها إذا كانت في قعر بيتها، فإذا خرجت تشرف لها الشيطان).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7616)، وعبدالرزاق في «المصنف» (5116)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص295)، (9481)، و(9482) من طريق أبي هلال، وأيوب عن حميد بن هلال العدوي –ثقة عالم-، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود t به موقوفا.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج5 ص314): «والموقوف هو الصحيح من حديث حميد بن هلال».
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج2 ص35)؛ ثم قال: «رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله موثوقون».
وأورده الهيثمي أيضا في «مجمع الزوائد» (ج2 ص34)؛ ثم قال: «ورجاله رجال الصحيح».
وقال تعالى: ]وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن[ [الأحزاب:53].
وكذلك المقصود به الحجاب الذي يستر بدن المرأة المسلمة.
* وهذا مبني على أن الأصل في النساء المكث، والقرار في بيوتهن، ولا يخرجن؛ إلا لحاجتهن، لقوله تعالى: ]وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا[ [الأحزاب:33].
فمن أراد من الرجال الأجانب حاجة، سألهن من وراء حجاب؛ تطهيرا للقلوب، وسدا للذرائع، واتقاءا للذنوب.
قلت: ولئن كان هذا خطابا؛ لأمهات المؤمنين اللاتي يحرم الزواج منهن، واللاتي هن أطهر، وأتقى النساء، وأبعدهن عن مظنة الاقتراب من الذنب، أو مقارفة الإثم.
قال الآلوسي المفسر / في «روح المعاني» (ج22 ص6): (والمراد على جميع القراءات: أمرهن([284]) رضي الله تعالى عنهن بملازمة البيوت، وهو أمر مطلوب من سائر النساء). اهـ
وقال المراغي المفسر / في «تفسير القرآن» (ج22 ص10): (أي: الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، وهو: أمر لهن، ولسائر النساء). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «الحجاب والسفور» (ص9): (وأمرهن بلزوم البيوت، ونهاهن عن تبرج الجاهلية، وهو: إظهار الزينة، والمحاسن، كالرأس، والوجه، والعنق، والصدر، والذراع، والساق، ونحو ذلك من الزينة؛ لما في ذلك من الفساد العظيم، والفتنة الكبيرة). اهـ
قال تعالى: ]ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب: 59].
والجلباب: وهو ما يكون من لباس فضفاض فوق الخمار يستوعب أعلى البدن، ووسطه، وهو دون الرداء، ويسدل: فيغطى به الوجه والصدر. ([285])
8) وعن عائشة ڤ قالت: (فخمرت وجهي بجلبابي). ([286])
والجلباب: قريب من العباءة اليوم، لكنها غير مفصلة، ويسمى: القناع، أو الملاءة.
قال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج3 ص212): (هو ما غطى جميع الجسم لا بعضه). اهـ
قلت: فالجلباب: هو رداء ساتر من الرأس إلى القدم، يعني: من الأعلى إلى الأسفل.
قال الإمام القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج3 ص372): «الصحيح: أنه الثوب الذي يستر جميع البدن).اهـ
فالجلباب: هو ثوب تشتمل به المرأة، فيغطي جميع بدنها، حتى الوجه والكف.
* وهي مأمورة بسدل جلبابها من فوق رأسها على وجهها.
9) وعن الأسود قال: قالت عائشة ڤ: (تسدل المحرمة جلبابها من فوق راسها على وجهها). ([287])
10) وعن عائشة ڤ قالت: (فبينما أنا جالسة في منزلي، غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي) وفي رواية: (فسترت وجهي عنه بجلبابي). ([288])
* والشاهد في الحديث: هو قولها: (وكان رآني قبل الحجاب)، و(خمرت وجهي بجلبابي) ([289])، فبهذين الشاهدين هما من أعظم الأدلة على وجوب ستر المرأة المسلمة لوجهها، وسائر بدنها عن أنظار الرجال.
* فثبت عن عائشة ڤ: أنها خمرت وجهها لما سمعت صوت: صفوان بن المعطل t، وقالت ڤ: أنه كان يعرفها قبل الحجاب.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص462): (فعرفني حين رآني: هذا يشعر بأن وجهها انكشف لما نامت؛ لأنه تقدم أنها تلففت بجلبابها ونامت.
فلما انتبهت باسترجاع صفوان بادرت إلى تغطية وجهها، قوله: وكان يراني قبل الحجاب؛ أي: قبل نزول آية الحجاب). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج7 ص105): (قولها: (خمرت وجهي)؛ أي: غطيته). اهـ
وقال الإمام ابن خزيمة / في «صحيحه» (ج4 ص203): (إذ الخمار الذي تستر به وجهها).اهـ
11) وعن عائشة ڤ قالت: (كان الركبان يمرون بنا، ونحن مع رسول الله r محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من راسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه). ([290])
قال العلامة الساعاتي / في «بلوغ الأماني» (ج11 ص215) معلقا على أثر عائشة ڤ: (والمعنى: أنهن كن يسترن وجوههن إذا مر عليهن الرجال بجلابيبهن، الجمع جلباب: وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة إذا خرجت لحاجة، فإذا أبعدوا عنهن كشفن وجوههن). اهـ
12) وعن أم عطية ڤ قالت: قال رسول الله r في خروج النساء في العيدين: (لتلبسها صاحبتها من جلبابها). ([291])
يعني: من لحافها، وهذا يدل على أن الجلباب كبير يكفي اثنتين، وهو الثوب الواسع الذي يشتمل به النائم، فيغطي جسده كله.
ففي الحديث دلالة على أن المعتاد عن نساء الصحابة؛ ألا تخرج إلا بجلباب ولم ياذن لهن الرسول r بالخروج بغير جلباب.
والجلباب: ثوب واسع يلبس فوق الملابس، وهو ثوب مشتمل على الجسد كله.
فتشتمل به المرأة على جسدها كله، تغطي به راسها، وظهرها، وصدرها، ووجهها، وكفيها. ([292])
قال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (ج2 ص138): («الجلباب»: قال ابن مسعود ومجاهد وغيرهما: هو الرداء، ومعنى ذلك: أنه للمرأة؛ كالرداء للرجل، يستر أعلاها، إلا أنه يقنعها فوق راسها، كما يضع الرجل رداءه على منكبيه).اهـ
13) وعن عائشة ڤ قالت: (المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت، إلا ثوبا مسه ورس، أو زعفران، ولا تتبرقع، ولا تلثم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت).([293])
قولها: «ولا تتبرقع»؛ فهذا يدل على أن التبرقع كان معروفا في النساء على عهد النبي r، وعهد الصحابة y.
14) وعن صفية بنت شيبة، أن عائشة ڤ؛ كانت تقول: (لما نزلت هذه الآية: ]وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ [النور:31]؛ أخذن أزرهن([294]) فشققنها من قبل الحواشي([295])، فاختمرن بها). وفي رواية: (يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: ]وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ [النور:31]؛ شققن مروطهن([296])، فاختمرن به).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص347) في كتاب: «التفسير»، لسورة النور، باب: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) [النور:31]، والنسائي في «تفسير القرآن» (ج2 ص121)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج10 ص119)، وأبو داود في «سننه» (4102) من طريق إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة به.
ومن طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة ڤ به.
قلت: فعائشة ڤ، تفسر آية الحجاب، وتبين أن المراد منها: تغطية الوجه للمرأة([297])، وقد فعلن الصحابيات ذلك، وهذا التفسير لآية الحجاب، قد فسره جميع الصحابة y، بأنه تغطية الوجه للمرأة.
15) وعن الأسود قال: قالت عائشة ڤ: (تسدل المحرمة جلبابها من فوق رأسها على وجهها).
أثر صحيح
أخرجه أبو داود في «مسائله» (ص109)، وسعيد بن منصور في «السنن» (ج3 ص406-فتح الباري) من طريق هشيم قال: أخبرنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج3 ص406)، والعيني في «عمدة القاري» (ج9 ص166).
16) وعن عائشة ڤ، قالت: (خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة، أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين).([298])
* والشاهد: (يا سودة، والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين)، ففي هذا الحديث دلالة واضحة على أن وجه أم المؤمنين سودة كان مستورا، وعلى أن عمر بن الخطاب t: كان يعرفها قبل الحجاب، ولم يعرفها إلا لجسامتها، وأراد أن يبالغ في سترها، ولكن رسول الله r أنزل عليه الوحي بأن الله تعالى قد أذن لهن أن يخرجن لحاجتهن شريطة لبس الحجاب الكامل الساتر لجميع البدن مع الوجه.
17) وعن عروة بن الزبير، عن عائشة ڤ: (أن أفلح، أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها، وهو عمها من الرضاعة، بعد أن نزل الحجاب، فأبيت أن آذن له، فلما جاء رسول الله r أخبرته بالذي صنعت فأمرني أن آذن له). وفي رواية: (لا تحجبي منه).([299])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج9 ص150): (وفيه وجوب احتجاب المرأة من الرجال الأجانب). اهـ
18) وأخرج أبو داود في «مسائله» (ص108-110)، والشافعي في «الأم» (ج2 ص149)، وفي «المسند» (855)، والبيهقي في «معرفة السنن» (2822) من طريق يحيى، وسعيد بن سالم، وروح عن ابن جريج قال: أخبرنا عطاء بن أبي رباح قال: أخبرني أبو الشعثاء([300])؛ أن ابن عباس ﭭ قال: (تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به)؛ قال روح في حديثه: (قلت: وما «لا تضرب به»؟، فأشار لي، كما تجلبب المرأة)؛ ثم أشار لي: (ما على خدها من الجلباب، قال: تعطفه، وتضرب به على وجهها، كما هو مسدول على وجهها).
وفي رواية: (ولكن تسدله على وجهها، كما هو مسدولا).
وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
قلت: ثم على فرض صحته: عن ابن عباس ﭭ، أنه قال عن الزينة: «الوجه، والكف».
* فإن ذلك ليس مطلقا، وإنما هو مقيد في بيتها، لمن دخل عليها في بيتها من محارمها، كما هو العادة في دخولهم عليها، ولكن عددا من الفقهاء ينقلون: عن ابن عباس ﭭ، أنه يقول: «الوجه، والكف»، وهذا غلط بلا شك، فما نسب إلى ابن عباس ﭭ، فليس مطلقا.
19) وعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (والزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العين، وخضاب الكف، والخاتم، فهذه تظهره في بيتها لمن دخل من الناس عليها). ([301])
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص118)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص94) من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة([302]) عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
والتفسير الذي: رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وهو ما يعرف بصحيفة علي بن أبي طلحة([303])؛ هو من تدوين ابن عباس، وقد رواه علي بن أبي طلحة عنه بطريق الوجادة.
فيكون علي بن أبي طلحة قد أخذ هذه الصحيفة ورواها عن ابن عباس من غير أن يلقاه، أو يسمعها منه، وهذا ما يسمى في علم مصطلح الحديث: بالوجادة.
قال الإمام ابن الصلاح / في «علوم الحديث» (ص292): (ومثال الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم يلقه، أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجد بخطه، ولا له من إجازة ولا نحوها، فله أن يقول وجدت بخط فلان، أو قرأت بخط فلان، أو في كتاب فلان بخطه، أخبرنا فلان بن فلان، ويذكر شيوخه، ويسوق سائر الإسناد والمتن). اهـ
وقال الإمام ابن جماعة / في «المنهل الروي» (ص381): (وهو أن يقف على كتاب بخط شخص فيه أحاديث يرويها ذلك الشخص، ولم يسمعها منه الواجد، ولا له منه إجازة، أو نحوها.
فله أن يقول: «وجدت بخط فلان»، أو «قرأت»، وما أشبهه، وعلى هذا العمل، وهو من باب المرسل، ويشوبه شيء من الإتصال بقوله: «وجدت بخط فلان»). ([304]) اهـ
ورواية: علي بن أبي طلحة لهذه الصحيفة عن ابن عباس؛ بواسطة بينهما، فتارة يذكرون أن بينهما مجاهدا، وعكرمة.
فسلسلة الرواية هي: علي بن أبي طلحة عن مجاهد عن ابن عباس؛ أحيانا.
وعلي بن أبي طلحة عن عكرمة عن ابن عباس؛ أحيانا.
وأحيانا يجعل الواسطة بينهما: مجاهدا، وأحيانا: سعيد بن جبير.
يعني: علي بن أبي طلحة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
فما دام عرفنا الواسطة بين علي بن أبي طلحة، وابن عباس، وهم ثقات([305])، فلا يضر الانقطاع بينهما، فيعتبر الإسناد صحيحا. ([306])
وذكر الحافظ المزي / في «تهذيب الكمال» (ج20 ص490)؛ أن بين علي بن أبي طلحة، وابن عباس: مجاهد بن جبر التابعي.
