القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / إقامة القصاص على الخطباء الوعاظ والقصاص

2023-12-01

صورة 1
إقامة القصاص على الخطباء الوعاظ والقصاص

45

 

                                         

 

                                                                                                                                                                                       

إقامة القصاص

على

الخطباء الوعاظ والقصاص

 

دراسة أثرية علمية منهجية في حال الخطباء الوعاظ والقصاص

الذين يتكلمون في دين الله تعالى بغير علم

 

تأليف:

فضيلة الشيخ فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري

غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين

 

ومعه:

تحذير السلف الصالح

من الخطباء، والوعاظ، والقصاص

بالإضافة:

إلى ذكر تلبيس إبليس على الخطباء، والوعاظ، والقصاص

لما فيهم من النفاق والكذب، والكبر والعجب، والدجل والمكر، والقول في الدين بغير علم، وحب الدنيا، وحب الشهرة، وسفك الدماء، وتحريض الشعوب على حكامهم.

 

    

درة نادرة

للعلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز /

مفتي عام المملكة العربية السعودية

في

الرد على الخطباء والقصاص، والوعاظ المخالفين في الدين

والتحذير منهم، وذكر أسمائهم ليحذر الناس شرهم

 

سئل سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز /: هل يجوز ذكر أسماء الأشخاص، والتعرض لهم حينما يريد الإنسان أن ينقدهم، وينقد فكرهم؟.

فأجاب سماحته: (إذا كان الشخص قد كتب شيئا يخالف الشرع المطهر، ونشره بين الناس([1])، أو أعلن في وسائل الإعلام، وجب الرد عليه، وبيان بطلان ما قال، ولا مانع من ذكر اسمه ليحذره الناس، كدعاة البدع، والشرك، وكالدعاة إلى ما حرم الله من المعاصي، ولم يزل أهل العلم والإيمان من دعاة الحق، وحملة الشريعة يقومون بهذا الواجب نصحا لله، ولعباده، وإنكارا للمنكر، ودعوة إلى الحق، وتحذيرا للناس من أن يغتروا بدعاة الباطل، والأفكار الهدامة).([2]) اهـ

وسئل سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز /: الذي يثني على أهل البدع، ويمدحهم هل يلحق بهم؟.

فأجاب سماحته: (نعم ما فيه شك من أثنى عليهم، ومدحهم هو داع لهم يدعو لهم، هذا من دعاتهم، نسأل الله العافية).([3]) اهـ

والله ولي التوفيق

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

    

درة صافية

للعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين /

في

التحذير من القصاص الدجاجلة

 

سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين /، عن قول بعض أهل العلم إن الرسل الذين أنذروا أقوامهم الدجال لم ينذروهم بعينه، وإنما أنذروهم بجنس فتنته؟.

فأجاب فضيلته: (هذا القول ضعيف، بل هو نوع من التحريف؛ لأن رسول الله r أخبر بأنه ما من نبي إلا أنذر به قومه بعينه؛ كما في صحيح مسلم أن النبي r قال: «ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب»([4]). وسبق لنا بيان الحكمة من إنذار الرسل به.

* ولكن يجب علينا أن نعلم أن جنس هذه الفتنة موجود حتى في غير هذا الرجل، يوجد من بني آدم([5]) الآن من يضل الناس بحاله ومقاله، وبكل ما يستطيع، وتجد أن الله تعالى بحكمته أعطاه بيانا وفصاحة: ]ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة[ [الأنفال: 42]، فعلى المرء إذا سمع مثل هذه الفتن التي تكون لأهل البدع من أناس يبتدعون في العقائد، وأناس يبتدعون في السلوك، وغير ذلك، يجب عليه أن يعرض هذه البدع على الكتاب والسنة، وأن يحذر، ويحذر منها، وأن لا يغتر بما تكسى به من زخارف القول، فإن هذه الزخارف؛ كما قيل فيها:

حـجـج تــهــافــت كـالـزجـاج تــخــالــهــا

 

 

حــقــا وكـــل كــــاســــر مــــكــســــور

* فالدجال المعين لا شك أن فتنته أعظم شيء يكون، لكن هناك دجاجلة([6]) يدجلون على الناس، ويموهون عليهم، فيجب الحذر منهم، ومعرفة إرادتهم ونواياهم، ولهذا قال تعالى في المنافقين: ]هم العدو فاحذرهم[ [المنافقون: 4]؛ مع أنه قال تعالى: ]وإن يقولوا تسمع لقولهم[ [المنافقون: 4]؛ يعني بيانه، وفصاحته، وعظمه يجرك جرا إلى أن تسمع، لكن كأنهم خشب مسندة حتى الخشب ما هي قائمة بنفسها، مسندة تقوم على الجدار فهي لا خير فيها.

فهؤلاء الذين يزينون للناس بأساليب القول سواء في العقيدة، أو في السلوك، أو في المنهج يجب الحذر منهم، وأن تعرض أقوالهم، وأفعالهم على كتاب الله، وسنة رسوله r، فما خالفها فهو باطل مهما كان، ولا تقولن إن هؤلاء القوم أعطوا فصاحة وبيانا لينصروا الحق، فإن الله تعالى قد يبتلي فيعطي الإنسان فصاحة، وبيانا، وإن كان على باطل، كما ابتلى الله الناس بالدجال، وهو على باطل بلا شك).([7]) اهـ

 

والله ولي التوفيق

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

 

    

درة مضيئة

فتوى

العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله

في التحذير من المخالفين للشريعة

 

يقول الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص39): (واعلم أن الخروج عن الطريق على وجهين: أما أحدهما، فرجل قد زل عن الطريق، وهو لا يريد إلا الخير([8])؛ فلا يقتدى بزلته فإنه هالك، ورجل عاند الحق وخالف من كان قبله من المتقين؛ فهو ضال مضل، شيطان مريد في هذه الأمة حقيق على من عرفه أن يحذر الناس منه، ويبين للناس قصته لئلا يقع في بدعته أحد فيهلك). اهـ

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله معلقا على قوله: (حقيق على من عرفه أن يحذر الناس منه، ويبين للناس قصته لئلا يقع في بدعته أحد فيهلك).

أي: هذا الذي خرج عن الحق متعمدا لا يجوز السكوت عنه، بل يجب أن يكشف أمره، ويفضح خزيه حتى يحذره الناس.

ولا يقال: الناس أحرار في الرأي، حرية الكلمة، احترام الرأي الآخر!، كما يدندنون به الآن، من احترام الرأي الآخر، فالمسألة ليست مسألة آراء، المسألة مسألة اتباع، نحن قد بين الله لنا طريقا واضحا، وقال لنا سيروا عليه حينما قال: ]وأن هـذا صراطي مستقيما فاتبعوه[ [الأنعام:153]، فأي شخص يأتينا ويريد منا أن نخرج عن هذا الصراط فإننا:

أولا: نرفض قوله.

وثانيا: نبين ونحذر الناس منه.([9])

ولا يسعنا السكوت عنه، لأننا إذا سكتنا عنه اغتر به الناس؛ لا سيما إذا كان صاحب فصاحة، ولسان، وقلم، وثقافة، فإن الناس يغترون به، ويقولون هذا مؤهل، هذا من المفكرين، كما هو الحاصل الآن، فالمسألة خطيرة جدا.

* وهذا فيه وجوب الرد على المخالف، عكس ما يقوله أولئك يقولون: اتركوا الردود، ودعوا الناس كل له رأيه واحترامه، وحرية الرأي، وحرية الكلمة.

بهذا تهلك الأمة، السلف ما سكتوا عن أمثال هؤلاء، بل فضحوهم وردوا عليهم، لعلمهم بخطرهم على الأمة.([10])

* ونحن لا يسعنا أن نسكت عن شرهم([11])، بل لا بد من بيان ما أنزل الله، وإلا فإننا نكون كاتمين، من الذين قال فيهم: ]إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولـئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون[ [البقرة:159]، فلا يقتصر الأمر على المبتدع، بل يتناول الأمر من سكت عنه، فإنه يتناوله الذم والعقاب، لأن الواجب البيان والتوضيح للناس، وهذه وظيفة الردود العلمية المتوفرة الآن في مكتبات المسلمين كلها تذب عن الصراط المستقيم، وتحذر من هؤلاء، فلا يروج هذه الفكرة فكرة حرية الرأي، وحرية الكلمة واحترام الرأي الآخر إلا مضلل كاتم للحق.

* نحن قصدنا الحق، ما قصدنا أن نجرح الناس، أو نتكلم في الناس، القصد هو بيان الحق، وهذه أمانة حملها الله العلماء، فلا يجوز السكوت عن أمثال هؤلاء، لكن مع الأسف لو يأتي عالم يرد على أمثال هؤلاء قالوا: هذا متسرع... إلى غير ذلك من الوساوس، فهذا لا يخذل أهل العلم أن يبينوا للناس شر دعاة الضلال، لا يخذلهم).([12])اهـ

قلت: وهؤلاء يتعمدون للخروج عن طريق الحق، مع معرفتهم بالحق!، بل ويعرفون أن ما خرجوا إليه من الباطل، فيتعمدون الخروج عن الحق بقصد إضلال المسلمين، وصرفهم عن الطريق الصحيح، ليسهل عليهم اصطيادهم، ثم يكونوا من أتباعهم، فيتصرفون فيهم على ما شاءوا للحصول على مآربهم، ومصالحهم، وشهواتهم الدنيوية من النساء([13]) والمال، والمناصب الاجتماعية، والجاه، والمساكن الفاخرة، والسيارات الفاخرة، والشفاعات لهم ولأولادهم، والشهادات الدنيوية، وغير ذلك.

قلت: فهؤلاء بلا شك من الشياطين، لأن الشياطين يخرجون الناس عن الصراط المستقيم.

والله تعالى يقول عن إبليس لعنه الله: ]الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون[ [الأعراف:46].

فإبليس لعنه الله يريد أن يصرفهم عنه إلى الطرق المنحرفة.

قلت: فالذي يخرج بالناس عن الصراط المستقيم إلى الانحراف، فهو شيطان، وسواء كان من شياطين الجن، أو من شياطين الإنس، فتنبه.([14])

قلت: وما كان هؤلاء من جند إبليس لعنه الله، إلا بسبب أنهم لم يحصلوا على الفقه في الدين المؤصل من الكتاب، والسنة، والآثار.

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (والعدو الآن يريد قلب الدين رأسا على عقب، يريدنا أن نكون تبعا له، ويفرض علينا أفكاره، ويفرض علينا سياسته، فعلينا أن نتثبت في هذا الأمر، ونتوقف عن كثير من الأمور، وأن نقبل على تفهم كلام الله، وكلام رسوله، ونتفقه في دين الله تعالى.

* فالفقه فيه عصمة من الفتن، والفقه وهو الفهم، قد تكون الإنسان كثير الحفظ لكن ليس عنده فهم، فيكون هو والعامي سواء، بل ربما يكون العامي أحسن منه، لأنه يتوقف، ويعرف جهله، وهذا لا يعرف أنه جاهل، ليست المسألة كثرة حفظ، أو كثرة كلام، المسألة مسألة فقه... فالفقه هبة من الله يعطيها الله من يشاء من عباده، لكن إذا استغلها ونماها انتفع بها، وإن أهملها ضاعت). اهـ

وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص37): (واعلم أن الناس لم يبتدعوا بدعة قط حتى تركوا من السنة مثلها فاحذر المحدثات من الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، والضلالة وأهلها في النار.

واحذر صغار المحدثات من الأمور، فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيرا.

* وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة، كان أولها صغيرا تشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع الخروج منها، فعظمت وصارت دينا يدان به،
فخالف الصراط المستقيم). اهـ

قلت: ولهذا يجب أن نبين الحق الذي يجب اتباعه، وإن كان فيه بيان خطأ من أخطأ من الدعاة.

وهذا التبيين هو من إنكار المنكر، وهو لحفظ الشريعة، وصيانتها عن أن تلزم بأخطاء الدعاة، وهو من النصيحة لله تعالى ولكتابه الكريم ورسوله r.([15])

قال الحافظ ابن رجب / في «جامع العلوم» (ص85): (ومن أنواع النصح لله، وكتابه، ورسوله، رد الأهواء المضلة بالكتاب والسنة على موردها، وبيان دلالتهما على ما يخالف الأهواء كلها.

وكذلك رد الأقوال الضعيفة من زلات العلماء، وبيان دلالة الكتاب والسنة على ردها). اهـ

قلت: وهذا الأصل العظيم شوش عليه دعاة التجميع؛ فصاحوا بمن قام بهذا الأصل العظيم، وسموا من قام بهذا الواجب بداعية الفتنة!.

* وهذا مقام خطر؛ فإن الأخطاء، والبدع تصان طلبا لإزالة الفتنة التي زعموا، ويكون فعلهم ذلك أعظم فتنة لما فيه من صيانة الباطل، ومحاربة من ينكروه.

بل وصل بهم الأمر أن نزلوا نصوص الخوارج في حق المنكرين، فقالوا عنهم: خوارج مع الدعاة!.

* وأهل البصائر يعرفون([16])، ويدركون أن هذا بهتان، وأن هؤلاء سلكوا سبيل أسلافهم في قذف أهل الحديث بخلال الخوارج([17])!.

قال الإمام ابن القيم / في النونية (ص176):

ومــن الـعـجـائـب أنـهـــم قــالــوا لــمــــن

 

 

قــد دان بـــــــــالـــــآثـــــــار والــــــقـــــــرآن

أنــتــــم بـــــذا مـــثـــل الـــخـــوارج إنـــهم

 

 

أخـــــذوا الـــظــــواهــــر مــا اهتدوا لمعان

فانـظـر إلـى ذا الــبــهــت هـــذا وصــفــهـم

 

 

نـــســـبوا إلـــيـــه شــيعــــة الإيـــمـــــــان

قلت: والحق أن دعاة الضلالة هم الخوارج؛ لأنهم خرجوا على الشرع المنزل بأهوائهم.

قال الإمام ابن عقيل / في «الفنون» (ج1 ص109): (كما لا يحسن في سياسة الملك العفو عمن سعى على الدولة بالخروج على السلطان، لا يحسن أيضا أن يعفي عمن ابتدع في الأديان([18])، لأن فساد الأديان والابتداع كفساد الدول بالخروج على الملك والاستتباع؛ فالمبتدعون خوارج الشرائع). اهـ

قلت: فضرر أهل البدع في الداخل على المسلمين أعظم من ضرر أهل الكفر في الخارج، فإن هؤلاء المبتدعة يفسدون القلوب ابتداء، وأما أهل الكفر ففسادهم
للقلوب لا يكون إلا تبعا.

قلت: ففساد الكفرة ظاهر لعامة المسلمين، أما المبتدعة فإنه لا يظهر فسادهم لكل شخص.([19])

قال الإمام أحمد / في أهل البدع للمروزي -: (يا بني يغتر بهم المسلمون).([20])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص359): (فهذه المقالات وأمثالها من أعظم الباطل، وقد نبهنا على بعض ما به يعرف معناها، وأنه باطل.

والواجب إنكارها; فإن إنكار هذا المنكر الساري في كثير من المسلمين أولى من إنكار دين اليهود والنصارى الذي لا يضل به المسلمون). اهـ

قلت: والخلاف الحاصل بالردود على القصاص والدعاة أهون من انتشار الأخطاء والبدع التي تنتشر منهم، وهذا أخف الضررين، فافهم لهذا ترشد.([21])

قال الإمام الشاطبي / في«الاعتصام» (ج2 ص229) في الرد على المخالفين: (فمثل هؤلاء لابد من ذكرهم، والتشريد بهم؛ لأن ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تركوا، أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم، والتنفير عنهم، إذا كان سبب ترك التعيين الخوف من التفرق والعداوة.

* ولا شك أن التفرق بين المسلمين، وبين الداعين للبدعة وحدهم، أسهل من التفرق بين المسلمين، وبين الداعين، ومن شايعهم واتبعهم.

* وإذا تعارض الضرران؛ فالمرتكب أخفهما وأسهلهما، وبعض الشر أهون من جميعه، كقطع اليد المتآكلة، وإتلافها أسهل من إتلاف النفس، وهذا شأن الشرع أبدا، يطرح حكم الأخف وقاية من الأثقل). اهـ

قلت: وما علموا أن البدع والأخطاء والسبل هي داعية الفرقة، والمخرجة للناس عن الصراط المستقيم، ومع الطرق المعوجة لا يحصل ائتلاف أبدا.([22])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية /: (إن كثيرا من أهل البدع منافقون النفاق الأكبر).([23]) اهـ

قلت: فأوردهم لسانهم الموارد... لم يسلم من طعنهم، وكيدهم أحد لا الحكام، ولا العلماء، ولا طلبة العلم.

ولقد حذر السلف الصالح؛ كما تقدم إطلاق اللسان على المسلمين، لأنه يورد الناس الموارد، والخوض في الباطل.

عن عمر بن الخطاب t أنه دخل على أبي بكر الصديق t، وهو يجبذ لسانه، فقال له عمر t: مه غفر الله لك. فقال أبو بكر t: «إن هذا أوردني الموارد».([24])

وعن ابن مسعود t قال: «إن أكثر الناس خطايا يوم القيامة، أكثرهم خوضا في الباطل).([25])

والله ولي التوفيق

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

 

 

 

    

درة ناصعة

في بيان أحوال الخطباء، والوعاظ، والقصاص

مـع الإســلام، والمسلمــين!

 

قال الحافظ ابن حزم / في «الفصل» (ج4 ص227): (واعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله على أيديهم خيرا، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية، ولا رفع للإسلام راية، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرقون كلمة المؤمنين، ويسلون السيف على أهل الدين، ويسعون في الأرض مفسدين!).اهـ

   قلت: وإنما ذم ابن حزم / دعاة الضلالة من الوعاظ، والقصاص؛ لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص المكذوبة، والأحاديث الضعيفة، والفتاوى الباطلة، ونشر المناهج الفكرية البدعية؛ دون ذكر العلم النافع، والعمل الصالح، وفق الكتاب، والسنة، وآثار السلف الصالح، وأقوال علماء الأثر والسنة.

   قال الحافظ ابن حزم / في «الفصل» (ج4 ص227): (فالله الله أيها المسلمون تحفظوا بدينكم، ونحن نجمع لكم بعون الله الكلام الزموا القرآن، وسنن رسول الله r، وما مضى عليه الصحابة y، والتابعون، وأصحاب الحديث عصرا عصرا؛ الذين طلبوا الأثر؛ فلزموا الأثر، ودعوا كل محدثة، فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). اهـ

والله ولي التوفيق

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

 

 

 

    

درة لامعة

للإمام ابن الجوزي /

في كيفية تلبيس إبليس على الخطباء والوعاظ والقصاص

 

قال الحافظ ابن الجوزي / في «تلبيس إبليس» (ص165): (ذكر تلبيسه على الوعاظ والقصاص: كان الوعاظ في قديم الزمان علماء فقهاء. وقد حضر مجلس عبيد بن عمير ابن عمر، وكان عمر بن عبدالعزيز يحضر مجلس القاص. ثم خست هذه الصناعة فتعرض لها الجهال، فبعد عن الحضور عندهم المميزون من الناس، وتعلق بهم العوام والنساء([26])، فلم يتشاغلوا بالعلم، وأقبلوا على القصص، وما يعجب الجهلة، وتنوعت البدع في هذا الفن!.

وقد ذكرنا آفاتهم في «كتاب القصاص والمذكرين»، إلا أنا نذكر هنا جملة، فمن ذلك: أن قوما منهم كانوا يضعون أحاديث الترغيب والترهيب([27])، ولبس عليهم إبليس: بأننا نقصد حث الناس على الخير، وكفهم عن الشر، وهذا افتيات منهم على الشريعة، لأنها عندهم على هذا الفعل ناقصة تحتاج إلى تتمة، ثم قد نسوا قوله r: (من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار)([28]).

ومن ذلك: أنهم تلمحوا ما يزعج النفوس ويطرب القلوب، فنوعوا فيه الكلام، فتراهم ينشدون الأشعار الرائقة الغزلية في العشق([29])، ولبس عليهم إبليس: بأننا نقصد الإشارة إلى محبة الله عز وجل، ومعلوم أن عامة من يحضرهم العوام الذين بواطنهم مشحونة بحب الهوى فيضل القاص ويضل.

ومن ذلك: من يظهر التواجد والتخاشع زيادة على ما في قلبه، وكثرة الجمع توجب زيادة تعمل فتسمح النفس بفضل بكاء وخشوع([30])، فمن كان منهم كاذبا فقد خسر الآخرة، ومن كان صادقا لم يسلم صدقه من رياء يخالطه.

ومنهم: من يتحرك الحركات التي يوقع بها على قراءة الألحان، والألحان التي قد أخرجوها اليوم مشابهة للغناء([31])، فهي إلى التحريم أقرب منها إلى الكراهة، والقارئ يطرب، والقاص ينشد الغزل مع تصفيق بيديه، وإيقاع برجليه فتشبه السكر، ويوجب ذلك تحريك الطباع، وتهييج النفوس، وصياح الرجال والنساء، وتمزيق الثياب لما في النفوس من دفائن الهوى، ثم يخرجون فيقولون: كان المجلس طيبا، ويشيرون بالطيبة إلى ما لا يجوز.

ومنهم: من يجري في مثل تلك الحالة التي شرحناها، لكنه ينشد أشعار النوح على الموتى، ويصف ما يجري لها من البلاء، ويذكر الغربة، ومن مات غريبا، فيبكي بها النساء، ويصير المكان كالمأتم([32])، وإنما ينبغي أن يذكر الصبر على فقد الأحباب لا ما يوجب الجزع.

ومنهم: من يتكلم في دقائق الزهد ومحبة الحق سبحانه، فلبس عليه إبليس: أنك من جملة الموصوفين بذلك، لأنك لم تقدر على الوصف حتى عرفت ما تصف وسلكت الطريق، وكشف هذا التلبيس أن الوصف علم، والسلوك غير العلم.

ومنهم: من يتكلم بالطامات والشطح الخارج عن الشرع([33])، ويستشهد بأشعار العشق، وغرضه أن يكثر في مجلسه الصياح، ولو على كلام فاسد!.

وكم منهم: من يزوق عبارة لا معنى تحتها، وأكثر كلامهم اليوم في موسى، والجبل، وزليخا، ويوسف، ولا يكادون يذكرون الفرائض، ولا ينهون عن ذنب. فمتى يرجع صاحب الزنا، ومستعمل الربا، وتعرف المرأة حق وزجها وتحفظ صلاتها، هيهات، وهؤلاء تركوا الشرع وراء ظهورهم، ولهذا نفقت سلعهم؛ لأن الحق ثقيل، والباطل خفيف!([34]).

ومنهم: من يحث على الزهد، وقيام الليل، ولا يبين للعامة المقصود، فربما تاب الرجل منهم، وانقطع إلى زاوية، أو خرج إلى جبل؛ فبقيت عائلته لا شيء لهم!([35]).

ومنهم: من يتكلم في الرجاء، والطمع من غير أن يمزج ذلك بما يوجب الخوف والحذر([36])، فيزيد الناس جرأة على المعاصي، ثم يقوي ما ذكره بميله إلى الدنيا من المراكب الفارهة، والملابس الفاخرة، فيفسد القلوب بقوله وفعله!.

فصل: [حبهم للرئاسة]([37])

وقد يكون الواعظ صادقا قاصدا للنصيحة، إلا أن منهم من تشرب الرئاسة في

قلبه مع الزمان، فيحب أن يعظم([38])، وعلامته أنه إذا ظهر واعظ ينوب عنه، أو يعينه على الخلق، كره ذلك([39])، ولو صح قصده لم يكره من أن يعينه على خلائق الخلق.

 

فصل: [جمعهم الرجال والنساء في مجالسهم]([40])

ومن القصاص من يخلط في مجلسه الرجال والنساء، وترى النساء يكثرن الصياح وجدا على زعمهن، فلا ينكر ذلك عليهم جمعا للقلوب عليه، ولقد ظهر في زماننا هذا من القصاص ما لا يدخل في التلبيس، لأنه أمر صريح مع كونهم جعلوا القصص معاشا([41]) يستمنحون به الأمراء والظلمة، والأخذ من أصحاب المكوس، والتكسب([42]) به في البلدان، وفيهم من يحضر المقابر فيذكر البلى وفراق الأحبة، فيبكي النسوة، ولا يحث على الصبر). اهـ

اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.

ﭑ ﭑ ﭑ

    

رب يسر

المقدمة

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران:102].

]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[  [النساء:1].

]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا «70» يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70-71].

أما بعد،،

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي مـحـمد r، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم؛ فنعوذ بالله من فتنة المضلين.([43])

قلت: وهذا العصر تلاطمت فيه أمواج الجماعات الهدامة، وكثر فيه دعاة البدعة والفتنة، والضلالة، والجهالة، وأصحاب الشبه، وظهرت فيه بعض الكتب الفكرية البدعية التي تلبس على المسلمين دينهم بستار نصر الإسلام، ناهيك عما تفعله في العالم من تشويش، وتحريض لإيقاع الفتنة بين الناس كما هو مشاهد.([44])

والحديث عن الفرق الهدامة له شأن وأهمية للمسلمين، ألا وهو الحذر من شر هذه الفرق، ومن محدثاتها وضلالاتها لكي لا يقعوا في شرها.

عرفت الشر لا للشـــــر لكن لتوقيــه

 

 

ومن لا يعرف الشــر من الخير يقع فيه

قلت: ومن لا يعرف الشر يوشك أن يقع فيه ... إذا فلابد من معرفة دعاة الضلالة....اللهم سلم سلم.

فعن حذيفة بن اليمان t قال: (كان الناس يسألون رسول الله r عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا فى جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: «نعم». فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «نعم. وفيه دخن». قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم([45]) يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر». فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم. دعاة([46]) على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها». فقلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: «نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا». قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركنى ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم». فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك»).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (3606 و7084)، ومسلم في «صحيحه» (1847)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1317)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص14)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج15 ص36)، والبزار في «المسند» (ج7 ص364)، ونعيم بن حماد في «الفتن» (ص17)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج4 ص474)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص113)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص342)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج15 ص9 و17)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص190)، وفي «دلائل النبوة» (ج6 ص490)، وضياء الدين المقدسي في «بلغة الطالب الحثيث في صحيح عوالي الحديث» (ق/25/ط)، ونصر المقدسي في «الحجة» (ج1 ص203)، وأبو عمرو الداني في «الفتن» (ج2 ص503)، والنسائي في «السنن الكبرى» (8032)، والطيالسي في «المسند» (442)، وأحمد في «المسند» (23282)، وأبو داود في «سننه» (4246)، وابن حبان في «صحيحه» (5963)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص271)، وابن عدي في «الكامل» (ج2 ص667)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (3555) من عدة طرق عن حذيفة بن اليمان... فذكره بألفاظ عندهم.

وعن حذيفة بن اليمان t قال: (كان أصحاب النبي r يسألونه عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، قيل: لم فعلت ذلك؟ قال: من اتقى الشر وقع في الخير).

أثر صحيح

أخرجه أحمد في «المسند» (ج38 ص401)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج7 ص486)، من طريق سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي البختري قال: قال حذيفة به.

قلت: وهذا إسناد منقطع، فإن رواية أبي البختري، وهو سعيد بن فيروز عن حذيفة مرسلة، لكنه قد توبع.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص616) من طريق يحيى بن سعيد عن إسماعيل حدثني قيس عن حذيفة t قال: (تعلم أصحابي الخير، وتعلمت الشر).

وأخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» (ص17) من طريق عيسى بن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن حذيفة بن اليمان t قال: (كان أصحابي يتعلمون الخير، وأنا أتعلم الشر مخافة أن أقع فيه). قال عيسى بن يونس: يعني من الفقه.

وأخرجه البزار في «المسند» (ج7 ص342) من طريق محمد بن بشر قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن حذيفة به.

وأخرجه البزار في «المسند» (ج7 ص221) من طريق يونس بن عبيد عن الوليد أبي بشر عن جندب عن حذيفة به.

قال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج15 ص37): (نعم، دعاة على أبواب جهنم: بضم الدال من دعاة أي جماعة يدعون الناس إلى الضلالة، ويصدونهم عن الهدى بأنواع من التلبيس، وأطلق عليهم ذلك باعتبار ما يؤول إليه حالهم). اهـ

وقال الإمام البغوي / في «شرح السنة» (ج15 ص15): (قوله: (وفيه دخن) أي لا يكون الخير محضا، بل فيه كدر وظلمة، وأصل الدخن أن يكون في لون الدابة كدورة إلى السواد). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج13 ص36): (وهو الحقد، وقيل: الدغل، وقيل: فساد في القلب ومعنى الثلاثة متقارب. يشير إلى أن الخير الذي يجيء بعد الشر لا يكون خيرا خالصا بل فيه كدر.

وقيل: المراد بالدخن الدخان،

وقيل: المراد بالدخن الدخان، ويشير بذلك إلى كدر الحال، وقيل: الدخن كل أمر مكروه.

وقال أبو عبيد: يفسر المراد بهذا الحديث الحديث الآخر: لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه.

وأصله: أن يكون في لون الدابة كدورة فكأن المعنى أن قلوبهم لا يصفو بعضها لبعض). اهـ

ونقل أبو عبدالرحمن آبادي / في «عون المعبود» (ج11 ص316): عن القاري قوله: (الدخن هو الكدورة واللون الذي يضرب إلى السواد فيكون فيه إشعار إلى أنه صلاح مشوب بالفساد). اهـ

تتمخض هذه الشروحات عن أمرين:

(1) أن هذه مرحلة ليست خيرا خالصا، وإنما مشوبة بكدر يعكر صفو الخير، ويجعل مذاقه ملحا أجاجا.

(2) أن هذا الكدر يفسد القلوب، ويجعلها ضعيفة حيث يدب إليها داء الأمم، وتتخطفها الشبهات.

* ولسنا بحاجة للوقوف طويلا عند كل شرح نبين صحيحه من قبيحه، وسليمه من سقيمه، لأن رسول الله r قرر أمورا:

1. أن هذا الدخن انحراف عن المنهج النبوي الحق الذي كان يسود مرحلة الخير الخالص فيؤدي إلى تشويه المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، ألم يقل r في تفسير الدخن؛ كما جاء في حديث حذيفة عندما سأله t: «قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي».

هذا هو أصل الداء، وجذر البلاء إنه انحراف عن السنة في المنهج، والانصراف عن السمت النبوي في السلوك والعمل.

2. أن ظاهر هذه المرحلة خير لكن باطنها من قبله الهلاك، ألم يقل رسول الله r في حديث حذيفة t، عند مسلم في صحيحه: «وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس»، وهذا قد يخدع كثير من الناس الذين ينظرون إلى ظواهر الأشياء، لكن أبصارهم عن بواطن الأمور محجوبة، وبذلك لا يلقون بالا لإصلاح الخلل منذ بدايته حتى لا يستفحل، ويتسع الخرق على الواقع.

3. أن هذا الدخن ينمو فاتكا بالخير حتى يسيطر فتكون مرحلة الشر الخالص،
وبداية دعاة الضلالة، وفرق الغواية
([47]).

4. وبهذا يكون مثيرو الدخن هم دعاة الضلالة، وبهذا يتضح أن سلسلة التآمر على الإسلام وأهله ودولته لها جذور عميقة في التاريخ الإسلامي من أهل الكفر في الخارج، وأهل البدع في الداخل.

وبهذا يتضح أن الدخن الذي شاب الخير فكدر بعينه، وغير صفوته هو البدع التي أطلت برؤوسها من أوكار المعتزلة، والصوفية، والجهمية، والخوارج، والأشعرية، والمرجئة، والروافض، والتراثية، والسرورية، والقطبية، والإخوانية، والداعشية، والتبليغية، والترابية، والأباضية، واللادنية وغيرهم، منذ قرون ابتغاء الفتنة، فأمعنت في الإسلام تحريفا، وانتحالا، وتأويلا.([48])

قلت: ومنه يتضح أن أمر البدع خطير؛ لأنها تفسد القلوب والأبدان معا، بينما الأعداء في الخارج يفسدون الأبدان.

ولذلك فقد اتفقت كلمة السلف الصالح على وجوب مجاهدة أهل البدع وهجرهم، والتحذير منهم، والرد عليهم.

قال الحافظ الذهبي / في «سير أعلام النبلاء» (ج7 ص261)؛ بعد أن نقل قول سفيان الثوري: (من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم، خرج من عصمة الله، ووكل إلى نفسه)([49]).

وعنه: (من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه، لا يلقها في قلوبهم)([50]).

قال الحافظ الذهبي: (أكثر السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة والشبه خطافة). اهـ

قلت: صدق / وبر ونصح.

أقول: إن الذين غرسوا هذه الجراثيم في جسم الأمة الإسلامية هم من أبنائها.

* وذلك لكيلا تستيقظ الأمة الإسلامية على وخز الإبر السامة المحقونة بالجراثيم الفتاكة التي تغرز في جسمها، وإمعانا في تضليلها، وتعتيم الأمور، وحجب الحقائق عن بصرها، فقد قام أئمة الكفر بإقامة مصانع داخلية([51]) لإفراز سمومهم من الداخل؛ فلا تظهر أعراض المرض الخبيث؛ إلا بعد مدة طويلة، وحينئذ يستعصي على الطبيب، ويحير اللبيب.

* هذه المصانع التي تردد ما يلقي في سمعها من أعداء الله، وتفرز ما يحقنه بها أئمة يهدون إلى النار وهم من جلدتنا، ويتكلمون بلغتنا، ويزعمون الحرص على أمتنا، والعمل على بعث حضارتنا إلى الأفضل!.

ولكن الرحمة المهداة r لم يترك في الأمر لبسا، فقد بين بوحي من الله تعالى، ولم يكن حدسا.

* ففي حديث حذيفة t: وصف لهؤلاء النفر الذي صنعهم أئمة الكفر على أعينهم، وغذوهم بلبانهم.

قال رسول الله r: (نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها).

قال حذيفة t: قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: (هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا).

فهذه الصفة الأولى التي يعرفون بها، فهم من العرب نسبا ولغة!.

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج13 ص36): (أي من قومنا، ومن أهل لساننا وملتنا، وفيه إشارة إلى أنهم من العرب). اهـ

قلت: ويدخل فيهم أهل الرأي قديما وحديثا من الجماعات والأحزاب كـ (الإخوان المسلمين، والتبليغيين، والسروريين، والقطبيين، والتراثيين، والأشعريين، والصوفيين، واللادنيين، والمرجئيين، وغيرهم من دعاة الضلالة).

فهم يظهرون الحرص على الأمة، ومصالحها، وسيادتها، واستقلالها... يرضون الأمة بألسنتهم، وتأبى قلوبهم إلا تنفيذ ما تعلموه، وتربوا عليه في محاضن رؤوس الحزب.

قلت: هذا ما يخطط له الحزبية... وينفذه الأشياع من الرويبضات... حزب الشيطان، وجنود إبليس الذين دربوهم على المبدأ التنظيمي الحزبي الحاقد على المسلمين.

* وهؤلاء لا يفترون في الدعوة إلى ضلالتهم ومنكرهم، ويقيمون لذلك المخيمات والمؤتمرات الحزبية، والمحاضرات والدروس السطحية، والوسائل الدعوية البدعية.

قلت: ولذلك ورد وصفهم بأنهم دعاة لكن إلى باطل!.

قال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني / في «الصحيحة» (ج6 ص541): (هذا حديث عظيم الشأن من أعلام نبوته r، ونصحه لأمته، ما أحوج المسلمين إليه للخلاص من الفرقة، والحزبية التي فرقت جمعهم، وشتت شملهم، وأذهبت شوكتهم، فكان ذلك من أسباب تمكن العدو منهم، مصداق قوله تبارك وتعالى: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم[الأنفال:46]). اهـ

* هذه التحذيرات النبوية... إشارة للذين أصيبوا بعمى الألوان، فأصبحوا مجرد أبواق يرددون ما يلقى إليهم من وراء الحجب.

* إنها تنبيهات للأمة الإسلامية لعلها تحذر كيد الكافرين([52]) من الخارج... وكيد الحزبيين([53]) من الداخل... وتستفيق فلا تتبع سبيل المجرمين.

* والله كشف الباطل، وفضح زخرفه، لتستبين سبيل المجرمين.

قال تعالى: ﴿وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين﴾ [الأنعام:55].

قلت: وهذا الخطاب وإن كان للنبي r لكنه هو عام لجميع الأمة.

* ولذلك فإن استبانة سبيل المجرمين ضرورية لوضوح سبيل المؤمنين، ومن أجل ذلك فإن استبانة سبيل المجرمين كانت هدفا من أهداف التفصيل الرباني للآيات، لأن أي شبهة، أو غبش في سبيل المجرمين ترتد غبشا، ولبسا على سبيل المؤمنين، وبهذا يكون سفور الكفر، والإجرام، والشر ضروري لوضوح الإيمان، والخير، والصلاح للمؤمنين.([54])

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «لمحة عن الفرق الضالة» (ص6): «فمعرفة الفرق ومذاهبها وشبهاتها، ومعرفة الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، وما هي عليه فيه خير كثير للمسلم، لأن هذه الفرق الضالة عندهم شبهات، وعندها مغريات تضليل، فقد يغتر الجاهل بهذه الدعايات، وينخدع بها فينتمي إليها؛ كما قال r لما ذكر في حديث حذيفة: (هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: نعم، قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، فالخطر شديد».اهـ

وعن العرباض بن سارية t قال: (وعظنا رسول الله r موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»).

حديث صحيح

أخرجه أبو داود في «سننه» (ج4 ص200 و201)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص126)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص104)، وفي «المجروحين» (ج1 ص109)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص45)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص17)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص19 و30)، و(ج2 ص483)، والآجري في «الأربعين» (ص33 و34)، وفي «الشريعة» (ص46)، والبيهقي في «المدخل» (ص115)، وفي «الاعتقاد» (ص130)، وفي «مناقب الشافعي» (ج1 ص10)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص114)، وفي «دلائل النبوة» (ج6 ص541)، والمروزي في «السنة» (ص26)، والبزار في «المسند» (ج10 ص137)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص182)، وفي «التمهيد» (ج21 ص279)، والهروي في «ذم الكلام» (ص34)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص97)، وفي «المدخل إلى الصحيح» (ص81)، والمزي في «تهذيب الكمال» (1/ق/236/ط)، والقاضي عياض في «الشفا» (ج2 ص10 و11)، وحرب الكرماني في «مسائله» (ص394)، وأبو عبيد في «الخطب والمواعظ» (ص90)، وابن حجر في «الموافقة» (ج1 ص136)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج1 ص544)، وفي «القصاص والمذكرين» (ص164)، وأبو إسحاق الحربي في «غريب الحديث» (ج3 ص1174)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج10 ص114)، وفي «المستخرج» (ج1 ص35)، وفي «معرفة الصحابة» (ج4 ص2235)، وفي «الضعفاء» (ص46)، وابن جماعة في «مشيخته» (ج2 ص557)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص44)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص205)، وفي «الأنوار» (ج2 ص769)، وفي «التفسير» (ج3 ص209)، والجورقاني في «الأباطيل» (ج1 ص308)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج18 ص245)، وفي «المعجم الأوسط» (ص66)، وفي «مسند الشاميين» (ج1 254)، والعطار الهمذاني في «ذكر الاعتقاد» (ص82)، وابن البناء في «المختار» (ص42)، والأبرقوهي في «معجم شيوخه» (ق/85/ط)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج2 ص69)، والطبري في «تفسيره» (ج10 ص212)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص75)، والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص176)، وفي «الموضح» (ج2 ص423)، وابن عساكر في «الأربعين البلدانية» (ص18)، وفي «تاريخ دمشق» (ج31 ص28)، و(ج40 ص179 و180)، و(ج64 ص375)، وتمام في «الفوائد» (ج1 ص119)، والداني في «السنن الواردة في الفتن» (ج1 ص374)، وفي «الرسالة الوافية» (ص149)، والمخلص في «سبعة مجالس من أمالية» (ص147)، وابن أبي أسامة في «المسند» (ص55 - بغية الباحث)، وابن وضاح في «البدع» (ص23)، والمراغي في «مشيخته» (ص282)، وابن ظهيرة في «مشيخته» (ج1 ص282)، وأبو الليث السمرقندي في «تنبيه الغافلين» (ص261)، وابن منيع في «المسند» (ج3 ص89 - المطالب)، ونصر المقدسي في «الحجة» (ج1 ص129)، والأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (ج1 ص235) من عدة طرق عن العرباض بن سارية... فذكره بألفاظ عندهم.

وإسناده صحيح.

قال ابن حجر في «الموافقة» (ج1 ص137): (هذا حديث صحيح رجاله ثقات).

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «لمحة عن الفرق الضالة» (ص6): «فأخبر r أنه سيكون هناك اختلاف وتفرق، وأوصى عند ذلك بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والتمسك بسنة الرسول r، وترك ما خالفها من الأقوال، والأفكار، والمذاهب المضلة، فإن هذا طريق النجاة، وقد أمر الله تعالى بالاجتماع والاعتصام بكتابه، ونهى عن التفرق قال تعالى: ]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[ [آل عمران:103]؛ الآيـة إلى، أن قـال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم «104» يوم تبيض وجوه وتسود وجوه[ [آل عمران:105]، وقال تعالى: ]إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون[ [الأنعام:159]؛ فالدين واحد، وهو ما جاء به رسول الله r، لا يقبل الانقسام إلى ديانات وإلى مذاهب مختلفة([55])، بل دين واحد هو دين الله تعالى، وهو ما جاء به رسول الله r([56])، وترك أمته حيث ترك r أمته على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).اهـ

قلت: فالأمر يحتاج إلى اهتمام شديد، لأنه كلما تأخر الزمان كثرت الفرق، وكثرت الشبهات، وكثرت النحل والمذاهب الباطلة، وكثرت الجماعات المتفرقة.

* لكن الواجب على المسلم أن ينظر، فما وافق كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r أخذ به ممن جاء به، كائنا من كان؛ لأن الحق ضالة المؤمن.([57])

قلت: وليست العبرة بالكثرة في معرفة الحق، بل العبرة بالموافقة للحق، ولو لم يكن عليه إلا قلة من المسلمين، ولذلك فلا تغتر بكثرة بعض الجماعات الإسلامية الضالة في هذا الزمان.([58])

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه اللهفي «لمحة عن الفرق الضالة» (ص22): «وأهل السنة والجماعة، لا يضرهم من خالفهم ... والمخالف لا يضر إلا نفسه ... وليست العبرة بالكثرة، بل العبرة بالموافقة للحق، ولو لم يكن عليه إلا قلة من الناس، حتى ولو لم يكن في بعض الأزمان إلا واحد من الناس فهو على الحق، وهو الجماعة.

فلا يلزم من الجماعة الكثرة، بل الجماعة من وافق الحق، ووافق الكتاب والسنة، ولو كان الذي عليه قليل.

أما إذا اجتمع كثرة وحق فالحمد لله هذا قوة. أما إذا خالفته الكثرة، فنحن ننحاز مع الحق، ولو لم يكن معه إلا قليل».اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «التمسك بالسنن» (ص32): (واتباع الشرع والدين متعين، واتباع غير سبيل المؤمنين بالهوى، وبالظن، وبالعادات المردودة مقت وبدعة).اهـ

أقول: فهما طريقان: اتباع الرسول r والسنة، أو اتباع الهوى والبدعة، وليس من سبيل إلى ثالث، فمن لم يتبع الرسول r فلابد أن يتبع الهوى.

قال تعالى: ]فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [القصص:50].

وقال تعالى: ]فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون[ [يونس:32].

قال الإمام القرطبي / في «جامع أحكام القرآن» (ج8 ص335):
«(ذا) صلة أي ما بعد عبادة الإله الحق إذا تركت عبادته إلا الضلال ... قال علماؤنا: حكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحق والباطل منزلة ثالثة ... والضلال حقيقته الذهاب عن الحق». اهـ

قلت: فهؤلاء القصاص قاموا في أيامنا هذه بصرف الناس عن الحق، وصدهم عن سبيل الله المستقيم.([59])

ولقد حذر منهم رسول الله r بقوله: (سيكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم، ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يضلونكم، ولا يفتنونكم).

حديث حسن

أخرجه مسلم في مقدمة «صحيحه» (ص23)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص302)، والخطيب في «الكفاية» (ص429)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج12 ص412)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص97)، والجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (ج1 ص214)، وابن بشران في «الفوائد» (ص680)، والطحاوي في  «مشكل الآثار» (ج7 ص397)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص43) من طرق عن أبي شريح أنه سمع شراحيل بن يزيد يقول أخبرني مسلم بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول: قال: رسول الله r فذكره.

قلت: وهذا سنده حسن، من أجل مسلم بن يسار الطنبذي([60]) ذكره ابن حبان في «الثقات» (ج5 ص390)، ومسلم في «الكنى والأسماء» (ق/72/ط)، والجياني في «تقييد المهمل في تمييز المشكل» (ج2 ص337)، وقال عنه الذهبي في «الميزان» (ج4 ص107): (ولا يبلغ حديثه درجة الصحة، وهو في نفسه صدوق)، وقال الذهبي في «الكاشف» (ج3 ص126): (ثقة، وروى عنه ستة)، وقال ابن حجر في «التقريب» (ص941): (مقبول)؛ أي: حيث يتابع، وإلا فلين الحديث، وقد توبع بأبي عثمان شفي بن ماتع الأصبحي ،وهو ثقة؛ كما في «التقريب» لابن حجر (ص439).

وأخرجه مسلم في مقدمة «صحيحه» (ج1 ص12)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص321)، وإسحاق بن راهويه في «المسند» (ج1 ص340)، والجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (ج1 ص213)، والذهبي في «المعجم المختص» (ص40)، وأبو الحسين الحاكم الثقفي في «الفوائد» (ص276)، والشجري في «الأمالي» (ج1 ص65)، وأبو العباس الأصم في «حديثه» (ص236)، وابن حبان في «صحيحه» (ج15 ص168)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص96)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص223)، وابن وضاح في «البدع» (ص173)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج7 ص275)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص103)، وفي «معرفة علوم الحديث» (ص12)، والخطيب في «الموضح» (ج2 ص395)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج6 ص550)، وأبو يعلى في «المسند» (ج11 ص270)، والهروي في «ذم الكلام» (ج4 ص59)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج2 ص14) من طريق ابن وهب أخبرني سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو هانئ عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة به.

قلت: وهذا سنده كسابقه، وفيه متابعة أبي هانئ حميد بن هانئ، لشراحيل بن يزيد.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص349)، وابن وضاح في «البدع» (ص34)، والهروي في «ذم الكلام» (ج4 ص60) من طرق عن ابن لهيعة عن سلامان بن عامر عن أبي عثمان الأصبحي قال: سمعت أبا هريرة يقول: أن رسول الله r قال: (يكون في أمتي رجال دجالون كذابون، يأتونكم ببدع من الحديث ما لم تسمعوا أنتم، ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يفتنونكم).

وإسناده حسن في المتابعات، فيه ابن لهيعة اختلط بعد احتراق كتبه، كما في «تهذيب الكمال» للمزي (ج15 ص487)، وسلامان بن عامر الشعباني روى عنه ثلاثة، ونقل ابن حجر في ترجمته في «تعجيل المنفعة» (ص157)، عن ابن يونس أنه قال فيه: (كان رجلا صالحا)، وترجم له ابن ناصر الدين في «توضيح المشتبه» (ج5 ص113)، وابن ماكولا في «الإكمال» (ج4 ص547)، والسمعاني في «الأنساب» (ج7 ص341)، ولم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا، وهما لم يتفردا كما تقدم في السند السابق.

والحديث صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج3 ص217)، والجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (ج1 ص214)، وحسنه البغوي في «شرح السنة» (ج1 ص223).

وذكره السيوطي في «تحذير الخواص من القصاص» (ص145).

قال الحافظ الجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (ج1 ص214): (أخبر رسول الله r بكذابين يكونون في آخر الزمان، يكذبون عليه). اهـ

وأخرجه موقوفا: ابن وضاح في «البدع» (ص64) من طريق ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة عن سلامان بن عامر عن أبي عثمان رضيع عبدالملك بن مروان أنه سمع أبا هريرة يقول: (سيخرج قوم في آخر الزمان هم دجالون كذابون ببدع من الحديث لم تسمعوا به أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يفتنونكم).

وإسناده كسابقه.

قلت: وهؤلاء القصاص يتبعون المتشابه([61]) في دين الله تعالى، ليفتنوا الناس عن دينهم، ويوقعوهم في الشك، فاحذروهم.

والله عز وجل حذر من اتباع المتشابهات فقال: ]هو الذي أنزل عليك الكتاب
منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب
[ [آل عمران:7].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله r ]هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات[ فقال: رسول الله r: (فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص209)، وفي «خلق أفعال العباد» (ص167)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2053)، وأبو داود في «سننه» (4598)، والترمذي في «سننه» (2993 و2994)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص185)، والطيالسي في «المسند» (ج3 ص50)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص64)، ومحمد بن طاهر في «الحجة» (ج2 ص583)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص179)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج3 ص208)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص124)، وفي «الأسماء والصفات» (958)، وفي «دلائل النبوة» (ج6 ص545)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص256)، والدارمي في «المسند» (147)، وابن حبان في «صحيحه» (73)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (777)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (223)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص174)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص9)، وفي «معالم التنزيل» (ج2 ص9)، وإسحاق بن راهويه في «المسند» (ج2 ص389)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص9) من عدة طرق عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة به.

وأخرجه عبدالرزاق في «تفسيره» (ج1 ص116)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص48)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص18)، والآجري في «الشريعة» (ص26)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص277)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص602)، وابن منده في «التوحيد» (ج1 ص275)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج6 ص546)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص175)، والترمذي في «سننه» (2993)، والطيالسي في «المسند» (1433)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (492)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص178)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج3 ص208)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج1 ص123)، وإسحاق بن راهويه في «المسند» (ج3 ص648)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص9)، والثعلبي في «الكشف والبيان» معلقا (ج3 ص12)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج3 ص341) من طرق عن ابن أبي مليكة عن عائشة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (ج8 ص210): (قد سمع ابن أبي مليكة من عائشة كثيرا، وكثيرا أيضا ما يدخل بينها وبينه واسطة).

وقال الترمذي في «السنن» (ج5 ص222): (وروي عن أيوب([62]) عن ابن أبي مليكة عن عائشة، هكذا روى غير واحد هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن عائشة، ولم يذكروا فيه عن القاسم بن محمد، وإنما ذكر يزيد بن إبراهيم التستري عن القاسم في هذا الحديث، وابن أبي مليكة هو عبدالله بن عبيدالله بن أبي مليكة سمع من عائشة أيضا). اهـ

قلت: فيحمل على أن ابن أبي مليكة سمعه من القاسم، ومن عائشة رضي الله عنها فحدث به على الوجهين.([63])

والحديث أورده السيوطي في «الدرر المنثور» (ج2 ص148)، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي عاصم، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد.

قلت: فهذا تحذير صريح منه r من أهل الأهواء، والذين في قلوبهم زيغ، وأهل التحريف، وأهل التقليد، وأهل التعصب، وأهل التحزب.

قال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص221): (وكذلك ذكر في أهل الزيغ أنهم يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة، فهم يطلبون به أهواءهم لحصول الفتنة، فليس في نظرهم إذا في الدليل نظر المستبصر حتى يكون هواه تحت حكمه، بل نظر من حكم بالهوى ثم أتى بالدليل كالشاهد له). اهـ

قلت: فاحتجاج أهل التقليد باختلاف العلماء من اتباع المتشابه فاحذروهم.

* فهذا من اتباع المتشابه من النصوص، واحتجاج أهل الأهواء من الحزبية وغيرهم باختلاف العلماء، واتخاذ ذلك ذريعة للإعراض عن الحق، والسنة، والأدلة، والله المستعان.

* لذلك اعتمدوا على آرائهم، وعقولهم، وجعلوها هي المحكمة في النصوص دون مراعاة أصول الاستدلال والفهم... وهذا فيه فتنة لهم وللناس الذين يتبعونهم على باطلهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج22 ص366): (وأما جهة الرأي والتنازع، فإن تنازع العلماء، واختلافهم في صفات العبادات، بل وفي غير ذلك من أمور الدين صار شبهة لكثير من أهل الأهواء من الرافضة وغيرهم).اهـ

قلت: فكل صاحب هوى قد يجد من شاذ الآراء، أو مشتبهها ما يفتن به، ويلبس على الناس دينهم، اللهم غفرا.

قال الحافظ البيهقي / في «جزء الجويباري» (ص227): (فزجر المصطفى r في هذا الخبر -يعني: (من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد أخطأ)([64])- عن الكلام في كتاب الله بالرأي، وسنته مقيسة عليه حتى لا يحل لأحد أن يقول: قال رسول الله إلا بعد التثبت والعلم به، كما لا يحل لأحد أن يقول في كتاب الله برأيه إلا بعد المعرفة به، وسماع ممن يعرفه). اهـ

قلت: فاتباع الآراء والرجال دون ما جاء به الرسول r اتباع للهوى، وعدول عن الصراط المستقيم.

قال تعالى: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[ [الأنعام:153].

* فالصراط المستقيم واحد، والحيد عنه يكون إلى سبل متشعبة، ولقد قال ابن مسعود t: «ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر». وفي رواية: (فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة).

أثر صحيح

أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص93)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص166)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص136)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» تعليقا (ج2 ص989) من طريق الأعمش عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن عبدالله بن مسعود به.

وإسناده صحيح.

وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج1 ص180) ثم قال: (رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح).

وأخرجه ابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص147) من طريق هبيرة، وأبي الأحوص عن ابن مسعود قال: (إذا وقع الناس في الشر، قل: لا أسوة لي في الشر).

وأخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص132) من طريق الأعمش عن أبي عبدالرحمن قال: قال عبدالله فذكره.

وأخرجه ابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص97) من طريق ابن وهب أخبرني من سمع الأوزاعي يقول: حدثني عبدة بن أبي لبابة أن ابن مسعود به.

وهذا إسناد منقطع فيه راوي لم يسم.

وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص461).

قال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج4 ص63): (الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها، وإن كثر الخلاف، كما أنها في أصولها كذلك، ولا يصلح فيها غير ذلك... قال تعالى: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[ [الأنعام:153]؛ فبين أن طريق الحق واحد، وذلك عام في جملة الشريعة وتفاصيلها). اهـ

فعن عبدالله بن مسعود t قال: (خط لنا رسول الله r خطا، ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هذه سبل متفرقة، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون﴾).

 حديث حسن

أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص435)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص318)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص196)، وفي «معالم التنـزيل» (ج2 ص440)، وفي «الأنوار» (ج2 ص768)، وابن نصر في «السنة» (ص5)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص343)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص67)، والطيالسي في «المسند» (ص33)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص13)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص80)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص105)، والآجري في «الشريعة» (ص10)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج5 ص88)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص66)، وفي «الحلية» (ج6 ص263)، وابن وضاح في «البدع» (ص13)، والبزار في «المسند» (ج5 ص131)، وابن أبي زمنين في «السنة» (ص36)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص6)، وفي «الحدائق» (ج1 ص539)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص293) وسعيد بن منصور في «تفسيره» (ج5 ص112) والشاشي في «المسند» (ج2 ص48)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (ج5 ص1422)، والسمرقندي في «تفسيره» تعليقا (ج1 ص512) من طريقين عن ابن مسعود به.

وإسناده حسن.

* فتعدد السبل الشيطانية لا عصمة منه، إلا التمسك بحبل الله تعالى الذي هو كتابه ودينه، والذي بعث به نبيه المعصوم محمد r فقام به بيانا، وتفصيلا بسنته وهديه؛ فلم يقبضه ربه إليه، إلا وقد أبان الحق من الباطل، وترك أمته على بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك.

قال الحافظ ابن حزم / في «الفصل» (ج4 ص227): (الزموا القرآن، وسنن رسول الله r، وما مضى عليه الصحابة y، والتابعون، وأصحاب الحديث عصرا عصرا؛ الذين طلبوا الأثر؛ فلزموا الأثر، ودعوا كل محدثة؛ فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج11 ص625): (ولا يعدل أحد عن الطرق الشرعية إلى الطرق البدعية إلا لجهل، أو عجز، أو غرض فاسد).اهـ

قلت: إنها تنبيهات للأمة الإسلامية لعلها تحذر كيد الكافرين من الخارج... وكيد الحزبيين من الداخل... وتستفيق فلا تتبع سبيل المجرمين.

* فأهل السنة عرفوا سبيل المخالفين فكشفوه للمسلمين نصحا لله، ولرسوله، وللمؤمنين فلا يجوز التعرض لهم بالتجريح لا تصريحا، ولا تلميحا بأنهم يفرقون الأمة الإسلامية، والله كشف الباطل، وفضح زخرفته على يد أهل السنة لتستبين سبيل المجرمين.

قال تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين[ [الأنعام:55].

وهذا الخطاب، وإن كان للنبي r لكنه عام لجميع الأمة.

قلت: ولذلك فإن استبانت سبيل المجرمين([65]) ضرورية لوضوح سبيل المؤمنين، ومن أجل ذلك فإن استبانت سبيل المجرمين كانت هدفا من أهداف التفصيل الرباني للآيات، لأن أي شبهة، أو غبش في سبيل المجرمين ترتد غبشا، ولبسا على سبيل المؤمنين، وبهذا يكون سفور الكفر، والبدع، والإجرام، والشر ضروري لوضوح الإيمان، والخير، والصلاح.

وبهذا يتضح الجانب المضاد من الباطل... والتأكد أن هذا باطل محض؛ لأنه لا بد من تمايز أمور وتميزها.

ولذلك قيل: (وبضدها تتميز الأشياء).

قال الإمام ابن قتيبة / في «تأويل مختلف الحديث» (ص14): (ولن تكتمل الحكمة، والقدوة إلا بخلق الشيء وضده ليعرف كل واحد منهما بصاحبه، فالنور يعرف بالظلمة، والعلم يعرف بالجهل، والخير بالشر، والنفع يعرف بالضر، والحلو يعرف بالمر). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «البيان» (ص18): (المسلم بعد أن يعرف الحق يجب عليه أن يعرف ما يضاده من الباطل القديم والحديث ليجتنبه، ويحذر منه، والله جل وعلا ذكر الكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله في قوله: ]فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى[ [البقرة:256]، وكيف يكفر بالطاغوت من لا يدري ما هو الطاغوت؟!، وكيف يتجنب الباطل من لا يعرف الباطل؟!). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «البيان» (ص20): (لا يمكن مدافعة الأفكار المنحرفة المعاصرة إلا بعد دراسة الأفكار المنحرفة التي سبقتها لأنها في الغالب منحدرة عنها، أو مشابهة لها، وإذا عرفنا السلاح الذي قاوم به أسلافنا الأفكار المنحرفة في وقتهم أمكننا أن نستخدم ذلك السلاح في وجه الأفكار المعاصرة، فلا غنى لنا عن الارتباط بأسلافنا، والإمام مالك / يقول: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها([66])). اهـ

وهكذا يجب على العاملين للإسلام على بصيرة أن يبدؤوا بتجديد سبيل المؤمنين لاتباعها، وتجريد سبيل المجرمين لاجتنابها، وذلك في الواقع لا النظريات.

قال الشيخ محمد المعصومي / في «تمييز المحظوظين عن المحرومين» (ص121): (ولا تغتروا أيها الإخوان المؤمنون بتراهات المشايخ الدجالين، وأرباب المذاهب الخوانين؛ فإنها لا تسمن ولا تغني من شيء، وإنما هي عين الضلال والخسران فتنبه). اهـ

قلت: ولا يظن البعض أن الحرب فقط بين أهل الإسلام، وأهل الكفـر([67]) في الخارج، بل أيضا بين أهل البدع والتحزب([68]) في الداخل.

ومن هنا يعرف أهل الحق، وأهل الباطل الذين يصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجا.

ولا تعرف الحق بالرجال، بل اعرف الحق تعرف أهله، وعادة الضعفاء يعرفون الحق بالرجال لا الرجال بالحق، والعاقل يعرف الحق، ثم ينظر في قول نفسه، فإن كان حقا قبله، وإن كان باطلا رده، وهذا هو المنهج الذي سار عليه أئمتنا بصفائه ونقائه.

* فمن أجل صيانة الدعوة الصحيحة، وأهلها يجب تعلم أفكار الفرق الضالة القديمة والجديدة، ونشر ذلك بين المسلمين، وخاصة طلبة العلم حتى لا يؤتى الإسلام من قبلهم، وحتى يتحقق الأمن والاستقرار، ويأمن الناس من الفتن، وتستقيم أمور الأمة الإسلامية وأحوالها.

فعن عبد الله بن مسعود t قال: (الزموا هذه الطاعة والجماعة، فإنه حبل الله الذي أمر به، وأن ما تكرهون في الجماعة، خير مما تحبون في الفرقة، وإن الله تعالى لم يخلق شيئا قط، إلا جعل له منتهى، وإن هذا الدين قد تم، وإنه صائر إلى نقصان، وإن أمارة ذلك: أن تقطع الأرحام، ويؤخذ المال بغير حقه، ويسفك الدماء، ويشتكي ذو القرابة قرابته، ولا يعود عليه بشيء، ويطوف السائل بين الجمعتين، لا يوضع في يده شيء).

وفي رواية: (إن الله لم يخلق في هذه الدنيا شيئا إلا وقد جعل له نهاية ينتهي إليه... وتفشو الفاقة، وتقطع الأرحام، حتى لا يخشى الغني إلا الفقر، ولا يجد الفقير من يعطف عليه...).

أثر صحيح؛ له حكم الرفع([69])

أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص598)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (38492)، والطبراني في «المعجم الكبير» (8971 و8972 و8973)، وابن البختري في «حديثه» (ص312)، والمستغفري في «دلائل النبوة» (ج1 ص303)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج3 ص723)، والطبري في «جامع البيان» (ج7 ص75)، واللالكائي في «الاعتقاد» (158)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (133)، والآجري في «الشريعة» (ج1 ص123) من طرق عن الشعبي عن ثابت بن قطبة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

ولأهمية هذا الموضوع وخطورته على حياة الناس توجهت بكل ما استطعت إدراكه في هذا الكتاب وسميته: بـ(إقامة القصاص على الخطباء والوعاظ والقصاص)، في بيان الحق من الكتاب الكريم، والسنة الصحيحة، وأقول السلف الصالح، وأهل العلم الربانيين، لعل الله تعالى أن يجعل في ذلك تبصيرا للمسلمين، وتنبيها لهم لما يروجه من لا يريدون الخير لهم... وبهذا يكثر الخير ويعم، ويقل الشر، ويختفي الباطل، ويضمحل، وتكون العاقبة حميدة للمجتمع.

هذا وأسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يعمل لرضاه، وعلى منهج رسوله r، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وإنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد

وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

                                         أبو عبدالرحمن

                               فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري

 

 

 

 

 

 

 

    

رب يسر وأعن فإنك نعم المعين

ذكر الدليل

من القرآن، والسنة، والآثار

على تحذير الخواص من القصاص

 

* فاعلم أيها المسلم الكريم أن الشرع قد حذرنا من القصاص، لما لهم من الخطر العظيم على المسلمين، لأنهم لا يخدموا دينا ولا دنيا، وإنما يهدفوا لهدم الدين من محتواه العلمي التأصيلي، وشغل الأمة الإسلامية بما لا ينفعها، لا في دينها، ولا دنياها.

* وهذا دأب القصاص المتعالمين في كل زمان يلبسون على الناس أمر دينهم... ويقولون بالباطل... ويستغلون عواطف الهمج والرعاع... ويغرونهم بالقصص المكذوبة، والأحاديث الضعيفة والموضوعة، والقصائد الملفقة، والطرائف المغشوشة،... حتى أثروا على أكثر العامة تأثيرا، سيئا، اللهم غفرا.

* ولقد تسلط القصاص من الحركيين الحزبيين([70]) على الدعوة إلى الله تعالى واستغلوها استغلالا لما سمي بـ «الصحوة! »، فتفننوا فيها بغرس الباطل فيها من المعاصي والبدع، باسم الدين، وباسم الأعمال الخيرية!، والله المستعان.

* فشوهوا الإسلام في أذهان العوام([71]) بسبب ما يسمعوه من القصاص الحركيين فاعتقدوا البدعة سنة، والسنة بدعة، والمنكر معروفا، والمعروف منكرا، وأصبحت المخالفات الشرعية عندهم ممزوجة بالنصوص الشرعية، وشاعت بينهم القصص الضعيفة، والأحاديث الضعيفة، وغير ذلك.

قال الإمام ابن قتيبة / في «تأويل مختلف الحديث» (ص357): (إن الحديث يدخله الفساد من وجوه الزنادقة، واحتيالهم للإسلام وتهجينه بدس الأحاديث المستبشعة، والمتحيلة، والقصاص([72]) فإنهم يميلون وجوه العوام إليهم، ويستدرون ما عندهم بالمناكير، والغرائب من الأحاديث، ومن شأن العوام ملازمة القاص ما دام يأتي بالعجائب الخارجة عن نظر العقول). اهـ

وقال الحافظ ابن الجوزي / في «صيد الخاطر» (ص100): (وقد كان جماعة من السلف يرون تخليط القصاص، فينهون عن الحضور عندهم). اهـ

وقال الإمام أحمد /: (أكذب الناس على رسول الله r السؤال والقصاص!).([73])

وقال الحافظ ابن الجوزي / في «تلبيس إبليس» (ص134): (وإنما ذم القصاص؛ لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد، ثم غالبهم يخلط فيما يورده، وربما اعتمد على ما أكثره محال). اهـ

 وقال الحافظ ابن الجوزي / في «تلبيس إبليس» (ص135): (كان الوعاظ في قديم الزمان علماء فقهاء، وقد حضر مجلس عبيد بن عمير، عبدالله بن عمر، وكان عمر بن عبدالعزيز يحضر مجلس القاص، ثم خست هذه الصناعة فتعرض لها الجهال، فبعد عن الحضور عندهم المميزون من الناس، وتعلق بهم العوام والنساء فلم يتشاغلوا بالعلم، وأقبلوا على القصص، وما يعجب الجهلة([74])، وتنوعت البدع في هذا الفن). اهـ

وقال الحافظ ابن الجوزي / في «تلبيس إبليس» (ص137): (ومن القصاص من يخلط في مجلسه الرجال والنساء،([75]) وترى النساء يكثرن الصياح وجدا على زعمهن، فلا ينكر ذلك عليهن جمعا للقلوب عليه.

ولقد ظهر في زماننا هذا من القصاص ما لا يدخل في التلبيس؛ لأنه أمر صريح من كونهم جعلوا القصص معاشا يستمنحون به الأمراء والظلمة، والأخذ من أصحاب المكوس، والتكسب به في البلدان).([76]) اهـ

وقال الحافظ ابن الجوزي / في «صيد الخاطر» (ص118): (ولقد أدخل المتزهدون في الدين ما ينفر الناس منه، حتى إنهم يرون أفعالهم فيستبعدون الطريق، وأكثر أدلة هذه الطريق القصاص). اهـ

قلت: فيرى العامة بما يورده هؤلاء القصاص الظلمة أن طريق الشرع هذه لا التي عليها الفقهاء، فيقعون في الضلال.([77])

قال الحافظ ابن الجوزي / في «الموضوعات» (ج1 ص44): (القسم السابع: قوم شق عليهم الحفظ... وربما رأوا أن الحفظ معروف فأتو بما يغرب مما يحصل مقصودهم فهؤلاء قسمان:

أحدهما: القصاص، ومعظم البلاء منهم يجري؛ لأنهم يريدون أحاديث تنفق وترقق، والصحاح تقل في هذا...

والقسم الثاني: الشحاذون فمنهم قصاص، ومنهم غير قصاص). اهـ

قلت: إن عددا كبيرا من هؤلاء القصاص المبتدعة اتخذ القصص مهنة له يعيش من عمله فيها،([78]) ولم يكن خوف الله متوافرا عندهم، ومن هنا غدت هذه المهنة وسيلة للكسب يسعى صاحبها وراء رزقه، ولذلك نراه يسارع في ابتغاء مرضاة العوام، فهو حريص على رضاهم وإعجابهم، وليس حريصا على تقويمهم ولا تعليمهم.

والعامة أبدا وفي كل عصر يولعون بالغريب، ويعجبون بالخرافة... ويستمتعون بالغرائب، والعجائب، والكذب، حتى أضحى القاص كالمغني الذي لا هم له إلا إطراب السامعين!.

وهكذا كانت دوافع المبالغة، والكذب عند القصاصين قوية ليجدوا المادة التي تجلب السامعين وعطاياهم، وليكتسبوا في كثير من الأحيان ثقة المسؤولين ورضاهم، ممايمنحهم حصانة عندهم ليفعلوا ما يشاءون في المساجد، وغيرها.([79])([80])

قلت: فلا يقص القاص تكسبا من أجل الدنيا.

قال الإمام ابن عقيل / في «الفنون»: (ولا يصلح الكلام على العوام ملحد، ولا أبله، وكلاهما يفسد ما يحصل لهم من الإيمان... والمرء مخبوء تحت لسانه، ولابد أن ينكشف قصده من صفحات وجهه، وقلبه، أو لسانه... وما أخوفني على ما كانت الدنيا أكبر همه أن تكون غاية حظه).([81]) اهـ

وسئل ابن عقيل: عن قوم يجتمعون حول رجل يقرأ عليهم أحاديث، وغير فقيه؟.

فقال: (هذا وبال على الشرع).([82])

قلت: ومن التغفيل تكلم القصاص عند العوام الجهلة بما لا ينفعهم.

ومخاطبة العوام صعبة؛ فلابد أن يتكلم معهم العلماء الربانيون، ومن تابعهم من أهل الحكمة الحقيقية فتنبه.([83])

وقال العلامة ابن الإخوة / في «معالم القربة» (ص180): (وفي زماننا هذا لا يطلب الواعظ إلا لتمام شهر ميت، أو عقد نكاح، أو لاجتماع هذيان، ولا يجتمع الناس عنده لسماع موعظة ولا لفائدة، وإنما صار ذلك من نوع الفرح، واللعب، والاجتماع، ويجري في المجلس أمور لا تليق: من اجتماع الرجال والنساء، ورؤية بعضهم لبعض، وأشياء لا يليق ذكرها، وهذا من البدع المضلة).اهـ

قلت: فالقصاص يميلون وجوه العوام الهمج إليهم، ويستدرون ما عندهم بالمناكير والغريب، والأكاذيب من الأحاديث، والقصص والسيرة،([84]) ومن شأن العوام القعود عند القاص ما كان حديثه غريبا خارجا عن فطر العقول، أو كان رقيقا يحزن القلوب.([85])([86])

قال الإمام أحمد /: (أكذب الناس على رسول الله r السؤال والقصاص، فيجب منع من يكذب مطلقا، فكيف إذا كان يكذب ويسأل ويتخطى؟.

وكيف من يكذب على رؤوس الناس في مثل يوم الجمعة؟ فنهي من يكذب من أعظم الواجبات، بل ينهى من روى ما لا يعرف أصدق أو كذب).([87])

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (لم يكن يقص في زمان رسول الله r، ولا أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، إنما كان القصص زمن الفتنة).([88])

أثر صحيح

أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (ج8 ص53)، وابن أبي عاصم في «المذكر والتذكير» (ص27)، وابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (ص176) من طرق عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وتابعه معاوية بن هشام عن سفيان به.

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج5 ص290). وإسناده صحيح.

قال الإمام ابن أبي عاصم / في «المذكر والتذكير» (ص46): (وفي حديث عبدالله بن عمر أنه لم يقص على عهد رسول الله r، ولا عهد أبي بكر، ولا عهد عمر، ولا عهد عثمان دليل على أنه أحدث بعدهم). اهـ

وقال الإمام محمد بن سيرين /: (أول من قص الحرورية أو قال: الخوارج).([89])

وفي لفظ سئل عن القصص فقال: (بدعة إن أول من أحدث الحرورية القصص).

أثر صحيح

أخرجه ابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (ص177 و344) من طريقين عن محمد بن سيرين به.

وإسناده صحيح.

قلت: فذكر الإمام محمد بن سيرين / بأن شأن أهل البدع ذكر القصص البدعية.

قال الحافظ ابن الجوزي / في «القصاص والمذكرين» (ص34): (اشتغلت الحرورية بالقصص عن حكم القرآن وفهمه، ومالوا إلى آرائهم، فوقع لذلك ذمهم).([90])اهـ

وقال الإمام الحسن البصري /: (إن القصص بدعة، وإن رفع الصوت بالدعاء([91]) لبدعة، وإن مد الأيدي بالدعاء لبدعة، وإن اجتماع الرجال والنساء لبدعة).([92])

قلت: فالقصاص في مستواهم العلمي متخلفون جدا، يدل على ذلك مجموع أحاديثهم الباطلة، ويبدو أن أكثر القصاصين من الناس لا يخشون الله تعالى، ولا يتورعون عن الكذب، والافتراء على دين الله تعالى.([93])

قال العلامة الشيخ محمد المعصومي / في «تمييز المحظوظين عن المحرومين» (ص121): (ولا تغتروا أيها الإخوان المؤمنون بتراهات المشايخ الدجالين، وأرباب المذاهب الخوانين فإنها لا تسمن، ولا تغني من شيء، وإنما هي عين الضلال والخسران فتنبه). اهـ

وقال الإمام أحمد /: (ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير).([94])

قال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الجامع» (ج2 ص162) معلقا على أثر الإمام أحمد: (وهذا الكلام محمول على وجه، وهو أن المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها، ولا موثوق بصحتها، لسوء أحوال مصنفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القصاص فيها). اهـ

 

وقال الإمام أحمد بن حنبل /: (الاشتغال بهذه الأخبار القديمة([95]) يقطع عن العلم الذي فرض علينا طلبه).([96])

وقال الإمام أحمد بن حنبل /: (إن للناس في أرباضهم([97])، وعلى باب دورهم أحاديث يتحدثون بها عن النبي r لم نسمع نحن منها شيئا). ([98])

قال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الجامع» (ج2 ص167) معلقا على أثر الإمام أحمد: (وتلك الأحاديث إنما يسمعها العوام من القصاص، يطوفونهم بها، ويتوصلون إلى نيل ما في أيديهم بروايتها، فيعلق بقلوب العوام، حفظها، ويبدئون ويعيدون فيها استحسانا منهم لها، وباعث القصاص على ذلك معرفتهم نقص العوام، وجهلهم، ولو صدقوا الله فيما يلقونه إليهم لكان خيرا لهم). اهـ

وقال ابن مسعود t: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، أما إني لا أعني حلق القصاص، ولكن حلق الفقه). ([99])

وقال العلامة ابن بدران / في «مصطلح الحديث» (ص53): (لم يزل يبقى من مثل هؤلاء، فإن أكثر الوعاظ لا يبالي بنسبة الكلام إلى النبي r زعما منه أنه يرغب الناس، ويخترع حكايات عن القدماء والصالحين، ومنامات وترهات ينفر العقل منها، وتتبرأ الشريعة منها، ومن صاحبها، وما هم مثل هذا إلا الظهور للناس بمظهر الصلاح، ليجذب قلوبهم ثم دراهمهم ثم استعبادهم، فما أشد ضررهم على الدين، وما أعظم جهلهم، وعدم مخافتهم من رب العالمين). اهـ

قلت: كم اختلق الكذابون على النبي r، وكم وضعوا من الأباطيل والمناكير، وركبوا الأسانيد الملفقة، وأسهبوا وأطنبوا، وبالغوا في التحذير والترهيب، وشددوا وسهلوا، على حسب ما تسول لهم أنفسهم، ولم يخشوا خالقا يعلم سرهم وعلانتهم، فيجازيهم بمقاعد في النار يتبوؤنها جزاء افترائهم، واختلاقهم، وتجرئهم على وضع الأحاديث، والأحكام التي: «ما أنزل الله بها من سلطان».([100])

قال العلامة القاسمي / في «قواعد التحديث» (ص162): (ومما يوجب الأسف أن يرى الإنسان تلك الموضوعات، والمناكير، والأباطيل، قد انتشرت في الكتب انتشارا زائدا، ورواها الخلف عن السلف، وشحنت بها كتب الوعظ والإرشاد، ودواوين الخطباء، حتى أنك لا تطالع ديوانا من الدواوين المتداولة بين خطبائنا إلا ترى فيه من قطائع الأكاذيب على نبينا عليه الصلاة والسلام، ما يستوجب العجب، وما ذاك إلا لذهاب علماء الحديث، ودخولهم في خبر كان، وعدم اعتناء أهل عصرنا به.

ومن أفظع هذه الأباطيل، الأحاديث التي تروى في فضيلة رجب وصيامه، فأغلب الدواوين نراها مشحونة بها). اهـ

وسئل العلامة ابن حجر الهيتمي /: في خطيب يرقى المنبر في كل جمعة، ويروي أحاديث كثيرة، ولم يبين مخرجها، ولا رواتها فما الذي يجب عليه؟.

فأجاب بقوله: (ما ذكره من الأحاديث في خطبته من غير أن يبين رواتها، أو من ذكرها، فجائز بشرط أن يكون من أهل المعرفة في الحديث، أو ينقلها من مؤلفه كذلك.

وأما الاعتماد في رواية الأحاديث على مجرد رؤيتها في كتاب ليس مؤلفه من أهل الحديث، أو في خطب ليس مؤلفها كذلك، فلا يحل ذلك!، ومن فعله عزر عليه التعزير الشديد.

وهذا حال أكثر الخطباء([101]) فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيه أحاديث حفظوها وخطبوا بها من غير أن يعرفوا أن لتلك الأحاديث أصلا أم لا.

فيجب على حكام كل بلد أن يزجروا خطباءها عن ذلك، ويجب على حكام بلد هذا الخطيب منعه من ذلك إن ارتكبه).([102]) اهـ

وقال الحافظ السخاوي / في «الغاية في شرح الهداية» (ج1 ص335): (ولا يجوز رواية شيء من ذلك كله في أي معنى كان من الأحكام، أو القصص، أو الأمثال، أو الترغيب، أو الترهيب مع العلم به إلا مع البيان له من قبل نفسه إن كان أهلا). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «النكت على كتاب ابن الصلاح» (ج2 ص858): (وأما أصحاب الأمراء والقصاص، فأمرهم أظهر، لأنهم في الغالب ليسوا من أهل الحديث).([103]) اهـ

قلت: فالقصاص الضرر بهم شديد لدقة استخراج كذبهم إلا من علماء السنة النقاد الذين يرفعون حقيقة القصاص.