يعني: إنما يروي عن مجاهد عن ابن عباس.
وكذا قال الحافظ العراقي في «تحفة التحصيل» (ص234).
قلت: فإذا عرفت الواسطة، فلا تضر الرواية، وهي مرسلة. ([307])
قال الإمام ابن أبي حاتم / في «الجرح والتعديل» (ج1 ص188): (حدثنا عبدالله بن يوسف عن عبدالله بن سالم عن علي بن أبي طلحة عن مجاهد).
قال الحافظ ابن حجر /؛ معلقا بقوله: (بعد أن عرفت الواسطة، وهو ثقة، فلا ضير في ذلك). ([308])
وقال الإمام ابن النحاس / في «الناسخ والمنسوخ» (ج1 ص13): (والذي يطعن في إسناده يقول: إن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس التفسير، وإنما أخذ عن مجاهد، وعكرمة... وهذا القول لا يوجب طعنا؛ لأنه أخذه عن رجلين ثقتين، وهو في نفسه صدوق). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج7 ص298): (روى عن ابن عباس، ولم يسمع منه بينهما مجاهد). اهـ
ولهذا كان سفيان الثوري يقول: (إذا جاءك التفسير عن مجاهد، فحسبك به). ([309])
وقال الإمام السيوطي / في «الدر المنثور» (ج6 ص423): (ومن طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وعلي صدوق، ولم يلق ابن عباس؛ لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه، فلذلك كان البخاري، وأبو حاتم، وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة). اهـ
والخلاصة: أن علي بن أبي طلحة لم يسمع التفسير عن ابن عباس مباشرة، ولكن هناك وسائط بينهما؛ مثل: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وهم من تلاميذ ابن عباس الموثوق بهم. ([310])
فهذه الصحيفة هي أجود الطرق عن ابن عباس ﭭ.
وعن الإمام أحمد / قال: (بمصر كتاب التأويل([311]) عن معاوية بن صالح، لو أن رجلا رحل إلى مصر: فكتبه ثم انصرف به، ما كانت رحلته عندي ذهبت باطلا). ([312])
قلت: فالله تعالى نهى عن إظهار الزينة للمرأة؛ بقوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن[ [النور: 31].
ثم استثنى، فقال تعالى: ]إلا ما ظهر منها[ [النور: 31].
* فمراد الصحابة y، بكشف الزينة الظاهرة([313])، للمحارم لا الأجانب، فنصوصهم تدل على ذلك.
وقد نص على هذا الحافظ ابن عبد البر /؛ فجعل كشف الزينة، وإظهارها للمحارم، لا للأجانب.
فقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج8 ص236): (أن ذوي المحارم من النسب والرضاع لا يحتجب منهم ولا يستتر عنهم، إلا العورات، والمرأة في ما عدا وجهها وكفيها عورة) ([314]). اهـ
* ومما يؤكد هذا: تفسير ابن عباس ﭭ؛ لقوله تعالى: ]ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما [ [الأحزاب: 59].
20) وعن ابن عباس ﭭ قال: (أمر الله تعالى نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص33)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (411) من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج6 ص471)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج5 ص221).
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ص486): (قوله تعالى: ]يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب: 59]؛ جمع: جلباب، وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة؛ أي: يرخين بعضها على الوجوه: إذا خرجن لحاجتهن، إلا عينا واحدة، لضرورة النظر.
جمع جلباب، وهي الملاءة: وهي تشبه العباءة عندنا).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ص485): (فأمر الله عز وجل: أن يدنين عليهن من جلابيبهن، أي: على هذا المكشوف الذي يكشف عادة، وهو الوجه والنحر، كما قال ذلك: ابن عباس ﭭ، وغيره: بأن تغطي وجهها، ولا تبد إلا عينا واحدة، تنظر بها للضرورة... فلا حاجة إلى إبداء العين؛ لأن إبداء العين إنما هو للضرورة؛ بدليل أن الصحابة؛ كابن عباس ﭭ، وغيره: رخصوا في إبداء العين الواحدة؛ لأنها بقدر الضرورة، وإلا لكانوا يقولون: تخرج العينين جميعا).اهـ
ويؤيد ذلك: الرواية الثانية لابن عباس ﭭ، وفيها أن الزينة التي تبديها، من قرطها، وقلادتها، وسوارها، وأما الخلخال، والنحر، والشعر، فلا تبديه، إلا لزوجها، وأقاربها المحارم في البيت. ([315])
21) فعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال[ [النور: 31]؛ قال: (فهذا الرجل يتبع القوم، وهو مغفل في عقله، لا يكترث للنساء، ولا يشتهيهن، فالزينة: التي تبديها، لهؤلاء: قرطاها، وقلادتها، وسواراها، وأما خلخالاها([316])، ومعضداها([317])، ونحرها([318])، وشعرها، فإنها لا تبديه؛ إلا لزوجها). وفي رواية: (لا تبدي خلاخلها، ومعضداتها، ونحرها، وشعرها، إلا لزوجها).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص120 و122)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (394)، و(395)، و(412)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص94 و96)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص24 –الدر المنثور) من طرق عن عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره الخازن في «لباب التأويل» (ج5 ص57)، والشوكاني في «فتح القدير» (ج4 ص26)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص24).
فهذه الحلي من الزينة: تظهرها في بيتها لمن دخل عليها من المحارم، لا الأجانب.
قلت: فقد صح عن ابن عباس ﭭ، كما ترى ما يؤيد حمل تفسيره على تخصيصه للمحارم صريحا، أو قرينة قوية في هذا الموضع.
فعلى هذا اتسق جميع تفسير ابن عباس ﭭ على أن مراده من إبداء الزينة الظاهرة للمحارم من الرجال، لا الأجانب من الرجال في خارج البيت، فافهم لهذا ترشد.
22) وعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن[ [النور:60]؛ قال: (وهي المرأة لا جناح عليها أن تجلس في بيتها بدرع وخمار، وتضع عنها الجلباب([319])، مالم تتبرج لما يكره الله).
وفي رواية: (الثياب: الجلباب).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج8 ص2641)، وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص307)، وابن الأنباري في «المصاحف» (ج11 ص110-الدر المنثور)، والطبري في «جامع البيان» (ج10 ص165)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص93)، والبستي في «تفسير القرآن» (ص487)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص110-الدر المنثور) من طريق عكرمة، وعمرو بن دينار، وعلي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» (ج12 ص309)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص110).
* واتفق المفسرون من الصحابة، والتابعين، أن الثياب التي رخص الله تعالى بوضعها للعجوز: هي الجلابيب. ([320])
قلت: ونهيت المرأة أن تضرب برجلها؛ ليسمع صوت الجلاجل فيها. ([321])
وقد بين ابن عباس ﭭ: أن المرأة لو قرعت الخلخان برجلها أمام الرجال، فإن ذلك من المحرم في الدين، وأنه فتنة، وهو من عمل الشيطان، فكيف يجوز كشف الوجه، واليدين للمرأة أمام الرجال في خارج البيت، وهما أشد فتنة للرجال من صوت الخلخان أمامهم: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص:5].
23) فعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن[ [النور:31]؛ قال: (فهو أن تقرع الخلخال بالآخر عند الرجال، ويكون في رجليها خلاخل، فتحركهن عند الرجال، فنهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك، لأنه من عمل الشيطان). ([322])
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص124)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (430)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص24-الدر المنثور) من طرق عن عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (ج3 ص327)، وابن الجوزي في «زاد المسير» (ج6 ص34)، وأبو الليث السمرقندي في «بحر العلوم» (ق/298/ط)، وابن العربي في «أحكام القرآن» (ج3 ص1376).
* وقد نهى الله تعالى عن كشف الوجه واليدين للمرأة أمام الرجال، لأن خروج المرأة من بيتها، وهي كاشفة عن وجهها، ويديها، أمام الرجال؛ فإن ذلك من عمل الشيطان بلا شك.
قال تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن([323]) أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون[ [النور:31].
24) وعن أم سلمة ڤ قالت: (لما نزلت هذه الآية: ]يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب: 59] ([324])؛ خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها).
أثر حسن
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج3 ص52)، وأبو داود في «سننه» (4101)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (407) من طريقين عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة ڤ به.
قلت: وسنده حسن.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج6 ص48).
والأثر صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3456).
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ص485): (والجلباب: هو الرداء، أو الملاءة، أو الملحفة، يعني: الشيء الواسع الذي يشمل جميع البدن، أو أكثره). اهـ
قال صفي الرحمن المباركفوري / في «إبراز الحق» (ص49): (وهذا الحديث أيضا صريح في شمول الحجاب للوجوه، ويفيد أن تغطية الوجوه كان هو المقصود بأمر الحجاب.
وحكم هذا الحديث عام لجميع نساء المؤمنين؛ لأن المراد بخمائر، جمع ليست أمهات المؤمنين فحسب، كما يزعمه الزاعمون.
والدليل في ذلك: أن عائشة ڤ، هي التي روت هذا الحديث، وهي كانت تفتي: «بأن المرأة المحرمة تسدل جلبابها من فوق رأسها على وجهها».
* وقد روى مالك في «الموطأ» ما أن تغطية الوجوه في الإحرام كانت عامة في النساء، لا في زمن الصحابة y فقط، بل فيما بعدهم أيضا.
* فقد روى عن فاطمة بنت المنذر قالت: «كنا نخمر وجوهنا، ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق، فلا تنكره علينا».). اهـ
قلت: والجلباب قريب من العباءة اليوم، لكنها غير مفصلة، وهو القناع والملاءة.
والجلباب ليس غطاء خاصا بالوجه وحده، ولكنه للوجه وغيره.
قلت: وكان أمير المؤمنين: عمر بن الخطاب t يشدد على الحرائر لبس الحجاب مع تغطية الوجه واليدين، لتطبيقه العمل بآيات الحجاب على النساء، وهذا يدل على أن الصحابة y قد أجمعوا على ستر النساء من أعين الرجال.
25) وعن أنس بن مالك t: (أن عمر بن الخطاب t: رأى أمة عليها قناع، فضربها بالدرة، وقال: اكشفي عن رأسك، ولا تشبهي بالحرائر). وفي رواية: (رأى جارية متنقبة). وفي رواية: (وعليها جلباب متقنعة به).
أثر صحيح
أخرجه يحيى بن سلام في «تفسير القرآن» (ج3 ص230)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص230 و231)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج3 ص136)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص236) من طريق سعيد، وعثمان، ومعمر، وشعبة، عن قتادة، والزهري، والمختار بن فلفل عن صفية بنت أبي عبيد، وأنس بن مالك عن عمر بن الخطاب t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال البيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص237): «والآثار عن عمر بن الخطاب t في ذلك صحيحة».
وذكره ابن منظور في «لسان العرب» (ج6 ص3755)، وابن الأثير في «النهاية» (ج4 ص114)، وابن حجر في «الدراية» (ج1 ص124)، والزيلعي في «نصب الراية» (ج4 ص250).
قوله: (منتقبة)؛ يعني: متغطية في وجهها.
وقوله: (متقنعة)؛ يعني: ساترة وجهها.
قال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (ج9 ص501): (وهذا دليل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضا بينهم مشهورا، وأن الحجب لغيرهن كان معلوما).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ص487): (فلا يؤذين: بالتعرض لهن بخلاف الإماء، فلا يغطين وجوههن([325])، فكان المنافقون: يتعرضون لهن.
* وهكذا كانت الإماء في عهد رسول الله r، وفي عهد الخلفاء، لا يحتجبن، لأنهن مملوكات، ولا يتعلق بهن، إلا ردئ النفس). اهـ
قلت: فكان عمر بن الخطاب t لا يدع أمة تتقنع، وتتغطى في وجهها، لكي تعرف أنها أمة، ويحصل التفريق بينها، وبين الحرة، لأن الحرة تغطي وجهها، ورأسها، فتعرف أنها حرة، فلا تؤذى، حتى قال عمر بن الخطاب t: «إنما القناع([326]) للحرائر، لكيلا يؤذين».
26) وعن بكير بن الأشج: أن عبد الله بن عمر ﭭ: كان يقول: في قوله تعالى: ]والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة[ [النور:60]؛ قال: تضع الجلباب).
قال بكير بن الأشج: وقال سليمان بن يسار: (تضع خمارها إن شاءت).
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1616)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص110-الدر المنثور) من طريق عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وهذا هو المحفوظ.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج6 ص91)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص111)، والشوكاني في «فتح القدير» (ج4 ص55).
* وخالف في ذلك ابن لهيعة، وهو مختلط، فرواه عن بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر ﭭ به.
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (14847).
وعلقه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص93).
* وقد زاد ابن لهيعة نافعا في الإسناد، وهذا غلط، وهو غير محفوظ لاختلاط ابن لهيعة، والصحيح: رواية: بكير بن الأشج عن ابن عمر، لأن عمرو بن الحارث ثقة حافظ.
27) وعن أسماء بنت أبي بكر ﭭ قالت: (كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نتمشط قبل ذلك في الإحرام).([327])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على إجماع التابعين الكرام، على فرضية: تغطية المرأة المسلمة لوجهها، وكفيها، بتفسير القرآن الكريم، والسنة النبوية، بفرض أن المرأة كلها عورة إذا خرجت من بيتها، وقد خالف الشيخ الألباني هذا الإجماع، فحصل على أجر واحد من أجل اجتهاده([328]) في العلم
* فإن مسألة الحجاب، ولباس المرأة عند الأجانب من المسائل الجلية في الشريعة المطهرة.
ولم تحتج على مر قرون الإسلام إلى فقيه يصنف فيها، مؤلفا مفردا، لوضوح حكمها، وجلائه في الدين. ([329])
* والأصل: أنه لم يثبت؛ أي: خلاف بين التابعين في مسألة حجاب المرأة المسلمة، وفي لباسها الشرعي.
* وقد أجمع التابعون على وجوب ستر المرأة المسلمة لوجهها، وكفيها، وأنها كلها عورة أمام الرجال الأجانب في كل مكان.
وإليك الدليل:
قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
قلت: فأمر القرآن باتباع سبيل المؤمنين في الأصول والفروع فيجب اتباعهم، ومن لم يتبعهم في ذلك، فقد ترك سبيلهم، ومن ترك سبيلهم؛ فله وعيد شديد، والعياذ باللـه.([330])
قلت: ووجه الاستدلال بها([331])؛ أنه تعالى توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يوجب اتباع سبيلهـم، وإذا أجمعوا على أمر كان سبيـلا لهم؛ فيكون
اتباعه واجبا على كل واحد منهم، ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة.([332])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «العقيدة الواسطية» (ص128): (والإجماع: هو الأصل الثالث؛ الذي يعتمد عليه في العلم والدين.
وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين.
والإجماع الذي ينضبط: هو ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشرت الأمة). اهـ
وقد امتن الله تعالى عليها بهذه الشريعة الخالدة التي نزل بها الكتاب الحكيم، وبينها للخلق الرسول r الأمين.
قلت: فجاءت بينة في أصولها، وفي فروعها، واضحة في أحكامها([333])، لم تدع حكما دون بيان.
* لذلك جعل الله تعالى الفقه في الدين منهج حياة الخلق؛ بل الفقه من مفاخر هذه الأمة في الأصول والفروع، وهو سعادة حياتها، تدوم في سعادتها ما دام هذا الفقه، وتنعدم سعادتها ما انعدم، اللهم سلم سلم.
* وقد كان من جملة ما امتن الله تعالى به على هذه الأمة، وبينه تعالى لها: اللباس الذي يستر جميع بدن المرأة([334])، وعورتها، ويواريها عن الرجال.
قال تعالى: ]يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون[ [الأعراف: 26].
قلت: وحين امتن الله تعالى على المرأة المسلمة بهذا الستر، لم يترك الأحكام المتعلقة به بدون بيان واضح للمسلمين.
* بل جاءت نصوص الكتاب، والسنة، والآثار: كاشفة عن أحكامه مبينة لمسائله، ولله الحمد.
وإليك الدليل:
1) قال تعالى: ]يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما[ [الأحزاب:59].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «دقائق التفسير» (ج4 ص429): (وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها، ويديها.([335])
وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها؛ لأنه يجوز لها إظهاره.
ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب؛ بقوله: ]يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب: 56] حجب النساء عن الرجال، وإنما دل ذلك السن المطلوب منها إذا خرجت). اهـ
وقال القرطبي المفسر / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج3 ص372)؛ عن الجلباب: (والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج3 ص212): (هو ما غطى جميع الجسم، لا بعضه). اهـ
* والجلابيب: جمع جلباب، وهو ثوب تشتمل به المرأة، فيغطي جميع بدنها، أو الخمار الذي تغطي به المرأة رأسها، ووجهها.
وقال العلامة الشيخ الألباني / في «حجاب المرأة المسلمة» (ص46): (الجلباب: الذي يتضمن حجب الوجه، فكل جلباب: حجاب). اهـ بتصرف.
وقال العلامة الشيخ الألباني / في «حجاب المرأة المسلمة» (ص47): (ليعلم أن ستر الوجه، والكفين له: أصل في السنة، وقد كان ذلك معهودا في زمنه r).اهـ
وقال العلامة الشيخ الألباني / في «حجاب المرأة المسلمة» (ص48): (والنصوص متضافرة على أن نساء النبي r: كن يحتجبن حتى في وجوههن). اهـ
قلت: فالجلباب: هو الذي تستر به المرأة تسترا كاملا من فوق الرأس إلى أسفل القدم، فلا يرى أي: شيء منها.([336])
والجلباب: هو الثوب الذي يستر جميع البدن بمنزلة العباءة السوداء للنساء في هذا الزمان.([337])
2) وقال تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ [النور:31].
قلت: وليس المراد: إلا ما ظهر منها، كشف الوجه والكفين، فإن ذلك أبعد ما يكون عن المرأة أن تكشف وجهها، وكفيها أمام الرجال الأجانب!.([338])
قلت: فالمراد من الزينة الظاهرة؛ ما يظهر في العادة شيء من الثياب بدون تعمد المرأة في الخارج، أو ظهور الثياب نفسها من جلباب، وغيره، وهي ساترة للمرأة كلها، وهذا خارج عن أصل خلقتها في البدن، وظهور جزء من الثياب، أو الجلباب بحكم الاضطرار، والعادة بدون اختيار المرأة؛ كما ترى.
وعن عبد الله بن مسعود t قال: (الزينة زينتان: زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج، فأما الزينة الظاهرة؛ فالثياب، وأما الزينة الباطنة؛ فالكحل، والسوار، والخاتم). ([339])
قلت: فالزينة الظاهرة: الثياب، وما خفي منها الحلي وغيرها، فهذه لا يراها إلا الزوج، وبنحوه من الأقارب.
قلت: والوجه والكفان من الزينة الباطنة، لأن الوجه فيه الكحل، وبقربه القلادة وغيرها، والسوار والخاتم في الكفين، واليدين، وهذه الأمور لا تظهر إلا للزوج، وغيره من الأقارب. ([340])
وهذا يدل على أن المرأة يجب عليها أن تستر كل بدنها، إلا ما ظهر منها، وهي الثياب التي تخرج في العادة بدون قصد منها.
قلت: والحجاب يحجب البصر عن رؤية المرأة تماما، ويمنع من وصول البصر إلى رؤية شيء من بدنها.
قال الأزهري اللغوي / في «معجم تهذيب اللغة» (ج6 ص743): (الحجاب: اسم ما حجبت به بين شيئين، وكل شيء منع شيئا: فقد حجبه... والحجاب: الستر، وامرأة محجوبة قد سترت بستر). اهـ
قال الحافظ ابن الجوزي / في «تفسير الغريب» (ج2 ص24): (ولا يبدين زينتهن: وزينتهن على ضربين: خفية؛ كالسوارين، والقرطين([341])، والدملج([342])، والقلادة([343]).
وظاهرة: وهي المشار إليها؛ بقوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[، وهي الثياب: و(الخمر): جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها([344])،]ولا يبدين زينتهن[؛ يعني: الخفية). اهـ
3) وعن أبي الأحوص / قال: في قوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (الثياب). ([345])
4) وعن عبيدة السلماني / قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (الثياب). ([346])
5) وقال تعالى: ]والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة[ [النور: 60].
قال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (ج2 ص138): («الجلباب»: قال ابن مسعود ومجاهد وغيرهما: هو الرداء، ومعنى ذلك: أنه للمرأة؛ كالرداء للرجل، يستر أعلاها، إلا أنه يقنعها فوق رأسها، كما يضع الرجل رداءه على منكبيه.
وقد فسر عبيدة السلماني: قول الله عز وجل: ]يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب:59]؛ بأنها تدنيه من فوق رأسها، فلا تظهر إلا عينها، وهذا كان بعد نزول الحجاب، وقد كن قبل الحجاب يظهرن بغير جلباب، ويرى من المرأة وجهها وكفاها، وكان ذلك ما ظهر منها من الزينة؛ في قوله عز وجل: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور:31].
ثم أمرت بستر وجهها وكفيها، وكان الأمر بذلك مختصا بالحرائر دون الإماء، ولهذا قال تعالى: ]ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين[ [الأحزاب:59] ، يعني: حتى تعرف الحرة فلا يتعرض لها الفساق، فصارت المرأة الحرة لا تخرج بين الناس؛ إلا بالجلباب، فلهذا سئل النبي r لما أمر النساء بالخروج في العيدين، وقيل له: المرأة منا ليس لها جلباب؟ فقال r: «لتلبسها صاحبتها من جلبابها» ([347])؛ يعني: تعيرها جلبابها تخرج فيه). اهـ
6) وعن مجاهد / قال: في قوله تعالى: ]أن يضعن ثيابهن[ [النور: 60]؛ قال: (جلابيبهن). ([348])
7) وعن إسماعيل بن إبراهيم قال: سألت ابن أبي نجيح: عن قوله تعالى: ]فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن[ [النور: 60]؛ قال: (الجلباب). ([349])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «دقائق التفسير» (ج4 ص429): (وإنما ضرب الحجاب على النساء، لئلا ترى وجوههن وأيديهن). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «حجاب المرأة المسلمة» (ص44): (والأصل: أن كل ما كان سببا للفتنة، فإنه لا يجوز، فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة). اهـ
* وأن كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها.
فعن الإمام أحمد / قال: (كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها).([350])
8) وعن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام – ثقة فقيه عابد من الطبقة الثالثة([351]) – قال: (كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها). ([352])
وقال العلامة الصنعاني / في «سبل السلام» (ج1 ص219): (وأما عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي إليها، فكلها عورة). اهـ
وقال القرطبي المفسر / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج14 ص227): (وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «فتح القدير» (ج4 ص298): (والنساء كلهن عورة). اهـ
وقال العلامة محمد الأمين / في «أضواء البيان» (ج6 ص603): (أن المرأة كلها عورة يجب عليها أن تحتجب). اهـ
قلت: فالوجه هو المظهر الأكبر للجمال الخلقي، والطبيعي في المرأة، جذبا للأنظار، واستهواء للنزعات، ولفهم هذه الحقيقة لا نحتاج إلى التعمق في هذا الباب.([353])
فهذا القول هو الراجح، وأبعد عن أسباب الفتنة، ذلك أن الشريعة المطهرة جاءت بجلب المصالح، ودرء المفاسد، وكشف المرأة لوجهها، ويديها إن كان فيه مصلحة، فهي يسيرة بجانب المفاسد الناشئة عنه، ولا يخفى أن وجه المرأة هو أصل جمالها، ورؤيته من أعظم أسباب الإفتتان بها.([354])
9) وعن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: (كنا نخمر وجوهنا، ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق).([355])
قال العلامة الشيخ الألباني / في «حجاب المرأة المسلمة» (ص51): (ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة: على أن حجاب الوجه قد كان معروفا في عهده r، وأن نساؤه كن يفعلن ذلك، وقد استن بهن فضليات النساء بعدهن). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج5 ص231): (وقد أجمع علماء السلف على وجوب ستر المرأة المسلمة لوجهها، وأنه عورة يجب عليها ستره، إلا من ذي محرم). اهـ
وقال العلامة الشيخ بكر أبو زيد / في «حراسة الفضيلة» (ج5 ص231): (واتفق المسلمون على عدم خروج نساء المؤمنين أمام الرجال؛ إلا متحجبات، غير سافرات الوجوه، ولا حاسرات عن شيء من الأبدان، ولا متبرجات بزينة). اهـ
وقال الإمام ابن الملقن / في «التوضيح بشرح الجامع الصحيح» (ج25 ص163): (وإجماع الأمة أنه غير جائز للمرأة أن تظهر شيئا من عورتها). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (ج2 ص329): (والخبر المروي: في أن المرأة عورة بالإجماع). اهـ
وقال الفقيه المناوي / في «فيض القدير» (ج6 ص266): (المرأة عورة: أي: هي موصوفة بهذه الصفة، ومن هذه صفته فحقه أن يستر، والمعنى: أنه يستقبح تبرزها، وظهورها للرجل.