قال الإمام ابن الملقن / في «المقنع في علوم الحديث» (ج1 ص239) عن كذب القصاص في الأحاديث: (ثم نهضت الجهابذة لكشف عوارها، ومحو عارها ولله الحمد). اهـ

وقال الحافظ النووي / في «إرشاد طلاب الحقائق» (ج1 ص262) عن الوضاعين: (أعظمهم ضررا: قوم منسوبون إلى الزهد، وضعوا الحديث([104]) احتسابا في زعمهم الباطل، فقبل الناس موضوعاتهم ثقة بهم). اهـ

وقال الإمام ابن الصلاح / في «مقدمة في علوم الحديث» (ص56): (اعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة، ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه...

والواضعون للحديث أصناف: وأعظمهم ضررا قوم من المنسوبين إلى الزهد، وضعوا الحديث احتسابا فيما زعموا فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم، وركنوا إليهم، ثم نهضت جهابذة([105]) الحديث لكشف عوارها ومحو عارها، والحمد لله). اهـ

وقال الإمام ابن الوزير / في «تنقيح الأنظار في معرفة علوم الآثار» (ص172): (وضرب يتدينون بذلك ليرغب الناس في الخير بزعمهم، وهم ينسبون إلى الزهد يحتسبون بذلك، ويرونه قربة، وهم أعظم الناس ضررا لثقة الناس بهم، وقبولهم منهم)([106]). اهـ

وقال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج1 ص80) وهو يذكر الرواة: (ومنهم القصاص والسؤال الذين كانوا يضعون الحديث في قصصهم، ويروونها عن الثقات!). اهـ

وقال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج1 ص83) عن القصاص: (فالقوم إنما كانت لغتهم العربية، وكان يعلق بقلوبهم ما سمعوا، فربما سمع المستمع من أحدهم حديثا قد وضعه في قصصه بإسناد صحيح على قوم ثقات فيرويها عنه على جهة التعجب، فيحملونه عند ذلك، حتى وقع في أيدي الناس، من ههنا وجب التفتيش والتنقير عن أصل كل رواية، والبحث عن كل راو في النقل، حتى لا يتقول على رسول الله r ما لم يقل). اهـ

وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص399): (ومن حدث عن كذاب لم يبرأ من الكذب؛ لأنه يرى الكذاب في حديثه كاذبا). اهـ

وقال الإمام ابن أبي عاصم في «المذكر والتذكير» (ص25): (سئلت عن قوم نسبوا إلى البدع، ابتنوا دورا، وبنوا فيها مساجد، كل دار منسوبة إلى رأس منهم، يقص، ويجتمع إليه من النساء وضعفة من الرجال، فيموه عليهم بكلام قد زخرفه، ويدعوهم إلى بدعته حتى كثر أتباع هؤلاء القوم). اهـ

وقال الحافظ ابن الأثير / في «النهاية» (ج4 ص52) عن القصاص: (... قوما أحداثا نبغوا بعد أن لم يكونوا يعني القصاص ... بدعة حدثت لم تكن في عهد النبي r). اهـ

قلت: وهؤلاء القصاص لبسوا حلة الخطابة، فرقى الكثير منهم المنابر على جهل فيهم، ولا ديدن لهم إلا الصراخ، والتهويل، والقصص المكذوبة، والسياسة المنحرفة، والفتاوى الباطلة، والأحاديث الضعيفة، وسرد الآيات في غير مواضعها الشرعية، وذكر الرؤى الباطلة، والإسرائيليات المكذوبة، والله المستعان.([107])

قال الإمام أبو حيان / في «البحر المحيط» (ج4 ص400): (وقد ظهر في هذا الزمان العجيب ناس يتسمون بالمشايخ يلبسون ثياب شهرة يوصفون عند العامة بالصلاح، ويتركون الاكتساب، ويرتبون لهم أذكارا لم ترد في الشريعة يجهرون بها في المساجد). اهـ

وقال الحافظ ابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (ص295): (لما كان الخطاب بالوعظ في الأغلب للعوام وجد جهال من القصاص طريقا إلى بلوغ أغراضهم، ثم ما زالت بدعهم تزيد حتى تفاقم الأمر، فأتوا بالمنكرات في الأفعال، والأقوال، والمقاصد).اهـ

وقال الحافظ ابن الجوزي / في «القصاص والمذكرين» (ص324): (وكثير من القصاص يملؤون المجلس بالأحاديث التي لا أصل لها كصلاة الرغائب([108])، وصلاة نصف شعبان([109]) وغير ذلك، ولا يحثون على الفرائض والواجبات، وفيهم من يروي أحاديث التخويف الموضوعة إلى أن يقنط الناس من الرحمة). اهـ

وقال الحافظ ابن الجوزي / في «القصاص والمذكرين» (ص336): (وأما المقاصد فجمهور القوم يطلبون الدنيا، ويحتالون بالقصص والوعظ عليها، وربما امتنع أحدهم من أخذ العطاء تصنعا ليقال زاهد، ليأخذ أكثر مما رد، وأكثرهم لا يمتنع من أخذ أموال الظلمة، ثم يطلبون وعندهم ما يكفي). اهـ

قلت: وإنما وقع الذم لهؤلاء القصاص المتعالمين؛ لأنهم تركوا كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، واشتغلوا بالقصص، والبدع، والأحاديث الموضوعة، والضعيفة عنهما.([110])

وقال الحافظ ابن الجوزي / في «القصاص والمذكرين» (ص349): (إنما كان تذكير السلف، ووعظهم بالقرآن، والفقه، والتخويف، والتشويق.

وإنما أنكروا الميل إلى القصص عن القرآن، والفقه، أو يقص من لا يعلم... ولما كان القصص يشغل في الأغلب عما هو أهم منه من العلم([111])، كره ما يشغل عن العلم خلق من السلف). اهـ

قلت: وقد يظن ظان أن إفساد القصاص لم يعد موجودا الآن، وإنما هو أمر تاريخي بحت لا يتصل اليوم بواقع الحياة والناس...

وهذا ظن خاطئ بعيد عن الصواب، ذلك لأن هؤلاء القصاص مازالوا مع الأسف موجودين بأسماء أخرى، يعيثون في الأرض فسادا.

* ولئن كان المخادعون الدجالون يظهرون تحت عنوان: «القصاص»، فيما مضى؛ إنهم يظهرون في أيامنا هذه تحت عنوان: «الداعية، والموجه، والمربي، والأستاذ، والعلامة، والكاتب، والنائب، والمفكر، والخطيب، والدكتور!» ([112]) وما إلى ذلك من الألقاب!.([113])

قلت: ومن هنا غدت الحاجة ملحة لفضح هؤلاء القصاص الدجالين، وتحذير الناس منهم بالحكمة، والأسلوب المناسب؛ لأن كشف الدجالين ينبغي أن يكون بالحكمة، ومراعاة المصلحة العليا للدعوة إلى الله تعالى، سواء من جهة الشدة، أو من جهة اللين حسب المصلحة الشرعية.([114])

وهذا لا يكون إلا بسؤال علماء السنة والتوحيد، قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ ([115]) [النحل:43].

وقال تعالى: ]وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النحل:44].

قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج2 ص496): (ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان:

إما إلى تفريط([116]) وإضاعة.

وإما إلى إفراط([117]) وغلو.

ودين الله وسط بين الجافي عنه، والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز /: (والخلاصة أن الشريعة الكاملة جاءت باللين في محله، والشدة في محلها، فلا يجوز للمسلم أن يتجاهل ذلك، ولا يجوز أيضا أن يوضع اللين في محل الشدة، ولا الشدة في محل اللين، ولا ينبغي أيضا أن ينسب إلى الشريعة أنها جاءت باللين فقط، ولا أنها جاءت بالشدة فقط، بل هي شريعة حكيمة كاملة صالحة لكل زمان، ومكان، ولإصلاح جميع الأمة، ولذلك جاءت بالأمرين معا، واتسمت بالعدل، والحكمة، والسماحة فهي شريعة سمحة في أحكامها، وعدم تكليفها ما لا يطاق، ولأنها تبدأ في دعوتها باللين، والحكمة، والرفق، فإذا لم يؤثر ذلك وتجاوز الإنسان حده، وطغى، وبغى أخذته بالقوة والشدة، وعاملته بما يردعه ويعرفه سوء عمله.

ومن تأمل سيرة النبي r، وسيرة خلفائه الراشدين، وصحابته المرضيين، وأئمة الهدى بعدهم عرف صحة ما ذكرناه). اهـ

قلت: فالشريعة إنما جاءت باللين في محله حين يرجى نفعه، وأما إذا لم ينفع، واستمر صاحب الظلم في ظلمه، فيعامل بالشدة، لأن الشريعة لم تهمل جانب الشدة في محلها حيث لا ينفع اللين.

قال تعالى: ]يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم[ [التوبة:73].

وقال تعالى: ]ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم[ [العنكبوت:46].

قلت: والآيات وإن كانت في معاملة الكفار، والمنافقين، فهي دالات على أن الشريعة جاءت باللين في محله، والشدة في محلها والله ولي التوفيق.([118])

* ومن هنا لابد من تيسير العلم الشرعي للناس، ومن ثم تبيين السنن لهم وفق
الكتاب والسنة.([119])

* وسئل العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين /، عن قول بعض أهل العلم إن الرسل الذين أنذروا أقوامهم الدجال لم ينذروهم بعينه، وإنما أنذروهم بجنس فتنته؟.

فأجاب فضيلته: (هذا القول ضعيف، بل هو نوع من التحريف؛ لأن رسول الله r أخبر بأنه ما من نبي إلا أنذر به قومه بعينه؛ كما في صحيح مسلم أن النبي r قال: (ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب). وسبق لنا بيان الحكمة من إنذار الرسل به.

* ولكن يجب علينا أن نعلم أن جنس هذه الفتنة موجود حتى في غير هذا الرجل، يوجد من بني آدم([120]) الآن من يضل الناس بحاله ومقاله، وبكل ما يستطيع، وتجد أن الله تعالى بحكمته أعطاه بيانا فصاحة: ]ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة[ [الأنفال:42]؛ فعلى المرء إذا سمع مثل هذه الفتن التي تكون لأهل البدع من أناس يبتدعون في العقائد، وأناس يبتدعون في السلوك، وغير ذلك، يجب عليه أن يعرض هذه البدع على الكتاب والسنة، وأن يحذر، ويحذر منها، وأن لا يغتر بما تكسى به من زخارف القول، فإن هذه الزخارف كما قيل فيها:

حجج تهافت كالزجاج تخالها

 

 

حقا وكل كاسر مكسور

* فالدجال المعين لا شك أن فتنته أعظم شيء يكون، لكن هناك دجاجلة([121]) يدجلون على الناس، ويموهون عليهم، فيجب الحذر منهم، ومعرفة إرادتهم ونواياهم، ولهذا قال تعالى في المنافقين: ]هم العدو فاحذرهم[ [المنافقون:4]؛ مع أنه قال تعالى: ]وإن يقولوا تسمع لقولهم[ [المنافقون:4]؛ يعني بيانه، وفصاحته، وعظمه يجرك جرا إلى أن تسمع، لكن كأنهم خشب مسندة حتى الخشب ما هي قائمة بنفسها، مسندة تقوم على الجدار فهي لا خير فيها.

فهؤلاء الذين يزينون للناس بأساليب القول سواء في العقيدة، أو في السلوك، أو في المنهج يجب الحذر منهم، وأن تعرض أقوالهم، وأفعالهم على كتاب الله، وسنة رسوله r، فما خالفها فهو باطل مهما كان، ولا تقولن إن هؤلاء القوم أعطوا فصاحة وبيانا لينصروا الحق، فإن الله تعالى قد يبتلي فيعطي الإنسان فصاحة، وبيانا، وإن كان على باطل، كما ابتلى الله الناس بالدجال وهو على باطل بلا شك).([122])اهـ

قلت: فالسعيد من قابل الأخبار بالتصديق والتسليم، والأوامر بالانقياد، والنواهي بالتعظيم؛ ففاز بالنعيم المقيم، وزحزح عن مقام المكذبين في الجحيم؛ ذات الزقوم والحميم، والعذاب الأليم.

قال الإمام أبو سعد السمعاني / في «أدب الإملاء والاستملاء» (ص4): (فإن ألفاظ رسول الله r لابد لها من النقل، ولا تعرف صحتها إلا بالإسناد الصحيح، والصحة في الإسناد لا تعرف إلا برواية الثقة عن الثقة، والعدل عن العدل).اهـ

قلت: وعليه لابد من تتبع أحوال القصاص، والوعاظ التي تساعد على نقد مخالفاتهم لآثار السلف الصالح y.

قلت: وهناك آثار عدة تحكي لنا مواقف السلف الصالح من هؤلاء القصاص الدجالين،([123]) وإليك آثارهم:

(1) فعن أبي عبدالرحمن السلمي: أن عليا t رأى رجلا يقص، فقال: (علمت الناسخ من المنسوخ؟ فقال: لا، قال: هلكت وأهلكت).

وفي رواية: (أتعرف الناسخ من المنسوخ...).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج5 ص290)، وأبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (ص4)، والفضل بن دكين في «الناسخ والمنسوخ» (ص13)، والنحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ج1 ص410 و411) والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص244)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص117)، وفي «المدخل» (ج1 ص175)، والحازمي في «الاعتبار» (ص48)، وأبو خيثمة في «العلم» (ص140)، وابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (ص179)، وفي «نواسخ القرآن» (ص126 و127)، وابن أبي عاصم في «المذكر والتذكير» (ص36) من طرق عن أبي حصين عن أبي عبدالرحمن به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه أبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج1 ص89)، والحازمي في «الاعتبار» (ص3) من طريق يزيد بن إبراهيم التستري ثنا إبراهيم بن العلاء الغنوي عن سعيد بن
أبي الحسن قال: قال علي فذكره.

وذكره السيوطي في «تحذير الخواص من أكاذيب القصاص» (ص191).

وهذا فيه دليل على امتحان القصاص([124]) بسؤالهم:

1.    من شيوخكم في العلم.

2.    أين شروحكم في التوحيد، والحديث، والفقه، والتفسير، وغير ذلك.

3.    أين مؤلفاتكم في السنة النبوية.

4.    أين تزكياتكم من علماء أهل السنة والجماعة.

5.    كم سنة تفرغتم لطلب العلم عند العلماء الربانيين في المساجد.

فلا تسمع جوابا شرعيا، والله المستعان.

قال ابن أبي عاصم في «المذكر والتذكير» (ص36) معلقا على أثر علي t: (وهذا دليل على امتحان القاص). اهـ

(2) وعن عبدالرحمن بن الحارث: (أن ابن المسيب لم يكن يجلس مع القاص).

أثر حسن

أخرجه ابن وهب في «الجامع في الحديث» (ج2 ص658) من طريق يحيى بن عبدالله بن سالم عن عبدالرحمن بن الحارث به.

قلت: وهذا سنده حسن.

(3) وعن مالك قال: (كان ابن المسيب وغيره لا يجلسون إلى القاص، ولا يتحولون إليه).

أثر صحيح

أخرجه ابن وهب في «الجامع في الحديث» (ج2 ص659) من طريق مالك به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

(4) وعن مالك: (أن عبدالرحمن بن القاسم كان ألزم شيئا لأبيه ففقده ذات ليلة ثم جاءه، فقال أين كنت، فقال: كنت عند قاص، قال: خير إن شاء الله يا بني، ولا تعود مرة أخرى).

أثر صحيح

أخرجه ابن وهب في «الجامع في الحديث» (ج2 ص659) من طريق مالك به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

(5) وعن ضمرة بن ربيعة قال: سمعت سفيان الثوري وسأله عمر بن العلاء اليماني فقال: (يا أبا عبدالله أستقبل القاص؟ فقال: الثوري: ولوا البدع ظهوركم).

أثر صحيح

أخرجه ابن وضاح في «البدع» (ص55) من طريق أبي أيوب الدمشقي سليمان ابن بنت شرحبيل قال: حدثنا ضمرة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره الطرطوشي في «الحوادث والبدع» (ص101).

(6) وعن عقبة بن حريث قال: سمعت ابن عمر وجاء رجل قاص فجلس في مجلسه، فقال له ابن عمر: (قم من مجلسنا فأبى أن يقوم، فأرسل ابن عمر
إلى صاحب الشرطة أقم القاص قال: فبعث إليه فأقامه).
([125])

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج7 ص239)، وابن وضاح في «البدع» (ص55) من طريق شبابة قال: حدثنا شعبة قال: عقبة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص560)، وابن وضاح في «البدع» (ص56) من طريق شريك عن إبراهيم عن مجاهد قال: (دخل قاص فجلس قريبا من ابن عمر، فقال له: قم فأبى أن يقوم فأرسل إلى صاحب الشرطة فأرسل إليه شرطيا فأقامه).

وإسناده حسن في المتابعات.

وذكره الطرطوشي في «الحوادث والبدع» (ص100)، والسيوطي في «تحذير الخواص» (ص214).

قال الإمام ابن وضاح / في «البدع» (ص56) في القصاص: (لا ينبغي لهم أن  يبيتوا في المساجد، ولا يتركوا أن يبتوا فيها). اهـ

(7) وعن الإمام علي بن المديني / قال: (أكذب الناس ثلاثة القصاص، والسؤال، والوجوه، قال: قلت فما بال الوجوه؟ قال: يكذبون في مجالسهم، ولا يرد عليهم).

               أثر حسن

أخرجه ابن المقرئ في «المعجم» (ص364) والخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص160) من طريق علي بن محمد صالح عن أبي قلابة قال: سمعت علي بن المديني به.

قلت: وهذا سنده حسن.

(8) وعن الإمام أيوب / قال: (ما أمات العلم إلا القصاص، إن الرجل يجلس إلى القاص برهة من دهره فلا يتعلق منه بشيء، وإنه ليجلس إلى الرجل العالم الساعة فما يقوم حتى يفيد منه شيئا).([126])

أثر صحيح

أخرجه الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص164) من طريق علي بن سهل نا عفان نا حماد بن زيد قال: سمعت أيوب به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الحافظ ابن الجوزي / في «القصاص والمذكرين» (ص354): (أكثر كلام الواعظ الرقائق، فإذا تشاغل الإنسان بسماعها عن الفقه قل علمه). اهـ

(9) وعن الإمام أيوب / قال: (ما أفسد على الناس حديثهم إلا القصاص).

أثر حسن

أخرجه الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص164)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص11)، وابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (ص308) من طريق قاسم بن أحمد بن معروف نا أبو داود نا شعبة عن أيوب به.

 (10) وعن ابن عمر t قال: (لم يكن يقص في زمان رسول الله r، ولا أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، إنما كان القصص زمن الفتنة).

أثر صحيح

أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (ج8 ص53)، وابن شبة في «تاريخ المدينة» (ج1 ص8) ابن أبي عاصم في «المذكر والتذكير» (ص27)، وابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (ص176) من طرق عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وتابعه معاوية بن هشام عن سفيان به.

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج5 ص290).

وإسناده صحيح.

وذكره السيوطي في «تحذير الخواص من أكاذيب القصاص» (ص195).

قال الإمام ابن أبي عاصم / في «المذكر والتذكير» (ص46): (وفي حديث عبدالله بن عمر أنه لم يقص على عهد رسول الله r، ولا عهد أبي بكر، ولا عهد عمر، ولا عهد عثمان دليل على أنه أحدث بعدهم). اهـ

(11) وعن الإمام معاوية بن قرة / قال: (كنا إذا رأينا الرجل يقص قلنا هذا صاحب بدعة).

أثر حسن

أخرجه ابن وضاح في «البدع» (ص57) من طريق أسد قال: حدثنا أبو هلال قال: حدثنا معاوية به.

قلت: وهذا سنده حسن.

(12)       وعن الإمام ميمون بن مهران / قال:(القاص ينتظر مقت الله).([127])

أثر صحيح

أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ص17)، وابن وضاح في «البدع» (ص59) من طريق جعفر بن برقان قال: سمعت ميمون به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره السيوطي في «تحذير الخواص» (ص189).

قلت: والمعنى أن الذي يقص عرضة للزيادة والنقصان، وللعجب، والرياء؛ فهو بذلك على خطر الوقوع فيما يسخط الله تعالى.

فيجب على من يتصدر لوعظ الناس أن يكون أهلا لذلك، وأن يحذر من الآفات المهلكة له، ولغيره؛ اللهم سلم سلم.

قال العلامة المناوي / في «فيض القدير» (ج4 ص532): (القاص: الذي يقص على الناس ويعظهم، ويأتي بأحاديث لا أصل لها، يعظ ولا يتعظ، ويختال، ويرغب في جلوس الناس إليه: «ينتظر المقت»، من الله تعالى لما يعرض في قصصه من الزيادة والنقصان، ولأنه مستهدف لكيد الشيطان... فيتكلم ظانا أن قصده الخير، وإنما قصده الجاه، والقبول فيمقته الله...). اهـ

(13) وعن الأسود بن هلال قال: (كان رجل يقص فأتى ابن مسعود، فقيل له، فجاء وجلس في القوم، فلما سمع ما يقولون قام فقال: ألا تسمعون؟ فلما نظروا إليه قال: تعلمون أنكم لأهدى من محمد r وأصحابه أو أنكم لتمسكون بطرف ضلالة).

أثر صحيح

أخرجه ابن وضاح في «البدع» (ص60)، والطبراني في «المعجم الكبير» (8639) من طريق إسرائيل عن أشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

(14) وعن خباب بن الأرت t قال: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين قصوا).

أثر حسن

أخرجه ابن وضاح في «البدع» (ص58) من طريق ابن مهدي عن سفيان عن الأجلح عن عبدالله بن ابي الهذيل عن عبدالله بن خباب عن أبيه به.

قلت: وهذا سنده حسن.

قال الحافظ ابن الأثير / في «النهاية» (ج4 ص71): (أي تكلموا على القول، وتركوا العمل، فكان ذلك سبب هلاكهم، أو بالعكس، لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص). اهـ

(15) وعن همام بن الحارث التيمي قال: (لما قص إبراهيم التيمي أخرجه أبوه من داره([128])، وقال: ما هذا الذي أحدثت).

أثر صحيح

أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (ج6 ص286)، وابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (ص353) وابن وضاح في «البدع» (ص58) من طريق سفيان عن همام به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره السيوطي في «تحذير الخواص من أكاذيب القصاص» (ص200).

وعن الإمام أحمد بن حنبل قال: (من رد حديث رسول الله r فهو على شفا هلكة).([129])

وعن سري بن المغلس السقطي الزاهد / قال: (لا يقوى على ترك الشبهات، إلا من ترك الشهوات).([130])

وعن علي بن المديني يقول: قال لي سيدي أحمد بن حنبل: (لا تحدث إلا من كتاب).([131])

وعن أبي صالح الفراء قال: (حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئا من أمر الفتن، فقال، ذاك يشبه أستاذه يعني: الحسن بن حي([132]) -، قال: قلت ليوسف بن أسباط: أما تخاف أن تكون هذه غيبة؟

فقال يوسف: لم يا أحمق؟ أنا خير لهؤلاء من أمهاتهم، وآبائهم أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا الإنس فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم كان أضر عليهم).([133])

 (16) وعن الإمام أبي إدريس الخولاني / قال: (لأن أرى في طائفة المسجد نارا تقد أحب إلي من أن أرى فيها رجلا يقص ليس بفقيه).

أثر صحيح

أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج5 ص124) وابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (ص351) من طريق محمد الشيباني عن ثور بن يزيد عن أبي عون عن أبي إدريس الخولاني به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره الطرطوشي في «الحوادث والبدع» (ص81).

قال الحافظ ابن الجوزي / في «القصاص والمذكرين» (ص352): (نعم ما قال؛ لأن كلام من لا يعرف الفقه يؤذي ولا ينفع). اهـ

(17) وعن عاصم بن بهدلة قال: (كنا نأتي أبا عبدالرحمن السلمي([134]) ونحن غلمة أيفاع يعني كبار فقال: لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص([135])). وفي رواية: (لا تجالسوا شقيقا القاص الضبي).

أثر صحيح

أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج6 ص182)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج4 ص193)، وابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (ص352)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج2 ص563)، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج4 ص45) من طريق عارم أبي النعمان، وعمرو بن عوف قالا: حدثنا حماد بن زيد قال: أخبرنا عاصم بن بهدلة به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وأخرجه العقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج2 ص563) من طريق أبي توبة قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود قال: كنا نجالس أبا عبد الرحمن السلمي، قال: فكان يقول: (لا يجالسنا حروري، ولا من جالس القصاص، إلا أبا الأحوص، ولا من يجالس شقيقا الضبي).

وإسناده حسن.

وأخرجه العقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج2 ص564) من طريق عاصم بن يوسف قال حدثنا أبو بكر عن عاصم بن أبي النجود قال: كان أبو عبد الرحمن يقص فكان إذا جلس يقول: (لا يجالسني حروري، ولا رجل جالس شقيقا الضبي، واتقوا القصاص، إلا أبا الأحوص).

قال عاصم: كان شقيق رأس الضلال الحروري.

وإسناده حسن.

وأخرجه ابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج4 ص1364) من طريق سفيان بن وكيع ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين قال: قال أبو عبد الرحمن السلمي: (لا يجالسني حروري، ولا صاحب بدعة، ولا قاص؛ إلا أن يكون أبا الأحوص).

وإسناده حسن.

وأخرجه ابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج4 ص1364) من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن عاصم بن أبي النجود قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن ونحن غلمة أيفاع، قال: فكان يقول لنا: (لا تأتوا القصاص غير أبي الأحوص، إياكم وشقيق الضبي؛ ليس بأبي وائل).

وإسناده حسن.

وأخرجه ابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج4 ص1364) من طريق يحيى بن حبيب ثنا حماد بن زيد عن عاصم بن أبي النجود قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي، فيقول لنا: (لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص، وإياكم وشقيق، وكان يرى رأي الخوارج).

وإسناده حسن.

وأخرجه صالح بن أحمد في «سؤالاته» (ص188) من طريق الأسود بن عامر قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود قال: كان أبو عبد الرحمن السلمي يقول: (لا يجالسني حروري، ولا يجالسني رجل جالس شقيقا الضبي، قال أبو بكر: وكان مخاصما، وقال: (لا تجالسوا القصاص إلا أبا الأحوص([136])، فإنه لا يتهم من أصحاب عبد الله بن مسعود).

وإسناده صحيح.

قال الحافظ ابن عدي / في «الكامل» (ج4 ص1364): (وشقيق الضبي كوفي لا أعرفه إلا هكذا، وكان من قصاص أهل الكوفة، والغالب عليه القصص، ولا أعرف له أحاديث مسندة كما لغيره، وهو مذموم عند أهل بلده، وهم أعرف به).اهـ

وأخرجه العقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج2 ص564) من طريق محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: كان أبو عبد الرحمن إذا خرج يقرئنا، قال: (لا يجالسنا حروري، ولا مرجئ، ولا رجل على دين شقيق الذواق الضبي).

وإسناده حسن.

وأخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص775) من طريق حماد بن زيد حدثنا عطاء بن السائب قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي، ونحن غلمة أيفاع، فكان يقول: (لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص، وإياكم وشقيقا([137])، وسعد([138]) بن عبيدة).

وإسناده حسن.

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص555) من طريق وكيع عن مالك بن مغول قال: قال أبو عبدالرحمن السلمي: (لا تجالسوا من القصاص إلا أبا الأحوص).

وإسناده صحيح.

وذكره السيوطي في «تحذير الخواص من أكاذيب القصاص» (ص184).

قلت: وهذا الأثر فيه تحذير الصغار من الدراسة عند القصاص والوعاظ المتعالمين المنحرفين، وهذا فقه السلف الصالح في خوفهم من انحراف الصغار أيضا مع أهل البدع والأهواء؛ فافطن لهذا ترشد.

* فيجب حث الصغار من الأبناء والبنات إلى الدراسة عند الثقات من أهل العلم وطلبتهم، كما حث أبو عبدالرحمن السلمي / الصغار إلى الجلوس إلى أبي الأحوص، العالم الثقة، والأخذ عنه العلم الشرعي الذي يضيء لهم طريقهم في الدنيا والآخرة.

قلت: وما أمات العلم الشرعي إلا القصاص([139])، يجالس العبد القاص مدة من الزمن فلا يتعلم شيء من العلم إلا التخليط والتخبيط.([140])

ويجالس العبد العالم فلا يقوم حتى يتعلم منه ما يفيده من العلم الشرعي في دنياه وآخرته.

قال مالك بن دينار /: (كل جليس لا تستفيد منه خيرا فاجتنبه).

أثر حسن

أخرجه ابن أبي عاصم في «الزهد» (ص49)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص372) من طريق هدية أخبرنا حزم القطعي عن مالك بن دينار به.

وإسناده حسن.

(18) وعن إبراهيم الحربي قال: حدثني شجاع بن مخلد([141]) قال: لقيني بشر بن الحارث، وأنا أريد مجلس منصور بن عمار القاص، فقال لي: وأنت أيضا يا شجاع؟ وأنت أيضا؟ ارجع! ارجع! قال: فرجعت).

ثم قال إبراهيم الحربي([142]): (لو كان في هذا خير لسبق إليه سفيان الثوري، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وبشر بن الحارث).

أثر صحيح

أخرجه ابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (ص356) من طريق أبي عبدالله بن بطة قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أيوب قال: حدثنا إبراهيم الحربي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

* وتابعه محمد بن العباس الخزاز قال: أخبرنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب قال: سمعت إبراهيم الحربي به.

أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (ج9 ص252)، وابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (ص355).

* وتابع إبراهيم الحربي، ابن منيع قال: حدثنا شجاع بن مخلد به.

أخرجه ابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (ص356) من طريق الأزهري قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا ابن منيع به.

وذكره السيوطي في «تحذير الخواص من أكاذيب القصاص» (ص208).

هذه روايات ثلاث لنهي بشر بن الحارث / ([143])، شجاع بن مخلد / عن حضور مجالس القصاص المنحرفين الكذابين.

اثنتان منها عن إبراهيم الحربي، وواحدة عن ابن منيع.

وقول الحربي /: (لو كان في هذا خير لسبق إليه سفيان الثوري، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وبشر بن الحارث).

أقول: هل رأيتم يا أتباع الحزبيين حضور أهل العلم: كـ (الشيخ ابن باز /، والشيخ ابن عثيمين /، والشيخ الألباني /) وغيرهم عند القصاص في المساجد، لكي تحضروا عند القصاص، لو كان في هذا خير لسبق إليه هؤلاء العلماء، ومن تابعهم من أهل السنة.([144])

* بل شعر أهل السنة بالخطر المحيط بالمسلمين من القصاص الدجالين، فانبروا يذودون عن حياض الإسلام، فكتبوا في الرد على القصاص والوعاظ المخالفين كثيرا فبينوا غوايتهم، وضلالتهم، وخطرهم على الدين، وكذبهم على الله تعالى فيما يدعون.([145])

فالتفت أهل السنة إلى الحديث يروونه([146])، ويجمعونه، وينقونه مما دسه أهل الأهواء من القصاص والوعاظ وغيرهم.

* وسلك مسلك هؤلاء القصاص العامة من أتباع الحزبية، فاعتنقوا أفكارهم الفاسدة، حتى دخلوا في أمر صعب الخروج منه، فاعرضوا عن العلم من أجل الدنيا ولذاتها([147])؛ فهلكوا وأهلكوا([148]).

(19) وعن الإمام إبراهيم الحربي قال: (الحمد لله الذي لم يجعلنا ممن يذهب إلى قاص، ولا إلى بيعة، ولا كنيسة).([149])

أثر حسن

أخرجه ابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (ص356) من طريق أحمد بن الحسن بن حيرون قال: أخبرنا أبو الحسن العتيقي قال: حدثنا أبو عمر بن حيويه قال: حدثنا سليمان بن إسحاق الجلاب قال: سمعت إبراهيم الحربي به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وذكره السيوطي في «تحذير الخواص من أكاذيب القصاص» (ص208).

قلت: وإنما كره بعض السلف القصص لأحد ستة أشياء:

أحدها: أنالقوم كانوا على الاقتداء والاتباع؛ فكانوا إذا رأوا ما لم يكن على عهد رسول الله r أنكروه.

والثاني: أن القصص لأخبار المتقدمين تندر صحته، خصوصا ما ينقل عن بني إسرائيل، وفي شرعنا غنية.

والثالث: أن التشاغل بذلك يشغل عن المهم من قراءة القرآن، ورواية الحديث، والتفقه في الدين.

والرابع: أن في القرآن من القصص، وفي السنة من العظة ما يكفي عن غيره، مما لا تتيقن صحته.

والخامس: أن أقواما ممن يدخل في الدين ما ليس منه قصوا، فأدخلوا في قصصهم ما يفسد قلوب العوام.

والسادس: أن عموم القصاص لا يتحرون الصواب، ولا يحترزون من الخطأ لقلة علمهم وتقواهم.([150])

قلت: فلهذا كره القصص من كرهه من السلف الصالح أجمعين.([151])

قال الإمام مالك /: (وإني لأكره القصص في المساجد).([152])

وعن عمر بن الخطاب t قال: (يكون أحدكم إماما فيطول على القوم حتى يبغض إليهم ما هو فيه، ويقعد أحدكم قاصا فيطول على القوم حتى يبغض إليهم ما هم فيه).([153])

وقال الإمام مالك /: (ولا أرى أن يجلس إليهم، وإن القصص لبدعة).([154])

قلت: لأنهم في الغالب يلهون الناس عن تعلم العلم النافع بالقصص الكاذبة، والوعظ المطلق غالبا.([155])

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «الأجوبة المفيدة» (ص109): (حذر السلف من القصاص؛ لأنهم في الغالب لا يتوخون في كلامهم ما يؤثر على الناس من القصص، والآثار التي لم تصح، ولا يعتمدون على الدليل الصحيح، ولا يعنون في تعليم الناس أحكام دينهم، وأمور عقيدتهم([156])، لأنهم ليس عندهم فقه، ويمثلهم في وقتنا الحاضر (جماعة التبليغ) بمنهجهم المعروف، مع ما عندهم من تصوف وخرافة، وكذلك هم القصاص- في الغالب يعتمدون على نصوص الوعيد فيقنطوا الناس من رحمة الله تعالى). اهـ

قلت: وليحذر المسلم الحق مسالك القصاص الجهلة الذين يرون أنهم يسلكون مسالك أهل العلم، وهم ليسوا كذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرد على البكري» (ج1 ص279): (وليحذر العبد مسالك أهل الظلم، والجهل الذين يرون أنهم يسلكون مسالك العلماء تسمع من أحدهم جعجعة ولا ترى طحنا؛ فترى أحدهم أنه في أعلى درجات العلم، وهو إنما يعلم ظاهرا من الحياة الدنيا، ولم يحم حول العلم الموروث عن سيد ولد آدم r، وقد تعدى على الأعراض، والأموال بكثرة القيل والقال؛ فأحدهم ظالم جاهل لم يسلك في كلامه مسلك أصاغر العلماء، بل يتكلم بما هو من جنس كلام العامة الضلال، والقصاص، والجهال ليس في كلام أحدهم تصوير للصواب، ولا تحرير للجواب؛ كأهل العلم أولي الألباب، ولا عنده خوض العلماء أهل الاستدلال والاجتهاد، ولا يحسن التقليد الذي يعرفه متوسطة الفقهاء لعدم معرفته بأقوال الأئمة ومآخذهم، والكلام في الأحكام الشرعية لا يقبل من الباطل، والتدليس ما ينفق على أهل الضلال والبدع الذي لم يأخذوا علومهم عن أنوار النبوة، وإنما يتكلمون بحسب آرائهم، وأهوائهم فيتكلمون بالكذب، والتحريف فيدخلون في دين الإسلام ما ليس منه، وإن كانوا لضلالهم يظنون أنه منه وهيهات هيهات؛ فإن هذا الدين محفوظ بحفظ الله له، ولما كانت ألفاظ القرآن محفوظة منقولة بالتواتر لم يطمع أحد في إبطال شيء منه، ولا في زيادة شيء فيه بخلاف الكتب قبله، قال تعالى: ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[ [الحجر: 9] بخلاف كثير من الحديث طمع الشيطان في تحريف كثير منه، وتغيير ألفاظه بالزيادة، والنقصان، والكذب في متونه وإسناده، فأقام الله له من يحفظه، ويحميه، وينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين فبينوا ما أدخل أهل الكذب فيه، وأهل التحريف في معانيه([157])). اهـ

   قلت: فالقص، والوعظ من وظيفة العلماء الربانيين، وطلبة العلم المتمكنين، وأما من ليس كذلك، فتصدره لذلك يدخله الخيلاء، والرياء، وحب الشهرة، وحب الدنيا، ويفسد أكثر من أن يصلح، عياذا بالله.

* بل الاهتمام بالقصص، والحكايات على طريقة الخطباء، والقصاص يؤدي إلى قلة الفقه، والعلم النافع، الذي يعرف الناس به دينهم، ويحملهم على العمل الصالح، فإن قل هذا فيهم اختلقوا القصص، والحكايات، والأحاديث الضعيفة، والموضوعة.

   * وهذا بداية الهلاك للبعد عن المنهج الحق، وهذا الحال يصدق على أهل زماننا الذي كثر فيهم القصاصون؛ كـ«جماعة التبليغ»، و«جماعة التراث»، و«جماعة الإخوان»، و«جماعة التصوف» وغير ذلك؛ الذين لا يعرفون العلم إلا الإسرائيليات، والصوفيات، والقصص، والحكايات المختلقات.

   قلت: فالركون إلى القصص يثمر الاتكال على القول، وترك العمل، وهذا شأن الهالكين([158]) الذين تركوا العمل الصالح، وأخلدوا إلى القصص التي لا خطام لها،ولا زمام.([159])

وعن الإمام مالك بن دينار / قال: (كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة، وكفى بالمرء شرا أن لا يكون صالحا، ويقع في الصالحين).([160])

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي r قال: (إن من البيان لسحرا).([161])

يعني: إن منه لنوعا يحل من العقول، والقلوب في التمويه محل السحر، فإن الساحر بسحره يزين الباطل في عين المسحور حتى يراه حقا، فكذا المتكلم بمهارته في البيان، وتقلبه في البلاغة، وترصيف النظم، يسلب عقل السامع، ويشغله عن التفكر فيه والتدبر، حتى يخيل إليه الباطل حقا، والحق باطلا، فتستمال به القلوب؛ كما تستمال بالسحر، والعياذ بالله.

* فذم r التصنع في الكلام، والتكلف لتحسينه وترويقه، ليروق السامعين قوله، ويستميل به قلوبهم، فيخيل الشيء عن ظاهره، ويزيله عن موضوعه: إرادة التلبيس عليهم، فيصير ذلك بمنزلة السحر الذي هو، أو نوع منه؛ تخييل لما لا حقيقة له، وتوهيم لما ليس له محصول، والسحر منه مذموم، وكذلك المشبه به.([162])

قال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج3 ص605): (قوله r: (إن من البيان لسحرا)؛ فالرجل يكون عليه الحق، وهو ألحن بحجته من صاحب الحق، فيسحر القوم ببيانه، فيذهب بالحق). اهـ

وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ]يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا [ [المؤمنون:51]، وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم [ [البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب... يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك).([163])

وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص140): (فالواجب على العاملين أن يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به، وأقرب من السلامة له إن شاء الله). اهـ

وقال الحافظ ابن الجوزي / في «صيد الخاطر» (ص161): (رأيت أقواما من المنتسبين إلى العلم أهملوا نظر الحق عز وجل إليهم في الخلوات فمحا محاسن ذكرهم في الخلوات فكانوا موجودين كالمعدومين لا حلاوة لرؤيتهم، ولا قلب يحن إلى لقائهم).اهـ

وقال العلامة الملا علي القاري / في «الأسرار المرفوعة» (ص72) عن القصاص: (ومن آفاتهم أن يدخل عليهم العجب، والغرور في سائر الأمور).اهـ

فعن أنس بن مالك أن عمر t: رأى رجلا يخطب فأكثر، فقال عمر: (إن كثيرا من الخطب من شقاشق الشيطان).([164])

أثر صحيح

أخرجه ابن وهب في «الجامع في الحديث» (ج1 ص438)، والبخاري في «الأدب المفرد» (ص293)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص112)، وفي «الغيبة» (ص31)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص987) من طرق عن حميد الطويل أنه سمع أنسا به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «صحيح الأدب المفرد» (ص325).

قلت: والتشقيق، التقعر في الكلام، بالتشدق، وتكلف أسلوب ولباقة، والتصنع فيه بالشبهات والمقدمات، وجري الأسلوب به عادة القصاص المدعين للخطابة والوعظ لكسب الثقة، وود الناس بالغش والخديعة في الدين، وكل ذلك من التصنع المذموم.

قال الحافظ النووي / في «الأذكار» (ص572): (يكره التقعير في الكلام بالتشدق، وتكلف السجع، والفصاحة، والتصنع بالمقدمات التي يعتادها المتفاصحون، وزخارف القول، فكل ذلك من التكلف المذموم). اهـ

قلت: فأصبح في هذا الزمان عند الخطباء الجهل علما، والعلم جهلا عندما
أخذوا بالرأي والهوى، وتركوا الآثار والسنة؛ فوقعت الفتنة بين المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولذلك يحلو لعدد من الخطباء القصاص احتجاز الناس للاستماع إلى خطبهم أطول وقت ممكن، وبذلك يخالفون السنة في قصر الخطبة.

* والذي يلحظ أن إطالة الخطبة في الغالب يترافق مع التكرار الممل والاستطراد المخل، فيقع الخطيب([165]) في إحدى هاتين الآفتين فيبدأ بتكرار معلوماته، وأقواله، أو يستطرد مبتعدا عن موضوع خطبته الأساسي.([166])

قلت: ويظن بعض الخطباء القصاص أن الإطالة دليل على التمكن وقوة الأداء، وسعة العلم وغزارته، وهو في الحقيقة بعيدا عن ذلك كل البعد، والله المستعان.([167])

على أن هؤلاء الخطباء يتهاونون بأمر التحضير العلمي المنهجي لخطبة الجمعة، ويكتفون بشيء من التحضير السريع للخطبة قبيل وقتها، أو ارتجالها دون أي تحضير لها مسبق، مما يؤدي إلى كثرة أخطائهم في الآيات، والأحاديث، والأحكام، فيوردون معلومات في خطبهم دون التيقن من صحتها، أو محاولة البحث فيها... فيؤدي إلى تشتت أفكار الناس وإضلالهم، مما ينتج استصغار شأنه ومنزلته، والله المستعان.

فعن حذيفة بن اليمان t قال: (إن الفتنة وكلت بثلاث: بالحاد النحرير([168]) الذي لا يرتفع شيء إلا قمعه([169]) بالسيف، وبالخطيب الذي يدعو إليها يعني إلى الفتنة- وبالسيد، فأما هذان فتبطحهما لوجوههما، وأما السيد فتجتثه([170]) حتى تبلو ما عنده).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج5 ص17)، وأحمد في «الزهد» (ج2 ص136)، وأبو عمر الداني في «السنن الواردة في الفتن» (28)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص274)، ونعيم بن حماد في «الفتن» (352) من طريق الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: وفي هذا الأثر تحذير من الخطباء الذين يوظفون خطبهم لإشعال الفتن، أو الدعوة إليها، ومن هؤلاء الخطباء الحركيين، والحزبيين الذين يدعون إلى الخروج على الحكام، أو يهيجون الشباب المسلم بالكلام في خطبهم حول الحكام وسياستهم، دون أن يوجهوا الشباب إلى العلم والحض عليه، والأولى بهم أن يعلموا الناس دينهم، وأن يحذروهم عن الشرك والبدع المتفشيان في الناس، والله المستعان.

قلت: والنبي r أخبر بأنه سوف يأتي أناس كـ«القصاص» في آخر الزمان يعارضون النصوص بآرائهم، ويفتون بغير علم.

فعن عبدالله بن عمرو بن العاص t قال: سمعت رسول الله r يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص33)، وفي «خلق أفعال العباد» (ص47)، وفي «التاريخ الكبير» (ج1 ص257)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص208)، وفي «التمييز» (ص175)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص31)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص456)، وعبدالرزاق بن أحمد في «زوائده على جزء نافع بن أبي نعيم» (ص59)، وابن المقرئ في «المعجم» (ص91)، وابن ماجة في «سننه» (ج1 ص20)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص162)، والخطابي في «العزلة» (ص91)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص162)، والمهرواني في «المهروانيات» (ص136)، والخليل في «مشيخته»، كما في أخبار قزوين للرافعي (ج2 ص217)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص586)، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص1106) وفي «النبذ» (ص93)، وابن وضاح في «البدع» (ص170)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص358)، والحميدي في «المسند» (ج1 ص265)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص54)، والجرجاني في «الأمالي» (ق/73/ط)، والطيالسي في «مسنده» (ص302)، والقشيري في «الأربعين» (ص22)، وابن شاذان في «مشيخته الصغرى» (ص16)، وأبو إسحاق الهاشمي في «الأمالي» (ص49)، والمستغفري في «دلائل النبوة» (ج1 ص352)، والنسفي في «علماء سمرقند» (ص549)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص432)، وفي «المجروحين» (ج1 ص21)، وفي «الثقات» (ج9 ص166)، وابن فهد في «الذيل على التذكرة» (ص149)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (ج2 ص163)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص315)، وفي «تفسيره» (ج3 ص364)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج2 ص85)، وفي «معجم الشيوخ» (ج2 ص680)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج2 ص253)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص116)، وفي «المدخل» (ص75)، وفي «دلائل النبوة» (ج6 ص543)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص142)، وفي «معرفة الصحابة» (ج3 ص1722)، وفي «الحلية» (ج2 ص18)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج8 ص368)، وفي «تلخيص المتشابه» (ج1 ص380)، وفي «تالي التلخيص» (160)، وفي «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص321)، وفي «الموضح» (ج1 ص321)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج5 ص301)، وأبو علي المدائني في «فوائده» (ص150)، وابن الجعد في «المسند» (ج2 ص962)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج2 ص752)، وفي «ميزان الاعتدال» (ج2 ص306)، وفي «معجم الشيوخ» (ج2 ص330)، وفي «السير» (ج11 ص144)، وزهير بن حرب في «العلم» (ص29)، والآجري في «أخلاق العلماء» (ص51)، والطبراني في «المعجم الصغير» (ج1 ص165)، وفي «المعجم الأوسط» (ج1 ص65)، وابن المبارك في «الزهد» (ص281)، وفي «المسند» (ص15)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص127)، والأصبهاني في «الترغيب» (ج3 ص98)، وابن تيمية في «الأربعين» (156)، وابن حجر في «موافقة الخبر الخبر» (ج2 ص446)، والخليلي في «الإرشاد» (ج1 ص303)، و(ج2 ص517)، وابن خلاد في «عوالي ابن أبي أسامة» (ص55)، وابن هزارمرد الصريفيني في «مجلس من أماليه» (ق/3/ط)، والآبنوسي في «مشيخته» (37)، وابن الصلاح في «المجلس الثالث في أماليه» (ص68)، والطائي في «الأربعين في إرشاد السائرين» (ص157)، ومحمد بن طاهر في «الحجة» (ج2 ص579)، والداني في «الفتن» (ج3 ص587)، وأبو عبدالرحمن السلمي في «مجلس من حديثه» (ق/2/ط)، والحاكم في «عوالي مالك» (ج1 ص94)، وابن أبي سعد في «الأربعين» (ص125)، والحمامي في «حديثه» (ص85)، وفي «الفوائد» (ص126)، والبياني في «مشيخته» (ص36)، والتاج السبكي في «معجم الشيوخ» (ص358)، وفي «طبقات الشافعية الكبرى» (ج1 ص323)، والأبهري في «حديثه» (ص41)، والديلمي في «الفردوس» (ج1 ص165)، والمخلص في «المخلصيات» (ج2 ص21)، وعبدالله بن وهب في «المسند» (ص117)، والجوهري في «مسند الموطأ» (ص578)، والحدثاني في «الموطأ» (ص615)، وابن سمعون في «الأمالي» (ص281)، والجورقاني في «الأباطيل» (104)، والبزار في «المسند» (2422)، وابن العديم في «تاريخ حلب» (ج3 ص1373)، والجهضمي في «مسند حديث مالك» (ص21)، والصوري في «أخبار الشيوخ» (ص358)، وابن المسلمة في «الأمالي» (ص191)، وابن البطر في «جزئه» (ص313)، وتمام في «الفوائد» (ج1 ص324)، والشجري في «الأمالي» (ج1 ص40)، والمحاملي في «أماليه» (369)، والأزدي في «الأوهام» (ص55)، والطيوري في «الطيوريات» (ج1 ص20)، والإسكندري في «الأربعين» (ص491)، وابن البخاري في «مشيخته» (ج2 ص909)، ودانيال في «مشيخته» (ق/85/ط)، وابن أخي ميمي في «الفوائد» (ص66)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص345)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج15 ص177)، وابن ظهيرة في «مشيخته» (ج2 ص752)، وابن جماعة في «مشيخته» (ج1 ص201)، وابن المظفر في «غرائب مالك» (ص142)، وابن أبي عيسى في «اللطائف» (ص199)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (254)، وابن جميع في «معجم الشيوخ» (156)، والرافعي في «التدوين» (ج3 ص130)، وابن الجوزي في «تعظيم الفتيا» (ص110)، وابن النجار في «ذيل تاريخ بغداد» (ص38)، والعلائي في «إثارة الفوائد» (ج2 ص451)، وابن اللتي في «مشيخته» (ص437)، والقاضي الشريف في «حديثه» (ق/13/ط)، ونصر المقدسي في «الحجة» (ج2 ص565)، وابن أبي نصر في «الأربعين من مسانيد المشايخ العشرين» (ص197)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ج1 ص274)، وفي (ق/58/ط)، وأبو القاسم الدمشقي في «الفوائد» (ص42)، وابن مردويه في «المنتقى» (ص241)، والفربري في «زوائده على صحيح البخاري» (ج1 ص194)، وابن رشيق في «جزئه» (ص56)، وابن نقطة في «تكملة الإكمال» (ج2 ص376)، والدبيثي في «ذيل تاريخ مدينة السلام» (ج4 ص109)، والعصمي في «جزئه» (ص125)، وابن طولون في «الفهرست الأوسط» (ج3 ص376)، و(ج5 ص65) من طريق عروة بن الزبير عن عبدالله بن عمرو به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (673)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (2322)، وابن المقرئ في «المعجم» (ص210)، وابن عدي في «الكامل» (ج5 ص1965)، وعبدالرزاق في «المصنف» (20481) من طرق عن ابن عمرو به.

وأخرجه النقاش في «الفوائد العراقيين» (ص70)، وابن المقرئ في «المعجم» (ص193) من طريق عبدالغفار بن الحسن عن سفيان الثوري عن الأعمش عن خيثمة عن عبدالله بن عمرو به.

قلت: وإسناده فيه عبدالغفار بن الحسن وفيه كلام، لكنه توبع.

قال الحافظ ابن حزم / في «النبذ» (ص93): (لا يحل لأحد الحكم بالرأي، قال تعالى: ]ما فرطنا في الكتاب من شيء[ [الأنعام: 38]، وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر[ [النساء: 59]. وقال رسول الله r: (فاتخذ الناس رؤسا جهالا فأفتوا بالرأي فضلوا وأضلوا). اهـ

وقال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج1 ص22): (في هذا الخبر دليل على أن رفع العلم الذي ذكرنا قبل ونقصه عند تقارب الزمان لا يكون برفع يرفع من الأرض، ولكنه بموت العلماء الذين يحسنون علم السنن على حسب ما ذكرنا فصولها حتى لا يبقى منهم إلا الواحد بعد الواحد، ثم يتخذ عند ذلك الناس رؤساء لا يحسنون ذلك، فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون، نعوذ بالله من حالة تقربنا إلى سخطه، وأليم عقابه). اهـ

وقال الإمام الخطابي / في «العزلة» (ص96): (قد اعلم رسول الله r أن آفة العلم ذهاب أهله، وانتحال الجهال، وترؤسهم على الناس باسمه، وحذر الناس أن يقتدوا بمن كان من أهل هذه الصفة، وأخبر أنهم ضلال مضلون).اهـ

قلت: فهذا الحديث يدل على أن أعظم نكبة يصاب بها الناس في بعض أزمنتهم، ألا وهي انقراض العلماء الربانيين، وقبض العلماء، ويصل بهم الحال إلى حد أنه لا يبقى العلماء فيتخذون الجهال رؤساء لهم، فيفسدون عليهم دينهم، ودنياهم بسبب جهلهم.

والأحاديث الواردة في هذا الموضوع فهي على نوعين: أحدهما: يدل على ذهاب العلم مطلقا دون بيان بكيفيته، وتختلف ألفاظه فيما بين القبض والنقص، والرفع، والقلة، والزوال، وغيرها، وجميعها يؤدي معنى واحدا، وهو ذهاب العلم.

وأما النوع الثاني: من الأحاديث فقد جاء فيه قبض العلم مع تحديد كيفية قبضه، لأنه ورد فيه صراحة على لسان الصادق المصدوق أن المراد بقبض العلم قبض العلماء وذهابهم، كل بما معه من العلم، حتى لا يبقى إلا الجهال من المتعالمين، والمفكرين، والمثقفين، والحزبيين، وغيرهم.

واختلف العلماء في المراد من قبض العلم، ورفعه في الأحاديث المطلقة.

فذكر القرطبي في أثناء شرحه لحديث: (أن يقل العلم، ويظهر الجهل) أما قلة العلم، وكثرة الجهل فذلك شائع في جميع البلاد ذائع؛ أعنى برفع العلم، وقلته ترك العمل به.

وقال بعض العلماء: إن المراد نقص علم كل عالم بأن يطرأ عليه النسيان مثلا.

وقال بعض العلماء: نقص العلم بموت أهله، فكلما مات عالم في بلد، ولم يخلفه غيره نقص العلم من ذلك البلد.

وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى القول الأخير، أي: أن المراد من نقص العلم، وقلته، ومن رفعه، وقبضه هو ما يفيده حديث: عبدالله بن عمرو، وغيره من قبض العلماء، وفنائهم بما معهم من العلم.([171])

قال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج16 ص224) أثناء شرحه لحديث ابن عمرو: (هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه، ولكن معناه أنه يموت حملته، ويتخذ الناس جهالا يحكمون بجهالاتهم؛ فيضلون ويضلون). اهـ

وقال الحافظ ابن كثير / في «النهاية» (ج1 ص39): (هو ظاهر في أن العلم لا ينتزع من صدور الرجال بعد أن وهبهم الله إياه). اهـ

قلت: فذهاب العلم من الناس بموت الـعـلـمـاء... وذهـاب الـعلـم يكـون أيضا

 بذهاب العمل به، فيحفظون القرآن ولا يعملون به فيذهب العلم... وقد يذنب الرجل حتى يذهب ذنبه علمه... ويقرؤه ولا يعمل به، فيقبض بعلمه فلا ينتفع أحد به، أو يمنع من بثه فيذهب لوقته.([172])

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص165): (وفي هذا الحديث الحث على حفظ العلم، والتحذير من ترئيس الجهلة، وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية، وذم من يقدم عليها بغير علم). اهـ

وقال العلامة الطرطوشي / في «الحوادث والبدع» (ص53): (فتدبروا هذا الحديث فإنه يدل على أنه لا يؤتى الناس قط من قبل علمائهم، وإنما يؤتون من قبل أنه إذا مات علماؤهم أفتى من ليس بعالم، فيؤتى الناس من قبله). اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج3 ص128) -في المتعالم الذي يعد رأيه رأيا، وخلافه خلافا-: (ولكن تارة يكون ذلك في جزئي، وفرع من الفروع، وتارة يكون في كلي، وأصل من أصول الدين، فتراه آخذا ببعض جزئيات الشريعة في هدم كلياتها، حتى يصير منها ما ظهر له بادي رأيه، من غير إحاطة بمعانيها، ولا رسوخ في فهم مقاصدها، وهذا هو المبتدع، وعليه نبه الحديث الصحيح أنه r قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس... الحديث). اهـ

قلت: وهذا هو الرجل التافه الذي يتكلم في أحكام الدين بلا علم، بل بآراء وسفه، والله المستعان.

فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة([173])؟ قال: الرجل([174]) التافه([175]) يتكلم في أمور العامة).

وفي رواية: (السفيه يتكلم في أمر الناس).

حديث حسن

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (ج2 ص339)، وابن أبي شيبة في «المسند» (ج10 ص287 -الإتحاف)، والشجري في «الأمالي» (ج2 ص256)، وابن حبيب الأندلسي في «أشراط الساعة» (ص82)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (ج1 ص185) من طريق عبد الملك بن قدامة الجمحي عن إسحاق بن أبي الفرات عن المقبري عن أبي هريرة t به، بدون زيادة عن (أبيه) في الإسناد.

قلت: وهذا سنده ضعيف فيه عبد الملك بن قدامة الجمحي، وهو ضعيف. وإسحاق بن أبي فرات مجهول، وضعفه البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج10 ص287).

وانظر «الميزان» للذهبي (ج2 ص166) و«التقريب» لابن حجر (ص131)، و«مصباح الزجاجة» للبوصيري (ج4 ص191).

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص291)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص465)، والمزي في «تحفة الأشراف» تعليقا (ج9 ص469)، وابن غيلان في «الغيلانيات» (310)، والشجري في «الأمالي» (ج2 ص265 و273)، وابن تيمية في «الأبدال العوالي» (ص64) من طرق عن يزيد بن هارون عن عبد الملك بن قدامة عن إسحاق بن أبي الفرات([176]) عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة به. بزيادة عن (أبيه) في الإسناد.

قال الحافظ المزي في «تحفة الأشراف» (ج9 ص469) بعد أن عزا الحديث لابن ماجة: (رواه محمد بن عبدالملك الدقيقي عن يزيد بن هارون قال عن (أبيه) عن أبي هريرة).

قلت: وللحديث طرق أخرى يتقوى بها.

فأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص238) من طريق فليح عن سعيد بن عبيد بن السباق عن أبي هريرة t به.

قلت: وهذا سنده لا بأس به، فيه فليح وهو ابن سليمان الخزاعي، وهو صدوق فيه كلام من قبل حفظه.

وله شاهد: أخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص230) من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك t به وفيه (الفويسق) بدل (التافه).

قلت: وهذا سنده فيه محمد بن إسحاق، وهو مدلس.

لكن صرح بالتحديث في رواية البزار.

فأخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص220)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص405)، وابن أخي ميمي الدقاق في «الفوائد» (ص251)، والبزار في «المسند» (ج7 ص147)، وعبدالله بن أحمد في «الزوائد» (12887)، وأبو يعلى في «المسند» (ج6 ص378)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج4 ص542)، وابن عدي في «الكامل» (ج6 ص2118) من طريق محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن دينار عن أنس بن مالك t به.

قلت: وهذا سنده حسن، وجود إسناده ابن حجر في «فتح الباري» (ج13 ص84).

قال ابن معين في «التاريخ» (ج3 ص135): (لم نسمع عن عبد الله بن دينار عن أنس بن مالك؛ إلا حديث الذي يحدث به محمد بن إسحاق). اهـ

وقال ابن عدي في «الكامل» (ج6 ص105)؛ بعد أن روى قول ابن معين هذا: (يعني: حديث الرويبضة). اهـ

وقال الهيثمي في «الزوائد» (ج7 ص884): (رواه البزار، وقد صرح ابن إسحاق([177]) بالسماع من عبد الله بن دينار، وبقية رجاله ثقات). اهـ

وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (20803) عن عبد الله بن دينار مرسلا به.

وأخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» (ص360) من وجه آخر عن أنس بن مالك t به.

وإسناده تالف.

وانظر: «التاريخ» لابن معين (565)، و«السؤالات» للبرذعي (ص311)، و«العلل» لابن أبي حاتم (2792).

وأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (3258) من وجه آخر أيضا عن أنس بن مالك t به.

وإسناده واه أيضا.

وذكره الهيثمي في «مجمع البحرين» (ج7 ص257).

وقال البرذعي في «سؤالاته» (ج2 ص329): (قلت لأبي زرعة: عبد الله بن دينار الشامي؟ قال: شيخ ربما أنكر، قلت: عبد الله بن دينار الذي يروي عن أنس حديث «الرويبضة» هو هذا؟ قال: لا، ابن إسحاق ما له وهذا؟.

قال البرذعي: وقد كان رجل من أصحابنا ذاكرني بهذا الحديث، عن شيخ ليس عندي بمأمون، عن أبي قتيبة، عن عبد الله بن المثنى، عن عبد الله بن دينار، عن أبي الأزهر، عن أنس، وذكرت لأبي زرعة هذا أنه صاحب أنس، ولم أجترئ أن أذكر له أنه من رواية هذا الرجل، لأنه لم يكن يرضاه، فقلت له: هو هذا الشامي؟ فأجابني بهذا).اهـ

وله شاهد آخر:

أخرجه البزار في «المسند» (ج7 ص147)، وأبو يعلى([178]) في «المسند الكبير» (ج5 ص89 - المطالب)، والخطيب في «مسألة الاحتجاج بالشافعي» (ص34)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج18 ص56)، وفي «مسند الشاميين» (ج1 ص51)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص132)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج58 ص47)، والسلفي في «معجم السفر» (562)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج4 ص542) من طرق عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي t به.

قلت: وهذا سنده فيه شمر بن يقظان، وهو والد إبراهيم بن أبي عبلة، لم يرو عنه إلا ابـنه، ولـم يوثقـه غـيـر ابـن حـبـان في «الثقات» (ج4 ص376)، وذكره ابن أبي

حاتم في «الجرح والتعديل» (ج4 ص376)، وباقي رجاله ثقات.

قلت: فمثله حسن في المتابعات.

وقال البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج10 ص287): (رواه أبو يعلى الموصلي، والبزار بسند واحد رواته ثقات).

والحديث حسنه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج4 ص508).

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (ج6 ص596): (وسألت أبي عن حديث الذي: رواه ابن إسحاق، عن عبد الله بن دينار، عن أنس بن مالك، عن النبي r؛ في «الرويبضة»؟.

قال أبي: لا أعلم أحدا روى عن عبد الله بن دينار هذا الحديث غير محمد بن إسحاق، ووجدت في رواية بعض البصريين: عن عبد الله بن المثنى الأنصاري، عن عبد الله بن دينار، عن أبي الأزهر، عن أنس بن مالك، عن النبي r، بنحوه.

قال أبي: ولا أدري من أبو الأزهر، قلت: من الذي رواه عن عبد الله بن المثنى؟، فقال: حجاج الفسطاطي.

قال أبي: لو كان حديث ابن إسحاق صحيح، لكان قد رواه الثقات عنه). اهـ

قلت: كذا قال: «صحيح»؛ بلا ألف بعد الحاء، وفيه وجهان:

الأول: النصب على أنه خبر: «كان»، وحذفت منه «ألف تنوين النصب»، على لغة: «ربيعة».

وكانت الجادة أن تكتب «بالألف»، لكنه جاء هنا على لغة: «ربيعة»؛ فإنهم لا يبدلون من التنوين في حال «النصب ألفا»؛ كما يفعل جمهور العرب، بل يحذفون التنوين، ويقفون بسكون الحرف الذي قبله؛ كالمرفوع والمجرور، ولابد من قراءته منونا في حال الوصل؛ غير أن الألف لا تكتب؛ لأن الخط مداره على الوقف، وقد وقع من ذلك في الأحاديث، والآثار، وأقوال العلماء: شيء كثير، وشواهد لغة: «ربيعة» أكثر من أن تحصى، شعرا، ونثرا، ولغة: «ربيعة» هي إحدى ثلاث لغات للعرب في الوقف على الاسم المنون؛ نحو سمعت أنس، ورأيت سالم.([179])

والثاني: الرفع على أنه خبر للمبتدأ: «حديث ابن إسحاق»، والجملة من المبتدأ، والخبر في محل خبر: «كان»، واسمها: «ضمير الشأن»، والتقدير: لو كان هو؛ أي: الشأن والحديث، حديث ابن إسحاق صحيح.

قلت: وضمير الشأن كثر دورانه في اللغة العربية، بارزا، ومستترا، ومحذوفا؛ فنقول: يكون «ضمير الشأن» بارزا، وهو «مبتدأ»، أو اسم لـــــ«إن» أو «إحدى أخواتها»، أو «مفعول أول» في باب «ظن»، و«أخواتها»، ويكون مستترا مرفوعا اسما «للأفعال الناسخة» في باب «كان»، و«كاد».

ويأتي «ضمير الشأن» محذوفا منصوبا اسما لـــــ«إن» المثقلة، أو «إحدى أخواتها»، وكذلك: «إن»، و«أن»، و«كأن» المخففات، ويحذف أيضا مفعولا أول في باب «ظن»، ولكل ذلك شواهد من القرآن، والحديث، ولغة العرب شعرا، ونثرا.([180])

قال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج2 ص681)؛ عن تفسير الرويبضة: (قالوا: هو الرجل التافه الحقير ينطق في أمور العامة، كأنه ليس بأهل أن يتكلم في أمور العامة، فيتكلم).اهـ

وقال الإمام أبو منصور السمعاني / في «غرائب الأحاديث» (ج2 ص527): (تفسير الرويبضة مذكور في الحديث، وكأنه في الأصل تصغير الرابضة وهي الدابة التي تربض فلا تتحرك، فشبه الرجل الدون به.([181])

وأما التافه فهو: الخسيس، الخامل من الناس، ولذلك كل خسيس تافه).اهـ

قلت: فتأمل أيها الداعية الجاهل هذا الكلام جيدا.

قال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1140): (واعلم يا أخي أن السنن والقرآن، هما أصل الرأي والعيار عليه، وليس الرأي بالعيار على السنة، بل السنة عيار عليه، ومن جهل الأصل لم يصب الفرع أبدا).اهـ

قلت: والمقصود أن على أمثال هؤلاء الدعاة الجهال أن لا يركبوا رؤوسهم، فيدعوا ويجتهدوا بجهل ونشاط مجرد من العلم فيأثموا.

وعن أبي برزة t أن النبي r قال: (إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم، وفرجكم، ومضلات الهوى).

وفي رواية: (ومضلات الفتن).

حديث صحيح

أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص420)، والأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص250)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص12)، والدولابي في «الكنى» (ج1 ص154)، والبيهقي في «الزهد الكبير» (ص165)، والبزار في «المسند» (ج9 ص292)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج2 ص21)، وفي «المعجم الصغير» (ج1 ص309)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص32)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 382) من طرق عن أبي الأشهب العطاردي عن أبي الحكم البناني عن أبي برزة به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «ظلال الجنة» (ج1 ص12).

وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج1 ص188) ثم قال: رواه أحمد، والبزار، والطبراني في الثلاثة، ورجاله رجال الصحيح.

وتابعه الحسن البصري عن أبي برزة به.

أخرجه البيهقي في «الزهد الكبير» (ص164) من طريق أبي الأشهب العطاردي عن الحسن به.

وهذا إسناد مرسل.

قلت: وهذا الصنف «صاحب الهوى»، اغتر بستر الله عليه وحلمه عنه، وإمهاله إياه، فانبعث في المخالفات الشرعية يتبع فيها مضلات الهوى ليلا ونهارا، ولم يرعو، ولا يدري هذا المسكين أن إمهال الله تعالى له ليزداد بالإمهال إثما، أو لعله يتوب ويرجع، ولجهل هذا بحقيقته يظن أن تمكنه من المخالفات للكتاب، والسنة، وعلماء الأمة عناية من الله تعالى به، والله يمهل ولا يهمل.

وعن أبي البختري سعيد بن فيروز الطائي قال: (إن عبيدة السلماني؛ لآخذ بيدي إذ سمع صوت المصعب بن الزبير([182])، وهو يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر؛ مستقبل القبلة بعدما سلم من الصلاة، فقال عبيدة: ما له - قاتله الله - نعار بالبدع).([183])

قال الحافظ ابن الجوزي / في «الموضوعات» (ج1 ص245): (استعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعا، فإذا علمنا أنه كذب خرج عن المشروعية).اهـ

قلت: وإن العامة في المساجد لفي حاجة إلى ذوي بصر بالأمراض الفتاكة بهم، لما في الخطباء، والقصاص، والوعاظ من أمراض معدية، تعدو إلى العامة المساكين، لأن مساجدنا في الواقع تعج بفتن عديدة من قبل القصاص السياسيين يستغلون أموال العامة في فتنة الحروب([184]) في البلدان، فيوظفونها من أجل أحزابهم، والوصول بها إلى مآربهم ومصالحهم ولا تدري العامة أين تذهب أموالهم، وهذا الأمر من فتنة المال، وهذا ينشأ عنه ضعف التدين، وضعف الورع في الإسلام، وضعف الخوف من الله تعالى، وحب الدنيا، وضعف العلم!.

قلت: والنبي r حذر وكشف الذين يخوضون في مال الله تعالى بغير حق من العامة الرعاع وغيرهم، ولهم وعيد بالنار يوم القيامة.([185])

فعن خولة الأنصارية رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي r يقول: «إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة».([186])

قلت: فهذا وعيد شديد لأدعياء الأعمال الخيرية يوم القيامة.

وقوله r: «يتخوضون»، أي: يتصرفون في المال على أهوائهم، فلا يضعون الأموال في موضعها الشرعي.([187])

لذلك ترى أدعياء الأعمال الخيرية يتصرفون في التبرعات بغير حق، بل ويمنعونها عن بعض مستحقيها من المسلمين؟!.

قلت: فلهذا يجب على العبد أن يعرف كيف يواجه الفتن التي تحيط به، وكيفية الخروج منها، وإطفاء نارها، وإغلاق بابها، لا أن يؤجج الفتن، ويشعل نارها، ويفتح أبوابها، ويدخل فيها بنفسه، أو ماله([188]) بتعاونه مع دعاة الفتن([189]) في المساجد!.

وعن نوف البكالي / قال: (إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل: قوم يلبسون للناس؛ لباس مسوك الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب).([190])

وهذا شأن القصاص، والوعاظ، والخطباء الذين ينفقون لغير الدين، ويتعلمون لغير العمل، ويبتغون الدنيا بعمل الآخرة، يلبسون لباس الشيوخ من اللين، ويخفون الجهل، والخديعة، والعنف، والمكر للناس في بلدانهم، والعياذ بالله.

قال تعالى: ]ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام [[البقرة:204]؛ أي: وهو عدو مخاصم في الباطن.

قلت: والنبي r حذر من الدخول في الفتن، وحذر من أهلها!.

فعن أبي هريرة t، قال: قال رسول الله r: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد منها ملجأ، أو معاذا فليعذ به».([191])

قلت: فلا ينتصب لفتن الحروب، وسفك الدماء إلا مرضى القلوب، ولذلك استحقوا إقبالها عليهم، وصرعها لهم([192])؛ بخلاف المستعيذين منها؛ الذين أدركوا عظيم خطرها، فاحتاطوا لها، وتجنبوا بداياتها، وهربوا من لهيبها؛ فإنهم لا يصيبهم من أذاها إلا القليل لعدم تعلقهم بها. ([193])

فعن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله r: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامةفي الدماء).([194])

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج11 ص396) معلقا على هذا الحديث: (أي: التي وقعت بين الناس من القتل - في الدنيا، والمعنى أول القضايا القضاء في الدماء). اهـ

   وعن أبي موسى t قال: قال النبي r: «إن بين يدي الساعة؛ لأياما ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج؛ والهرج: القتل».([195])

قلت: وظهور الجهل في العامة في المساجد فهو ظاهر، فأي فتان يصيح بهم فوق المنبر يجمع التبرعات؛ لأي فتنة في العالم، اتبعوه الهمج والرعاع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال تعالى: ]والفتنة أكبر من القتل [[البقرة:217].

وقال تعالى: ]والفتنة أشد من القتل [[البقرة:191].

وقال تعالى: ]وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا [[المائدة:71].

وقال تعالى: ]واعلموا أنمآ أموالكم وأولادكم فتنة [[الأنفال:28].

وقال تعالى: ]لقد ابتغوا الفتنة [[التوبة:48].

وقال تعالى: ]ونبلوكم بالشر والخير فتنة[ [الأنبياء:35].

قلت: فالعامة يرفعون راية فتن الحروب في العالم بأنفسهم، أو أموالهم، وهم لا يشعرون؛ كما هو مشاهد في بلدان المسلمين لضعف إيمانهم، وسفاهة عقولهم، وقلة علمهم في الدين.

الــــــحـــــرب أول مـــــا تــــكــون فــتــيــــة

 

 

تـــســعى بــزيــنــتـــهــــا لـــكـــل جــهـــول

حــتــى إذا اشــتــعــلــت وشــب ضــرامـها

 

 

ولــــت عــجــوزا غــيـــر ذات حـــلــــيــــل

شــمــطــاء يــنــكــر لــونــهــا وتــغــيـــرت

 

 

مــكــروهــة لــــلـــشــــــم والــتــقــبــيـــل([196])

قلت: إذا فإن «فتنة الحروب السياسية» لا تغري إلا الجهال، ولا يسقط في حبالها إلا الضلال، تتزين لهم فيندفعون بجهل منهم إلى المنابر ليضعوا أموالهم في «بشوت» خطباء الفتنة يوم الجمع في المساجد، والعياذ بالله.([197])

قال تعالى: ]قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون [[يونس:59].

قلت: فالله أذن لكم أن تنفقوا المال في شراء أسلحة في فتنة حرب بين الناس، وهم يتقاتلون من أجل الدنيا، ومن أجل الحرية الشيطانية، بل ويقتلون المسلمين الموجودين في بلدهم من الجهتين، والله المستعان.

فالقتل والإعانة عليه بالمال!، أو النفس!، أو التحريض([198])! من أعظم الكبائر التي حرمها الله تعالى على المسلم، لما فيه من الوعيد الشديد في الكتاب، والسنة لمن ارتكبه، وأعان عليه بماله، أو نفسه، أو تحريضه، سواء يدري أو لا يدري، فالكل مشترك في جريمة القتل في «فتنة الحروب»!.

قال تعالى: ]أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في ٱلأرض فكأنما قتل ٱلناس جميعا ومن أحيـٰها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بٱلبينـٰت ثم إن كثيرا منهم بعد ذٰلك فى ٱلأرض لمسرفون [[المائدة:32].

وقال تعالى: ]والفتنة أكبر من القتل[ [البقرة:217].

وقال تعالى: ]ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما [[النساء:93].

وعن أبي بكرة ط، قال: قال رسول الله r في حجة الوداع يوم النحر: «فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم([199]) عليكم حرام؛ كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا... فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض».([200])

وعن أنس بن مالك، عن النبي r قال: «أكبر الكبائر؛ الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور أو قال، وشهادة الزور».([201])

قلت: فهؤلاء يكرهون المسلمين على سفك الدماء، وهذا الفعل محرم من الله تعالى، ورسوله r، فلابد على رعاع العامة أن ينتهوا من إشعال الفتنة في الحروب بتعاونهم بأموالهم مع السياسيين دعاة الفتنة في بيوت الرحمن أيام الجمع، وإلا عقاب الله سوف يحل عليهم هم، وأولادهم، وأزواجهم، اللهم سلم سلم بقية المسلمين الذين لا يتعاونون مع السياسيين المشبوهين.([202])

وعن الأحنف بن قيس قال: لما قدم علي بن أبي طالب t البصرة التحفت على سيفي لآتيه، وانصره؛ فلقيني أبو بكرة t؛ فقال: أين تريد؟!، قلت: هذا الرجل أنصره، قال: ارجع، فإني سمعت رسول الله r يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل، والمقتول في النار».([203])

قلت: فهذا أبو بكرة t يقول هذا على المسلمين في عهد الصحابة y، القاتل والمقتول في النار، فما بالك بالقاتل، والمقتول في فتنة «الحرب»، كلاهما في النار بلا شك، فكيف أيها المصلي([204]) الغافل تنصر فتنة القتل بين الناس في بلدان المسلمين بمالك ؛ بكلمة من خطيب، أو غيره يحرضك على الأنفاق بالمال في سبيل القتل بين الناس، وهتك الأعراض، وإشعال الفتن بينهم، فهل ترضى على نفسك، أو أولادك، أو أهلك القتل، وهتك الأعراض، فلذلك عليك إثم هذه الفتنة إلى يوم الدين، ولا تقول لا أدري، فلا تعذر بذلك يوم القيامة، لأن القتل والفتنة لا يخفى عليك أضرارهما إن كنت من المسلمين!.

قلت: فالذي يقتل من الفريقين ليس بشهيد، ويحرم أن يقال: فلان شهيد!، فلا تغتر بمن يقول ذلك في وسائل الإعلام، فهؤلاء آثمون؛ لأنهم يشهدون بغير كتاب، ولا سنة، ثم كيف يقال للفاسق، والفاجر من المحاربين أنه شهيد، بل منهم من وقع في الشرك، والبدع، ثم إذا مات يقال عنه: فلان شهيد!.

وعن سهل بن سعد الساعدي t قال: نظر النبي r إلى رجل يقاتل المشركين، وكان من أعظم المسلمين غناء عنهم، فقال r: «من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار، فلينظر إلى هذا... الحديث).([205])

قلت: فليس مجرد قتال الرجل في الظاهر يكون من أهل الجنة إذا قتل، أو يكون من أهل الشهادة، فإن هذا الرجل كان يقاتل المشركين، ومع هذا شهد النبي r له بالنار، لأنه قتل نفسه بعد ذلك([206])، إذن فهو مخالف في عمله هذا في الشرع.([207])

قــال الإمـام الـبـخـاري / في «صـحـيحه» (ج6 ص90): باب لا يقول فلان

شهيد.

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج6 ص90) معلقا على قول الإمام البخاري: (أي: على سبيل القطع بذلك، إلا إن كان بالوحي).اهـ

وقال شيخنا الشيخ ابن عثيمين /: (لا يجوز أن يشهد لشخص معين أنه شهيد، ولو كان قد قتل في جهاد الكفار، لأن مضمون هذه الشهادة: أنه شهد له الجنة، والشهادة بالجنة لا تجوز إلا لمن شهد له الرسول r، ولكن يقال: (يرجى أن يكون من الشهداء)، أو (نرجو له الشهادة)، أو ما أشبه ذلك).([208])اهـ

قلت: وهؤلاء يقاتلون عصبية تحت راية عمياء، ومن أجل الحرية زعموا!، بل من أجل إزالة حاكم البلاد!، وهذا ليس لأعلاء كلمة الله تعالى.

فعن أبي هريرة t عن النبي r أنه قال: «من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل فقتلة جاهلية».([209])

قال الإمام النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج12 ص481): (قوله r: «عمية» قالوا: هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه، كذا قاله أحمد بن حنبل، والجمهور). اهـ

وعن أبي موسى t قال: قال رسول الله r: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».([210])

قلت: أيها العامي الغافل هذا القاتل كان حريصا على قتل صاحبه، وكذلك المقتول أراد قتل صاحبه، فمن الجهتين فتنة؛ فهمت أيها العامي المصلي!.([211])

أيها العامي في الفريقين أبرياء من المسلمين فلماذا يقتلوهم، ولم يقتلوا نفسا!.

وصدق عثمان بن عفان t حيث قال عندما أراد الخوارج أن يقتلوه: «ولم يقتلوني، سمعت رسول الله r يقول: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث... أو قتل نفسا بغير نفس. فقال عثمان: ولا قتلت نفسا فبم يقتلوني».([212])

وعن المقداد بن الأسود t قال: «قلت: يا رسول الله أرأيت إن اختلفت أنا، ورجل من المشركين ضربتين بالسيف فقطع يدي؛ فلما أهويت إليه لأضربه، قال: لا إله إلا الله؛ أقتله، أم أدعه، قال r: بل دعه».([213])

وقال النبي r، لأسامة بن زيد t عندما قتل المشرك بعدما قال: لا إله إلا الله: (أقتلته، قال أسامة: نعم، قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا جاءت يوم القيامة).([214])

قال الإمام النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج2 ص289): (وقوله r: «أفلا شـقـقـت عـن قـلبه» فـيه دليـل لـلقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام

يعمل فيها بالظواهر، والله يتولى السرائر). اهـ

قلت: وهذا قتل الشبهة، وهذا لا يجوز لأن الأحكام يعمل فيها بالظواهر، وهذا القتل يحصل في الحروب السياسية، وهو قتل الشبهة، والعمد، والعياذ بالله.

فماذا تفعل أيها العامي بـ«لا إله إلا الله» يوم القيامة، وأنت الذي قتلت الخلق الكثير بأموالك في «الحروب السياسية» في مساعدتك لإذكاء فتنة القتل فيها، فماذا تفعل يوم القيامة، فأين عقلك عندما كنت تنفق أموالك على هذه الفتنة، بس بمجرد كلمة من خطيب صاحب فتنة يحرضك على الانفاق في فتنة «الحروب السياسية» فتضع في «بشته» السارق أموالك لزرع الفتن في بلدان المسلمين، فلا حول ولا قوة إلا بالله.([215])

وعن المقداد بن الأسود t قال: قال رسول الله r: (لا تقتله، فإن قتلته؛ فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته يعني لا إله إلا الله - التي قال).([216])

قال الإمام النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج2 ص288) معلقا على الحديث: (معناه: فإنه معصوم الدم محرم قتله بعد قوله لا إله إلا الله، كما كنت أنت قبل أن تقتله). اهـ

وعن عقبة بن مالك t قال: (كنا في سرية؛ فصبحنا أهل ماء فبدر رجل منهم فبوأ له رجل بسلاحه، فقال: إني مسلم، فقتله، فبلغ ذلك النبي r فغضب رسول الله، وقال: ما بال الرجل يقتل الرجل بعد ما يقول: إني مسلم).([217])

قلت: فلا يعجبك مالك أيها الرجل الذي انفقته في «هذه الفتن»، فإنه في رحب سفك الدماء بين المسلمين، فلن يقبل منك، لأنه أنفق في فتنة، فزادها فتنة، فهذا الزاد في النار، والعياذ بالله.

قلت: والعجب أن العامة ينصرون عدنان عرعور المجرم، وشيعته في «فتنة سوريا» بأموالهم، وعدنان عرعور، وشيعته يحرمون أكل ذبائح الدجاج، ويقتلون المسلمين، وغير المسلمين الأبرياء في «فتنة سوريا» في عام «1435هـ».

فعن عبد الرحمن بن أبي نعم قال: (جاء رجل إلى ابن عمر t، وأنا جالس؛ فسأله عن دم البعوض؛ فقال ابن عمر t، ممن أنت، قال الرجل: من أهل العراق؛ قال ابن عمر t: (انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن رسول الله).([218])

يقصد الحسين بن علي t.

قلت: والمعروف من النبي r وأصحابه y يقاتلون المشركين، ولم نسمع منهم القتال في بلدان المسلميـن بـعضـهم بـعضـا، إلا في «فتنة سـوريـا» في هـذا العصر الحاضر لعام (1435هـ).

فعن سعيد بن جبير قال: (خرج علينا ابن عمر t، ونحن نرجو أن يحدثنا حديثا حسنا؛ فبادرنا إليه فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما تقول في القتال في الفتنة، والله يقول: ]وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة [[البقرة:193]، فقال وهل تدري ما الفتنة؟، ثكلتك أمك؟، إنما كان محمد r يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة).([219])

فكيف أيها العامي تنصر أناسا يقاتلون من أجل الملك، والدنيا، والحرية والانتقام، والعصبية الجاهلية، ويدعون أنهم يجاهدون في سبيل الله، وهذا من الكذب على الله تعالى.

وعن أبي بكر الهذلي قال: (كنا عند الحسن البصري؛ إذ أقبل وكيع بن أبي سود، فقال: يا أبا سعيد، ما تقول في دم البراغيث يصيب الثوب أيصلى فيه؟!، فقال الحسن البصري: يا عجبا ممن يلغ في دماء المسلمين!، كأنه كلب!، ثم يسأل عن دم البراغيث؟!).([220])

قلت: والمجرمون الحزبيون ملطخة أيديهم من دماء المسلمين في «فتنة سوريا»، و«فتنة ليبيا»، و«فتنة اليمن»، و«فتنة مصر» وغيرها، في عام «1435هـ»، ويحرمون الدجاج المذبوح! على المسلمين المستورد من الخارج!.

أولئك هم اللصوص فاحذروهم.

قلت: ويمكن من أناس يدخلون النار بسبب أفعالهم المحرمة وإن كانوا يصلون، ويحجون، ويصومون مع المسلمين!.

فعن أبي سعيد الخدري t مرفوعا إلى النبي r وفيه: (إذا خلص المؤمنون من النار يوم القيامة وأمنوا... يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، فأدخلتهم النار، فيقول: اذهبوا، فأخرجوا من  قد عرفتم فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم....).([221])

قلت: والمسلم الحقيقي الذي يحب المسلمين فعلا، هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، فهذا هو المسلم الحقيقي.

وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب t ذم العامية الهمجية الرعاعية؛ فقال t: (الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج([222]) رعاع غوغاء([223])- أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق).([224])

قال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص50): (وتقسيم أمير المؤمنين للناس في أوله؛ تقسيم في غاية الصحة، ونهاية السداد، لأن الإنسان لا يخلو من أحد الأقسام الثلاثة التي ذكرها مع كمال العقل، وإزاحة العلل، إما أن يكون عالما، أو متعلما، أو مغفلا للعلم وطلبه ليس بعالم، ولا طالب له). اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص12): (ففيه تنبيهات على صفات العالم المتقن، والعالم الذي دونه، والهمج المخلط في دينه، أو علمه).اهـ

وقال الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج4 ص307): (وله الأثر المشهور عن علي بن أبي طالب الذي أوله: «القلوب أوعية فخيرها أوعاها»، وهو طويل، قد رواه جماعة من الحفاظ الثقات، وفيه مواعظ، وكلام حسن).اهـ

قوله t: (همج رعاع):

قال الإمام ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص144): (القسم الثالث: المحروم المعرض فلا عالم ولا متعلم، بل همج رعاع.

والهمج من الناس: حمقاؤهم، وجهلتهم، وأصله من الهمج: جمع همجة، وهو ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم، والدواب، وأعينها، فشبه همج الناس به.

والهمج أيضا مصدر معناه: سوء التدبير في أمر المعيشة.

وقولهم: همج هامج مثل ليل لايل.

والرعاع من الناس: الحمقى الذين لا يعتد بهم... من صاح بهم، ودعاهم تبعوه، سواء دعاهم إلى هدى، أو إلى ضلال، فإنهم لا علم لهم بالذي يدعون إليه أحق هو أم باطل، فهم مستجيبون لدعوته، وهؤلاء من أضر الخلق على الأديان؛ فإنهم الأكثرون عددا، الأقلون عند الله قدرا، وهم حطب كل فتنة، بهم توقد، ويشب ضرامها... وعقول هؤلاء تميل مع كل هوى، وكل داع... بين السبب الذي جعلهم بتلك المثابة وهو: أنه لم يحصل لهم من العلم نور يفرقون به بين الحق والباطل... فإذا عدم القلب هذا النور صار بمنزلة الحيران الذي لا يدري أين يذهب).اهـ

قال تعالى: ]ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون[ [البقرة:171].

قلت: وهذا الذي وصفهم به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هو من عدم علمهم، وظلمة قلوبهم، فليس لهم نور، ولا بصيرة يفرقون بها بين الحق، والباطل، بل الكل عندهم سواء.([225])([226])

قال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص49): (القسم الثالث: فهم المهملون لأنفسهم، الراضون بالمنزلة الدنية، والحال الخسيسة، التي هي في الحضيض الأوهد، والهبوط الأسفل، التي لا بعدها في الخمول، ولا دونها في السقوط، نعوذ بالله من الخذلان، وعدم التوفيق والحرمان.

وما أحسن ما شبههم الإمام علي بالهمج الرعاع: المتبدد المتفرق).اهـ

قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به[ [الحديد:28].

وقال تعالى: ]أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها[ [الأنعام:122].

وقال تعالى: ]ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا[ [الشورى:52].

قلت: فالعامة أتباع كل ناعق من صاح بهم في البدع، أو المحرمات في المسـاجـد وغـيرهـا تبعوه... فهؤلاء ليس فيهم من هو على سبيل نجاة، بل على سبيل الهلكة، نعوذ بالله من الخذلان.([227])

قال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص49): (والناعق: الصائح، وهو في هذا الموضع: الراعي، يقال: نعق الراعي بالغنم ينعق إذا صاح بها، ومنه قوله تعالى: ]ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون[ [البقرة:171]). اهـ

وعن عبد الله بن مسعود t قال: (اغد عالما، أو متعلما، ولا تغد إمعة فيما بين ذلك).([228])

قلت: والإمعة هو الذي يجري مع كل ضال من الناس بسبب جهله، نعوذ بالله من الخذلان.([229])

قلت: فالعلم يحفظ صاحبه، ويحميه من الهمجية، والرعاعية، ومن موارد الهلكة، ومواقع العطب، فإن العبد لا يلقي نفسه إلى هلكة إذا كان عقله معه، ويعرضها لمتلف إلا إذا كان جاهلا بذلك لا علم له به؛ فهو كمن يأكل طعاما مسموما.([230])

فالعامة أتباع السياسيين بنوا أمرهم على أصل غير صحيح، ولا وثيق.

قال تعالى: ]أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين[ [التوبة:109].

قلت: إذا الذي يقع في فتنة الحروب لعدم تمكنه من التمييز بين الخير، والشر إذا اجتمعا في الظاهر، واشتبه على العامي!، لأن الأمر إذا كان خيرا محضا، فهو خير للناس، وإذا كان شرا محضا لا يخاف منه، لأنه ظاهر، فيحتاط له بما يدفعه، لأنه معلوم عند الناس، لكن إذا اجتمع الخير، والشر في الظاهر في أمر وقع الاشتباه، واختلفت أنظار الناس فيه، ووقعت الفتنة بسببه، كما هو مشاهد في «فتنة حرب سوريا».([231])

* والأكثرون الجهلة من العامة، وغيرهم هم الأقلون يوم القيامة الذين يضعون أموالهـم في غـيـر مـوضـعها الشرعي، فينفقون أموالهم في الشر، وهم لا يعلمون، والله

المستعان.

فعن أبي هريرة t، عن النبي r قال: «إن الأكثرين هم الأقلون([232]) يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، وأشار عن يمينه، وأمامه، وخلفه».([233])

قلت: يشير النبي r إلى أناس من أمته ينفقون أموالهم في طرق غير شرعية!، والعياذ بالله.

واعلم أن المخالف لأمر الله تعالى على أقسام منها: المبتدع العامي الذي لا يستطيع على الدعوة إلى الله، فهذا ينصح، فإن لم ينفع النصح فيه، وكان في الإعراض عنه تقبيح لبدعته في عينه، تأكد الإعراض عنه.

قال الإمام ابن قدامة الحنبلي /: (المبتدع العامي الذي لا يقدر أن يدعو، ولا يخاف الاقتداء به، فأمره أهون، والأولى أن يتلطف به في النصح، فإن قلوب العوام سريعة التقلب، فإن لم ينفع النصح، وكان في الإعراض عنه تقبيح لبدعته في عينه، تأكد استحباب الإعراض عنه، وإن علم أن ذلك لا يؤثر لجمود طبعه، ورسوخ اعتقاده في قلبه، فالإعراض عنه أولى، لأن البدعة إذا لم يبالغ في تقبيحها ساعت بين الخلق، وعم فسادها).([234]) اهـ

قلت: وهؤلاء المبتدعة خطرهم عظيم على العامة في المساجد، وشرهم مستطير في الأمة الإسلامية، والله المستعان.

قال الإمام ابن قدامة الحنبلي /  عن هذا الصنف من الناس -: (المبتدع، فإن كان ممن يدعو إلى بدعة، وكانت البدعة بحيث يكفر بها، فأمره أشد من الذمي، لأنه لا يقر بجزية، ولا يسامح بعقد ذمة، وإن كان ممن لا يكفر بها، فأمره بينه، وبين الله تعالى أخف من أمر الكافر لا محالة، ولكن الأمر في الإنكار عليه أشد منه على الكافر، لأن شر الكافر غير متعد، لأنه لا يلتفت إلى قوله، بخلاف المبتدع([235]) الذي يدعو إلى بدعته، لأنه يزعم أن ما يدعو إليه حق، فيكون سببا لغواية الخلق، فشره متعد، فإظهار بغضه والانقطاع عنه، ومعاداته، وتحقيره، والتشنيع عليه ببدعته، وتنفير الناس عنه أشد!([236])). اهـ

وعن عقبة بن عامر الجهني t قال: سمعت رسول الله r يقول: (هلاك أمتي في الكتاب واللبن، فقيل: يا رسول الله! ما الكتاب واللبن؟ قال: يتعلمون القرآن فيتأولونه على غيـر مـا أنـزلـه الله عز وجل، ويحبون اللبن فيدعون الجماعات والجمع ويبدون([237])).([238]) وفي رواية: (يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير تأويله).

حديث صحيح

أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص146)، وابن قطلوبغا في «عوالي الليث بن سعد» (ص89)، وأبو يعلى في «المسند» (ج3 ص285)، وابن عبد الحكم في «فتوح مصر» (ص197)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص507)، والمستغفري في «فضائل القرآن» (ج1 ص303)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص41)، وأبو نعيم في «صفة النفاق» (ص160)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج6 ص266)، والروياني في «المسند» (ج1 ص182)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص142)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص815)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1199) من طرق عن أبي قبيل حيي بن هاني المعافري المصري قال: سمعت عقبة بن عامر به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وتابعه أبو الخير مرثد بن عبدالله اليزني.

أخـرجـه أحـمـد في «الـمـسـنـد» (ج4 ص155)، وفي «الـعـلـل» (ج3 ص452)،

والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص507) من طريق أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ عن ابن لهيعة قال: وحدثنيه يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

والحديث صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج6 ص647).

قال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1199): (أهل البدع أجمع أضربوا عن السنة، وتأولوا الكتاب على غير ما بينت السنة فضلوا وأضلوا، ونعوذ بالله من الخذلان، ونسأله التوفيق والعصمة برحمته). اهـ

قلت: فالرأي المذموم هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون، والاشتغال بحفظ الاختلاف بين العلماء دون رده إلى أصول الكتاب والسنة.

* فأصحاب الرأي والتأويلات هذه هم أهل البدع والأهواء الذين يتكلمون برأيهم الفاسد، ويقولون: إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.

* إنهم لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من الجهل بكتاب الله تعالى، وسنة رسول الله r، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من الضلال، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من التفرق والاختلاف، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من فساد، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من تشتت وضياع، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من ضعف في العلم الشرعي، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من فشل في الدعوة إلى الله، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من فشل في التدريس والخطابة، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من فشل في تأديتهم الأعمال الخيرية، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من فشل في اجتماعاتهم، لا يشعرون بحقيقة ما تصير إليه الأمة الإسلامية من فرقة وضياع، وتمزق وتشتت، لا يشعرون بأن الأمة الإسلامية لن تتوحد حتى يتوحد فكرها، وحتى يستيقظ وعيها في كتاب ربها، وما صح من أحاديث رسول الله r.

* لقد أفرز الواقع الأليم الذي أحلت فيه الفتن برأسها، وشهرت الحزبية سيفها، وغيب فيه كثير من العلماء الربانيين، وطلبة العلم المتمكنين... فبرز أهل التعالم بزعمهم للذب عن دينهم، ونشر سنة نبيهم r، فأثمرت جهودهم الحماسية بالفعل ثمارا خبيثة من تفريق، وضياع، وتشتيت بالأمة الإسلامية، والله المستعان.

* لذلك يجب على ولي أمر([239]) المسلمين في البلد منع القصاص من الوعظ والإرشاد، والخطابة والإمامة في المساجد.

قال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص324): (ينبغي للإمام أن يتصفح أحوال المفتين، فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها، ومن لم يكن من أهلها منعه منها، وتقدم إليه بأن لا يتعرض لها، وتواعده بالعقوبة، إن لم ينته عنها). اهـ

وقال الحافظ العراقي / في «الباعث على الخلاص من حوادث القصاص» (ص108): (فيجب على ولاة أمور المسلمين منع هؤلاء يعني القصاص([240])- من الكلام على الناس حتى تتبين أهليتهم لذلك عند العلماء الراسخين، فذلك من النصيحة لله، ولرسوله، ولولاة أمور المسلمين). اهـ

وقال الإمام الماوردي / في «الأحكام السلطانية» (ص248): (وإذا وجد المحتسب- من يتصدى لعلم الشرع، وليس من أهله من فقيه، أو واعظ، ولم يأمن اغترار الناس به في سوء تأويل، أو تحريف أنكر عليه التصدي لما هو ليس من أهله، وأظهر أمره لئلا يغتر به). اهـ

قلـت: ويـعـرف الـعـالـم بالكتاب والسنة بالتلقي عن المشايخ، وملازمتهم زمنا

طويلا معتبرا، وبمؤلفاته في السنة النبوية، وبجده في طلب العلم، وتزكيات علماء السنة له حتى بعد ذلك يتصدر للتحديث، والتدريس، والإمامة، والخطابة، والفتيا.

فعن الإمام أحمد بن حنبل / قال: (ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بالسنن، عالما بوجوه القرآن، عالما بالأسانيد الصحيحة، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفته بما جاء عن النبي r في السنن، وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها).

أثر حسن

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص332)، وابن الجوزي في «تعظيم الفتيا» (ص70) من طريق إبراهيم بن عمر البرمكي عن عبد العزيز بن جعفر قال: حدثنا أبو بكر الخلال قال: أخبرني محمد بن علي قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن الإمام ابن المبارك / أنه قيل له: متى يفتي الرجل؟ فقال: (إذا كان عالما بالأثر بصيرا بالرأي).([241])

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «الـمـدخـل إلـى الـسنن الكبرى» (ج1 ص177)، والخطيب

 في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص157) من طريق محمد بن أيوب ثنا أبو جعفر محمد بن مهران الجمال أخبرني علي بن شقيق عن ابن المبارك به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

* وتابعه محمد بن عبدالعزيز قال: سمعت علي بن الحسن بن شقيق به.

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص47) من طريق أبي القاسم مسلمة بن قاسم ثنا أبو جعفر محمد بن الحسين الهمذاني قال: سمعت محمد بن عبد العزيز به.

وإسناده حسن.

قلت: يريد ابن المبارك / بالرأي القياس الصحيح، والمعاني الصحيحة التي علق الشارع بها الأحكام.([242])([243])

قال الحافظ الحاكم / في «المدخل إلى الصحيح» (ص102): (العجب من جماعة كالقصاص- جهلوا الآثار، وأقاويل الصحابة، والتابعين فتوهموا لجهلهم أن الأحاديث المروية عن رسول الله r كلها صحيحة، وأنكروا الجرح والتعديل جملة واحدة جهلا منهم بالأخبار المروية عن رسول الله r، وعن الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين في ذلك). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «الفتح» (ج13 ص316): (أهل الجهل ليسوا عدول، وكذلك أهل البدع، فعرف أن المراد بالوصف... أهل السنة والجماعة، وهم أهل العلم الشرعي، ومن سواهم ولو نسب إلى العلم فهي نسبة صورية لا حقيقة).اهـ

وعن الإمام وهب بن منبه / قال: (الفقيه العفيف الزاهد المتمسك بالسنة؛ أولئك أتباع الأنبياء في كل زمان).([244])

وعن الإمام سفيان بن عيينة / يقول: (العلم إذا لم ينفع ضر).([245])

قلت: فأهل الرأي ليسوا عدول في العلم، والدعوة، ولو نسبوا إلى العلم والدعوة؛ فهي نسبة صورية شكلية لا حقيقية فتنبه.

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج1 ص67): (الرأي ثلاثة أقسام: رأي باطل، ورأي صحيح، ورأي هو موضع اشتباه، والسلف استعملوا الرأي الصحيح، وعملوا به، وذموا الباطل، ومنعوا من العمل والفتيا والقضاء به، والثالث سوغوه عند الاضطرار.

فالرأي الباطل: الرأي المخالف للنص والكلام في الدين بالخرص، والرأي المتضمن تعطيل أسماء الله، وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع، والرأي الذي أحدثت به البدع، والقول بالاستحسان، والظنون، والاشتغال بتحفظ المعضلات، ورد الفروع بعضها على بعض قياسا دون ردها إلى أصولها.

والرأي المحمود([246]) أنواع:

1. رأي الصحابة y.

2. والرأي الذي يفسر النصوص، ويبين وجه الدلالة منها إذا كان مستندا إلى استدلال، واستنباط دون ما استند عليه مجرد التخرص.

3.     والرأي الذي اتفقت عليه الأمة.

4. والرأي الذي يكون بعد طلب الواقعة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، يجتهد فيه إلى قربة من معاني النصوص). اهـ

قال الإمام ابن بطال /: (أعلم r أن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء؛ كما وقع للأمم قبلهم، وقد أنذر في أحاديث كثيرة بأن الآخر شر، والساعة لا تقوم إلا على شرار الناس، وأن الدين إنما يبقى قائما عند خاصة من الناس).([247]) اهـ

قال الحافظ ابن حجر /: (وقد وقع معظم ما أنذر به r، وسيقع بقية).اهـ

قلت: فالناظر إلى جمهور خطباء الجمع الذين يتصدرون، ويجيزون لأنفسهم ارتقاء المنابر للوعظ، والتدريس، والفتوى، والتوجيه، يرى بأن هؤلاء القوم يجيدون الكلام والتشدق، ولا يجيدون العلم وتطبيقه.

إن أحوال الخطباء عجيبة... تراهم لا يعرفون كيف يوجهون الناس، وإلى أي اتجاه يدور بهم... فمن هذا حالهم كيف سيفهم الناس كلامهم، وإلى أي وجهة يتجهون بهم.

* ومن أشد ما تعانيه الأمة من أولئك الذين يتصدرون للفتوى، والإمامة، والخطابة، والإرشاد، وليسوا لهذا بأهل، فلبسوا الملابس الخاصة، تلك التي توهم أن مرتديها من العلماء، ولما كانوا يعانون من ضيق الوقت بحكم العمل، أو الوظيفة، أو من ضعف القدرة على إدامة النظر في الكتب، أو من ضعف الفهم، أضف إلى هذا خجلهم أن يقولوا لما لا يعلمون: لا أعلم؛ وجدوا أنفسهم ينصاعون لتلبيس الشيطان، فأفتوا بلا علم، واعتمدوا على آرائهم المجردة، فأصبح يفتي كل ذي لحية!، أو عمامة!، أو خطيب!، أو إمام!، أو مؤذن!.

ولعل أشد ما يؤدي هؤلاء المتشبعين بما لم يعطوا، والمتحلين بما لم يؤتوا: أن

* يسألوا عن الدليل، والبرهان، والنص، وعندئذ لا يجدون لهم من سبيل؛ إلا أن يرموا السائلين بالتعصب والتنطع، فناصبوا أهل العلم الصادقين العداء، ووصفوهم بالتشدد والمخالفة والإتيان بالغرائب والعجائب، ذلك لأنهم لم يطلعوا على ما اطلعوا عليه، ولم يتعرفوا إلى ما تعرفوا إليه.

* وإذا ما تحركت بذرة الخير في قلوب أصحاب الأهواء، وشعروا بالحرج من الفتاوى، رفع الشيطان لهم راية: «الدين يسر» فزال الحرج من النفوس، وانهمرت الفتاوى كالمطر!.

قلت: والشهرة بالدكتوراه، والماجستير([248])، أو بالدعوة، أو بالخطابة لا تجعل الشخص أهلا للفتوى، والتدريس، والمشيخة!، فانتبه.

فلا يكتفى بمعرفة المفتي بمجرد شهرته، وتصديه للفتيا، والخطابة فوق المنابر، فقد يتصدى للفتيا، والخطابة من ليس أهلا لها، وذلك لغلبة الجهل في الناس، وقد يتواتر بين العامة أنه مفت، أو خطيب، أو داعية، وهو ليس كذلك.([249])

* لأن من وسائل معرفة المفتي الشرعي تصديه للفتيا بالأدلة من الكتاب، والسنة، والآثار، وشهرته بين الناس بذلك عن طريق مؤلفاته المنتشرة في السنة والمنهج، وشروحه للسنة النبوية في التوحيد، والعقيدة، والفقه، والحديث، والتفسير، وأصول الفقه، والقواعد الفقهية وغير ذلك عن طريق الأشرطة، وشهادة علماء السنة له بالعلم الشرعي المؤصل بالأدلة من الكتاب، والسنة، والآثار.

قلت: وشهد شاهد من أهلها!، والله المستعان.

قال الدكتور ! سمير استيتية في مقال له حين كان تلميذا !! في جامعة ميشغان الأمريكية !!! نشرته جريدة اللواء الأردنية بتاريخ 14 / 9 / 1983، كان مما قال فيه: (كلمة دكاترة جمع تكسير لمفرد مجهول الحقيقة والهوية، فارغ من كل مضمون، إلا مضمون واحد؛ [كذا قال، وهو خطأ ظاهر، صوابه: مضمونا واحدا]؛ وهو أن الدكتوراه قد يحصل عليها العالم، والجاهل([250]) سواء بسواء!!!). اهـ

قلت: ولذلك يجب على المستفتي أن يبحث، ويسأل حتى يعرف صلاحية من يستفتيه للفتيا إذا لم يكن قد عرفه من قبل.([251])

قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [ [النحل:43].

قلت: لأن الفتوى شأنها عظيم، وخطرها جسيم، فهي توقيع عن الله تعالى،

ودخول بين الله تعالى وبين خلقه، والقائم بها معرض للخطأ، فعليه أخذ الحيطة والحذر، وعدم الإقدام عليها إلا بعد التأهل لها مع شدة المراقبة لله تعالى، وملازمة التقوى والورع، وأهل العلم الربانيين، ولا يلزم العبد في ذلك أهل الشهادات الأكاديمية الجهلة، والله المستعان.

قال العلامة ابن باز /؛ وهو يتكلم عن أهمية الاعتقاد الصحيح لطلبة الجامعات الإسلامية: (فالناس تساهلوا في هذا الأمر!، فصاروا قضاة، ومدرسين، وهم لا يعرفون العقيدة السلفية!، ولا يعرفون العقيدة الصحيحة!، فتعلم الأصل علم العقيدة، ولكن تهاونوا بإعطائه حقه، والدراسة، والتمحيص... فصاروا دكاترة وهم صفر في العقيدة!، فدكاترة حصلوا على الشهادة العالية، والماجستير، والدكتوراه وهم صفر في العقيدة ! لا يعرفون شيئا في العقيدة!، العقيدة في جاهلية!، حتى سألوا الأموات!... لأنهم ما درسوا العقيدة كما ينبغي، الذين أخذوا عنهم كذلك... فكانوا صفرا في هذا الباب!).([252]) اهـ

وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح رياض الصالحين» (ج3 ص442)؛ وهو يذم الدكاترة في الدين: (الذي يتعلم شريعة الله U وما يساندها، فهذا علم لا يبتغي به إلا وجه الله، إذا أراد به الدنيا فإنه لا يجد ريح الجنة يوم القيامة، وهذا وعيد شديد والعياذ بالله، يدل على أن من قصد بتعلم الشرع شيئا من أمور الدنيا؛ فإنه قد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، ولا يبارك له في علمه، يعني مثلا، قال: أريد أن أتعلم من أجل أن أصرف وجوه الناس إلي، حتى يحترموني ويعظموني، أريد أن أتعلم حتى أكون مدرسا فآخذ راتبا، وما أشبه ذلك، هذا والعياذ بالله لا يجد ريح الجنة يوم القيامة، وقد أشكل على هذا، أو قد روع هذا بعض الذين يقرءون في المدارس النظامية كالمعاهد، والكليات من أجل أن ينالوا الشهادة، فيقال: نيل الشهادة ليس للدنيا وحدها قد يكون للدنيا وحدها، وقد يكون للآخرة، فإذا قال الطالب: أنا أطلب العلم لأنال الشهادة حتى أتمكن من وظائف التدريس، وأنفع الناس بذلك، أو حتى أكون مديرا في دائرة أوجه من فيها إلى الخير فهذا خير، ونية طيبة، ولا فيها إثم، ولا حرج.

* وذلك أنه مع الأسف في الوقت الحاضر صار المقياس في كفاءة الناس هذه الشهادات، معك شهادة توظف، وتولي قيادة على حسب هذه الشهادة، ممكن يأتي إنسان يحمل شهادة دكتوراه فيولى التدريس في الكليات والجامعات، وهو من أجهل الناس لو جاء طالب في الثانوية العامة لكان خيرا منه، وهذا مشاهد، يوجد الآن من يحمل شهادة دكتوراه لكنه لا يعرف من العلم شيئا أبدا، إما أنه نجح بغش، أو نجح نجاحا سطحيا لم يرسخ العلم في ذهنه لكن يوظف؛ لأن معه شهادة دكتوراه، يأتي إنسان طالب علم جيد هو خير للناس وخير لنفسه من هذا الدكتور ألف مرة لكن لا يوفق، لا يدرس في الكليات، لماذا؟ لأنه لا يحمل شهادة دكتوراه. فنظرا لأن الأحوال تغيرت وانقلبت إلى هذه المآل... المهم: احذر أخي طالب العلم، احذر من النيات السيئة، العلم الشرعي أعز، وأرفع، وأعلى من أن تريد به عرضا من الدنيا، عرض الدنيا ما الذي تنتفع به، آخر أمره أن يكون في محل القاذورات). اهـ

قلت: فاختيار الأمثل فالأمثل، والأعلم فالأعلم للمناصب الدينية، لا الأجهل، فالأجهل، وإن كان يحمل شهادة الدكتوراه، أو شهادة الماجستير، والله المستعان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «السياسة الشرعية» (ص39): (إذا عرف هذا، فليس عليه أن يستعمل إلا أصلح الموجود، وقد لا يكون في موجوده من هو أصلح لتلك الولاية، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه، وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام، وأخذه للولاية بحقها، فقد أدى الأمانة، وقام بالواجب في هذا، وصار في هذا الموضع من أئمة العدل، والمقسطين عند الله؛ وإن اختل بعض الأمور بسبب من غيره، إذا لم يمكن إلا ذلك، فإن الله يقول: ]فاتقوا الله ما استطعتم[ [التغابن:16]. اهـ

قال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «تعليقه على السياسة الشرعية» (ص39): (هذا من شيخ الإسلام / استثناء مما سبق. وهو أن الوالي الخليفة أو السلطان الأعظم قد يكون حريصا على تولية من كان أهلا للولاية، لكن ليس عنده إلا أناس ليسوا أهلا للولاية، على الوجه الأكمل، فماذا يصنع؟ هل يدع الناس بلا أمراء، بلا أمناء، بلا عرفاء؟.

الجواب: لا، لا يمكن. لكن يولي الأصلح فالأصلح؛ لقول الله تعالى: ]فاتقوا الله ما استطعتم[[التغابن:16]، وحينئذ يكون التقصير من غيره، ولكن مع ذلك إذا ولى من ليس على الوجه التام؛ فعليه أن يراقبه، وأن ينصحه، وأن يوجهه التوجيه السليم، لا أن يوليه ويتركه؛ لأنه ليس أهلا، وإنما نصب للضرورة، فلو قيل مثلا ما هو الأصلح إذا لم نجد من تتوافر فيه القوة، والأمانة على الوجه الأكمل؟

فنقول: يختار الأصلح فالأصلح. وإذا اختار الأصلح مثلا- في وقته، وحسب واقع الناس، وتبين أنه غير صالح، وجب أن يعدل عنه. فلو وظف إنسانا قد أخذ مرتبة «الدكتوراه» مثلا على أنه أخذ «الدكتوراه» في الفقه، ثم ولاه القضاء،  وتبين أنه يضرب سلمى بأجا «جبلين متباعدين» لكن يضرب بهما المثل وليس عنده من الفقه ما يؤهله لهذا المنصب، فنقول: إن مرتبته العلمية التي قد يكون أخذها بغش لا تبرر بقاءة في ولاية الحكم بين الناس أبدا بل يجب أن يزال. وليست المراتب الوضعية للشهادات الحاضرة هي التي يقاس بها الرجل وحدها. فكم من إنسان ليس عنده هذه الشهادة، ولو وقف مع هذا الذي هي عنده، لم يقف أمامه، ولعجز حامل هذه الشهادة أن يقابل هذا الذي ليس عنده شهادة، لكنه جيد في الفقه، وهذا شيء مشاهد.

فالحاصل: أن الواجب أن نولي الأمر من هو أهله بالمعنى الحقيقي، لا بالمراتب الوضعية وحدها.

لكن قد يقول السلطان مثلا أو ولي الأمر الكبير: أنا لا أستطيع أن أفحص الناس وأستبرأهم كلهم، فهذه الشهادات تعينني.

فنقول: أنت معذور، وهذا ما تقدر عليه. لكن إذا تبين لك أن هذا ليس بأهل، فالواجب عليك إزالته، حتى لو احتج عليك وقال: أنا عندي شهادة من عشرين سنة، نقول: ولو كان. ما دام قد تبين فشلك؛ فلا يجوز أن نوليك أمور المسلمين، لا في القضاء، ولا في التدريس، ولا في غير هذا). اهـ

فدعوة الجاهل المفتون؛ كما هو ظاهر حماسية، لا علمية.([253])

قال الإمام مصعب بن سعد /: (لا تجالس مفتونا، فإنه لن يخطئك منه إحدى اثنتين، إما أن يفتنك فتتابعه، وإما أن يؤذيك قبل أن تفارقه).([254])

وقال العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في «الأجوبة المفيدة» (ص79): (الحماس للدعوة طيب، لكن لا يجوز له أن يباشر الدخول في الدعوة إلا بعد أن يتعلم... فالجاهل لا يصلح للدعوة، ولابد أن يكون عنده علم... أما مجرد الحماس، أو مجرد المحبة للدعوة، ثم يباشر الدعوة، هذا في الحقيقة يفسد أكثر مما يصلح، وقد يقع في مشاكل، ويوقع الناس في مشاكل، فهذا يكفيه أن يرغب في الخير، ويؤجر عليه إن شاء الله، ولكن إن كان يريد الدخول في مجال الدعوة فليتعلم أولا... ما كل واحد يصلح للدعوة، وما كل متحمس يصلح للدعوة، التحمس مع الجهل يضر، ولا ينفع). اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج11 ص321): (الجاهل لا يعلم رتبة نفسه، فكيف يعرف رتبة غيره). اهـ

وقال الإمام أبو دواد /: (الشهوة الخفية حب الرئاسة).

أثر صحيح

أخرجه الطيوري في «الطيوريات» (355)، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (ج9 ص58) من طريق عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري قال: سمعت أبا بكر بن أبي دواد يقول: سمعت أبي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج8 ص512): (القول فيما لا يعلم قسم من التكلف). اهـ

وقال العلامة الصنعاني / في «إرشاد النقاد» (ص148): (والعلم لا يكون إلا عن دليل). اهـ

وقال الإمام ابن بطة / في «إبطال الحيل» (ص66): (إن أكثر المفتين في زماننا هذا مجانين). اهـ

قال الأثري: يرحم الله ابن بطة كيف لو أدرك زماننا؟!.

قلت: وبالفعل أن هؤلاء درسوا، وخطبوا، وأفتوا؛ لكن أين العلاج؟!.

قال الدكتور ناصر العقل في «الأهواء والفرق والبدع» (ج2 ص122): (ومن ذلك في نظري ما يحدث في عصرنا في الآونة الأخيرة من توجه كل من هب ودب إلى الدراسات الشرعية، دون تمييز بين من لديه الأهلية ومن ليس لديه، والسبب طلب العلم للوظائف، وإن كان الإقبال على طلب العلم الشرعي بحد ذاته أمر طيب، ومحمود ويبشر بخير، لكن دخله ما ذكرته من تعلم الرعاع، والسفلة أحيانا). اهـ

وقال الدكتور ناصر العقل في «الفقه في الدين» (ص103): (إن بعض الناس بمجرد أن تتوفر لديه الأشرطة والكتب، ينقطع عن حلق الذكر، وعن دروس المشايخ ويقول: أنا بحمد الله أتلقى العلم بالشريط بالسيارة أو البيت، وأتلقى العلم عن الإذاعة وعن طريق الجرائد، والمجلات التي فيها شيء من العلم الشرعي... وليس هناك حاجة لأن أتكبد المشاق، وأجلس على ركب العلماء.

وهذا قول خطير، بل إذا استمر الناس على هذا فسيخرج جيل متعالم، لا عنده علم ولا عنده فقه، بل لا يفقه من الدين إلا ما تهواه نفسه، وقد استغنى كثير من المثقفين، والشباب بهذه الوسائل عن المشايخ فوقع المحذور، فصارت نظرتهم للمشايخ قاصرة، يتهمون المشايخ بالقصور والتقصير، ويتهمونهم بعدم إدراك الواقع، ويتهمون المشايخ بأنهم يجاملون ويداهنون... من الأمور التي هي من سمات أهل الأهواء). اهـ

وقال الدكتور ناصر العقل في «الفقه في الدين» (ص105): (ومن الأخطاء التي ينبغي التنبيه عليها في مسألة الفقه، فصل الدعوة عن العلم، وهذه توجد في الشباب أكثر من غيرهم، يقولون «مثلا»: الدعوة شيء، والفقه في الدين شيء آخر، فلذلك نجد أن بعض الشباب يهتم بالدعوة عمليا، ويبذل فيها جهده ووقته، لكن تحصيله للفقه، والعلم الشرعي قليل جدا، مع أن العكس يجب أن يكون هو الصحيح؛ وينبغي أن يتعلم، وأن يتفقه، وأن يأخذ العلوم الشرعية ثم يدعو، ولا مانع أن يؤجل الدعوة سنة، أو سنتين، أو أخمسا، أو أكثر حتى يشتد عوده، ويكون عنده من العلم الشرعي ما يدعو به، أما أن يبدأ كما يفعل بعض الشباب بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بمجرد العاطفة، وعلم قليل، ثم ينقطع عن العلم، وعن المشايخ، فهذه الطريقة على المدى البعيد سيكون لها أثرها الخطير في الأمة، حيث سيخرج دعاة بلا علماء، كما حصل في أكثر البلاد الإسلامية الأخرى). اهـ

ولقد صدق؛ إذ أن تصدر هؤلاء للدعوة على جهل سيعرضهم حتما للكلام باسم الإسلام، والإفتاء باسم شريعته، والقول على الله تعالى بغير علم، والاحتجاج (بالمصلحة) في غير موضعها، وتقديم الأهواء على الوحيين الشريفين.

وقال الإمام الشافعي /: (إذا تصدر الحدث؛ فاته علم كثير).([255])

وهذا من توسيد الأمر لغير أهله، ومن منازعة الأمر أهله، قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [ [النحل:43].

وعن الإمام مالك / قال: (أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فوجده يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه فقال له: أمصيبة دخلت عليك؟ فقال: (لا، ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، ولبعض من يفتي ها هنا أحق بالسجن من السراق).([256])

وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج4 ص192): (...السائل لا يصح له أن يسأل من لا يعتبر في الشريعة جوابه؛ لأنه إسناد أمر إلى غير أهله؛ والإجماع على عدم صحة مثل هذا، بل لا يمكن في الواقع...). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1137): (واعلم أنه لم تكن مناظرة بين اثنين أو جماعة من السلف إلا لتفهم وجه الصواب، فيصار إليه ويعرف أصل القول وعلته، فيجري عليه أمثلته ونظائره، وعلى هذا الناس في كل بلد إلا عندنا، كما شاء ربنا، وعند من سلك سبيلنا من أهل المغرب، فإنهم لا يقيمون علة، ولا يعرفون للقول وجها، وحسب أحدهم أن يقول فيها رواية لفلان ورواية لفلان، ومن خالف عندهم الرواية التي لا يقف على معناها وأصلها، وصحة وجهها، فكأنه قد خالف نص الكتاب، وثابت السنة، ويجيزون حمل الروايات المتضادة في الحلال والحرام، وذلك خلاف أصل مالك، وكم لهم من خلاف أصول خلاف مذهبهم مما لو ذكرناه لطال الكتاب بذكره، ولتقصيرهم عن علم أصول مذهبهم، صار أحدهم إذا لقي مخالفا ممن يقول بقول أبي حنيفة، أو الشافعي، أو داود بن علي، أو غيرهم من الفقهاء، وخالفه في أصل قوله، بقي متحيرا ولم يكن عنده أكثر من حكاية قول صاحبه فقال: هكذا قال فلان، وهكذا روينا([257])، ولجأ إلى أن يذكر فضل مالك ومنزلته، فإن عارضه الآخر بذكر فضائل إمامه أيضا صار في المثل كما قال الأول:

شــكـونــا إلــيــهــم خــراب الــــعـــــراق

 

 

فــعابــوا عـلـــيـــــنــــــــا لـــــــحـوم الـبـقـــر

فــكـانــوا كـــــمـــا قــيــل فــيــمـــا مــضـى

 

 

أريــهــا الـــســهـــا وتــريـــنـــي الــقمـر

وفي مثل ذلك يقول منذر بن سعيد /:

عـــذيــري مـــن قــوم يـقــولــون كـلـما

 

 

طـلـبـت دلـيـلا هـكـذا قـــال مــالـــك

وإن عــدت قــالــوا هـكـذا قـال أشـهـب

 

 

وقــد كـان لا تـخـفـى عـلـيـه الـمـسـالـك

فــإن زدت قــالــوا قـال سـحـنــون مــثــلــه

 

 

ومـن لـم يــقـل مـا قــال فــهـــو آفـــك

فــإن قــلــت قــال الله ضـجــوا وأكـثـروا

 

 

وقــالــوا جــمــيعــا أنــت قــرن مــمـاحـك

وإن قـلـت قـد قـال الــرسـول فـقـولـهـم

 

 

ائــت مـالـكـا فـي تـرك ذاك الــمــســالـــك

* وأجازوا النظر في اختلاف أهل مصر، وغيرهم من أهل المغرب، فيما خالفوا فيه مالكا من غير أن يعرفوا وجه قول مالك، ولا وجه قول مخالفه منهم، ولم يبيحوا النظر في كتب من خالف مالكا إلى دليل يبينه، ووجه يقيمه، لقوله وقول مالك جهلا فيهم، وقلة نصح، وخوفا من أن يطلع الطالب على ما هم فيه من النقص والقصر، فيزهد فيهم، وهم مع ما وصفنا يعيبون من خالفهم، ويغتابونه، ويتجاوزون القصد في ذمه؛ ليوهموا السامع لهم أنهم على حق، وأنهم أولى باسم العلم، وهم ]كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا [ [النور:39]، وإن أشبه الأمور بما هم عليه ما قاله منصور الفقيه /:

خــالــفــونــي وأنـــــكـــــروا مـــــا أقــــــول

 

 

 

قــلــــت لا تــعــجـلــوا فــــإنــــي ســــؤول

مـا تـقــولــون فــي الــكــتــاب فــقــالـــوا

 

 

هــــو نــــور عــــلــــى الــــصـــــواب دلـيـل

وكـــــــــذا ســـــنــــــة الــــرســـــول وقــــــد

 

 

أفــلــح مـــن قــال مــا يــقــول الــرســول

واتــفــاق الــجــمــيـــع أصـــــــل ومـــــــا

 

 

يــنــــكــــر هـــــذا وذا وذاك الــــعـــقـــــول

وكـــــذا الـــحـــكـــم بـــالـــقـــيــاس فــقلنا

 

 

مـــن جـــمــيـــل الــرجــال يــأتـي الجميل

فــتــعـالــــوا نـــرد مــــن كـــــــل قــــــول

 

 

مـــا نــفــى الأصــل أو نــفــتــه الأصـــول

فــأجــابــوا فــنــوظـــروا فـــإذا الـعــلــــم

 

 

لــديـــهــــــم هــــــــــو الـــيـــســــير القليل

فعليك يا أخي بحفظ الأصول والعناية بها، واعلم أن من عنى بحفظ السنن والأحكام المنصوصة في القرآن، ونظر في أقاويل الفقهاء فجعله عونا له على اجتهاده، ومفتاحا لطرائق النظر، وتفسيرا لجمل السنن المحتملة للمعاني، ولم يقلد أحدا منهم، تقليد السنن التي يجب الانقياد إليها على كل حال دون نظر، ولم يرح نفسه مما أخذ العلماء به أنفسهم من حفظ السنن وتدبرها، واقتدائهم في البحث، والتفهم والنظر، وشكر لهم سعيهم فيما أفادوه ونبهوا عليه، وحمدهم على صوابهم الذي هو أكثر أقوالهم، ولم يبرئهم من الزلل كما لم يبرئوا أنفسهم منه، فهذا هو الطالب المتمسك بما عليه السلف الصالح، وهو المصيب لحظه، والمعاين لرشده، والمتبع سنة نبيه r، وهدي صحابته y، وعمن اتبع بإحسان آثارهم، ومن أعفى نفسه من النظر، وأضرب عما ذكرنا، وعارض السنن برأيه، ورام أن يردها إلى مبلغ نظره، فهو ضال مضل، ومن جهل ذلك كله أيضا وتقحم في الفتوى، بلا علم فهو أشد عمى، وأضل سبيلا.

لـــــقــــــد أســـــمـــعــت لـــو نــاديـت حيا

 

 

ولــــكــــن لــــا حــيـــاة لــمـــن تــنـــــادي

وقـــد عــــلــمـــت أنــنـــي لــــا أســـلـــــــم

 

 

مــــن جــــاهــــل مــعــانـــد لـــا يــعــلم

ولــســـت بـــنــاج مــن مـــقــالـــة طــاعـــن

 

 

ولــو كــنــت فــي غــار عــلــى جــبـل وعر

ومــن ذا الــذي يـنــجو مــن الـنـاس سالما

 

 

ولــو غــاب عــنـهــم بــيــن خــافــيتي نسر

* واعلم يا أخي أن السنن والقرآن، هما أصل الرأي، والعيار عليه، وليس الرأي بالعيار على السنة، بل السنة عيار عليه، ومن جهل الأصل لم يصب الفرع أبدا). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1135): (واعلم رحمك الله أن طلب العلم في زماننا هذا، وفي بلدنا قد حاد أهله عن طريق سلفهم، وسلكوا في ذلك ما لم يعرفه أئمتهم، وابتدعوا في ذلك ما بان به جهلهم، وتقصيرهم عن مراتب العلماء قبلهم). اهـ

قلت: فأهل التعالم ألسنتهم تروي العلم، وقلوبهم قد خلت من فهمه غاية أحدهم معرفة رواية لمذهب فلان... ووجه لمذهب فلان... واختلف العلماء... وقول فلان... وهكذا... وتجده قد جهل ما لا يكاد يسع أحدا جهله من علم صلاته وحجه وصيامه وزكاته...

* فأهل التعالم لم يعنوا بحفظ سنة ولا الوقوف على معانيها، ولا بأصل من القرآن... ولا اعتنوا بكتاب الله U... بل عولوا على حفظ ما دون لهم من الرأي الذي كان عند العلماء آخر العلم...

قلت: ولا ريب في أن الأئمة الأربعة وهم: «أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد رحمهم الله»؛ لم يرضوا أن يتمذهب أحد بمذهبهم، وأن يقلدهم أحد في الدين المبين، بل كانوا غير مقلدين، ومتفقين على وجوب اتباع الكتاب والسنة دون التقليد، والاستقلال في فهمها، والعمل بهما في جميع الأمور كبيرة كانت أو صغيرة من الأصول والفروع من غير التقليد.([258])

وهذا هو مذهب «أهل الحديث» الذي مضى عليه الأئمة الأربعة رحمهم الله.

فاعتقادنا في الأئمة الأربعة: (أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد رحمهم الله تعالى الذين اتفق أهل العلم على علمهم، وفضلهم، وتقواهم، وخشيتهم لله، وإخلاصهم في الدين، وتركهم البدع والمحدثات... أنهم أكرم هذه الأمة... على أن يضعوا لهم مذاهبا غير مذهب الكتاب والسنة، كما هو مأثور عنهم في كتبهم وفي كتب تلاميذهم.

وإنما صنع ذلك من عمت بصيرته عن الحق، ومن حاد عن الحق، وقدم القياس والرأي على القرآن والحديث، قال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس:32].

قلت: فمن تخيل أن الأئمة الأربعة وضعوا لهم هذه المذاهب: (المذهب الحنفي، والمذهب المالكي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي)، والآراء والأقوال المخالفة للكتاب والسنة، فهو مخطئ في ذلك، وقوله هو القول الهالك، لأنه المستخف بالأئمة الأربعة حقا، والخارج عن أقوالهم صدقا.

لأن هذه المسائل المذهبية التي قد ملئت بها كتب المقلدين لم يكتبها أحد من الأئمة الأربعة أصلا، ولم يعملوا بها أبدا، وقد افتريت عليهم إلا في مسائل قليلة اللهم غفرا.

فغير أهل التقليد الأعمى سنن الأئمة الأربعة، والطريق المستقيم إلى الطرق المعوجة حبا في الملك، والدنيا، والمال، ومحافظة على مناهجهم المخالفة للكتاب والسنة، ومحافظة على مقصودهم... وتغطية لبضاعتهم المزجاة في العلم الشرعي.... ولجهلهم بالدليل... وعدم معرفتهم الراجح من المرجوح، ولذلك يقلدون!.

قلت: وتجد الواحد منهم بدون حياء يقول: أنا حنفي مذهبا والماتريدي عقيدة! والثاني يقول: أنا المالكي مذهبا والصوفي عقيدة!... والآخر يقول: أنا الشافعي مذهبا والأشعري عقيدة!... وهكذا.

وأنت إذا تدبرت تلك الكلمات وجدت لها أمور خارجية مقصودة... ظاهرها ترك الكتاب والسنة، والإقبال على العصبية المذهبية... والعقائد الباطلة...

وقد تصدى لكشفهم أهل العلم في كل زمان ومكان ولله الحمد والمنة.

وهؤلاء المقلدة المتعصبة أكثرهم لا يعرفون من الحديث إلا على أقله، ولا يكادون يميزون بين صحيحه من سقيمه. ولا يعرفون جيده من رديئه، ولا يعبأون بما بلغهم منه أن يحتجوا به على خصومهم إذا وافق مذاهبهم التي ينتحلونها، ووافق آراءهم التي يعتقدونها...

قلت: وتراهم لا يقبلون قول الإمام أبي حنيفة، أو الإمام مالك، أو الإمام الشافعي، أو الإمام أحمد إلا ما وافق مذاهبهم، وآراءهم المزعومة التي ينتحلونها، والله المستعان.

وعلى هذا عادة أهل التقليد في كل زمان، ومكان... فدس لهم الشيطان الحيل، والكيد وأطاعه كثير منهم واتبعوه... وخدعهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال العلامة الشوكاني / في «القول المفيد» (ص108): (وأن التقليد لم يحدث إلا بعد انقراض خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وإن حدوث التمذهب بمذاهب الأئمة الأربعة، إنما كان بعد انقراض الأئمة الأربعة([259])، وإنهم كانوا على نمط من تقدمهم من السلف في هجر التقليد، وعدمالاعتداد به، وإن هذه المذاهب إنما أحدثها عوام المقلدة لأنفسهم من دون أن يأذن بها إمام من الأئمة المجتهدين). اهـ

وقال العلامة الفلاني / في «إيقاظ الهمم» في أواخره (ص169): (يحرم على المفتي أن يفتي بضد لفظ النص، وإن وافق مذهبه، ومثاله أن يسأل عن رجل صلى الصبح ركعة ثم طلعت الشمس، فهل يتم صلاته أم لا؟ فيقول: لا يتمها. ورسول الله r يقول: (فليتم صلاته)؛ أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة، وأحمد في مواضع من مسنده. ومثل أن يسأل عن رجل مات وعليه صيام، هل يصوم عنه وليه؟ فيقول: لا يصوم عنه وليه. وصاحب الشرع يقول: (من مات وعليه صوم، صام عنه وليه)؛ أخرجه الشيخان، وأصحاب السنن، وأحمد في مسنده. ومثل أن يسأل عن رجل باع متاعه ثم أفلس المشتري؛ فوجده بعينه هل هو أحق به؟ فيقول: ليس هو أحق به. وصاحب الشرع يقول: (هو أحق به)؛ أخرجه الشيخان، وأصحاب السنن، وأحمد في مسنده. ومثل أن يسأل عن أكل ذي ناب. هل هو حرام؟ فيقول: ليس بحرام، ورسول الله r يقول: (أكل كل ذي ناب من السباع حرام)؛ أخرجه الجماعة من حديث أبي ثعلبة. ومثل أن يسأل عن قتل المسلم بالكافر فيقول: نعم، يقتل المسلم بالكافر، وصاحب الشرع يقول: (لا يقتل المسلم بالكافر)؛ أخرجه الجماعة إلا مسلما من حديث أبي جحيفة. ومثل أن يسأل عن الصلاة الوسطى فيقول: ليست العصر، وصاحب الشرع يقول: (هي صلاة العصر)؛ أخرجه مسلم، وأبو داود. ومثل أن يسأل عن رفع اليدين عند الركوع، والرفع منه هل هو مشروع في الصلاة، أو ليس بمشروع؟ فيقول: ليس بمشروع أو مكروه، وربما غلا بعضهم فقال: أن صلاته باطلة، وقد روى بضعة وعشرون نفسا عن النبي r: أنه كان يرفع يديه عند الافتتاح، والركوع، والرفع منه بأسانيد صحيحة، لا مطعن فيها، وأمثلته كثيرة، وفيما ذكرنا كفاية، وقد أنهاها ابن القيم إلى مائة وخمسين مثالا). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص278): (لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه، فإن تتبع ذلك فسق، وحرم استفتاؤه). اهـ

وقال الإمام ابن نجيم /: (إن العمل بنص صريح أولى من العمل بالقياس،
وإن ظاهر الحديث واجب العمل).
([260]) اهـ

وقال العلامة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر /  في شروط من يحق له الفتيا -: «واعتبر الشيخ تقي الدين أي: ابن تيمية وابن الصلاح الاستفاضة بأنه أهل للفتيا، ورجحه النووي في الروضة، ونقله عن أصحابه إلى أن قال: فعلى هذا لا يكتفى بمجرد انتسابه إلى العلم، ولو بمنصب تدريس أو غيره([261])، لا سيما في هذا الزمان الذي غلب فيه الجهل، وقل فيه طلب العلم، وتصدى فيه جهلة الطلبة للقضاء والفتيا!).([262]) اهـ

قلت: ولذلك فإن معرفة أهل العلم الشرعي الذين يرجع إليهم في الفتن، والنوازل، والأحكام، والقضاء من أهم أسباب الاستقرار والأمن، ومن أعظم ما يساهم في رفع البلاء، والفتن، ونصر المسلمين على عدوهم في الخارج، والداخل.

ومن هنا يجب التحذير من المتعالمين([263]) الذين هم من أسباب الفتن، والمحن، والبلاء، وعدم نصر المسلمين على عدوهم ليجتنبوا، ويصار إلى أهل الرسوخ، ليستدفع البلاء بهم من الله تعالى، وتدرأ الفتن، وترسوا السفينة إلى بر الأمان في البلدان.

قلت: ولذلك فإن الراسخين في العلم أعظم الناس ثباتا عند الفتن، وأكثرهم تأنيا، وبعدا عن العجلة، فلا تستفزهم الأمور، ولا تستهويهم العواطف.

قال الإمام ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص140): «إن الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ولا قدحت فيه شكا، لأنه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم، وجيشه مغلولة مغلوبة([264])).اهـ

قلت: والسنة النبوية كشفت للمسلمين هذا الصنف من الناس.

فعن عبد الله بن عمرو بن العاص t قال: سمعت رسول الله r يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».([265])

وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة([266])، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة!) وفي رواية: (السفيه يتكلم في أمر الناس!).([267])

قلت: فالشريعة قد كملت فلا تحتاج إلى فتاوى، ودعوة المتعالمين، اللهم سلم سلم.

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص375): «فرسالته r كافية شافية عامة، لا تحوج إلى سواها، ولا يتم الإيمان به إلا بإثبات عموم رسالته... فلا يخرج أحد من المكلفين عن رسالته، ولا يخرج نوع من أنواع الحق الذي تحتاج إليه الأمة في علومها، وأعمالها عما جاء به.

وقد توفي رسول الله r، وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر للأمة منه علما، وعلمهم كل شيء حتى آداب التخلي، وآداب الجماع، والنوم والقيام والقعود، والأكل والشرب... وجميع أحكام الحياة والموت». اهـ

قال الإمام ابن القيم /؛ عن هؤلاء المتعالمين: في «مسألة السماع» (ص145): (فأبى الظالمون المفتونون الإعراض ما جاء به الرسول r على أقوال الشيوخ وطريقتهم، فأضلهم فعم بذلك المصاب، وعظمت المحنة، واشتدت الرزية، واشتدت غربة الدين وأهله، وظن بهم الجاهلون أنهم هم أهل البدع، وأصحاب الطرائق والآراء([268]) هم أهل السنة، ويأبى الله إلا أن يقيم دينه، ويتم نوره، ويعلي كلماته، وكلمات رسوله r، وينصر حزبه، ولو كره المبطلون). اهـ

فإذا علمت هذا يرحمك الله- لم تر عجبا أن يتخرج الشخص من كلية الشريعة؛ وهو لا يحسن أحكام الدين، وقد يحمل شهادة: «الماجستير»!، و«الدكتوراه»!([269]) وتراه يذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ لأنه لا يميز بين الصحيح والسقيم منها.([270])

قلت: ومن الشيء العجاب؛ أن يقول أحدهم في خطبته: «روى ابن الجوزي في الموضوعات»، ويبني على قوله أفكارا ومعاني وسلوكا، ظنا منه أن كتاب «الموضوعات» مصدر من المصادر الصحيحة، أو مرجع من المراجع الثابتة، كقول القائل: «روى البخاري في صحيحه»، فلا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.

* وإذا قلت لهم: هذا حديث ضعيف، أو موضوع؛ قالوا: أأنت أعلم أم ابن كثير؟ وفاتهم أن الحافظ ابن كثير / نفسه قد ضعف الرواية، ولكنهم قرؤوا المتن، ولم يقرؤوا ما يعقبه من الإسناد، وظنوا أن مجرد الإتيان بالسند يعني: التصحيح.

ورأى هؤلاء أنهم ليسوا بأهل لدراسة علم الحديث ومصطلحه، وشق عليهم فهمه واستيعابه، فاكتفوا بتصحيح كل ما وافق عقولهم، وشنوا الحرب على أهل هذا العلم الشريف، واتهموهم بأنهم محدثون لا فقهاء!.

قلت: وإذا قيل لهم: «هذا حديث ضعيف»؛ قالوا: «يجوز رواية الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال والعمل بها»، ولكن؛ هل عرف هؤلاء الشروط والقيود لهذا التجويز؟ أم أنهم يعرفون ما يوافق هواهم، ويستر حالهم؟.

* فإذا جاز ذكر الأحاديث الضعيفة، فهل جاز ذكر الأحاديث الموضوعة والمكذوبة؟ وهل بلغتم من العلم ما تميزون به بين الضعيف والموضوع؟ أم بلغتم من الفقه ما تفرقون به بين ما وافق القواعد الشرعية الصحيحة ومما لم يوافقها، وهل يندرج تحت أصل عام من الدين أم لا يندرج؟.([271])

* هل عرف هؤلاء أصلا- أن هذا ضعيف أو موضوع؟ إنهم لا يعرفون ذلك، لكنهم يذكرون النص معتقدين ثبوته، فإن جئت تبين لهم ضعف الحديث؛ قالوا: «يجوز العمل بضعيف الحديث».

قلت: والــنتـيجــة الـمحـتمة لقـولهـم هذا، تفضي بهم إلى تجويز رواية أي شيء

ينسب إلى النبي r، وتجويز تأليف الأحاديث كذلك، طالما يراد بذلك الخير، فإلى الله المشتكى.

ولجأ الكثير من هؤلاء القصاص إلى أسلوب القصص والحكايات، والتوسع في الأمثال، ليغطي قلة العلم، والمعرفة، والاطلاع في نفسه.

* ورأى هؤلاء الخطابة، والوعظ، والتدريس أمرا هينا سهلا، فهم جاهزون لمخاطبة الناس في أي وقت من الأوقات، لا يفتقرون لإعداد أو تحضير، معلوماتهم لا تزيد ولا تنمو، يغطون على هذا كله برفع الصوت، وتحريك العواطف، حتى بلغ الأمر بأحدهم أن قال: «الخطابة لعبتي! »؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله.

قلت: وأود بهذه المناسبة؛ أن أذكر هؤلاء بأمر عساه يغير ما بهم من حال، وذلك عندما جاء بعض الناس لربيعة الرأي / تعالى وهو من شيوخ مالك- يطلبون منه أن يترفق بنفسه، ويتلطف بحاله، حين رأوا شدة إقباله على طلب العلم، فقال: (سمعت بعض أشياخنا يقولون: إن العلم لا يعطيك بعضه، إلا إذا أعطيته نفسك كلها).([272])

* فهيا أيها الخطباء! خاطبوا أنفسكم بهذه الكلمات قبل كل شيء، وهيا معشر الوعاظ! عظوا أنفسكم بهذه العبارة الناجعة النافعة، وهيا يا أصحاب الفتاوى! أفتوا أنـفـسـكـم بـهـذه الـمـقـولـة الـطـيـبـة قـبـل أن تـفـتـوا الـنـاس، فـهـذا هـو سـبيل السداد،

والهدى، والرشاد بإذن الله تعالى.([273])

وعن الإمام الربيع بن خثيم / قال: «إن للحديث ضوءا؛ كضوء النهار تعرفه، وظلمة؛ كظلمة الليل تنكره».([274])

قلت: فحديث النبي r الصحيح له ضوء؛ كضوء النهار تعرف أنه من قول النبيr ، أو من فعله، والحديث الضعيف له ظلمة، كظلمة الليل، فتعرف أنه حديث ضعيف، لم يقله النبيr ، لذلك تنكره، والله المستعان.

وهؤلاء الخطباء، والوعاظ، والقصاص ينشرون الأحاديث الضعيفة، والمنكرة، والموضوعة بين المسلمين، ثم ينسبونها إلى النبيr ، فالويل لهم يوم القيامة، نعوذ بالله من الخذلان.

فعن عبد الله بن الزبير t قال: قلنا للزبير بن العوام t مالك لا تحدث عن رسول الله r؛ كما يحدث أصحابك؟ فقال t: أخاف([275]) أن أزيد، أو أنقص، وقد قال رسول الله r: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (107)، وابن ماجه في «سننه» (36)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص165)، وأبو يعلى في «المسند» (667)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (549)، والطبراني في «طرق حديث: من كذب علي متعمدا» (ص102) من طريق شعبة عن جامع بن شداد عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه به.

وعن أبى هريرة، قال: قال رسول الله r: (من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (110)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص67)، والحاكم في «المدخل إلى الصحيح» (ص91)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (550)، والطبراني في «طرق حديث: من كذب علي متعمدا» (ص102) من طرق عن أبي عوانة عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبى هريرة t به.

قلت: فشدد النبي r بالوعيد الشديد لمن أدخل في السنة النبوية ما ليس منها؛ صونا لها من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، اللهم غفرا.

وعن الإمام عروة بن الزبير / قال: (لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا حتى فشى فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم، فقالوا فيهم بالرأي فضلوا، وأضلوا).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «معرفة السنن» (ج1 ص190) من طريق حنبل بن إسحاق قال: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الإمام سفيان بن عيينة /: فنظرنا في ذلك فوجدنا ما حدث من الرأي؛ إنما هو من المولدين أبناء سبايا([276]) الأمم، وذكر بعض من كان بالمدينة، والبصرة، وبالكوفة.

قلت: والمراد أن الناس إذا قام فيهم سفلة الناس هلكوا، والعياذ بالله.

قال العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في «وجوب التثبت في الأخبار واحترام العلماء» (ص50): (إن وجود المثقفين، والخطباء المتحمسين لا يعوض الأمة عن علمائها... وهؤلاء قراء وليسوا فقهاء فإطلاق لفظ العلماء على هؤلاء إطلاق في غير محله، والعبرة بالحقائق لا بالألقاب فكثير ممن يجيد الكلام، ويستميل العوام وهو غير فقيه، والذي يكشف هؤلاء أنه عندما تحصل نازلة يحتاج إلى معرفة الحكم الشرعي فيها فإن الخطباء، والمتحمسين تتقاصر أفهامهم، وعند ذلك يأتي دور العلماء.

فلننتبه لذلك، ونعطي علماءنا حقهم، ونعرف قدرهم، وفضلهم، وننزل كلا منزلته اللائقة به). اهـ

فعن أنس t قال: سمعت رسول الله r يقول: (من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد).

أخــرجـه الـبـخـاري في «صـحـيـحـه» (ج1 ص178)، وفـي «خلق أفعال العباد»

 (ص107)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2056)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص491)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص98)، والطيالسي في «المسند» (ص166)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج6 ص28)، وعبد بن حميد في «المنتخب» (ص359)، والبيهقي في «المدخل» (ج1 ص151)، وفي «دلائل النبوة» (ج6 ص543)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص151)، والبغوي في «تفسير القرآن» (ج6 ص179)، وفي شرح «السنة» (ج15 ص24)، ودانيال في «مشيخته» (ق/99/ط)، والنعال في «مشيخته» (ص114)، وأبو الشيخ في «الفوائد» (ص35)، وفي «ذكر الأقران» (ص102)، والمستغفري في «دلائل النبوة» (ج1 ص302)، والنسائي في «العلم» (ص186)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص315)، ومعمر الأزدي في «الجامع» (ج11 ص381)، وأبو يعلى في «المسند) (2892)، والداني في «السنن الواردة في الفتن» (ج4 ص813)، والروياني في «المسند» (ج2 ص264)، والخطابي في «العزلة» (ص96)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج4 ص197)، وابن ماجة في «سننه» (ج2 ص1343)، والأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (2152) من طريقين عن أنس به.

قلت: فمن أشراط الساعة أن يقل العلم، ويفشو الجهل.

قال الحافظ ابن بطال /: (وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عـيـانـا، فـقـد نـقـص العـلـم، وظـهـر الـجهل، وألقي الشح في القلوب، وعمت

الفتن، وكثر القتل).([277]) اهـ

وعقب على ذلك ابن حجر / في «فتح الباري» (ج13 ص16) بقوله: (الذي يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير، مع وجود مقابله، والمراد من الحديث استحكام ذلك، حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر، وإليه الإشارة بالتعبير بقبض العلم، فلا يبقى إلا الجهل الصرف، ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم لأنهم يكونون حينئذ مغمورين في أولئك). اهـ

وقال الإمام الخطابي / في «العزلة» (ص97): (يريد ظهور الجهال المنتحلين للعلم، المترئسين على الناس به قبل أن يتفقهوا في الدين، ويرسخوا في علمه). اهـ

وعن أنس بن مالك t عن رسول الله r ليلة أسري به قال: (رأيت قوما تقرض ألسنتهم بمقاريض من نار -أو من حديد- فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟
قال: هؤلاء خطباء أمتك).
([278])

وفي رواية: (هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرؤون كتاب الله، ولا يعملون به).

حديث صحيح

أخرجه أبو يعلى في «المسند» (ج7 ص118)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج9 ص237) من طريقين عن معتمر بن سليمان قال: وحدث أبي أن أنسا حدث عن رسول الله r فذكره.

قلت: وهذا سنده صحيح.

* وتابعه ابن المبارك عن سليمان التيمي به.

أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج8 ص172) من طريق يوسف بن سعيد بن مسلم ثنا عبدالله بن موسى ثنا ابن المبارك به.

وإسناده حسن في المتابعات.

وأخرجه أبو يعلى في «المسند» (ج7 ص180)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج1 ص261)، أبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص386)، و(ج6 ص248)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص135)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (2646)، و(2647)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج9 ص238) من طريق يزيد بن زريع عن هشام بن أبي عبدالله عن المغيرة حدثني مالك بن دينار عن أنس به.

قلت: وهذا سنده حسن.

* وتابعه إبراهيم بن أدهم عن مالك بن دينار به.

أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج8 ص43) من طريق بقية حدثنا إبراهيم بن أدهم به.

وإسناده حسن.

وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج9 ص239)، والخطيب في «الاقتضاء» (111) من طريق مسلم حدثنا صدقة بن دينار، والحسن بن أبي جعفر عن مالك بن دينار عن ثمامة بن عبدالله بن أنس عن أنس به.

وإسناده ضعيف.

وأخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (476)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج6 ص249) من طريق سهل بن حماد أبي عتاب ثنا هشام الدستوائي عن المغيرة بن حبيب عن مالك بن دينار عن ثمامة عن أنس بن مالك به.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص120)، وفي «الزهد» (ص45)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (ص367)، وفي «تفسير القرآن» (ج2 ص342- تفسير ابن كثير)، وأبو يعلى في «المسند» (ج7 ص69)، والبغوي في «شرح السنة» (ج4 ص353)، وفي «معالم التنزيل» (ج1 ص68)، والخطيب البغدادي في «الموضح» (ج2 ص170)، وفي «تاريخ بغداد» (ج6 ص199)، ووكيع في «الزهد» (297)، وابن مردويه في «تفسير القرآن» (ج2 ص342- تفسير ابن كثير)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج14 ص308)، وابن المبارك في «الزهد» (ص282)، وفي «المسند» (ص22)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص249)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج1 ص534) من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أنس به.

قلت: وهذا سنده ضعيف فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، كما في «التقريب» لابن حجر (ص696).

وأخرجه الطيالسي في «المسند» (2060) من طريق المبارك بن فضالة عن علي بن زيد بن جدعان به.

وأخرجه ابن مردويه في «تفسير القرآن» (ج2 ص343- تفسير ابن كثير) من طريق عمر بن قيس عن علي بن زيد عن ثمامة عن أنس بن مالك به.

وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج9 ص239)، والواحدي في «الوسيط» (ج1 ص130) من طريق المحاربي أخبرنا سفيان عن خالد بن سلمة عن أنس به.

وإسناده حسن.

وأخرجه ابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص265) من طريق جعفر بن سليمان عن عمر بن نبهان عن قتادة عن أنس به.

وإسناده ضعيف.

* فالخطباء هم القدوة، والأسوة يأمرون الناس بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، وهم في أعين الناس مقياس الفضائل، والالتزام بشعائر الدين، والالتزام بالأخلاق.([279])

فإذا هم لم يطبقوا، ولم يعملوا بما قالوا سقطت هيبتهم من أعين الناس، وأصبحوا لأهل الأهواء حجة يعلق عليها هؤلاء إفسادهم، ويبررون بها شهواتهم كما هو مشاهد.

* فالقول بغير عمل زخرفة لا فائدة فيه، شعار زائف يتاجر به أصحاب المنافع من الحزبيين وغيرهم، ويستتر وراءه كل طامع في الدنيا.

قلت: والغرض أن النبي r ذم الخطباء الجهلة المتعالمين على هذا الصنيع، ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، اللهم غفرا.

وما أحسن الاستنكار من الله تعالى على هذا الصنف وأمثالهم في قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون «2» كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون[ [الصف: 2 و3].

قال الحافظ الذهبي / في «التمسك بالسنن» (ص32): (واتباع الشرع، والدين متعين، واتباع غير سبيل المؤمنين بالهوى وبالظن، وبالعادات المردودة مقت وبدعة).اهـ

قلت: فهما طريقان: اتباع الرسول r والسنة، أو اتباع الهوى والبدعة، وليس من سبيل إلى ثالث، فمن لم يتبع الرسول r فلابد أن يتبع الهوى.

قال تعالى: ]فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [يونس:32].

قال تعالى: ]فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون[ [القصص:50].

قال الإمام القرطبي / في «جامع أحكام القرآن» (ج8 ص335): «ذا) صلة أي ما بعد عبادة الإله الحق إذا تركت عبادته إلا الضلال... قال علماؤنا: حكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحق، والباطل منزلة ثالثة... والضلال حقيقته الذهاب عن الحق). اهـ

قلت: فالأخطاء إذا انتشرت في المجتمع أفسدته بل قضت عليه، لهذا كانت للخطباء المتعالمين المفسدين هذه العقوبة التي ينخلع لها القلب، ويطير لها الفؤاد جزاء يستحقونه من الله تعالى؛ لإضلالهم الناس بتعليمهم العقائد الفاسدة، والمناهج السياسية، والفتاوى الباطلة، والأحاديث الضعيفة، والمنكرة، والقصص الموضوعة، والباطلة، والأخطاء في الأحكام الفقهية... نسأل الله العافية والسلامة.

وقد ذكر الذهبي / في «الميزان» (ج3 ص655) في ترجمة محمد بن علي بن عطية الواعظ المعروف بـ (أبي طالب المكي) الصوفي، قول أبي طاهر العلاف: (إن أبا طالب وعظ ببغداد، وخلط كلامه، وحفظ عنه أنه قال: ليس على المخلوقين أضر من الخالق، فبدعوه وهجروه، فبطل الوعظ).

قلت: هكذا لابد أن يفعل في الوعاظ المخلطين المختلطين، لا أن يكرموا، ويعززوا في المسابقات، والاحتفالات، والفضائيات، والتلفاز، والله المستعان.

* واغترار هؤلاء بحلم الله تعالى يعد من طمس البصيرة، وإلا فكيف يغتر عبد بحلم الله تعالى، وهو يقرأ قوله عز وجل: ]ويحذركم الله نفسه[ [آل عمران:28].

* وما أكثر هذا الصنف في عالم البشر اليوم، قد سقط الحياء منه، وتبلد حسه، وظهر فسقه، وطار شره بين الخلائق، وزاحم أهل الظلم، والفساد في الشر، والعناد نعوذ بالله من الخذلان.

إذا فالواجب على العاقل أن يحذر مخالفة أصحاب الأهواء، فإن نارها تحت الرماد، ونسأل الله السلامة.

* فأين المتعظون؟ أين المعتبرون؟ أين أولو الأحلام والنهى؟ أما طالعوا عقوبات الله فيمن سبق، وعظيم سطوته بمن عصى، وعائد، وكذب؟ أتاهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون، أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، وحذرهم بأسه، وعقابه، وأليم عذابه، وعظيم سطوته، فما ارتدعوا، ولا انزجروا، ورجعوا قد أنذرهم على ألسن رسله فظلوا في طغيانهم يعمهون، وفي الضلال سادرون، وحاق بهم من العذاب ما كانوا به يستهزؤن، وأتاهم من حيث لا يشعرون.([280])

قال تعالى: ]أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون[ [النحل:45].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص144): (وبنو آدم هم جهال ظلموا أنفسهم يستعجل أحدهم ما ترغبه لذته، وبترك ما تكرهه نفسه مما هو لا يصلح له، فيعقبهم ذلك من الألم والعقوبات، إما في الدنيا، وإما في الآخرة ما فيه عظم العذاب، والهلاك الأعظم).اهـ

قلت: ولا يتدبر هذا ولا يعيه إلا صاحب القلب الصافي أما صاحب القلب الجامد فتنبو عنه كل المواعظ([281])... لاغتراره بثناء الناس عليه، وامتلاء سمعه من المدح والثناء... وظن أن هذا الثناء من رضى الله عليه، وهو يخرق حرمات الله في الخفاء، ومن المرائين بأعمالهم في العلانية، وسبحان الله كم من أمثال هؤلاء موجود بين ظهرانينا مفتون بثناء الناس عليه بما ليس فيه، فيحسب أنه على شيء، وهذا الصنف منكوس القلب، مصاب بذلك وهو لا يشعر... أما علم هؤلاء أن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا، وابتغى به وجهه، وعلى السنة والعلم.

* والاغترار بثناء الناس من علامة المرائين، والمخلص لله تعالى لا يغتر بثناء الناس عليه مهما قالوا وأثنوا عليه، كذلك لا يهتم بسخط الناس عليه، وطعنهم فيه ما دام مستقيما مخلصا مداوما على طاعة ربه، فمن علامة المتقين أنهم إذا زكي أحدهم، ومدح خاف مما يقال.

قال تعالى: ]فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا[ [الكهف:110].

وقال تعالى: ]إنما يتقبل الله من المتقين[ [المائدة:27].

قلت: فكثير من الناس في هذا الزمان يتجرأ على دين الله عز وجل، وأصبح كل
واحد منهم يفتي، ويحلل، ويحرم برأيه، ويصوب ويخطئ برأيه، ولا علم عنده بكتاب الله، ولا بسنة رسوله
r، وهذا خطر عظيم على الفرد والمجتمع، وذريعة إلى أن يعبد الله عز وجل بغير ما شرع.

قلت: والقول على الله تعالى بغير علم مقرون بالشرك، والعياذ بالله.

قال تعالى: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ [الأعراف:33].