والعورة: سوءة الإنسان، وكل ما يستحيي منه، كنى بها عن وجوب الاستتار في حقها) ([356]). اهـ
قلت: هذا هو السبيل لمن أراد الالتزام بالسنة المحضة، فالطريق إلى معرفة ما جاء به الرسول r هو أن تعرف ألفاظه الصحيحة، وما فسرها به الذين تلقوا عنه اللفظ والمعنى، ومعرفة لغتهم التي كانوا يتخاطبون بها([357]) على المعنى الصحيح، والله ولي التوفيق.
10) وعن عاصم الأحول قال: (كنا ندخل على حفصة بنت سيرين ([358])، وقدجعلت: الجلباب هكذا، وتنقبت به، فنقول لها: رحمك الله، قال الله تعالى: ]والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة[ [النور: 60]؛ وهو الجلباب ([359])، قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: ]وأن يستعففن خير لهن[ [النور: 60]؛ فتقول: هو إثبات الجلباب). وفي رواية: (دخلنا على حفصة بنت سيرين، وقد ألقت عليها ثيابها... قالت: اقرأ ما بعده؛ ]وأن يستعففن خير لهن[ [النور: 60]).
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1618)، وسعدان بن نصر في «جزءه» (60)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص93)، والبستي في «تفسير القرآن» (ق/72/ط)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص112-الدر المنثور) من طرق عن سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول به.([360])
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «جلباب المرأة المسلمة» (ص110).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص112).
11) وعن قتادة / قال: في قوله تعالى: ]ولا يضربن بأرجلهن[ [النور: 31]؛ قال: (هو الخلخال، لا تضرب امرأة برجلها ليسمع صوت خلخالها).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص58)، والطبري في «جامع البيان» (ج10 ص124) من طريق معمر عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص37).
* فنهيت المرأة أن تضرب برجلها؛ ليسمع صوت الجلاجل فيها. ([361])
* وقد بين السلف: أن المرأة لو قرعت الخلخان برجلها أمام الرجال، فإن ذلك من المحرم في الدين، وأنه فتنة، وهو من عمل الشيطان، فكيف يجوز كشف الوجه، واليدين للمرأة أمام الرجال في خارج البيت، وهما أشد فتنة للرجال من صوت الخلخان أمامهم: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص:5].
* وقد نهى الله تعالى عن كشف الوجه واليدين للمرأة أمام الرجال، لأن خروج المرأة من بيتها، وهي كاشفة عن وجهها، ويديها، أمام الرجال؛ فإن ذلك من عمل الشيطان بلا شك.
قال تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن([362]) أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون[ [النور:31].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ص487): (فإن كل ما يخشى منه الفتنة، فإنه يجب البعد عنه؛ لهذا: قال تعالى: ]ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن[ [النور:31]؛ لأن الخلخال الذي يسمع إذا ضربت المرأة برجلها يخشى منه الفتنة.
وخشية الفتنة بمخفي عند ضرب المرأة برجلها أقل بكثير من أن تخرج المرأة وجهها، ذلك الوجه الجميل المجمل بالكحل، والتحمير، وغير ذلك.
وكل يعلم: أن هذا أعظم فتنة من خلخال مستور يسمع صوته عند الضرب بالرجل.
وتأتي حكمة الله تعالى: أن ينهى عن ضرب المرأة برجلها؛ لئلا يسمع خلخالها، ثم يرخص لامرأة من أجمل النساء أن يظهر وجهها وكفيها!، فهذا تأباه حكمة الله تعالى).اهـ
قلت: ومن تتبع حال الصحابيات، والتابعيات، وجد أن حجابهن، وسترهن لا يختلف في الستر العام للمرأة، وأن عملهن كلهن على تغطية الوجوه، ولا يعلم عن أي صحابية، ولا تابعية حرة شابة معروفة الحال تكشف وجهها، وقد كان عملهن على تغطية الوجه.
قلت: فالمرأة عورة في ميزان الشرع، فلا يجوز لها كشف وجهها، وكفيها: بنص القرآن، والسنة، والآثار.
* والعورة: من الرجل ما بين سرته إلى ركبته، والمرأة كلها عورة.([363])
قلت: وقد أجمع العلماء من الصحابة، والتابعين على أنه يجب على المرأة ستر جميع بدنها حتى الوجه والكفين، لأن ذلك من العورة.
قلت: فجميع بدن المرأة عورة، وبهذا قال المالكية في إحدى الروايتين عن الإمام مالك، والشافعية في أحد القولين، وصححه الفقيه الرملي في «نهاية المحتاج» (ج6 ص184)، وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة.([364])
ﭑ ﭑ ﭑ
([1]) «قناة أهل الحديث» بعنوان: «العلامة الألباني يتبرأ من الذين يقلدوه في تصحيح وتضعيف الأحاديث، وفي الأحكام في الأصول والفروع» في سنة: «1441هـ».
([2]) قلت: وعليك بمجانبة كل مذهب، لا يذهب إليه السلف الصالح في أصول الدين وفروعه.
وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص24).
([3]) قلت: وأول من احتج بهذه الآية هو الإمام الشافعي /، ولعله كان أول من احتج للإجماع بنص من الكتاب، وبها احتج أكثر علماء الأصول.
([4]) وانظر: «أحكام القرآن» للشافعي (ج1 ص53)، و«الرسالة» له (ص475)، و«العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1064)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص155)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل ابن تيمية (ج1 ص615)، و«الإحكام» للآمدي (ج1 ص200).
([5]) قلت: والضلال المبين مخالفة سبيل المؤمنين، والتدين بما لم يتدينوا به، والضلالة هي أخذ غير سبيلهم، ونهج غير طريقهم!.
والمشاقة: المعاداة.
قلت: وكان ذنب من يعرف الحق، ويزيغ عنه أعظم من ذنب الجاهل، فهو أعظم جرما؛ لأنه اطلع على الحق، وعمل بخلاف ما يقتضيه على سبيل العناد للـه تعالى.
قلت: وسبيل المؤمنين: هو الدين الحنيفي الذي هم عليه، فمن يشاقق الرسول r هو متبع غير سبيل المؤمنين ضرورة، ولكنه بدأ بالأعظم في الإثم، وأتبع بلازمه توكيدا.
وانظر: «البحر المحيط» لأبي حيان (ج3 ص496)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج5 ص385).
([7]) قلت: وزعموابئسما زعموا: أن أقوال غير المذاهب المختلفة درست، وذهبت، فحكموا على من يخالف هذا المذاهب بالضلال، والشذوذ، فضيعوا آثار الصحابة الكرام وفقههم، وإجماعهم في الدين، ونسبوا إلى الخلافيات المذهبية؛ الحفظ والصحة، وكأنها بمنزلة الذكر الذي تكفل الله بحفظه، فاعتبر!.
([8]) فإذا روي لأي حديث، أو أثر بهذه الصفة، يعني: في كشف الوجه والكفين، مثلا: للمرأة، فهو حديث ضعيف لا يصح عن الصحابة y؛ لأن الصحابة لم يعملوا به.
([9]) فقد ثبتت أحاديث عن الصحابة y تأمر بوجوب: «تغطية الوجه والكفين» للمرأة، وقد عمل الصحابة رضي الله عنه بهذه الأحاديث.
فتضعف الآثار التي وردت عنهم: في تفسير؛ قوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[ [النور:31]؛ بكشف الوجه والكفين؛ بعمل الصحابة بخلاف ذلك.
([10]) فكذلك يستبعد: أن يروي الصحابة y لأحاديث كشف الوجه؛ مثلا، ثم يرووا بخلاف ذلك.
وهذا يدل على أن الآثار التي رويت عن: عائشة، وابن عباس، وابن عمر، وأنس، وأبي هريرة، والمسور بن مخرمة كلها ضعيفة.
ومنه: قال الإمام الأعمش /: (نستغفر الله من أشياء، كنا نرويها على وجه التعجب، اتخذوها دينا).
أثر صحيح
أخرجه أحمد في «العلل» (2857)، والبخاري في «المختصر من تاريخ هجرة رسول الله r» (ج2 ص802).
وإسناده صحيح.
([11]) وانظر: «الكامل» لابن عدي (ج5 ص200)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج3 ص149)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج20 ص434)، و«المنار المنيف» لابن القيم (ص117)، و«الفوائد المجموعة» للشوكاني (ص407)، و«الدفاع عن الحديث النبوي» للشيخ الألباني (ص112)، و«شرح علل الصغير» لابن رجب (ج1 ص158).
([12]) «فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية» بالمملكة العربية السعودية، برآسة الشيخ ابن باز (ج1 ص150-المجموعة الأولى).
([13]) فمسائل الأحكام بما يعلم من الدين ضرورة، فهي أضعاف مضاعفة في الدين: ]ففهمناها سليمان[ [الأنبياء: 79].
([19]) والحق واضح، وسهل: لمن يطلبه بحسن قصد، والله المستعان.
قال تعالى: ]ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر[ [القمر: 22].
يعني: سهلنا لفظه، ويسرنا فهمه، ووضحنا معناه.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص264)، و«مختصر الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج1 ص57).
([21]) وكذلك هذه كانت المرأة في الجاهلية تكشف عن وجهها.
قال الآلوسي المفسر / في «روح المعاني» (ج11 ص264): (إن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه). اهـ
قلت: فعلى المرأة المسلمة، أن لا تتشبه بالمرأة الجاهلية، فتكشف عن وجهها.
قال تعالى: ]وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية[ [الأحزاب: 33].
([22]) وانظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج1 ص283)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج2 ص754)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج14 ص243)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص424)، و«فيض الباري» للكشميري (ج1 ص288)، و«عون المعبود» للعظيم آبادي (ج6 ص106)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج11 ص264)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج13 ص4908).
([23]) وانظر: «البحر المحيط» لأبي حيان (ج7 ص250)، و«جامع البيان» للطبري (ج22 ص29)، و«أحكام القرآن» للجصاص (ج3 ص372)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج6 ص586).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج17 ص256)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1569)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (14400)، وأبو عبيد في «غريب الحديث» (ج4 ص318).
وإسناده صحيح.
([26]) وأما تفسير ابن عباس ﭭ: بالزينة الظاهرة: «بالوجه والكفين»؛ فهو أثر ضعيف لا يصح عن ابن عباس، لاختلاف طرقه ومتونه، فقد وقع الاضطراب فيه.
وكذلك أثر ابن عمر ﭭ لا يصح في تفسير: «الزينة الظاهرة: بالوجه والكفين».
([27]) وانظر: «محاسن التأويل» للقاسمي (ج13 ص308)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج7 ص240)، و«تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي» للمباركفوري (ج8 ص62)، و«عمدة القاري بشرح صحيح البخاري» للعيني (ج20 ص217)، و«بلوغ الأماني» للساعاتي (ج11 ص215).
([28]) الدملج: سوار يحيط بالذراع من أعلى، وهو المعضد من الحلي.
انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج3 ص1425).
([29]) الخلخال: حلية؛ كالسوار تلبسها النساء في أرجلهن، والجمع: خلاخيل.
انظر: «المعجم الوسيط» (ص249).
([30]) القلادة: هي التي تعلق في عنق المرأة من الذهب وغيره.
انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص229)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص265).
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص284)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج17 ص256)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص22 – الدر المنثور)، وعبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص56)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (14400)، وابن أبي الدنيا في «العيال» (404)، وأبو عبيد في «غريب الحديث» (ج5 ص348)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1569)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج4 ص332)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص397).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص284)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج17 ص256)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص22 – الدر المنثور)، وابن وهب في «تفسير القرآن» (ج1 ص10).
وإسناده صحيح.
([36]) القلادة: هي التي تعلق في عنق المرأة من ذهب، وغيره.
وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج3 ص1425)، و«المعجم الوسيط» (ص249)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص221 و229)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص265).
([37]) قلت: ويطلق على الخمار ما تغطي به المرأة رأسها ووجهها أيضا، فهو أعم؛ كما ثبت ذلك في الآثار، وجمعه: أخمرة، وخمر، وخمر.
قلت: ولأن الخمار، يسمى الغطاء مطلقا، وكل شيء غطيته، فقد خمرته، فتخمر الرأس، كما تخمر الوجه؛ أي: تغطيه، فافطن لهذا.
والخمر: ما واراك من شيء، ويقال: يخمر خمرا: إذا خفي، وتوارى، وسميت الخمرة التي يسجد عليها بذلك، لأنها تستر الوجه عن الأرض.
وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص1260)، و«تفسير غريب القرآن» للصنعاني (ص158)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج1 ص1100)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج10 ص48 و49)، و«رسالة الحجاب» لشيخنا العلامة ابن عثيمين (ص7)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص96).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (14847)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1616)، والبيهقي في «السنن الكبرى» تعليقا (ج7 ص93)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص110 - الدر المنثور).
وإسناده صحيح.
أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص179)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص93)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص110 - الدر المنثور).
وإسناده صحيح.