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص220): (فإن لم يكن عالم بالحق فيها يعني الفتوى ولا غلب على ظنه لم يحل له أن يفتي، ولا يقضي بما لا يعلم، ومتى أقدم على ذلك فقد تعرض لعقوبة الله، ودخل تحت قوله تعالى ]قل إنما حرم ربي الفواحش[ [الأعراف:33] فجعل القول عليه بلا علم أعظم من المحرمات الأربع التي لا تباح بحال، ولهذا حصر التحريم فيها بصيغة الحصر... وإذا كان من أفتى، أو حكم، أو شهد، بغيرعلم مرتكبا لأعظم الكبائر فكيف من أفتى، أو حكم، أو شهد بما لا يعلم خلافه؟... فمن أخبر منهم عما يعلم خلافه، فهو كاذب على الله عمدا: ]ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة[ [الزمر:60]. وإن أخبروا بما لم يعلموا فقد كذبوا على الله جهلا... والكذب على الله يستلزم التكذيب بالحق والصدق، وقال تعالى: ]ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولـئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هـؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين[ [هود:18]. وهؤلاء الآيات وإن كانت في حق المشركين، والكفار، فإنها متناولة لمن كذب على الله في توحيده، ودينه، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، ولا تتناول المخطئ المأجور إذا بذل اجتهاده، واستفرغ وسعه في إصابة حكم الله وشرعه، فإن هذا هو الذي فرضه الله عليه، فلا يتناول المطيع لله، وإن أخطأ، وبالله التوفيق). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج1 ص38): (وقد حرم الله سبحانه القول عليه بلا علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها، فقال تعالى: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ [الأعراف:33]؛ فرتب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه، وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منها، وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله، وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وفي دينه، وشرعه، وقال تعالى: ]ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هـذا حلال وهـذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم[ [النحل:116-117]، فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه، وقولهم لما لم يحرمه هذا حرام، ولما لم يحله هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال، وهذا حرام إلا لما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه... فلا ينبغي أن يقول لما لا يعلم ورود الوحي المبين بتحليله وتحريمه أحله الله، وحرمه الله بمجرد التقليد، أو بالتأويل). اهـ([282])

وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج1 ص403): (وأما القول على الله بلا علم، فهو أشد هذه المحرمات تحريما، وأعظمها إثما، ولهذا ذكر في المرتبة الرابعة من المحرمات التي اتفقت عليها الشرائع والأديان، ولا تباح بحال، بل لا تكون إلا محرمة، وليست كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، الذي يباح في حال دون حال... فليس في أجناس المحرمات أعظم عند الله منه، ولا أشد إثما، وهو أصل الشرك، والكفر، وعليه أسست البدع والضلالات، فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم). اهـ

فعن مسروق قال: (بينما رجل يحدث في كنده فقال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ففزعنا، فأتيت ابن مسعود وكان متكئا، فغضب فجلس فقال: من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله قال لنبيه r: ]قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين([283])[ [ص:86].

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص511)، وفي «خلق أفعال العباد» (222)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2155)، والحميدي في «المسند» (ج1 ص63)، والترمذي في «سننه» (3254)، والنسائي في «تفسير القرآن» (ق/88/ب/ط)، والطبري في «تفسير القرآن» (ج25 ص111)، وابن حبان في «صحيحه» (ج14 ص548)، وأبو نعيم في «دلائل النبوة» (ج2 ص575)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص441)، والآجري في «أخلاق العلماء» (ص114)، وأبو خيثمة في «العلم» (67)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص62)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص352)، وفي المدخل إلى «السنن الكبرى» (ص432)، وفي «دلائل النبوة» (ج2 ص423)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص831)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص419)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص233 تفسير ابن كثير)،  وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج12 ص628- الدر المنثور)، والمستغفري في «فضائل القرآن» (ج1 ص307)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص363)، والبغوي في «معالم التنزيل» (ج7 ص103)، وفي «الأنوار» (ج1 ص41)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج8 ص219)، والواحدي في «الوسيط» (ج3 ص568)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج11 ص23)، والبزار في «المسند» (ج5 ص339)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص243)، والهيثم بن كليب في «المسند» (ج1 ص396)، والطيالسي في «المسند» (292)، وأبو يعلى في «المسند» (ج9 ص78)، وابن أبي شيبة في «المسند» (ج1 ص177)، وابن حجر في «موافقة الخبر الخبر» (ج1 ص21) والداني في «السنن الواردة في الفتن» (ص247) والهروي في «ذم الكلام» (ج3 ص34)، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص47)، وابن عساكر في «تبيين كذب المفتري» (ص126)، والصابوني في «عقيدة السلف» تعليقا (ص253)، وأبو القاسم الأصبهاني في «دلائل النبوة» (ج2 ص705) من طريقين عن ابن مسعود به .

قلت: ومن أجل افتراء هؤلاء الكذب في دين الله تعالى راجت فيما بينهم البدع والأهواء، واشتمل عندهم الباطل على شيء من الحق، فضلوا وأضلوا.

ولذلك ترى هؤلاء المبطلين يظهرون هذا الحق، ويكتمون الباطل الملتبس به إما جهلا، وإما هوى، والعياذ بالله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص170): (الباطل لا يظهر لكثير من الناس أنه باطل لما فيه من الشبهة، فإما الباطل المحض الذي يظهر بطلانه لكل أحد لا يكون قولا، ومذهبا لطائفة تذب عنه، وإنما يكون باطلا مشوبا بحق، كما قال تعالى: ]لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون[ [آل عمران:71]. اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج2 ص178): (الطرائق المبتدعة كلها يجتمع فيها الحق والباطل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص190): (ولا ينفق الباطل في الوجود إلا بشوب من الحق، كما أن أهل الكتاب لبسوا الحق بالباطل بسبب الحق اليسير الذي معهم، يضلون خلقا كثيرا عن الحق الذي يجب الإيمان به، ويدعونه إلى الباطل الكثير الذي هم عليه).اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج2 ص136): (يبعد في مجاري العادات أن يبتدع أحد بدعة من غير شبهة دليل يقدح له، بل عامة البدع لابد لصاحبها من متعلق دليل شرعي). اهـ

وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ص189): (وهل خرجت الخوارج، واعتزلت المعتزلة، ورفضت الروافض، وافترقت الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، إلا بالتأويل الفاسد). اهـ

وقال العلامة ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص140): (والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له). اهـ

وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه).

حديث حسن

أخرجه أبو داود في «سننه» (ج4 ص66)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص8861)، وابن وهب في «المسند» (ص126) من طريق بكر بن عمرو المعافري عن عمرو بن أبي نعيمة عن أبي عثمان الطنبذي قال سمعت أبا هريرة به.

قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات، من أجل عمرو بن أبي نعيمة، وهو مقبول؛ كما في «التقريب» لابن حجر (ص427) وهذا عنده يعني حين المتابعة، وإلا فهو لين الحديث.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص321)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص385)، والجرجاني في «الأمالي» (ق/11/ط)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص211)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص103)؛ بهذا الإسناد بلفظ: «من قال علي ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار، ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد، فقد خانه، ومن أفتى فتيا بغير تثبت، فإن إثمها على من أفتاه».

* وقد تابعه أبو هانئ حميد بن هانئ الخولاني عن أبي عثمان به.

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (ج1 ص20) من طريق سعيد بن أبي أيوب عنه بلفظ: «من أفتي بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه».

وإسناده حسن.

وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (ص102)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص66)، والطبراني في «جزء طرق حديث من كذب علي متعمدا» (ص211)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص112)، وابن وهب في «المسند» (ص159)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص365)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص126)، وابن راهويه في «المسند» (334)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص542)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (ج1 ص74)، والرافعي في «التدوين» (ج2 ص215)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص57)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص155) من طريق سعيد بن أبي أيوب عن بكر بن عمرو عن أبي عثمان مسلم بن يسار - هكذا دون ذكر عمرو بن أبي نعيمة قال سمعت أبا هريرة به.

والحديث حسنه الشيخ الألباني / في «حاشية مشكاة المصابيح» (ج1 ص81).

قال الإمام ابن بطة / في «إبطال الحيل» (ص66): (إن أكثر المفتين في زماننا([284]) هذا مجانين». اهـ

قال الأثري: يرحم الله ابن بطة كيف لو أدرك زماننا!!.

قلت: صحيح أن هؤلاء درسوا، وخطبوا وأفتوا؛ لكن أين العلاج!!.

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص263): (ومن أفتى بغير علم فإثمه على من أفتاه، وهو أحد المفتين الثلاثة الذين ثالثهم في النار). اهـ

قلت: فإذا كان المفتي اجتهاده على غير علم اجتهد فأخطأ فله وعيد بالنار، فأما من كان من أهل الاجتهاد فالخطأ فيه عنه موضوع.

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص371): (من أفتى الناس، وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص). اهـ

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (من أفتى الناس بفتيا يعمى عنها؛ فإنما إثمها عليه).

أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص58، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص1021)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص155)، وابن راهويه في «المسند» (235)، والبيهقي في «المدخل» (186)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص862)، وابن بطة في «الحيل» (ص66) من طرق عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: وللفتوى بغير علم دوافع خطيرة على الأمة.

فدوافع الفتوى بغير علم هي:

الدافع الأول:

الجهل: وهو من أخطر الدوافع، وأكثرها انتشارا بين الناس، ولاسيما في هذا الزمن، ويتضمن هذا الدافع أمرين:

(1) الجهل بحرمة الفتوى بغير علم في الشريعة الإسلامية، وهذا شأن من ليس عنده علم أصلا، وينتشر هذا النوع من الجهل عند طبقة العوام من الناس حيث لا يعلم حكم الله في هذا الأمر، وما يترتب على ذلك من ضلالة في النفس، وإضلال الناس، وقد ثبت عن النبي r أنه قال: «عندما يقل العلم يتخذ الناس جهالا يفتون بغير علم فيضلون، ويضلون».([285])

(2) الجهل الذي يتسم به من أمسك بطرف أدنى من العلم، وفي ذلك أيضا خطر عظيم، والسبب الرئيسي الذي يدفع إلى هذا النوع من الجهل هو التنزه عن قول [لا أعلم] ناسيا أنه بتلك الفتوى التي يطلقها على غير علم ربما يوقع الناس في حدود شرعية لم تكن تحدث لو أمسك عليه فتواه ألا يعلم هذا: أن السلف رضوان الله عليهم كانوا يتدافعون الفتوى ويتحرجون من الإجابة إذا وجد من يكفيهم وقد روى أبو وائل عن ابن مسعود t أنه قال: «من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه، فهو مجنون».([286])

وقال الإمام سحنون بن سعيد /: (أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علما، يكون عند الرجل باب واحد من العلم، فيظن أن الحق كله فيه).([287])

كما يوجد من يجمع بين الأمر الأول، والأمر الثاني فهو يجمع بين جهل من لا عنده علم أصلا [أمي] وجهل من أمسك بالطرف الأدنى من العلم ولكنه يترفع عن قول [لا أعلم]، ويفتي بغير علم ربما يكون جاهلا من طبقة العوام لكنه عائل متكبر؛ عائل في عمله مستكبر في فتواه يتنزه عن قول [لا أعلم] فعلى هذا ومن سار على شاكلته أن يتقوا الله، وأن يتفهموا، ويقفوا على قول الله سبحانه وتعالى: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ [الأعراف:33] وأن يعملوا بمقتضاه.

الدافع الثاني: هوى النفس:

وهو دافع ناتج عن ضعف في العقل، والدين، والمروءة، بل قد يغري النفس بالتحريف المتعمد في شريعة الله، ومثال ذلك أن يجيز لنفسه، ولغيره أمرا محرما شرعا، وما أكثر انتشاره بين الناس اليوم فعندما تسأل مدمن خمر عن تعاطيها تجده يحلها لنفسه، ولغيره، ويدافع، ويكثر الجدل دون حرمتها، لا يقصر شره على نفسه بحسب بل ينصب من نفسه داعية، وهو داعية الشيطان. نسأل الله العافية.

وهذا الداء بلاء عظيم تفشى بين الناس الضعفاء الذين لم يتغلغل الدين إلى أفئدتهم، ومثل هؤلاء نقول لهم قفوا على قول الله تعالى: ]ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هـذا حلال وهـذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم[ [النحل:116-117].

الدافع الثالث: التمرس في كبائر الذنوب:

وهذا داء القلوب الذي يجعل الإنسان يتهاون في أحكام شريعة الله يخوض في الدين كيف يشاء، ومتى شاء، لا يوجد لديه من الحرص على دينه معشار ما عند المؤمنين، تراكمت المعاصي على قلبه فأصبحت ظلمات بعضها فوق بعض فلم يعد يبصر، والله المستعان.

الدافع الرابع: حب الظهور، والسعي للزعامة على حساب الدين:

وهذا من أعظم ما أصاب المجتمع الإسلامي في هذا الزمان حيث أصبحت الفتوى وسيلة لتحقيق غاية هي حب الظهور، والزعامة في الدين، وليعلم مثل هذا أنه قد ينال بعض مراده في الدنيا، ولكن هيهات في الآخرة، فإنه معرض لعذاب الله، وربما يجمع الله بين عذاب الدنيا، والآخرة، وقد وعد الله هؤلاء بالويل، والعذاب الشديد في الآخرة، وذلك أنه يتبوأ مقعده من النار، لأنه يفتري على الله الكذب والبهتان.([288]) 

الأضرار الناتجة عن الإفتاء بغير علم:

(1) تفتيت وحدة الأمة، وإدخال الناس في متاهات، وقضايا تصرفهم عن جوهر دينهم.

(2) إضلال الناس، والتشويش عليهم في أمور الدين.

(3) تشكيك الناس فيما يلقيه إليهم علماؤهم.

(4) القول على الله بغير علم وهذا كذب، وبهتان عظيم.

(5) دفع النفس إلى الغرور والسعي بها نحو مواطن الرذيلة ([289]).

كلمة توجيهية عامة:

الفتوى بغير علم داء خطير أثره عظيم في تفكيك وحدة الأمة الإسلامية، وقد ذكرنا في بداية عرضنا لهذا الموضوع ما هي الدوافع وراء هذا الداء العضال، وما هي الأضرار الناتجة عنها، وآن لنا الآن أن نذكر بعض الأمور التي ينبغي معرفتها لتجنب مواطن السوء وهي:

(1) إن من استفتى، وهو ليس عنده من العلم الحق شيء يجب عليه أن يمسك عن الإفتاء حتى يتبين له الأمر، وذلك بمراجعة كلام أهل العلم في هذه المسألة إذا كان أهلا للنظر فيه.

(2) التثبت في الفتوى، والتأكد من صحتها دون شك، أو ارتياب.

(3) التحرز من الإفتاء قدر الإمكان؛ لاسيما إذا كان الذي تطلب منه الفتوى على قدر ضئيل من العلم([290]).

واجب الفرد، والمجتمع نحو ذلك:

نظرا لما يتركه هذا الداء من الأضرار في الفرد، والمجتمع بل في الأمة بأسرها؛ فإنه يجب محاربته قدر الإمكان، وذلك من جانب الأفراد، والجماعات، والمسئولين، وذلك للقضاء على التلاعب بأحكام الشريعة الإسلامية، ولاسيما في هذا الزمن الذي ظهرت فيه موجات الفتن، والشهوات، والشبهات، وكثرت فيه الطرق الضالة، والأحزاب المنحرفة كل حزب بما لديهم فرحون، ونسأل الله العافية. اللهم أرنا الحق حقا وارزقناإتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه([291]).

قلت: فلا يجوز للمفتي أن يشهد على الله تعالى، ورسوله r بأنه أحل كذا، أو حرمه، أو أوجبه، أو كرهه إلا لما يعلم أن الأمر كذلك مما نص الله تعالى، ورسوله r على إباحته، أو تحريمه، أو إيجابه، أو كراهيته، وإذا ما وجده في كتابه الذي تلقاه عمن قلده دينه فليس له أن يشهد على الله تعالى، ورسوله r به، ويغر الناس بذلك، ولا علم له بحكم الله تعالى، ورسوله r.([292])

قال الإمام أحمد بن حنبل /: (من عرض نفسه للفتيا فقد عرضها لأمر عظيم).([293])

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص287): (لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة، والمكروهة، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه، فإن تتبع ذلك فسق، وحرم استفتاؤه). اهـ

وقال الإمام عروة بن الزبير /: (ما أقبح على شيخ يسأل ليس عنده علم).

وفي رواية: (وما شيء أشد على امرئ من أن يسأل عن شيء من أمر دينه فيجهله).  

وفي رواية: (ماذا أقبح من شيخ جاهل).([294])

قلت: ولابد من الفتوى أن تؤسس على العلم، لا على الرأي.

قال تعالى: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولـئك كان عنه مسؤولا﴾ [الإسراء:26].

* فالواجب علينا أن نتق الله عز وجل، ولا نتكلم إلا بما علمناه في دين الله، ولو أن أحدا منا تدخل في علم طبيب، أو مهندس، أو نحوهما لغضب عليه كل الناس، لأنه تدخل فيما لا يعنيه، فلماذا لا يغضب الناس على من تدخل في الدين، أو تكلم في الدين بما لا يعلم، فإن ذلك من أعظم ما يجعل الدين لا قيمة له في قلوب الناس.

قلت: فالمتطاول على العلم الشرعي الضعيف فيه لا يجوز له أن يتصدر في أي شيء من الدين، وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح.

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد» (ج1 ص127): (فالجاهل لا يصلح للدعوة، وليس محمودا، وليست طريقته طريقة الرسول r، لأن الجاهل يفسد أكثر مما يصلح). اهـ

قلت: وشهد شاهد من أهلها!، والله المستعان.

قال الدكتور ! سمير استيتية في مقال له حين كان تلميذا !! في جامعة ميشغان الأمريكية !!! نشرته جريدة اللواء الأردنية بتاريخ: 14 / 9 / 1983، كان مما قال فيه: (كلمة دكاترة جمع تكسير لمفرد مجهول الحقيقة والهوية، فارغ من كل مضمون، إلا مضمون واحد؛ [كذا قال، وهو خطأ ظاهر، صوابه: مضمونا واحدا]؛ وهو أن الدكتوراه قد يحصل عليها العالم، والجاهل([295]) سواء بسواء!). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص135): (وإذا كان هذا حد كل عمل صالح؛ فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يكون هكذا في حق نفسه، ولا يكون عمله صالحا إن لم يكن بعلم وفقه([296])، وكما قال عمر بن عبد العزيز: «من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح»([297]).. وهذا ظاهر فإن القصد، والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلا، وضلالا، واتباعا للهوى)([298]). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «الدعوة إلى الله» (ص32): (أما الدعوة بالجهل فهذا يضر ولا ينفع). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «الدعوة إلى الله» (ص50): (أن تكون على بينة في دعوتك ؛ أي: على علم، لا تكن جاهلا بما تدعو إليه: ]قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة[ [يوسف:108] فلا بد من العلم؛ فالعلم فريضة، فإياك أن تدعو على جهالة، وإياك أن تتكلم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدم ولا يبني، ويفسد، ولا يصلح، فاتق الله يا عبد الله، إياك أن تقول على الله بغير علم، لا تدعو إلى شيء إلا بعد العلم به، والبصيرة بما قاله الله ورسوله، فلا بد من بصيرة، وهي العلم).اهـ

قلت: فليترك المجال للعلماء، وطلاب العلم المتخصصين في الشرع، والباقي يجب عليهم أن يتبعوا أهل العلم، وهم غير قليل، ولله الحمد.

فدعوة الجاهل المفتون؛ كما هو ظاهر حماسية، لا علمية.([299])

قال الإمام مصعب بن سعد /: (لا تجالس مفتونا، فإنه لن يخطئك منه إحدى اثنتين، إما أن يفتنك فتتابعه، وإما أن يؤذيك قبل أن تفارقه).([300])

وقال العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في «الأجوبة المفيدة» (ص79): (الحماس للدعوة طيب، لكن لا يجوز له أن يباشر الدخول في الدعوة إلا بعد أن يتعلم... فالجاهل لا يصلح للدعوة، ولابد أن يكون عنده علم... أما مجرد الحماس، أو مجرد المحبة للدعوة، ثم يباشر الدعوة، هذا في الحقيقة يفسد أكثر مما يصلح، وقد يقع في مشاكل، ويوقع الناس في مشاكل، فهذا يكفيه أن يرغب في الخير، ويؤجر عليه إن شاء الله، ولكن إن كان يريد الدخول في مجال الدعوة فليتعلم أولا... ما كل واحد يصلح للدعوة، وما كل متحمس يصلح للدعوة، التحمس مع الجهل يضر، ولا ينفع). اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج11 ص321): (الجاهل لا يعلم رتبة نفسه، فكيف يعرف رتبة غيره). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «النونية» (ص24):

وتــعــر مــــن ثـــوبــيـــن مــن يــلــبـسـهـما

 

 

يـــــلــــق الـــــردى بــــمــذمــة وهـــــــوان

ثــوب مــن الــجــهــل الــمــركـب فــــوقه

 

 

ثــوب الــتــعــصـــب بـئــســت الــثــوبـــان

وقال الإمام ابن القيم / في «النونية» (ص189):

والــجــــهــــل داء قـــــــاتــــل وشــــفـــاؤه

 

 

أمــران فـــــي الــتـــركــيــب مـــتـــفـــقــــان

نــص مــن الـــقـــرآن أو مـــن ســـنـــــــــة

 

 

وطــبــيــــب ذلــــــك الـــعـــــالــــم الرباني

وقال الفريابي /: كان سفيان الثوري إذا رأى هؤلاء النبط يكتبون العلم يتغير وجهه، فقلت له: يا أبا عبد الله نراك إذا رأيت هؤلاء يكتبون العلم يشتد عليك، فقال: (كان العلم في العرب، وفي سادة الناس، فإذا خرج عنهم، وصار إلى هؤلاء النبط، والسفلة غير الدين).([301])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص540): (وهذا من الجهل الذي هو عمل بخلاف العلم حتى يقدم المرء على فعل ما يعلم أنه يضره، وترك ما يعلم أنه ينفعه؛ لما في نفسه من البغض، والمعاداة لأشخاص، وأفعال وهو في هذه الحال ليس عديم العلم، والتصديق بالكلية لكنه لما في نفسه من بغض، وحسد غلب موجب ذلك لموجب العلم فدل على ضعف العلم لعدم موجبه ومقتضاه، ولكن ذلك الموجب، والنتيجة لا توجد عنه وحده، بل عنه وعما في النفس من حب ما ينفعها، وبغض ما يضرها، فإذا حصل لها مرض ففسدت به أحبت ما يضرها، وأبغضت ما ينفعها فتصير النفس؛ كالمريض الذي يتناول ما يضره لشهوة نفسه له مع علمه أنه يضره). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص24): (فلا يسمى عاقلا إلا من عرف الخير فطلبه، والشر فتركه، ومن فعل ما يعلم أنه يضره؛ فمثل هذا ما له عقل). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص61): (علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم؛ فكلما قالت أقوالهم للناس هلموا؛ قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم([302])، فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له؛ فهم في الصورة أدلاء، وفي الحقيقة قطاع طرق). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص61): (إن الناس قد أحسنوا القول فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فذاك إنما يوبخ نفسه). اهـ 

* ونظرا لما يتركه هذا الداء من الأضرار في الفرد، والمجتمع بل في الأمة بأسرها، فإنه يجب محاربته قدر الإمكان، وذلك من جانب العلماء، وطلبة العلم، وذلك للقضاء على التلاعب بأحكام الشريعة الإسلامية، ولاسيما في هذا الزمان الذي ظهرت فيه موجات الفتن، والأحزاب المنحرفة ﴿كل حزب بما لديهم فرحون﴾ [المؤمنون:53] ونسأل الله العافية.

قال الحافظ ابن كثير / في «تفسيره» (ج4 ص307): (أن الله تعالى نهـى عن

 القول بلا علم، بل بالظن الذي هو التوهم، والخيال). اهـ

وعن الإمام سعيد بن جبير / قال: (أكره أن أحل حراما، أو أحرم حلالا).([303])

وعن الإمام الأعمش / قال: (ما سمعت إبراهيم النخعي يقول برأيه في شيء قط).([304])

وعن الأمام الشافعي / قال: (لا يحل لأحد من أهل الرأي أن يفتي).([305])

وعن الأمام أحمد بن حنبل / قال: (لا تكاد ترى أحدا نظر في هذا الرأي إلا وفي قلبه دغل)([306]).([307])

قلت: ولذلك لم يتصدر العالم للفتوى إلا بعد أن يشهد له العلماء من أهل السنة والجماعة بأن أهلا للفتوى والتصدر.

قال الإمام مالك /: (ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص333)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج6 ص316)، وابن الجوزي في «تعظيم الفتيا» (ص123)، وابن ناصر الدين في «إتحاف السالك» (2) تعليقا من طريق مفضل بن محمد بن إبراهيم الجندي قال: سمعت أبا مصعب أحمد بن أبي بكر يقول: سمعت مالك بن أنس به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الإمام مالك /: (ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني: هل يراني موضعا لذلك؟ سألت ربيعة، وسألت يحيى بن سعيد فأمراني بذلك).

فقال له خلف بن عمر: يا أبا عبد الله! لو نهوك؟ قال: كنت أنتهي، لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه).

أثر صحيح.

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص326)، وابن الجوزي في «تعظيم الفتيا» (ص123)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج6 ص316)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (825) من طريق محمد بن إسحاق الثقفي قال سمعت الحسن بن عبد العزيز الجروي قال حدثنا عبد الله بن يوسف التنيسي عن خلف بن عمر - صديق كان لمالك - قال: سمعت مالك بن أنس به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وخلف بن عمر له ترجمة في «ترتيب المدارك» للقاضي عياض (ج6 ص210)، و«الديباج» لابن فرحون (ج1 ص307).

قال الإمام القرافي / في «الفروق» (ج2 ص110) معلقا على الأثر بقوله: (يريد تثبت أهليته أي المفتي - عند العلماء، ويكون هو بيقين مطلعا على ما قاله العلماء في حقه من الأهلية؛ لأنه قد يظهر من الإنسان أمر على ضد ما هو عليه، فإذا كان مطلعا على ما وصفه به الناس حصل اليقين في ذلك.

وما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا، لأن التحنك وهو اللثام بالعمائم تحت الحنك شعار العلماء، حتى إن مالكا سئل عن الصلاة بغير تحنك، فقال: لا بأس بذلك وهو إشارة إلى تأكد التحنيك، وهذا هو شأن الفتيا في الزمن القديم.

وأما اليوم فقد انخرق هذا السياج، وسهل على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح، وبما لا يصلح، وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم، وأن يقول أحدهم: لا يدري، فلا جرم آل الحال للناس إلى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال...). اهـ

قلت: ومن تصدر للفتيا بلا علم، فقد جمع على نفسه يوم القيامة شرا كبيرا، والعياذ بالله.

فعن عبدالله بن وهب قال: قال مالك - وهو ينكر كثرة الجواب للسائل-: (يا عبد الله، ما علمت فقله ودل عليه، وما لم تعلم فاسكت عنه، وإياك أن تتقلد للناس قلادة سوء).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص359)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (2080)، والدوري في «ما رواه الأكابر عن مالك» (39)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (822) من طرق عن عبدالله بن وهب به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1698) من طريق آخر عن ابن وهب بلفظ: (يا عبد الله بن وهب، أد ما سمعت وحسبك، ولا تحمل لأحد على ظهرك، واعلم أنما هو خطأ وصواب، فانظر لنفسك، فإنه كان يقال: أخسر الناس من باع آخرته بدنياه، وأخسر منه من باع آخرته بدنيا غيره).

وعن الإمام القاسم بن محمد / قال: (يا أهل العراق، إنا والله لا نعلم كثيرا مما تسألونا عنه؛ لأن يعيش الرجل جاهلا إلا أنه يعلم ما فرض الله عليه خير له من أن يقول على الله ورسوله ما لا يعلم).

وفي لفظ: (لأن يعيش الرجل جاهلا، خير له من أن يفتي بما لا يعلم).

أثر صحيح.

أخرجه أبو خيثمة في «العلم» (90)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج5 ص188)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص546)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1115)، والبيهقي في «المدخل» (806)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص184)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» تعليقا (1570)، وأبو زرعة الدمشقي في «التاريخ» (ج1 ص517)، وابن الجوزي في «تعظيم الفتيا» (ص127) من طرق عن يحيى بن سعيد عن القاسم به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص546)، وابن بطة في «إبطال الحيل» (64)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1118)، والبيهقي في «المدخل» (805)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» تعليقا (1577)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص48) من طرق عن القاسم به.

وإسناده صحيح.

وعن الإمام عبدالله بن شبرمة القاضي / قال: (إن من المسائل ما لا يحل لأحد أن يسأل عنها، ومنها ما لا يحل لأحد أن يجيب عنها).

أثر صحيح

أخرجه وكيع في «أخبار القضاة» (ج3 ص88)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص406)، وفي «إبطال الحيل» (ص122) تعليقا، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص611)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص417) من طريق سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن عبدالله بن شبرمة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام سهل بن عبد الله التستري / قال: (من أفتى الناس بالحيلة فيما لا يجوز، يتأول الرأي، والهوى بلا كتاب، ولا سنة، فهذا من علماء السوء، وبمثل هذا هلك الأولون والآخرون، ولهذا ثلاث عقوبات يعاقب بها في عاجل الدنيا: يبعد علم الورع من قلبه، ويضيع منه، وتزين له الدنيا، ويرغب فيها، ويفتن بها، ويطلب الدنيا تضيعا؛ فلو أعطي جميع الدنيا في هلاك دينه؛ لأخذه ولا يبالي).

أثر حسن

أخرجه ابن بطة في«إبطال الحيل» (ص124) من طريق أحمد بن عبد الله التميمي حدثني أبي قال: سمعت سهل بن عبد الله التستري به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن الإمام القاسم بن محمد / قال: (إن من إكرام المرء نفسه أن لا يقول إلا ما أحاط به علمه).

أثر صحيح.

أخرجه البيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (806)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص173) من طريقين عن هشام بن عمار قال سمعت مالك بن أنس به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن يحيى بن سعيد قال: (سئل القاسم يوما، فقال: لا أعلم، ثم قال: والله لأن يعيش الرجل جاهلا بعد أن يعلم حق الله تبارك وتعالى عليه، خير له من أن يقول ما لا يعلم).

أثر صحيح.

أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص548)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص368)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (806) من طريق سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام محمد بن سيرين / قال: (لأن يموت الرجل جاهلا خير من أن يقول ما لا يعلم).

أثر صحيح.

أخرجه البيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (ص268) من طريق أبي حاتم الرازي ثنا محمد الأنصاري ثنا ابن عون عن محمد بن سيرين به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام أبي حصين الأسدي / قال: (إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر بن الخطاب t لجمع لها أهل بدر).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (ص268)، وابن بطة في «إبطال الحيل» (ص62)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج38 ص410)، وأبو داود في «المسائل» (ص296) من طرق عن ابن شهاب قال: سمعت أبا حصين به.

قلت: وهذا سنده صحيح. وذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (ج2 ص61).

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1054): (وقال آخرون: الرأي المذموم في هذه الآثار عن النبي r، وعن أصحابه، والتابعين هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون، والاشتغال بحفظ المعضلات، والأغلوطات، ورد الفروع، والنوازل بعضها بعضا على بعض قياسا دون ردها على أصولها). اهـ

قلت: وهمم المتعالمين تتقاصر عن العلم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال الإمام ابن الجوزي / في «تعظيم الفتيا» (ص107): (وما زالت الهمم تتقاصر، وآل الأمر إلى خلف هم بئس الخلف فمات العلم). اهـ

قال الإمام ابن الجوزي / في «صيد الخاطر» (ص516): (وأعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم لا نرى فيهم ذا همة عالية فيقتدي به المبتدئ، ولا صاحب ورع، فيستفيد منه الزاهد. فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم...). اهـ

وقال الإمام ابن الصلاح / في «آداب المفتي» (ص85): (قلت: قول الله تبارك وتعالى: ]ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هـذا حلال وهـذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم[ [النحل:116-117]، شامل بمعناه من زاغ في فتواه، فقال في الحرام هذا حلال، أو في الحلال: هذا حرام، أو نحو ذلك). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج1 ص12): (إن من أفتى بقول يعلم أن غيره أرجح منه؛ فإنه خائن لله، ورسوله، وللإسلام إذ الدين النصيحة).اهـ

وقال الإمام ابن بطة / في «إبطال الحيل» (ص66): (فليتق الله عبد في نفسه، وفي المسلمين من إخوانه، ولا يخاطر بها وبهم، فقال بعلم فغنم، أو سكت فسلم). اهـ

قلت: وهذا الصنف من الناس ليس بأهل للفتوى، وهو متطفل على موائد العلم، ومتصدر في الدعوة إلى الله بلا علم وبصيرة، والخوف كل الخوف من هؤلاء المتملقين في الفتوى، البائعين دينهم بدنيا غيرهم، أو من المترخصين لأنفسهم والناس، ويتكرر هذا الفساد من القديم إلى الآن؛ اللهم غفرا.

فعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا، ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا). وفي رواية: (يبيع أحدهم دينه). وفي رواية: (بعرض من الدنيا قليل).

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص110)، وأبو يعلى في «المسند» (6515)، والداني في «السنن الواردة في الفتن» (47 و49)، والآجري في «الشريعة» (80)، وابن البخاري في «مشيخته» (ج3 ص1832)، والترمذي في «سننه» (ج6 ص438)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1ص50)، وأبو حيان الأندلسي في «المنتخب من شيوخ بغداد» (ق/100/ط)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص15)، والأبرقوهي في «معجم شيوخه» (ق/121/ط)، وابن منده في «الإيمان» (ج1 ص534)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ق/31/ط)، وابن حبان في «صحيحه» (ج15 ص96)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص15)، وفي «معالم التنزيل» (ج2 ص88)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (ص88»، والفريابي في «صفة المنافقين» (ص77)، والسعدي في «حديثه» (ص348)، والذهبي في «السير» (ج11 ص24)، وابن الجوزي في «مشيخته» (ص96)، وفي «جامع المسانيد» (ج5 ص464)، وفي «الحدائق» (ج3 ص357) وأبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج1 ص188) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج24 ص457) من طرق عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة به.

ومن هذا الوجه ذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج15 ص496).

وأخرجه إسحاق بن راهويه في «المسند» (ج1 ص401) من طريق كلثوم بن محمد بن أبي سدرة نا عطاء بن أبي مسلم الخراساني عن أبي هريرة به.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص390)، والفريابي في «صفة المنافق» (ص76) من طريق يحيى بن إسحاق عن ابن لهيعة عن أبي موسى عن أبي هريرة به.

وأورده الهيثمي في «الزوائد» (ج7 ص281): ثم قال: رواه أبو داود، وغيره من قوله: «المتمسك بدينه...» رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح.

قال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» معلقا على حديث أبي هريرة في الفتن (ج2 ص133): (معنى الحديث الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها، والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة، المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر، ووصف r نوعا من شدائد تلك الفتن، وهو أنه يمسي مؤمنا ثم يصبح كافرا، أو عكسه، وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب). اهـ

وقوله r: (مؤمنا)؛ أي: موصوفا بأصل الإيمان وكماله، (ويمسي كافرا)؛ أي: حقيقة أو كافرا للنعمة أو مشابها للكفرة أو عاملا عمل الكافر، وقيل: المعنى يصبح محرما ما حرمه الله، ويمسي مستحلا إياه وبالعكس... وكل ذلك يفعل لنيل قليل من حطام الدنيا.

و(العرض) ما عرض لك من منافع الدنيا، وهذا ما أشبهه من أحاديث الفتن.([308])

قال الإمام ابن رجب /: (ومن هذا الباب أيضا؛ أي: طلب العلم للرئاسة على الخلق، والتعاظم عليهم؛ كراهة الدخول على الملوك والدنو منهم، وهو الباب الذي يدخل منه علماء الدنيا إلى نيل الشرف والرياسات فيها....

وسبب هذا ما يخشى من فتنة الدخول عليهم، فإن النفس قد تخيل للإنسان إذا كان بعيدا عنهم أنه يأمرهم، وينهاهم ويغلظ عليهم، فإذا شاهدهم قريبا مالت النفس إليهم، لأن محبة الشرف كامنة في النفس له، ولذلك يداهنهم، ويلاطفهم...).([309]) اهـ

قلت: فبين ابن رجب / خطورة حرص الإنسان على جمع المال، وأنه قد يجر الإنسان الحريص إلى ارتكاب المحظور، وكذلك حرص الإنسان على نيل الشرف والعلو فهو في الغالب يمنع خير الآخرة، وشرفها، وكرامتها، وأنه قد يؤدي أحيانا إلى الكبر، واحتقار الناس.

والنبي r ضرب مثلا في حديث: «ما ذئبان جائعان...»، وهو مثل عظيم جدا في فساد دين المسلم بالحرص على المال، والشرف في الدنيا، وأن فساد الدين بذلك ليس بدون فساد الغنم بذئبين جائعين ضاريين باتا في الغنم قد غاب عنها رعاؤها ليلا، فهما يأكلان في الغنم، ويفترسان فيها.

* ومعلوم أنه لا ينجو من الغنم من إفساد الذئبين المذكورين، والحالة هذه إلا قليل، فأخبر النبي r أن حرص المرء على المال، والشرف إفساد لدينه ليس بأقل من إفساد الذئبين لهذا الغنم.

بل إما أن يكون مساويا، وإما أكثر، يشير إلى أنه لا يسلم من دين المسلم مع حرصه على المال والشرف في الدنيا إلا القليل، كما أنه لا يسلم من الغنم مع إفساد الذئبين المذكورين فيها إلا القليل.([310])

قلت: فهذا المثل العظيم يتضمن غاية التحذير من شر الحرص على المال والشرف في الدنيا.

الـــــــحــــــــــرص داء قـــــــــد أضـــــــــــــر

 

 

بـــمــــــــن تــــــــرى إلا قـــــــلـــــيــــــــــلا

كـــــــم مــــــــــــن حـــــريــــــص طــــامـــع

 

 

والــــحــــــرص صـــــــيــــــره ذلــــــيـــلا([311])

 

 

قلت: ومتى ول الحرص على المال إلى هذه الدرجة نقص بذلك الدين، والإيمان نقصا بينا، فإن منع الواجبات، وتناول المحرمات ينقص بهما الدين، والإيمان بلا ريب حتى لا يبقى منه إلا القليل.([312])

* وحرص المرء على الشرف فهو أشد إهلاكا من الحرص على المال، فإن طلب شرف الدنيا والرفعة فيها، والرياسة على الناس، والعلو في الأرض أضر على العبد من طلب المال، وضرره أعظم، والزهد فيه أصعب، فإن المال يبذل في طلب الرياسة، والشرف.([313])

والحرص على الشرف على قسمين:

أحدهما: طلب الشرف بالولاية، والسلطان، والمال، وهذا خطر جدا، وهو في الغالب يمنع خير الآخرة، وشرفها وكرامتها، وعزها.

قال الله تعالى: ]تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين[ [القصص: 83].

وقل من يحرص على رياسة الدنيا بطلب الولايات فيوفق، بل يوكل إلى نفسه، كما قال النبي r لعبد الرحمن بن سمرة t: «يا عبد الرحمن! لا تسأل الإمارة، فإنك

إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها».([314])

وعن أبي هريرة t عن النبي r قال: «إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة».([315])

وقوله r: «فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة»، فنعم المرضعة: أي في الدنيا، وبئست الفاطمة: يعني بعد الموت، لأنه يصير إلى المحاسبة على ذلك.

فهو كالذي يفطم قبل أن يستغني فيكون في ذلك هلاكه.

وقيل: نعم المرضعة؛ لما فيها من حصول الجاه، والمال، ونفاذ الكلمة، وتحصيل اللذات الحسية، والوهمية حال حصولها.

وبئست الفاطمة: عند الانفصال عنها بموت أو غيره، وما يترتب عليها من التبعات في الآخرة. ([316])

وعن أبي ذر t قال: «قلت: يا رسول الله! ألا تستعملني قال: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي، وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها».([317])

وفي رواية: «يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم».

قال الحافظ النووي /: (هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية، وأما الخزي والندامة، فهو في حق من لم يكن أهلا لها، أو كان أهلا ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه، ويندم على ما فرط.

 وأما من كان أهلا للولاية، وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة... ولكن في الدخول فيها خطر عظيم... وامتنع منها خلائق من السلف...).([318]) اهـ

وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين /: (قوله: «إنك امرؤ ضعيف» وهذا القول إذا كان مصارحة أمام الإنسان فلا شك أنه ثقيل على النفس، وأنه قد يؤثر فيك أن يقال لك «إنك امرؤ ضعيف» لكن الأمانة تقتضي هذا، أن يصرح للإنسان بوصفه الذي هو عليه إن قويا فقوي، وإن ضعيفا فضعيف.

* هذا هو النصح «إنك امرؤ ضعيف» ولا حرج على الإنسان إذا قال لشخص مثلا: إن فيك كذا وكذا من باب النصيحة لا من باب السب والتعيير فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: «إنك امرؤ ضعيف».([319]) اهـ

وقال أبو شامة المقدسي /: (فنظر في بعض نكت الخلافيين المتأخرين، العارية عن مآخذ الأئمة، وفقه المتقدمين، وعد نفسه لغرابــــة مـــا أتــــى بـــه من رؤوس العلماء، وهو عند الله تعالى، وعند علماء الشريعة من أجهل الجهلاء، قد حرم أهل الدين، والعلم الفاخر، ورضي مما هم عليه بإطلاق العلم المستدل المناظر). ([320]) اهـ

قلت: فالتعالم من هذا الجنس مع ضعفهم في العلم فهو ادعاء كاذب وتكلف ظاهر، وقد ذم أهل العلم هذا الصنف من الناس وسخروا منه، فويل لمن حملوا أوزار الناس يوم القيامة على ظهورهم ]ألا ساء ما يزرون[ [النحل:16].

فالحرص حرصان، حرص فاجع، وحرص نافع.

فأما النافع فحرص المرء على طاعة الله، وأما الحرص الفاجع فحرص المرء على الدنيا.

فالحرص على الدنيا معذب صاحبه، مشغول لا يسر ولا يلذ بجمعه لشغله، فلا يفرغ من محبة الدنيا لآخرته لالتفاته لما يفنى، وغفلته عما يدوم ويبقى.([321])

قال الإمام مالك بن دينار /: «اتقوا السحارة، فإنها تسحر قلوب العلماء»،([322]) يعني الدنيا.

وعن أبي موسى الأشعري t أن رجلين قالا للنبي r: (يا رسول الله! أمرنا. قال: إنا لا نولي أمرنا هذا من سأله، ولا من حرص عليه».([323])

واعلم أن الحرص على الشرف يستلزم ضررا عظيما قبل وقوعه في السعي في أسبابه، وبعد وقوعه بالحرص العظيم الذي يقع فيه صاحب الولاية من الظلم والتكبر، وغير ذلك من المفاسد.([324])

قال الحافظ النووي /: (قال العلماء: والحكمة في أنه لا يولى من سأل الولاية أنه يوكل إليها، ولا تكون معه إعانة؛ كما صرح به في حديث عبد الرحمن بن سمرة السابق؛ وإذا لم تكن معه إعانة لم يكن كفئا ولا يولى غير الكفء، ولأن فيه تهمة للطالب والحريص).([325]) اهـ

قلت: الحرص على الدنيا مفسد للدين والمروءة.

يا إخوتاه لا تغبطوا حريصا على ثروته، وسعته في مكسب، ولا مال، وانظروا له بعين المقت له في اشتغاله اليوم بما يرديه غدا في المعاد، اللهم غفرا.

قلت: وقد تبين بما ذكرنا أن حب المال، والرياسة، والحرص عليها يفسد دين المرء حتى لا يبقى منه إلا ما شاء الله؛ كما أخبر بذلك النبي r.

وأصل محبة المال والشرف، حب الدنيا، وأصل حب الدنيا اتباع الهوى.

فمن اتباع الهوى الرغبة في الدنيا، ومن الرغبة فيها حب المال والشرف، ومن حب المال والشرف استحلال المحارم.

قلت: فإنه حب يحمل المال والشرف على الرغبة في الدنيا، وإنما تحصل الرغبة في الدنيا من اتباع الهوى، لأن الهوى داع إلى الرغبة في الدنيا، وحب المال والشرف فيها، والتقوى تمنع من اتباع الهوى، وتردع عن حب الدنيا.([326])

قال تعالى: ]فأما من طغى «37» وآثر الحياة الدنيا «38» فإن الجحيم هي المأوى «39» وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى «40» فإن الجنة هي المأوى[ [النازعات: 37 - 41].

النوع الثاني: من يطلب بالعلم والعمل، والزهد الرئاسة على الخلق، والتعاظم عليهم، وأن ينقاد الخلق، ويخضعوا له، ويصرفوا وجوههم إليه، وأن يظهر للناس زيادة علمه على العلماء ليعلو به عليهم ونحو ذلك، فهذا موعده النار، لأن قصد التكبر على الخلق محرم في نفسه، فإذا استعمل فيه آلة الآخرة كان أقبح وأفحش من أن يستعمل فيه آلات الدنيا من المال والسلطان.

فعن أبي هريرة t عن النبي r قال: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه).

وفي رواية: (إن أول الخلق تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة... منهم العالم الذي تعلم العلم ليقال: عالم، وقرأ القرآن ليقال: قارئ، وأنه يقال له: قد قيل ذلك، وأمر به،

فسحب على وجهه حتى ألقي في النار).([327])

قلت: فعاقبه على فعله ذلك؛ لأنه لغير الله، وأدخله النار مع أنه عالم، وهذا فيه دليل على تغليظ تحريم الرياء، وشدة عقوبته، وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال. ([328])

قلت: فمن أحب دنياه أضر بآخرته، ودينه، ولا بد، والعياذ بالله.([329])

فعن الإمام الحسن البصري / قال: (أربع من أعلام الشقاء: قسوة القلب، وجمود العين، وطول الأمل، والحرص على الدنيا).([330])

وعن الإمام بلال بن سعد / قال: (والله لكفى به ذنبا أن الله عزو جل يزهدنا في الدنيا، ونحن نرغب فيها، فزاهدكم راغب، ومجتهدكم مقصر، وعالمكم جاهل).([331])

قلت: فالدخول في الدنيا هين، لكن التخلص منها شديد، والله المستعان.

وعن الإمام الفضيل بن عياض / قال: (جعل الشر كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الزهد في الدنيا).([332])

وعن الإمام يحيى بن معاذ / قال: (ألا إن العاقل المصيب في هذه الدنيا من عمل ثلاثا: ترك الدنيا قبل أن تتركه، وبنى قبره([333]) قبل أن يدخله، وأرضى ربه قبل أن يلقاه).([334])

وعن الإمام الحسن البصري / قال: في قوله تعالى: ]يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا[ [الروم: 7]؛ (ليبلغ من علم أحدهم من دنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره؛ يخبرك بوزنه، ما يحسن يصلي).

                                                                     أثر صحيح      

أخرجه أبو حاتم الرازي في «الزهد» (ص66)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج9 ص3088) وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج6 ص484 الدر المنثورة) من طريق علي بن عثمان اللاحقي قال: حدثنا جويرية بن بشير عن الحسن البصري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الزاهد أبي معاوية الأسود / قال: (من كانت الدنيا أكبر همه طال غدا في القيامة غمه).([335])

وعن سعد بن مسعود التجيبي /: (إذا رأيت العبد دنياه تزداد، وآخرته تنقص مقيما على ذلك راضيا به، فذلك المغبون الذي يلعب بوجهه وهو لا يشعر).([336])

وعن أبي سعيد الخدري r قال: (جلس رسول الله r على المنبر، وجلسنا حوله، فقال r: (إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها).([337])

قال أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الوزير / ([338]):

أف لــــلـــــــــدنــــــيـــــــــا الـــــدنـــيـــــــــة

 

 

دار هــــــــــــــم وبـــــــــــلــــــــــيــــــــــــــــــة

وعن الإمام سفيان الثوري / قال: (إن القراء - يعني: القصاص - أعدوا سلما إلى الدنيا، فقالوا: ندخل على الأمراء نفرج عن المكروب، ونتكلم في المحبوس).([339])

وعن الزاهد أبي معاوية الأسود / قال: (من كانت الدنيا أكبر همه طال غدا في القيامة غمه).([340])

وعن عمرو بن عوف الأنصاري t قال: قال رسول الله r: (فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم).([341])

قال تعالى: ]أفرأيت إن متعناهم سنين «205» ثم جاءهم ما كانوا يوعدون «206» ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون [[الشعراء:205 -207].

وعن الإمام الفضيل بن عياض / قال: (جعل الشر كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الزهد في الدنيا).([342])

وعن أبي هريرة t عن النبي r قال: (تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الـخـمــيـصـة، إن أعـطــي رضـي، وإن لـم يـعـط سـخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا

انتقش).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج4 ص41)، وابن ماجه في «سننه» (4135) و(4136)، والبغوي في «شرح السنة» (4059)، والعسكري في «مسند أبي هريرة» (ص70)، وأبو يعلى في «المسند» (ج1 ص128)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص245)، وابن حبان في «صحيحه» (ج8 ص12)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج6 ص417)، وابن الأعرابي في «الزهد» (ص70 و71) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة t به.

قلت: (تعس): انكب، وسقط على وجهه، أو شقي وهلك، (والخميصة): كساء أسود مربع له خطوط، (انتكس): انقلب على رأسه؛ أي: الشيء المنكوس، وهو دعاء عليه بالخيبة، والخسران، (وإذا شيك): أصابته شوكة، (فلا انتقش): فلا قدر على إخراجها بالمنقاش، ولا خرجت؛ أي إذا أصيب بأقل أذى فلا وجد معينا على الخلاص منه. ([343])

والمراد: الحرص على المال، وتحمل الذلة من أجله، والمبالغة في طلبه، والانصراف بالعمل إليه صار كالعابد له، فصح أنه عبد في طلب المال، فوجب الدعاء عليه بالتعس؛ (وإن لم يعط لم يرض)؛ بما قدر له من المال.

قلت: وفي ذلك من التـحذير من العبـودية لغيـر الله تعالى، وخاصة لهـذه الأشياء

الفانية؛ كالمال، والكساء، وغير ذلك.

فالمذموم من الجمع، والملك ما زاد عن الحاجة، وشغل عن الله تعالى، ولم يستعمل في دينه.([344])

قال تعالى: ]إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون «7» أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون [[يونس:7-8].

وقال تعالى: ]الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون [[الأعراف:51].

وقال تعالى: ]فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم [[السجدة:14].

وقال تعالى: ]من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب [[الشورى:20].

وقال تعالى: ]وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور [[آل عمران:185].

وقال تعالى: ]من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون «15» أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون [[هود:15-16].

وقال تعالى: ]فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا «29» ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى[

[النجم:29].

وقال تعالى: ]اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد [[الحديد:20].

قال الإمام ابن الأعرابي / في «الزهد» (ص45): (فهذا الخطاب، والوعيد وإن كان بعضه للكافرين، فقد صرح الله فيه بذم الدنيا، فتوعد على إيثارها للكافرين، وحذر منها المؤمنين بذمه إياها وإيثارها، وكان غرضنا فيما تلونا أن الله قد ذمها). اهـ

قلت: فاجتنبوا الافتنان بالدنيا، واحذروها فإنها تتلون في أعين الناظرين، وتبهر النفوس بجمالها، ونضارتها، فتسعى خلفها النفوس سعيا حثيثا؛ حتى تخرج عن طاعة الله تعالى، وتنسى ذكر الرحمن، فيستولى عليها الشيطان، نعوذ بالله من الخذلان.

فعن الإمام مالك بن دينار / قال: (بقدر ما تفرح للدنيا، كذلك تخرج حلاوة الآخرة من قلبك).([345])

قلت: فالدخول في الدنيا هين، لكن التخلص منها شديد، والله المستعان.

فعن أبي سعيد الخدري t عن النبي r قال: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء).([346])

وعن الإمام الحسن البصري / قال: (إياكم وما شغل من الدنيا، فإن الدنيا كثيرة الأشغال، لا يفتح رجل على نفسه باب شغل، إلا أوشك ذلك الباب
أن يفتح عليه عشرة أبواب).
([347])

قال تعالى: ]ليجزي الذين أساءوا بما عملوا [[النجم:31].

وقال تعالى: ]ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا [[الكهف:49].

وقال تعالى: ]أفرأيت إن متعناهم سنين «205» ثم جاءهم ما كانوا يوعدون «206» ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون [[الشعراء:205-207].

قلت: فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ أي: إذا صح للآية سبب نزول، وجاءت ألفاظها أعم من سبب نزولها، ومستقلا بنفسه إن كان جواب سؤال؛ أي: يصح الابتداء به، ويكون تاما مفيدا للعموم؛ فتحمل على عموم ألفاظها، شاملة لأفراد السبب، ولأفراد غيره مما شابهه.

فالقول الحق: هو قول من حملها على عموم ألفاظها، ولم يقصرها على حسب نزولها، بل تتعداه إلى غيره مما ينطبق عليه لفظ الآية، ما لم يدل دليل على تخصيص عموم اللفظ، وما لم تكن هناك قرينة تعميم، فإن كانت فالقول بالتعميم ظاهر كل الظهور، بل لا ينبغي أن يكون في التعميم خلاف.([348])

قلت: وقد بين النبي r للأمة أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب.

فعن عبدالله بن مسعود t قال: (أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي r فأخبره، فأنزل الله تعالى: ]وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات[ [هود:114]. فقال الرجل: يا رسول الله، ألي هذا؟ قال: (لجميع أمتي كلهم).([349])

قال العلامة الشنقيطي / في «أضواء البيان» (ج3 ص250): (فهذا الذي أصاب القبلة من المرأة نزلت في خصوصه آية عامة اللفظ، فقال للنبي r ألي هذه؟ ومعنى ذلك: هل النص خاص بي لأني سبب وروده؟، أو هو على عموم لفظه؟، وقول النبي r له: «لجميع أمتي»؛ معناه: أن العبرة بعموم لفظ: ]إن الحسنات يذهبن السيئات[ [هود:114]،  لا بخصوص السبب). اهـ

قلت: ولم يجعل الله تعالى الأحكام معلقة بالأسباب، بل ربما أعرض عنها بالكلية، وانتقل إلى بيان المهم([350])؛ كما في قوله تعالى: ]يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج[ [البقرة:189].

* فإن السؤال كان عن شكل الهلال، ما باله يبدو فيطلع دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم، ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص، ويدق حتى يكون كما كان، فجاء الجواب على غير السبب.

* وكقوله تعالى: ]يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل[ [البقرة:215].

فجاء الجواب على خلاف السؤال الذي كان سببا في النزول، فإن الاعتبار للفظ في كلام الشارع، واللفظ يقتضي العموم، بإطلاقه فيجب إجراؤه على عمومه إذا لم يمنع عنه مانع، والسبب لا يصلح مانعا؛ لأنه لا ينافي عمومه.([351])

قلت: وقـد احتـج الصـحابة الكـرام في وقـائع مختلفة بـعمـوم آيـات نـزلت على

أسباب خاصة.([352])

فهذا كعب بن عجرة الأنصاري t؛ نزل فيه قول الله تعالى: ]فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك[ [البقرة:196].

فقد أخرج البخاري في «صحيحه» (ج4 ص21)، ومسلم في «صحيحه» (86) عن عبد الله بن معقل بن مقرن قال: (جلست إلى كعب بن عجرة، فسألته عن الفدية، فقال: نزلت في خاصة، وهي لكم عامة).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله تعالى: ]ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين[ [البقرة:8]؛ قال: يعني: المنافقين من الأوس، والخزرج، ومن كان على أمرهم).([353])

قلت: وقد قرر العلماء هذه القاعدة لعظم نفعها للأمة.([354])

قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج14 ص165): (إن الآية كانت قد نزلت لسبب من الأسباب، ويكون الحكم بها عاما في كل ما كان بمعنى السبب الذي نزلت فيه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص339): (فالآية التي لها سبب معين إن كانت أمرا، أو نهيا؛ فهي متناولة لذلك الشخص، ولغيره ممن كان بمنزلته، وإن كانت خبرا بمدح، أو ذم، فهي متناولة لذلك الشخص، وغيره ممن كان بمنزلته أيضا). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج15 ص364): (وقصر عمومات القرآن على أسباب نزولها باطل، فإن عامة الآيات نزلت بأسباب اقتضت ذلك، وقد علم أن شيئا منها لم يقصر على سببه). اهـ

وقال المفسر أبو حيان الأندلسي / في «البحر المحيط» (ج1 ص571)؛ بعد أن ذكر قوله تعالى: ]ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه[ [البقرة:114]، (وظاهر الآية العموم في كل مانع، وفي كل مسجد([355])، والعموم وإن كان سبب نزوله خاصا، فالعبرة به لا بخصوص السبب). اهـ

وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسيره» (ج3 ص582)؛ فبعد أن ساق أسباب نزول؛ قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول[ [الأنفال:27]، قال: (قلت: والصحيح أن الآية عامة، وإن صح أنها وردت على سبب خاص، فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء). اهـ

وقال العلامة السعدي / في «القواعد الحسان» (ص7): (القاعدة الثانية: العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، وهذه القاعدة نافعة جدا، بمراعاتها يحصل للعبد خير كثير، وعلم غزير، وبإهمالها، وعدم ملاحظتها يفوته علم كثير، ويقع في الغلط، والارتباك الخطير). اهـ

قلت: ويؤيد قاعدة؛ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، قوله تعالى: ]إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم[ [النور:23].

وهذه الآية عامة، لأزواج النبي r، ولغيرهن ممن كان بالـصفة الـتي وصـف الله

تعالى في هذه الآية، وإن كانت نزلت في شأن عائشة رضي الله عنها خاصة، وذلك حكم كل من رمى محصنة لم تقارف سوءا.

قلت: لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقد نزلت هذه الآية في شأن عائشة رضي الله عنها، ومن رماها، وألفاظها عامة، فتحمل على عموم ألفاظها في كل محصنة، إذ لا دليل يدل على تخصيصها.([356])

قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج18 ص105): (نزلت هذه الآية في شأن عائشة رضي الله عنها، والحكم بها عام في كل من كان بالصفة التي وصفه الله بها فيها، وإنما قلنا ذلك أولى تأويلاته بالصواب؛ لأن الله عم بقوله: ]إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات[ [النور:23]؛ كل محصنة غافلة مؤمنة رماها رام بالفاحشة، من غير أن يخص بذلك بعضا دون بعض، فكل رام محصنة بالصفة التي ذكر الله جل ثناؤه في هذه الآية فملعون في الدنيا والآخرة، وله عذاب عظيم، إلا أن يتوب من ذنبه ذلك قبل وفاته، فإن الله دل باستثنائه بقوله: ]إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا[ [النور:5]؛ على أن ذلك حكم رامي كل محصنة بأيصفة كانت المحصنة المؤمنة المرمية، وعلى أن قوله: ]لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم[ [النور:23]، معناه: لهم ذلك إن هلكوا، ولم يتوبوا).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج15 ص364): (وجهه ظاهر الخطاب؛ فإنه عام فيجب إجراؤه على عمومه([357])؛ إذ لا موجب لخصوصه، وليس هو مختصا بنفس السبب بالاتفاق؛ لأن حكم غير عائشة من أزواج النبي r داخل في العموم؛ وليس هو من السبب، ولأنه لفظ جمع، والسبب في واحدة هنا؛ ولأن قصر عمومات القرآن على أسباب نزولها باطل، فإن عامة الآيات نزلت بأسباب اقتضت ذلك، وقد علم أن شيئا منها لم يقصر على سببه). اهـ

وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد الفحول» (ص232): (وهذا هو الحق الذي لا شك فيه، ولا شبهة؛ لأن التعبد للعباد إنما هو باللفظ الوارد عن الشارع، وهو عام، ووروده على سؤال خاص لا يصلح قرينة لقصره على ذلك السبب، ومن ادعى أنه يصلح لذلك؛ فليأت بدليل تقوم به الحجة، ولم يأت أحد من القائلين بالقصر على السبب بشيء يصلح لذلك.([358])

وإذا ورد في بعض المواطن ما يقتضي قصر ذلك العام الوارد فيه على سببه لم يجاوز به محله، بل يقصر عليه، ولا جامع بين الذي ورد فيه بدليل يخصه، وبين سائر العمومات الواردة على أسـباب خـاصـة حــتـى يكـون ذلـك الـدلـيل في ذلك الموطن

شاملا لها). اهـ

وقال العلامة السعدي / في «القواعد الحسان» (ص7): (وهذا الأصل اتفق عليه المحققون من أهل الأصول، وغيرهم؛ فمتى راعيت هذه القاعدة حق الرعاية وعرفت أن ما قاله المفسرون من أسباب النزول: إنما هو على سبيل المثال لتوضيح الألفاظ، وليست معاني الألفاظ، والآيات مقصورة عليها، فقولهم: نزلت في كذا، وكذا، معناه: أن هذا مما يدخل فيها، ومن جملة ما يراد بها، فإن القرآن إنما نزل لهداية أول الأمة وآخرها... والله تعالى قد أمرنا بالتفكر، والتدبر لكتابه، فإذا تدبرنا الألفاظ العامة، وفهمنا أن معناها يتناول أشياء كثيرة، فلأي شيء نخرج بعض هذه المعاني، مع دخول ما هو مثلها، ونظيرها فيها... وإذا أمر بشيء نظرت إلى معناه، وما يدخل فيه، وما لا يدخل، وعلمت أن ذلك الأمر موجه إلى جميع الأمة، وكذلك في النهي، ولهذا كانت معرفة حدود ما أنزل الله تعالى على رسوله r أصل كل الخير والفلاح، والجهل بذلك أصل كل الشر والخسران، فمراعاة هذه القاعدة أكبر عون على معرفة حدود ما أنزل الله تعالى على رسوله r، والقيام بها، والقرآن قد جمع أجل المعاني، وأنفعها، وأصدقها بأوضح الألفاظ وأحسنها، قال تعالى: ]ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا [ [الفرقان:33]. اهـ

قلت: وقد استدل أهل العلم بآيات على المسلمين المقلدين، وهي نزلت في الكفار، للتشبه بهم في الأفكار المخالفة للإسلام، كالتقليد العمى، وغيره، والله المستعان.

فقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص15): (أما التقليد الباطل المذموم فهو: قبول قول الغير بلا حجة.([359]) قال الله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون [[البقرة:170]. وفي المائدة([360]) وفي لقمان: ]أولو كان الشيطان يدعوهم[([361]) وفي الزخرف: ]قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم [[الزخرف:24]. وفي الصافات: ]إنهم ألفوا آباءهم ضالين «69» فهم على آثارهم يهرعون [ [الصافات:69-70]. وقال: ]يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا «66» وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا [ [الأحزاب:66-67]. وقال: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب [[البقرة:166]. وقال: ]فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار [[غافر:47]. وفي الآية الأخرى: ]من عذاب الله من شيء [[إبراهيم:21]. وقال: ]ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم [ [النحل:25].

هذا الاتباع، والتقليد الذي ذمه الله هو اتبـاع الهوى: إما للـعادة والنـسب؛ كاتباع

 الآباء، وإما للرئاسة؛ كاتباع الأكابر، والسادة، والمتكبرين، فهذا مثل تقليد الرجل لأبيه، أو سيده، أو ذي سلطانه... وقد بين الله أن الواجب الإعراض عن هذا التقليد إلى اتباع ما أنزل الله على رسله؛ فإنهم حجة الله التي أعذر بها إلى خلقه). اهـ

قلت: وهذه الآيات التي ساقها شيخ الإسلام ابن تيمية للتدليل على فساد التقليد وذمه، قد استدل بها، وبما شابهها من القرآن كثير من العلماء.

ويقول الحافظ ابن عبد البر /؛ بعد أن ساق بعض هذه الآيات في «جامع بيان العلم» (ج2 ص134): (وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أولئك من جهة الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما، وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد، كما لو قلد رجل فكفر، وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها، كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا، وإن اختلفت الآثام فيه). اهـ

وقال الحافظ ابن حزم / في «الإحكام» (ج2 ص836): (التقليد على الحقيقة إنما هو قبول ما قاله قائل دون النبي r بغير برهان، فهذا هو الذي أجمعت الأمة على تسميته تقليدا، وقام البرهان على بطلانه). اهـ

وقال أبو عبد الله بن خواز منداد البصري المالكي /: (كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده).([362]) اهـ

وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد الفحول» (ص265): (هو قبول رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص8): (فالواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحب الله ورسوله، وأن يبغض ما أبغضه الله ورسوله مما دل عليه في كتابه، فلا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله r، ولا يقول إلا لكتاب الله عز وجل). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص265): (لا يجوز للمفتي أن يعمل بما يشاء من الأقوال، والوجوه من غير نظر من الترجيح، ولا يعتد به، بل يكتفي به، في العمل بمجرد كون ذلك قولا قاله إمام، أو وجها ذهب إليه جماعة، فيعمل بما يشاء من الوجوه، والأقوال حيث رأى القول وفق إرادته، وغرضه عمل به، فإرادته وغرضه هو المعيار وبها الترجيح، وهذا حرام باتفاق الأمة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رفع الملام» (ص88): (وهذا الترك يجر إلى الضلال، واللحوق بأهل الكتابين، ]الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم[؛ فإن النبي r قال: «لم يعبدوهم، ولكن أحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، وحرموا عليهم الحلال، فاتبعوهم»([363])، ويفضي إلى طاعة المخلوق في معصية الخالق، ويفضي إلى قبح العاقبة، وسوء التأويل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رفع الملام» (ص89): (فلا بد أن نؤمن بالكتاب كله، ونتبع ما أنزل إلينا من ربنا جميعه، ولا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، ولا وتلين قلوبنا لاتباع بعض السنة، وتنفر عن قبول بعضها بحسب العادات والأهواء، فإن هذا خروج عن الصراط المستقيم، إلى صراط المغضوب عليهم والضالين). اهـ

وقال العلامة الشوكاني / في «القول المفيد» (ص74): (وبهذا تعرف أنه لا حامل لهم على ذلك إلا مجرد التعصب لمن قلدوه، وتجاوز الحد في تعظيمه، وامتثال رأيه... أخرج البيهقي، وابن عبد البر، عن حذيفة بن اليمان أنه قيل له في قوله تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [ [التوبة:31]. أكانوا يعبدونهم؟ فقال: (لا ولكن يحلون لهم الحرام فيحلونه، ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه، فصاروا بذلك أربابا).([364])

وفي قوله تعالى: ]وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون «23» قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم [ [الزخرف:23-24]. فآثروا الاقتداء بآبائهم قالوا: ]إنا بما أرسلتم به كافرون[ [سبأ:34]. وقال عز وجل: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب «166» وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار [ [البقرة:166-167]. وقال الله عز وجل: ]ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون «52» قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين [[الأنبياء:52-53]. وقال: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا [ [الأحزاب:67].

فهذه الآيات وغيرها مما ورد في معناها ناعية على المقلدين ما هم فيه، وهي وإن كان تنزيلها في الكفار، لكنه قد صح تأويلها في المقلدين لاتحاد العلة، وقد تقرر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما.

وقد احتج أهل العلم بهذه الآيات على إبطال التقليد، ولم يمنعهم من ذلك كونها نازلة في الكفار...). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص220): (فإن لم يكن عالما بالحق فيها يعني الفتوى - ولا غلب على ظنه لم يحل له أن يفتي، ولا يقضي بما لا يعلم، ومتى أقدم على ذلك فقد تعرض لعقوبة الله، ودخل تحت قوله تعالى: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [ [الأعراف:33]. فجعل القول عليه بلا علم أعظم المحرمات الأربع التي لا تباح بحال؛ ولهذا حصر التحريم فيها بصيغة الحصر... وإذا كان من أفتى أو حكم أو شهد بغير علم مرتكبا لأعظم الكبائر، فكيف من أفتى أو حكم، أو شهد بما يعلم خلافه؟... فمن أخبر منهم عما يعلم خلافه، فهو كاذب على الله عمدا: ]ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة [[الزمر:60]، وإن أخبروا بما لم يعلموا فقد كذبوا على الله جهلا... والكذب على الله يستلزم التكذيب بالحق والصدق، وقال تعالى: ]ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين [[هود:18]، وهذه الآيات وإن كانت في حق المشركين، والكفار فإنها متناولة لمن كذب على الله في توحيده ودينه، وأسمائه وصفاته، وأفعاله، ولا تتناول المخطئ المأجور إذا بذل جهده واستفرغ وسعه في إصابة حكم الله وشرعه، فإن هذا هو الذي فرضه الله عليه، فلا يتناول المطيع لله وإن أخطأ، وبالله التوفيق). اهـ

قلت: ومن تعدى على المسلمين في البلد من تخريب، أو حرق، أو قتل، أو تفجير، أو غير ذلك؛ فهو محارب لله تعالى، ولرسوله r، وللمؤمنين.([365])

فعـن عـطاء الخراساني، والكلبي قالا: في قوله تعالى: ]إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله[ [المائدة: 33]؛ (في اللص الذي يقطع الطريق؛ فهو محارب، فإن قتل وأخذ المال صلب).([366])

قلت: كما يفعل الشيعة في الطرقات، حيث أنهم يقطعون الطرق بالتخريب، والحريق، والإخافة، والتفجير، والتعدي، وغير ذلك، فهؤلاء يعتبرون في الشرع من المحاربين المفسدين في الوطن.

قال تعالى: ]إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم[ [المائدة: 33].

قلت: فمن أفسد في الأرض، ونقض العهد مع المسلمين، فقد حارب الله تعالى، ورسوله r، فيقام فيه الحد.

فعن أنس بن مالك t: (أن نفرا من عكل([367]) قدموا على رسول الله r؛ فأسلموا، فاجتووا([368]) المدينة فأمرهم النبي r أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها، وألبانها، فقتلوا رعاتها، واستاقوها فبعث النبي r في طلبهم قافة([369])، فأتي بهم فقطع أيديهم، وأرجلهم، وسمل أعينهم، ولم يحسمهم([370])، وتركهم حتى ماتوا([371])، فأنزل الله تعالى: ]إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله[ [المائدة: 33].

قال الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص510): (ولا يخلو نزول الآية: ]إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا[ [المائدة:33]؛ من أن يكون في شأن العرنيين أو الموادعين فإن كان نزولها في العرنيين وأنهم ارتدوا، فإن نزولها في شأنهم لا يوجب الاقتصار بها عليهم؛ لأنه لا حكم للسبب عندنا، وإنما الحكم عندنا لعموم اللفظ؛ إلا أن تقوم الدلالة على الاقتصار به على السبب... فثبت بذلك أن حكم الآية غير مقصور على المرتدين، وأنه عام في سائر المحاربين). اهـ

وقال الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص510): (فثبت بذلك أن حكم الآية غير مقصور على المرتدين، وأنه عام في سائر المحاربين). اهـ

قلت: والمفسدون في الأرض هم المحاربون لإفسادهم الناس باعتقادهم الفاسد، وبخروجهم عن أصول الشريعة، فهم بمنزلة قتل النفس بالفساد في الأرض، وإن لم يقتلوا نفسا، ولم يأخذوا مالا، فهم المحاربون لله تعالى، ولرسوله r، وللمؤمنين.

قال تعالى: ]من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا[ [المائدة: 32]، فدل على أن الفساد في الأرض بمنزلة قتل النفس في باب وجوب قتله، أو حبسه، أو عقابه، وإن لم يقتل، ولم يأخذ مالا، أو غير ذلك.([372])

قال الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص508): (باب حد المحاربين: وقد يصح إطلاق لفظ المحاربة لله، ولرسوله على من عظمت جريرته بالمجاهرة بالمعصية، وإن كان من أهل الملة). اهـ

وقال الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص508): (فاستحق من حاربهم اسم المحارب لله تعالى، ولرسوله r، وإن لم يكن مشركا، فثبت بما ذكرنا أن قاطع الطريق يقع عليه اسم المحارب لله عز وجل، ولرسوله r). اهـ

وقال الجصـاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص509): (فهـذه الأخبار، وما

ذكرنا من معنى الآية دليل على أن هذا الاسم يلحق قطاع الطريق، وإن لم يكونوا كفارا، ولا مشركين). اهـ

قلت: فهذه الآية لا تختص بأحد دون أحد، فهي عامة في المحاربين، والله المستعان.

قال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات [ [آل عمران:105].

قال البغوي / في «معالم التنزيل» (ج1 ص339): (قال أكثر المفسرين: هم اليهود والنصارى، وقال بعضهم: المبتدعة من هذه الأمة، وقال أبو أمامة t: هم الحرورية بالشام). اهـ

قلت: فيدخل في هذه الآية الكفرة، والمبتدعة، لأنهم كلهم من أهل التفرق والاختلاف، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

قال ابن رجب / في «غاية النفع» (ص32): (قال تعالى: ]تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى [[الحشر:14]، فأهواؤهم مختلفة... ولا ولاية بينهم في الباطن، وإنما بعضهم من جنس بعض في الكفر، والنفاق). اهـ

وقال تعالى: ]إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم [[البقرة:174].

قال العلامة عبدالرحمن الصالحي / في «الكنز الأكبر» (ج1 ص142): (يعني: علماء اليهود كتموا ما أنزل الله في التوراة من صفة محمد r، وصحة رسالته، ويشترون به؛ يعنى: بالمكتوم ثمنا قليلا؛ (أي: أخذ الرشا وسماه قليلا)؛ لانقطاع مدته، وسوء عاقبته.

قال المفسرون: وهذه الآية وإن كانت نزلت في الأحبار؛ فإنها تتناول من المسلمين من كتم الحق مختارا لذلك بسبب دنيا يصيبها؛ وذكر البطون دلالة، وتأكيدا على حقيقة الأكل إذ قد يستعمل مجازا فيعاقبهم على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة؛ فأخبر عن المآل بالحال. وقيل: يعذبهم على الكتم بالنار، وعليه أكثر المفسرين). اهـ

قال الإمام الخطابي / في «أعلام الحديث» (ج1 ص218): (لو زال الاختلاف بأن ينص كل شيء باسمه تحليلا، وتحريما لارتفع الامتحان، وعدم الاجتهاد في طلب الحق، ولاستوى الناس في رتبة واحدة، ولبطلت فضيلة العلماء على غيرهم).اهـ

قلت: فيجب رد المتشابه إلى المحكم؛ لأن التشابه اشتباه معنى الآية، فيرد هذا الاشتباه إلى المحكم من أي القرآن، ليزيل الاشتباه، ويميز الحقيقة في الدين.

قلت: وتبين من البحث أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب... ذلك لاحتجاج الصحابة، وغيرهم في وقائع بعموم آيات نزلت على أسباب خاصة، شائعا ذائعا بينهم... وكذلك لفظ الشارع وحده هو الدليل، وهو الحجة وليس السؤال والسبب، ولذلك قد يعدل الشارع؛ بالجواب عن سنن السؤال ؛ لحكمة يعلمها الله، وتنبيها للسائل أنه كان ينبغي له أن يهتم بما أجيب عنه، لا بما سأل، فلفظ الشارع هو أساس الاستدلال... ثم إن الأصل في اللغة هو حمل الألفاظ على معانيها الأصلية المتبادرة منها ما لم تقم قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي، واللفظ العام حقيقته، والمتبادر منه حمله على كل الأفراد التي تصدق عليها، فتخصيصه تفرد يحتاج إلى قرينة مانعة من شموله لكل أفراده، ولا قرينة يعتد بها؛ لأن خصوص السبب لا يمنع شمول اللفظ له، ولبقية أفراده.

وقال تعالى: ]هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب [[آل عمران:7].

قال الحافظ ابن حجر / في «العجاب في بيان الأسباب» (ج2 ص662): (فإن الخوارج أول من تبع ما تشابه منه، وابتغوا بذلك الفتنة، فقتلوا من أهل الإسلام ما لا يحصى كثرة، وتجنبوا قتل أهل الشرك، وأخبارهم في ذلك شهيرة، ولذلك ورد في عدة أحاديث صحيحة أنهم شر الخلق والخليقة، وذكر الخوارج نبه به الحديث المذكور على من ضاهاهم في اتباع المتشابه، وابتغاء تأويله، فالآية شاملة لكل مبتدع سلك ذلك المسلك). اهـ

قلت: فالمـبتدعة كـلهـم يتبعـون المتـشـابه ابـتغاء بذلـك الفتنة، لأن الآية شـاملة لجميع المبتدعة([373])، اللهم غفرا.

قال تعالى: ]وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون [ [البقرة:11].

قال الجمهور: نزلت في الكفار وفسادهم بالكفر، وفي المنافقين وفسادهم
بالمعصية، وفي المبتدعين وفسادهم بالبدعة، وفي العصاة وفسادهم بالشهوة
([374])، والعياذ بالله.

قلت: فالآية شاملة لكل مفسد في الأرض على حسب فساده فيها، اللهم سلم سلم.

قلت: والسلف لم يخوضوا في التكلف في تفسير القرآن؛ كما فعل القصاص، والوعاظ، والخطباء حيث اتبعوا في تفسيرهم للقرآن منطق الفلاسفة المتكلفة في البحث عن معاني الآيات، وهذا التكلف غير محمود في الدين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية /: (إن القرآن خطاب للصحابة ابتداء، ثم للأمة بعد الصحابة).([375]) اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج1 ص54): (فقد تكلف أهل العلوم الطبيعية وغيرها الاحتجاج على صحة الأخذ في علومهم بآيات من القرآن، وأحاديث عن النبي r). اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج1 ص55): (أن قوله تعالى: ]أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء[ [الأعراف:185]، لا يدخل فيه من وجوه الاعتبار علوم الفلسفة التي لا عهد للعرب بها، ولا يليق بالأميين الذين بعث فيهم النبي الأمي r بملة سهلة سمحة؛ والفلسفة - على فرض أنها جائزة الطلب - صعبة المأخذ، وعرة المسلك، بعيدة الملتمس، لا يليق الخطاب بتعلمها كي تتعرف آيات الله ودلائل توحيده للعرب الناشئين في محض الأمية؛ فكيف وهي مذمومة على ألسنة أهل الشريعة، منبه على ذمها!). اهـ

وقال العلامة ابن بدران / في «المدخل» (ص): (ما كان إلا من النظر في تلك الوساوس والبدع، والدسائس؛ فمن أين لعباد الكواكب أن يرشدونا إلى الصراط المستقيم، وما كانوا مهتدين، ومن أين لأصحاب المقالات أن يعلموا حقيقة قيوم الأرض والسموات... لكن من اتبع هواه هام في كل واد، ولم يبال بأي: شعب سلك، ولا بأي: طريق هلك... حتى لا أكون منقادا لكل قائد، ولا مقلدا تقليد أعمى لمن يقوده؛ فإن هذه حالة لا يرضى بها الصبيان فضلا عمن أوتي شيئا من العقل... على أن قوما من أولي التقليد الأعمى أسراء الوهم، والخيالات الفاسدة، والجهل المركب: ]وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون [[الشعراء:227]. اهـ

قلت: فأنت إذا نظرت إلى القصاص رأيت أنواعا في تفسيرهم من التكلف في ذكر أمور لا تعلق لها بمعاني الآيات؛ فيما يسمى بـ«الإعجاز العلمي للقرآن»؛ مثل: «طارق السويدان» في «إعجاز القرآن»، و«عبدالمجيد الزنداني» في «الإيمان»، و«توحيد الخالق»، و«العلم طريق الإيمان»، و«زغلول النجار» في «موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم»، وغيرهم.

* وهؤلاء ألحدوا في آيات القرآن عن طريق ما يسمى بـ«الإعجاز العلمي في القرآن الكريم»؛ الذي معناه متابعة، ومجاراة الكفار الملاحدة، حتى صار فتنة عظيمة تهوك بها من تهوك على غير هدى، بل بضلال مبين.

قلت: ونحن في غنية عن أن تفسر لنا الآيات، والأحاديث على مقتضى علوم الفلاسفة الملاحدة التي تقوم على الظنون، والخيالات، والتكلف، وقد قال تعالى عن نبيه r: ]وما أنا من المتكلفين [[ص:86]، فالحذر من هذه التفاسير الباطلة للآيات، والأحاديث التي أحدثها من يزعمون إعجاز القرآن، والله المستعان.

قلت: فمن سلك في تفسير الآيات طريقة القصاص الباطلة؛ فاتت عليه الأوقات، ولم يدرك إلا العناء في الدنيا والآخرة، اللهم سلم سلم.

قال تعالى: ]لا يمسه إلا المطهرون [[الواقعة:79].

قال الإمام ابن القيم / في «التبيان في أقسام القرآن» (ج1 ص409): (ودلت الآية: بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه، ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرام على القلوب الملوثة بنجاسة البدع، والمخالفات أن ينال معانيه، وأن يفهمه كما ينبغي، قال البخاري في «صحيحه»؛ في هذه الآية: (لا يجد طعمه إلا من آمن به)، وهذا أيضا من إشارة الآية وتنبيهها، وهو أنه لا يلتذ به، وبقراءته، وفهمه، وتدبره، إلا من شهد أنه كلام الله، تكلم بها حقا، وأنزله على رسوله r وحيا ،  ولا ينال معانيه إلا من لم يكن في قلبه حرج منه بوجه من الوجوه. فمن لم يؤمن بأنه حق من عند الله، ففي قلبه منه حرج. ومن لم يؤمن، بأن الله سبحانه تكلم به وحيا، وليس مخلوقا من جملة مخلوقاته، ففي قلبه منه حرج. ومن قال: إن له باطنا، يخالف ظاهره، وإن له تأويلا، يخالف ما يفهم منه، ففي قلبه منه حرج. ومن قال: إن له تأويلا لا نفهمه ولا نعلمه، وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه، ففي قلبه منه حرج. ومن سلط عليه آل الآرائيين، وهذيان المتكلمين، وسفسطة المسفسطين، وخيالات المتصوفين، ففي قلبه منه حرج. ومن جعله تابعا لنحلته ومذهبه، وقول من قلده دينه، ينزله على أقواله، ويتكلف حمله عليها، ففي قلبه منه حرج. ومن لم يحكمه، ظاهرا، وباطنا، في أصول الدين وفروعه، ويسلم وينقاد لحكمه، أين كان، ففي قلبه منه حرج، ومن لم يأتمر بأوامره، وينزجر عن زواجره، ويصدق جميع أخباره، ويحكم أمره ونهيه وخبره، ويرد له كل أمر ونهي وخبر خالفه، ففي قلبه منه حرج، وكل هؤلاء لم تمس قلوبهم معانيه، ولا يفهمونه كما ينبغي أن يفهم، ولا يجدون من لذة حلاوته وطعمه، ما وجده الصحابة ومن تبعهم، وأنت إذا تأملت قوله: ]لا يمسه إلا المطهرون [ [الواقعة:79]، وأعطيت الآية حقها من دلالة اللفظ وإيمائه وإشارته وتنبيهه، وقياس الشيء على نظيره، واعتباره بمشاكله، وتأملت المشابهة التي عقدها الله سبحانه وربطها بين الظاهر والباطن - فهمت هذه المعاني كلها من الآية، وبالله التوفيق). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج1 ص251): (إذا فهم بعض الحق وجد فيه حلاوة، وذلك يدعوه إلى طلب الباقي، قال تعالى: ]أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [[محمد:24]، ]كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب [[ص:29]، وقال تعالى: ]إنما يتذكر أولو الألباب[ [الرعد:19]. اهـ

قلت: فقد كثرت الأهواء والبدع، والضلالات في الناس، وتكلم الناس في معاني القرآن بأهوائهم، وخاض في معانيه أهل الجهل من القصاص، والوعاظ، والخطباء وغيرهم، فطلب تفسير السلف ضرورة لفهم الآيات فهما صحيحا بعيدا عن مآخذ الجاهلين، والمبتدعين.([376])

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج16 ص50) عن التجويد: (ولا يجعل همته فيما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن، إما بالوسوسة في خروج حروفه، وترقيقها وتفخيمها، وإمالتها والنطق بالمد الطويل، والقصير والمتوسط، وغير ذلك؛ فإن هذا حائل للقلوب قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «أصول التفسير» (ص38): (وفي الجملة؛ من عدل عن مذاهب الصحابة، والتابعين، وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك، بل مبتدعا). اهـ

وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسيره» (ج1 ص11): (لأنه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ، لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر). اهـ

قال تعالى: ]إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون [[النحل:116].

قال الحافظ النووي / في «التبيان في آداب حملة القرآن» (ص165): (ويحرم تفسيره بغير علم، والكلام في معانيه لمن ليس من أهلها، والأحاديث في ذلك كثيرة، والإجماع منعقد عليه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص362): (ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة، والتابعون، وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه؛ كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله r). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص357): (مثل طوائف من أهل البدع اعتقدوا مذهبا يخالف الحق الذي عليه الأمة الوسط الذين لا يجتمعون على ضلالة، كسلف الأمة، وأئمتها، وعمدوا إلى القرآن، فتأولوه على آرائهم، تارة يستدلون بآيات على مذهبهم، ولا دلالة فيها، وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه، ومن هؤلاء فرق الخوارج، والروافض، والجهمية، والمعتزلة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم). اهـ

قلت: فالتأويل هو السبب المباشر في عدم فهم هذه الفرق أعظم المسائل وأهمها، وهي مسائل الإسلام، والإيمان، والكفر، والنفاق، الذي علق الله تعالى بها السعادة، والشقاوة، واستحقاق الجنة والنار، نعوذ بالله من الخذلان.

وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص206): (وبالجملة فالتأويل الذي يوافق ما دلت عليه النصوص، وجاءت به السنة، ويطابقها هو التأويل الصحيح. أما التأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص، وجاءت به السنة هو التأويل الفاسد). اهـ

* ثم اعلم أيها العبد المسلم أن السبب في هلاك الإنسان شيئان؛ أحدهما: حب الدنيا، والثاني: الجهل؛ أما الأول: فإن الإنسان إذا أنس إلى الدنيا وشهواتها، وعلائقها ولذاتها، ثقل على قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه من الفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها، وكل من كره شيئا دفعه عن نفسه، والإنسان مشغول بالأماني الباطلة، فيمني نفسه أبدا بما يوافق مراده من البقاء في الدنيا، وما يحتاج إليه من مال، وأهل، ومسكن، وأصدقاء، وسائر أسباب الدنيا، فيصر قلبه عاكفا على هذا الفكر، فيلهو عن ذكر الموت، ولا يقدر قربه، فإن خطر له الموت في بعض الأحوال، والحاجة إلى الاستعداد له، سوف بذلك، ووعد نفسه، وقال الأيام بين يديك إلى أن تكبر ثم تتوب، وإذا كبر قال: إلى أن تصير شيخا، وإن صار شيخا قال إلى أن يفرغ من بناء هذه الدار، وعمارة هذه الضيعة، أو يرجع من هذه السفرة، فلا يزال يسوف ويؤخر، ولا يحرص في إتمام شغل إلا، ويتعلق بإتمام ذلك الشغل عشرة أشغال، وهكذا على التدريج يؤخر يوما بعد يوم.

ويشتغل بشغل بعد شغل، إلى أن تختطفه المنية في وقت لا يحتسبه فتطول عند ذلك حسرته... ولا تنس أن أكثر صياح أهل النار من «سوف».

وأما السبب الثاني: فهو الجهل وذلك أن العبد يعول على شبابه، ويغتر بنضارته، ويستبعد قرب الموت مع الشباب بل إن بعض الشباب يظن أنه لا توبة من الذنوب إلا بعد الأربعين، وبنى على ذلك تخبطه في الشهوات، والمعاصي؛ فإذا نصحته قال لم يأت السن بعد (أي: سن التوبة)، وأيم الله إن هذا لمن مكر إبليس به، فهل يفرق الموت بين الصغار والكبار، أم هل يفرق بين الشيوخ والشباب، ولو عقل هذا القائل ما يقول لعلم أن الموت يأخذ من الشباب أكثر ما يأخذ من الشيوخ.([377])

قال الحافظ ابن الجوزي / في «صيد الخاطر» (ص178): (لا تغتر بالشباب، والصحة؛ فإن أقل من يموت من الأشياخ، وأكثر من يموت من الشبان، ولهذا يندر من يكبر، ومن الاغترار طول الأمل، وما من آفة أعظم منه، فإنه لو لا طول الأمل، ما وقع إهمال أصلا، وإنما يقدم العاصي، ويؤخر التوبة لطول الأمل، وتبادر الشهوات، وتنسى الإنابة لطول الأمل، وإن لم تستطع قصر الأمل؛ فاعمل عمل قصير الأمل، ولا تمس حتى تنظر في يومك؛ فإن رأيت زلة فامحها بتوبة، أو خرقا فارقعه باستغفار، وإذا أصبحت فتأمل ما مضى في ليلك، وإياك والتسويف، فإنه أكبر جنود إبليس). اهـ

وعن الإمام أيوب السختياني / قال: (رأيت أعلم الناس بالقضاء والفتوى أشدهم منه فرارا، وأشدهم منه فرقا، وأعماهم عنه أشدهم مسارعة إليه).

أثر صحيح

أخرجه ابن بطة في «إبطال الحيل» (ص63) والدينوري في «المجالسة» (ج2 ص90)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج7 ص183)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص285)، ووكيع في «أخبار القضاة» (ج1 ص23)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص67)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص97) من طرق عن حماد بن زيد قال: سمعت أيوب به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام سفيان بن عيينة / قال: (أعلم الناس بالفتوى أسكتهم فيه، وأجهل الناس بالفتوى أنطقهم فيه).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص350)، وابن الجوزي في «تعظيم الفتيا» (ص77) من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي أنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي السراج قال: سمعت أبا عبد الله المروزي قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: قال ابن عيينة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال أبو بكر الأثرم سمعت أبا عبد الله يعني: الإمام أحمد - يقول: (من عرض نفسه للفتيا فقد عرضها لأمر عظيم إلا أنه قد تجيء الضرورة).

أثر صحيح

أخـرجه الخطيب في «الفـقيه والمتفقه» (650)، وابن الجوزي في «تعظيم الفتيا»

(ص78) من طريق محمد بن عبد الله بن خلف الدقاق نا عمر بن محمد الجوهري نا أبو بكر الأثرم به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: ولا يتجرأ على التصدر، والفتوى بلا علم إلا المتعالم لقلة ورعه، وخوفه من الله تعالى، ولضعف دينه في نفسه، وذهاب حيائه من الله تعالى، وعدم احترامه لأهل العلم.

قال الإمام ابن الجوزي / في «تعظيم الفتيا» (ص113): (وإنما يتجرأ على الفتوى من ليس بعالم لقلة دينه). اهـ

وقال العلامة ابن حمدان / في «صفة الفتوى» (ص11) معلقا على أثر ربيعة في إنكاره على هؤلاء المفتين: (قلت: فكيف لو رأى زماننا وإقدام من لا علم عنده على الفتيا، مع قلة خبرته، وسوء سيرته، وشؤم سريرته، وإنما قصده السمعة، والرياء، ومماثلة الفضلاء، والنبلاء، والمشهورين المستورين، والعلماء الراسخين، والمتبحرين السابقين، ومع هذا فهم ينهون فلا ينتهون، وينبهون فلا ينتبهون، قد أملي لهم بانعكاف الجهال عليهم، وتركوا ما لهم في ذلك وما عليهم، فمن أقدم على ما ليس له أهلا من فتيا، أو قضاء، أو تدريس أثم؛ فإن أكثر منه، وأصر، واستمر فسق، ولم يحل قبول قوله، ولا فتياه، ولا قضاؤه، هذا حكم دين الإسلام، والسلام، ولا اعتبار لمن خالف هذا الصواب، فإنا لله وإنا إليه راجعون). اهـ

وقال الحافظ ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص77): (وهذا الضرب إنما يستفتون بالشكل لا بالفضل، وبالمناصب لا بالأهلية، قد غرهم عكوف من لا علم عنده عليهم، ومسارعة أجهل منهم إليهم، تعج منهم الحقوق إلى الله تعالى عجيجا، وتضج منهم الأحكام إلى من أنزلها ضجيجا، فمن أقدم بالجرأة على ما ليس له بأهل فتيا، أو قضاء، أو تدريس، استحق اسم الذم، ولم يحل قبول فتياه، ولا قضائه هذا حكم دين الإسلام). اهـ

وقال الإمام ابن بطة / في «إبطال الحيل» (ص68): (وربما أفتى أحدهم بالفتوى ما سبقه إليها أحد، لم توجد في كتاب مسطور، ولا عن إمام مذكور، ولا يحتشم أن يقول: هذا قول فلان، ومذهب فلان، تخرصا وتأثما). اهـ

وقال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص151): (أهل الرأي فجل ما يحتجون به من الأخبار واهية الأصل، ضعيفة عند العلماء بالنقل، فإذا سئلوا عنها بينوا حالها، وأظهروا فسادها، فشق عليهم إنكارهم إياهم، وما قالوه في معناها، وهم قد جعلوها عمدتهم، واتخذوها عدتهم، وكان فيها أكثر النصرة لمذاهبهم، وأعظم العون على مقاصدهم ومآربهم...!!!). اهـ

وقال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص350): (وقل من حرص على الفتوى، وسابق إليها، وثابر عليها إلا قل توفيقه، واضطرب في أمره، وإذا كان كارها لذلك غير مختار له، ما وجد مندوحة عنه، وقدر أن يحيل بالأمر فيه على غيره، كانت المعونة له من الله أكثر، والصلاح في فتواه وجوابه أغلب). اهـ

قلت: فهؤلاء القصـاص قاموا في أيامنـا هذه بصـرف الناس عن الحق، وصدهـم

عن سبيل الله المستقيم.([378])

وعن عبدالله ابن مسعود t قال: (لا يكونن أحدكم إمعة، قالوا: وما الإمعة؟ قال: يجري مع كل ريح).([379])

فعن عدي بن حاتم t قال: أتيت النبي r وفي عنقي صليب من ذهب، فقال r: (يا عدي، اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله[ [التوبة:31]، قال r: أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه).([380])

قلت: فتأملوا يا أولي الألباب في هذا الحديث، وكيف حال الاعتماد في الفتاوي على آراء الرجال وتقليدهم؛ من غير تحر للدليل الشرعي؛ بل بمجرد نيل الغرض في النفس، عافانا الله تعالى من ذلك بفضله.

وقد حذر منهم رسول الله r بقوله: (يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم، ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم، ولا يفتنونكم).

حديث حسن

أخرجه مسلم في مقدمة «صحيحه» (ص23)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص203)، والخطيب في «الكفاية» (ص429)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج12 ص412)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص97)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج7 ص397)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص43)، والجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (ج1 ص214)، وابن بشران في «الفوائد» (680) من طريق أبي شريح أنه سمع شراحيل بن يزيد يقول أخبرني مسلم بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله r فذكره.

قلت: وهذا سنده حسن من أجل مسلم بن يسار الطنبذي([381]) ذكره ابن حبان في «الثقات» (ج5 ص390)، ومسلم في «الكنى والأسماء» (ق/72/ط)، والجياني في «تقييد المهمل في تمييز المشكل» (ج2 ص337)، وقال عنه الذهبي في «الميزان» (ج4 ص107): ولا يبلغ حديثه درجة الصحة، وهو في نفسه صدوق، وقال الذهبي في «الكاشف» (ج3 ص126): ثقة وروى عنه ستة، وقال ابن حجر في «التقريب» (ص 94): مقبول، أي: حديثه يتابع، وإلا فلين الحديث، وقد توبع بأبي عثمان شفي بن ماتع الأصبحي وهو ثقة؛ كما في «التقريب» لابن حجر (ص439).

وأخرجه مسلم في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص12)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص321)، وإسحاق بن راهويه في «المسند» (ج1 ص340)، وابن حبان في «صحيحه» (ج15 ص168)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص96)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص223)، وابن وضاح في «البدع» (ص173)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج7 ص275)، والجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (ج1 ص213)، والمستغفري في «دلائل النبوة» (ج1 ص361)، والذهبي في «المعجم المختص» (ص40)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص103)، وفي «معرفة علوم الحديث» (ص12)، والخطيب في «الموضح» (ج2 ص395)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج6 ص550)، وأبو يعلي في «المسند» (ج11 ص270)، وأبو الحسين الحاكم الثقفي في «الفوائد» (ص276)، والشجري في «الأمالي» (ج1 ص64)، وأبو العباس الأصم في «حديثه» (ص236)، والهروي في «ذم الكلام» (ج4 ص95)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج2 ص14) من طريقين عن سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو هانئ عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة به.

قلت: هذا سنده كسابقه، وفيه متابعة أبي هانئ حميد بن هانئ، لشراحيل بن يزيد.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص349)، وابن وضاح في «البدع» (ص34)، والهروي في «ذم الكلام» (ج4 ص60) من طرق عن ابن لهيعة عن سلامان بن عامر عن أبي عثمان الأصبحي قال سمعت أبا هريرة يقول: إن رسول الله r قال: (سيكون في أمتي رجال دجالون كذابون، يحدثونكم ببدع من الحديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يفتنونكم).

وإسناده حسن في المتابعات، فيه ابن لهيعة اختلط بعد احتراق كتبه؛ كما في «تهذيب الكمال» للمزي (ج15 ص487)، وسلامان بن عامر الشعباني روى عنه ثلاثة، ونقل ابن حجر في «تعجيل المنفعة» (ص157) عن ابن يونس أنه قال فيه: (كان رجلا صالحا)، وترجم له ابن ناصر الدين في «توضيح المشتبه» (ح5 ص113)، وابن ماكولا في (الإكمال» (ج1 ص547)، والسمعاني في «الأنساب» (ج7 ص341)، ولم يذكروا فيه جرحا وتعديلا، وهما لم يتفردا؛ كما في السند السابق.

والحديث صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج3 ص217)، والجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (ج1 ص214)، وحسنه البغوي في «شرح السنة» (ج1 ص223).

وذكره السيوطي في «تحذير الخواص من أكاذيب القصاص» (ص145).

قال الجورقاني / في «الأباطيل والمناكير» (ج1 ص214): (أخبر رسول الله r بكذابين يكونون في آخر الزمان، يكذبون عليه). اهـ

وعن سفيان الثوري / قال: (ما ستر الله أحدا يكذب في الحديث).

أثر صحيح

أخرجه ابن حبان في «المجروحين» (ج1 ص21)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (ج1 ص48)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص48)، والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص318) من طرق عن سفيان الثوري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فتأمل أيها الداعية الجاهل هذا الكلام جيدا.

قال تعالى: ]ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين «75» فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون «76» فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون «77» ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب[ [التوبة:75 -78].

عن أبـي هـريـرة t أن رسـول الله r قـال: (ثلاث من كن فـيـه فهـو مـنافـق، وإن

صام، وصلى، وزعم أنه مسلم، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).([382])

أخرجه البخاري في «صحيحه» (33)، و(2682)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص79)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص19)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11127)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص117)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص397)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص20 و21)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص490)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج13 ص437)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص288)، وفي «السنن الصغرى» (1053)، وفي «شعب الإيمان» (ج4 ص320)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج6 ص355)، وفي «المستخرج» (207)، وفي «صفة النفاق» (69 و71 و72 و73 و74 و75)، وفي «أخبار أصبهان» (ج1 ص325)، وأبو الفضل الزهري في «حديثه» (ج1 ص247)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (215)، وابن ماجه في «سننه» (4031)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص72)، وفي «معالم التنزيل» (ج4 ص78)، والفريابي في «صفة المنافق» (ص43 و44 و45 و46)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (ج1 ص193) وفي «مساوئ الأخلاق» (292)، وابن منده في «الإيمان» (527) و(530)، والذهبي في «السير» (ج4 ص219)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (ج1 ص202)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (470)، وفي «مكارم الأخلاق» (118)، وأبو يعلي في «المسند» (6533)، والخلعي في «الخلعيات» (ص135)، وابن راهويه في «المسند» (338)، والبزار في «المسند» (ج14 ص258)، و(ج15 ص213)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (675)، وابن نقطة في «تكملة الإكمال» (ج3 ص31)، والطبراني في «مسند الشاميين» (ج3 ص305)، وابن بشران في «الأمالي» (ص64)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية» (ج4 ص191)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج14 ص59)، وفي «معجم الشيوخ» (1286)، وابن البخاري في «مشيخته» (ج3 ص1824)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج2 ص867)، والخلال في «السنة» (ج5 ص68)، والحسن بن سفيان النسوي في «الأربعين» (ص55)، والمحاملي في «الأمالي» (ص21)، وابن تيمية في «مشيخته» (ص89)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص202)، والأبرقوهي في «معجم الشيوخ» (ص70 و493 و501)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص697- الإيمان)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج2 ص500)، وفي «جامع المسانيد» (ج5 ص514)، وفي «مشيخته» (ص60)، وابن عبدالهادي الحنبلي في «النهاية في اتصال الرواية» (ص220)، وابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» (ج1 ص18)، والسمعاني في «أدب الإملاء» (ص40)، المراغي في «عوالي المجيزين» (ص118)، وابن عبدالدائم في «مشيخته» (ص99)، ومحمد بن طاهر المقدسي في «صفة التصوف» (771) من طرق عن أبي هريرة t.

قال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج11 ص362): (وأما المتن فقد رواه جماعة عن أبي هريرة). اهـ

وقال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج1 ص202): (قوله r: (آية المنافق)؛ أي: علامته، واللام للجنس... وقوله r: (إذا حدث)؛ في كل شيء: (كذب)، أي: أخبر عنه بخلاف ما هو به قاصدا للكذب، وقوله r: (وإذا وعد) بالخير في المستقبل: (أخلف)؛ فلم يف... والثالثة من الخصال: (وإذا ائتمن)؛ على صيغة المجهول من الائتمان أمانة: (خان) بأن تصرف فيها على خلاف الشرع. ووجه الاقتصار على هذا الثلاث أنها منبهة على ما عداها؛ إذ أصل عمل الديانة منحصر في ثلاث: القول، والفعل، والنية، فنبه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النية بالخلف، وحينئذ فلا يعارض هذا الحديث بما وقع في الآتي بلفظ: (أربع من كن فيه)([383])، وفيه: (وإذا عاهد غدر)؛ إذ هو معنى قوله r: (وإذا ائتمن خان)، لأن الغدر خيانة). اهـ

وعن عبد الله بن مسعود t قال: (اعتبروا المنافق بثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، ثم قرأ ]ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين «75» فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون «76» فـأعقبهم نفاقا في قلوبهـم إلى يـوم يلقونه بما أخـلفوا الله ما وعدوه وبمـا كانـوا

يكذبون [[التوبة:75-77].

أثر صحيح

أخرجه أبو نعيم في «صفة النفاق» (ص76 و81)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (677)، والخلال في «السنة» (1287)، و(1629)، و(1631)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص406)، والفريابي في «صفة المنافق» (ص47)، والطبري في «جامع البيان» (ج10 ص191)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص252)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (903)، ووكيع في «الزهد» (400)، و(472)، والمروزي في «زيادات زهد ابن المبارك» (377)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (510)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (36)، و(37)، وفي «مساوئ الأخلاق» (ص142)، والذهبي في «السير» (ج5 ص409)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج5 ص262)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج6 ص1846)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج4 ص247- الدر المنثور) من طريقين عن ابن مسعود t به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأورده الهيثمي في «الزوائد» (ج1 ص108)؛ ثم قال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

وهـذه الأدلـة تــدحـض قـول مـن زعـم أن خـطـاب هــذه الأدلـة، وردت لــغــيـر

المسلمين!.([384])

قال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج11 ص463): (وفيه دليل على أن النفاق يتبعض ويتشعب، كما أن الإيمان ذو شعب، ويزيد وينقص، فالكامل الإيمان من اتصف بفعل الخيرات وترك المنكرات، وله قرب ماحية لذنوبه، كما قال تعالى: ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم [[الأنفال:2]، إلى قوله: ]أولئك هم المؤمنون حقا [[الأنفال:4]، وقال: ]قد أفلح المؤمنون [[المؤمنون:1]، إلى قوله: ]أولئك هم الوارثون، الذين يرثون الفردوس[ [المؤمنون:10-11]، ودون هؤلاء خلق من المؤمنين الذين خلطوا عملا صالحا، وآخر سيئا، ودونهم عصاة المسلمين، ففيهم إيمان ينجون به من خلود عذاب الله تعالى وبالشفاعة. ألا تسمع إلى الحديث المتواتر: «أنه يخرج من النار من في قلبه وزن ذرة من إيمان»([385])، وكذلك شعب النفاق من الكذب، والخيانة، والفجور، والغدر، والرياء، وطلب العلم ليقال، وحب الرئاسة، والمشيخة، وموادة الفجار، والنصارى.

فمن ارتكبها كلها، وكان في قلبه غل النبي r، أو حرج من قضاياه، أو يصوم رمضان غير محتسب، أو يجوز أن دين النصارى، أو اليهود دين مليح، ويميل إليهم، فهذا لا ترتب في أنه كامل النفاق، وأنه في الدرك الأسفل من النار، وصفاته الممقوتة عديدة في الكتاب، والسنة من قيامه إلى الصلاة كسلان، وأدائه الزكاة وهو كاره، وإن عامل الناس، فبالمكر والخديعة، قد اتخذ إسلامه جنة، نعوذ بالله من النفاق، فقد خافه سادة الصحابة على نفوسهم.

فإن كان فيه شعبة من نفاق الأعمال، فله قسط من المقت حتى يدعها، ويتوب منها، أما من كان في قلبه شك من الإيمان بالله ورسوله، فهذا ليس بمسلم وهو من أصحاب النار، كما أن من في قلبه جزم بالإيمان بالله، ورسله، وملائكته، وكتبه، وبالمعاد، وإن اقتحم الكبائر، فإنه ليس بكافر، قال تعالى: ]هو الذي خلقكم، فمنكم كافر، ومنكم مؤمن [[التغابن:2]، وهذه مسألة كبيرة جليلة، قد صنف فيها العلماء كتبا، وجمع فيها الإمام أبو العباس([386]) شيخنا مجلدا حافلا قد اختصرته. نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا حتى نوافيه به). اهـ

وعن حذيفة بن اليمان t قال: (المنافقون الذين فيكم شر من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله r، قلنا: وكيف ذاك يا أبا عبد الله؟ قال: إن أولئك كانوا يسرون نفاقهم، وإن هؤلاء أعلنوه).

أثر صحيح

أخـرجه البخاري في «صحـيحه» (7113)، والنسـائي في «السـنن الكـبرى» (ج6

ص491)، والفريابي في «صفة المنافق» (76)، وأبو نعيم في «صفة النفاق» (112)، و(113)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (ج1 ص130) من طريق الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة بن اليمان t به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه الطيالسي في «المسند» (410)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص280)، وفي «صفة النفاق» (110)، و(111)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج15 ص109)، والفريابي في «صفة المنافق» (75)، والبزار في «المسند» (ج7 ص283 و284)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (ج1 ص230)، والخطيب في «الموضح» (ج2 ص504)، والخلال في «السنة» (1643)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (912)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص397) من طريق الأعمش عن أبي وائل به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (313) من طريق يعلى بن عبيد ثنا أبو عمرو عن عاصم عن زر عن حذيفة بن اليمان t به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن الإمام الحسن البصري / قال: (من النفاق اختلاف اللسان والقلب، واختلال السر والعلانية، واختلاف الدخول والخروج).

أثر صحيح

أخرجه الخلال في «السنة» (ج5 ص72) من طريق يزيد بن هارون ثنا أبو الأشهب ثنا الحسن البصري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن أبي بكر الصديق t قال: (أيها الناس، إياكم والكذب؛ فإن الكذب مجانب للإيمان).

أثر صحيح

أخرجه العدني في «الإيمان» (ص122 و123)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص5)، وفي «الإيمان» (ق/133/ط)، والدارقطني في «العلل» (ج1 ص258 و259)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1872)، وهناد في «الزهد» (1228)، ووكيع بن الجراح في «الزهد» (399)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص404)، وابن لال في «مكارم الأخلاق» (ج3 ص133- الجامع الصغير)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (475)، وفي «مكارم الأخلاق» (117)، والخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (ص70)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص3)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص196)، وفي «شعب الإيمان» (4806)، و(4807)، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج1 ص29)، وابن المبارك في «الزهد» (687)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (786)، والخلال في «السنة» (1467)، و(1470)، وأبو عبيد في «الإيمان» تعليقا (ص86) من طرق عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق t به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الدارقطني في «العلل» (1 ص258)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج10 ص508)، والمنذري في «الترغيب والترهيب» (ج5 ص204)، والشيخ الألباني في «تعليقه على الإيمان» (ص85).

وذكره السخاوي في «المقاصد الحسنة» (796)، والسيوطي في «الجامع الصغير» (ج3 ص133)، والعجلوني في «كشف الخفاء» (865).

قلت: فالكذب باب من أبواب النفاق فاحذروا الكذب واتقوه، والعياذ بالله.

وعن الإمام الحسن البصري / قال: (الكذب جماع النفاق).([387])

قال الحكيم الترمذي / في «المنهيات» (ص46): (فإن القول بالكذب هو افتراء على الله تعالى؛ ولذلك قيل الكذب مجانب الإيمان، لأنه إذا قال كان كذا، ولم يكن ذلك الشيء، فقد زعم أن الله تعالى قد كون ذلك الشيء، لأنه لا كائن إلا بمكون، فإذا قال كان، ولم يكونه الله صار كذبا على الله تعالى، وإذا قال لشيء قد كان إنه لم يكن فقد نفى ما كونه الله تعالى، فقال الله تعالى: ]إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله [[النحل:105]. اهـ

قال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال [[يونس:32].

قال العلامة المناوي / في «فيض القدير» (ج3 ص133)، معـلقا عـلى قـول

أبي بكر الصديق: «إياكم والكذب؛ فإن الكذب مجانب للإيمان»: (إن جريمة الكذب عظيمة، وعاقبته وخيمة؛ فإن العبد إذا قال بلسانه ما لم يكن، كذبه الله تعالى، وكذبه إيمانه من قلبه، لأنه إذا قال لما لم يكن أنه كان فقد زعم أنه تعالى خلقه، ولم يكن خلقه، فقد افترى على الله تعالى فيكذبه.

ولذلك قال: «فإن الكذب مجانب للإيمان»، بنص القرآن؛ فإنه سبحانه علل عذاب المنافقين به في قوله تعالى: ]ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون [ [البقرة:10]، ولم يقل بما كانوا يصنعون من النفاق إيذانا بأن الكذب قاعدة مذهبهم، وأسه؛ فينبغي تجنبه لمنافاته لوصف الإيمان، والتصديق). اهـ

قلت: فاجتنبوا الكذب؛ فإنه باب من النفاق، والعياذ بالله.

وعن الإمام أبي قلابة / قال: (مثل أصحاب الأهواء كمثل المنافقين، كلامهم شتى، وجماع أمرهم النفاق، ثم تلا هذه الآية: ]ومنهم من عاهد الله[ [التوبة:75]، ]ومنهم من يلمزك[ [التوبة:58]، ]ومنهم الذين يؤذون النبي[ [التوبة:61].([388])

 وعن هارون بن سفيان المستملي قال: (قلت لأحمد بن حنبل: كيف تعرف الكذابين؟ قال: بمواعيدهم).([389]) يعني إذا وعدوا أخلفوا!.

وعن الإمام محمد بن كعب / القرظي قال: (كنت أسمع أن المنافق يعرف بثلاث: بالكذب، والإخلاف، والخيانة. فالتمستها في كتاب الله زمانا لا أجدها، ثم وجدتها في آيتين من كتاب الله: قوله: ]ومنهم من عاهد الله[ [التوبة:75]، وقوله تعالى: ]إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض[ [الأحزاب:72].([390])

قلت: والقاص المنافق وقع في هذه الصفات السيئة من الكذب، والإخلاف، والخيانة، والغش، وغير ذلك، والعياذ بالله.

وعن عبد الله بن مسعود t، قال: قال رسول الله r: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب كذابا).([391])

وعن عبد الله بن مسعود t قال: (إياكم والكذب فإنه يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا، ويثبت الفجور في قلبه فلا يكون للبر موضع إبرة يستقر فيها).([392])

وعن سمرة بن جندب t قال: قال النبي r: (رأيت الليلة رجلين أتياني قالا الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يكذب بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة).([393])

وعن الإمام عبد الله بن داود الهمداني / قال: (من أمكن الناس من كل ما يريدون أضروا بدينه ودنياه).([394])

وعن الإمام مالك بن دينار / قال: (ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلبه).([395])

وعن الإمام عبد الله بن محمد المرتعش / قال: (سكون القلب إلى غير الولي تعجيل عقوبة من الله تعالى في الدنيا).([396])

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (من يخادع الله يخدعه).([397])

قال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج4 ص494): (ينبغي للعالم أن يتكلم بـنيـة وحـسن قصد، فإن أعجبه كلامـه، فليـصمت، فإن أعجـبه الصمت، فلـينطق، ولا

يفتر عن محاسبة نفسه، فإنها تحب الظهور والثناء). اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج15 ص464): (واليوم يكثرون الكلام مع نقص العلم وسوء القصد، ثم إن الله يفضحهم، ويلوح جهلهم وهواهم واضطرابهم فيما علموه، فنسأل الله التوفيق والإخلاص). اهـ

وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «شرح بلوغ المرام» (ج5 ص30): (القلب إذا انشغل بالباطل لم يبق للحق فيه محل؛ كما أنه إذا انشغل بالحق لم يبق فيه للباطل محل). اهـ

قلت: فما أحوج اللسان إلى أن يمسك عن كثير من الكلام، وما أحوج النفس إلى أن تحبس عن كثير من الخلطة، والله المستعان.

وبوب ابن البناء في «الرسالة المغنية في السكوت ولزوم البيوت» (ص49): الاشتغال بما يغني، وترك الخوض فيما لا يعني.

فعن الإمام الحسن البصري / قال: (من علامة إعراض الله عن عبده، أن يجعل شغله فيما لا يعنيه).([398])

وعن الإمام إبراهيم الـنخـعي / قال: (هـلاك الـناس في خـصلتـيـن: فـضول

مال، وفضول مقال أو الكلام).([399])

قلت: لا ريب أن ابتعاد المرء عن مواطن الفتن من كمال الديانة... لكن أهل النفاق، والمجاملة، والمداهنة أبوا إلا الدخول في الفتن مع الحكام والمحكومين، وهم بذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعا والعياذ بالله.

والله تعالى بين خسران أمثال هؤلاء، وإن عملوا بزعمهم من أجل الدين، والدعوة إلى الله، ونصر المظلوم، ومساعدة المسلمين.

فقال تعالى: ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا «103» الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف:103-104].

وهذا فيه الترهيب الشديد في حق ذي الوجهين، الذي يأتي الأمراء بوجه، ويخرج منهم بوجه آخر.

فهؤلاء جمعوا سوأتين:

الأولى: الدخول على الحكام على وجه يسخطه الله ويمقته.

الثانية: النفاق حيث أظهروا ما ليس في قلوبهم أمام الحكام، فلما غابوا عنهم أظهروا ما في قلوبهم من غش، وسب، وطعن، وغيبة، وحقد، وبغض لهم... فكأنهم

 نادوا على أنفسهم، نحن منافقون، نحن نأتي الحكام بوجه، ونخرج منهم بوجه آخر، فذموا أنفسهم من حيث لا يشعرون.([400])

وإليك الدليل:

قال تعالى: ]وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون[ [الأنعام:129].

وعن محمد بن زيد قال: (قال أناس لابن عمر: إنا ندخل على سلطاننا، فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم؟! قال: كنا نعدها نفاقا).([401])

وبوب عليه الإمام البخاري / في «صحيحه» (ج13 ص170): باب ما يكره من ثناء السلطان، وإذا خرج قال غير ذلك.

ورواه أبو الشعثاء بلفظ: (دخل نفر على عبـد الله بن عمر من أهل العراق، فوقعوا في يزيد بن مـعاوية فـتناولـوه، فـقـال لـهم عـبد الله: هـذا قولـكم لـهـم عـنـدي، أتقولون هذا في وجوههم؟ قالوا: لا، بل نمدحهم، ونثني عليهم([402])، فقال ابن عمر: هذا النفاق عندنا).([403])

وفي لفظ: (كنا نعد ذلك على عهد رسول الله r النفاق).

قلت: وهذا فيه الترهيب الشديد في حق ذي الوجهين، الذي يأتي الأمراء بوجه، ويخرج منهم بوجه آخر، وهذا مذهب الخوارج القعدة الذين تشبهوا بالشيوخ وليسوا منهم.

عن أبي هريرة t، أنه سمع رسول الله r يقول: (من شر الناس ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه).([404])

وهذا الحديـث فيه الترهيب الشـديد عـلى سبيل العـموم في حق ذي الـوجهين،

منه الذي يأتي الأمراء بوجه يسخطه الله، ويمقته كـ(النفاق والمداهنة) وغير ذلك، ويخرج منهم بوجه آخر أمام أشياعه من غيبة، وخيانة، وسب، وطعن، وغير ذلك.

فهؤلاء جمعوا سوأتين:

الأولى: الدخول على الأمراء على وجه يسخطه الشرع، ويمقته العرف..

الثانية: النفاق حيث أظهروا ما ليس في قلوبهم أمام الأمراء، فلما غابوا عنهم أظهروا ما في قلوبهم من بغض وغيره، فكأنهم نادوا على أنفسهم بالنفاق، والعياذ بالله.

قلت: وهذا الحديث فيه حث على مجانبة ذي الوجهين، وتبيين شره؛ لأنه ظالم لنفسه، ولغيره، والله المستعان.

قال الحافظ القرطبي /: (إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل، وبالكذب مدخل للفساد بين الناس).([405]) اهـ

قلت: والويل لهذا الصنف من الناس يوم القيامة.

قال عبد الله بن مسعود t: (إن أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل).([406])

وقال يوسف بن أسباط: قال لي سفيان الثوري: (إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص، فإذا رأيته يلوذ بالأغنياء فاعلم أنه مرائي، وإياك أن تخدع فيقال لك: ترد مظلمة، أو تدفع عن مظلوم، فإن ذلك خدعة إبليس اتخذها فجار القراء سلما).([407])

وقال الأمام سليمان الخواص: (لو دخلت على بعض هؤلاء، يعني الولاة، لم أحب أن أطأ بساطه، كراهية أن يلين قلبي بوطء بساطه).([408])

قلت: فهذا مثال يشرح ما كان عليه أهل العلم الصالحون من نية صالحة حال الدخول على الأمراء.

وأما دخول أهل التحزب القصاص؛ فيدخلون على الأمراء بنية فاسدة من تصديقهم على كذبهم، أو إعانتهم على ظلمهم، أو إفتائهم بالباطل، أو غشهم ليصيبوا من دنياهم شيئا.

وعن عبد الرحمن بن نوفل قال: قيل لعلقمة: لو دخلت عليهم يعني الأمراء - فيعرفون لك شـرفك وتشفع؟ قال: (إنـي أخاف أن ينتقـصوا منـي أكـثر ممـا أنـتقص منهم).([409])

قلت: ولا يختلف العلماء على ذم من دخل على السلاطين وهو غاش لهم، مزين لهم الباطل، معين للظالم منهم على ظلمه، غير ناصح لهم، غير آمر بمعروف،، أو ناه عن منكر.

وكذلك تنبه للداخل على وجوب الاحتياط لدينه ولنفسه، فيعالج نيته، وينظر في الصالح: أدخوله أم بعده إذ الفتنة منه قريبة.([410])

قلت: وما ضل قوم إلا أوتوا الجدل، والباطل، والخصام، نعوذ بالله من الخذلان.

قال الحافظ ابن الجوزي / في «صيد الخاطر» (ص514): (فهؤلاء لم يفهموا معنى العلم، وليس العلم صورا لألفاظ؛ إنما المقصود فهم المراد منه، وذلك يورث الخشية، والخوف، ويرى المنة للمنعم بالعلم، وقوة الحجة على المتعلم نعوذ بالله من سبيل رعاع يتسمون بالعلماء، لا ينهاهم ما يحملون، ويعلمون ولا يعملون، ويتكبرون على الناس بما لا يعلمون، غلبتهم طباعهم، وما راضتهم علومهم التي يدرسون). اهـ

وفي ذلك يقول محمد بن أبي عائشة /: (لا تكن ذا وجهين، وذا لسانين، تظهر للناس أنك تحب الله ويحمدونك، وقلبك فاجر).([411])

وقال الإمام السري بن مغلس /: (احذر أن لا يكون لك ثناء منشور، وعيب مستور).([412]) قلت: فلا تكن للحاكم وليا في الظاهر، وعدوه في الباطن، لأن الله مخرج ذلك ولا بد.

قال تعالى:]والله مخرج ما كنتم تكتمون[ [البقرة:72].

وقال تعالى:]ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام[ [البقرة:204].

وهؤلاء لا يبالي الله بهم لما يحملون من باطل. عن مرداس الأسلمي t قال: قال رسول الله r: «يذهب الصالحون الأول فالأول، ويبقـى حفالــة يعني: حثالة   كحفالة الشعير أو التمر، لا يباليهم الله باله».([413])

قلت: فهذا الحديث بين ذهاب الصالحين، والأخيار منهم أولا فأول، حتى لا يبقى إلا الأراذل كـ(الحزبيين القصاص) ويقل العلم - كما في هذا الزمان ويظهر الجهل، وهذه أعظم نكبة يصاب بها الناس، ألا وهي انقراض العلماء أو قلتهم، وقبض العلم، ويظهر الجهل على أنه علم في الناس، ويصل بهم الحال إلى حد أنه يتخذون الجهال([414]) في العلم الشرعي رؤساء لهم يفسدون عليهم دينهم، ودنياهم بسبب جهلهم، نعوذ بالله من الخذلان.

قال الحافظ البغوي /: (قوله r: (لا يباليهم الله باله): أي لا يرفع لهم قدرا، ولا يقيم لهم وزنا).([415]) اهـ

قلت: وهؤلاء قراء ليس عندهم علم يميزون به بين الحق والباطل.

وإليك الدليل:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (أكثر منافقي أمتي قراؤها).([416])

فذكر النبي r: في هذا الحديث أن أناسا من أمته من أهل النفاق العملي، ينافقون من أجل مصالحهم الدنيوية باسم الدين، وباسم قراءة القرآن، والعياذ بالله.

قال العلامة المناوي / وهو يشرح الحديث: (أي: الذين يتأولونه على غير وجهه، ويضعونه في غير مواضعه، أو يحفظون القرآن تقية للتهمة عن أنفسهم، وهم معتقدون خلافه).([417]) اهـ

قلت: وقد قسم علماء السلف النفاق إلى قسمين:

   1. نفاق قلب.

   2. نفاق عمل.

   فنفاق القلب: هو نفاق التكذيب الذي يتصل بالمعتقد. وأما نفاق العمل: فهو معصية كسائر المعاصي، وخلق مشين يتصف به المنافقون.

   وهذا هو النفاق الذي كان يخافه السلف على نفوسهم، فإن صاحبه قد يكون فيه شعبة نفاق.([418])

   قال الإمام الحسن البصري /: (النفاق نفاقان: نفاق بالتكذيب، ونفاق بالعمل).([419])

   قال الحافظ البغوي / في «شرح السنة» (ج1 ص6): (والنفاق ضربان: أحدهما: أن يظهر صاحبه الإيمان، وهو مسر للكفر؛ كالمنافقين على عهد رسول الله r، والثاني: ترك المحافظة على حدود أمور الدين سرا، ومراعاتها علنا، فهذا يسمى منافقا، ولكنه نفاق دون نفاق).([420]) اهـ

وقال الحافظ الكلاباذي / في «معاني الأخبار» (ص55): (هذا نفاق العمل([421]) لا نفاق الاعتقاد([422])، وذلك أن المنافق هو الذي أظهر شيئا وأضمر خلافه... والقارئ أظهر أنه يريد الله بعمله ووجهه لا غير، وأضمر حظ نفسه وهو الثواب، ويرى نفسه أهلا لذلك، وينظر لعمله بعين الإجلال، فلأن كان باطنه خلاف ظاهره صار منافقا، إذ المنافق بإيمانه قصد حظ نفسه، والقارئ بعمله قصد حظ نفسه فاستويا في القصد، ومخالفة الباطن والظاهر، فاستويا في الإثم لاستوائهما في القصد والصفة). اهـ

وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (إن وجود المثقفين والخطباء المتحمسين لا يعوض الأمة عن علمائها... وهؤلاء قراء وليسوا فقهاء، فإطلاق لفظ العلماء على هؤلاء إطلاق في غير محله، والعبرة بالحقائق لا بالألقاب، فكثير من يجيد الكلام، ويستميل العوام، وهو غير فقيه).([423]) اهـ

وقال الإمام السري بن المغلس /: (إنما أذهب أكثر أعمال القراء العجب، وخفي الرياء).([424])

وقال الإمام سفيان بن عيينة /: (إن أقبح الرغبة أن تطلب الدنيا بعمل الآخرة).([425])

أي: الذي يطلب الدنيا بعمل الآخرة.

وقال الجنيد بن محمد: سمعت السري بن المغلس يذم من يأكل بدينه ويقول: (من النذالة أن يأكل العبد بدينه).([426])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج4 ص527): وعن هؤلاء (... ومن أعظم ما حركه عليه طلب غرضه: إما ولاية، وإما مال، كما قال تعالى: ]فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون [[التوبة:58]، وفي الصحيح عن النبي r أنه قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم:... ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، إن أعطاه منها رضي، وإن منعه سخط). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص450): (فعلينا أن نؤمن بكل ما جاء من عند الله، ونقر بالحق كله، ولا يكون لنا هوى، ولا نتكلم بغير علم؛ بل نسلك سبل العلم والعدل، وذلك هو اتباع الكتاب والسنة؛ فأما من تمسك ببعض الحق دون بعض فهذا منشأ الفرقة والاختلاف). اهـ

قلت: وهؤلاء أظهروا النفاق أمام الناس، وأسروه أمام الحكام والمحكومين؛ فهم شر ممن قبلهم.

وإليك الدليل:

فعن حذيفة بن اليمان t قال: (المنافقون اليوم أشر منهم على عهد رسول الله r، كانوا إذ ذاك يكتمونه، وهم اليوم لا يكتمونه).([427])

وقال أبو داود: (وهم اليوم يظهرونه).

وعن حذيفة بن اليمان t قال: (المنافقون الذين فيكم اليوم، شر من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله r قال: قلت: يا أبا عبد الله، وكيف ذاك؟ قال: إن أولئك كانوا يسرون نفاقهم، وإن هؤلاء أعلنوه).([428])

وعن حذيفة بن اليمان t: وقيل له: (المنافقون اليوم أكثر أم على عهد رسول الله r؟ قال: بل هم اليوم أكثر، لأنه كان يومئذ يستتر به، واليوم يستعلن به).([429])

قلت: وهؤلاء حاولوا أن يبرروا مواقفهم هذه بأقنعة ماكرة، والغيرة على الدين، والحرص على الغاية الإصلاحية، ودعاوى ما أنزل الله بها من سلطان.

قال الحافظ ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج10 ص57): (وقوله: إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبى r، لأنهم كانوا يسرون قولهم فلا يتعدى شرهم إلى غيرهم، وأما اليوم فإنهم يجهرون بالنفاق، ويعلنون بالخروج على الجماعة، ويورثون بينهم، ويحزبونهم أحزابا، فهم اليوم شر منهم حين لا يضرون بما يسرونه). اهـ

قلت: ولقد ابتلى المسلمون منذ بكورة الدعوة بهؤلاء المنافقين حتى كشف الله تعالى عنهم في آيات كثيرة من كتابه الكريم، وفضح مواقفهم، ونبه على خطرهم، وهتك سترهم.

قال تعالى: ]وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة[ [المنافقون:4].

قال الإمام ابن رجب / في «تفسير القرآن» (ج2 ص473): (فوصفهم بحسن الأجسام وتمامها، وحسن المقام والفصاحة حتى وإعجاب به، ومع هذا فبواطنهم خراب، ومعائنهم فارغة.

فلهذا مثلهم بالخشب المسندة التي لا روح لها، ولا إحساس، وقلوبهم مع هذا ضعيفة في غاية الضعف). اهـ

وقال تعالى: ]يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم[ [المنافقون:4].

قال الإمام ابن رجب / في «تفسير القرآن» (ج2 ص473): (وهكذا كل مريب يظهر خلاف ما يضمر يخاف من أدنى شيء، ويتحسر عليه). اهـ

قلت: فالمنافق قلبه ضعيف تتلاعب به الأهواء المضلة فتقلبه يمنة ويسرة.

وقال تعالى: ]المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون[ [التوبة:67].

وقال تعالى: ]وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا[ [النساء:61].

وقال تعالى: ]أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا[ [النساء:63].

وقال تعالى: ]اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون[ [المنافقون:2].

وقال تعالى: ]ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون[ [التوبة:56].

وقال تعالى: ]ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا «81» أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء:81 و82].

وقال تعالى: ]إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا[ [النساء:142].

وقال تعالى: ]ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب[ [التوبة:78].

وقال تعالى: ]ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين «8» يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون «9» في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون[ [البقرة: 8-10].

وقال تعالى: ]وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون «11» ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون[ [البقرة:11 و12].

وقال تعالى: ]وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون «13» وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون «14» الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون «15» أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين[ [البقرة:13-16].

قال الإمام ابن القيم / في «صفات المنافقين» (ص4 و31): (وقد هتك الله سبحانه أستار المنافقين، وكشف أسرارهم في القرآن، وجلى لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر... لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله.

* فإن بلية الإسلام بهم شديدة جدا، لأنهم منسوبون إليه، وإلى نصرته وموالاته، وهم أعداؤه في الحقيقة يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم، وإصلاح، وهو غاية الجهل، والإفساد...

* فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية، ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية، ويزعمون أنهم بذلك مصلحون ]ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون[ [البقرة:12]...

* لبسوا ثياب أهل الإيمان على قلوب أهل الزيغ والخسران... فألسنتهم ألسنة المسالمين، وقلوبهم قلوب المحاربين... رأس مالهم الخديعة والمكر، وبضاعتهم الكذب والختر([430])...

* قد نهكت أمراض الشبهات، والشهوات قلوبهم فأهلكتها، وغلبت القصود السيئة على إرادتهم ونياتهم فأفسدتها...

* المتمسك عندهم بالكتاب، والسنة صاحب ظواهر، مبخوس حظه من المعقول... وأهل الاتباع عندهم سفهاء...

* قد أعرضوا عن الكتاب، والسنة استهزاء بأهلهما واستحقارا، وأبوا أن ينقادوا لحكم الوحيين فرحا بما عندهم من العلم الذي لا ينفع الاستكثار منه إلا أثرا واستكبارا...

* أسماع قلوبهم قد أثقلها الوقر، فهي لا تسمع منادي الإيمان، وعيون بصائرهم عليها غشاوة العمى، فهي لا تبصر حقائق القرآن، وألسنتهم بها خرس عن الحق، فهم به لا ينطقون ]صم بكم عمي فهم لا يرجعون[ [البقرة:18].

* يعجب السامع قول أحدهم لحلاوته ولينه، ويشهد الله على ما في قلبه من كذبه، وميله فتراه عند الحق نائما، وفي الباطل على الأقدام...

* أوامرهم التي يأمرون بها أتباعهم متضمنة لفساد البلاد والعباد، ونواهيهم عما فيه صلاحهم في المعاش والمعاد... وأحدهم تلقاه بين أهل الإيمان في الصلاة والذكر والزهد والاجتهاد ]وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد[ [البقرة: 205].

* فهم جنس بعضه يشبه بعضا، يأمرون بالمنكر بعد أن يفعلوه، وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه...

* إن حاكمتهم إلى صريح الوحي وجدتهم عنه نافرين، وإن دعوتهم إلى حكم الله وسنة رسوله r رأيتهم عنه معرضين... تبا لهم ما أبعدهم عن حقيقة الإيمان! وما أكذب دعواهم للتحقيق والعرفان! فالقوم في شأن، وأتباع الرسول في شأن... يحلفون ليحسب السامع أنهم صادقون قد ]اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون[ [المنافقون:2].

* فما أكثرهم وهم الأقلون، وما أجبرهم! وهم الأذلون، وما أجهلهم وهم المتعالمون...

* فهذه والله - أمارات النفاق، فاحذرها أيها الرجل قبل أن تنزل بك القاضية.

إذا عاهدوا لم يفوا، وإن وعدوا أخلفوا، وإن قالوا لم ينصفوا، وإن دعوا إلى الطاعة وقفوا، وإذا قيل لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدفوا، وإذا دعتهم أهواؤهم إلى أغراضهم أسرعوا إليها وانصرفوا، فذرهم وما اختاروا لأنفسهم من الهوان والخزي والخسران؛ فلا تثق بعهودهم، ولا تطمئن إلى وعودهم، فإنهم فيها كاذبون...). اهـ

وإليك الدليل:

فعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (ثلاث من كن فيه فهو منافق، وإن صام، وصلى، وزعم أنه مسلم، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).([431])

قلت: والحديث يدل على أن هذا الإنسان فيه شديد الشبه بالمنافقين - وإن صلى وصام - بسبب هذه الخصال النفاقية، والعياذ بالله.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: «أربع خلال من كن فيه كان منافقا خالصا: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق».([432])

قال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج1 ص324): (قوله r: «كان منافقا خالصا»، معناه: شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال، قال بعض الـعلـماء: وهـذا فيمن كانـت هذه الخصال غـالبة، عليـه فأمـا من يندر ذلـك منه فليس

داخلا فيه، فهذا هو المختار في معنى الحديث). اهـ

 قلت: وهذا فيه الترهيب الشديد في حق هؤلاء المنافقين وإن كانوا من المسلمين الذين يأتون الأمراء بوجه، ويخرجون منهم بوجه آخر اللهم سلم سلم.

* فكثير من هؤلاء استخفوا بالاحتراز من النفاق، واستهانوا بأن عرفوا بأخلاق المنافقين، واستحسنوها، واستجازوا المداهنة وتألفوها، والمراوغة، والمخادعة، واعتقدوها، اللهم غفرا.([433])

* ولذلك إذا رأيت هؤلاء المنافقين وقد خاصموا الحكام، أو غيرهم فجروا وأعلنوا الحرب عليهم، وحرضوا الناس عليهم فوق المنابر، وغيرها في البلاد فوقعت الفتنة بين الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

* ولذلك كان السلف يخافون النفاق على أنفسهم، بل يجعلون المخالفات الصغيرة من الموبقات في عهدهم بخلاف هؤلاء في هذا الزمان.

وإليك الدليل:

 

عن ابن أبي مليكة قال: «أدركت ثلاثين من أصحاب محمد r قد شهدوا بدرا كلهم يخاف النفاق على نفسه».([434])

وعن أنس t قال: «إنكم لتعملون أعـمالا هي أدق فـي أعـينكـم من الشعر، كنا

نعدها على عهد رسول الله r من الموبقات».([435])

قال الإمام ابن الوزير / في «الأمر بالعزلة في آخر الزمان» (ص107): (فمن كان ضعيف الرياضة لنفسه لم يتيقظ لخفيات مداخل الشيطان والنفس في ذلك، فربما حبط عمله، وهو لا يشعر.

* وقد خوف الله المؤمنين أن تحبط أعمالهم، وهم لا يشعرون في أيسر من ذلك وأظهر... فكيف لا يخاف على نفسه الفتنة من عرف منها الوقوع في المهلكات عند الخلطة، أو خاف ذلك وجربه غير مرة؟!.

* ومن ذلك أنه يخاف على مخالط السلطان أن يخافه أكثر من خوف الله، أو يرجوه أكثر من رجاء الله، أو يذكره أكثر من ذكر الله تعالى، أو يشكره أو يحبه كذلك، أو نحو ذلك، ولو في بعض الأوقات، والغفلات، فيلحقه بذلك عقاب الله وسخطه، وسلب توفيقه...). اهـ

وقال الإمام ابن الوزير / في «الأمر بالعزلة في آخر الزمان» (ص110): (والخلاص من الذنوب بصلاح القلوب والإخلاص، وإنما الفرار وسيلة إلى ذلك، وعون عليه، وفطام للنفس الخبيثة من العادات المستحكمة المستقرة...). اهـ

وقال الإمام ابن الوزير / في «الأمر بالعزلة في آخر الزمان» (ص115): (وليحذر العاقل من ثقته بعقله وحلمه، فإن عصمة آدم مع قربه من الله تعالى، وتقدم تحذير الله له من الشيطان ما حالت بينه، وبين كيد الشيطان، ولذلك شرعت الاستعاذة بالله منه، وفي ذلك إشارة إلى أنه لا نجاة للعبد إلا بالاستعاذة بالله، ولذلك قال الله تعالى: ]إياك نعبد وإياك نستعين[ [الفاتحة:5]. اهـ

وعن أبي هريرة t عن النبي r قال: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه». وفي رواية: «إن أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة... منهم العالم الذي تعلم العلم ليقال: عالم، وقرأ القرآن ليقال: قارئ، وأنه يقال له: قد قيل ذلك، وأمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار».([436])

قلت: فعاقبه على فعله ذلك؛ لأنه لغير الله وأدخله النار مع أنه عالم، وهذا فيه دليل على تغليظ تحريم الرياء، وشدة عقوبته، وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال.([437])

قلت: ومن هنا يجب علينا أن نفرق بين المداراة والمداهنة: فالمداراة: هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تآلفه، ونحو ذلك.

والمداهنة: من الدهان، وهو الذي يظهر على الشيء، ويستر باطنه.

وفسرها العلماء: بأنها معاشرة الفاسق، وإظهار الرضى بما هو فيه من غير إنكار عليه.

قال الحافظ ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج10 ص528): (المداراة من أخلاق المؤمنين، وهى خفض الجناح للناس، ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم فى القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة، وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط.

لأن المداراة مندوب إليها، والمداهنة محرمة، والفرق بين المداهنة: من الدهان، وهو الذي يظهر على الشيء، ويستر باطنه، وفسرها العلماء: بأنها معاشرة الفاسق، وإظهار الرضى بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة: هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تآلفه، ونحو ذلك).اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج10 ص528): (باب المداراة مع الناس، هو بغير همز، وأصله الهمز، لأنه من المدافعة، والمراد به الدفع برفق).([438]) اهـ

وقال الشيخ بكر أبو زيد / في «حلية طالب العلم» (ص54): (المداراة لا المداهنة: المداهنة خلق منحط، أما المداراة فلا، لكن لا تخلط بينهما، فتحملك المداهنة إلى حضار النفاق مجاهرة، والمداهنة هي التي تمس دينك). اهـ

فالمداراة: لين وسهولة في المعاملة.

والمداهنة: كذلك من حيث اللغة على الصحيح.

لكن افترقا في الباعث على السهولة، واللين في المعاملة.

فمن كان الباعث له عليها: توخي المصلحة، ومراعاة أحوال من يعاملهم، فذاك مداراة.

ومن كان الباعث له على السهولة واللين: تقديم الدنيا على الدين، والمحافظة على حظ نفسه وشهواتها، فذاك مداهنة.

قال الحكيم الترمذي / في «الفروق ومنع الترادف» (ص68): (فالمداراة: فعل قد ندب الله العباد إليه، ورضي بها، والمداهنة: منهي عنها، مذمومة في الشريعة.

فكلاهما مستعمل فيه الرفق والتلطف، وإنما افترقا للباطن...

فالفرق بين المداراة والمداهنة:

أن المداراة: أن تسكت عليه عند رؤية المنكر إبقاء على دينك ودينه([439]) حتى لا يزداد ؛ أي: المنكر فهذا من أجل الله عز وجل.

والمداهنة: أن تسكت عند رؤية المنكر إبقاء على دنياك، وجاهك وقدرك وأحوال نفسك...). اهـ

وقال الحافظ الآجري / في «الغرباء» (ص79): (المداراة التي يثاب عليها العاقل ، ويكون محمودا بها عند الله عز وجل، وعند من عقل عن الله عز وجل. 

وهو الذي يداري جميع الناس الذين لا بد له منهم ومن معاشرتهم، لا يبالي ما نقص من دنياه، وما انتهك به من عرضه بعد أن سلم له دينه، فهذا رجل كريم غريب في زمانه.

والمداهن: فهو الذي لا يبالي ما نقص من دينه إذا سلمت له دنياه، قد هان عليه ذهاب دينه، وانتهاك عرضه بعد أن تسلم له دنياه، فهذا فعل مغرور.

فإذا عارضه العاقل فقال: هذا لا يجوز لك فعله.

قال: نداري، فيكسبوا المداهنة المحرمة اسم المداراة، وهذا غلط كبير من قائله، فاعلم ذلك). اهـ

قلت: فيتضمن اللين، والرفق مع الحكام... لين الجانب... وحسن الخلق... وتأليف القلوب... وعدم الإسراع بالغضب والتعنيف إذا بدر منهم خطأ... ولطافة القول والفعل... كل ذلك من المداراة الشرعية.([440])

وقال شيخنا العلامة مـحـمد بن صالح العثيمـين / في «شرح حـلية طـالـب

العلم» (ص199): «لا بد أن تعرف ما الفرق بين المداهنة والمداراة:

المداهنة: أن يرضى الإنسان بما عليه قبيله، كأن يقول: لكم دينكم ولي دين، ويتركهم.

وأما المداراة: فهو أن يعزم في قلبه على الإنكار عليه، لكنه يداريه فيتألفه تارة، ويؤجل الكلام تارة أخرى، وهكذا حتى تتحقق المصلحة.

فالفرق بين المداراة والمداهنة، أن المداراة يراد بها الإصلاح لكن على وجه الحكمة، والتدرج في الأمور.

وأما المداهنة، فإنها الموافقة، ولهذا جاءت بلفظ الدهن، لأن الدهن يسهل الأمور). اهـ

وقال أبو إسحاق الزجاج /: (المدهن والمداهن: الكذاب المنافق).([441])اهـ

قلت: فلا بد من معرفة الأصول في الدين لتحقيق المصلحة الدنيوية والدينية معا.

قال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1140): (واعلم يا أخي أن السنن والقرآن، هما أصل الرأي والعيار عليه، وليس الرأي بالعيار على السنة، بل السنة عيار عليه، ومن جهل الأصل لم يصب الفرع أبدا).اهـ

قلت: والمقصود أن على أمثال هؤلاء الدعاة الجهال أن لا يركبوا رؤوسهم، فيدعوا ويجتهدوا بجهل، ونشاط مجرد من العلم فيأثموا.

قلت: وبسبب ذلك ضلوا، وغضب الله عليهم، وحجبوا عن الفهم الحسن في الدين، وكل ضال مغضوب عليه، وهو محجوب عن فهم القرآن، والسنة في الإسلام، والله المستعان.

قال الإمام ابن القيم / في «بدائع الفوائد» (ج2 ص435): (فإن كل مغضوب عليه ضال!، وكل ضال مغضوب عليه!). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «بدائع الفوائد» (ج1 ص168): (كل صاحب بدعة تجده محجوبا عن فهم القرآن).اهـ

قلت: وهذا يتفرع على من يؤول إلى إسقاط الأحكام الشرعية الصحيحة، ويحرفها من أجل أن ينصر نفسه، فهو أولى بالسقوط، بل هو أولى أن يسقط في نفسه، اللهم غفرا.

وننصح القاص أن يعمل بقول القائل:

إذا لـــــــــــم تـــســـتــطــع شــيــئــا فــدعــه

 

 

وجــاوزه إلـــــــى مـــــــــا تــــســـتـطــيــــــع

قلت: وهذا يجب أن يفهم، وأن تكون العناية بمنهج السلف، وفهمه جملة وتفصيلا، والله المستعان.

وإلا: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس:32].

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «البيان» (ص112): (إذا كانت مخالفته ليس لها مأخذ من الكتاب والسنة؛ فإنه يضلل؛ لأن الله تعالى يقول ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس:32]، وما دل عليه كتاب الله حق وما خالفه؛ فهو ضلال يضلل من قال به‏). اهـ

قلت: واعلم رحمك الله إن الله تعالى يغضب على الضال، ولابد، اللهم سلم سلم.

قال الإمام ابن القيم / في «بدائع الفوائد» «ج2 ص435): (فإن كل مغضوب عليه ضال، وكل ضال([442]) مغضوب عليه!). اهـ

قلت: فالتمذهب بمذهب السلف هدى، وليس بضلالة، وإنما الضلالة التمذهب بغير مذهبهم.

قال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولـئك كان عنه مسؤولا[ [الإسراء:36].

وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين[ [الحجرات:6].

وقال تعالى: ]ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا[ [المائدة:41].

وقال تعالى:]إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون[ [هود:34].

وعن الإمام الفضيل بن عياض / قال: «تسأله الجنة وتأتي ما يكره، ما رأيت أحدا أقل نظرا منك لنفسك». يريد الذم به.

أثر صحيح

أخرجه الخطيب البغدادي في «الزهد والرقائق» (ص122) من طريق محمد بن  موسى الصيرفي حدثنا محمد بن عبدالله الأصبهاني حدثنا عبدالله بن محمد القرشي حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي قال: سمعت الفضيل بن عياض به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: والقاص هذا أهلكه العجب الذي أهلك من قبله.

ومنه فيما قيل في أحمد بن كامل بن خلف البغدادي الذي عجب بعلمه، فأهلكه العجب، والعياذ بالله.

قال الدارقطني / عنه: (كان متساهلا، ربما حدث من حفظه بما ليس في كتابه، وأهلكه العجب، كان يختار لنفسه، ولا يقلد أحدا). ([443])اهـ

وقال الدارقطني / عنه: (كان لا يعد لأحد من الفقهاء وزنا).([444]) اهـ

وقال الذهبي / عنه: (كان من بحور العلم؛ فأخمله العجب!).([445]) اهـ

قلت: والهلاك في العجب ظاهر، لأن المعجب يظن أنه قد ظفر بمراده، وأنه الأكمل، وغيره ناقص، فلا يسعى إلى العلم النافع، والعمل الصالح، ولا يستشير من هو أعلم منه، كذلك هو معجب بعلمه، ونفسه، وهذا هو الكبر([446])، اللهم لا تهلكنا بما فعل السفاء منا!.([447])

قال الإمام ابن قدامة /: (واعلم أن العجب يدعو إلى الكبر، لأنه أحد أسبابه، فيتولد من العجب الكبر، ومن الكبر الآفات الكثيرة، وهذا مع الخلق‏.‏.. ‏والعجب إنما يكون بوصف كمال من علم، أو عمل، فإن انضاف إلى ذلك أن يرى حقا له عند الله إدلالا، فالعجب يحصل باستعظام ما عجب به... ‏ومن ذلك العجب بالرأي الخطأ، كما قال الله تعالى‏: ]أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا[ [فاطر:8]، وعلاج هذا أشد من علاج غيره، فإن هذا متى كان معجبا برأيه لم يصغ إلى نصح ناصح، وكيف يترك ما يعتقده نجاة‏؟‏‏!‏، وإنما علاجه في الجملة أن يكون متهما لرأيه أبدا، لا يغتر به، إلا أن يشهد له قاطع من كتاب، أو سنة، أو دليل عقلي جامع لشروط الأدلة، ولن يعرف ذلك إلا بمجالسة أهل العلم([448])، وممارسة الكتاب والسنة‏).‏([449])اهـ

قلت: فالعجب من الآفات الخطيرة التي تصيب كثيرا من الناس الجهلة، فتصرفهم عن الحق، وعن الثناء على الخلق بما يستحقون إلى الثناء على أنفسهم بما لا يستحقون، وعن التواضع للخلق، والانكسار بين أيديهم إلى التكبر([450])، والغرور، والإدلال بالأعمال، وعن احترام الناس، ومعرفة منازلهم إلى احتقارهم، وجحد حقوقهم.([451])

قلت: إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف إيمانه، وعقله، ودينه، نعوذ بالله من الخذلان.

قال الحافظ النووي / في «شرح الأربعين النووية» (ص11): (اعلم أن الإخلاص قد يعرض له آفة العجب، فمن أعجب بعمله حبط عمله، وكذلك من استكبر حبط عمله). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص277): (ولهذا يبتلى الواحد من هؤلاء بالضعف، والجزع تارة، وبالإعجاب أخرى، فإن لم يحصل مراده من الخير كان لضعفه، وربما حصل له جزع، فإن حصل مراده نظر إلى نفسه، وقوته فحصل له إعجاب، وقد يعجب بحاله فيظن حصول مراده فيخذل. قال تعالى: ]لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين (25) ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين (26) ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم[ [التوبة:25 -27]، وكثيرا ما يقرن الناس بين الرياء والعجب، فالرياء من باب الإشراك بالخلق، والعجب من باب الإشراك بالنفس، وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يحقق قوله: ]إياك نعبد[، والمعجب لا يحقق قوله: ]وإياك نستعين[، فمن حقق قوله: ]إياك نعبد[ خرج عن الرياء ومن حقق قوله: ]وإياك نستعين[، خرج عن الإعجاب، وفي الحديث المعروف: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه»). اهـ

وقال الحافظ ابن الجوزي / في «صيد الخاطر» (ص251): (فالذي يحذر منه الإعجاب بالنفس، ورؤية التقدم في أحوال الآخرة، والمؤمن لا يزال يحتقر نفسه). اهـ

وقال الحافظ بن حبان / في «روضة العقلاء» (ص91): (العاقل يلزم مجانبة التكبر، لما فيه من الخصال المذمومة:

إحداهما: أنه لا يتكبر على أحد حتى يعجب بنفسه، ويرى لها على غيرها الفضل.

والثانية: ازدراؤه بالعالم؛ لأن من لم يستحقر الناس لم يتكبر عليهم، وكفى بالمستحقر لمن أكرمه الله بالإيمان طغيانا.

والثالثة: منازعة الله تعالى في صفاته، إذ الكبرياء، والعظمة من صفات الله تعالى؛ فمن نازعه إحداهما ألقاه في النار). اهـ

وقال الحافظ بن حبان / في «روضة العقلاء» (ص93): (فلا يتكبر على الناس أحد إلا بإعجابه بنفسه، وعجب المرء بنفسه أحد حساد عقله، وما رأيت أحدا تكبر على من دونه، إلا ابتلاه الله بالذلة لمن فوقه). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح رياض الصالحين» (ج3 ص 535): «الكبر: هو الترفع، واعتقاد الإنسان نفسه أنه كبير، وأنه فوق الناس، وأن له فضلا عليهم، والإعجاب: أن يرى الإنسان عمل نفسه فيعجب به، ويستعظمه، ويستكثره.

فالإعجاب: يكون في العمل، والكبر: يكون في النفس، وكلاهما خلق مذموم الكبر، والإعجاب.

والكبر نوعان: كبر على الحق، وكبر على الخلق، وقد بينهما النبي r في قوله: «الكبر بطر الحق، وغمط الناس».([452])

فبطر الحق؛ يعني: رده، والإعراض عنه، وعدم قبوله، وغمط الناس؛ يعني: احـتقـارهم، وازدراءهم، وألا يـرى الناس شيئا، ويرى أنه فوقهم... فبـطر الحق: فهو

رده، وألا يقبل الإنسان الحق، بل يرفضه، ويرده اعتدادا بنفسه ورأيه!). اهـ

وقال الإمام ابن النحاس / في «تنبيه الغافلين» (ص163): (بطر الحق: دفعه ورده، وغمط الناس: احتقارهم، وازدراؤهم). اهـ

وقال الشيخ زكريا القزويني / في «مفيد العلوم» (ص188): (وتفسيره أن لا يقبل الحق، فينظر إلى الناس بعين الحقارة والإزدراء، ومن استولى عليه الكبر، وشره النفس، فيرضى لنفسه ما لا يرضى للمسلمين، ولا يمكنه أن يقلع عن الحسد والحقد، ولا يمكنه كظم الغيظ، فيكون أبد الدهر في عبادة نفسه، وإصلاح أمره، ولا يستغنى عن الكذب والنفاق!). اهـ

فعن عبد الله بن مسعود t عن النبي r قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر).([453])

قال الفقيه المرداوي / في «منظومة الآداب الشرعية» (ص943): (وإياك، والإعجاب، والكبر تحظ بالسعادة في الدارين فارشد وأرشد). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح منظومة الآداب الشرعية» (ص943): (احذر الإعجاب بنفسك، والكبر فإن هاتين الخصلتين يكسبانك الذلة، والهوان عند الله سبحانه وتعالى، ومن تواضع لله تعالى رفعه، وكل ما كثر العلم يكثر التواضع، وكل من قل علمه يقل تواضعه، وهذا شيء معروف.

من اتـصف بالإعجاب، والكـبر يحصل على الشقاء في الدارين؛ الدنيا والآخرة،

فلا ينال ما أراد في الدنيا، وإنما ينال الإهانة من الله سبحانه وتعالى، وكذلك في الآخرة ينال الجزاء والعقاب). اهـ

وقال الشيخ زكريا القزويني / في «مفيد العلوم» (ص188): (الكبر استعظام النفس، واستكبار حالة نفسه، وينظر إلى غيره بعين الاحتقار، وعلامته على اللسان أنا، أنا، وهو خصومة مع الله تعالى.

ثم أعلم أن التكبر على أنواع: فمن متكبر بالمال، ومتكبر بالقوة، ومتكبر بالعلم؛ فلا يخلو متكبر عن هذه الأشياء). اهـ

وقال العلامة السفاريني / في «غذاء الألباب» (ج2 ص445) عن الإعجاب: (احذره، وانفر منه، ولا تساكنه؛ فإنه إنما يصدر عن رؤية النفس، والرضا عنها، واستشعار وصف كمال!... فإن من أعجب بشيء تكبر به). اهـ

عن الإمام سفيان بن عيينة / قال: (ينبغي للعالم إذا علم أن لا يعنف وإذا تعلم أن لا يأنف).([454])

وعن الإمام الشافعي / قال: (من لم يصن نفسه لم ينفعه علمه).([455])

وعن الإمام يحيى بن خالد البرمكي / قال: (الشريف إذا تقرأ تواضع، والدنيء إذا تقرأ تكبر).([456])

وعن الإمام مالك بن دينار / قال: (إنكم في زمان أشهب([457]) لا يبصر، وما بكم إلا البصير، إنكم في زمان كثير نفاخيهم([458])، أو قال: تعاجيبهم([459])، قد انتفخت ألسنتهم في أفواههم، وطلبوا الدنيا بعمل الآخرة، فاحذروهم على أنفسكم، لا يوقعوكم في شبكاتهم، يا عالم، أنت عالم تفخر بعلمك، يا عالم أنت عالم تأكل بعلمك، يا عالم أنت عالم تستطيل بعلمك، يا عالم أنت عالم تكاثر بعلمك، لو كان هذا العلم طلبته لله لرئي ذلك فيك، وفي عملك).([460])

وعن الإمام مالك بن دينار / قال: (إذا طلب العبد العلم ليعمل به، كسره علمه، وإذا طلب العلم لغير العمل، زاده كبرا).

أثر صحيح.

أخرجه أحمد في «الزهد» (ص323)، والخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (ص171)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص145)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج4 ص435)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج2 ص378) من طرق عن جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فمن طلب العلم للعمل به، وفقه الله تعالى في هذا الدين، ومن طلب العلم لغير العمل به، لم يزده العلم إلا خسارة، اللهم سلم سلم.

وعن الإمام عبد الله بن المبارك، / قال: (لا يبتلى الرجل بنوع من العلوم ما لم يزين علمه بالأدب).([461])

قلت: والعجب هو الزهو بالنفس، واستعظام العلم، والركون إليه سواء كان في الصواب؛ أو الخطأ.

قلت: وربما طغت آفة العجب على المرء حتى وصل به الحد إلى الكفر، والخروج من ملة الإسلام؛ كما هو الحال مع إبليس اللعين، حيث أعجب بأصله وعبادته، ودفعه ذلك إلى الكبر، وعصيان أمر الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام، فكفر بذلك.

قلت: والعجب له أسباب وهي:  

(1) الجهل، والغريب أن بعض الناس يعجب بعمله، وعلمه، ومعرفته لمسائل الخلاف، وأقوال العلماء، ولو علم أن إعجابه بعلمه يدل على جهله لما كان من المعجبين بأنفسهم.

(2) قلة الورع، والتقوى.

(3) ضعف المراقبة لله تعالى.

(4) سوء النية، وخبث المطية.

(5) إطراء بعض الناس للمعجب، وكثرة ثنائهم عليه مما يعين عليه الشيطان، وهو مستدرج في ذلك بسبب انحرافه، وضلاله!.

قال أبو بكر المروذي / في «الورع» (ص152): (قلت: لأبي عبدالله: ما أكثر الداعين لك، فتغرغرت عينه، وقال: أخاف أن يكون هذا استدراجا!).اهـ

(6) الافتتان بالعلم، واتباع الهوى، والنفس الأمارة بالسوء.

(7) الأمن من مكر الله تعالى، والركون إلى عفوه، ومغفرته.

(8) قلة التفكر في العاقبة الوخيمة.

(9) حب الرآسة.([462])

قلت: وللعجب مظاهر منها:

(1) رد الحق، واحتقار أهله.

(2) تصعير الخد.