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1617)، والطبري في «جامع البيان» (ج17 ص363)، وآدم بن أبي إياس في «تفسير القرآن» (1106).
وإسناده صحيح.
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1617)، والطبري في «جامع البيان» (ج17 ص363).
وإسناده صحيح.
أخرجه الخلال في «أحكام النساء» (ص50).
وإسناده صحيح.
ونقله عنه ابن الجوزي في «زاد المسير» (ج6 ص31).
قلت: رحم الله الإمام أحمد، يقول هذا الكلام في عصر الأوائل، فما بالكم لو رأى الإمام أحمد ما أحدثته المحجبات المتبرجات من إظهار اليد، ونصف الساعد، والعين، والحاجب، وبعض أجزاء من الوجه، ألا يعلمن أنهن مبعوثات، وعن هذا مسئولات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (17712).
وإسناده حسن.
وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج2 ص139).
([54]) وانظر: «البحر المحيط» لأبي حيان (ج7 ص230).
والتبرج: هو التكشف من المرأة، وإظهار زينتها، وإبراز محاسنها للرجال.
وانظر: «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج12 ص309)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص212).
([55]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (8/489).
يرحم الله نساء المهاجرات الأول؛ أي: السابقات من المهاجرات، حيث بادرن إلى تغطية وجوههن بمجرد سماع كلام الله تعالى.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص490).
([59]) قلت: أما في هذا الزمان؛ فترى المرأة الكاشفة تتكلم بكلام في أحكام الحجاب هو من صميم أهواء النفوس، والحرية المزعومة، فتحتج المرأة باختلاف العلماء، والفتاوى العصرية في جواز كشف الوجه، والكفين، وغير ذلك، بل تحتج بالمتشابه من الأقوال، ولم تسمع، وتطع لله تعالى، ولرسوله r؛ كالمرأة الصحابية، ولم تنظر إلى إجماع الصحابة والتابعين في عدم كشف الوجه والكفين، والله المستعان.
قال تعالى: ]ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا[ [النور:51]، وقال تعالى: ]قالوا سمعنا وهم لا يسمعون[ [الأنفال:21]، وقال تعالى: ]واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا[ [البقرة:93].
([60]) كذلك فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والكفين، والتجول سافرة هكذا، لم يحصل منها حياء، ولا خجل يردعها عن المحرمات، وهذا الأمر فيه هلاكها في الحياة الدنيا والآخرة.
أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص328)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص415)، والقعنبي في «الموطأ» (ص367)، والحدثاني في «الموطأ» (ص441).
وإسناده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج4 ص212).
أخرجه أبو داود في «سننه» (1833)، وفي «المسائل» (ص110)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص30)، والدارقطني في «السنن» (286)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص148)، وابن ماجه في «سننه» (2935).
وإسناده حسن في المتابعات، من أجل يزيد بن أبي زياد القرشي، وهو وإن كان من رجال مسلم، إلا أنه فيه ضعف، لكنه يصلح شاهدا للآثار السابقة.
قلت: وذكره البخاري في «صحيحه» (ج7 ص195) في كتاب «اللباس» في حديثه: عن «القسية – وهي ثياب-» من طريق جرير عن يزيد بن أبي زياد. وروى له في كتاب «رفع اليدين» وفي كتاب «الأدب المفرد»، وروى له مسلم مقرونا بغيره، واحتج به الباقون، وقال عنه أبو زرعة: لين، يكتب حديثه، وقال أبو داود: لا أعلم أحدا ترك حديثه، وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه، وهذا يدل على أن حديثه من قبل الحسن في المتابعات، وهذا الأثر من ذلك.
قال الشيخ الألباني في «حجاب المرأة» (ص50): وسنده حسن في الشواهد، ثم ساق له شاهدا.
وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج32 ص139).
قال الحافظ ابن حجر / في «تلخيص الحبير» (ج2 ص292): (أخرجه ابن خزيمة، وقال: في القلب من يزيد بن أبي زياد، ولكن ورد من وجه آخر، ثم أخرج من طريق فاطمة بنت المنذر... وصححه الحاكم). اهـ
([65]) وانظر: «عمدة القاري» للعيني (ج4 ص90)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج1 ص19)، و«بذل المجهود» للسهارنفوري (ج3 ص220)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (ج6 ص127).
([66]) وانظر: «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» لابن حجر (ج1 ص482)، و«عمدة القاري بشرح صحيح البخاري» للعيني (ج5 ص74).
([67]) أي: ثبوت العمل المتوارث عند نساء المؤمنين؛ باحتجابهن عن الرجال الأجانب منذ نزل فرض الحجاب إلى يومنا هذا، نقله الثقات الأثبات من أئمة المسلمين.
وانظر: «عمدة القاري» للعيني (ج20 ص217)، و«حجاب المرأة» لابن تيمية (ص17)، و«أضواء البيان» للشيخ الشنقيطي (ج6 ص198)، و«الصارم المشهور» للشيخ التويجري (ص258).
أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (1685)، وفي «التوحيد» (23)، والترمذي في «سننه» (1173)، والطبراني في «المعجم الكبير» (10115)، وفي «المعجم الأوسط» (8092)، وابن حبان في «صحيحه» (5599)، والبزار في «المسند» (ج5 ص427)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج2 ص175)، والطيوري في «الطيوريات» (904)، وابن عدي في «الكامل» (ج3 ص1259)، وابن المقرئ في «الفوائد» (7)،.
وإسناده صحيح.
وقال الشيخ الألباني في «تعليقه على صحيح ابن خزيمة» (ج3 ص93): «إسناده صحيح».
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال الدارقطني في «العلل» (ج5 ص315): «ورفعه صحيح من حديث قتادة».
والحديث صححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج1 ص203).
([69]) قلت: فالعورة؛ كل خلل يتخوف منه، وأصلها من العار، وهو المذمة.
انظر: «فيض القدير» للمناوي (ج6 ص266).
([70]) وبالمقابل فقد خالف كثير من الناس هذا السبيل، وأوردوا أنفسهم المهالك من جهة استعمال المعاني المتشابهة، ووقوع الاشتباه، والإجمال في ألفاظها، والله المستعان.
([75]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص169)، و«عمدة القاري» للعيني (ج4 ص144)، و«مرقاة المفاتيح» للقاري (ج9 ص3904).
([78]) ومعنى: فخمرت وجهي: أي: غطيت وجهي، وسترته بجلبابي.
وانظر: «جلباب المرأة المسلمة» لابن تيمية (ص107)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص463)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج17 ص105)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج12 ص230).
([82]) وانظر: «العلل» لابن أبي حاتم (ج1 ص13)، و«التاريخ» للدارمي (ص243)، و«السؤالات» لأبي داود (ص199)، و«تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس» لابن حجر (ص118).
([83]) وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج6 ص47)، والشوكاني في «فتح القدير» (ج4 ص23)، والثعالبي في «الجواهر الحسان في تفسير القرآن» (ج3 ص117)، وابن الحيري في «الكفاية في التفسير» (ج5 ص244).
([85]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج27 ص531)، و«الضعفاء» للبخاري (343)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (596)، و«الضعفاء» للعقيلي (ج4 ص153)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (2312).
أخرجه ابن حبان في «المجروحين» (ج2 ص341)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج8 ص192)، والعقيلي في «الضعفاء» (ج4 ص154).
وإسناده صحيح.
([87]) وانظر: «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص638)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص113)، و«العلل ومعرفة الرجال» لأحمد (ج1 ص442).
([89]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج16 ص132)، و«المجروحين» لابن حبان (ج2 ص26)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج6 ص29).
([90]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج16 ص132)، و«السؤالات» لابن الجنيد (110)، و«الكامل في الضعفاء» لابن عدي (ج2 ص122)، و«ديوان الضعفاء» للذهبي (2311)، و«ميزان الاعتدال» له (4602).
([91]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج27 ص533)، و«العلل ومعرفة الرجال» لأحمد (ج1 ص167)، و(ج2 ص31 و54 و131)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج10 ص135 و136)، و«ديوان الضعفاء» للذهبي (4109)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (568) .
([98]) وانظر: «العلل الصغير» للترمذي (ص50)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج1 ص521)، و«شرح العلل الصغير» لابن رجب (ج2 ص894)، و«الضعيفة» للشيخ الألباني (ج3 ص135)، و«آفة أصحاب الحديث» لابن الجوزي (ص320)، و«الجامع لأخلاق الراوي» للخطيب (ج2 ص315)، و«الكفاية» له (ج1 ص421).
([99]) كما هي عادة الشيخ الألباني / في عدد من كتبه، وفي عدد من الأحاديث، فإنه يصحح الحديث بالنظر في إسناد، أو إسنادين في الحديث، أي: بمجرد ظاهر الإسناد دون جمعه لطرقه، والنظر في اختلافها، واضطرابها، بل لا ينظر في عدد من الأحاديث إلى أوهام الثقات، وخطئهم في هذه الأحاديث، اللهم سلم سلم.
([100]) وانظر: «شرح التقريب والتيسير» للسخاوي (ص158 و159)، و«فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» له (ج1 ص31)، و«معرفة أنواع علوم الحديث» لابن الصلاح (ص93)، و«شرح العلل الصغير» لابن رجب (ج2 ص843)، و«اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص177)، و«المقنع في علوم الحديث» لابن الملقن (ج1 ص221)، و«معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص113 و114).
([101]) وانظر: «شرح العلل الصغير» لابن رجب (ج1 ص436)، و«لسان الميزان» لابن حجر (ج1 ص264)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج1 ص364 و366).
أخرجه الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (1700)، وابن حبان في «المجروحين» (ج1 ص33)، والخليلي في «الإرشاد» (ج2 ص595).
وإسناده صحيح.
([105]) وهذا يدلك على أن العالم يخطيء، ويصيب، فلا حاجة لنا أن يأتي مقلد فيقول، هذا الحديث صححه فلان، فإن الخطأ لا يسلم منه أحد، فتنبه.
أخرجه العقيلي في «الضعفاء» (ج2 ص431)، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج3 ص1052).
وإسناده صحيح.
وذكره المقريزي في «المختصر» (ص346).
([110]) فرأى طيالسة: أي: عليهم، والطيالسة: جمع طيلسان، وهو نوع من الثياب الأعجمية.
فرأى أنس بن مالك t أناسا يلبسون الطيالسة، وهي ثياب تلبس، فشبههم بيهود خيبر في لباسهم هذا، وما أشبه الليلة بالبارحة.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج7 ص476).
([111]) وانظر: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج11 ص419)، و«المجروحين» لابن حبان (ج1 ص307)، و«الكامل في الضعفاء» لابن عدي (ج3 ص1052)، و«الضعفاء» للعقيلي (ج2 ص76)، و«ذخيرة الحفاظ» لابن طاهر (ج3 ص592 و1649)، و«إحكام النظر» لابن القطان (ص203)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج3 ص365).
([115]) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص85)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص199)، و«تحفة التحصيل» للعراقي (ص155)، و«الإرشاد في معرفة علماء الحديث» للخليلي (ج1 ص389)، و«الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج6 ص300).
أخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص143)، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج4 ص1414).
وإسناده صحيح.
([122]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج19 ص288)، و«ديوان الضعفاء» للذهبي (2748)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج7 ص90).
([124]) انظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص297)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج8 ص259)، و«ديوان الضعفاء» للذهبي (1269).
([129]) هكذا تمام تفسير ابن عباس ﭭ، ولكن عددا من المفسرين ينقلون عنه: الشق الأول، وهذا خطأ، فتنبه.
قلت: لمن دخل من الناس عليها: يعني: الناس من المحارم.
([130]) وصحيفة: علي بن أبي طلحة، قواها: الإمام أحمد /، واحتج بها البخاري /.
فهي صحيحة الإسناد في التفسير فقط، لثبوت التثبت من رواتها في الإسناد، لتفسير ابن عباس ﭭ، وحفظه.
وتفسير معاوية بن صالح قاضي الأندلس عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: رواه الكبار عن أبي صالح كاتب الليث عن معاوية بن صالح، وهذا أجود الطرق عن ابن عباس، وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث، رواها عن معاوية بن صالح، وهي عند الحافظ البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في «صحيحه» فيما يعلقه عن ابن عباس.
وانظر: «الإرشاد في معرفة علماء الحديث» للخليلي (ج1 ص393).
([131]) وهذه الصحيفة صحيحة، وهي مثل الكتاب الصحيح الذي يرويه الراوي عن شيخه، ولم يلقاه، أو يسمع منه مباشرة.
إلا فيما أخطأ في هذا الكتاب، وخالف الثقات، فإنه يعتبر شاذا لا يحتج به.
قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص698): (علي بن أبي طلحة؛ صدوق قد يخطئ)
([133]) وانظر: «الناسخ والمنسوخ» لابن النحاس (ص13 و14)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج2 ص188)، و«الثقات» لابن حبان (ج7 ص1981)، و«تقييد العلم» للخطيب (ص136).
([134]) وكان ابن عباس يكثر من الكتابة من التفسير، وكان يملي على تلاميذه التفسير، فيدونونه، ثم يروونه عن ابن عباس.
([135]) وانظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص118)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص240)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج20 ص490)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج7 ص299).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (109).
وإسناده حسن.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص10).
([138]) فابن عباس قد كتب تفسيره بنفسه، ثم رواه عنه علي بن أبي طلحة.
وهناك كتب في التفسير: رواها تلاميذ ابن عباس عنه بعد أن كتبها بنفسه.
وهناك تفاسير أخرى دونها تلاميذه عنه مباشرة بالسماع.
وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج1 ص90)، و«الناسخ والمنسوخ» لابن النحاس (ج1 ص13)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج1 ص115)، و«الدر المنثور» له (ج6 ص423)، و«التفسير المقرون» للذهبي (ج1 ص277)، و«التعليق على تفسير الطبري» للشيخ أحمد شاكر (ج2 ص528).
أخرجه ابن النحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص14).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الإتقان» (ج2 ص188).
([142]) وهذا يدل أن ابن عباس ﭭ كتب هذا التفسير في كتاب، وأخذه عنه علي بن أبي طلحة ورواه، وهو كتاب صحيح.
قلت: ولو ضربنا على هذا الكتاب، وتركناه، فقد تركنا علما كثيرا في تفسير القرآن، لابن عباس، وهذا هو الخسران المبين، فافطن لهذا.
([143]) فروى الإمام البخاري الكثير منها في «صحيحه»، ولم ينقل كل مافي الصحيفة، فانتبه.
ما روى البخاري في «صحيحه» عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة ذكره ابن حجر في «تغليق التعليق» (ج2 ص26 و254 و394 و430)، و(ج3 ص7 و60 و430 و434 و508)، و(ج4 ص 8 و9 و23 و25 و31 و33 و186 و209 و215 و242 و249 و256 و270 و271 و281 و285 و292 و296 و303 و304 و305 و312 و354 و406 و516 و526)، و(ج5 ص107 و180 و190 و265 و380) وغيرها.
([145]) وانظر: «التحبير في علم التفسير» للسيوطي (ص332)، و«الدعاء» للطبراني (ج2 ص1263)، و(ج3 ص1497)، و«التوبيخ والتنبيه» لأبي الشيخ (ص82 و107)، و«تاريخ جرجان» للسهمي (ص467)، و«المكتفى» للداني (ص406 و407).
([149]) ومسألة جواز كشف الوجه، واليدين نسبها عدد من العلماء باجتهاد منهم، لابن عباس ﭭ على اطلاقها، وهذا غلط، فهذه الأشياء لا تبديها إلا في البيت لأقاربها المحارم، فتنبه.
قال تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون[ [النور:31].
([153]) فتفسير ابن عباس: «الثياب» بالجلابيب للقواعد من النساء من كبار السن، وهي الجلابيب التي تكون على المرأة الشابة، فالعجوز تضع جلبابها، والجلباب: ما على الوجه.
فالله تعالى رخص للعجوز بوضع جلبابها، وهذه خصيصة العجوز عنده عن الشابة.
وانظر: «فضائل القرآن» لأبي عبيد (ص307)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص165).
([154]) وانظر: «تفسير القرآن» لعبد الرزاق (ج2 ص63)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج8 ص2639 و2642)، و«جامع البيان» للطبري (ج17 ص360).
([157]) قلت: فليس للمرأة الشابة أن تكشف وجهها أمام الأجانب عند السلف، لأنه إذا قلنا أنها تكشف عن الوجه والكفين أمام الأجانب، فما الفائدة من نزول آية القواعد، والترخيص لهن بوضع الجلباب، للتفريق بين المرأة الشابة، وبين المرأة العجوز، فافهم لهذا ترشد.
([158]) وانظر: «تفسير القرآن» لابن سلام (ج1 ص444)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج8 ص2579 و2580)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص118).
([159]) قلت: وكشف الوجه أمام الرجال، أشد فتنة من صوت الخلخال، وهو من عمل الشيطان، وكذلك: يد المرأة، فافهم لهذا ترشد.
([163]) المرط: بكسر الميم، وسكون الراء: كساء المرأة، ويكون من الصوف، أو غيره.
انظر: «النهاية» لابن الأثير (ج4 ص319)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص490).
([165]) قلت: والأمر في الآية: هو لتغطية المرأة وجهها.
فالجلباب: في الأعلى، فأمرت أن تنزله على وجهها، وترخيه عليه.
ويقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة، أدني ثوبك على وجهك.
وانظر: «تفسير القرآن» لشيخنا ابن عثيمين (ص49)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج6 ص594).
([166]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص438 و439)، و«معرفة السنن» للبيهقي (ج7 ص141 و142)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص118 و119).
([167]) وانظر: «أحكام القرآن» للجصاص (ج4 ص312 و350)، و«تفسير القرآن» لابن أبي زمنين (ج3 ص230 و412)، و«حجاب المرأة المسلمة» لابن تيمية (ص13)، و«الفتاوى» له (ج22 ص115)، و«جامع البيان» للطبري (ج22 ص33)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج7 ص87)، و(ج8 ص64)، و«تفسير القرآن» للعز بن عبد السلام (ج2 ص398 و590)، و«تفسير القرآن» لابن جزي (ج2 ص67 و159)، و«إرشاد العقل السليم» لأبي السعود (ج6 ص170)، و(ج7 ص115)، و«بحر العلوم» للسمرقندي (ج2 ص508)، و(ج3 ص69)، و«أنوار التنزيل» للبيضاوي (ج4 ص104 و238).
([169]) وبين شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج15 ص373): (إن هذا في الإماء اللاتي لا يخشى منهن فتنة.
وأما الإماء الجميلات اللاتي يفتن، فإنه يجب عليهن: أن يغطين وجوههن؛ وذلك لخوف الفتنة، لا لإلحاقهن بالحرائر).
وهذا هو الصحيح، فإن كل ما يخشى منه الفتنة، فإنه يجب البعد عنه.
([170]) والقناع: هو الذي يغطي الوجه؛ يعني: ما تغطي به المرأة وجهها، ورأسها، وغشاء القلب، وما يستر به الوجه، ويقال: تقنعت المرأة: لبست القناع.
وانظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج3 ص94).
([171]) وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص197)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص114)، و«جامع البيان» للطبري (ج22 ص46)، و«المعجم الوسيط» (ج2 ص763)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص490)، و«عون المعبود» للعظيم آبادي (ج6 ص108)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج6 ص3755)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج12 ص123)، و«البناية على الهداية» للعيني (ج4 ص474)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج13 ص4909)، و«الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج3 ص94).
([172]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج12 ص348).
شبابة: بفتح المعجمة، وخفة الموحدة، بعد الألف موحدة أخرى.
سوار: بفتح المهملة، وشدة الواو، وآخره راء.
وانظر: «الأنساب» للسمعاني (ج4 ص370).
([175]) انظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص598)، و«تهذيب التهذيب» له (ج11 ص306)، و«الكواكب النيرات فيمن اختلط من الرواة» لابن الكيال (ص436)، و«المغني في الضعفاء» للذهبي (ج2 ص746)، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج4 ص1540)، و«الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج6 ص391)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج32 ص55 و58).
([179]) رواية علقمة؛ أخرجها الطبري في «جامع البيان» (ج18 ص193) عن إبراهيم النخعي؛ في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]، قال: (الثياب).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (14847)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1616)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص93)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص110-الدر المنثور).
وإسناده صحيح.
([183]) فيلبس الجلباب فوق الملابس للمرأة، وهو الثوب الذي يستر جميع البدن، وهو ثوب أوسع من الخمار، بمثل: الملحفة تلبسه المرأة، فتغطي به الملابس.
([184]) انظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي (ج3 ص90)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج7 ص261)، و«الكامل في الضعفاء» لابن عدي (ج5 ص1910).
([185]) قلت: وسكت عنه الشيخ الألباني /، ولم يبين حاله عندما احتج بأثر عائشة ڤ: هذا على: «كشف الوجه والكفين» للمرأة، كما في «جلباب المرأة المسلمة» له (ص59)، وضعفه في «الرد المفحم» (ص129).
([186]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج20 ص206 و207)، و«الضعفاء» للنسائي (442)، و«ديوان الضعفاء» للذهبي (2853)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج2 ص181)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج7 ص244)، و«الضعفاء» للدارقطني (422)، و«الضعفاء» للعقيلي (ج3 ص353).
([188]) والفتخة: خاتم كبير يكون في اليد، والرجل.
والقلب، والفتخة من حلي المرأة.
انظر: «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص163 و328)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج3 ص408)، و(ج4 ص98).
([189]) وقد أخطأ من قال أنها: امرأة الضحاك بن سفيان t، لأنها ليس لها أي سماع من عائشة ڤ، ولا لغيرها.
وانظر: «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (ج4 ص464)، و«معرفة الصحابة» لأبي نعيم (ج6 ص3520).
انظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص611)، و«جامع التحصيل في أحكام المراسيل» للعلائي (ص228)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج18 ص118).
([193]) وهو: والد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، أحد الأعلام.
انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج18 ص338).
([194]) انظر: «المسند المستخرج» لأبي نعيم (ج2 ص474)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج3 ص372)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج2 ص754)، و«فيض الباري» للكشميري (ج1 ص388)، و«المحلى بالآثار» لابن حزم (ج3 ص212)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص424)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص824)، و«عون المعبود» للعظيم آبادي (ج6 ص106)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (ج3 ص1574)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج13 ص4908).
([198]) ومعنى: فخمرت وجهي: أي: غطيت وجهي، وسترته بجلبابي.
وانظر: «جلباب المرأة المسلمة» لابن تيمية (ص107)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص463)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج17 ص105)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج12 ص230).
أخرجه أبو داود في «سننه» (1833)، وفي «المسائل» (ص110)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص30)، والدارقطني في «السنن» (286)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص148)، وابن ماجه في «سننه» (2935).
وإسناده حسن في المتابعات، من أجل يزيد بن أبي زياد القرشي، وهو وإن كان من رجال مسلم، إلا أنه فيه ضعف، لكنه يصلح شاهدا للآثار السابقة.
قلت: وذكره البخاري في «صحيحه» (ج7 ص195) في كتاب «اللباس» في حديثه: عن «القسية - وهي ثياب-» من طريق جرير عن يزيد بن أبي زياد. وروى له في كتاب «رفع اليدين» وفي كتاب «الأدب المفرد»، وروى له مسلم مقرونا بغيره، واحتج به الباقون، وقال عنه أبو زرعة: لين، يكتب حديثه، وقال أبو داود: لا أعلم أحدا ترك حديثه، وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه، وهذا يدل على أن حديثه من قبل الحسن في المتابعات، وهذا الأثر من ذلك.
قال الشيخ الألباني في «حجاب المرأة» (ص50): وسنده حسن في الشواهد، ثم ساق له شاهدا.
وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج32 ص139).
قال الحافظ ابن حجر / في «تلخيص الحبير» (ج2 ص292): (أخرجه ابن خزيمة، وقال: في القلب من يزيد بن أبي زياد، ولكن ورد من وجه آخر، ثم أخرج من طريق فاطمة بنت المنذر ... وصححه الحاكم). اهـ
([201]) فيلبس الجلباب فوق الملابس للمرأة، وهو الثوب الذي يستر جميع البدن، وهو ثوب أوسع من الخمار، بمثل: الملحفة تلبسه المرأة، فتغطي به الملابس.
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص47).
وإسناده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج4 ص212).
([206]) انظر: «جامع التحصيل في أحكام المراسيل» للعلائي (ص258)، و«تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل» للعراقي (ص268).
([207]) وسقط عند ابن عدي في «الكامل» ذكر مورق بن عبد الله العجلي، فتنبه.
وهو: ثقة عابد من كبار الطبقة الثالثة، توفي في سنة: «105هـ».
وانظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص799)، و«الكاشف» للذهبي (ج3 ص159).
قال الإمام ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج7 ص213): (كان ثقة عابدا).
وقال الحافظ الذهبي في «الكاشف» (ج3 ص159): (ثقة عابد مجاهد بار).
([208]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج30 ص305 و306)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج11 ص61)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج9 ص107).
([215]) انظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص798)، و«مجمع الأحباب، وتذكرة أولي الألباب» للواسطي (ج1 ص704).