(3) عدم استشارة أهل العلم.

(4) الغمز واللمز.

(5) التفاخر بالعلم.

(6) التقليل من شأن أهل العلم.

(7) مدح النفس.

(8) نسيان الذنوب.

(9) الإصرار على الخطأ.

(10) التصدر قبل التأهل.

(11) قلة الإصغاء إلى أهل العلم في الدعوة إلى الله تعالى.

(12) العجب بكثرة الاتباع.([463])

قلت: ولذلك حذر السلف من العجب المهلك.

فعن الإمام يحيى بن معاذ / قال: «إياكم والعجب، فإن العجب مهلكة لأهله، وإن العجب ليأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب».([464])

وعن الإمام معاوية بن قرة / قال: «كانوا يرون أنه يموت مذنبا نادما أحب إليهم من أن يموت معجبا».([465])

 

قلت: والويل للقاص المعجب بنفسه بعد الموت إذا لم يتب من اعتقادهالفاسد، واعجابه بنفسه، وعلمه!. اللهم سلم سلم.

وعن الإمام الحسن البصري / قال: «لو كان كلام ابن آدم كله صدقا، وعمله كله حسنا يوشك أن يخسر قالوا: كيف يخسر؟! قال: يعجب بنفسه».([466]) وفي رواية: (يعجب بعلمه).

قلت: وهناك مضار كثيرة للكبر والعجب.

فمضار الكبر:

(1) طريق موصل إلى غضب الله، وسخطه.

(2) دليل سفول النفس، وانحطاطها.

(3) يورث البعد عن الله، والبعد عن الناس.

(4) الشعور بالعزلة، وضيق النفس، وقلقها.

(5) اشمئزاز الناس منه وتفرقهم من حوله.

(6) استحقاق العذاب في النار.

(7) هلاك النفس، وذهاب البركة من العمر.

(8) الكبر من الأسباب التي تبعد المتكبر عن طاعة الله عز وجل.

(9) جزاء المتكبر الطرد من رحمة الله.

(10) المتكبرون يصرفهم الله عز وجل عن آياته فتعمى بصائرهم ولا يرون الحق.([467])

وأما مضار العجب فكثيرة منها:

(11) العجب يؤدي إلى الكبر، وكفى به آفة.

(12) العجب يؤدي إلى نسيان الذنوب، وإرجاء التوبة.

(13) العجب يؤدي إلى التقليل من الطاعات، والتقصير فيها.

(14) أكثر سعي المعجب بنفسه المدل بها سعي ضائع، وغير مشكور.

(15) العجب يؤدي إلى الغرور، والتعالي على الناس مما يجعلهم يكرهونه.

(16) العجب بالرأي يؤدي إلى الإصرار على الخطأ، والبعد عن الإفادة من مشورة المخلصين، والعلماء الناصحين.

(17) المعجب بنفسه يلقي بها إلى الهلاك، ويحرمها من رضوان الله، ومن ثم رضا الناس.([468])

قلت: وقد ذم الله تعالى العجب، والكبر في مواضع كثيرة من كتابه، وذم كل متكبر معجب بنفسه مختال فخور: فقال تعالى: ]سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين[ [الأعراف:146]، وقال تعالى: ]واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد[ [إبراهيم:15].

وقال تعالى: ]وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب[ [غافر:27].

وقال تعالى: ]لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين[ [النحل:23].

قال العلامة الشيخ السعدي / في «تفسير القرآن» (ج3 ص54): (بل يبغضهم أشد البغض، وسيجازيهم من جنس عملهم). اهـ

وقال تعالى: ]إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير[ [غافر:56].

قال مجاهد: (معناه في صدورهم عظمة ما هم ببالغيها).([469]) اهـ

وقال تعالى: ]ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور[ [لقمان:18]؛ أي: لا تعرض عن الناس تكبرا عليهم.

قلت: ومختار فخور؛ أي: مختال معجب بنفسه فخور على غيره.([470])

وقال تعالى: ]وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين[ [البقرة:34].

قلت: وأول ذنب عصي الله به الكبر؛ فمن استكبر على الحق؛ كما فعل إبليس لم ينفعه إيمانه، اللهم سلم سلم.([471])

قال الإمام ابن رجب / في «لطائف المعارف» (ص63): (إنما أهلك إبليس العجب بنفسه، ولذلك قال تعالى: ]قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين[ [الأعراف:12].

وقال تعالى: ]الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف:104].

قلت: وهذا أيضا يرجع إلى العجب بالعمل، وقد يعجب الإنسان بعمل وهو مخطيء، كما يعجب بعمل هو مصيب فيه.([472])

وقال تعالى: ]ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون[ [البقرة:87].

وقال تعالى: ]قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين[ [الأعراف:88].

وقال تعالى: عن آل فرعون: ]وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين (132) فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين[ [الأعراف:132-133].

وقال تعالى: ]إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون (22) لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين (23) وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين[ [النحل:22-24].

وقال تعالى: ]وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا[ [الفرقان:21].

وقال تعالى: ]وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين (38) واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون (39) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين[ [القصص:38-40].

وقال تعالى: ]ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين (6) وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم[ [لقمان:6-7].

وقال تعالى: ]وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا (42) استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا[ [فاطر:42-43].

وقال تعالى: ]إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون (35) ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون (36) بل جاء بالحق وصدق المرسلين[ [الصافات:35-37].

وقال تعالى: ]ويل لكل أفاك أثيم (7) يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم[ [الجاثية:7-8].

وقال تعالى: ]لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين[ [التوبة:25].

وقال تعالى: ]كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا (33) وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا (34) ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (35) وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا[ [الكهف:33-36].

وقال تعالى: ]قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون (78) فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم[ [القصص:78-79].

وعن الإمام عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام / قال: (من تواضع تخشعا رفعه الله، ومن تكبر تعظما وضعه الله).([473])

وعن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]ولا تصعر خدك للناس[ [لقمان:18]، قال: (هو الإعراض، أن يكلمك الرجل، وأنت معرض عنه).([474])

وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص206): (أركان الكفر أربعة: الكبر، والحسد، والغضب، والشهوة). اهـ

وقال الإمام الماوردي / في «أدب الدنيا والدين» (ص231): (الكبر والإعجاب يسلبان الفضائل، ويكسبان الرذائل، وليس لمن استوليا عليه إصغاء لنصح، ولا قبول لتأديب؛ لأن الكبر يكون بالمنزلة، والعجب يكون بالفضيلة، فالمتكبر يجل نفسه عن رتبة المتعلمين، والمعجب يستكثر فضله عن استزادة المتأدبين). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج10 ص489): (الكبر الحالة

التي يختص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره، وأعظم ذلك أن يتكبر على ربه بأن يمتنع من قبول الحق، والإذعان له بالتوحيد والطاعة، والتكبر يأتي على وجهين: أحدهما: أن تكون الأفعال الحسنة زائدة على محاسن الغير، ومن ثم وصف سبحانه وتعالى بالمتكبر. والثاني: أن يكون متكلفا لذلك متشبعا بما ليس فيه، وهو وصف عامة الناس؛ نحو قوله: ]كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار[ [غافر:35] والمستكبر: مثله). اهـ

وعن إبراهيم بن الأشعث قال: سألت الفضيل بن عياض عن التواضع؟، قال: التواضع أن تخضع للحق، وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبلته منه، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته منه).([475])

وعن الإمام قتادة / قال: (من أعطي مالا، أو جمالا، وثيابا، وعلما، ثم لم يتواضع، كان عليه وبالا يوم القيامة). ([476])

وعن الإمام سفيان بن عيينة / قال: في قوله تعالى: ]سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق[ [الأعراف:146]. قال: (سأنزع عن قلوبهم فهم القرآن).([477])

قلت: والمعجب ينتظر المقت، والعياذ بالله.

وجاء في السنة حيث تبين الأمور المهلكة منها: (وإعجاب المرء بنفسه، وهي أشدهن!).([478])

وعن الإمام فضيل بن عياض / قال: «آفة القراء العجب».([479])

وعن الإمام فضيل بن عياض / قال: «إياكم والعجب فإنه يمحو العمل».([480])

وعن الإمام فضيل بن عياض / قال: «من وقى خمسا، فقد وقي شر الدنيا والآخرة: العجب، والرياء، والكبر، والإزراء، والشهوة».([481])

وقال الإمام وهب بن منبه /: «احفظوا مني ثلاثا: إياكم وهوى متبعا، وقرين سوء، وإعجاب المرء بنفسه».([482])

وعن الإمام فضيل بن عياض / قال: «قراء الرحمن أصحاب خشوع وتواضع، وقراء القضاة أصحاب عجب وتكبر».([483])

قلت: العجب يحمل صاحبه على تعظيم نفسه، حتى يفرح بما هو عليه ويستغني بما عنده، فيرى أن الحق لا يصدر إلا عنه، كأنه موكل به، وهذه صفة الكفار، قال تعالى: ]فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون[ [غافر:83].

وإذا أعجب المرء بنفسه واستغنى بما عنده؛ فقد تمت خسارته؛ لأنه لا يمكن أن يلتفت إلى قول غيره فضلا عن أن يقبله إذا كان حقا.([484])

قال النبي r: «حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك».([485])

قلت: والمعجب بنفسه حظه استشعار فضل نفسه، والنظر إلى ذلك، وهذا النظر يوجب نقصه وخروجه عن الفضل؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.([486])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص292): (ألا ترى أن الذي يعظم نفسه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله ولو كان خطأ؟!). اهـ

قلت: والنفس تأنف من الانقياد والاتباع، ومركوز فيها نوع من الكبر، ومدافعة المخالف إلا من عصم الله، لا سيما من لم يجالس من يقتدى به من الذين إذا ذكروا بآيات الله لم يخروا عليها صما وعميانا.([487])

قال الإمام الفضيل بن عياض /: «لو أن المـبتدع تواضـع لـكـتـاب الله، وسنة

نبيه لاتبع ما ابتدع، ولكنه أعجب برأيه فاقتدى بما اخترع».([488])

قلت: والعجب يقطع صاحبه عن الاستعانة بربه سبحانه وذلك لاعتداده بنفسه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى الكبرى» (ج5 ص247): (والعجب من باب الإشراك بالنفس، وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يحقق قوله: ]إياك نعبد[ [الفاتحة:5]، والمعجب لا يحقق قوله: ]وإياك نستعين[). اهـ

قلت: والعجب والكبر متداخلان، فلا يبلى بالعجب إلا متكبر.

قال الحافظ ابن حبان / في «روضة العقلاء» (ص61): (أنه لا يتكبر على أحد حتى يعجب بنفسه، ويرى لها على غيرها الفضل). اهـ

قال الحافظ ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص703): (وأما الكبر؛ فأثر من آثار العجب والبغي من قلب قد امتلأ بالجهل والظلم، ترحلت منه العبودية، ونزل عليه المقت فنظره إلى الناس شزر، ومشيه بينهم تبختر، ومعاملته لهم معاملة الاستئثار لا الإيثار، ولا الإنصاف). اهـ

قلت: والعبد مفطور على محبة نفسه والعجب بها، فإذا لم ينتصف العبد من نفسه أوقعه ذلك في الضلالات.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «قاعدة في المحبة» (ج2 ص328): (وحبك الشيء يعمي ويصم والإنسان مجبول على محبة نفسه، فهو لا يرى إلا محاسنها، ومبغض لخصمه فلا يرى إلا مساوئه). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج2 ص346): (أن يتلقى سلطان الحق بالخضوع له، والذل والانقياد، والدخول تحت رقه، بحيث يكون الحق متصرفا فيه تصرف المالك في مملوكه، بهذا يحصل للعبد خلق التواضع؛ ولهذا فسر النبي r الكبر بضده، فقال «الكبر بطر الحق، وغمص الناس»، فبطر الحق: رده، وجحده، والدفع في صدره كدفع الصائل. و«غمص الناس» احتقارهم، وازدراؤهم، ومتى احتقرهم وازدراهم: دفع حقوقهم وجحدها، واستهان بها، ولما كان لصاحب الحق مقال وصولة: كانت النفوس المتكبرة، لا تقر له بالصولة على تلك الصولة التي فيها، ولا سيما النفوس المبطلة، فتصول على صولة الحق بكبرها وباطلها.

فكان حقيقة التواضع: خضوع العبد لصولة الحق، وانقياده لها، فلا يقابلها بصولته عليه). اهـ

قلت: والكبر هو الذي حمل إبليس على الكفر بالله عنادا وخروجا عن طاعته، وهو الذي منع اليهود من الإيمان بنبينا محمد r مع معرفتهم بصحة نبوته كما يعرفون أبناءهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «نقض المنطق» (ص27): (ولهذا تجد اليهود يصممون، ويصرون على باطلهم؛ لما في نفوسهم من الكبر، والحسد، والقسوة، وغير ذلك من الأهواء). اهـ

قلت: وبهذا يتبين أن الكبر أحد الصوارف عن قبول الحق، وهو كذلك بلا ريب.

والكبر يملأ صاحبه غرورا، ويجعله يذهب بنفسه ارتفاعا بها أن يظن أن الحق في غير جانبه، ويمنعه من اتهام نفسه بحال من الأحوال بمجانبة الحق، وهذا شأن أهل الأهواء.

* أما أهل الحق؛ فهم أشد الناس تواضعا واتهاما لأنفسهم، وبحثا عن الحق وطلبه، فلذلك لا يستنكفون عن مراجعة عقولهم، وطلب الحقائق؛ لا سيما في موارد الإشكال.([489])

قال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج2 ص269): (فأهل الأهواء إذا استحكمت فيهم أهواؤهم لم يبالوا بشيء، ولم يعدوا خلاف أنظارهم شيئا، ولا راجعوا عقولهم مراجعة من يتهم نفسه ويتوقف في موارد الإشكال - وهو شأن المعتبرين من أهل العقول-). اهـ

قلت: فهؤلاء المتكبرون احتقروا مخالفهم، وحملهم ذلك على عدم الالتفات إلى قول المخالف استبعادا للحق أن يكون في غير جهتهم.

قال الحافظ ابن الجوزي / في «غناء الألباب» (ج2 ص222): (والمتكبر يرى نفسه أعلى من الغير؛ فتحصل له هزة، وفرح، وركون له إلى ما اعتقده).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2 ص120) مبينا حقيقة ما تنطوي عليه النفوس: (ومنها: مسارقة الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع، وفوات سلوك الصراط المستقيم ؛ وذلك أن النفس فيها نوع من الكبر فتحب أن تخرج من العبودية والاتباع بحسب الإمكان، كما قال أبو عثمان النيسابوري /: «ما ترك أحد شيئا من السنة إلا لكبر في نفسه»). اهـ

قلت: فذنب العجب أمره خطير، والعياذ بالله، أهلك القاص المدخلي، وهو لا يستطيع أن يتخلص منه، ويتوب منه، والله سبحانه وتعالى حجز التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يترك بدعته، والعجب بها، والعجب من نفسه، اللهم غفرا.

وعن الإمام أبي سليمان الداراني / قال عن أهل المعاصي: «إنما هانوا عليه فتركهم ومعاصيه، ولو كرموا عليه لمنعهم عنها».([490])

قلت: لذلك فعلى العبد أن يحذر أن يأخذه الله تعالى وهو على غفلة في البدع، والمعاصي، والعياذ بالله.

قلت: وأنت تعجب ممن ينتسب إلى العلم، يخوض مع القصاص في ضلالاتهم، بل يدعي السلفية، كيف تدعي ذلك وأنت تتبع الأصول الفاسدة التي أسسها القصاص، إذا فأنت ضال معهم في أصولهم الفاسدة، ولا كرامة.([491]) 

قال الحافظ ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج2 ص332): (فإن الجاهل إذا عرف وعلم؛ فهو قريب إلى الانقياد والاتباع، وأما المعاند، فلا دواء له، قال الله تعالى: ]كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين[ [آل عمران:86].اهـ

قلت: فهل عندك أيها المسلم الكريم شيء غير هذا يحصل به فصل الخطاب بين أهل السنة، وأهل القصص، وينكشف به لطالب الحق وجه الصواب، فيرضي أهل السنة، ويزول به الاختلاف من البين، والله المستعان.

قال الحافظ ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج2 ص335): (فإذا كان القلب قاسيا حجريا لا يقبل تزكية!، ولا تؤثر فيه النصائح! لم ينتفع بكل علم يعلمه، كما لا تنبت الأرض الصلبة! ولو أصابها كل مطر وبذر فيها كل بذر؛ كما قال تعالى في هذا الصنف من الناس: ]إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون (96) ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم[ [يونس:96- 97].

   وقال تعالى: ]ولو أننا نزلنا إليهم الملآئكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله[ [الأنعام:111].

وقـال تعـالى: ]قل انـظروا ماذا في السموات والأرض ومـا تغني الآيات والنذر

عن قوم لا يؤمنون[ [يونس:101].

قلت: فإذا كان القلب قاسيا من البدع لا يعمل فيه العلم شيئا، ولا تؤثر فيه النصائح.         

قلت: وأهل الحديث من منهجهم إذا نصح المخالف، ولم يرجع سقط عندهم، ولم يقبل منه.

قال الحافظ ابن حجر / في «تقريب التهذيب» (ص395) عن سفيان بن وكيع: (كان صدوقا إلا أنه ابتلى بوراقة؛ فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل فسقط حديثه!). اهـ

وقال الحافظ ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج2 ص333): (وسنة الله في هؤلاء أن يسلبهم رياسة الدنيا والآخرة، ويصغرهم([492]) في عيون الخلق مقابلة لهم بنقيض قصدهم؛ ]وما ربك بظلام للعبيد[ [فصلت:46].

قلت: القاص خالف السلف بآراء محدثة من محض كيسه، بالإضافة إلى ما تبعها من الأهواء المضلة، اللهم غفرا.

قال الحافظ ابن القيم / في «الفوائد» (ص157): (وهؤلاء لابد أن يبتدعوا في الدين مع الفجور في العمل، فيجتمع لهم الأمران؛ فإن اتباع الهوى يعمى عين القلب؛ فلا يميز بين السنة والبدعة، أو ينكسه؛ فيرى البدعة سنة، والسنة بدعة). اهـ

وعن عمر بن الخطاب t قال: (وإذا تكبر العبد وعدا طوره، وهصه([493]) الله تعالى إلى الأرض، وقال: اخسأ أخساك الله، فهو في نفسه كبير، وفي أعين الناس حقير).([494])

وبوب الحافظ البيهقي في «الآداب» (ص164): باب: في التواضع وترك الزهو والصلف، والفخر والبذخ.

قلت: من تكبر تعظما وضعه الله تعالى، ومن تواضع تخشعا لله تعالى رفعه الله تعالى.

فعن حارثة بن وهـب الخزاعي t قـال: سمعت رسـول r يقول: (ألا أخبركـم

بأهل الجنة؟، كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر).([495])

وعن الإمام الشافعي / قال: (الكبر فيه كل عيب).([496])

قلت: وثمرة الكبر، والعجب البغض والغضب، والعياذ بالله.

والكبر: أن تزدري الناس.

والعجب: أن ترى أن عندك شيئا ليس عند غيرك.([497])

فعن عبد الله  بن  مسعود t قال: «من تواضع لله خشوعا رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله U».([498])

وعن حاتم الأصم الزاهد / قال: «أصل المعصية ثلاثة أشياء: الكبر، والحرص، والحسد».([499])

وعن أبي عثمان الحيري الزاهد / قال: «الكبر والعجب في نفسك يقطعك عن الله، واحتقار الناس في نفسك مرض عظيم لا يداوى».([500])

قلت: فلا ينبغي للعبد أن يرفع نفسه فوق قدره، اللهم غفرا.

وقال الحافظ البيهقي / في «شعب الإيمان» (ج14 ص287)؛ فصل: في التواضع، وترك الزهو، والصلف، والخيلاء، والفخر، والبذخ.([501])

وقال ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج1 ص562): (فصل: في مدح التواضع، وذم العجب، وطلب الرئاسة.

ومن أفضل آداب العالم تواضعه، وترك الإعجاب لعلمه، ونبذ حب الرئاسة عنه). اهـ

قلت: فالبلاء الذي لا يرحم عليه صاحبه، هو: العجب،([502]) والعياذ بالله.

فعن كعب /؛ أنه قال لرجل رآه يتبع الأحاديث: (اتق الله، وارض بالدون من المجالس، ولا تؤذ أحدا؛ فإنه لو ملأ علمك ما بين السماء والأرض مع العجب ما زادك الله به إلا سفالا، ونقصا).([503])

وعن مسروق / قال: (كفى بالمرء علما أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله).([504])

قلت: فعلامة الجهل ثلاثة: العجب، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه، وأن ينهى عن شيء ويأتيه.

وعن الإمام وهب بن منبه / قال: (إن للعلم طغيانا؛ كطغيان المال).([505])

أي: يوقع العبد في العجب بنفسه وعلمه، والعياذ بالله.([506])

وقال الحافظ البيهقي / في «الزهد الكبير» (ص122): (اعلم أن أصل الجاه هو حب انتشار الصيت والاشتهار، وذلك خطر عظيم، والسلامة في الخمول). اهـ

الخمول: ضد الشهرة.

قال تعالى: ]والله لا يحب كل مختال فخور «23» الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد[ [الحديد:23-24].

قال تعالى: ]إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا «36» الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله[ [النساء:36-37].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج14 ص213): (والغرض هنا أن الله يبغض المختال الفخور البخيل به، فالبخيل به الذي منعه، والمختال إما أن يختال فلا يطلبه، ولا يقبله، وإما أن يختال على بعض الناس فلا يبذله، وهذا كثيرا ما يقع عند بعض الناس أنه يبخل بما عنده من العلم، ويختال به، وأنه يختال عن أن يتعدى من غيره، وضد ذلك التواضع في طلبه وبذله، والتكرم بذلك). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ص7): (فوصفهم بالبخل الذي هو البخل بالعلم، والبخل بالمال، وإن كان السياق يدل على أن البخل بالعلم هو المقصود الأكبر، فلذلك وصفهم بكتمان العلم في غير آية؛ مثل قوله تعالى: ]وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه [[آل عمران:187]، وقوله تعالى: ]إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون «159» إلا الذين تابوا[ [البقرة:159-160]... فوصف المغضوب عليهم بأنهم يكتمون العلم تارة بخلا به، وتارة اعتياضا عن إظهاره بالدنيا، وتارة خوفا أن يحتج عليهم بما أظهروه منه).اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص172): (فإن من خزن علمه، ولم ينشره، ولم يعلمه ابتلاه الله بنسيانه، وذهابه منه جزاء من جنس عمله، وهذا أمر يشهد به الحس والوجود). اهـ

وعن الإمام مالك بن دينار / قال: (من تـعلم العـلم للـعمل به كسـره عـلمه،

ومن تعلمه لغير العمل زاده فخرا). وفي رواية: (ومن طلب العلم لغير العمل زاده كبرا).([507])

قلت: فمن طلب العلم للعمل به وفقه الله تعالى في هذا الدين، ومن طلب العلم لغير العمل به، لم يزده العلم إلا خسارة، اللهم سلم سلم.

قال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص57): (ينبغي أن لا يكون معجبا بكلامه، مفتونا بجداله، فإن الإعجاب ضد الصواب، ومنه تقع العصبية وهو رأس كل بلية!). اهـ

قال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج18 ص192): (فمن طلب العلم للعمل كسره العلم، وبكى على نفسه، ومن طلب العلم للمدارس والإفتاء، والفخر والرياء، تحامق، واختال، وازدرى بالناس، وأهلكه العجب، ومقتته الأنفس: ]قد أفلح من زكاها «9» وقد خاب من دساها[ [الشمس:9-10]؛ أي: دسسها بالفجور والمعصية). اهـ

وعن عياض بن حمار t قال: قال رسول الله r: (إن الله U أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد).

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص2198)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1399)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص364)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج12 ص66)، و(ج14 ص287)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج2 ص17)، وفي «الآداب» (255)، والبخاري في «الأدب المفرد» (428)، وأبو داود في «سننه» (4595) من طريقين عن عياض بن حمار t به.

قال تعالى: ]إنما بغيكم على أنفسكم[ [يونس:23].

وقال تعالى: ]ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله[ [فاطر:43].

وقال تعالى: ]فمن نكث فإنما ينكث علىٰ نفسه[ [الفتح:10].

قلت: فهذه الخلال تقع على من عمل بهن: البغي، والمكر، والنكث([508])، والله المستعان.

وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم).

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص2024)، والبخاري في «الأدب المفرد» (759)، والحدثاني في «الموطأ» (ص493)، وأبو داود في «سننه» (4983)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص465)، وأبو القاسم في «الموطأ» (ص455)، والبغوي في «شرح السنة» (ج13 ص143)، وابن الجعد في «المسند» (3478)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج7 ص141)، وفي «أخبار أصبهان» (ج1 ص150 و476)، و(ج2 ص364)، وأبو مصعب في «الموطأ» (ج2 ص162)، والبيهقي في «الشعب الإيمان» (ج12 ص75)، وفي «الأدب» (392)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص506)، ومالك في «الموطأ» (ج2 ص984) من طريق يحيى بن يحيى، وإسحاق بن عيسى الطباع، وخالد بن مخلد القطواني، وروح بن عبادة، وغيرهم عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة t به.

وفي رواية روح بن عبادة، وخالد القطواني: (إذا سمعت الرجل يقول: هلك الناس، فهو أهلكهم)، وزاد إسحاق بن عيسى الطباع في روايته: قلت لمالك: ما وجه هذا؟ قال: (هذا رجل حقر الناس، وظن أنه خير منهم، فقال: هذا القول: (فهو أهلكهم)([509])؛ أي أرذلهم، وأما رجل حزن لما يرى من النقص في ذهاب أهل الخير، فقال هذا القول فإني أرجو أن لا يكون به بأس).

وزاد خالد بن مخلد في روايته، قال مالك: (ذلك عندي يقول: هلك الناس تعجبا بنفسه، وأنه لم يبق مثله).

قال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج16 ص175): (قوله r: (أهلكهم)؛ روي على وجهين مشهورين؛ رفع الكاف، وفتحها، والرفع أشهر معناها: أشدهم هلاكا، وأما رواية الفتح فمعناها: هو جعلهم هالكين لا أنهم هلكوا في الحقيقة.

واتفق العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الإزراء على الناس، واحتقارهم، وتفضيل نفسه عليهم، وتقبيح أحوالهم، لأنه لا يعلم سر الله تعالى في خلقه.

قالوا: فأما من قال ذلك تحزنا([510]) لما يرى في نفسه، وفي الناس من النقص في أمر الدين، فلا بأس عليه؛ هكذا فسره الإمام مالك، وتابعه الناس عليه). اهـ

وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج3 ص598): (معناه: أن لا يزال الرجل يعيب الناس، ويذكر مساويهم، ويقول: قد فسد الناس وهلكوا، ونحو ذلك من الكلام، يقول r: إذا فعل الرجل ذلك فهو أهلكهم، وأسوأهم حالا مما يلحقه من الإثم في عيبهم، والازراء بهم، والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه، فيرى أن له فضلا عليهم، وأنه خير منهم فيهلك). اهـ

قلت: وهذا المتعالم المفتون ما دام على هذا الجهل المركب فهو مخاصم، ومماري، ومحدث بالباطل.

وأيها المتعالم لا تزال ظالما ما كنت مخاصما حاقدا، ولا تزال آثما ما كنت مماريا عصبيا، ولا تزال كاذبا ما كنت محدثا مفتريا.

فعن بلال بن سعد / قال: (إذا رأيت الرجل لجوجا([511]) مماريا([512]) معجبا برأيه فقد تمت خسارته).

أثر صحيح

أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج5 ص228)، وابن حبان في «روضة العقلاء» (ص79)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج6 ص341)، ومحمد بن طاهر في «الحجة» (ج2 ص584)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص524) من طرق عن الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

فما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل والخصام، والعياذ بالله.

قال تعالى: ]ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون[ [الزخرف:58].

قلت: فإياك والمراء في الدين، فإن نفعه قليل، وهو يهيج العداوة، والبغضاء بين الإخوان.

وبوب الحافظ ابن الجوزي / في «الحدائق» (ج2 ص494)؛ باب: ذم العجب.

وعن داود الطائي / قال: أرأيت رجلا دخل على هؤلاء الأمراء، فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر؛ قال: (أخاف عليه السوط؛ قيل: إنه يقوى؛ قال: (أخاف عليه السيف؛ قيل: إنه يقوى؛ قال: أخاف عليه الداء الدفين من العجب).([513])

قلت: عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله، وما أضر العجب بالمحاسن، اللهم سلم سلم.

وقيل: (العجب يهدم المحاسن).([514])

قلت: فالإعجاب آفة الألباب، والله المستعان.

فعن عبد الله بن المعتز / قال: (العجب شر آفات العقل).([515])

قلت: ومن ابتلي بالعجب لابد أن يبتلى بحب الرئاسة وطلبها، ثم التكبر على الخلق، ومن هنا لابد أن يقع في الأضرار المهلكة، والعياذ بالله.

لذلك ترى الخطباء، والوعاظ، والقصاص يميلون إلى حب الرئاسة على الناس، مع جهلهم في الدين، والله المستعان.

فعن أبي إسحاق الفزاري عن سفيان الثوري / قال: (تحب الرئاسة؛ تهيأ للنطاح، كان يقال: من طلب الرئاسة وقع في الدياسة).([516])

يعني: الذل.

قلت: فالرياسة مفسدة للمتبوع، مذلة للتابع([517])، اللهم غفرا.

وعن إبراهيم بن الأشعث قال: سألت الفضيل بن عياض / عن التواضع، فقال: (أن تخضع للحق، وتنقاد له ممن سمعته، ولو كان أجهل الناس لزمك أن تقبله منه).([518])

وقال الإمام أبو داود /: (الشهوة الخفية حب الرئاسة).

أثر صحيح

أخرجه الطيوري في «الطيوريات» (355)، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (ج9 ص58) من طريق عبيد الله بن عبدالرحمن الزهري قال: سمعت أبا بكر بن أبي داود يقول: سمعت أبي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص46): (فأما حب التفرد عن الناس بفعل ديني، أو دنيوي؛ فهو مذموم، قال تعالى: ]تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا [ [القصص:83]. اهـ

حـب الــريــاســة داء يـحـلق الـــدنـــيـــــــا

 

 

ويــجــعــل الحـــب حــربا للــمـــحــبــيــنا

يــفــري الــحــلاقــيــم والأرحـــام يقطعها

 

 

فــــــلا مـــــروءة تـــبــقــى ولــــا ديـــنـــــا

مـــن دان بالــجـــهــل أو قــبــل الــرســوخ

 

 

فـــمـــا تــلــفــيـــه إلـــا عــدوا لــلــمـحـقينا

يــشــنــا([519]) الــعـلــوم ويقـــلي أهــلها حسدا

 

 

ضـــــــاهى بـــذلــــك أعـــداء الــنـبــيــينا([520])

 

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص629): (أن المستكبر عن الحق يبتلى بالانقياد للباطل). اهـ

وعن الإمام يزيد بن هارون / قال: (من طلب الرئاسة في غير أوانها حرمه الله إياها في أوانها).([521])

وعن الإمام الشافعي / قال: (من طلب الرئاسة في غير حينها، لم يزل في ذل ما بقي).([522])

وعن الإمام الشافعي / قال: (من طلب الرئاسة فرت منه، وإذا تصدر الحدث فاته علم كثير).([523])

وعن الإمام أبي نعيم / قال: (والله ما هلك من هلك إلا بحب الرئاسة).([524])

حب الرياسة داء لا دواء له... وقل ما تجد الراضين بالقسم.([525])

عن أبي القاسم الجنيد الزاهد / قال: (من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر؛ لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة).([526])

وعن أبي عثمان الحيري الزاهد / قال: (من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا، نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولا وفعلا، نطق بالبدعة؛ قال تعالى: ]وإن تطيعوه تهتدوا[([527]) [النور:54].

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج1 ص562): فصل: في مدح التواضع، وذم العجب، وطلب الرئاسة.

ومن أفضل آداب العالم تواضعه، وترك الإعجاب لعلمه، ونبذ حب الرئاسة عنه). اهـ

وعن محمد بن الفضل البلخي الزاهد / قال: (ذهاب الإسلام من أربعة، لا يعملون بما يعلمون، ويعملون بما لا يعلمون، ولا يتعلمون ما لا يعلمون، ويمنعون الناس من التعليم).([528])

وعلق على هذا الأثر الحافظ الذهبي / في «السير» (ج14 ص525) بقوله: (هذه نعوت رؤوس العرب، والترك، وخلق من جهلة العامة، فلو عملوا بيسير ما عرفوا لأفلحوا، ولو وقفوا عن العمل بالبدع لوفقوا، ولو فتشوا عن دينهم وسألوا أهل الذكر - لا أهل الحيل والمكر - لسعدوا، بل يعرضون عن التعلم تيها وكسلا، فواحدة من هذه الخلال مردية، فكيف بها إذا اجتمعت!، فما ظنك إذا انضم إليها كبر وفجور، وإجرام وتجهرم على الله! نسأل الله العافية). اهـ

وعن أبي سعيد الخراز الزاهد / قال: (كل باطن يخالفه ظاهر؛ فهو باطل).([529])

قال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص165): (وكلامهم في هذا الباب يطول، وقد نقلنا عن جملة ممن اشتهر منهم، ينيف على الأربعين شيخا، جميعهم يشير، أو يصرح بأن الابتداع ضلال، والسلوك عليه تيه، واستعماله رمي في عماية، وأنه مناف لطلب النجاة، وصاحبه غير محفوظ، وموكول إلى نفسه، ومطرود عن نيل الحكمة، وأن الصوفية الذين نسبت إليهم الطريقة; مجمعون على تعظيم الشريعة، مقيمون على متابعة السنة، غير مخلين بشيء من آدابها، أبعد الناس عن البدع وأهلها).اهـ

وعن إبراهيم الخواص الزاهد / قال: (الصبر: الثبات على أحكام الكتاب والسنة).([530])

وعن أبي حمزة الزاهد / قال: (من علم طريق الحق؛ سهل عليه سلوكه، ولا دلـيــل عـلـى الـطـريـق إلـى الله إلا مـتـابـعـة سـنـة الـرسـول r في أحواله، وأفعاله،

وأقواله).([531])

ودليله؛ قوله تعالى: ]قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله[ [آل عمران:31].

قال الإمام ابن القيم / في «النونية» (ص320):

يــا قـــوم فــانـتـبـهـوا لأنـفـسـكــم وخلوا

 

 

الــجـهـل والـــــدعــــوى بـــلا بــــرهــــــان

مـــــــا فــــــي الــــرياســـــة بالــجــهالة غير

 

 

ضــحكــة عـــاقـــل مــنــكـم مدى الأزمان

لا تــــرضـــــوا بــــريـــاســــة الــبقــر الـــتي

 

 

رؤســـاؤهـــا مـــن جــمـلـــة الــثــيــران

وقال الإمام ابن القيم / في «النونية» (ص321):

مــا ضـــرهــم والله بــغــضــكــم لــهـــــم

 

 

إذ وافــقــــوا حــــقا رضــــى الــرحـــمــــن

يــــا مــــن يـــعـــاديــهـــم لأجــل مـــآكــــل

 

 

ومــنــــاصـــــب وريــــاســــة الإخــــــــوان

وقال الإمام ابن القيم / في «النونية» (ص190):

وتــعــر مـــــن ثــوبــيــــن مـــن يــلــبــسهما

 

 

يــلــــــق الــــــردى بـــمـــذمـــة وهــــــــوان

ثــــــوب مــــــن الــجهل الـــمـــركب فوقه

 

 

ثـــــــوب الــــتـــعـــصـــب بــئـست الثوبان

وقال الإمام ابن القيم / في «النونية» (ص304):

والــجــهـــل داء قـــاتــــل وشـــفــــــــــــاؤه

 

 

أمــــران فـــــي الـــتــــركـــيـــب مـــتــفــقان

نـــص مــــن الـــقـــرآن أو مـــن ســنــــــــــة

 

 

وطـــبيــــــب ذاك الـــعــــالــــم الـــربــــانـي

وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص74): (اجتنب من يعادي أهل الكتاب والسنة لئلا يعديك خسرانه، احترس من عدوين هلك بهما أكثر الخلق:

(1) صاد عن سبيل الله - كـ(الحزبي) بشبهاته، وزخرف قوله.

(2) ومفتون بدنياه ورئاسته كـ(رأس الحزب). اهـ

قلت: فإن أردت أيها المسلم الكريم النجاة لدينك فاهجر هذا الصنف من الناس... المحب للرئاسة والزعامة الفانية!!!... والصاد عن تعلم العلم الشرعي عند العلماء.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج14 ص324): (فالنفس مشحونة بحب العلو والرياسة بحسب إمكانها، فتجد أحدهم يوالي من يوافقه على هواه، ويعادي من يخالفه في هواه، وإنما معبوده ما يهواه ويريده). اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج2 ص683): (ويدخل في غمارهم يعني: أهل الأهواء - من كان منهم يخشى السلاطين لنيل ما عندهم أو طلبا للرياسة، فلا بد أن يميل مع الناس بهواهم، ويتأول عليهم فيما أرادوا حسبما ذكره العلماء). اهـ

قلت: فحب الرئاسة، والزعامة بغير علم داء خطير أثره عظيم على المسلمين، والله المستعان.

وإذا ثبت أن هذا المترئس ضعيف فاشل في دعوته، فلابد أن يسبب الخلاف بين المسلمين، فهو ساع في الأرض فسادا، لأن الفساد نوعان: فساد الدنيا، وفساد الدين، والذي يدعو بجهل يسعى ليفسد على الناس دينهم؛ ثم بواسطة ذلك يفسد عليهم دنياهم، وسواء يشعر، أو لا يشعر، وقد نهاه الله عن الفساد.

قال تعالى: ]ويسعون في الأرض فسادا[ [المائدة:33]، وقال تعالى: ]وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد[ [البقرة:205]، وقال تعالى: ]ولا تعثوا في الأرض مفسدين[ [البقرة:60].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ج3 ص732): (والسعي هو العمل والفعل، فمن سعى ليفسد أمر الدين فقد سعى في الأرض فسادا، وإن خاب سعيه). اهـ

وقال تعالى: ]ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها[ [الأعراف:56].

قلت: لا تفسدوها بالكفر بعد إصلاحها بالإيمان، ولا تفسدوها بالظلم بعد إصلاحها بالعدل، ولا تفسدوها بالمعصية بعد إصلاحها بالطاعة، ولا تفسدوها بالبدعة بعد إصلاحها بالسنة، ولا تفسدوها بالتفرق بعد إصلاحها بالإجتماع.([532])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ج3 ص735): (وكذلك الإفساد قد يكون باليد، وقد يكون باللسان، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد). اهـ

* ومما يقرر الدلالة من الآيات أنها عامة في المسلم، وفي غيره؛ فلفظها عام يدخل في معناها كل من فعل الفساد. فتنبه.

قال العلامة ابن باز / في «الدعوة إلى الله» (ص32): (أما الدعوة بالجهل فهذا يضر ولا ينفع). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص225): معلقا على قول النبي r: «اتخذ الناس رؤوسا جهالا»: (وفي هذا الحديث الحث على حفظ العلم، والتحذير من ترئيس الجهلة، وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية، وذم من يقدم([533]) عليها بغير علم). اهـ

قلت: فلا يجوز للجاهل أن يترأس على شباب الدعوة إلى الله تعالى.

وقال شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد» (ج1 ص127): (فالجاهل لا يصلح للدعوة، وليس محمودا، وليست طريقته طريقة الرسول r، لأن الجاهل يفسد أكثر مما يصلح). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «الأجوبة المفيدة» (ص79): (الحماس للدعوة طيب، والإنسان يكون فيه رغبة إلى الخير، وإلى الدعوة، لكن لا يجوز له أن يباشر الدخول في الدعوة إلا بعد أن يتعلم... فالجاهل لا يصلح للدعوة، ولابد أن يكون عنده علم... وأما مجرد الحماس أو مجرد المحبة للدعوة، ثم يباشر الدعوة، هذا في الحقيقة يفسد أكثر مما يصلح، وقد يقع في مشاكل، ويوقع الناس في مشاكل؛ فهذا يكفيه أن يرغب في الخير، ويؤجر عليه إن شاء الله، ولكن إن كان يريد الدخول في الدعوة فليتعلم أولا، ما كل واحد يصلح للدعوة، وما كل متحمس يصلح للدعوة، التحمس مع الجهل يضر ولا ينفع). اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج11 ص321): (الجاهل لا يعلم رتبة نفسه، فكيف يعرف رتبة غيره). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج13 ص316): (أهل الجهل ليسوا عدولا، وكذلك أهل البدع، فعرف أن المراد بالوصف... أهل السنة والجماعة وهم أهل العلم الشرعي، ومن سواهم ولو نسب إلى العلم فهي نسبة صورية لا حقيقية). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ج3 ص727): (وإن كان الثاني فقد حارب وسعى في الأرض فسادا مثل أن يقتل مسلما، أو يقطع الطريق على المسلمين، أو يغتصب مسلمة على نفسها، أو يظهر الطعن في كتاب الله، ورسوله، ودينه، أو يفتن مسلما عن دينه، فإن هذا قد حارب الله ورسوله بنقضه العهد، وسعى في الأرض فسادا بفعله ما يفسد على المسلمين إما دينهم أو دنياهم، وهذا قد دخل في الآية فيجب أن يقتل، أو يقتل ويصلب أو ينفى من الأرض...). اهـ

قلت: وحرص هذا الصنف على الرياسة يدل على جهله في الدين، وكان ذلك من أعظم أسباب التفرق والاختلاف بين المسلمين... ومن الأسباب التي أدت إلى تخلفهم... وأدت إلى اختلافهم شيعا، وأحزابا متناحرة في زماننا، والله المستعان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص142): (وأهل الضلال الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا يتمسكون بما هو بدعة في الشرع، ومشتبه في العقل... والمفترقة من أهل الضلال تجعل لها دينا وأصول دين قد ابتدعوه برأيهم، ثم يعرضون على ذلك القرآن والحديث فإن وافقه احتجوا به اعتضادا، لا اعتمادا، وإن خالفه، فتارة يحرفون الكلم عن مواضعه ويتأولونه على غير تأويله وهذا فعل أئمتهم -الرؤوس - وتارة يعرضون عنه). اهـ

قلت: فلو إنك غلغلت النظر في كثير من الانقسامات لرأيت فيها حب الدنيا، وحب الرئاسة، والعياذ بالله.

قلت: وصدق الرسول الرؤوف الرحيم r، فإن التنافس في الدنيا، وعلى رياستها، ووجاهتها من أعظم أسباب هلاك من هلك.

فافهم أيها الحزبي المترئس المحب للشهرة والظهور لهذا الكلام جيدا..... والأجدر بك أن تتخلى عن هذه المهمة، واترك المجال لطلاب العلم المتخصصين في الشرع، وهم غير قليل ولله الحمد والمنة.

وإلا ]فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال[ [الرعد:17]. لأن الله تعالى لا يعظم أعمال الجهال، وإن كثرت إلا أن تكون موافقة للسنة.

قال أبو العباس القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج1 ص286): (فكيف في زماننا اليوم، الذي عم فينا الفساد وكثر فيه الطغام! وطلب فيه العلم للرئاسة لا للدراية، بل للظهور في الدنيا، وغلبة الأقران بالمراء والجدال، الذي يقسي القلب، ويورث الضغن، وذلك مما يحمل على عدم التقوى، وترك الخوف من الله تعالى). اهـ

قلت: فالعجب يجلب حب الرئاسة للشخص وطلب الجاه بأن يكون منفردا عديم النظر غير مشارك في المنزلة، يسوؤه وجود مناظر له في المنزلة، والله المستعان.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج27 ص269): (والمنصب، والولاية لا يجعل من ليس عالما مجتهدا، عالما مجتهدا، ولو كان الكلام في العلم والدين بالولاية والمنصب). اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج2 ص81): (وكذلك تقديم الجهال على العلماء، وتولية المناصب الشرعية من لا يصلح بطريق التوريث، فإن جعل الجاهل في موضع العالم حتى يصير مفتيا في الدين، ومعمولا بقوله في الأموال، والدماء والأبضاع، وغيرها، محرم في الدين). اهـ

قلت: فقلة العلم، وظهور الجهل؛ فسببه التفقه للدنيا، وهذا عين الجهل، فالجاهل يفتي بغير علم، فيضل الناس عن الصراط المستقيم، لأنه ضال عنه، وهذا عين الابتداع؛ لأنه تشريع بغير أصل من الكتاب، والسنة.([534])

وقال الشيخ بكر أبو زيد / في «حلية طالب العلم» (ص291): (احذر أن تكون أبا شبر؛ فقد قيل: العلم ثلاثة أشبار، من دخل في الشبر الأول تكبر، ومن دخل في الشبر الثانى تواضع، ومن دخل في الشبر الثالث علم أنه ما يعلم). اهـ

وقال شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «شرح حلية طالب العلم» (ص292): (الشبر الأول: يتكبر، لأنه لم يعرف نفسه حقيقة، والثاني: يتواضع، وهو يرى نفسه عالما، أما الأول: فيرى نفسه عالما لكنه متكبر، والثاني: يرى نفسه عالما متواضعا، والثالث: يرى أنه جاهل لا يعلم، فهو لن يتكبر).اهـ

وقال الشيخ بكر أبو زيد / في «حلية طالب العلم» (ص292): (احذر التصدر قبل التأهل، هو آفة في العلم والعمل، وقد قيل: من تصدر قبل أوانه؛ فقد تصدى لهوانه). اهـ

وقـال شـيخنـا العـلامـة الـشيـخ مـحمد بن صالح العثيمين / في «شرح حلية

طالب العلم» (ص292): (مما ينبغي الحذر منه: أن يتصدر الإنسان قبل أن يكون أهلا للتصدر؛ لأنه إذا فعل ذلك كان هذا دليلا على أمور:

الأمر الأول: إعجابه بنفسه، فيرى نفسه علم الأعلام.

الأمر الثاني: عدم فقهه ومعرفته للأمور، لأنه إذا تصدر، ربما يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه، فترد عليه من المسائل ما يبين عواره.

الأمر الثالث: التقول على الله ما لا يعلم، لأن الغالب أن من كان قصده التصدر لا يبالي، فيجيب عن كل ما سئل، ويخاطر بدينه، وبقوله على الله عز وجل.

الأمر الرابع: أنه لا يقبل الحق في الغالب، فيظن بسفهه أنه إذا خضع لغيره لو كان معه الحق كان دليلا على أنه ليس بعالم.

فالتصدر فيه آفات عظيمة؛ لهذا يروى عن عمر ط أنه قال: «تفقهوا قبل أن تسودوا» أو «تسودوا»([535]). وكلاهما صحيح.

يعني: اطلبوا العلم، وتفقهوا في دين الله، قبل أن يجعلكم الناس سادة؛ لأن الإنسان إذا تسود لم يكن لنفسه). اهـ

وقـال شـيخنـا العـلامـة الـشيـخ مـحمد بن صالح العثيمين / في «شرح حلية

طالب العلم» (ص295): (التصدر من غير المتأهل خطر، وفيه محاذير فإذا تصدر الإنسان، ولو بين من دونه في العلم فقد اغتر بنفسه، فيقول: أنا شيخ هؤلاء، وفوق كل ذي علم عليم، وأنا فوقهم، فيصدر نفسه). اهـ

وقال الشيخ بكر أبو زيد / في «حلية طالب العلم» (ص297): (فالحذر من الاشتغال بالتصنيف قبل استكمال أدواته، واكتمال أهليتك، والنضوج على يد أشياخك، فإنك تسجل به عارا وتبدي به شنارا). اهـ

وقال الشيخ بكر أبو زيد / في «حلية طالب العلم» (ص295): (احذر ما يتسلى به المفلسون من العلم، يراجع مسألة أو مسألتين، فإذا كان في مجلس فيه من يشار إليه، أثار البحث فيهما، ليظهر علمه!، وكم في هذا من سوءة، أقلها أن يعلم أن الناس يعلمون حقيقته). اهـ

قال الحافظ ابن رجب / في «القواعد» (ص262): من تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه.

وقال الشيخ بكر أبو زيد / في «حلية طالب العلم» (ص291): (إياك وحلم اليقظة، ومنه بأن تدعي العلم لما لم تعلم، أو إتقان ما لم تتقن، فإن فعلت، فهو حجاب كثيف عن العلم). اهـ

وعن الإمام يحيى بن معين / قال: (من عاجل الرياسة فاته علم كثير).([536])

قلت: آفة طلب العلم حب الترؤس، فكم رأينا من شباب امتنعوا عن مزاحمة الطلاب عند العلماء أنفة واستكبارا، لأنهم صاروا أصحاب حلق!، فضيعوا علما كثيرا، وأدبا جما على أنفسهم، ولن ينال هذا العلم مستح، ولا مستكبر.

 وعن الإمام أبي حنيفة / قال: (من طالب الرياسة بالعلم قبل أوانه لم يزل في ذل ما بقي).([537])

المهم: لا تدع العلم، ولا تنصب نفسك عالما مفتيا، وأنت لا علم عندك؛ لأن هذا من سفه العقل، وضلال في الدين.([538])

وقال الشيخ بكر أبو زيد / في «حلية طالب العلم» (ص297): (فالحذر من الاشتغال بالتصنيف قبل استكمال أدواته، واكتمال أهليتك، والنضوج على يد أشياخك، فإنك تسجل به عارا وتبدي به شنارا). اهـ

وقال القاضي ابن جماعة / في «تذكرة السامع» (ص64): (ألا ينتصب للتدريس إذا لم يكن أهلا له، ولا يذكر الدرس من علم لا يعرفه). اهـ

شـفـــاء الــعـمــى طـــول الــســؤال وإنــما

 

 

تـمام العمى طول السكوت على الجهل([539])

وقال أبو الطيب الصعلوكي الزاهد /: (من تصدر قبل أوانه؛ فقد تصدى لهوانه).([540])

قلت: فهذه آفة الضال إذا كثر ضلاله، واتبع هواه، والله المستعان.

قال الحافظ ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص184): (نكس القلب حتى يرى الباطل حقا، والحق باطلا، والمعروف منكرا والمنكر معروفا، ويفسد ويرى أنه يصلح، ويصد عن سبيل الله، وهو يرى أنه يدعو إليها، ويشتري الضلالة بالهدى، وهو يرى أنه على الهدى، ويتبع هواه، وهو يزعم أنه مطيع لمولاه، وكل ذلك من عقوبات الذنوب الجارية على القلوب). اهـ

قلت: وهذا هو العمى عن الحق.

قال تعالى: ]فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور[ [الحج:46].

والمقصود أن من عقوبات البدع جعل القلب أعمى أصم أبكم، وهذا يراه المتفرسون في أهل البدع.([541])

   قال الإمام ابن قدامة الحنبلي /: (المبتدع العامي الذي لا يقدر أن يدعو، ولا يخاف الاقتداء به، فأمره أهون، والأولى أن يتلطف به في النصح، فإن قلوب العوام سريعة التقلب، فإن لم ينفع النصح، وكان في الإعراض عنه تقبيح لبدعته في عينه، تأكد استحباب الإعراض عنه، وإن علم أن ذلك لا يؤثر لجمود طبعه، ورسوخ اعتقاده في قلبه، فالإعراض عنه أولى، لأن البدعة إذا لم يبالغ في تقبيحها ساعت بين الخلق، وعم فسادها).([542]) اهـ

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي /  عن هذا الصنف من الناس -: (المبتدع، فإن كان ممن يدعو إلى بدعة، وكانت البدعة بحيث يكفر بها، فأمره أشد من الذمي، لأنه لا يقر بجزية، ولا يسامح بعقد ذمة، وإن كان ممن لا يكفر بها، فأمره بينه، وبين الله تعالى أخف من أمر الكافر لا محالة، ولكن الأمر في الإنكار عليه أشد منه على الكافر، لأن شر الكافر غير متعد، لأنه لا يلتفت إلى قوله، بخلاف المبتدع([543]) الذي يدعو إلى بدعته، لأنه يزعم أن ما يدعو إليه حق، فيكون سببا لغواية الخلق، فشره متعد، فإظهار بغضه والانقطاع عنه، ومعاداته، وتحقيره، والتشنيع عليه ببدعته، وتنفير الناس عنه أشد!([544])). اهـ

مــا بــال ديــنــك تــرضــى أن تــدنـســه

 

 

وأن ثــوبــــك مــغــســول مـــن الــدنـــــس

تـــرجـــو الــنــجـــاة ولــم تسلك مسالكها

 

 

إن الــســفــيــنــة لا تــجـــري عــلـى اليبس

قلت: والضلالات التي وقع فيها القاص الضال بسبب الأهواء التي تتجارى به، حتى وصل به الأمر إلى أنه قام يحتج باختلاف العلماء في المسائل الأصولية والفروعية؛ لكي يروج بدعته على طريقة أهل الأهواء، فإنهم يحتجون بالخلاف بين العلماء لترويج بدعهم، فيفرقون بين المسلمين بهذه الحجة لتتم لهم مآربهم ومصالحهم، فذكر الخلاف في هذه المواقع، وبهذه الطريقة سمة أهل البدع، والأهواء.

قال تعالى: ]إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون[ [الأنعام:159].

قال الحافظ البغوي / في «شرح السنة» (ج1 ص210): (هم أهل البدع والأهواء). اهـ

قلت: وهذا بالإجـمـاع وهـو مـن الـدين، فـمـن عاند وتركه، فهو مأزور، والعياذ بالله.

قال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج19 ص327): (ما زال العلماء يختلفون، ويتكلم العالم في العالم باجتهاده، وكل منهم معذور مأجور، ومن
عاند أو خرق الإجماع، فهو مأزور، وإلى الله ترجع الأمور). اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج19 ص334): (والتوفيق في الاعتصام بالسنة، والإجماع). اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج19 ص326): (فإن العوام ربما لا يحكمون أصول القواعد بالبراهين، والحجج، فإذا سمعوا شيئا من ذلك، تخيلوا منه ما هو المضر بعقائدهم، وينسبون ذلك إلى بيان مذهب الأوائل). اهـ

قلت: فالقاص هذا غلب عليه الهوى حبا في نصرة مذهبه الباطل، كعادة المتعصبين لمذاهبهم، فيستحسن أشياء مبناها على ما لا حقيقة لها.

قلت: وكل امرئ يصبو إلى ما يناسبه في أفكاره.

قال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص345): (ولكن كل امرئ يصبو إلى ما يناسبه، ويميل إلى ما يشاكله ويقاربه، والجنسية علة الضم قدرا، وشرعا.

والشكل سبب الميل عقلا وطبعا، فمن أين هذا الإخاء والنسب؟!، لولا التعلق من الشيطان بأقوى سبب، ومن أين هذه المصالحة التي أوقعت في عقد الإيمان، وعهد الرحمن خللا: ]أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا[ [الكهف:50]). اهـ

قلت: فالقرآن مشتمل على الحق الموجب للاتفاق عليه، وعدم الافتراق، وأن كل من خالفه، فهو في غاية البعد عن الحق، والمنازعة، والمخاصمة.([545])

وهذا وعيد آخر لهم بعد الوعيد الأول على كتمان الحق، فالمختلفون لا يسلكون سبيلا واحدا، كما يدعو إلى ذلك القرآن الكريم، والسنة النبوية، وآثار السلف.

قلت: فليس هناك عذر «للقصاص» في الاختلاف في الدين، لأن الله تعالى أوجد لكل مشكل مخرجا.([546])

قال تعالى: ]ولا يزالون مختلفين (119) إلا من رحم ربك[ [هود:119].

قال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي / في «تفسيره» (ج1 ص149): (و«الهدى»: هو العلم بالحق، والعمل به، وضده: الضلال عن العلم، والضلال عن العمل بعد العلم، وهو الشقاق الذي كانوا عليه، لما تولوا، وأعرضوا). اهـ

قلت: وقوله تعالى: ]وإن تولوا فإنما هم في شقاق[، وتولوا يعني: أعرضوا، وشقاق يعني: خلافا معكم، وخلافا مع بعضهم البعض فلكل منهم وجهة نظر يدعيها، وهداية اخترعها، والشـقـاق؛ مـن المشقة، والـنزاع، والـمشاجرة، والشق: هو

الفرقة بين شيئين.

قلت: فما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل والخصام، والعياذ بالله.

قال تعالى: ]ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون[ [الزخرف:58].

قلت: وإياك والمراء في الدين، فإن نفعه قليل، وهو يهيج العداوة والبغضاء بين الإخوان.

فعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله r قال: «إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم».([547]) وفي رواية: (إن الله يبغض الألد الخصم).

وقوله r: «الألد» الخصم، أي: شديد اللدد، وهو شديد الجدال والتخاصم في الدين.([548])

قلت: والذم إنما هو لمن خاصم بباطل، وبغير علم، ويدل في الذم من يطلب حقا؛ لكن لا يقتصر على قدر الحاجة، بل يظهر اللدد، والكذب في القول، لإيذاء خصمه، وكذلك من يحمله على الخصومة محض العناد لقهر خصمه، وكسره.([549])

قال الـحافظ النووي / في «شرح صحـيح مسلم» (ج16 ص219): (الألد:

شديد الخصومة مأخوذ من لديدي الوادي، وهما جانباه; لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر، وأما الخصم، فهو الحاذق بالخصومة، والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حق، أو إثبات باطل).([550]) اهـ

فعن الإمام الحسن البصري / قال: (في قوله تعالى: ]وهو ألد الخصام[، قال: كاذب القول).

أثر حسن.

أخرجه المروزي في «حديث ابن معين» (ص201)، والبغـوي في «تفسير القرآن» (ج1 ص236)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص365) من طريقين عن عاصم عن الحسن البصري به.

قلت: وهذا سنده حسن. 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (في قوله تعالى: ]وهو ألد الخصام[، قال: شديد الخصومة).

أثر حسن لغيره.

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص365) من طريق بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس به.

قلت: وهذا سنده حسن في الشواهد.

وأخرجه الطستي في «مسائله» (ج2 ص478- الدر المنثور) من طريق نافع بن الأزرق عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: (الجدل المخاصم في الباطل).

وذكره السيوطي في «الإتقان» (ج2 ص97).

وعن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]وهو ألد الخصام[، قال: (جدل بالباطل).

أثر صحيح.

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص365)، والحامض في «حديثه» (ص220)، والهروي في «ذم الكلام» (ص50)، والطبري في «تفسير القرآن» (ج2 ص315)، وعبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص81) من طريقين عن قتادة به .

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام السدي / قال: في قوله تعالى: ]وهو ألد الخصام[، قال: (فأعوج الخصام).

أثر صحيح.

أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص365)، والطبري في «تفسير القرآن» (ج2 ص315) من طريق عمرو بن حماد قال: ثنا أسباط عن السدي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فالاعوجاج في الخصومة من الجدال واللدد.([551])

فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق / قال: (إياكم والخصومة في الدين، فإنها تشغل القلب، وتورث النفاق).

أثر صحيح.

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص531)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص526)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص128)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج5 ص92)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص198) من طريق منصور بن أبي مزاحم حدثني عنبسة بن سعيد القاضي قال: سمعت جعفر بن محمد الصادق به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن عبدالله بن مسعود t قال: (إن من أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل).

أثر صحيح.

أخرجه أحمد في «الزهد» (ص233)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص108)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص80)، وابن وهب في «الجامع في الحديث» (ج1 ص445) من طرق عن الأعمش، عن صالح بن خباب، عن حصين بن عقبة، عن عبد الله بن مسعود به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال العراقي في «المغني» (ج3 ص112): سنده صحيح.

وقال الهيثمي في «الزوائد» (ج10 ص303): رجاله ثقات.

قلت: فالخصومة في الدين تولد الكراهية، والعداوة، والبغضاء بين المسلمين.

قال تعالى: ]إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء[ [المائدة:91].

قلت: إذا فالخصومة تهيج الغضب حتى ينسى المخاصم والمتنازع أوامر الله تعالى، وأوامر رسوله r عليه، فيعاند، ويستكبر على الله تعالى، ورسوله إذا ذكر له الدليل بسبب بغضه للحق وأهله، والله المستعان.

فعن الإمام مالك بن أنس / قال: (المراء في العلم يقسي القلب، ويورث الضغن).

أثر حسن.

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص530) من طريق أبي الأحوص قال: حدثنا سليمان بن داود قال: حدثنا ابن وهب قال: سمعت مالك بن أنس به.

قلت: وهذا سنده حسن. 

وعن الإمام الشافعي / قال: (المراء في العلم يقسي القلب، ويورث الضغائن).

أثر صحيح.

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج6 ص354)، وفي «الاعتقاد» (ص239)، وفي «المدخل إلى السنن الكبرى» (239)، وفي «مناقب الشافعي» (ج2 ص151)، والذهبي في «السير» (ج10 ص28)، والطيوري في «الطيوريات» (1338) من طريقين عن الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره النووي في «تهذيب الأسماء» (ص75).

وعن عمرو بن قيس قال: قلت، للحكم بن عتيبة: (ما اضطر الناس إلى الأهواء؟ قال: الخصومات).

أثر صحيح.

أخرجه الآجري في «الشريعة» (ج1 ص192)، واللالكائي في «الاعتقاد» (218)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (97)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (536)، والأصبهاني في «الحجة» (ص214) من طرق عن سفيان، عن عمرو بن قيس به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص531): (فاعلم يا أخي أني لم أر الجدال والمناقضة، والخلاف، والمماحلة، والأهواء المختلفة، والآراء المخترعة من شرائع النبلاء، ولا من أخلاق العقلاء، ولا من مذاهب أهل المروءة، ولا مما حكي لنا عن صالحي هذه الأمة، ولا من سير السلف، ولا من شيمة المرضيين من الخلف، وإنما هو لهو يتعلم، ودراية يتفكه بها، ولذة يستراح إليها، ومهارشة العقول، وتذريب اللسان بمحق الأديان، وضراوة على التغالب، واستمتاع بظهور حجة المخاصم، وقصد إلى قهر المناظر، والمغالطة في القياس، وبهت في المقاولة، وتكذيب الآثار، وتسفيه الأحلام الأبرار، ومكابرة لنص التنزيل، وتهاون بما قاله الرسول، ونقض لعقدة الإجماع، وتشتيت الألفة، وتفريق لأهل الملة، وشكوك تدخل على الأمة، وضراوة السلاطة، وتوغير للقلوب، وتوليد للشحناء في النفوس عصمنا الله وإياكم من ذلك، وأعاذنا من مجالسة أهله). اهـ

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان أبغض الرجال إلى رسول الله الألد الخصم).

أثر صحيح.

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص484)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص135) من طريق معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه عبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص81)، وفي «الأمالي في آثار الصحابة» (ص25) من طريق معمر، قال: أخبرني ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة به موقوفا.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام عبدالله بن شبرمة الكوفي / قال: (من بالغ في الخصومة أثم).

أثر حسن.

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص513) من طريق السري بن يحيى، نا عثمان بن زفر، نا ابن السماك، عن عبدالله بن شبرمة به.

قلت: وهذا سنده حسن. 

قلت: فالجدال المذموم وجهان:

أحدهما: الجدال بغير علم.

قال تعالى: ]لذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا[ [غافر:35].

والثاني: الجدال بالشغب، والتمويه، نصرة للباطل بعد ظهور الحق وبيانه.

قال تعالى: ]وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق[ [غافر:5].

قلت: فبين الله تعالى في هاتين الآيتين الجدال المذموم، وأعلمنا أنه الجدال بغير حجة، والجدال في الباطل.([552])

قال الإمام الأوزاعي /: (إذا أراد الله بقوم شرا ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل).([553])

أثر صحيح.

أخـرجـه الـلالـكـائـي فـي «الاعـتقـاد» (296)، والـهـروي فـي «ذم الكلام» (ج5

ص123)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» تعليقا (ص412) والخطيب في «اقتضاء العلم والعمل» (122)، والذهبي في «السير» (ج7 ص121) من طرق عن الأوزاعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام معروف الكرخي / قال: (إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له باب العمل، وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد الله بعبد شرا فتح له باب الجدل، وأغلق عنه باب العمل).

أثر حسن.

أخرجه الخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (123)، وابن حمكان في «الفوائد والأخبار» (ص162)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج8 ص361)، وابن الجوزي في «مناقب معروف الكرخي» (ص122)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ج2 ص210)، وابن البناء في «الرد على المبتدعة» (ص43) من طرق عن معروف الكرخي به.

قلت: وهذا سنده حسن.

 وعن الإمام مسلم بن يسار / قال: (إياكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته). يعني الجدل.

أثر صحيح.

أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص109)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج7 ص187)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص273)، وعبدالله بن أحمد في «زوائده على الزهد» (ص251)، والآجري في «الشريعة» (ص56)، وفي «أخلاق العلماء» تعليقا (ص77)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص33 )، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص294)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (547)، وفي «الإبانة الصغرى» تعليقا (124)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص308) من طريق حماد بن زيد حدثنا محمد بن واسع عن مسلم بن يسار به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فما ثار قوم بفتنة إلا أوتوا الجدل، والمراء في الدين، اللهم غفرا.

قال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص434): (لما سمع هذا أهل العلم من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين لم يماروا في الدين، ولم يجادلوا، وحذروا المسلمين المراء والجدال، وأمروهم بالأخذ بالسنن، وبما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، وهذا طريق أهل الحق ممن وفقه الله تعالى). اهـ

وعن الإمام إبراهيم النخعي / قال، في قوله تعالى: ]وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة[ [المائدة:64]، (هم أصحاب الأهواء)، وفي رواية: (الجدال والخصومات في الدين).

أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (820)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» تعليقا (ج2 ص845)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1772)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج4 ص222)، وسعيد بن منصور في «السنن» (722)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج6 ص102)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (558)، وفي «الإبانة الصغرى» (ص141)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص267) من طريقين عن العوام بن حوشب عن إبراهيم النخعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام أبي العالية / قال: (إياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء).

أثر صحيح.

أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص367)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص17)، وابن وضاح في «البدع» (ص75)، والمروزي في «السنة» (ص8)، والآجري في «الشريعة» (ص13)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (136)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص56)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص218)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج18 ص171)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص18) من طريقين عن عاصم الأحول، قال: قال أبو العالية فذكره.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام عمران القصير / قال: (إياكم والمنازعة والخصومة، وإياكم وهؤلاء الذين يقولون: أرأيت أرأيت).

أثر صحيح.

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (637)، والآجري في «الشريعة» (119)، من طريق محمد بن المثنى قال: حدثنا حماد بن مسعدة عن عمران القصير به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام عبد الكريم الجزري / قال: «ما خاصم ورع قط في الدين».

أثر حسن.

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (634)، والآجري في «الشريعة» (123)، من طريقين عن مروان بن شجاع، يقول: سمعت عبد الكريم الجزري به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن الإمام معاوية بن قرة / قال: (الخصومات في الدين تحبط الأعمال).

أثر صحيح.

أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (221)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (541)، والآجري في «الشريعة» (115)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (98)، وابن المقرئ في «المعجم» (ص367) من طريقين عن العوام بن حوشب عن معاوية بن قرة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر t قال: سمعت رسول الله r يقول: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص251)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1831)، والمقرئ في «جزء فيه أحاديث نافع بن أبي نعيم» (ص21)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص258)، والشافعي في «الأم» (ج5 ص143)، وفي «المسند» (ج1 ص19)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص112)، ومالك في «الموطأ» (ق/224/ط رواية محمد بن الحسن)، والبيهقي في «المعرفة» (ق/19/ط)، واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (ج1 ص114)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص199)، وتمام في «الفوائد» (ج1 ص176)، وابن حجر في «نتائج الأفكار» (ص14 و15) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج4 ص1831)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص47)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص495)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص3)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص392 و393)، والهروي في «ذم الكلام» (ص25 المنتقى)، والعجلوني في «عقد الجوهر الثمين» (ص31) من طريق الأعمش عن أبي صالح به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج4 ص1430)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص391) من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبدالرحمن به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج4 ص1430)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص313)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص220)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص197 و198)، وفي «الأنوار» (ج2 ص768 و769)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص112)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص391) من طريق معمر عن همام بن منبه به.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص247 و428 و517)، والشافعي في «الأم» (ج5 ص143)، وفي «المسند» (ج1 ص19)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص111)، والبيهقي في «المعرفة» (ق/19/ط)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص391)، وأبو القاسم الحامض في «جزء حديثه» (ص281) من طريق محمد بن عجلان عن أبيه به.

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص482) من طريق هلال بن علي عن عبدالرحمن بن أبي عمرة به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص975)، (ج4 ص1831)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص447 و457 و467 و508)، والنسائي في «سننه» (ج5 ص110 و111) والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص326)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج4 ص129)، ومحمد بن نصر المروزي في «السنة» (ص39 و40)، وإسحاق بن راهويه في «المسند» (ج1 ص134) من طريق محمد بن زياد به.

وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله r قال: (إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة).

حديث حسن

أخرجه أبو داود في «سننه» (ج5 ص274)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص15)، وفي «الآداب» (ص161)، والدارمي في «الرد على بشر المريسي» (ج2 ص874)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص141)، وفي «العلل الكبير» (ج2 ص782)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج4 ص251)، وفي «الآداب» (ص247)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص165)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص413)، وأبو الشيخ في «الأمثال» (ص354)، والحاكم في «المعرفة» (ص152)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج9 ص27)، وابن أبي حاتم في «العلل» (ج2 ص341) من طريق نافع بن عمر الجمحي عن بشر بن عاصم عن أبيه عن عبد الله به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وقال الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج2 ص540): (وهو حسن، كما قال الترمذي).

وأقره العراقي في «المغني» (ج2 ص38).

وقال الترمذي / في «العلل الكبير» (ج2 ص873): سألت محمدا يعني: البخاري عن هذا الحديث، فقال: إن نافع بن عمر يقول عن عبدالله بن عمرو، ومرة يقول: أراه عن عبدالله بن عمرو.

قال محمد البخاري: وأرجو أن يكون محفوظا). اهـ

وقال ابن أبي حاتم / في «العلل» (ج2 ص341): (وسألت أبي عن حديث رواه وكيع([554]) عن نافع بن عمر الجمحي عن بشر بن عاصم عن أبيه قال: قال: رسول الله r: (إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل([555]) البقر بلسانها) فقلت لأبي: أليس حدثتنا عن أبي الوليد، وسعيد بن سليمان عن نافع بن عمر عن بشر بن عاصم الثقفي عن أبيه عن عبدالله بن عمرو عن النبي r؟

فقال: نعم. ([556]) وقال: جميعا صحيحين، قصر وكيع). اهـ

وقوله r (يتخلل بلسانه): أي يتشدق في الكلام، ويفخم به لسانه، ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفا.([557])

قال أبو عبدالرحمن آبادي / في «عون المعبود» (ج13 ص348): (قوله r (البليغ)؛ أي: المبالغ في فصاحة الكلام وبلاغته، وقوله r (الذي يتخلل بلسانه)؛ أي: يأكل بلسانه، أو يدير لسانه حول أسنانه مبالغة في إظهار بلاغته، وقوله r (تتخلل الباقرة بلسانها)؛ أي: البقرة كأنه أدخل التاء فيها على أنه واحد من الجنس كالبقرة، واستعمالها مع التاء قليل قاله القارى). اهـ

وقال الحافظ النووي / في «الأذكار» (ص572): (يكره التقعير في الكلام بالتشدق، وتكلف السجع، والفصاحة والتصنع بالمقدمات التي يعتادها المتفاصحون، وزخارف القول، فكل ذلك من التكلف المذموم). اهـ

قلت: وقد أنكر النبي r هذا الأمر لما يخالطه من الكذب، والتزيد على الكتاب، والسنة.([558])

قلت: وهؤلاء القصاص يتبعون المتشابه([559]) في دين الله تعالى.

والله عز وجل حذر من اتباع المتشابهات، فقال: ]هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب [آل عمران:7].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله r هذه الآية ]هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات [آل عمران:7] قالت قال رسول الله r فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص209)، وفي «خلق أفعال العباد» (167)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2053)، وأبو داود في «سننه» (4598)، والترمذي في «سننه» (2994) و(2993)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص185)، والطيالسي في «المسند» (ج3 ص50)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص64)، والطبري في «تفسير القرآن» (ج3 ص179)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج3 ص208)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص124)، وفي «الأسماء والصفات» (958)، وفي «دلائل النبوة» (ج6 ص545)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص256)، والدارمي في «المسند» (147)، وابن حبان في «صحيحه» (73)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (777)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (223)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص174)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص9)، و«تفسير القرآن» (ج2 ص9)، وإسحاق بن راهويه في «المسند» (ج2 ص389)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص9) من عدة طرق عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة به.

وأخرجه عبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص116)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص48)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص18)، والآجري في «الشريعة» (ص26)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص277)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص602)، وابن منده في «التوحيد» (ج1 ص275)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج6 ص546)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص175)، والترمذي في «سننه» (2993)، والطيالسي في «المسند» (1433)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (492)، والطبري في «تفسير القرآن» (ج3 ص178)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج3 ص208)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج1 ص123)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص48)، وإسحاق بن راهويه في «المسند» (ج3 ص648)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص9)، والثعلبي في «الكشف والبيان» معلقا (ج3 ص12)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج3 ص341)، وابن وهب في «تفسير القرآن» (ج1 ص79) من طرق عن ابن أبي مليكة عن عائشة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (ج8 ص210): (قد سمع ابن أبي مليكة من عائشة كثيرا، وكثيرا أيضا ما يدخل بينها وبينه واسطة).

وقال الترمذي في «سننه» (ج5 ص222): (وروي عن أيوب([560]) عن ابن أبي مليكة عن عائشة، هكذا روى غير واحد هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن عائشة، ولم يذكروا فيه عن القاسم بن محمد، وإنما ذكر يزيد بن إبراهيم التستري عن القاسم في هذا الحديث، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة سمع من عائشة أيضا). اهـ

قلت: فيحمل على أن ابن أبي مليكة سمعه من القاسم، ومن عائشة رضي الله عنها فحدث به على الوجهين.([561])

والحديث أورده السيوطي في «الدر المنثور» (ج2 ص148) وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد.

قلت: فهذا تحذير صريح منه r من أهل الأهواء، والذين في قلوبهم زيغ، من أهل التحريف، وأهل التقليد، وأهل التعصب، وأهل التحزب.

قـال الـعلامـة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص221): (وكذلك ذكر في

أهل الزيغ أنهم يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة، فهم يطلبون به أهواءهم لحصول الفتنة، فليس نظرهم إذا في الدليل نظر المستبصر حتى يكون هواه تحت حكمه، بل نظر من حكم بالهوى، ثم أتى بالدليل كالشاهد له). اهـ

قلت: فاحتجاج أهل التقليد باختلاف العلماء من اتباع المتشابه؛ فاحذرهم.

قلت: فهذا من اتباع المتشابه من النصوص، واحتجاج أهل الأهواء من الحزبية، وغيرهم باختلاف العلماء، واتخاذ ذلك ذريعة للإعراض عن الحق، والسنة، والأدلة.

لذلك اعتمدوا على آرائهم وعقولهم وجعلوها هي المحكمة في النصوص دون مراعاة أصول الاستدلال، والفهم الصحيح... وهذا فيه فتنة لهم، وللناس. والعياذ بالله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج22 ص366): (وأما جهة الرأي والتنازع، فإن تنازع العلماء واختلافهم في صفات العبادات، بل وفي غير ذلك من أمور الدين صار شبهة لكثير من أهل الأهواء من الرافضة، وغيرهم). اهـ

قلت: فكل صاحب هوى قد يجد من شاذ الآراء، أو مشتبهها ما يفتن به، ويلبس على الناس فيها، اللهم غفرا.

فـعـن الإمـام مجاهد / قال: ﴿ولا تتبعوا السبل﴾ [الأنعام:68] قال: (البدع والشبهات).([562])([563])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج20 ص104): (ولو كان معهم أصل من السنة لما وقعوا في البدعة). اهـ

قلت: فاتق الله تعالى يا طالب العلم، وانظر ممن تأخذ دينك.

قال الإمام محمد بن سيرين /: (إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه).([564])

وقال خالد بن خداش: (لما ودعت مالك بن أنس قال لي: (اتق الله، وانظر ممن تأخذ هذا الشأن)؛ أي: الحديث، والعلم. وفي رواية: (تقوى الله، وطلب العلم من عند أهله).([565])

وقال الإمام ابن عون /: (لا تأخذوا العلم إلا ممن يشهد له بالطلب)؛([566]) يعني: طلب العلم من علماء السنة.

وعن الإمام مصعب بن سعد / قال: (لا تجالس مفتونا؛ فإنه لن يخطئك منه إحدى خصلتين: إما أن يفتنك فتتابعه، أو يؤذيك قبل أن تفارقه).([567])

قلت: إياكم أن تكتبوا عن أحد من المرجئة، عليكم بأهل الآثار.

قال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص123): (إذا ظهر لك من إنسان شيء من البدع فاحذره؛ فإن الذي أخفى عنك أكثر مما أظهر). اهـ

قلت: فعلى طلبة العلم تجنب المحدثات في دين الله تعالى، ولا يخوضوا فيها، ولا تأخذهم العصبية، والعواطف المهلكة.

قال تعالى: ﴿وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره﴾ [الأنعام:68].

قال الحافظ البيهقي / في «جزء الجويباري» (ص227): (فزجر المصطفى r في هذا الخبر يعني: (من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد أخطأ)([568]) عن الكلام في كتاب الله بالرأي، وسنته r مقيسة عليه حتى لا يحل لأحد أن يقول: قال رسول الله r إلا بعد التثبت والعلم به، كما لا يحل لأحد أن يقول في كتاب الله برأيه إلا بعد المعرفة به، وسماع ممن يعرفه). اهـ

قال الإمام سفيان بن عيينة /: (ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر، إنما العاقل الذي إذا رأى الخير اتبعه، وإذا رأى الشر اجتنبه».

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج8 ص536)، وعبدالله بن أحمد في «زوائد الزهد» (ص167)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج7 ص274)، وابن أبي الدنيا في «العقل» (ص22) من طرق عن سفيان بن عيينة به.

وإسناده صحيح.

وذكره المزي في «تهذيب الكمال» (ج11 ص191).