([218]) وسعيد بن بشير الأزدي، لا يحتج بما انفرد به عن قتادة، وغيره، لأنهم نقموا عليه في حفظه.
وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج4 ص10).
أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج21 ص26 و27)، وأبو زرعة الدمشقي في «التاريخ» (ج1 ص399)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج4 ص6)، والآجري في «سؤالاته» (ص261)، وابن عدي في «الكامل» (ج3 ص1206).
وإسناده صحيح.
وذكره المزي في «تهذيب الكمال» (ج10 ص251)، وابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج4 ص10)، والمقريزي في «مختصر الكامل» (ص384).
أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج4 ص6)، والآجري في «سؤالاته» (ص261)، وابن عدي في «الكامل» (ج3 ص1206)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج21 ص26 و27)، وأبو زرعة الدمشقي في «التاريخ» (ج1 ص399).
وإسناده صحيح.
وذكره المزي في «تهذيب الكمال» (ج10 ص351)، وابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج4 ص10)، والمقريزي في «مختصر الكامل» (ص384).
([221]) انظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج4 ص7)، و«تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج21 ص29)، و«مختصر الكامل» للمقريزي (ص384).
([222]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج12 ص242)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج4 ص270)، و«مختصر الكامل» للمقريزي (ص398).
أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج4 ص237)، والآجري في «سؤالاته» (ص261)، وابن عدي في «الكامل» (ج3 ص1206)، وابن شاهين في «تاريخ أسماء الثقات» (ص161).
وإسناده صحيح.
وذكره المقريزي في «مختصر الكامل» (ص398).
([237]) وانظر: «الكافي» لابن عبد البر (ج1 ص238)، و«المجموع بشرح المهذب» للنووي (ج3 ص168)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج7 ص182)، و«عقد الجواهر» لابن شاش (ج1 ص157)، و«حاشية الخرشي على مختصر خليل» (ج1 ص246)، و«الـمغني» لابن قدامة (ج2 ص284)، و«الإنصاف» للمرداوي (ج1 ص449).
([238]) وانظر: «الفروع» لابن مفلح (ج5 ص154)، و«المغني» لابن قدامة (ج6 ص558)، و«الإنصاف» للمرداوي (ج8 ص28)، و«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (ج3 ص453).
أخرجه الخلال في «أحكام النساء» (ص50).
وإسناده صحيح.
ونقله عنه ابن الجوزي في «زاد المسير» (ج6 ص31).
قلت: رحم الله الإمام أحمد، يقول هذا الكلام في عصر الأوائل، فما بالكم لو رأى الإمام أحمد ما أحدثته المحجبات المتبرجات من إظهار اليد، ونصف الساعد، والعين، والحاجب، وبعض أجزاء من الوجه، ألا يعلمن أنهن مبعوثات، وعن هذا مسئولات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (17712).
وإسناده حسن.
وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج2 ص139).
([244]) قلت: فالعورة؛ كل خلل يتخوف منه، وأصلها من العار، وهو المذمة.
انظر: «فيض القدير» للمناوي (ج6 ص266).
([245]) وبالمقابل فقد خالف كثير من الناس هذا السبيل، وأوردوا أنفسهم المهالك من جهة استعمال المعاني المتشابهة، ووقوع الاشتباه، والإجمال في ألفاظها، والله المستعان.
([246]) وانظر: «تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي» للمباركفوري (ج3 ص337)، و«فيض القدير» للمناوي (ج6 ص346)، و«الترغيب والترهيب» للمنذري (ج1 ص225)، و«أحكام النساء» لابن الجوزي (ص209 و211 و215 و216).
([247]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص349)، و«المحلى بالآثار» لابن حزم (ج3 ص135)، و(ج4 ص200)، و(ج5 ص196)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج29 ص296).
([248]) قلت: والذي يقلده في ذلك من المقلدة، فقد شاق الرسول r، وخالف سبيل الصحابة الكرام، وقد وقع عليه الوعيد، لأنه خالف إجماع الصحابة y في وجوب تغطية المرأة لوجهها، وكفيها، والويل.
([249]) حتى ظهر الترويج لأقوال، لا تعرفها مذاهب الفقهاء.
قال الفقيه محمد بن علي الموزعي الشافعي / المتوفى سنة: «825هـ»، في كتابه: «تيسير البيان» (ج4 ص77): (والسلف: كمالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم، لم يتكلموا، إلا في عورة الصلاة، وما أظن أحدا منهم يبيح للشابة أن تكشف وجهها لغير حاجة). اهـ
قلت: فمسألة الحجاب، ولباس المرأة تحتاج إلى إرجاع أقوال الفقهاء إلى سياقاتها، على الفهم الصحيح، ليتصل الفقه الصحيح بأهله، ولا يقول أئمة المذاهب ما لم يقولوه، فافهم لهذا ترشد.
([250]) ومسألة الحجاب، ولباس المرأة لا تحتاج إلى توسع في التأليف، ولا إلى جمع كلام الفقهاء وحشده.
وإنما تحتاج إلى إعادة نصوص الوحيين إلى موضعها، بآثار الصحابة y، والله المستعان.
([251]) وانظر: «الرد المفحم» للشيخ الألباني (ص51 و104 و129)، و«جلباب المرأة المسلمة» له (ص41 و59 و60).
([252]) وقد بينت فيما سبق ضعف: تفسير: «ابن عباس»، و«ابن عمر»، و«عائشة»، و«أبي هريرة»، و«المسور بن مخرمة»، و«أنس بن مالك»، فلا يحتج بها في الشريعة المطهرة، لأنها لا تقاوم الأحاديث الصحيحة في مسألة الحجاب.
وقد نقلت فيما سبق: التفاسير الصحيحة عن هؤلاء الصحابة y، بخلاف ما نقله عنهم الشيخ الألباني / في مسألة الحجاب.
وانظر: «الرد المفحم» للشيخ الألباني (ص51 و104 و129)، و«جلباب المرأة المسلمة» له (ص41 و59 و60).
([253]) وقد جاءت الأحاديث والآثار في ذكر أنواع النساء، وأحوالهن، في حجابهن، ولباسهن، وأشكالهن، ولكل واحدة ذكرت في هذه النصوص، لها أحكام في مسألة الحجاب، فلا تقاس هذه على هذه، لأن هذه ذكرت في هذا النص قبل فرض الحجاب، وهذه بعد الحجاب، وهذه التي ذكرت في هذا النص أمة، وهذه حرة، وهكذا، فلا بد أن نفرق بين ذلك، لضبط حكم فرضية الحجاب، وتغطية المرأة لوجهها وكفيها.
([254]) وقد جاء في ذكر أحوال النساء أحاديث كثيرة، في حجابهن ولباسهن، وخروجهن قبل فرض الحجاب، ومن لم يعرف تواريخ الحوادث والنوازل، اضطربت عليه الأدلة، ولا بد.
([255]) وأدلة حجاب المرأة، مع تغطية وجهها وكفيها: في القرآن، والسنة، والآثار، أقوى وأرسخ من أن تنزعها اجتهادات في الإفتاء.
([256]) قلت: وعليك بمجانبة كل مذهب، لا يذهب إليه السلف الصالح في أصول الدين وفروعه.
وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص24).
([257]) قلت: وأول من احتج بهذه الآية هو الإمام الشافعي /، ولعله كان أول من احتج للإجماع بنص من الكتاب، وبها احتج أكثر علماء الأصول.
([258]) وانظر: «أحكام القرآن» للشافعي (ج1 ص53)، و«الرسالة» له (ص475)، و«العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1064)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص155)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل ابن تيمية (ج1 ص615)، و«الإحكام» للآمدي (ج1 ص200).
([259]) قلت: والضلال المبين مخالفة سبيل المؤمنين، والتدين بما لم يتدينوا به، والضلالة هي أخذ غير سبيلهم، ونهج غير طريقهم!.
والمشاقة: المعاداة.
قلت: وكان ذنب من يعرف الحق، ويزيغ عنه أعظم من ذنب الجاهل، فهو أعظم جرما؛ لأنه اطلع على الحق، وعمل بخلاف ما يقتضيه على سبيل العناد للـه تعالى.
قلت: وسبيل المؤمنين: هو الدين الحنيفي الذي هم عليه، فمن يشاقق الرسول r هو متبع غير سبيل المؤمنين ضرورة، ولكنه بدأ بالأعظم في الإثم، وأتبع بلازمه توكيدا.
وانظر: «البحر المحيط» لأبي حيان (ج3 ص496)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج5 ص385).
([261]) قلت: وزعموا بئسما زعموا: أن أقوال غير المذاهب المختلفة درست، وذهبت، فحكموا على من يخالف هذا المذاهب بالضلال، والشذوذ، فضيعوا آثار الصحابة الكرام وفقههم، وإجماعهم في الدين، ونسبوا إلى الخلافيات المذهبية؛ الحفظ والصحة، وكأنها بمنزلة الذكر الذي تكفل الله بحفظه، فاعتبر!.
([262]) وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج1 ص174)، و«مسند الفاروق» له (ج2 ص473)، و«علل الأحاديث الواردة في الأحاديث» للدارقطني (ج2 ص186).
([263]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص169)، و«عمدة القاري» للعيني (ج4 ص144)، و«مرقاة المفاتيح» للقاري (ج9 ص3904).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج17 ص256)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1569)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (14400)، وأبو عبيد في «غريب الحديث» (ج4 ص318).
وإسناده صحيح.
([268]) وأما تفسير ابن عباس ﭭ: بالزينة الظاهرة: «بالوجه والكفين»؛ فهو أثر ضعيف لا يصح عن ابن عباس، لاختلاف طرقه ومتونه، فقد وقع الاضطراب فيه.
([269]) وانظر: «محاسن التأويل» للقاسمي (ج13 ص308)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج7 ص240)، و«تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي» للمباركفوري (ج8 ص62)، و«عمدة القاري بشرح صحيح البخاري» للعيني (ج20 ص217)، و«بلوغ الأماني» للساعاتي (ج11 ص215).
([270]) الدملج: سوار يحيط بالذراع من أعلى، وهو المعضد من الحلي.
انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج3 ص1425).
([271]) الخلخال: حلية؛ كالسوار تلبسها النساء في أرجلهن، والجمع: خلاخيل.
انظر: «المعجم الوسيط» (ص249).
([272]) القلادة: هي التي تعلق في عنق المرأة من الذهب وغيره.
انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص229)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص265).
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص284)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج17 ص256)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص22 – الدر المنثور)، وعبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص56)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (14400)، وابن أبي الدنيا في «العيال» (404)، وأبو عبيد في «غريب الحديث» (ج5 ص348)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1569)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج4 ص332)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص397).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص284)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج17 ص256)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص22 – الدر المنثور)، وابن وهب في «تفسير القرآن» (ج1 ص10).
وإسناده صحيح.
([278]) القلادة: هي التي تعلق في عنق المرأة من ذهب، وغيره.
وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج3 ص1425)، و«المعجم الوسيط» (ص249)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص221 و229)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص265).
([279]) قلت: ويطلق على الخمار ما تغطي به المرأة رأسها ووجهها أيضا، فهو أعم؛ كما ثبت ذلك في الآثار، وجمعه: أخمرة، وخمر، وخمر.
قلت: ولأن الخمار، يسمى الغطاء مطلقا، وكل شيء غطيته، فقد خمرته، فتخمر الرأس، كما تخمر الوجه؛ أي: تغطيه، فافطن لهذا.
والخمر: ما واراك من شيء، ويقال: يخمر خمرا: إذا خفي، وتوارى، وسميت الخمرة التي يسجد عليها بذلك، لأنها تستر الوجه عن الأرض.
وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص1260)، و«تفسير غريب القرآن» للصنعاني (ص158)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج1 ص1100)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج10 ص48 و49)، و«رسالة الحجاب» لشيخنا العلامة ابن عثيمين (ص7)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص96).
([280]) قلت: فالعورة؛ كل خلل يتخوف منه، وأصلها من العار، وهو المذمة.
انظر: «فيض القدير» للمناوي (ج6 ص266).
([285]) انظر: «المسند المستخرج» لأبي نعيم (ج2 ص474)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج3 ص372)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج2 ص754)، و«فيض الباري» للكشميري (ج1 ص388)، و«المحلى بالآثار» لابن حزم (ج3 ص212)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص424)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص824)، و«عون المعبود» للعظيم آبادي (ج6 ص106)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (ج3 ص1574)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج13 ص4908).
([289]) ومعنى: فخمرت وجهي: أي: غطيت وجهي، وسترته بجلبابي.
وانظر: «جلباب المرأة المسلمة» لابن تيمية (ص107)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص463)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج17 ص105)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج12 ص230).