وقال الحافظ العراقي / في «الباعث على الخلاص من حوادث القصاص» (ص98): (ومن آفات القصاص أن يحدثوا كثيرا من العوام بما لا تبلغه العقول (والأفهام) فيقعوا في شيء من الاعتقادات السيئة)([569]). اهـ

قلت: ولعله يريد أن يقرر أن هؤلاء القصاص عدموا الحكمة، فهم لا يتحدثون بما يناسب السامعين، وهم لو كانوا يوردون في أقوالهم الصحيح لأوردوه على وجه، لا تستوعبه عقول العامة، مما يوقعهم في الاعتقادات الفاسدة، فكيف ومعظم ما يوردونه الباطل المكذوب.

قلت: فهؤلاء القصاص دعاة فتنة؛ اللهم غفرا.([570])

فعن عبد الله بن مسعود قال: (ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).([571])

أخرجه مسلم في مقدمة «صحيحه» (ج1 ص9)، والرامهرمزي([572]) في «المحدث الفاصل» (809)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (1358)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (ج2 ص140)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» تعليقا (ج1 ص15)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص134)، وابن وهب في «المسند» (ص199)، والطيوري في «الطيوريات» (ج1 ص78) من طرق عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن مسعود به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال ابن وهب /: (وذلك أن يتأولوه غير تأويله، ويحملوه على غير وجهه).([573])

وعن علي بن أبي طالب t قال: «حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون([574])

أتحبون أن يكذب الله ورسوله).([575])

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص33)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (ج2 ص140)، وابن تيمية في «منتقى العوالي» (ص158)، والخطيب في «الجامع لأخلاف الراوي» (1355) من طريق عبيد الله بن موسى أنبا معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن علي به.

وذكره السخاوي في «فتح المغيث» (ج2 ص290)، والشاطبي في «الاعتصام» (ج2 ص298).

وبوب عليه الإمام البخاري في «صحيحه» (127): باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا.

قلت: فلا يصح للمربي في التربية العلمية إلا المحافظة على هذا المعنى في الأثر، وإلا لم يكن مربيا، واحتاج هو إلى مربي يربيه!.([576])

فهؤلاء القصاص يحدثون الناس بما لا يعرفون من كتاب الله تعالى وسنة رسوله r، وينشرون بينهم الخرافات على أنها من الدين، ويذيعون بين الناس الأحاديث الضعيفة، ويعتمدون في مواعظهم على القصص، ويحرفون دين الله تعالى، ويلوون أعناق النصوص الشرعية لتوافق أهوائهم، أو لتكون في مصلحة الحزب، ويفتون فتاوى باطلة فيضلون، ويضلون.([577])

قال الحافظ العراقي / في «الباعث على الخلاص من حوادث القصاص» (ص99) عن القصاص المتعالمين: (فلو أمسكوا عن الكلام، وآفاته لكان خيرا لهم).اهـ

قلت: فيشغلون الناس بأمور بعيدة عن واقعهم وعقولهم، ويطرحون على الناس قضايا من علم البدع فتقع بينهم الفتن.

قال الحافظ الخطيب / في «الجامع» (ج2 ص50): (ومما رأى العلماء أن الصدوف عن روايته للعوام أولى: أحاديث الرخص، وإن تعلقت بالفروع المختلف فيها دون الأصول). اهـ

وقد زاد من خطر فتن القصاص بين الناس امتلاكهم وسائل حديثة ينفثون سمومهم من خلالها... كالصحف، والمجلات، وشاشات التلفاز، ومحطات الإذاعة، والفضائيات، والنشرات والكتب والأشرطة، وما إلى ذلك، والله المستعان.([578])

قال الحافظ الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص5) معلقا على أثر علي t: (وهذا أصل كبير في الكف عن بث الأشياء الواهية، والمنكرة من الأحاديث في الفضائل، والعقائد، والرقائق، ولا سبيل إلى معرفة هذا، من هذا إلا بالإمعان في معرفة الرجال). اهـ

قلت: والمعنى الإجمالي للأثرين، هو «حدثوا الناس»؛ بصيغة أمر: أي كلموهم «بما يعرفون»؛ أي: يفهمونه، وتدركه عقولهم، «ودعوا ما ينكرون»؛ أي: ما يشتبه عليهم فهمه «أتريدون أن يكذب الله ورسوله»، لأن السامع لما لا يفهمه يعتقد استحالته جهلا، فلا يصدق وجوده بل يلزم التكذيب؛ فأفاد أن المتشابه لا ينبغي ذكره عند العامة.([579])([580])

فعلم أن الواعظ ينبغي أن يكلم الناس على قدر فهمهم، وعقولهم بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وآثار السلف y.([581])

فلا يضيع أوقاتهم بما لا طائل تحته من التفريع على مسائل، أو قصص، أو أحاديث لا أصل لها من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، وهي من المنكرات، فيصرف فيها زمنا في دروسه لو كان صرف ذلك في غيرها لكان أولى؛ اللهم غفرا.([582])

وهذا الواعظ هو المتعمق المتنطع المتقعر في الكلام، الخائض فيما لا يعنيه في دين الله تعالى.

فعن الإمام أبي قلابة / قال: (لا تحدث بحديث من لا يعرفه، فإن من لا يعرفه يضره ولا ينفعه).

أثر صحيح

أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص286)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص540) من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام عروة بن الزبير / قال: (ما حدثت أحدا بشيء من العلم قط لم يبلغه عقله إلا كان ضلالا عليه).

أثر حسن

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص539) من طريق عبدالرحمن ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة به.

قلت: وهذا سنده حسن.

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص225): (ودعوا ما ينكرون: أي ما يشتبه عليهم فهمه... وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة... وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب).([583]) اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» معلقا (ج1 ص123): (ويتصور ذلك فيمن يتبجح بذكر المسائل العلمية لمن ليس من أهلها، أو ذكر كبار المسائل لمن لا يحتمل عقله إلا صغارها، على ضد التربية المشروعة، فمثل هذا يوقع في مصائب، ومن أجلها قال علي t: «حدثوا الناس بما يفهمون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله»، وقد يصير ذلك فتنة على بعض السامعين). ([584])([585]) اهـ

قلت: فيجب على الواعظ أن يحدث كل قوم بما تحتمله قلوبهم، وعقولهم من العلم الصحيح، وإلا أضر، وأضل، والعياذ بالله.

فعن الإمام أيوب السختياني / قال: (لا تحدثوا الناس بما لا يعلمون فتضروهم!).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص149) من طرق عن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي نا عفان نا حماد بن زيد قال: قال أيوب به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الشافعي قال: قيل لمالك بن أنس: إن عند ابن عيينة عن الزهري أشياء ليست عندك؟! فقال مالك: (وأنا كل ما سمعته من الحديث أحدث به الناس؟ أنا إذا أريد أن أضلهم!).([586])

أثر صحيح

أخرجه الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص149) من طريق عبد الرحمن بن أبي حاتم نا أبي نا أحمد بن خالد الخلال قال: سمعت الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: وعلى هذا فلا يجوز الاستدلال بهذين الأثرين على ترك السنة الثابتة في الكتاب والـسنة، ومـنع الفتاوى الشـرعية التي تصـدر من أهل العلم؛ لأن بعض الناس

لم يعرفها، وخفيت عليه لجهله([587])؛ فينكرها لذلك، نعوذ بالله من ربع فقيه.

ويستدل بقوله: «حدثوا الناس بما يعرقون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله!!!».([588]) فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، نعوذ بالله من ربع محدث.

قلت: ومن الجدير بالذكر لعلنا ننبه على وهم المتوهمين فأمثال هذين الحديثين، حيث يفتون بهما على خلاف المراد، فيأمرون الناس بترك السنن المتروكة عند بعض الناس، وهي ثابتة عن النبي r، وينكرون على من يفتي بها، ويحيها في المجتمع، ثم يستدلون بأثر علي t، وأثر ابن مسعود t، اللهم غفرا.

هكذا يقولون عند العامة، وعند من يخرج السنن الصحيحة... ويلقون الكلام على عواهنه ([589])، ويذكرون الأقوال بصيغتهم.

وهذا لا يحمد بحال في الشرع من جهة نفسه، بل يحمد العلم بالشرع، والتمييز بين العلم النافع، والعلم الضار.

قلت: فليس في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسوله r مدح وحمد لهذا النوع من الناس الذي يلقي الكلام على عواهنه بدون معرفة لمدلول النصوص.

فمدح الله تعالى العلم النافع في غير موضع، وذم عدم ذلك في مواضع، كما قال تعالى في قوله: ]قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون[ [الزمر:9].

ولهذا كان المؤمن يثاب على العلم الشرعي الصحيح إذا قصد به وجه الله تعالى، ولا يثاب على العلم المخلط حتى لو قصد به وجه الله تعالى؛ لأنه يصد عن سبيل الله تعالى.

قال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولـئك كان عنه مسؤولا[ [الإسراء:26].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «القواعد النورانية» (ص206): (كما لو حكم الحاكم بغير اجتهاد يعني: من تقليد فإنه آثم وإن كان قد صادف الحق).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص317): (فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن والإيمان مثلا، أو لتعديه حدود الله بسلوك السبل التي نهي عنها، أو لاتباع هواه بغير هدى من الله، فهو الظالم لنفسه، وهو من أهل الوعيد). اهـ

وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص53): (من تكلف ما جهل، وما لم تثبته معرفته؛ كانت موافقته للصواب([590]) غير محمودة). اهـ

وقال الحافظ ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج1 ص69): (والمجتهد المخطئ أفضل عند الله من المقلد المصيب). اهـ

وقال المفسر أبو حيان / في «البحر المحيط» (ج4 ص367): (التقليد باطل إذ ليس طريقا للعلم). اهـ

قلت: وليس المقصود من قول علي t، وابن مسعود t عدم تحدث الناس بما تركوا من السنن، وأعرضوا عنها([591])، بل الفهم الصحيح لهذين الأثرين بأننا إذا حدثنا الناس([592]) بأحكام الكتاب، والسنة أن يكون ذلك التحدث إليهم بالمعاني، والتفاسير، والدلالة الصحيحة التي يفهم النـاس منها مراد الله تعالى، ورسوله r وإلا

أنكروا ذلك وكذبوا([593]).

قلت: ومن هنا نعلم بأن الذي يستطيع توصيل مراد الله تعالى، ورسوله r للناس هو العالم بالكتاب، والسنة على فهم سلف الأمة.

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص597) معلقا على الأثرين في كيفية الاستدلال بهما: (وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة، ومثله قول ابن مسعود... فذكره، وعزاه إلى مسلم، ثم قال: وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان([594])، ومالك في أحاديث الصفات([595])، وأبو يوسف في الغرائب([596])).اهـ

وقـال الـحـافظ الـذهـبي / في «السـيـر» (ج2 ص597) معـلقا على قول أبي

هريرة t: (رب كيس عند أبي هريرة لم يفتحه): (هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في الأصول والفروع، أو المدح أو الذم، أما حديث يتعلق بحل أو حرام فلا يجوز كتمانه بوجه). اهـ

قلت: هكذا يكون الاستدلال بهذين الأثرين، أما أن يطلب من أهل العلم ترك تعليم السنة، ونشرها بين الناس على أن ذلك يحرك فتنة فهذا عين الباطل، والله المستعان.

وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص140) عن الذي يتكلم بلا علم: (فالواجب على العاملين أن يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى له، وأقرب من السلامة له إن شاء الله). اهـ

قلت: ولذلك يجب الإعراض عن الاستدلال بهذين الأثرين بهذا الاستدلال الضعيف عمليا.

ويجب التدبر، والنظر في فقه الكتاب والسنة؛ لأن هذا هو طريق العلم، وكماله([597]).

قال تعالى: ]أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها[ [محمد:24].

وقال تعالى: ]فاعتبروا يا أولي الأبصار[ [الحشر:2].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج2 ص159): (هذا كثير في القرآن: يأمر ويمدح التفكر، والتدبر، والتذكر، والنظر، والاعتبار، والفقه، والعلم، والعقل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج2 ص159): (فإذا تبين أن جنس عدم العقل، والفقه لا يحمد بحال في الشرع، بل يحمد العلم والعقل ويؤمر به أمر إيجاب، أو أمر استجاب، ولكن من العلم ما لا يؤمر به الشخص نوعا أو عينا، إما لأنه لا منفعة فيه له، أو لأنه يمنعه عما ينفعه، وقد ينهى عنه إذا كان فيه مضرة له وذلك أن من العلم ما لا يحمله عقل الإنسان فيضره، كما قال علي بن أبي طالب t: (حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله)([598])، وقال عبدالله بن مسعود t: (ما من رجل يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم)([599]).

ومن الكلام ما يسمى علما وهو جهل، مثل كثير من علوم الفلاسفة، وأهل الكلام، والأحاديث الموضوعة، والتقليد الفاسد، وأحكام النجوم، ولهذا روي : إن من العلم جهلا، ومن القول عيا، ومن البيان سحرا.

ومن العلم ما يضـر بعض النفوس لاسـتعانتها به على أغراضها الفاسدة، فيكون

بمنزلة السلاح للمحارب، والمال للفاجر، ومنه ما لا منفعة فيه لعموم الخلق مثل معرفة دقائق الفلك وثوابته وتوابعه، وحركة كل كوكب، فإنه بمنزلة حركات التغير عندنا، ومنها ما يصد عما يحتاج إليه، فإن الإنسان محتاج إلى بعض العلوم، وإلى أعمال واجبة، فإذا اشتغل بما لا يحتاج إليه كان مذموما.

* فبمثل هذه الوجوه يذم العلم: بكونه ليس علما في الحقيقة، وإن سماه أصحابه وغيرهم علما، وهذا كثير جدا، أو يكون الإنسان يعجز عن حمله، أو يدعوه ويعينه على ما يضره، أو يمنعه عما ينفعه.

وقد يكون في حق الإنسان لا محمودا ولا مذموما، هذا كله في جنس العلم.

وكذلك القوة التي بها يعلم الإنسان، ويعقل وتسمى عقلا.

* فهذه لا يحمد عدمها أيضا، إلا إذا كان بوجودها يحصل ضرر، فإن من الناس من لو جن لكان خيرا له، فإنه يرتفع عنه التكليف، وبالعقل يقع في الكفر، والفسوق والعصيان). اهـ

وعن الإمام عروة بن الزبير / قال: (ليس الرجل الذي إذا وقع في الأمر تخلص منه، ولكن الرجل يتوقى الأمور حتى لا يقع فيها).([600])

قلت: فلا ينبغي للعاقل أن يعتقد من رأيه حتى يشاور في أموره أهل العلم من أولي الألباب.

فعن الإمام وكيع بن الجراح / قال: (العاقل من عقل عن الله تعالى أمره، وليس من عقل تدبيره دنياه).([601]) وفي رواية: (ليس من عقل أمر دنياه).

قلت: فالعاقل من عقل عن الله تعالى أمره، ونهيه بدليل العلم.

قلت: لا يلزم من كون الشخص قاصا، أو واعظا، أو خطيبا أن يكون عالما، فكم من واعظ جاهل بالعلم يسلب قلوب الناس بحسن حديثه، وحلاوة منطقه، وليس له من العلم حظ، أو نصيب، إذ ليس العلم بالقدرة على الكلام، ولا بالقدرة على شد مشاعر الناس، فانتبه.([602])

فعن عبدالله بن مسعود t قال: (إنكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه، وإن من بعدكم زمانا كثير خطباؤه، والعلماء فيه قليل!).

وفي رواية: (والهوى فيه قائد للعمل).

أثر صحيح

أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (ص346)، ومالك في «الموطأ» (ج1 ص173)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص108)، وأبو خيثمة في «العلم» (ص109)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص224)، والفريابي في «فضائل القرآن» (ص202)، والداني في «السنن» (ج3 ص673)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج4 ص258)، والقعنبي في «الموطأ» (ص257)، وعبدالرزاق في «المصنف» (3787) من طرق عن ابن مسعود به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن حجر في «فتح الباري» (ج10 ص510) والشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج7 ص576).

قال ابن حجر / في «فتح الباري» (ج10 ص510): (ومثله لا يقال من قبل الرأي). اهـ

وقال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني / في «صحيح الأدب المفرد» (ص293): (ويؤيد ما قال الحافظ مطابقة ما قبلها للواقع اليوم مما لا يعلم إلا بطريق الوحي). اهـ

قلت: ولابد حمل الناس على المعهود([603])، والوسط فيما يليق بهم وينفعهم، فلا يذهب بهم طرف الشدة، ويميل بهم إلى طرق التساهل، لأن هذا هو مقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط([604])، ولا تفريط([605]).

قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج2 ص396): (ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان:

إما إلى تفريط وإضاعة.

وإما إلى إفراط وغلو.

ودين الله وسط بين الجافي عنه، والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين). اهـ

إذا فليس الاستدلال بهذين الأثرين من قبيل ذلك... والإنسان قد يعذر بالجهل في بعض الحالات بسبب تفاوت الناس في الفهوم... ولكن ليس على حساب ترك السنن النبوية.

ومن هنا لابد من تيسير العلم الشرعي للناس وبتعليمهم، ومن ثم تبيين السنن لهم وفق الكتاب والسنة([606]).

وأما ترك ذلك بالكلية، والتحذير من فاعلها فتلك قواصم الدين، والله المستعان.

قال الإمـام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج2 ص137): (وأصل كل خير

العلم والعدل، وأصل كل شر الجهل والظلم). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرد على البكري» (ج2 ص255): (طريقة أهل البدع يجمعون بين الجهل والظلم). اهـ

وقال العلامة الشيخ السعدي / في «وجوب التعاون بين المسلمين» (ص13): (فما ارتفع أحد إلا بالعدل والوفاء، ولا سقط أحد إلا بالظلم والجور والغدر). اهـ

قلت: إذا فيحرم الاعتراض على السنن النبوية بالفهم السقيم سواء بنصوص، أو آثار([607]).

قال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج4 ص72): (فلهذا كله يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به؛ فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم والعمل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج15 ص242): (فصلاح بني آدم الإيمان، والعمل الصالح، ولا يخرجهم عن ذلك إلا شيئان:

أحدهما: الجهل المضاد للعلم فيكونون ضلالا.

والثاني: اتباع الهوى والشهوة اللذين في النفس فيكونون غواة مغضوبا عليهم).اهـ

قلت: ومن أجل ذلك كان التنبيه إلى خطر القصاص المتعالمين وباطلهم أمرا ذا بال يعود بالفائدة العظيمة على الإسلام والمسلمين في هذا العصر.

لأن دعاة الضلالة والفساد يعتمدون على وجود بعض الأباطيل ليروجوا لضلالتهم، وهذه الأباطيل ليست من الإسلام في شيء، فمحاربتها، وكشف زيفها إبطال لحجة خصوم الإسلام والمسلمين، وتفويت للفرصة عليهم.

وهذا ما يؤكد أمرين اثنين:

أولهما: أن الله تعالى حفظ هذه الشريعة من التزيد والنقصان، وأنه أقام لها حراسا وحفظة من علماء الحديث يذبون عن الدين ما ليس منه.

وثانيهما: أن الإسلام دين الفطرة.([608])

وقد تنبه العلماء إلى خطر القصاص، فكتبوا فيهم، يحذرون المسلمين من أكاذيب القصاص التي تشوه حقيقة الدين، وتظهره على نحو مخالف لمصدريه الأساسيين الكتاب والسنة.

قال عبدة بن سليمان: قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: (يعيش لها الجهابذة).([609])

أثر صحيح.

أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج2 ص18)، والخطيب في «الكفاية في علم الرواية» (66) من طريق أبي حاتم أخبرني عبدة بن سليمان به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الحافظ الخطيب / في «الكفاية» (ج1 ص141): (وقد أخبر النبي r بأن في أمته ممن يجيء بعده كذابين، فحذر منهم، ونهى عن قبول رواياتهم، وأعلمنا أن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره، فوجب بذلك النظر في أحوال المحدثين، والتفتيش عن أمور الناقلين، احتياطا للدين، وحفاظا للشريعة من تلبيس الملحدين).اهـ

وقال العلامة برهان الدين الناجي في «رسالته» (ص22): (والكذب: هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، ولو كان سهوا، فضلا عن التعمد.

ومن أصر على هذه الدعوى الباطلة بعد تعريف العلماء له ببطلانها صار متعمدا آثما فاسقا مجروحا!، وأي سماء تظل، وأي أرض تقل، من تكلم في شيء بغير علم فضل وأضل، وزل وأزل، ولا شك أن ذلك حرام ولو وافق الصواب باتفاق، كالحكم، والإفتاء، والتعبد بلا علم فضلا عن هذا الكذب). اهـ

قلت: ولقد أدركوا نتائج نشر أكاذيب هؤلاء القصاص، وخرافاتهم على الناس، فحذروا من قبولها، وعملوا على الخلاص منها.

ذلك لأن الانحراف يبدأ في أول أمره بميل يسير عن الحق، ثم لا يلبث أن يتسع، ويتسع حتى يكون المرء الذي قبل الانحراف، وسار فيه بعيدا عن الصراط المستقيم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج8 ص425): (فالبدع تكون أولها شبرا ثم تكثر في الأتباع، حتى تصير أذرعا، وأميالا، وفراسخ). اهـ

قلت: ولقد حذرنا الكتاب، والسنة عن سبيلهم.

فقال تعالى: ]وأن هـذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[ [الأنعام:153].([610])

فالطرق كلها مسدودة إلا على المقتفين آثار رسول الله r، والمتبعين سنته، وطريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه؛ كما قال تعالى: ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة[ [الأحزاب:21].

ولاشك أن الأصل إذا كان فاسدا فإن كل ما ينبني عليه فهو فاسد، فالباطل لا
يهدي إلى الحق بل يضاده، وما بني على باطل فهو باطل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص120): (من ابتغى الهدى في غير الكتاب والسنة لم يزدد من الله إلا بعدا). اهـ

وقال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الكفاية» (ج1ص47): (فإن الله تبارك وتعالى أنقذ الخلق من ثائرة الجهل، وخلص الورى من زخارف الضلالة، بالكتاب الناطق، والوحي الصادق، المنزلين على سيد الورى، نبينا محمد المصطفى، ثم أوجب النجاة من النار، والبعد عن منزل الذل والخسار، لمن أطاعه في امتثال ما أمر، والكف عما عنه نهى وزجر.

فقال تعالى: ]ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون[ [النور:52].

وطاعة الله في طاعة رسوله r، وطاعة رسوله r في (اتباع سنته، أذ هي النور البهي، والأمر الجلي، والحجة الواضحة، والمحجة اللائحة، من تمسك بها اهتدى، ومن عدل عنها ضل وغوى). اهـ

قلت: فالقرآن الكريم، والسنة النبوية مصدران أساسيان للشريعة الإسلامية، إذ السنة مبينة للقرآن مفصلة لأحكامه موضحة لما أشكل من معناه، ولما أجمل فيه، علاوة على ذلك هي أصل قائم بذاته في الأحكام الشرعية.([611])

وعن الإمام سهل بن عبدالله التستري / قال: (في قوله تعالى: ]وتعاونوا على البر والتقوى[ [المائدة:2]، قال: على الإيمان والسنة، وقوله تعالى: ]ولا تعاونوا على الإثم والعدوان[ [المائدة:2]، قال: على الكفر والبدعة).([612])

وعن أبي عثمان الحيري / قال: (من أمر السنة على نفسه نطق بالحكمة قولا وفعلا، ومن أمر البدعة على نفسه نطق بالبدعة، وقرأ: ]وإن تطيعوه تهتدوا[([613]) [النور:54].

وعن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: (ما صح أن رسول الله r قاله، فلا يقال فيه لم، ولا كيف). قال يونس: قال لي الشافعي: ما أريد إلا نصحك.

أثر صحيح

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج3 ص203) من طريق أبي حاتم الرازي قال: ثنا يونس بن عبد الأعلى به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام الشافعي / قال: (وليس في سنة رسول الله r إلا اتباعها بفرض الله عز وجل).

أثر صحيح

أخرجه الآجري في «الشريعة» (696) من طريق الحسن بن على الجصاص قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي فذكرة.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن عاصم الأحول قال: قال لنا أبو العالية: (تعلموا الإسلام، فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم؛ فإنه الإسلام، ولا تحرفوا الصراط يمينا وشمالا، وعليكم بسنة نبيكم r، والذي عليها أصحابه).

أثر صحيح

أخرجه معمر الأزدي في «الجامع» (ج11ص367)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5ص9)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج2ص218)، وابن نصر في «السنة» (27)، وابن وضاح في «البدع» (77)، واللالكائي في «الاعتقاد» (17)، والآجري في «الشريعة» (19)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (136)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص17) من طرق عن عاصم الأحول به.

وإسناده صحيح.

وعن الإمام أبي حفص النيسابوري /، وسئل: ما البدعة، قال: (التعدي في الأحكام، والتهاون بالسنن، واتباع الآراء والأهواء، وترك الاقتداء والاتباع).([614])

وعن الإمام سهل بن عبدالله التستري / قال: (مثل السنة في الدنيا مثل الجنة في الآخرة، من دخل الجنة في الآخرة سلم، ومن دخل السنة في الدنيا سلم).([615])

وعن طلحة بن مصرف، قال سألت عبد الله بن أبي أوفى ط: (أوصى النبي r، قال: لا، قال: قلت: فكيف كتب على الناس الوصية؛ أمروا بها ولم يوصي قال: أوصى بكتاب الله‏ عز وجل).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2740)، ومسلم في «صحيحه» (1634)، والترمذي في «سننه» (2119)، والنسائي في «السنن الكبرى» (6219)، وفي «السنن الصغرى» (ج6 ص240)، وابن ماجة في «سننه» (2606)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص354)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص206)، والحميدي في «المسند» (ج2 ص315)، وابن حبان في «صحيحه» (6023) من طرق عن مالك بن مغول ثنا طلحة بن مصرف به.

وعن الإمام عروة بن الزبير / قال: (السنن، السنن، فإن السنن قوام الدين).([616])

قلت: فلا شك أن كتاب الله تعالى، وسنة نبيه r، هما الأصل للأحكام الشرعية، وهما العصمة والنجاة لمن تمسك بهما، واستهدى بهديهما.([617])

فعن زيد بن أرقم t قال: (قام رسول الله r يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة، والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ، وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، من استمسك به، وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ضل، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به... الحديث).([618])

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله r قال: (يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا: كتاب الله، وسنة نبيه).([619])

قلت: فترك النبي r فينا الكتاب والسنة لن تضل ما تمسكنا بهما، والله تعالى الهادي والمضل، والفاتن، اللهم سلم سلم.

فعن عبدالله بن الزبير t قال في خطبته: (إن الله تبارك وتعالى هو الهادي، والفاتن).

أثر صحيح

أخرجه مالك في «الموطأ» (5)، وأبو داود في «القدر»، وابن وهب في «القدر» (46)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (1875)، والفريابي في «القدر» (297)، والببيهقي في «القضاء والقدر» (496)، والحدثاني في «الموطأ» (ص535)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج4 ص661).

وإسناده صحيح.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله r إذا خطب قال: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة).

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص592)، وأبو داود في «سننه» (ج3 ص36)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص550)، وفي «السنن الصغرى» (ج3 ص188)، وابن ماجة في «سننه» (ج1 ص17)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص319).

وقوله r: (وخير الهدى هدى محمد r) أي سنته([620])، وهي ما أضيف إلى النبيr  من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة، فأفضل الحديث حديث النبي r، ولذلك يجب أن تطلبه.

وعن عبدالله بن مسعود t قال: (إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتها، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (7277)، والطبراني في «المعجم الكبير»
(8518)، ووكيع في «الزهد» (398)، والمروزي في «السنة» (77)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8ص403)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (425)، وفي «الأسماء والصفات» (ج1ص482)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج1ص116)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (443) من طرق عن عبدالله بن مسعود به.

وعـن الإمـام الـشــافعي / قال: (من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في

الفقه نبل مقداره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن لم يصن نفسه([621])، لم ينفعه علمه).

أثر صحيح

أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج4 ص278)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج7 ص276)، وفي «شرف أصحاب الحديث» (143)، وفي «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص151)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص123)، والبيهقي في «مناقب الشافعي» (ج1 ص281)، وفي (المدخل إلى السنن الكبرى» (511)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج1 ص409)، وابن حمكان في «الفوائد والأخيار» (ص140) من طرق عن المزني عن الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام أبي نصر أحمد بن سلام / قال: (ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد والبدع ولا أبغض إليهم، من سماع الحديث وروايته بإسناد).

أثر صحيح

أخرجه الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص4)، والخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (152)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2ص159)، والصابوني في «عقيدة السلف وأصحاب الحديث» (165) من طريق أبي نصر أحمد بن سهل الفقيه عن أبي نصر بن سلام به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن عبدالله بن داود / قال: سمعت الثوري، يقول: «ينبغي للرجل أن يكره، ولده على طلب الحديث»، وكان يقول: «ليس الدين بالكلام، إنما الدين بالآثار».

أثر الصحيح

أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (1067)، والخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (132) من طرق عن أبي طالب زيد بن أخزم به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره المزي في «تهذيب الكمال» (ج14ص463)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج1ص338).

وعن هلال بن خباب قال: سألت سعيد بن جبير: ما علامة هلاك الناس؟ قال: (إذا هلك علماؤهم).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج4 ص289)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج15 ص40)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص153)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج4 ص276)، والدارمي في «المسند» (247)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج6 ص183)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص154)، وابن وضاح في «البدع» (213)، وابن المقرئ في «المعجم» (ص165)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج10 ص365)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج5 ص301) من طريقين عن هلال بن خباب به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن ابن عباس t قال: (هل تدرون ما ذهاب العلم؟، قلنا: لا، قال: ذهاب العلماء).

أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص310)، وأبو خيثمة في «العلم» (53)، ومن طريق قابوس عن أبيه عبدالله بن عباس به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام الحسن البصري / قال: كانوا يقولون: (موت العالم ثلمة في الإسلام، لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار).

أثر صحيح

أخرجه أحمد في «الزهد» (1478)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص351)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1021) من طريقين عن الحسن البصري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الآجري / في «أخلاق العلماء» (ص27): (فالعلماء في كل حال لهم فضل عظيم، في خروجهم لطلب العلم، وفي مجالستهم لهم فيه فضل، وفي مذاكرة بعضهم لبعض لهم فيه فضل، وفيمن تعلموا منه العلم لهم فيه فضل، وفيمن علموه العلم لهم فيه فضل، فقد جمع الله للعلماء الخير من جهات كثيرة، نفعنا الله وإياهم بالعلم). اهـ

عن الإمام أبي عبيدة / قال: (من شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم).([622])

وعن الإمام أحمد بن حنبل / قال: (الاشتغال بهذه الأخبار القديمة يقطع عن العلم الذي فرض علينا طلبه).([623])

وعن الإمام عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن محمد البصري / قال: (كل من ذهب إلى مقالة، ففزع منها إلى غير الحديث، فإلى الضلالة يصير).([624])

وعن الإمام ابن المبارك / قال: إنما الناس: العلماء، والملوك، والزهاد، والسفلة الذي يأكل بدينهم أموال الناس بالباطل، ثم قرأ: ]يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل[. [التوبة:34].

أثر حسن

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج4 ص443) من طريق أبي عثمان قال: سمعت الحسن بن عيسى يقول: سمعت ابن المبارك به.

قلت: وهذا سنده حسن.

قلت: فالطريق إلى الله تعالى، والهادي إلى الحق طريق واحد، والصوارف عن الحق سبل كثيرة جدا، والعياذ بالله.

فعن عبد الله بن مسعود t قال: «خط لنا رسول الله r خطا ثم قال: هذا سبيل الله؛ ثم خط خطوطا عن يمينه، وعن شماله ثم قال هذه سبل متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ ]إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل([625]) فتفرق بكم عن سبيله[.

حديث حسن

أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص435)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص67)، والطيالسي في «المسند» (ص33)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص343)، ومحمد بن نصر في «السنة» (ص5)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص13)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص80)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص10)، والآجري في «الشريعة» (ص10)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص318)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص196)، وفي «معالم التنزيل» (ج2 ص440)، وفي «الأنوار» (ج2 ص768)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج5 ص88)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص66)، وفي «الحلية» (ج6 ص63)، وابن وضاح في «البدع» (ص13)، والبزار في «المسند» (ج5 ص131)، وابن أبي زمنين في «السنة» (ص36)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص6)، وفي «الحدائق» (ج1 ص539)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص293)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج5 ص112)، والشاشي في «المسند» (ج2 ص48)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج5 ص1422) والسمرقندي في «تفسيره» تعليقا (ج1 ص512) من طريقين عن ابن مسعود t به.

قلت: وإسناده حسن من أجل عاصم بن أبي النجود، وهو صدوق؛ كما في «التقريب» لابن حجر (ص471).

قال ابن كثير / في «تفسيره» (ج3 ص361): (ولعل هذا الحديث عند عاصم بن أبي النجود، عن زر، وعن أبي وائل شقيق بن سلمة، كلاهما عن ابن مسعود به). اهـ

قال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص76): (فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه، وهو السنة، والسبل هي سبل أهل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم، وهم أهل البدع، وليس المراد سبل المعاصي; لأن المعاصي من حيث هي معاص لم يضعها أحد طريقا تسلك دائما على مضاهاة التشريع، وإنما هذا الوصف خاص بالبدع المحدثات). اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص80): (فهذا التفسير يدل على شمول الآية لجميع طرق البدع، لا تختص ببدعة دون أخرى). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص317): (فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن، والإيمان مثلا، أو لتعديه حدود الله بسلوك السبل التي نهي عنها، أو لاتباع هواه بغير هدى من الله، فهو الظالم لنفسه، وهو من أهل الوعيد). اهـ

قلت: ومن الآيات قول الله تعالى: ]وعلى الله قصد السبيل ومنها جآئرولو شاء لهداكم أجمعين[ [النحل:9].

قال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص89): (فالسبيل القصد هو طريق الحق، وما سواه جائر عن الحق; أي: عادل عنه، وهي طرق البدع والضلالات، وكفى بالجائر أن يحذر منه، فالمساق يدل على التحذير والنهي). اهـ

قلت: فالمتعصب،([626]) والمقلد لآراء الرجال ليس من زمرة أهل العلم، وإن ادعى ذلك، لأنه من أهل الضلالة.

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص10): (ثم خلف من بعدهم خلوف ]فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون[ [الروم:32].

تقطعوا أمرهم بينهم زبرا، وكل إلى ربهم راجعون، جعلوا التعصب للمذاهب ديانتهم التي بها يدينون، ورءوس أموالهم التي بها يتجرون، وآخرون منهم قنعوا بمحض التقليد، وقالوا ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون[ [الزخرف:123].

والفريقان بمعزل عما ينبغي اتباعه من الصواب، ولسان الحق يتلو عليهم ]ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب[ [النساء:123].

قال الشافعي - قدس الله تعالى روحه -: (أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله r لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس).([627])

وقال أبو عمر، وغيره من العلماء: أجمع الناس على المقلد ليس معدودا من أهل العلم، وأن العلم معرفة الحق بدليله.([628])

وهذا كما قال أبو عمر فإن الناس لا يختلفون أن العلم: هو المعرفة الحاصلة على الدليل، وأما بدون الدليل؛ فإنما هو تقليد.

فقد تضمن هذان الإجماعان: إخراج المتعصب بالهوى، والمقلد الأعمى عن زمرة العلماء، وسقوطهما باستكمال من فوقهما الفروض من وراثة الأنبياء).اهـ

قلت: وحذر النبي r أمته من الاختلاف، والبدع التي تقع بعده وتكون.([629])

فعن العرباض بن سارية t قال: «وعظنا رسول الله r موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها الأعين، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة فأوصنا قال: أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».

حديث صحيح

أخرجه أبو داود في «سننه» (ج4 ص200 و201)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص126)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص104)، وفي «المجروحين» (ج1 ص109)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص45)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص17)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص19 و30)، و(ج2 ص483)، والآجري في «الأربعين» (ص33 و34)، وفي «الشريعة» (ص46)، والبيهقي في «المدخل» (ص115)، وفي «الاعتقاد» (ص130)، وفي «مناقب الشافعي» (ج1 ص10)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص114)، وفي «دلائل النبوة» (ج6 ص541)، والمروزي في «السنة» (ص26)، والبزار في «المسند» (ج1 ص137)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص182)، وفي «التمهيد» (ج21 ص279)، والهروي في «ذم الكلام» (ص34)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص97)، وفي «المدخل إلى الصحيح» (ص81)، والمزي في «تهذيب الكمال» (1/ق/236/ط)، والقاضي عياض في «الشفا» (ج2 ص10 و11)، وحرب الكرماني في «مسائله» (ص394)، وأبو عبيد في «الخطب والمواعظ» (ص90)، وابن حجر في «الموافقة» (ج1 ص136)، وأبو العباس الأصم في «حديثه» (ص148)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج1 ص544)، وفي «جامع المسانيد» (ج6 ص68)، وفي «القصاص والمذكرين» (ص164)، وأبو إسحاق الحربي في «غريب الحديث» (ج3 ص1174)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج10 ص114)، وفي «معرفة الصحابة» (ج4 ص2235)، وفي «الضعفاء» (ص46)، وابن جماعة في «مشيخته» (ج2 ص557)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص44)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص205)، وفي «الأنوار» (ج2 ص769)، وفي «تفسير القرآن» (ج3 ص209)، والجورقاني في «الأباطيل» (ج1 ص308)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج18 ص245)، وفي «المعجم الأوسط» (66)، وفي «مسند الشاميين» (ج1 ص254)، والعطار الهمذاني في «ذكر الاعتقاد» (ص82)، وابن البناء في «المختار» (ص42)، والأبرقوهي في «معجم شيوخه» (ق/85/ط)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج2 ص69)، والطبري في «تفسير القرآن» (ج10 ص212)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص75)، والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص176)، وفي «الموضح» (ج2 ص423)، وابن عساكر في «الأربعين البلدانية» (ص18)، وفي «تاريخ دمشق» (ج31 ص28)، وتمام في «الفوائد» (ج1 ص119)، والداني في «السنن الواردة في الفتنة» (ج1 ص374)، وفي «الرسالة الوافية» (ص149)، والمخلص في «سبعة مجالس من أماليه» (ص147)، وابن أبي أسامة في «المسند» (ص55 بقية الباحث)، وابن وضاح في «البدع» (ص23)، وابن منيع في «المسند» (ج3 ص89-المطالب)، ونصر المقدسي في «الحجة» (ج1 ص129)، والأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (ج1 ص235) من عدة طرق عن العرباض به.

وإسناده صحيح.

قال ابن حجر / في «الموافقة» (ج1 ص 137): هذا حديث صحيح رجاله ثقات.

وقال الحافظ العراقي / في «الباعث على الخلاص من حوادث القصاص» (ص99) عن القصاص: (فلو أمسكوا عن الكلام، وآفاته لكان خيرا لهم، ولو علم الناس عندهم علما شرعيا لقصدوهم له، ولكنهم يدعون علما بلا تعلم، وإنما العلم بالتعلم). اهـ

وقال العلامة الشيخ محمد المعصومي / في «تمييز المحظوظين عن المحرومين» (ص37): (يا أيها الناس اتقوا الله حق تقواه، ولا تغتروا بما أنتم عليه من زخارف الدنيا فإن ربكم لبالمرصاد.

فافهموا كلام ربكم، وخطاب مولاكم، واعملوا بموجبه في كل الأمور دنيوية، ودينية، وأخروية فإن الدنيا مزرعة الآخرة، وكم من الناس في طرفي الإفراط والتفريط، وإنما السعادة في التوسط والاقتصاد فتنبه). اهـ

قلت: ولذلك فالعبد مأمور بلزوم الشرع كله وفق استطاعته، وهذه هي حقيقة العبودية والتأله لله، وهو الإسلام الذي يدين الله به، فإن حقيقته: الاستسلام ظاهرا، وباطنا لشريعة الإسلام.

قال الحافظ أبو حيان / في «البحر المحيط» (ج4 ص355): (الصراط هو دين الإسلام). اهـ

وقال العلامة الشيخ محمد المعصومي / في «تمييز المحظوظين عن المحرومين» (ص66): (والعجب أن كثيرا ممن يدعون العلم والدين، ويقرؤون القرآن كثيرا؛ لا يفهمون معاني القرآن إلا شيئا يسيرا، ولا يعتنون بفهم معانيه اعتناءهم بفهم كتب الفلسفة، والمعميات، والألغاز، بل يعتقدون أن فهم معانيه متعذر في هذه الأزمنة). اهـ

وقال العلامة الشيخ محمد المعصومي / في «تمييز المحظوظين عن المحرومين» (ص75): (ولما جهل الناس خطاب ربهم، فضلوا وأضلوا؛ كما هو الشائع الذائع... فيا خسارة([630]) من فاته فهم كلام ربه، ويا شقاوة من شغل نفسه عن فهم خطاب ربه بالفلسفة، والسفسطة، والأشعار، والألغاز، والأساطير، والخرافات والترهات). اهـ

وعن الإمام حسان بن عطية / قال: (ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة).

أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص231)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص386)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص104)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج6 ص73)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص351) من طرق عن الأوزاعى عن حسان به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن ابن مسعود t قال: (تعلموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله، ألا وإياكم والتنطع، والتعمق، والتبدع، وعليكم بالعتيق، فإنه سيكون آخر هذه الأمة أقوام يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله، وقد تركوه وراء ظهورهم).([631])

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (ص272) من طريق محمد بن مهاجر ثنا العباس بن سالم اللخمي عن ربيعة بن يزيد عن عائذ الله الخولاني به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه ابن نصر في «السنة» (ص29)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج10 ص252)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص43)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص324)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص43)، وأبو الفتح في «الحجة» (ج2 ص492)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» معلقا (ج1 ص1017)، وابن حبان في «روضة العقلاء» (ص37)، وابن وضاح في «البدع» (ص64)، واللالكائي في «السنة» (ج1 ص87)، والبيهقي في «المدخل» (ص271)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص189)، والهروي في «ذم الكلام» (ج4 ص23) من طريق أيوب عن أبي قلابة عن ابن مسعود به.

قلت: وهذا سند رجاله كلهم ثقات إلا أن إسناده منقطع، فإن أبا قلابة لم يسمع من ابن مسعود.

قال الهيثمي / في «الزوائد» ج1 ص126): (أبو قلابة لم يسمع من ابن مسعود).

وقال البيهقي / في «المدخل» (ص271): (هذا مرسل، وروي موصولا من طريق الشاميين).

ولذلك فإن السلف يذمون القاص مطلقا، لأنه ليس أهلا لدعوة إلى الله تعالى، بقولهم: (فلان قاص، أو كان قاصا، أو كان صاحب قصص!، أو صاحب سمر!)، أي: أنه ليس من أصحاب الحديث، ولا من المشتغلين به.

وقد قال الإمام أحمد / في صالح المري: (كان صاحب قصص يقص ليس هو صاحب آثار، وحديث، ولا يعرف الحديث).([632])

وقـال الإمـام أحـمـد /، فـي الـنـهـاس بـن قـهـم أبـي الـخـطـاب الـبصري:

(قاص).([633])

وقال الإمام يحيى بن معين /، في - النهاس بن قهم البصري-: (ليس بشيء كان قاصا).([634])

وقال الحافظ الذهبي في «ميزان الاعتدال» (ج5 ص399) عنه: (أبو الخطاب القيسي البصري القاص). اهـ

قلت: فالقصاص يشتغلون بالمقطوعات، والحكايات التي بزعمهم ترقق القلوب، وعدم الاعتناء بالمسندات الصحيحة، وقد يكون منهم الكذابون الذين يسألون الناس بهذه القصص المكذوبة.

وعن أبي أمية الجمحي t قال: سئل رسول الله r عن أشراط الساعة فقال: (إن من أشراطها أن يلتمس العلم عند الأصاغر).([635])

حديث صحيح

أخـرجـه الـطـبـرانـي في «الـمـعـجـم الكـبـير» (ج22 ص908)، والهروي في «ذم

الكلام» (ج5 ص75)، وعبدالغني المقدسي في «العلم» (ق/16/ط)، والداني في «الفتن» (ج4 ص848)، وابن المبارك في «الزهد» (ج1 ص142)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص85)، والخطيب في «الجامع» (ج1 ص137)، وفي «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص79)، وفي «نصيحة أهل الحديث» (ص27)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص612)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (ج5 ص2829) من طريق ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي أمية به.

قلت: وهذا سنده صحيح، والحديث من رواية ابن المبارك عن ابن لهيعة، وروايته عنه مستقيمة كما هو معلوم، لأنها من رواية العبادلة فهو صحيح محتج به على الراجح.

قال نعيم الراوي: قيل لابن المبارك: من الأصاغر؟ قال: الذين يقولون برأيهم، وفي قول له: أهل البدع.

وقال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني / في «الصحيحة» (ج2 ص310): (يبدو لي أن المراد بـ(الأصاغر) هنا الجهلة الذين يتكلمون بغير فقه في الكتاب، والسنة فيضلون ويضلون). اهـ

وقال ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص617): (وقال بعض أهل العلم .. إن الصغير ... إنما يراد به الذي يستفتى ولا علم عنده).اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص617): (وقالوا: الجاهل صغير وإن كان شيخا، والعالم كبير وإن كان حدثا). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص617): (وذكر أبو عبيد يعني: القاسم بن سلام في تأويل هذا الخبر، عن ابن المبارك أنه كان يذهب بالأصاغر إلى أهل البدع ولا يذهب إلى السن). اهـ

وقال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني / في «الصحيحة» (ج6 ص1003): (وما أكثر هؤلاء الصغار الذين يتكلمون في أمر المسلمين بجهل بالغ...). اهـ

قلت: وهؤلاء سبب لهلاك الأمة الإسلامية، وسبيل لتفرق كلمتهم، وتسلط العدو عليهم، اللهم سلم سلم.

قال تعالى: ]ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم[ [الأنفال:46].

والتنازع، والفشل، وذهاب القوة بسبب القصاص، وأشكالهم من المثقفين المتعالمين غير الشرعيين.

قال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني / في «فقه الواقع» (ص38): (ومن الأمور التي ينبغي ذكرها هنا: أن الذين يستطيعون حمل الأمة على ما يجب عليها وجوبا عينيا، أو كفائيا ليسوا هم الخطباء المتحمسين، ولا الفقهاء النظريين، وإنـما هــم الحكــام الذين بيدهــم الأمــر والتنفيـــذ، والحــل والعقــــد، وليســــــــــوا أيضا أولئك المتحمسين من الشباب، أو العاطفيين من الدعاة ... الذين ليس بيدهم حل، ولا ربط!!!).

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «إعانة المستفيد» (ج1 ص460) عندما تكلم عن أسباب انحراف الأمة: (السبب الأول: الاختلاف بينهم، السبب الثاني: وجود دعاة الفتنة، ودعاة الضلال. هؤلاء سبب لهلاك المسلمين ، وسبب لتفرق كلمتهم، وتسلط العدو عليهم، ويكون هناك دعاة ضلال، ودعاة فتنة، ودعاة فرقة، وتحريش بين المسلمين، كما حصل من الداعية الخبيث الأول عبدالله بن سبأ). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «وجوب التثبت من الأخبار واحترام العلماء» (ص50): (إن وجود المثقفين والخطباء المتحمسين لا يعوض الأمة عن علمائها.. وهؤلاء قراء وليسوا فقهاء فإطلاق لفظ العلماء على هؤلاء إطلاق في غير محله، والعبرة بالحقائق لا بالألقاب...). اهـ

قلت: وهؤلاء قد خرجوا من بيننا ناكثين العهود متعدين الحدود التي حدها الله تعالى، فركزوا في نشر الباطل، ونصرة البدع والمبتدعة، وطعنوا في أهل السنة والجماعة، ولقد بلغت الجرأة ببعضهم إلى تكذيب أهل السنة والجماعة، والله المستعان.

قال الإمام طلحة بن عبيد الله /: (لا تجد إنسانا فيه خير يكذب على رسول الله r).([636])

قلت: ولذلك غلظ رسول الله r عقوبة الكذب عليه، أو على صحابته y.

فعن علي بن أبي طالب t قال: قال رسول الله r: (لا تكذبوا علي فإنه من يكذب علي يلج النار).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص93)، ومسلم في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص65)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص35)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص457)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص13)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص83)، وابن المستوفي في «تاريخ إربل» (ج1 ص418)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (841)، والطيالسي في «المسند» (ص17)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج6 ص204)، والمخلص في «الفوائد» (ق/9/ط)، وأبو يعلي في «المسند» (513)، والطبراني في «طرق حديث من كذب علي متعمدا» (ص69)، والعبدي في «حديثه» (ق/14/ط)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص93)، وفي «الحلية» (ج4 ص369)، والبغوي في «شرح السنة» (114)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص355)، والقطيعي في «جزء الألف دينار» (ص465)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج2 ص423)، وفي «تاريخ الإسلام» (ج16 ص455)، وفي «ميزان الاعتدال» (ج4 ص392)، وفي «السير» (ج5 ص410)، و(ج10 ص538)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص354)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص115)، وفي «المدخل إلى الصحيح» (105)، والبزار في «المسند» (ج3 ص115)، والوخشي في «الوخشيات» (ق/2/ط)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج5 ص390)، و(ج18 ص37)، وفي «معجم الشيوخ» (ج1 ص444)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج4 ص212)، وفي «حديث الجويباري» تعليقا (ص231)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (ج1 ص32)، وفي «جامع المسانيد» (ج6 ص140)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ق/48/ط)، وعبدالله بن أحمد في «زوائد فضائل الصحابة» (ج2 ص649)، والجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (ج1 ص3)، ويحيى بن الجراح في «أماليه» (ق/27/ط)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج5 ص115)، والكنجي في «كفاية الطالب» (ق/96/ط)، والطيوري في «الطيوريات» (849)، والسمعاني في «المنتخب من معجم شيوخه» (ج1 ص619) من طريق منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن علي بن أبي طالب به.

قال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج4 ص187): (فإنما أراد بقوله (وحدثوا عني ولا تكذبوا علي)؛ أي: تحرزوا من الكذب علي بأن لا تحدثوا عني إلا بما يصح عندكم من جهة الإسناد الذي به يقع التحرز عن الكذب علي). اهـ

وقال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج1 ص354): (قوله r (لا تكذبوا علي) بصيغة الجمع، وهو عام في كل كذب مطلق، في كل نوع منه في الأحكام وغيرها؛ كالترغيب والترهيب، ولا مفهوم لقوله (علي)؛ لأنه لا يتصور أن يكذب له، لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن مطلق الكذب). اهـ

وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع).

حديث صحيح

أخرجه مسلم في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص65)، وأبو داود في  «سننه» (ج5 ص266)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص595)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (74)، والنسائي في «الإغراب» (ص237)، والبيهقي في «حديث الجويباري» تعليقا (ج2 ص221)، وفي «معرفة السنن» تعليقا (ج1 ص45) والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص112)، وفي «المدخل إلى الصحيح» (ص108)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج1 ص40)، والبغوي في «شرح السنة» (ج14 ص319)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص108)، وابن المبارك في «المسند» (ص10)، والغساني في «تقييد المهمل» (ج3 ص765)، والدارقطني في «العلل» (ج10 ص276)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص95)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص214)، وفي «المجروحين» (ص8)، والحنائي في «الفوائد» (ق/63/5/ط)، وابن نقطة في «التقييد» (ج2 ص256) من طريق شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه النووي في «المنهاج» (ج1 ص74)، والشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج5 ص38).

وقال ابن عبد البر في «الجامع» (ج2 ص1011): وهو حديث ثابت.

قلت: وقد وقع في الحديث اختلاف في وصله، وإرساله.([637])

واعلم أيها القارئ الكريم أن الكذب على رسول الله r كبيرة من الكبائر بالاتفاق.

والكذب لم يفرق في الكذب عليه بين ما فيه حكم، وبين ما لا حكم فيه، كالترغيب والترهيب، والمواعظ والقصص، وأي شيء ينسب إلى النبي r بغير دليل فهو حرام، ومن أكبر الكبائر بإجماع المسلمين.

قلت: فليتق الله الخطباء، والوعاظ، والمدرسون، ومن يتحدث عن الشريعة، وليعلموا ما هم مقدمون عليه.

والكذب عليه أوله سواء، لأنه نهى r عن مطلق الكذب، ولا يغترن مغتر بسخف جهال ضلال تكلموا في الشريعة بلا علم فضلوا ضلالا بعيدا.

قال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج1 ص75): (وأما معنى الحديث، والآثار التي في الباب ففيها الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان، فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن، وقد تقدم أن مذهب أهل الحق أن الكذب: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، ولا يشترط فيه التعمد، لكن التعمد شرط في كونه إثما). اهـ

وقال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني / في «الصحيحة» (ج5 ص38): (من الكذب أن يحدث المرء بكل ما سمع).([638]) اهـ

وعن عبد الله بن مسعود t قال: (بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع).

أثر صحيح

أخرجه مسلم في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص65)، وابن المبارك في «الزهد» (ج1 ص345)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (75)، وأحمد في «الزهد» (162) من طريق سفيان عن أبي إسحق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه الخطيب في «الجامع» (ج2 ص148) من طريق شعبة عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص به.

وإسناده حسن في المتابعات.

وقال الإمام مالك /: (اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع ولا يكون إماما أبدا وهو يحدث)؛ يعني: بكل ما سمع.

أثر صحيح

أخرجه مسلم في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص65)، والبيهقي في «معرفة السنن» تعليقا (ج1 ص145) من طريق أحمد بن عمرو قال أخبرنا ابن وهب به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام عامر الشعبي / قال: (من كان كذابا فهو منافق).

أثر صحيح

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص699)، وأبو نعيم في «صفة النفاق» (ص150) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن عامر الشعبي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه ابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص257)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص404)، والفريابي في «صفة النفاق» (22) من طريق علي بن عاصم أخبرنا بيان بن بشر عن الشعبي به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وقال الإمام عبدالرحمن بن مهدي /: (لا يكون الرجل إماما يقتدى به([639]) حتى يمسك عن بعض ما سمع).

أثر صحيح

أخرجه مسلم في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص65) من طريق محمد بن المثنى قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج1 ص424)، وابن شاهين في «تاريخ أسماء الثقات» (ج1 ص270)، والقاضي عياض في «الإلماع» (ص215)، والخطيب في «جامع أخلاق الراوي» (ج2 ص13)، والطيوري في «الطيوريات» (ج1 ص76) من طرق عن علي بن المديني حدثني أيوب بن المتوكل عن عبدالرحمن بن مهدي قال: (الحفظ الإتقان، ولا يكون إماما من حدث عن كل من رأى، ولا يحدث بكل ما سمع).

وإسناده صحيح.

وعن الإمام أرطأة بن المنذر / قال: (آية المتكلف ثلاث: يتكلم فيما لا يعلم، وينازع من فوقه، ويتعاطى ما لا ينال).

أثر حسن

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (4711) من طريق أبي بكر بن أبي داود حدثنا كثير بن عبيد حدثنا بقية بن الوليد عن أرطأة بن المنذر به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج12 ص630).

وعن أبي موسى الأشعري t قال: (من علمه الله علما فليعلمه، ولا يقولن ما ليس له به علم فيكون من المتكلفين([640])، ويمرق من الدين).

أثر حسن

أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج4 ص109) من طريق عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال: حدثنا حميد الطويل عن أبي رجاء عن أبي المهلب قال: سمعت أبا موسى به.

قلت: وهذا سنده حسن.

عن الإمام أبي خلدة خالد التميمي / قال: (أدركت الناس وهم يعلمون ولا يقولون، فهم اليوم يقولون ولا يعملون).

أثر صحيح.

أخرجه ابن أبي الدنيا في «الصمت» (682) والبيهقي في «شعب الإيمان» (4691) من طريق قتيبة بن سعيد حدثنا ليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن أبي خلدة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فأهل العلم لا يعجبهم القول بلا عمل، فالعبد ينظر إلى عمله، ولا ينظر إلى قوله.([641])

وقال: عطاف بن خالد: قيل لزيد بن أسلم عمن يا أبا أسامة؟ قال: (ما كنا نجالس السفهاء، ولا نحمل عنهم).

أثر صحيح.

أخرجه أبو زرعة الدمشقي في «التاريخ» (ص205) من طريق علي بن عياش قال حدثنا عطاف بن خالد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام عبد الله بن يزيد بن هرمز: (أنه كان يرى بعض من يطلب الأحاديث فيقول: هذا حاطب ليل قال يجمع القشة).

أثر صحيح.

أخرجه أبو زرعة الدمشقي في «التاريخ» (ص205) من طريق الحارث بن مسكين عن ابن وهب قال حدثنا مالك عن عبد الله بن يزيد بن هرمز به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن أبي عاصم النبيل قال: سألت سفيان الثوري: من الناس؟، قال: العلماء، قلت: فمن الملوك؟، قال: الزهاد، قلت: فمن السفلة؟، قال: الذي لا يبالي ما يقول([642])، ولا ما يقال له).([643])

أثر حسن

أخرجه ابن حمكان في «الفوائد والأخبار» (ص145) من طريق موسى بن سعيد الفراء، قال: حدثنا محمد بن يونس الكديمي قال: حدثنا أبو عاصم النبيل.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعـن ابـن المبارك / قال: (أمـا الناس: الـعلمـاء، والملوك، الزهاد، والسفلة

الذي يأكل بدينه أموال الناس بالباطل([644])، ثم قرأ: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل [التوبة:34].

أثر حسن

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج4 ص443) من طريق أبي عثمان قال: سمعت الحسن بن عيسى يقول: سمعت ابن المبارك به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن إسرائيل بن يونس / قال: (من طلب هذا العلم لله تعالى شرف وسعد في الدنيا والآخرة، ومن لم يطلبه لله خسر الدنيا والآخرة).

أثر حسن

أخرجه الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج1 ص124) من طريق محمد بن أبي هاشم قال: سمعت عبد العزيز بن أبي رزمة به.

قلت: وهذا سنده حسن.

قال الخطيب في «الجامع» (ج1 ص124): (وليحذر أن يجعله سبيلا إلى نيل الأعراض، وطريقا إلى أخذ الأعواض، فقد جاء الوعيد لمن ابتغى ذلك بعلمه). اهـ

وعـن الإمام الليـث بن سعد المصـري / قال: (كتب إلي عبد الله بن نافع، لا

تسمعوا من قصاصنا ما يخبون([645]) به من الحديث).

أثر صحيح

أخرجه أبو حاتم في «الزهد» (ص77) من طريق ضمام بن إسماعيل المعافري عن الليث بن سعد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن أبي عاصم النبيل قال: سألت مالكا: من السفلة؟، قال: (الذي يأكل بدينه).

أثر صحيح

أخرجه ابن حكمان في «الفوائد» (ص146) من طريق أبي عاصم النبيل به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: وهؤلاء يفرحون، ويتبجحون بأقوال الوضاعين المخالفة لمنهج السلف، ويجاهرون بها في المساجد، وغيرها، والله يقول: ﴿لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم﴾ [النساء:148]. والنبي r يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون).([646])

قال الحافظ ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج9 ص263): (وفي المـجاهرة بالمعـاصي استخفاف بحـق الله تعالى، وحق رسوله r، وضرب من

العناد لهما). اهـ

وعن محمد بن رافع قال: قيل، لسفيان بن عيينة، بم وجدت الحفظ؟، قال: (بترك المعاصي).([647])

قلت: فالجهر بالبدعة، والمعصية استخفاف بحق الله تعالى، ورسوله r، وبصالحي المؤمنين، والله المستعان.

قلت: فما دام هذا حالهم فيجب هجرهم للحذر من شرهم، لأن مما لا شك فيه أن الصديق له تأثير كبير على صديقه في الشر، لكثرة مخالطته، ولشدة ملازمته، ولمعرفة مداخله ومخارجه، ومواضع الضعف فيه.

ومما هو مقرر أن التأثير في الشر أكثر، وأسرع من التأثير بالخير، وكم من صديق أوقع صديقه في مزالق الشر، وأورده موارد الهلكة، والكتاب بين لنا عاقبة اتخاذ أصدقاء السوء، وأن هذه الصداقة شؤما على صاحبها؛ لأنه ظالم لنفسه، والعياذ بالله.([648])

وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «الإبداع في كمال الشرع وخطر الابتداع» (ص4): (أيها المسلم فاعلم أن كل من ابتدع شريعة في دين الله، ولو بقصد حسن، فإن بدعته هذه مع كونها ضلالة تعتبر طعنا في دين الله عز وجل، تعتبر تكذيبا لله تعالى في قوله تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ [المائدة:3]، لأن هذا المبتدع الذي ابتدع شريعة في دين الله تعالى، وليست في دين الله تعالى كأنه يقول بلسان الحال إن الدين لم يكمل، لأنه قد بقي عليه هذه الشريعة التي ابتدعها يتقرب بها إلى الله عز وجل). اهـ

قلت: ويؤيد ما سبق: ما أخرجهالبخاري في «صحيحه» (6604)، ومسلم في «صحيحه» (2891) عن حذيفة t قال: (قام فينا رسول الله r مقاما، ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة، إلا حدث به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه).

فثبت من هذا الحديث أن النبي rلم يمت حتى أتى ببيان جميع ما يحتاج إليه في أمر الدين والدنيا، وهذا لا مخالف عليه من أهل السنة والجماعة.

قلت: فالمبتدع يخالف هذا الأصل، ويستدرك على الشارع أنه علم ما لم يعلمه الشارع، وهذا إن كان مقصودا للمبتدع؛ فهو كفر بالشريعة والشارع، وإن كان غير مقصود، فهو ضلال مبين.([649])

قلت: فعليك بلزوم السنة؛ فإنها لك بإذن الله عصمة، وأعلم أن الناس لم يحدثوا بدعة إلا وقد مضى قبلها ما هو دليل عليها وعبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في اختلافها من الخطأ والزلل، والحمق والتعمق.

فعن عبد الله بن مسعود t قال: (اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا؛ فقد كفيتم، وكل بدعة ضلالة).

أثر صحيح

أخرجه وكيع في «الزهد» (ج2 ص590)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (175)، وأحمد في «الزهد» (162)، وابن وضاح في «البدع» (10)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص288)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (11)، وأبو خيثمة في «العلم» (54)، والمروزي في «السنة» (ص23)، وبحشل في «تاريخ واسط» (ص198)، وأبو شامة في «الباعث» (24)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص168)، والأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (460)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص86)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (16)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (204)، والداني في «علوم الحديث» (ص290).

وإسناده صحيح.

قلت: فعليكم باتباع السلف الصالح، وطبقوا آثارهم في دعوتكم، لأنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأقومها هديا ﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون﴾ [المجادلة:22]. فمن اتبعهم دخل في هذه الآية، وكان من أهلها، والسلام يا أنام.

وقال الإمام بشر بن الحارث /: (بحسبك أن قوما موتى تحيى القلوب بذكرهم، وأن قوما أحياء تقسو القلوب برؤيتهم).([650])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص366): (ثم المتقدمون الذين وضعوا طرق الرأي، والكلام، والتصوف، وغير ذلك: كانوا يخلطون ذلك بأصول من الكتاب والسنة والآثار؛ إذ العهد قريب، وأنوار الآثار النبوية بعد فيها ظهور، ولها برهان عظيم، وإن كان عند بعض الناس قد اختلط نورها بظلمة غيرها.

* فأما المتأخرون فكثير منهم جرد ما وضعه المتقدمون، مثل من صنف في الكلام من المتأخرين، فلم يذكر إلا الأصول المبتدعة، وأعرض عن الكتاب والسنة، وجعلهما إما فرعين، أو آمن بهما مجملا، أو خرج به الأمر إلى نوع من الزندقة، ومتقدموا المتكلمين خير من متأخريهم.

* وكذلك من صنف في الرأي؛ فلم يذكر إلا رأي متبوعه وأصحابه، وأعرض عن الكتاب والسنة، ووزن ما جاء به الكتاب والسنة على رأي متبوعه، ككثير من أتباع أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم.

* وكـذلك من صـنـف في التصـوف والزهد، جعل الأصـل مـا روي عـن مـتأخري

الزهاد، وأعرض عن طريق الصحابة والتابعين، كما فعل صاحب الرسالة أبو القاسم القشيري، وأبو بكر محمد بن إسحاق الكلاباذي، وابن خميس الموصلي في مناقب الأبرار، وأبو عبد الرحمن السلمي في تاريخ الصوفية...). اهـ

قلت: ولذلك هؤلاء لا يقيمون للحق وزنا إذا جاء من طريق غير طريق حزبهم، أو من سبيل غير سبيل دعوتهم؛ لأنهم على هذه الأحزاب يوالون، وبها يعادون، والمعيار عندهم هو الولاء الحزبي ليس شيئا سواء.

* ولذلك مزقت الشمل، وفرقت الأمة، وأضعفت العلم الشرعي فيها، وقوت الآراء البدعية فيها، وسترت أهل البدع والأهواء تحت مظلة وحدة الصف، والتجمع: ﴿تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون [الحشر:14].([651])

قلت: وإخفاء الخلاف والتستر عليه، والظهور بمظهر الوحدة ظاهرا مع الاختلاف والانشقاق باطنا سبيل اليهود والنصارى الذين يظهرون الائتلاف، ويبطنون الخلاف.

ولذلك لا ينكر بعضهم على بعض في الظاهر.([652])

قال تعالى: ﴿لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتـدون (78) كانـوا لا يتناهون عن مـنكر فعلوه لبئس ما

كانوا يفعلون [المائدة:78 و79].

قلت: والحزبية في الباطن يتعادون لتباين فيما بينهم في العقيدة، والمنهج بأسهم بينهم شديد، ومع هذا يظهرون الوحدة المزعومة فيما بينهم أمام أعين الناس، والله تعالى كشفهم، وأشكالهم في القرآن الكريم.

فقال تعالى: ﴿تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون [الحشر:14].

قال الحافظ ابن كثير / في «تفسيره» (ج2 ص364): (قال تعالى: ﴿بأسهم بينهم شديد [الحشر:14]؛ أي: عداوتهم فيما بينهم شديدة، كما قال تعالى: ﴿ويذيق بعضكم بأس بعض [الأنعام:65]، ولهذا قال تعالى: ﴿تحسبهم جميعا وقلوبهم [الحشر:14]؛ أي: تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين([653])، وهم مختلفون غاية الاختلاف).اهـ

وقال الإمام البغوي / في «معالم التنزيل» (ج4 ص322): (﴿تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى؛ متفرقة مختلفة، قال قتادة: أهل الباطل مختلفة أهواؤهم، مختلفة شهادتهم، مختلفة أعمالهم، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق). اهـ

قلت: فرؤوس الجماعات الإسلامية في هذا العصر قاموا بتحزيب المسلمين و﴿فرقوا دينهم وكانوا شيعا؛ وعقدوا ألوية الولاء والبراء عليها، ومن ثم حملهم، وظلمهم لبعض معرضين عن نصوص الشريعة... ولسان مقالهم وحالهم يقول: الحب، والولاء في الحزب والتنظيم، والبغض، والبراء في الحزب والتنظيم، فمن كان حزبيا فهو القريب، ولو كان مخلا بكثير من شعائر الإسلام، ومن لم يكن حزبيا فهو البعيد، ولو كان أتقى أهل زمانه([654])، اللهم غفرا.

قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد» (ج1 ص127): (فالجاهل لا يصلح للدعوة، وليس محمودا، وليست طريقته طريقة الرسول r، لأن الجاهل يفسد أكثر مما يصلح). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج1 ص496): (إذا أشكل على الناظر، أو السالك حكم شيء: هل هو الإباحة، أو التحريم؟ فلينظر إلى مفسدته، وثمرته، وغايته، فإن كان مشتملا على مفسدة راجحة ظاهرة؛ فإنه يستحيل على الشارع الأمر به، أو إباحته، بل العلم بتحريمه من شرعه قطعي، ولاسيما إذا كان طريقا مفضيا إلى ما يغضب الله ورسوله، موصلا إليه عن قرب، وهو رقية له، ورائد، وبريد، فهذا لا يشك في تحريمه أولو البصائر). اهـ

قلت: فأهل الأهواء، والانحراف أعظم الناس تحزبا، واختلافا؛ اللهم غفرا.

والشارع الحكيم أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص285): (أن الله أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن البدعة والاختلاف). اهـ

وقال بشر بن الحارث الزاهد:

ذهـب الـرجـال الــمـرتـجـى لـفـعـالـهــــــم

 

 

والــمـنـكـــرون لــكـــل أمـــر مــنــكـــــــــر

وبـــقــيــت فـــي خــلــف يــزيــن بــعضهم

 

 

بــــعــــضــــا لــيــدفـــع مــعور عن معور([655])

قلت: فحقيق بمن لنفسه عنده قدر وقيمة، ألا يلتفت إلى هؤلاء القصاص، ولا يرضى بما لديهم من جهل مركب، والله المستعان.

قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج3 ص91): (اعلموا رحمكم الله أن من صفات المؤمنين من أهل الحق تصديق الآثار الصحيحة، وتلقيها بالقبول، وترك الاعتراض عليها بالقياس يعني: بالراي - ومواضعة القول بالآراء، والأهواء، فإن الإيمان تصديق، والمؤمن هو المصدق).اهـ

وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني / في «الحجة» (ج2 ص462): (قال أهل السنة: لا نرى أحدا مال إلى هوى، أو بدعة، إلا وجدته متحيرا ميت القلب ممنوعا من النطق بالحق).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في (درء تعارض العقل والنقل) (ج8 ص173): (والسلف والأئمة كلهم ذموا الكلام المحدث وأهله، وأخبروا أنهم يتكلمون بالجهل، ويخالفون الكتاب، والسنة، وإجماع السلف، مع أن كلامهم جهل، وضلال مخالف للعقل، كما هو مخالف للشرع).اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج10 ص547): (هذا غاية ما عند هؤلاء المتقعرين من العلم عبارات، وشقاشق لا يعبأ الله بها، يحرفون بها الكلم عن مواضعه قديما وحديثا، فنعوذ بالله من الكلام وأهله).اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «تاريخ الإسلام» (ج16 ص442): (هذا غاية ما عند هؤلاء المتقعرين عبارات، وشقاشق يتقعرون بها قديما وحديثا، ويحرفون بها الكلام عن مواضعه، والخطاب العربي عن موضوعه، والحديث العرفي عن مفهومه في القرآن والحديث، وكلام الناس؛ فأبعدهم الله، وأبعد شرهم).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى الكبرى» (ج5 ص18): (كان من شعار أهل البدع إحداث قول، أو فعل، وإلزام الناس به، وإكراههم عليه، والموالاة عليه، والمعاداة على تركه).اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج3 ص926): (فإن البدعة لو كانت باطلا محضا لما قبلت، ولبادر كل أحد إلى ردها وإنكارها، ولو كانت حقا محضا لم تكن بدعة، وكانت موافقة للسنة، ولكنها تشتمل على حق وباطل، ويلتبس فيها الحق بالباطل، كما قال تعالى: ﴿ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون [البقرة:42]، فنهى عن لبس الحق بالباطل وكتمانه، ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر، ومنه التلبيس، وهو التدليس، والغش الذي يكون باطنه خلاف ظاهره). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الجواب الصحيح» (ج5 ص117): (لا ريب أن الباطل لا يقوم عليه دليل صحيح لا عقلي، ولا شرعي، سواء كان من الخبريات، أو الطلبيات، فإن الدليل الصحيح يستلزم صحة المدلول عليه، فلو قام على الباطل دليل صحيح لزم أن يكون حقا مع كونه باطلا، وذلك جمع بين النقيضين، مثل كون الشيء موجودا معدوما).اهـ

قلت:  إذا فالقاص هذا لم يبلغ درجة علماء السنة في الاجتهاد وفي العلم، فهو لا يعتد بخلافه لقصوره في العلم، وعدم توفر آلة الاجتهاد لديه، فهو يعتبر من عامة الناس المثقفين الجاهليين، وهو جاهل بالجهل المركب، وهو مقلد سمع الناس يقولون شيئا فقاله، ولا يشك من أوتي شيئا من العلم، والفهم أن جميع العلماء المجتهدين كانوا يقصدون غاية واحدة، وهي استنباط الحكم الموصل إلى مراد الشارع، غير أن مداركهم قد تفاوتت في طريق الوصول إليه.([656])

والقاص هذا ليس عنده الطريق الصحيح الموصل إلى حكم الشارع، والاجتهاد المؤصل بالعلم، فاجتهاده هذا من قبيل الاجتهادات الفاسدة عند أهل العلم يأثم عليها إذا لم يتب منها؛ اللهم غفرا. ([657])

قـال الإمـام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص62): (وكان السلف

من الصحابة، والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى بها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة، أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى). اهـ

قلت: فمن قصر في البحث فيها، وخالف فهو آثم، وذلك لأن الاجتهاد الصحيح لا ينقض بالاجتهاد الفاسد؛ فتنبه.([658])

وهو الاجتهاد الناقص: وهو الذي يكون مع التقصير في البحث والنظر، كما بين أهل العلم.([659])

قلت: والاجتهاد بهذه الصفة يأثم عليه العبد بلا شك كائنا من كان فتنبه.([660])

قلت: فلا يعتبر الاجتهاد شرعا إلا إذا صدر عن أهله، الذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر إليه الاجتهاد، وإلا كان خبطا في عماية، واتباعا للهوى، وكل اجتهاد صدر على غير هذا الوجه، فلا مرية في عدم اعتباره؛ لأنه ضد الحق الذي أنزله الله تعالى.([661])

قال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج4 ص167): (الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان:

أحدهما: الاجتهاد المعتبر شرعا، وهو الصادر عن أهله الذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر إليه الاجتهاد، وهذا هو الذي تقدم الكلام فيه.

والثاني: غير المعتبر وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه؛ لأن حقيقته أنه رأي بمجرد التشهي والأغراض، وخبط في عماية، واتباع للهوى، فكل رأي صدر على هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره؛ لأنه ضد الحق الذي أنزل الله كما قال تعالى: ﴿وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم﴾ [المائدة:49]، وقال تعالى: ﴿يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله﴾ [ص:26]، وهذا على الجملة لا إشكال فيه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستغاثة» (ج1 ص270): (الخبر الذي لا يطابق مخبره، إذا كان صاحبه غير مجتهد، يسمى كذبا، ويذم على ذلك، وإن اعتقد صدق نفسه).اهـ

قلت: لأن الكذب الذي لا يتبادر إلى أذهان الناس منه عند الإطلاق إلا التعمد، والله المستعان.

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «الاجتهاد» (ص 25): (خطورة الاجتهاد: الاجتهاد مركب صعب، ومنصب خطير، لأن المجتهد يفتي، ويخبر عن الله، وعن رسوله e، أنه أحل كذا، وحرم كذا، وقد قال الله تعالى ﴿قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم إلى قوله تعالى ﴿وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾ [الأعراف:33]، فجعل القول على الله بلا علم قرينا للشرك، بل جعله أشد من الشرك مما يدل على خطورة الاجتهاد والفتوى، وفي الأثر: (أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار) ([662]).

وكما أن المجتهد يخبر عن الله فهو أيضا يعرض الناس للوقوع في الخطر، والضلال إذا لـم يتحرز، ويتحـفظ، ويتأهل، لأنه قد يحل دما حراما، وفرجا حراما،

ومالا حراما، وطعاما حراما، إلى غير ذلك من المحاذير العظيمة). اهـ

قلت: ولذلك علينا أن نرجع إلى أهل العلم المعتبرين، لا من أمثال المثقفين([663]) بشيء من العلم الشرعي في الدين، فتنبه.

 قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في (وجوب التثبت في الأخبار، واحترام العلماء) (ص50): (إن وجود المثقفين، والخطباء المتحمسين لا يعوض الأمة عن علمائها... وهؤلاء قراء وليسوا فقهاء، فإطلاق لفظ العلماء على هؤلاء إطلاق في غير محله، والعبرة بالحقائق لا بالألقاب، فكثير ممن يجيد الكلام ويستميل العوام وهو غير فقيه، والذي يكشف هؤلاء أنه عندما تحصل نازلة يحتاج إلى معرفة الحكم الشرعي فيها فإن الخطباء، والمتحمسين تتقاصر أفهامهم، وعند ذلك يأتي دور العلماء.

فلننتبه لذلك، ونعطي علماءنا حقهم، ونعرف قدرهم، وفضلهم، وننزل كلا منزلته اللائقة به).اهـ

وقال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي / في «تفسيره» (ج1 ص80): (فالقول على الله بلا علم، من أكبر المحرمات، وأشملها، وأكبر طرق الشيطان التي يدعوا إليها، فهذه طرق الشيطان التي يدعوا إليها هو وجنوده، ويبذلون مكرهم، وخداعهم على إغواء الخلق بما يقدرون عليه). اهـ

وقـال الـعلامة الشيخ محمد هراس / في «شرح العقيدة الواسطية» (161):

(وأما القول على الله بلا علم؛ فهو باب واسع جدا يدخل فيه كل خبر عن الله بلا دليل ولا حجة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص396): (ومن تكلم في الدين بلا علم كان كاذبا، وإن كان لا يتعمد الكذب).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج15 ص349): (خطوات الشيطان القول على الله بلا علم، قال تعالى ﴿وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون﴾ [الأعراف:28]، وهذه حال أهل البدع، والفجور). اهـ

وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «العلم» (ص149): (الذي يفتي بلا علم أضل من الجاهل، فالجاهل يقول: لا أدري، ويعرف قدر نفسه، ويلتزم الصدق، أما الذي يقارن نفسه بأعلام العلماء، بل ربما فضل نفسه عليهم، فيضل ويضل، ويخطئ في مسائل، يعرفها أصغر طالب علم، فهذا شره عظيم، وخطره كبير). اهـ

قلت: فالقول على الله بغير علم، هو أساس كل فساد، وأصل الضلال، والعياذ بالله.

وقال الحافظ ابن حزم / في «الإحكام» (ج1 ص72): (وجدنا الله تعالى أنكر على من حقق شيئا بغير علم، وأنكر على من كذب بغير علم، فقال تعالى ﴿قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾ [الأعراف:33]، فقد حرم الله تعالى بنص هذه الآية أن يقول أحد على الله عز وجل شيئا لا يعلم صحته، وعلم صحة كل شيء مما دون أوائل العقل، وبدائه الحس، لا يعلم إلا بدليل.