أخرجه أبو داود في «سننه» (1833)، وفي «المسائل» (ص110)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص30)، والدارقطني في «السنن» (286)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص148)، وابن ماجه في «سننه» (2935).
وإسناده حسن في المتابعات، من أجل يزيد بن أبي زياد القرشي، وهو وإن كان من رجال مسلم، إلا أنه فيه ضعف، لكنه يصلح شاهدا للآثار السابقة.
قلت: وذكره البخاري في «صحيحه» (ج7 ص195) في كتاب «اللباس» في حديثه: عن «القسية - وهي ثياب-» من طريق جرير عن يزيد بن أبي زياد. وروى له في كتاب «رفع اليدين» وفي كتاب «الأدب المفرد»، وروى له مسلم مقرونا بغيره، واحتج به الباقون، وقال عنه أبو زرعة: لين، يكتب حديثه، وقال أبو داود: لا أعلم أحدا ترك حديثه، وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه، وهذا يدل على أن حديثه من قبل الحسن في المتابعات، وهذا الأثر من ذلك.
قال الشيخ الألباني في «حجاب المرأة» (ص50): وسنده حسن في الشواهد، ثم ساق له شاهدا.
وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج32 ص139).
قال الحافظ ابن حجر / في «تلخيص الحبير» (ج2 ص292): (أخرجه ابن خزيمة، وقال: في القلب من يزيد بن أبي زياد، ولكن ورد من وجه آخر، ثم أخرج من طريق فاطمة بنت المنذر ... وصححه الحاكم). اهـ
([292]) فيلبس الجلباب فوق الملابس للمرأة، وهو الثوب الذي يستر جميع البدن، وهو ثوب أوسع من الخمار، بمثل: الملحفة تلبسه المرأة، فتغطي به الملابس.
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص47).
وإسناده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج4 ص212).
([296]) المرط: بكسر الميم، وسكون الراء: كساء المرأة، ويكون من الصوف، أو غيره.
انظر: «النهاية» لابن الأثير (ج4 ص319)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص490).
([301]) هكذا تمام تفسير ابن عباس ﭭ، ولكن عددا من المفسرين ينقلون عنه: الشق الأول، وهذا خطأ، فتنبه.
قلت: لمن دخل من الناس عليها: يعني: الناس من المحارم.
([302]) وصحيفة: علي بن أبي طلحة، قواها: الإمام أحمد /، واحتج بها البخاري /.
فهي صحيحة الإسناد في التفسير فقط، لثبوت التثبت من رواتها في الإسناد، لتفسير ابن عباس ﭭ، وحفظه.
وتفسير معاوية بن صالح قاضي الأندلس عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: رواه الكبار عن أبي صالح كاتب الليث عن معاوية بن صالح، وهذا أجود الطرق عن ابن عباس، وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث، رواها عن معاوية بن صالح، وهي عند الحافظ البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في «صحيحه» فيما يعلقه عن ابن عباس.
وانظر: «الإرشاد في معرفة علماء الحديث» للخليلي (ج1 ص393).
([303]) وهذه الصحيفة صحيحة، وهي مثل الكتاب الصحيح الذي يرويه الراوي عن شيخه، ولم يلقاه، أو يسمع منه مباشرة.
إلا فيما أخطأ في هذا الكتاب، وخالف الثقات، فإنه يعتبر شاذا لا يحتج به.
قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص698): (علي بن أبي طلحة؛ صدوق قد يخطئ)
([305]) وانظر: «الناسخ والمنسوخ» لابن النحاس (ص13 و14)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج2 ص188)، و«الثقات» لابن حبان (ج7 ص1981)، و«تقييد العلم» للخطيب (ص136).
([306]) وكان ابن عباس يكثر من الكتابة من التفسير، وكان يملي على تلاميذه التفسير، فيدونونه، ثم يروونه عن ابن عباس.
([307]) وانظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص118)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص240)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج20 ص490)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج7 ص299).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (109).
وإسناده حسن.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص10).
([310]) فابن عباس قد كتب تفسيره بنفسه، ثم رواه عنه علي بن أبي طلحة.
وهناك كتب في التفسير: رواها تلاميذ ابن عباس عنه بعد أن كتبها بنفسه.
وهناك تفاسير أخرى دونها تلاميذه عنه مباشرة بالسماع.
وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج1 ص90)، و«الناسخ والمنسوخ» لابن النحاس (ج1 ص13)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج1 ص115)، و«الدر المنثور» له (ج6 ص423)، و«التفسير المقرون» للذهبي (ج1 ص277)، و«التعليق على تفسير الطبري» للشيخ أحمد شاكر (ج2 ص528).
أخرجه ابن النحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص14).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الإتقان» (ج2 ص188).
([315]) ومسألة جواز كشف الوجه، واليدين نسبها عدد من العلماء باجتهاد منهم، لابن عباس ﭭ على اطلاقها، وهذا غلط، فهذه الأشياء لا تبديها إلا في البيت لأقاربها المحارم، فتنبه.
قال تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون[ [النور:31].
([319]) فتفسير ابن عباس: «الثياب» بالجلابيب للقواعد من النساء من كبار السن، وهي الجلابيب التي تكون على المرأة الشابة، فالعجوز تضع جلبابها، والجلباب: ما على الوجه.
فالله تعالى رخص للعجوز بوضع جلبابها، وهذه خصيصة العجوز عنده عن الشابة.
وانظر: «فضائل القرآن» لأبي عبيد (ص307)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص165).
([320]) وانظر: «تفسير القرآن» لعبد الرزاق (ج2 ص63)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج8 ص2639 و2642)، و«جامع البيان» للطبري (ج17 ص360).
([321]) وانظر: «تفسير القرآن» لابن سلام (ج1 ص444)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج8 ص2579 و2580)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص118).
([322]) قلت: وكشف الوجه أمام الرجال، أشد فتنة من صوت الخلخال، وهو من عمل الشيطان، وكذلك: يد المرأة، فافهم لهذا ترشد.
([324]) قلت: والأمر في الآية: هو لتغطية المرأة وجهها.
فالجلباب: في الأعلى، فأمرت أن تنزله على وجهها، وترخيه عليه.
ويقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة، أدني ثوبك على وجهك.
وانظر: «تفسير القرآن» لشيخنا ابن عثيمين (ص49)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج6 ص594).
([325]) وبين شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج15 ص373): (إن هذا في الإماء اللاتي لا يخشى منهن فتنة.
وأما الإماء الجميلات اللاتي يفتن، فإنه يجب عليهن: أن يغطين وجوههن؛ وذلك لخوف الفتنة، لا لإلحاقهن بالحرائر).
وهذا هو الصحيح، فإن كل ما يخشى منه الفتنة، فإنه يجب البعد عنه.
([326]) والقناع: هو الذي يغطي الوجه؛ يعني: ما تغطي به المرأة وجهها، ورأسها، وغشاء القلب، وما يستر به الوجه، ويقال: تقنعت المرأة: لبست القناع.
وانظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج3 ص94).
أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (ج4 ص203)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص454).
وإسناده صحيح.
([328]) قلت: والذي يقلده في ذلك من المقلدة، فقد شاق الرسول r، وخالف سبيل الصحابة الكرام، وقد وقع عليه الوعيد، لأنه خالف إجماع الصحابة y في وجوب تغطية المرأة لوجهها، وكفيها، والويل.
([329]) حتى ظهر الترويج لأقوال، لا تعرفها مذاهب الفقهاء.
قال الفقيه محمد بن علي الموزعي الشافعي / المتوفى سنة: «825هـ»، في كتابه: «تيسير البيان» (ج4 ص77): (والسلف: كمالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم، لم يتكلموا، إلا في عورة الصلاة، وما أظن أحدا منهم يبيح للشابة أن تكشف وجهها لغير حاجة). اهـ
قلت: فمسألة الحجاب، ولباس المرأة تحتاج إلى إرجاع أقوال الفقهاء إلى سياقاتها، على الفهم الصحيح، ليتصل الفقه الصحيح بأهله، ولا يقول أئمة المذاهب ما لم يقولوه، فافهم لهذا ترشد.
([330]) قلت: وعليك بمجانبة كل مذهب، لا يذهب إليه السلف الصالح في أصول الدين وفروعه.
وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص24).
([331]) قلت: وأول من احتج بهذه الآية هو الإمام الشافعي /، ولعله كان أول من احتج للإجماع بنص من الكتاب، وبها احتج أكثر علماء الأصول.
([332]) وانظر: «أحكام القرآن» للشافعي (ج1 ص53)، و«الرسالة» له (ص475)، و«العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1064)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص155)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل ابن تيمية (ج1 ص615)، و«الإحكام» للآمدي (ج1 ص200).
([333]) والحق واضح، وسهل: لمن يطلبه بحسن قصد، والله المستعان.
قال تعالى: ]ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر[ [القمر: 22].
يعني: سهلنا لفظه، ويسرنا فهمه، ووضحنا معناه.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص264)، و«مختصر الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج1 ص57).
([335]) وكذلك هذه كانت المرأة في الجاهلية تكشف عن وجهها.
قال الآلوسي المفسر / في «روح المعاني» (ج11 ص264): (إن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه). اهـ
قلت: فعلى المرأة المسلمة، أن لا تتشبه بالمرأة الجاهلية، فتكشف عن وجهها.
قال تعالى: ]وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية[ [الأحزاب: 33].
([336]) وانظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج1 ص283)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج2 ص754)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج14 ص243)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص424)، و«فيض الباري» للكشميري (ج1 ص288)، و«عون المعبود» للعظيم آبادي (ج6 ص106)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج11 ص264)، و«محاسن التأويل» للقاسمي (ج13 ص4908).
([337]) وانظر: «البحر المحيط» لأبي حيان (ج7 ص250)، و«جامع البيان» للطبري (ج22 ص29)، و«أحكام القرآن» للجصاص (ج3 ص372)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج6 ص586).
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص284)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج17 ص256)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج11 ص22 – الدر المنثور)، وابن وهب في «تفسير القرآن» (ج1 ص10).
وإسناده صحيح.
([343]) القلادة: هي التي تعلق في عنق المرأة من ذهب، وغيره.
وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج3 ص1425)، و«المعجم الوسيط» (ص249)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص221 و229)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص265).
([344]) قلت: ويطلق على الخمار ما تغطي به المرأة رأسها ووجهها أيضا، فهو أعم؛ كما ثبت ذلك في الآثار، وجمعه: أخمرة، وخمر، وخمر.
قلت: ولأن الخمار، يسمى الغطاء مطلقا، وكل شيء غطيته، فقد خمرته، فتخمر الرأس، كما تخمر الوجه؛ أي: تغطيه، فافطن لهذا.
والخمر: ما واراك من شيء، ويقال: يخمر خمرا: إذا خفي، وتوارى، وسميت الخمرة التي يسجد عليها بذلك، لأنها تستر الوجه عن الأرض.
وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص1260)، و«تفسير غريب القرآن» للصنعاني (ص158)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج1 ص1100)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج10 ص48 و49)، و«رسالة الحجاب» لشيخنا العلامة ابن عثيمين (ص7)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص96).
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1617)، والطبري في «جامع البيان» (ج17 ص363)، وآدم بن أبي إياس في «تفسير القرآن» (1106).
وإسناده صحيح.
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1617)، والطبري في «جامع البيان» (ج17 ص363).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (17712).
وإسناده حسن.
وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج2 ص139).
([353]) كذلك فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والكفين، والتجول سافرة هكذا، لم يحصل منها حياء، ولا خجل يردعها عن المحرمات، وهذا الأمر فيه هلاكها في الحياة الدنيا والآخرة.
أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص328)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص415)، والقعنبي في «الموطأ» (ص367)، والحدثاني في «الموطأ» (ص441).
وإسناده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج4 ص212).
([356]) قلت: فالعورة؛ كل خلل يتخوف منه، وأصلها من العار، وهو المذمة.
انظر: «فيض القدير» للمناوي (ج6 ص266).
([357]) وبالمقابل فقد خالف كثير من الناس هذا السبيل، وأوردوا أنفسهم المهالك من جهة استعمال المعاني المتشابهة، ووقوع الاشتباه، والإجمال في ألفاظها، والله المستعان.
([360]) قلت: فليس للمرأة الشابة أن تكشف وجهها أمام الأجانب عند السلف، لأنه إذا قلنا أنها تكشف عن الوجه والكفين أمام الأجانب، فما الفائدة من نزول آية القواعد، والترخيص لهن بوضع الجلباب، للتفريق بين المرأة الشابة، وبين المرأة العجوز، فافهم لهذا ترشد.
([361]) وانظر: «تفسير القرآن» لابن سلام (ج1 ص444)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج8 ص2579 و2580)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص118).