فلزم بهذه الآية من ادعى إثبات شيء، إما أن يأتي عليه بدليل، وإلا فقد أتى محرما عليه، وقال تعالى: ﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله﴾ [يونس:39]، فأنكر تعالى تكذيب المرء ما لا يعلم أنه كذب.

وقال تعالى: ﴿قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين﴾ [البقرة:111]، فأوجب تعالى على كل مدع المصدق أن يأتي ببرهان، وإلا فقوله ساقط).اهـ

قلت: فنلزم القاص أن يأتي بالبرهان على دعواه إن كان صادقا؛ اللهم غفرا.

قلت: والقاص هذا يأخذ من الصحف([664])، دون الرجوع إلى الشيوخ المعتبرين في الدين، مما ارتكز في أخطاء شنيعة في أصول الدين!، اللهم سلم سلم.

ولهذا كان العلماء لا يعتدون بعلم الرجل إذا كان مأخوذا عن الصحف، فانتبه.

فعن الإمام سليمان بن موسى القرشي / قال: (لا تقرؤا القرآن على المصحفين([665])، ولا تأخذوا العلم من الصحفيين).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص193) من طريق عبدالله بن جعفر بن درستويه نا يعقوب بن سفيان حدثني أبو سعيد عبدالرحمن الدمشقي نا الوليد بن مسلم، وسويد بن عبدالعزيز عن سعيد التنوخي عن سليمان بن موسى به.

قلت: وهذا سنده صحيح. وذكره السخاوي في «فتح المغيث» (ج2 ص262).

وعن الإمام ثور بن يزيد / قال: (لا يفتي الناس الصحفيون).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص194) من طريق ابن أبي عاصم، وأبي زرعة الرازي عن هشام بن عبدالملك الحمصي نا بقية قال: سمعت ثور بن يزيد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وهذا لفظ ابن أبي عاصم، وآخر حديثه وقال أبو زرعة الرازي: (لا يفتي الناس صحفي، ولا يقرئهم مصحفي).

وذكره السخاوي في «فتح المغيث» (ج2 ص262).

قلت: وهذا المتعالم المفتون مادام على هذا الجهل المركب فهو مخاصم، ومماري، ومحدث بالباطل.

أيها المتعالم لا تزال ظالما ما كنت مخاصما حاقدا، ولا تزال آثما ما كنت مماريا عصبيا، ولا تزال كاذبا ما كنت محدثا مفتريا.

قلت: ولذلك وقع القاص في الأحكام المجملة لا التفصيلية، فأضل السبيل لفهمه العليل.

قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب /: (ومن أهم ما على العبد، وأنفع ما يكون له معرفة قواعد الدين على التفصيل.

فإن أكثر الناس يفهم القواعد، ويقر بها على الإجمال!، ويدعها عند التفصيل!)([666])([667])اهـ

قلت: فتبين من ذلك أن القاص فيه غفلة شديدة في الاعتقاد، والمنهج، والشريعة، والعلم، لم يكن يقدر أن يصون نفسه عن هذه الغفلة الشديدة، كما يفعل أصحاب الحديث شرفهم الله تعالى.

قال الإمام أبو عاصم النبيل /: (لا يذكر الناس بما يكرهون، إلا سفلة لا ترجع إلى دين).([668])

وقال الإمام مالك بن دينار /: (لأنا للقارئ يعني: القاص - الفاجر أخوف مني من الفاجر المبرز بفجوره، إن هذا أبعدهما غورا).([669])

وقال الإمام أيوب السختياني /: (لا خبيث أخبث من قارئ فاجر).([670]) يعني: القاص.

وقال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص547): (فاعلم يا أخي أن من كره الصواب من غيره، ونصر الخطأ من نفسه، لم يؤمن عليه أن يسلبه الله ما علمه، وينسيه ما ذكره، بل يخاف عليه أن يسلبه الله إيمانه، لأن الحق من رسول الله إليك افترض عليك طاعته، فمن سمع الحق فأنكره بعد علمه له فهو من المتكبرين على الله، ومن نصر الخطأ فهو من حزب الشيطان). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصفدية» (ج1 ص293): (وإنما جماع الشر تفريط في حق، أو تعدي إلى باطل، وهو تقصير في السنة، أو دخول في البدعة، كترك بعض المأمور، وفعل بعض المحظور، أو تكذيب بحق، وتصديق بباطل).اهـ

وقال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني / في «صفة الصلاة» (ص70): (ومن أعف نفسه من النظر، وأضرب عما ذكرنا، وعارض السند برأيه، ورام أن يردها إلى مبلغ نظره فهو ضال مضل، ومن جهل ذلك كله أيضا، وتقحم في الفتوى بلا علم فهو أشد عمى، وأضل سبيلا).اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص99): (من عرض عليه حق فرده فلم يقبله عوقب بفساد قلبه، وعقله، ورأيه، ومن هنا قيل: لا رأي لصاحب هوى، فإن هواه يحمله على رد الحق، فيفسد الله عليه رأيه، وعقله).اهـ

وقال العلامة عبدالرحمن المعلمي / في «التنكيل» (ج2 ص201): (فأما من كره الحق، واستسلم للهوى، فإنما يستحق أن يزيده الله تعالى ضلالا).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص629): (أن المستكبر عن الحق يبتلى بالانقياد للباطل).اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص245): (فإن من رد الحق مرج عليه أمره، واختلط عليه، والتبس عليه وجه الصواب، فلم يدر أين
يذهب؛ كما قال تعالى ﴿بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج﴾ [ق:5])([671]).اهـ

وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: (بلغني أن رجالا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله r، فأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها).([672])

قال الإمام ابن رجب / في «بيان فضل علم السلف على علم الخلف» (ص53): (ومن علامات ذلك يعني: الجهل عدم قبول الحق والانقياد إليه، والتكبر على من يقول الحق خصوصا إن كان دونهم في أعين الناس، والإصرار على الباطل خشية تفرق قلوب الناس عنهم). اهـ

قلت: فمن أراد فهم كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وجب عليه تصحيح دعوته... ولا يتأتى تصحيحها إلا بعرضها على أفواه الشيوخ الضابطين الربانيين، ومتى استنكف عن ذلك استكبارا، واعتدادا بالنفس فقد وقع في الخطأ لا محالة، ومن هنا لحقه الإثم.

واعلم أخي المسلم الكريم أن السني لا يقول حتى يقول الله تعالى، ورسوله r، وصحابة النبي r.

الـعـلـم قــــــال الله قـــال رســولـــــــــــــــــه

 

 

قـــال الــصـحـابة هـــم أولــوا الــــعـرفان([673])

واعلم أخي المسلم الكريم أن البدعي جعل دينه ما قال عقله ورأيه، فلا يبالي ما يخرج من رأسه أهو حق، أم باطل.

وبعض([674]) من تمكن الجهل، والتعصب، والهوى منه يعظم هذه الألفاظ البدعية التي أطلقها رؤوس الضلالة، بل والقواعد البدعية، ويغضب لها إذا بين ما فيها من خطأ، أو زلل.

والواجب على هؤلاء أن يجعلوا ما أنزله الله تعالى من الكتاب، والسنة أصلا في جميع أمور الدين، ثم يردوا ما تكلم فيه الرؤوس إلى ذلك، ثم يبينوا ما في هذه الألفاظ من موافقة للكتاب والسنة فتقبل، أو ما فيها من مخالفة للكتاب والسنة فترد، فهذا هو طريق العلم.

قلت: والألفاظ التي تطلق على الأشخاص الثابتة بالكتاب والسنة، وآثار السلف يجب إثباتها، والألفاظ التي تطلق على الأشخاص المنفية بالكتاب، والسنة يجب نفيها، فهذا طريق السلف الصالح في الردود على الأشخاص.

ومن تأمل في تاريخ الأمة الإسلامية؛ وجد أن منهج رؤوس الضلالة الاتيان بألفاظ بدعية، ليست في الكتاب، والسنة يطلقونها على أهل الحديث والأثر([675])... ليتوصلوا بها إلى إبطال منهج أهل الأثر([676])، فافطن لهذا.

قال الإمام أبو حاتم الرازي /: (علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة: تسميتهم أهل السنة حشوية يريدون إبطال الآثار، وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة، وعلامة القدرية تسميتهم أهل الأثر مجبرة، وعلامة المرجئة: تسميتهم أهل السنة مخالفة ونقصانية، وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل السنة ناصبة،. ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد، ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء).([677])

وعن عمر بن الخطاب t أنه اطلع على أبي بكر الصديق t، وهو يمد لسانه، فقال عمر t: (ما تصنع يا خليفة رسول الله r، فقال أبي بكر t: إن هذا أوردني الموارد).

أثر صحيح

أخرجه مالك في «الموطأ» (ج2 ص988)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص33)، و(ج9 ص17)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص66)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (18)، وابن وهب في «جامع الحديث» (ج1 ص423)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج4 ص256)، والخطيب في «الفصل للوصل المدرج» (ج1 ص242)، وعبدالله بن أحمد في «زوائد الزهد» (112)، والدارقطني في «العلل» (1/ق3/1)، من طرق عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال تعالى: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا﴾ [النساء:115].

وقال تعالى: ﴿فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون﴾ [يونس:32].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص137): (من تدبر القرآن طالبا للهدى منه تبين له طريق الحق). اهـ

وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين /: (كثير من الناس أوتوا علما، ولكن لم يؤتوا فهما!، فلا يكفي أن تحفظ كتاب الله عز وجل، وما تيسر من سنة رسول الله r بدون فهم، لابد أن تفهم عن الله تعالى، ورسوله r ما أراده الله تعالى، ورسوله r، وما أكثر الخلل من قوم استدلوا بالنصوص على غير مراد الله عز وجل، ورسوله r؛ فحصل بذلك الضلال). اهـ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج22 ص240): (ولا يحل لأحد أن يتكلم في الدين بلا علم، ولا يعين من تكلم في الدين بلا علم، أو أدخل في الدين ما ليس منه). اهـ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص449): (ومن تكلم في الدين بلا علم كان كاذبا، وإن كان لا يتعمد الكذب). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج17 ص310): (فإذا انقطع عن الناس نور النبوة، وقعوا في ظلمة الفتن، وحدثت البدع، والفجور، ووقع الشر بينهم). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ص81): (فقوله تعالى: ﴿فاستمتعتم بخلاقكم﴾ [التوبة:69]؛ إشارة إلى اتباع الشهوات، وهو داء العصاة، وقوله تعالى: ﴿وخضتم كالذي خاضوا﴾ [التوبة:69]، إشارة إلى اتباع الشبهات، وهو داء المبتدعة، وأهل الأهواء والخصومات، وكثيرا ما يجتمعان، فقل من تجد في اعتقاده فسادا؛ إلا وهو يظهر في عمله). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية /في «الفتاوى» (ج7 ص629): (المستكبر عن الحق يبتلى بالانقياد للباطل). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ج3 ص525): (ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض؛ فسببه توحيد الله تعالى، وعبادته، وطاعة رسوله r، وكل شر في العالم، وفتنة، وبلاء، وقحط، وتسليط عدو، وغير ذلك؛ فسببه مخالفة رسوله r، والدعوة إلى غير الله تعالى، ورسوله r). اهـ

وقال الإمام ابن القيم ر في «الفوائد» (ج3 ص743): (متى رأيت العقل يؤثر الفاني([678]) على الباقي([679])؛ فاعلم أنه قد مسخ([680])!). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص68): (فلو عرف العبد كل شيء، ولم يعرف ربه، فكأنه لم يعرف شيئا، ولو نال كل حظ من حظوظ الدنيا، ولذاتها، وشهواتها، ولم يظفر بمحبة الله، والشوق إليه، والأنس به، فكأنه لم يظفر بلذة، ولا نعيم، ولا قرة عين، بل إذا كان القلب خاليا عن ذلك عادت تلك الحظوظ، واللذات عذابا له، ولابد). اهـ

وقال ابن مسعود t: (من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله r، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا؛ قوم اختارهم الله لصحبة نبيه r، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم).([681])

وفي رواية: (من كان مستنا فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد r كانوا أفضل هذه الأمة).

قلت: قوله: (مستنا)؛ المستن: الذي يعمل بالسنة، فهو سن، واستن.([682])

وعن عبدالله بن مسعود t قال: (عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبضه بذهاب أهله، إنكـم سـتـجدون أقوامـا يـزعمـون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء

ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم، والتبدع، والتنطع، والتعمق، وعليكم بالعتيق).([683])

والتبدع: اختراع عبادة لم يشرعها رسولنا r.

والتنطع، والتعمق: المغالاة في الأمور؛ زيادة على الوجه المشروع.

وعليكم بالعتيق؛ أي: لازموا طريقة رسول الله r، وطريقة أصحابه y.

قال الحافظ ابن عبدالبر / في «الجامع» (ج2 ص97): (فمن لم يسعه ما وسعهم؛ فقد خاب وخسر!). اهـ

وعن الإمام الشافعي / أنه قال: (إذا وجدت متقدمي المدينة على شيء، فلا يدخل في قلبك منه شك أنه الحق، وكل ما جاءك من غير ذلك فلا تلتفت إليه، ولا تعبأ به، فقد وقعت في اللجج، ووقعت في البحار).([684])

وعن حذيفة بن اليمـان t أنه قال: (يا مـعشر القراء! استقيموا، فقد سبقتم سبقا

بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا؛ لقد ضللتم ضلالا بعيدا).([685])

قوله: (يا معشر القراء): المراد بهم: العلماء بالقرآن والسنة.

وقوله: (استقيموا)؛ أي: اسلكوا طريق الاستقامة.

وقوله: (فإن أخذتم يمينا وشمالا)؛ أي: خالفتم الكتاب والسنة.

قال تعالى: ﴿وأن هـذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾ [الأنعام:153].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 450): (فعلينا أن نؤمن بكل ما جاء من عند الله ونقر بالحق كله، ولا يكون لنا هوى، ولا نتكلم بغير علم، بل نسلك سبل العلم والعدل، وذلك هو اتباع الكتاب والسنة، فأما من تمسك ببعض الحق دون بعض فهذا منشأ الفرقة والاختلاف). اهـ

إذا فلا ننخدع بدعاوى المخالفين الذين لا يلتزمون طريق أئمة الهدى، ولا يدينون للمـشايخ بفـضـل ولا قـدوة، فـإنـهـم في سبيل الهوى، والشذوذ، والهلكة ولو

بعد حين، فإن الأمر لا بد أن ينجلي عن الحق، فاصبر على السنة ولو شعرت بالغربة.

قلت: فعليك بالصبر على الكتاب، والسنة بفهم سلف الأمة، ومجالسة أهل السنة والجماعة، لأنهم هم الدعاة إلى الله تعالى حقيقة.

قال تعالى: ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا﴾ [الكهف:28].

قلت: وعلى طلبة العلم ألا يجالسوا، أو يكتبوا عن مرجئ حتى يتبرأ من الإرجاء.

فعن الإمام علي بن حرب الموصلي / قال: (من قدر ألا يكتب الحديث إلا عن صاحب سنة، فإنهم يكذبون يعني: أهل الأهواء كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي).([686])

قلت: وهؤلاء القصاص لجهلهم في الدين؛ فإنهم يتلونون في الدين مع الناس من أجل مصالحهم، ومآربهم، ولقد حذر السلف من التلون في الدين.

فعن إبراهيم النخعي / قال: (كانوا يرون التلون في الدين من شك القلوب في الله).

أثر صحيح

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص931)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص505) من طريقين عن المغيرة عن إبراهيم النخعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن حذيفة بن اليمان t قال: (إن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وتنكر ما كنت تعرف، وإياك والتلون في دين الله؛ فإن دين الله واحد).

أثر صحيح

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص504)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص90)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص933) من طرق عن خالد بن سعد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: هذا حال القصاص والجهال... يتغايرون على الدين، ويتلونون في الدين اللهم غفرا.

فعن أبي هريرة t أنه سمع رسول الله r يقول: (إن شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج10 ص474)، وفي «الأدب المفرد» (ص148)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1958)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص245)، وأبو داود في «سننه» (ج5 ص190)، ومحمد بن الحسين في «الموطأ» (ص319)، وأبو إسحاق الهاشمي في «الأمالي» (ص46)، ومالك في «الموطأ» (ج2 ص991)، والخطابي في «العزلة» (ص30)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص374)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص246)، وفي «الأربعين الصغرى» (ص155)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج5 ص59)، وفي «صفة النفاق» (ص156)، والمقرئ في «جزء نافع بن أبي نعيم» (ص40)، والبغوي في «شرح السنة» (ج13 ص145)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص508)، وابن القاسم في «الموطأ» (ص382)، وابن أبي أسامة في «مسند المشايخ» (ص126)، والسمرقندي في «تنبيه الغافلين» (ص131)، وهناد في «الزهد» (ج2 ص557)، وأبو عوانة في «المسند» (ج15 ص367 إتحاف المهرة)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص163)، والحميدي في «المسند» (ج2 ص80)، والخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (ص139)، والحدثاني في «الموطأ» (ص597)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (ج1 ص354)، والبياني في «مشيخته» (ص65)، والجوهري في «مسند الموطأ» (ص458)، وابن بشران في «الأمالي» (ج2 ص337)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج2 ص170)، وابن حبان في «صحيحه» (ج13 ص67)، وابن الحاجب في «عوالي مالك» (ص385)، والذهبي في «المعجم المختص» (ص33)، والقاسم الثقفي في «الأربعين» (ص274)، والفزاري في «السير» (ص306)، وابن عساكر في «جزء ذم ذي الوجهين» (ص34)، ويزيد بن حبيب في «حديثه» (ص55)، والكندي في «عوالي مالك» (ص350)، والسهرروري المالكي في «حديثه» (ق/10/ط) من طرق عن أبي هريرة به.

قلت: إنما كان ذو الوجهين شر الناس؛ لأن حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل، والكذب مدخل للفساد بين الناس.

قال أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج6 ص589): (قوله r: (إن شر الناس ذو الوجهين)؛ يعني: به الذي يدخل بين الناس بالشر والفساد، ويواجه كل طائفة بما يتوجه به عندها مما يرضيها من الشر!). اهـ

قلت: وفي الحديث الحث على مجانبة ذي الوجهين؛ لأنه ظالم لنفسه، ولغيره فهو يوالي هذا، ويوالي هذا من أجل مصالحه([687])، والله المستعان.

فالويل للقصاص يوم القيامة الذين يأتون هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه ليحصلوا على دنياهم الفانية اللهم غفرا.

فعن ابن مسعود t قال: (أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل).

أثر صحيح

أخرجه أحمد في «الزهد» (ص233)، وهناد في «الزهد» (ج2 ص541)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص108)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص80)، ووكيع في «الزهد» (ج2 ص547)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص416)، وابن وهب في «الجامع في الحديث» (ج1 ص445) من عدة طرق عن الأعمش عن صالح بن خباب عن حصين بن عقبة قال: قال عبد الله بن مسعود به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه العراقي في «المغني» (ج3 ص112).

وقال الهيثمي / في «الزوائد» (ج10 ص303): رجاله ثقات.

وتابعه عبدالملك بن سعيد بن أبجر عن ابن مسعود به.

أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ج1 ص345) وإسناده منقطع بين عبدالملك، وابن مسعود.

وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج18 ص313).

قلت: فهؤلاء كلهم يعيشون -للأسف- في بلدان المسلمين، وهم منافقون([688])، يظهرون الخير للمسلمين من الحكام والمحكومين، ويبطنون الشر لهم، فإذا سنحت لهم فرصة أظهروا شرهم لهم، وكشروا عن أنيابهم ضدهم، فلا تسأل عن سفك الدماء، وهتك الأعراض، وقتل النساء، والأطفال، وتدمير البناء، وسرقة الأموال، وكثرة الأمراض، وإحراق المدن، وإحداث الفوضى، وتشريد الناس، وإهلاكهم بالجوع والعطش، والفقر، والحزن والهم، والبكاء، وضررهم في الشتاء بالبرد، والصيف بالحر، وفقدهم للآباء، والأمهات، والزوجات، والأبناء، والبنات، وغير ذلك من الدمار الشامل للناس وبلدانهم، هؤلاء هم المبتدعة([689]) الزنادقة، اللهم غفرا.

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح السنة» (ص292): (الزندقة: هي النفاق؛ وهو إظهار الإيمان، وإبطال الكفر. فالزنادقة: هم الذين كانوا يسمون بــ«المنافقين» في صدر الإسلام، ويعشون بين الناس، وإذا سنحت لهم فرصة ظهر شرهم، وكشرت عن أنيابهم ضد الحق وأهله؛ كما هو موجود في زماننا الآن). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص497): (هذا مع العلم بأن كثيرا من المبتدعة منافقون النفاق الأكبر، وأولئك كفار في الدرك الأسفل من النار، فما أكثر ما يوجد في الرافضة، والجهمية، ونحوهم، زنادقة منافقون، بل أصل هذه البدع هو من المنافقين الزنادقة). اهـ

قلت: ولا شك أن الناظر في كثير من رؤوس أهل البدع يجد أن النفاق قد كثر فيهم، وهذا مشاهد معلوم!، بل وحتى في أفراد بعض المبتدعة، فإن النفاق فيهم كثير، وقد يكون بعضهم قد قامت به بعض شعب النفاق، لأن البدع تحمل أصحابها على الشك، والحيرة مما قد لا يستطيع كثير من أهل البدع إظهاره أمام الناس؛ إما خوفا، أو لأمر آخر، وهذا هو النفاق، وهو الزندقة.([690])

 قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة السفارينية» (ص380): (والزنديق: هو المارق عن الدين، وقيل: الزنديق هو المنافق، ولعل الزنديق أشد من المنافق؛ لأن المنافق ربما يتصنع للمسلمين، ويظهر أنه مسلم، كما هو الشأن في المنافقين في عهد الرسول r). اهـ

وقال الإمام ابن قدامة / في «المناظرة في القرآن» (ص50) عندما ذكر اعتقادات المبتدعة، وما أبطنوا من البدع: (وهذا هو النفاق في عهد رسول الله r وهو الزندقة اليوم، وهو: أن يظهر موافقة المسلمين في اعتقادهم، ويضمر خلاف ذلك، وهذا حال هؤلاء القوم لا محالة، فهم زنادقة بغير شك، فإنه لا شك في أنهم يظهرون تعظيم المصاحف إيهاما أن فيها القرآن، ويعتقدون في الباطن أنه ليس فيها إلا الورق والمداد، ويظهرون تعظيم القرآن، ويجتمعون لقراءته في المحافل، والأعرية -يعني الموضع الخالي- ... وليس في أهل البدع كلهم من يتظاهر بخلاف ما يعتقده غيرهم، وغير من أشبههم من الزنادقة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التسعينية» (ج1 ص259): (فإن التجهم، والرفض هما أعظم والبدع، أو من أعظم البدع التي حدثت في الإسلام، ولهذا كان الزنادقة المحضة؛ مثل الملاحدة من القرامطة، ونحوهم، إنما يتسترون بهذين: بالتجهم، والتشيع). اهـ

قلت: كل ذلك باسم الإسلام، وباسم الأعمال الخيرية، وباسم الجهاد، وباسم الدعوة، وباسم الإصلاح، وهذه الأمور لا يدركها إلا أهل العلم، واتخاذهم المساجد مقرا لهم، والتآمر فيما بينهم في جمع التبرعات فيها، والاستفادة من المصلين، ومن أموالهم.

ولا يزال هؤلاء سبب ريبة، وشك في الدين لكثير من الناس؛ لأنهم يظهرون شيئا، ويبطنون شيئا آخر، اللهم سلم سلم.

قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله -عضو هيئة كبار العلماء- في «إعانة المستفيد» (ج1 ص242): (التنبيه على خداع المخادعين، وأن يكون المؤمنون على حذر دائما من المشبوهين، ومن تضليلهم، وأنهم قد يتظاهرون بالصلاح، ويتظاهرون بالمشاريع الخيرية -كبناء المساجد-، ولكن ما دامت سوابقهم، وما دامت تصرفاتهم تشهد بكذبهم؛ فإنه لا يقبل منهم، ولا ننخدع بالمظاهر دون النظر إلى المقاصد، وإلى ما يترتب -ولو على المدى البعيد- على هذه المظاهر ففيه تنبيه المسلمين إلى الحذر في كل زمان، ومكان من تضليل المشبوهين، وأن كل من تظاهر بالخير، والصلاح، والمشاريع الخيرية لا يكون صالحا... فإننا نأخذ الحذر منه، ولا ننخدع). اهـ

* وسئل سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز /. ما واجب علماء المسلمين حيال كثرة الجمعيات، والجماعات في كثير من الدول الإسلامية، وغيرها، واختلافها فيما بينها حتى إن كل جماعة تضلل الأخرى. ألا ترون من المناسب التدخل في مثل هذه المسألة؛ بإيضاح وجه الحق في هذه الخلافات، خشية تفاقمها، وعواقبها الوخيمة على المسلمين هناك؟.

فأجاب سماحته: (إن نبينا محمدا r بين لنا دربا واحدا يجب على المسلمين أن يسلكونه وهو صراط الله المستقيم، ومنهج دينه القويم، يقول الله تعالى: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[ ([691]).

* كما نهى رب العزة، والجلال أمة محمد r عن التفرق، واختلاف الكلمة؛ لأن ذلك من أعظم أسباب الفشل، وتسلط العدو، كما في قوله جل وعلا: ]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[([692]) وقوله تعالى: ]شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه[([693]).

* فهذه دعوة إلهية إلى اتحاد الكلمة، وتآلف القلوب، والجمعيات إذا كثرت في؛ أي: بلد إسلامي من أجل الخير، والمساعدة، والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين دون أن تختلف أهواء أصحابها([694])؛ فهي خير، وبركة، وفوائدها عظيمة.

أما إن كانت كل واحدة تضلل الأخرى، وتنقد أعمالها([695]) فإن الضرر بها حينئذ عظيم، والعواقب وخيمة. فالواجب على المسلمين توضيح الحقيقة، ومناقشة كل جماعة، أو جمعية، ونصح الجميع؛ بأن يسيروا في الخط الذي بينه الله تعالى لعباده، ودعا إليه نبينا محمد r، ومن تجاوز([696]) هذا، واستمر في عناده لمصالح شخصية، أو لمقاصد لا يعلمها إلا الله، فإن الواجب التشهير به، والتحذير منه ممن عرف الحقيقة([697])، حتى يتجنب الناس طريقهم، وحتى لا يدخل معهم من لا يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه، ويصرفوه عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله تعالى باتباعه في قوله جل وعلا: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[.([698])

* ومما لا شك فيه أن كثرة الفرق والجماعات في المجتمع الإسلامي مما يحرص عليه الشيطان أولا وأعداء الإسلام من الإنس ثانيا؛ لأن اتفاق كلمة المسلمين، ووحدتهم، وإدراكهم الخطر الذي يهددهم، ويستهدف عقيدتهم يجعلهم ينشطون لمكافحة ذلك، والعمل في صف واحد من أجل مصلحة المسلمين، ودرء الخطر عن دينهم، وبلادهم، وإخوانهم، وهذا مسلك لا يرضاه الأعداء من الإنس والجن، فلذا هم يحرصون على تفريق كلمة المسلمين، وتشتيت شملهم، وبذر أسباب العداوة بينهم، نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق، وأن يزيل من مجتمعهم كل فتنة وضلال، إنه ولي ذلك والقادر عليه).([699]) اهـ

*وسئل سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز /:

ما هو موقف المسلم من الخلافات المذهبية المنتشرة بين الأحزاب، والجماعات؟.

فأجاب سماحته: (الواجب عليه أن يلزم الحق الذي يدل عليه كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وأن يوالي على ذلك، ويعادي على ذلك، وكل حزب، أو مذهب يخالف الحق يجب عليه البراءة منه، وعدم الموافقة عليه.

فدين الله تعالى واحد، وهو الصراط المستقيم، وهو عبادة الله تعالى وحده، واتباع رسوله محمد عليه الصلاة والسلام.

* فالواجب على كل مسلم أن يلزم هذا الحق، وأن يستقيم عليه، وهو طاعة الله تعالى، واتباع شريعته التي جاء بها نبيه محمد عليه الصلاة، والسلام مع الإخلاص لله في ذلك، وعدم صرف شيء من العبادة لغيره سبحانه وتعالى، فكل مذهب يخالف ذلك، وكل حزب لا يدين بهذه العقيدة يجب أن يبتعد عنه، وأن يتبرأ منه، وأن يدعو أهله إلى الحق بالأدلة الشرعية مع الرفق، وتحري الأسلوب المفيد، ويبصرهم بالحق).([700]) اهـ

وقال الحافظ ابن حزم / في «الفصل» (ج4 ص227): (واعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله على أيديهم خيرا، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية، ولا رفع للإسلام راية، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرقون كلمة المؤمنين، ويسلون السيف على أهل الدين، ويسعون في الأرض مفسدين). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الحسبة في الإسلام» (ص26): (فأما الغش في الديانات؛ فمثل البدع المخالفة للكتاب والسنة، وإجماع السلف الأمة من الأقوال والأفعال). اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «الموقظة» (ص60) عن المبتدعة الزنادقة: (فمنهم من يفتضح في حياته، ومنهم من يفتضح بعد وفاته، فنسأل الله الستر والعفو).اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «الأجوبة المفيدة» (ص60): (كل من خالف جماعة أهل السنة فهو ضال، ما عندنا إلا جماعة واحدة هم أهل السنة والجماعة، وما خالف هذه الجماعة فهو مخالف لمنهج الرسول r.

ونقول أيضا: كل من خالف أهل السنة والجماعة فهو من أهل الأهواء، والمخالفات تختلف في الحكم بالتضليل، أو بالتكفير حسب كبرها وصغرها، وبعدها وقربها من الحق([701])). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج2 ص482): (ومذهب  أهل السنة والجماعة قديم معروف ... فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم r، ومن خالف ذلك كان مبتدعا عند أهل السنة والجماعة).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج2 ص178): (الطرائق المبتدعة؛ كلها يجتمع فيها الحق والباطل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص414): (البدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء: ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة؛ كبدعة الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج4 ص363): (أن الذي ابتدع مذهب الرافضة كان زنديقا([702]) ملحدا عدوا لدين الإسلام وأهله، ولم يكن من أهل البدع المتأولين؛ كالخوارج والقدرية، وإن كان قول الرافضة راج بعد ذلك على قوم فيهم إيمان لفرط جهلهم). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج5 ص170)؛ عن المبتدعة الـذين علمهم مخلط فيه الحق والباطل: (فمبتدعة أهل العلم والكلام طلبوا

العلم بما ابتدعوه، ولم يتبعوا العلم المشروع ويعملوا به). اهـ

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص356)؛ عن المبتدعة الزنادقة: (وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على آرائهم، تارة يستدلون بآيات على مذهبهم، ولا دلالة فيها، وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه، ومن هؤلاء فرق الخوارج، والروافض، والجهمية، والمعتزلة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم). اهـ

إذا فالزندقة تطلق على الملحدين، والمرتدين، والمبتدعين، والحزبيين، والقصاصين، والممثلين، والمغنين، والثوريين، والعقلانيين، والمفكرين([703])، والعاصين، ومن نهج منهجهم، وسلك مسلكهم، اللهم سلم سلم.

قلت: فكل من خالف ما ثبت في الدين، وأصر عليه، وعمل به، ولم يتب منه، فهو زنديق!، سواء كفر، أم لم يكفر([704])، فافهم لهذا.([705])

وقد نص جمع من أئمة السلف على أن الجهمية، وغيرهم من أهل البدع؛ من الزنادقة، ومن هؤلاء الأئمة: عبدالله بن المبارك([706])، ويزيد بن هارون([707])، وعبدالوهاب الوراق -صاحب الإمام أحمد-([708]) وغيرهم.([709])

قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص209)؛ بعد أن ذكر حديث «من بدل دينه فاقتلوه»([710]): (الجهمية عندنا زنادقة، من أخبث الزنادقة، نرى أن يستتابوا من كفرهم، فإن أظهروا التوبة تركوا...، وإن شهدت عليهم بذلك شهود فأنكروا، ولم يتوبوا قتلوا. كذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب t أنه سن في الزنادقة). اهـ

وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص200):(فرأينا هؤلاء الجهمية، أفحش زندقة، وأظهر كفرا، وأقبح تأويلا لكتاب الله، ورد صفاته فيما بلغنا عن هؤلاء الزنادقة الذين قتلهم علي t وحرقهم... ثم قال: فقال لي المناظر الذي ناظرني: أردت إرادة منصوصة في إكفار الجهمية باسمهم، وهذا الذي رويت عن علي t في الزنادقة!.

فقلت: الزنادقة والجهمية أمرهما واحد، ويرجعان إلى معنى واحد، ومراد واحد، وليس قوم أشبه بقوم منهم بعضهم ببعض، وإنما يشبه كل صنف، وجنس بجنسهم وصنفهم). اهـ

وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «النقض» (ج1 ص580): (الجهمية عندنا أخبث الزنادقة؛ لأن مرجع قولهم إلى التعطيل كمذهب الزنادقة سواء). اهـ

وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «النقض»» (ج2 ص904): (والتجهم عندنا باب كبير من الزندقة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص352): (... وهكذا كان الجهم يقول أولا: إن الله لا كلام له. ثم احتاج أن يطلق أن له كلاما لأجل المسلمين فيقول: هو مجاز؛ ولهذا كان الإمام أحمد، وغيره من الأئمة يعلمون مقصودهم، وأن غرضهم التعطيل، وأنهم زنادقة؛ والزنديق: المنافق. ولهذا تجد مصنفات الأئمة يصفونهم فيها بالزندقة، كما صنف الإمام أحمد «الرد على الزنادقة والجهمية»، وكـمـا تـرجـم الـبخاري آخر كتاب الصحيح بــ«كتاب التوحيد والرد على

الزنادقة والجهمية»).([711]) اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص302): (ومن تدبر كلام السلف والأئمة في هذا الباب، علم أن الجهمية النفاة للصفات كانوا عند السلف والأئمة من جملة الزنادقة). اهـ

قلت: وكذلك أهل البدع لا يخلو شيوخهم وكبراؤهم من النفاق والزندقة، ولذلك لما تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية على الفارابي، وابن سينا، وابن سبعين؛ وصفهم بالزندقة.([712])

وعن الإمام الأوزاعي / قال؛ عن الخوض في الكلام: (اجتنب علما إذا بلغت فيه المنتهى نسبوك إلى الزندقة، عليك بالاقتداء والتقليد).([713])

ومعناه: أن علم الكلام يقوم على إثبات أحكام الدين بواسطة العقل، ونتيجة حتمية لهذا يلزم رد أدلة الكتاب والسنة والآثار، وهذا فعل الزنادقة في كل زمان، نعوذ بالله من الخذلان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء التعارض» (ج5 ص204): (أن يقال: معارضة أقوال الأنبياء بآراء الرجال، وتقديم ذلك عليها؛ هو من فعل المكذبين للرسل، بل هو جماع كل كفر، كما قال الشهرستاني في أول كتابه المعروف «بالملل والنحل» ما معناه: (أصل كل شر هو من معارضة النص بالرأي، وتقديم الهوى على الشرع([714])).

* وهو كما قال، فإن الله تعالى أرسل رسله، وأنزل كتبه، وبين أن المتبعين لما أنزل هم أهل الهدى والفلاح، والمعرضين عن ذلك هم أهل الشقاء والضلال.

* كما قال تعالى: ]قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى «123» ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى «124» قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا «125» قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى [[طه: 123-126].

وقال تعالى: ]يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون «35» والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون[ [الأعراف 35-36].

* وقد أخبر عن أهل النار أنهم إنما دخلوها لمخالفة الرسل، قال تعالى: ]ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس[ [الأنعام: 128]، إلى قوله تعالى: ]يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين[ [الأنعام: 130].

* وقال تعالى: ]وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين[ [الزمر: 71].

وقال تعالى: ]كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير «8» قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير[ [الملك: 8 و9].

ومعلوم أن الكلام الذي جاءت به الرسل عن الله نوعان: إما إنشاء، وإما إخبار. والإنشاء: يتضمن الأمر والنهي والإباحة، فأصل السعادة تصديق خبره، وطاعة أمره وأصل الشقاوة معارضة خبره، وأمره بالرأي والهوى، وهذا هو معرضة النص بالرأي، وتقديم الهوى على الشرع.

ولهذا كان ضلال من ضل من أهل الكلام، والنظر في النوع الخبري، بمعارضة خبر الله عن نفسه، وعن خلقه بعقلهم ورأيهم، وضلال من ضل من أهل العبادة، والفقه في النوع الطلبي، بمعارضة أمر الله تعالى الذي هو شرعه بأهوائهم، وآرائهم.

* والمقصود هنا أن معارضة أقوال الرسل بأقوال غيرهم من فعل الكفار، كما قال تعالى: ]ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد[ [غافر: 4]، إلى قوله: ]وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب[ [غافر: 5].

وقوله تعالى: ]وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق[ [الكهف: 56].

وقوله تعالى: ]ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا[ [غافر 4].

* ومن المعلوم أن كل من عارض القرآن، وجادل في ذلك بعقله ورأيه، فهو داخل في ذلك([715])، وإن لم يزعم تقديم كلامه على كلام الله تعالى، ورسوله r، بل إذا قال ما يوجب المرية، والشك في كلام الله تعالى، فقد دخل في ذلك، فكيف بمن يزعم أن ما يقوله بعقله، ورأيه مقدم على نصوص الكتاب والسنة؟!.

* وقد جمع الله هؤلاء بقوله: ]ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله[ [الأنعام: 93].

فـذكر سبحانه من يـفترى الكـذب على الله، ومن يقول أنه يوحى إليه، ومن زعم

أنه يقول كلاما مثل الكلام الذي أنزله الله تعالى.

* وهذا الأصل هو مما يعلم بالضرورة من دين الرسل من حيث الجملة: يعلم أن الله تعالى إذا أرسل رسولا، فإنما يقول ما يناقض كلامه ويعارضه من هو كافر، فكيف بمن يقدم كلامه على كلام الرسول؟‍‍‍‍، وأما المؤمنون بما جاء به فلا يتصور أن يقدموا أقوالهم على قوله، بل قد أدبهم الله بقوله: ]لا تقدموا بين يدي الله ورسوله[ [الحجرات: 1].

* ولكن البدع مشتقة من الكفر، فلهذا كانت معارضة النصوص الثابتة عن الأنبياء بآراء الرجال هي من شعب الكفر، وإن كان المعارض لهذا بهذا يكون مؤمنا بما جاء به الرسول في غير محل التعارض.

وإذا كان أصل معارضة الكتب الإلهية بقول فلان، وفلان من أصول الكفر، علم أن ذلك كله باطل، وهذا مما ينبغي للمؤمن تدبره، فإنه إذا حاسب نفسه على ذلك، علم تصديق ذلك. ومما بين هذا). اهـ

قلت: وتأثير كلام أهل البدع على القلوب مشاهد محسوس، فكم من أناس تأثروا بسماع كلامهم في القديم، والحديث، ولهذا كان السلف الصالح يعظمون السماع من أهل البدع، وينهون عنه أشد النهي خوفا من تغير القلوب، واستمالتها لكلامهم، اللهم سلم سلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج11 ص517): (فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول، والأديان على خلق من المشايخ، والعلماء، والملوك، والأمراء، وهم يسعون في الأرض فسادا، ويصدون عن سبيل الله تعالى).([716]) اهـ

قلت: وقد بين النبي r أمر أهل الأهواء الزنادقة في السنة النبوية في الأمة الإسلامية، اللهم غفرا.

فكل من دخل من أمة النبي r في هوى من تلك الأهواء، ورآها وذهب إليها، فإن هواه يجري فيه مجرى الكلب([717]) بصاحبه، فلا يرجع أبدا عن هواه، ولا يتوب عن بدعته، ولا زندقته!، اللهم غفرا.

فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (إنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء؛ كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق، ولا مفصل إلا دخله).

حديث حسن

أخرجه أبو داود في «سننه» (4597)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص102)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج19 ص379)، والعطار في «الاعتقاد» (ص58)، واللالكائي في «الاعتقاد» (150)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص128)، وابن أبي عاصم في «السنة» (2 و65 و69)، والمروزي في «السنة» (ص14 و15)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص249)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج6 ص541)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص331)، و(ج3 ص388)، والآجري في «الشريعة» (29) من طريق أزهر بن عبدالله عن أبي عامر عبدالله بن يحيى عن معاوية بن أبي سفيان به.

قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه ابن حجر في «الكافي الشاف» (ص63)، وجوده العراقي في «المغني» (ج3 ص199)، وحسنه الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (ج3 ص869).

وعن أبي موسى t قال: قال رسول الله r: «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة».

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص227)، و(ج12 ص82)، ومسلم في «صحيحه» (ج16 ص178)، والحميدي في «المسند» (ج3ص339)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص408)، والرامهرمزي في «أمثال الحديث» (ص876)، والطيالسي في «المسند» ( 517)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص26)، وفي «الأربعين الصغرى» (ص36)، وفي «الآداب» (ص186)، وفي «شعب الإيمان» (ج16 ص463)، وأبو الشيخ في «الأمثال في الحديث» (ص377)، وأبو داود في «سننه» (4830)، وأبو يعلى في «المسند» (7270)، و(7307)، وابن حبان في «صحيحه» (561)، و(579)، وهناد في «الزهد» (1237)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج1 ص160)، والبزار في «المسند» (ج8 ص166)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص440)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج15 ص11)، ويحيى بن معين في «التاريخ» (ج3 ص38)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (1377)، وابن ماجه في «سننه» (88)، وأبو عوانة في «المسند» (ج10 ص99- إتحاف المهرة)، والدارقطني في «الأربعين» (ص85 و86 و87)، والبغوي في «شرح السنة» (ج13 ص68)، وفي «مصابيح السنة» (ج3 ص378)، والسمعاني في «معجم الشيوخ» (ج1 ص272)، وأبو بكر المروزي في «الفوائد» (ص285)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج5 ص75)، والروياني في «المسند» (474) من طرق عن أبي موسى الأشعري به.

قلت: وفي الحديث الحث على مجالسة أهل السنة الصلحاء، ومجانبة أهل البدع البطلاء، والله المستعان.

والحديث بوب عليه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج16 ص463) بقوله: ومن هذا الباب مجانبة الفسقة والمبتدعة، ومن لا يعينك على طاعة الله عز وجل.

وقال النووي / في «المنهاج» (ج16 ص178): (فيه -يعني الحديث- تمثيله r الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السوء بنافخ الكير، وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة، ومكارم الأخلاق، والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو لكثير فجره، وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة). اهـ

وقال القسطلاني / في «إرشـاد الســــــــــاري» (ج5 ص76): (وفيه - يعنى الحديث- النهي عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا). اهـ

وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «شرح حلية طالب العلم» (ص104): (قول الرسول r: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير)، فعليك باختيار الصديق الصالح الذي يدلك على الخير، ويبينه لك، ويحثك عليه، ويبين لك الشر، ويحذرك منه، وإياك وجليس السوء، فإن المرء على دين خليله، وكم من إنسان مستقيم قيض الله له شيطانا من بني آدم، فصده عن الاستقامة، وكم من إنسان جائر قاصد، يسر الله له من يدله على الخير بسبب الصحبة). اهـ

قلت: فقد بين النبي r في هذا التشبيه البليغ: أن مجالسة أهل السنة في الانتفاع بها كمجالسة بائع المسك ... ومجالسة أهل البدع في التضرر بها كمجالسة نافخ الكير، والله المستعان.

فالمقصود بهذا أن يهجر المسلم السيئات، ويهجر قرناء السوء من أهل البدع، وغيرهم الذين تضر صحبتهم.([718])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص120): (من ابتغى الهدى في غير الكتاب والسنة لم يزدد من الله؛ إلا بعدا). اهـ

* فالطريق إلى الله تعالى، والهادي إلى الحق طريق واحد، والصوارف عن الحق سبل كثيرة جدا، والعياذ بالله.

وعن مرداس الأسلمي t قال: قال رسول الله r: (يذهب الصالحون، الأول فالأول، ويبقى حفالة -حثالة- كحفالة الشعير، أو التمر([719])، لا يباليهم الله باله). يعني: لا يبالي الله بهم.

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج11 ص51)، وفي «التاريخ الكبير» (ج8 ص434)، وابن حبان في «صحيحه» (ج8 ص300)، وابن أبي نصر في «الأربعين» (ص308 و309)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص122)، وفي «الزهد الكبير» (ص120)، والداني في «السنن الواردة في الفتن» (ج3 ص579)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص193)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج20 ص299)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (ج4 ص333 و334)، والأزدي في «المخزون» (ص150)، والرامهرمزي في «أمثال الحديث» (ص126)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج5 ص142)، وابن قانع في «معرفة الصحابة» (ج3 ص118)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (ج5 ص2566)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج27 ص371)، والبغوي في «شرح السنة» (ج14 ص393) من طريقين عن قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي t به.

قال البغوي / في «شرح السنة» (ج14 ص393): (قوله r: (لا يباليهم الله باله) أي: لا يرفع لهم قدرا، ولا يقيم لهم وزنا). اهـ

قلت: فهذا الحديث بين ذهاب الصالحين، والأخيار منهم الأول فالأول؛ حتى لا يبقى إلا الأراذل، ويقل العلم، ويظهر الجهل... وهذه أعظم نكبة يصاب بها الناس... ألا وهي انقراض العلماء، وقبض العلم، ويظهر الجهل في الناس، ويصل بهم الحال إلى حد أنهم يتخذون الجهال رؤساء([720]) لهم يفسدون عليهم دينهم، ودنياهم([721]) بسبب جهلهم؛ نعوذ بالله من الخذلان.

قلت: فويل للعامة الهمج([722]) من الزنادقة.

وبوب الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ص1218): باب: لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه.

لذلك يجب على العبد من لزوم خاصة نفسه، وإصلاح عمله عند تغيير الأمر، ووقوع الفتن، ولابد بالانفراد بالدين عند وقوعها.([723])

فـعن الحسن البصري / قال: في قوله تعالى: ]أفرأيت من اتخذ إلهه هواه[

[الجاثية:23] (المنافق يعبد هواه، لا يهوى شيئا إلا ركبه). وفي رواية: (هو المنافق، كلما هوى شيئا ركبه!).

أثر صحيح

أخرجه ابن الجوزي في «ذم الهوى» (ص21)، والفريابي في «صفة المنافق» (ص60)، والذهبي في «السير» (ج4 ص570)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج1 ص99) وابن المقرئ في «المعجم» (ص47) من طريق شيبان بن فروخ قال: حدثنا مبارك بن فضالة قال: حدثنا الحسن البصري به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وأخرجه ابن الجوزي في «ذم الهوى» (ص22)، والفريابي في «صفة المنافق» (ص61) من طريق شعيب بن حرب قال: حدثنا أبو الأشهب عن الحسن البصري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (ج1 ص554).

فالمبتدع الزنديق لا يهوى شيئا من البدع إلا فعلها، والعياذ بالله.

قال تعالى: ]ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله[ [ص26].

قلت: فيتدبر العبد عز الغلبة، وذل القهر، فإنه ما من أحد غلب هواه إلا أحس بقوة عز، وما من أحد غلبه هواه إلا وجد في نفسه ذل القهر.([724])

قال الحافظ ابن رجب / في «رسالة: كلمة التقوى» (ص35): (وقد ورد إطلاق الآله على الهوى المتبع، قال الله تعالى: ]أفرأيت من اتخذ إلهه هواه[ [الجاثية:23]). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص281): (فمن لم يكن إلهه مالكه ومولاه، كان إلهه هواه، قال تعالى: ]أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون[ [الجاثية: 23]). اهـ

قلت: فتأملوا كيف اتباع الهوى، وإلى أين ينتهي بصاحبه؟!، وهو أصل الزيغ عن الصراط المستقيم.([725])

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (الهوى كله ضلالة).([726])

قال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج3 ص241): (اتباع الهوى، وهو الذي نبه عليه قوله تعالى: ]فأما الذين في قلوبهم زيغ[ [آل عمران: 7]، والزيغ: هو الميل عن الحق اتباعا للهوى، وكذلك قوله تعالى: ]ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله[ [القصص: 50]، وقوله: ]أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون[ [الجاثية: 23]). اهـ

وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسيره» (ج4 ص612): (قوله تعالى: ]أفرأيت من اتخذ إلهه هواه[ [الجاثية: 23]، أي: إنما يأتمر بهواه، فما رآه حسنا فعله، وما رآه قبيحا تركه). اهـ حتى لو رآه حقا!.

قال تعالى: ]من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون[ [الأعراف: 186].

وقال تعالى: ]وجعلنا بعضكم لبعض فتنة[ [الفرقان: 20].

قلت: فالزنديق كلما هوي شيئا ركبه، وكلما اشتهى شيئا أتاه، لا يخاف الله تعالى.

قال ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1199): (أهل البدع([727]) أجمع أضربوا عن السنة، وتأولوا الكتاب على غير ما بينت السنة فضلوا وأضلوا، ونعوذ بالله من الخذلان، ونسأله التوفيق والعصمة برحمته). اهـ

قلت: والهوى يصد عن الحق، ويعدل عنه، والله المستعان.

فعن عـلي بـن أبـي طـالـب ط قال: (إن أخـوف مـا أخـاف عـليكم اثنتين: اتباع

الهوى، وطول الأمل؛ فأما اتباع الهوى: فيصد عن الحق، وأما طول الأمل: فينسي الآخرة؛ ألا وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة؛ ألا وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، ولكل واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل).([728])

قال الحافظ ابن كثير / في «تفسيره» (ج6 ص612): (قوله تعالى: ]أفرأيت من اتخذ إلهه هواه [[الجاثية:23]؛ أي: إنما يأتمر بهواه، فما رآه حسنا فعله، وما رآه قبيحا تركه... وقوله: ]وأضله الله على علم[؛ يحتمل قولين: أحدهما: وأضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك، والآخر: وأضله الله بعد بلوغ العلم إليه، وقيام الحجة عليه، والثاني: يستلزم الأول، ولا ينعكس). اهـ

وقال الإمام مالك /؛ في تفسير هذه الآية: (لا يهوى شيئا إلا عبده).([729])

قال تعالى: ]فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا «42» استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا [[فاطر:42 و43].

قال الحافظ ابن كثير / في «تفسيره» (ج6 ص322): (قوله تعالى: ]استكبارا في الأرض[؛ أي: استكبروا عن اتباع آيات الله تعالى، قوله تعالى: ]ومكر السيئ[؛ أي: ومكروا بالناس في صدهم إياهم عن سبيل الله، قوله تعالى: ]ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله[؛ أي: وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم). اهـ

قلت: فلما قامت عليهم الحجة بأدلة الكتاب والسنة والآثار ازدادوا ضلالا إلى ضلالهم، فاستكبروا عن اتباع الدين، ومكروا بالمسلمين في صدهم عن سبيل الله تعالى، فمكر بهم، لأن: لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.([730])

قال تعالى: ]إنما بغيكم علىٰ أنفسكم[ [يونس:23].

وقال تعالى: ]فمن نكث فإنما ينكث على نفسه[ [الفتح:10].

قلت: فعقوبة الله تعالى سنة للمخالفين لا تتغير، ولا تتبدل، فهي جارية عليهم في كل زمان، فلا يكشف ذلك عنهم، ويحول عنهم أحد من الناس.([731])

قال العلامة المقريزي / في «تجريد التوحيد» (ص39): (ويخرج عن هذا التوحيد: اتباع الهوى، فكل من اتبع هواه فقد اتخذ هواه معبوده، قال تعالى: ]أفرأيت من اتخذ إلهه هواه[ [الجاثية: 23]، وإذا تأملت عرفت أن عابد الصنم لم يعبده إنما عبد هواه، وهو ميل نفسه إلى دين آبائه، فيتبع ذلك الميل، وميل النفس إلى المألوفات أحد المعاني التي يعبر عنها بالهوى). اهـ

وقـال الإمـام ابـن الـقـيـم / فـي «روضـة الـمـحبين» (ج1 ص144): (أن الله

سبحانه وتعالى جعل متبع الهوى بمنزلة عابد الوثن، قال تعالى: ]أفرأيت من اتخذ إلهه هواه[ [الجاثية: 23].

قلت: وقد مدح الله تعالى مخالفة الهوى.([732])

قال تعالى: ]ونهى النفس عن الهوى[ [النازعات: 40].

وقال الحافظ ابن الجوزي / في «ذم الهوى» (ص21): (واعلم أن الهوى يسري بصاحبه في فنون، ويخرجه من دار العقل إلى دائرة الجنون، وقد يكون الهوى في العلم، فيخرج بصاحبه إلى ضد ما يأمر به العلم). اهـ

قلت: وقد نهى الله تعالى عن الآراء، وذم أهلها في الدين.

قال تعالى: ]بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين[ [الروم: 29].

وقال تعالى: ]أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم[ [محمد: 14].

وقال تعالى: ]ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم[ [محمد: 16].

وقال تعالى: ]وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين[ [الأنعام: 119].

وقال تعالى: ]فلا تتبعوا الهوى[ [النساء: 135].

وقال تعالى: ]فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [القصص: 50].

وقال تعالى: ]ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب[ [ص: 26].

وقال تعالى: ]ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا[ [الكهف: 28].

وقال تعالى: ]واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين «175» ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث[ [الأعراف: 175 و176].

وقال تعالى: ]ولا تتبع أهواءهم[ [الشورى: 15].

وعن الإمام مالك بن دينار / قال: (بئس العبد عبد همه هواه، وبطنه).([733])

وعن الإمام بشر بن الحارث / قال: (اعلم أن البلاء كله في هواك، والشفاء كله في مخالفتك إياه).([734])

وعن الإمام الفضيل بن عياض / قال: (من استحوذت عليه الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق).([735])

وعن الإمام الحسن بن علي المطوعي / قال: (صنم كل إنسان هواه، فإذا كسره بالمخالفة استحق اسم الفتوة).([736])

قلت: فصنم القاص هواه، ودينه هواه([737])، والعياذ بالله.

وعن الإمام علي بن سهل الأصبهاني / قال: (العقل والهوى يتنازعان، فمعين العقل التوفيق، وقرين الهوى الخذلان، والنفس واقفة بينهما، فأيهما ظفر كانت في حيزه).([738])

وعن الإمام إبراهيم بن أدهم / قال: (الهوى يردي، وخوف الله يشفي، واعلم أن ما يزيل عن قلبك هواك إذا خفت من تعلم أنه يراك).([739])

وعن الإمام مالك بن دينار / قال: (يا هؤلاء إن الكلب إذا طرح إليه الذهب، والفضة لم يعرفهما، وإذا طرح إليه العظم أكب عليه، كذلك سفهاؤكم لا يعرفون الحق).([740])

وعن الإمام مالك بن دينار / قال: (إن الأبرار تغلي قلوبهم بأعمال البر، وإن الفجار تغلي قلوبهم بأعمال الفجور).([741])

وعن الإمام مـالك بن دينار / قال: (الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من

العمل).([742])

وعن الإمام الربيع بن خيثم / قال: (كل ما لا يبتغى به وجه الله، فهو يضمحل).([743])

وقلت: فالرأي المذموم هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون، والاشتغال بحفظ الاختلاف بين العلماء دون رده إلى أصول الكتاب والسنة.([744])

قال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس:32].

وقال تعالى: ]أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء: 82].

قلت: فقد أخبر سبحانه أن الاختلاف ليس من عنده([745])، وما لم يكن من عنده؛ فليس بالصواب.

قال الإمام ابن القيم /: (وأنت لا تجد الخلاف في شيء أكثر منه في آراء المتأولين التي يسمونها قواطع عقلية، وهي عند التحقيق خيالات وهمية، نبذوا بها القرآن والسنة وراء ظهورهم؛ كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ما ]يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون «112» ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون «113» أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين[ [الأنعام: 112 و113 و114).([746]) اهـ

قلت: وهذا القصد ينافي قصد تحريفه، وتأويله؛ بالتأويلات الباطلة... لذلك لا يجتمع قصد الهدي، وقصد ما يضاده أبدا!.([747])

قـال الـعـلامـة الـشـاطـبـي / في «الاعـتـصـام» (ج2 ص683): (مـن أسـبـاب

الخلاف: اتباع الهوى، ولذلك سمي أهل البدع «أهل الأهواء»؛ لأنهم اتبعوا أهواءهم، فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها!). اهـ

* فالقرآن الكريم لم ينزل لمجرد التلاوة، وانعقاد الصلاة به، بل أنزل ليتدبر، ويعقل ويهتدى به علما، وعملا، ويبصر من العمى، ويرشد من الغي، ويعلم من الجهل، ويشفي من العي، ويهدي إلى صراط مستقيم.([748])

قلت: وهؤلاء الزنادقة يحملون أوزارهم، وأوزار الذين يضلونهم بغير علم.

قال تعالى: ]ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم[  [النحل:25].

قال الإمام مجاهد / في «تفسيره» (ص421)؛ عن الآية: (حملهم ذنوب أنفسهم، وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا).

وعن الإمام يحيى بن معين / قال: في قوله تعالى: ]وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون[ [الزمر:47]، قال: (لقوا الله بأعمال كانوا يظنون أنها حسنات، فإذا هي سيئات).([749])

وعـن قـطـبة بن مالك t قال: (كان النبي r يقول: اللهم جنبني منكرات الأخلاق، والأهواء، والأدواء). وفي رواية: (منكرات الأخلاق والأعمال).

حديث صحيح

أخرجه الترمذي في «سننه» (3591)، والبيهقي في «الدعوات الكبير» (ج1 ص169)، وفي «شعب الإيمان» (ج5 ص7)، والبزار في «المسند» (ج9 ص155)، والرافعي في «أخبار قزوين» (700)، وأبو مطيع المصري في «الأمالي» (1/39/ط)، والوخشي في «الوخشيات» (1/1/ط)، وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج2 ص1016)، وفي «تاريخ دمشق» (37408)، وابن المقرئ في «المعجم» (1295)، وابن بشكوال في «غوامض الأسماء المبهمة» (485)، والأصبهاني في «الترغيب» (1219)، وفي «الحجة» (79)، والذهبي في «معجم الشيوخ» (235)، وابن أبي عاصم في «السنة» (13)، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (ج3 ص421)، وابن حبان في «صحيحه» (ج3 ص240)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج19 ص19)، وفي «الدعاء» (ج3 ص1447)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص532)، وأبو نعيم في «صفة النفاق» (ص38)، وفي «أخبار أصبهان» (165)، وفي «الحلية» (ج2 ص154)، وابن قانع في «معرفة الصحابة» (ج2 ص363) من طريق أبي أسامة عن مسعر بن كدام عن زياد بن علاقة عن عمه قطبة بن مالك ط به.

قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

ومن هذا الوجه ذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج12 ص718).

والحديث صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن الترمذي» (ج3 ص184).

وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج10 ص188) ثم قال: روى الترمذي منه التعوذ من الأهواء، ورواه البزار ورجاله ثقات.

وعن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: سمعت بلال بن سعد يقول في دعائه: (اللهم إني أعوذ بك من زيغ القلوب، ومن تبعات الذنوب، ومن مرديات الأعمال،
ومضلات الفتن).

أثر صحيح

أخرجه ابن مهنا في «تاريخ داريا» (ص83)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (836)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج5 ص229)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج10 ص499) من طريق العباس بن الوليد قال: أخبرني أبي قال: حدثنا ابن جابر به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن ابن المبارك / قال: (أن البصراء لا يأمنون من أربع خصال ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع الرب فيه، وعمر قد بقي لا يدري ماذا فيه من الهلكات، وفضل قد أعطي لعله مكر، واستدراج، وضلالة، وقد زينت له فيراها هدى ومن زيغ القلب ساعة ساعة أسرع من طرفة عين قد يسلب دينه، وهو لا يشعر).

أثر حسن

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (835)، والذهبي في «السير» (ج8 ص406) من طريقين عن ابن المبارك به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي r قال: (ومن خاصم في باطل وهو يعلمه([750])، لم يزل في سخط الله حتى ينزع([751]) عنه، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه
أسكنه الله ردغة الخبال
([752]) حتى يخرج مما قال).

حديث صحيح

أخرجه أبو داود في «سننه» (ج4 ص23)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص70)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (699942)، و(699945)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص27)، والبيهقي في (السنن الكبرى» (ج6 ص82)، وفي «شعب الإيمان» (ج6 ص121) من طريق زهير ثنا عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد عن ابن عمر به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج1 ص798).

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

وقال المنذري في «الترغيب» (ج3 ص152): (رواه أبو داود، والطبراني بإسناد جيد). اهـ

وأخرجه أبو الشيخ في «التوبيخ والتنبيه» (221)، و(222)، والحاكم في «المستدرك» (7118)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (2921)، وفي «المعجم الكبير» (ج12 ص388)، والرامهرمزي في «أمثال الحديث» (90)، والواحدي في «الوسيط» (239)، وابن بشران في «الأمالي» (4)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (10583)، وفي «شعب الإيمان» (ج12 ص123)، والخطيب البغدادي في «الموضح» (173)، وفي «تاريخ بغداد» (2714)، وابن ماجه في «سننه» (2320)، وابن أبي العقب في «فوائده» (1/62/ط)، والهروي في «ذم الكلام» (124)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص23)، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (160)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص82) من عدة طرق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (من أعان على خصومة بباطل؛ فقد باء بغضب من الله حتى ينزع)، وفي رواية: (حتى يرجع) أي: حتى يرجع، ويتوب إلى الله تعالى.

وعن ثوبان t قال: قال النبي r: (أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المضلين)؛ أي: رؤوس الزندقة. وفي رواية: (أخوف ما أخاف على أمتي تعدي الأئمة المضلين).

حديث صحيح

أخرجه أبو دواد في «سننه» (ج4 ص451)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص437)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص278)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص401)، وابن حبان في «صحيحه» (ج16 ص220)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص372)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1304)، وشهدة في «مشيختها» (ص114)، والروياني في «المسند» (ج1 ص410)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص11)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص449)، من طرق عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان t به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

قال الإمام ابن القيم / في «هداية الحيارى» (ص21):

(1) الجهل به -يعني بالحق- وهذا الغالب على أكثر النفوس، فإن من جهل شيئا عاداه، وعادى أهله!.

(2) فإن انضاف إليه بغض من أمره بالحق، ومعاداته له، وحسده كان المانع من القبول أقوى!.

(3) فإن انضاف إلى ذلك ألفه، وعادته، ومرباه على ما كان عليه آباؤه قوي المانع!.

(4) فإن انضاف إلى ذلك توهمه أن الحق الذي دعي إليه يحول بينه، وبين جاهه قوي المانع!.

(5) فإن انضاف إلى ذلك خوفه من عشيرته، وقومه على نفسه، وماله، وجاهه ازداد المانع من قبول الحق قوة!). اهـ

وعن الإمام مالك بن أنس / قال: (سمعت أنه يقال: لا تمكن رجلا زائغ القلب من أذنك).

أثر صحيح

أخرجه ابن محرز في «معرفة الرجال» (ص292) من طريق يحيى بن معين قال: حدثنا معن قال: قال مالك به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره الباجي في «المنتقى» (ج4 ص274)، والشاطبي في «الاعتصام» (ج1 ص131).

وعن أبي الحسن الطرخاباذي الهمذاني / قال: (أحمد بن حنبل محنة به يعرف المسلم من الزنديق).([753])

وقال الإمام أحمد /: (قولوا لأهل البدع، بيننا وبينكم، يوم الجنائز).

أثر حسن

أخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في «سؤالاته» (ص146) من طريق أبي علي الصواف يقول: سمعت عبدالله بن أحمد يقول: سمعت أبي / يقول: فذكره.

قلت: وهذا سنده حسن.

وأخـرجـه أبـو عـبـد الـرحـمـن الـسـلـمـي في «سـؤالاتـه» (ص146)، والمزي في

«تهذيب الكمال» (ج1 ص67)، وابن الجوزي في «مناقب الإمام أحمد» (ص560) من طريق أبي سهل بن زياد القطان به.

وإسناده حسن.

وأورده الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (ج11 ص340)، نقلا عن السلمي.

وذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج10 ص387)، وابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج1 ص65).

قلت: ومراد الإمام أحمد / أن المبتدعة الزنادقة يحصل لهم في موتهم من الذل، والعقاب، وما يروا من الأهوال، فيتمنى هؤلاء أنهم لم يبتدعوا في دين الله تعالى شيئا فــ: ]لله الأمر من قبل ومن بعد[ [الروم:4]، اللهم سلم سلم.([754])

قال تعالى: ]حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون «99» لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون[ [المؤمنون: 99 و100].

وقال تعالى: ]ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق «50» ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد[ [الأنفال: 50 و51].

وقـال تـعـالى: ]اتـخـذوا أيـمـانـهـم جـنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا

يعملون[ [المنافقون:2].

وقال تعالى: ]ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون[ [الأنعام:93].

وقال تعالى: ]ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد «18» وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد[ [ق: 18 و19].

وقال تعالى: ]واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون «55» أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين[ [الزمر: 55 و56].

قلت: فالآن أتاك نبأ القصاص المحرفين، إذ تسوروا كتب السلف فاحذر مكرهم: ﴿ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله﴾ [فاطر:43].

وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية / حيث قال في «الفتاوى» (ج8 ص425): (فالبدع تكون في أولها شبرا ثم تكثر في الاتباع، حتى تصير أذرعا، وأميالا، وفراسخ). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح مسائل الجاهلية» (ص126): (فهذا من العقوبات أن الإنسان إذا ترك الحق يبتلى بالباطل، وهذه سنة لا تتبدل ولا تتغير، فبعض المسلمين تركوا كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وأخذوا بأقوال الناس، وأخذوا علم المنطق، وأخذوا علم الكلام، هم من هذا القبيل، لما تركوا كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وأخذوا غيرهما؛ لأنهم لما أعرضوا عن كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، ولم يأخذوا عقيدتهم من الكتاب والسنة، ابتلوا بأخذ العقيدة من علوم الكفرة والملاحدة، فما أشبه الليلة بالبارحة!.

* وهكذا كل من ترك الحق فإنه يبتلى بالباطل، ومن ترك مذهب أهل السنة والجماعة، فإنه يبتلى بمذاهب الفرق الضالة كالمرجئة -، والذي يتحزب مع الجماعات الضالة المخالفة للكتاب، والسنة، ومنهج أهل السنة والجماعة، يبتلى بأن يكون مع الفرق الضالة.

* هذه سنة الله سبحانه وتعالى، فهذا مما يحذر المسلم من أن يترك الحق لأنه إذا ترك الحق ابتلي بالباطل، وإذا ترك اتباع أهل الحق اتبع أهل الباطل، دائما وأبدا).اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح مسائل الجاهلية» (ص128): (والواجب على المسلم أن يقبل الحق ممن جاء به؛ لأن الحق ضالة المؤمن أينما وجده أخذه، مع صديقه، أو مع عدوه؛ لأنه يطلب الحق.

أما إذا كان يعتبر الاشخاص فقط، فهذا دين أهل الجاهلية... والحاصل: أن الواجب على المسلم تجنب سنة اليهود والنصارى، وهي الكفر بالحق إذا كان مع من لا يحبه، فلا يحملك بغض الشخص على أن ترفض ما معه من الحق.

* ومثل هذا ما هو موجود الآن: إذا كانت طائفة، أو جماعة تبغض أحد العلماء، فإنهم يرفضون ما معه من الحق، فيحملهم بغضهم لهذا العالم على أن يرفضوا ما معه من الحق، وأن يعتموا عليه، ويزهدوا فيه، ويحذوا من مؤلفاته، ومن أشرطته، ولو كانت حقا.. لماذا؟ لا لشيء إلا لأنهم لا يحبون هذا الشخص.

* والواجب عليك أيها المسلم أن تقبل الحق، وإن كان مع من لا تحب، ولا تكون العداوات الشخصية، والأهواء النفسية مانعة من قبول الحق).([755]) اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح مسائل الجاهلية» (ص122): (وهذه عقوبة لهم لأن الإنسان إذا فرح بالباطل فإنه لا يتركه، أما إذا لم يفرح به وكان عنده تشكك منه، فهذا حري أنه يتوب ويرجع عنه، لكن إذا اطمأن إليه وفرح به، فإنه لا يتحول عنه، وهذه عقوبة من الله جل وعلا؛ لأن من ترك الحق يبتلى بالباطل، ومن ترك الاجتماع؛ فإنه يبتلى بالتفرق والتشتت...).اهـ

قلت: والذي ينتسب إلى الحق فيجب أن يقول به، ولا يقول بخلاف الحق.

فالانتساب الصحيح: هو أن ينتسب إلى الشيء ويكون موافقا له، فالذي ينتسب إلى مذهب السلف الصالح يوافق ما جاءوا به من سلامة المنهج، وصحة المعتقد، والبراءة من مذاهب الفرق الضالة.([756])

ولذلك على القاص أن يلزم السكوت في دين الله تعالى، ولا يتكلم فيه بلا علم،

فإن فعل أثم؛ اللهم غفرا.

فعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت).([757])

وعن الإمام ميمون / قال: (أدركت من لم يكن يتكلم إلا بحق، أو يسكت).([758])

وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (ما أخشى عليكم بعدي الفقر، ولكني أخشى عليكم التكاثر، وما أخشى عليكم الخطأ، ولكني أخشى عليكم العمد).([759])

حديث صحيح

أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (ج8 ص16)، وابن المنذر في «الأوسط» (8964)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص308)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص534)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص282) وابن أبي أسامة في «مسند المشايخ» (ص163)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج4 ص98)، وابن البختري في «ستة مجالس من أماليه» (67)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج3 ص1032)، وأبو زرعة الدمشقي في «الفوائد المعللة» (ص163)، والبزار في «المسند (ج16 ص222) من طريق جعفر بن برقان قال سمعت يزيد بن الأصم  يحدث عن أبي هريرة به.

قلت: وهذا سنده صحيح رجاله كلهم ثقات.

وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

وقال الهيثمي في «المجمع» (ج1 ص236): (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح)، وذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (ج4 ص105)، ثم قال: «رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح».

والحديث صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج5 ص250).

وقال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص249): (في اللسان آفتان عظيمتان، إن خلص العبد من إحداهما لم يخلص من الأخرى، آفته الكلام، وآفته السكوت، وقد يكون كل منهما أعظم إثما من الأخرى في وقتها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، عاص لله مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه، والمتكلم بالباطل شيطان ناطق، عاص لله). اهـ

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله r قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه، ويده).([760])

قلت: فلم يسلم المسلم من لسان القاص الخارجي القعدي؛ ومن يده، لما يحرضه في الفتن على الخروج بالقول والفعل، لسفك الدماء، وتخريب الديار في البلد، والعياذ بالله.

قلت: والذي يسلم المسلم من لسانه ويده، فهو الذي أحسن إسلامه.

فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول الله!؛ أي: المسلمين أفضل قال r: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه، ويده).([761])

وعن أبي هريرة t عن النبي r قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت).([762])

وعن معاذ بن جبل t قال: قال رسول الله r: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، وقال: كف عليك هذا، قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟، فقال r: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال: على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم).([763])([764])

وعن عبدالله بن مسعود t قال: (والذي لا إله إلا هو، ما على وجه الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص65)، وهناد بن السري في «الزهد» (1095)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص162)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (116)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص134)، ووكيع في «الزهد» (285)، وأحمد في «الزهد» (ج2 ص110)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (23)، وابن البناء في «الرسالة المغنية» (ص26)، وابن المبارك في «الزهد» (384)، وأبو الشيخ في «الأمثال» (362)، وابن حبان في «روضة العقلاء» (ص48) من طرق عن ابن مسعود t به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعـن الإمـام الـفـضـيـل بن عياض / قال: (ليس هذا زمان الكلام، هذا زمان

السكوت، ولزوم البيوت).([765])

وعن معاذ بن جبل t قال: (إنكم لن تروا من الدنيا إلا بلاء، وفتنة، ولن يزداد الأمر إلا شدة، ولن تروا من الأمراء إلا غلظة، ولن تروا أمرا يهولكم، ويشتد عليكم إلا حقره بعد ما هو أشد منه).([766])

وعن الإمام مجاهد / قال: في قوله تعالى: ﴿يوم هم على النار يفتنون [الذاريات:13]، قال: يحرقون عليها، ويعذبون). ([767])

* وهؤلاء القصاص المتظاهرون بمنهج السلف، كذلك يتظاهرون باحترام العلماء، فإذا جاءهم هؤلاء العلماء بما يوافق الكتاب، والسنة، ومنهج السلف، ويخالف هواهم، وما تشربوه من الباطل رفضوه، وضربوا به عرض الحائط، وصاحوا عليهم بأنهم علماء سلطة!!!.

قلت: لذلك حذر السلف من القصاص المجرمين؛ لأنهم من أهل الأهواء والبدع.

فعن الزبرقان السراج قال: (نهانى أبو وائل أن أجالس أصحاب أرأيت).

               أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص282)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص203)، والبيهقي في «المدخل» (229)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (415)، وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1076) من طرق عن الزبرقان به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام أبي قلابة / قال: «لا تجالسوا أصحاب الأهواء، ولا تجادلوهم([768])، فإنى لا آمن أن يغمسوكم فى الضلالة، أو يلبسوا([769]) عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم». وفي رواية: (أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون).

أثر صحيح

أخرجه الفريابي في «القدر» (ص212 و213)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (233)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص36)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (99)، وابن البنا في «المختار» (17)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص60)، وفي «الاعتقاد» (ص48)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (328)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ص552)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص287 و437)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج7 ص184)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص284)، والذهبي في «السير» (ج4 ص472)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص389)، والآجري في «الشريعة» (61)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص134)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص120)، وابن وضاح في «البدع» (55)، والخلال في «السنة» (1968)، والأصبهاني في «الترغيب» (462) من طرق عن أيوب السختياني عن أبي قلابة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأورده ابن بطة في «الإبانة الصغرى» (65)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص227).

وعن الإمام يحيى بن أبي كثير / قال: (إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في غيره). يعني: اهجره.

أثر صحيح

أخرجه الفريابي في «القدر» (ص214)، والآجري في «الشريعة» (67)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص137)، وابن وضاح في «البدع» (55)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص69)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص315)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (490)، وأبو إسحاق الفزاري في «السير» (ج6 ص29)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص60)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص49) من طرق عن يحيى بن أبي كثير به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأورده الذهبي في «السير» (ج6 ص29).

وعن سلام بن أبي مطيع قال: (سأل رجل من أصحاب البدع أيوب السختياني، فقال يا أبا بكر أسألك عن كلمة، قال: فولى أيوب، وهو يقول: ولا نصف كلمة، ولا نصف كلمة، وهو يشير بأصبعه).

أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص121)، واللالكائي في «الاعتقاد» (291)، والسهمي في «تاريخ جرجان» (ص394)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص447)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص183)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص21)، والفريابي في «القدر» (ص215)، والآجري في «الشريعة» (ص62)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص9)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (101)، وأبو القاسم البغوي في «زياداته على مسند ابن الجعد» (1237) من طريق سعيد بن عامر حدثنا سلام بن أبي مطيع به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأورده البغوي في «شرح السنة» (ج1 ص227)، والذهبي في «السير» (ج6 ص21).

قلت: والـدخـول عـلـى أهـل الـبـدع ونصحهم يعتبر ذلك من المراء والخصومة

والجدل المنهي عنه، وذلك لأنهم يجادلون عند نصحهم ومناقشتهم، وهي ساعات الجهل، وبها يبتغي الشيطان الزلات؛ اللهم غفرا.

وعن الإمام الفضيل بن عياض / قال: (من جلس مع صاحب بدعة فاحذره، ومن جلس مع صاحب البدعة لم يعط الحكمة، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد).

أثر حسن

أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص139)، و(ج4 ص638)، وأبو
عبدالرحمن السلمي في «طبقات الصوفية» (ص9 و10) من طريقين عن مردويه الصائغ سمعت الفضيل ابن عياض فذكره.

قلت: وهذا سنده حسن.

قال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج13 ص106): (هجران أهل البدع والفسوق، ومنابذي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائما). اهـ

وعن الإمام الفضيل بن عياض / قال: (احذروا الدخول على أصحاب البدع؛ فإنهم يصدون عن الحق).

أثر حسن

أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص137) من طريق أحمد بن حمدان قال: حدثنا أحمد بن الحسين، قال: حدثنا عبد الصمد بن يزيد الصائغ قال: سمعت الفضيل بن عياض به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن الحسن البصري، وابن سيرين أنهما قالا: (لا تجالسوا أصحاب الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم).

أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص121)، وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (1803)، واللالكائي في «الاعتقاد» (240)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص444) من طريق أحمد بن يونس قال: أخبرنا زايدة بن قدامة عن هشام ابن حسان به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام الحسن البصري / قال: (لا تجالس أهل الأهواء، فإن مجالستهم ممرضة للقلوب).

أثر صحيح

أخرجه ابن وضاح في «البدع» (138)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص438) من طريقين عن الحسن البصري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه ابن وضاح في «البدع» (126) من وجه آخر، ولا يصح.

وذكره الشاطبي في «الاعتصام» (ج1 ص83).

قلت: فلا تجالس القصاص أهل الأهواء؛ فتسمع منهم كلمة فترديك فتضلك؛ اللهم غفرا.

وعن الإمام إبراهيم النخعي / قال: (لا تجالسوا أصحاب الأهواء، فإني أخاف أن ترتد قلوبكم).

أثر حسن لغيره

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص439)، وابن وضاح في «البدع» (134)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج4 ص222) من طريق زيد عن محمد بن طلحة قال: قال إبراهيم النخعي به.

* هكذا بدون واسطة بين محمد، وإبراهيم، وذكرت الواسطة في إسناد ابن بطة، وأبي نعيم بين محمد، وإبراهيم، وهذه الواسطة (الهجنع بن قيس) قال عنه الدارقطني: لا شيء، وذكره ابن حبان في الثقات.

قلت: فالأثر لا بأس به في الشواهد.

وانظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي (ج4 ص293)، و«لسان الميزان» لابن حجر (ج6 ص196).

وذكره الشاطبي في «الاعتصام» (ج1 ص84).

قلت: فلا تجالس أهل الأهواء؛ فإنهم يحدثون في قلبك ما لم يكن فيه... فإن فعلت فهذا جهل محض، والله المستعان.

وعن الإمام مجاهد / قال: (لا تجالسوا أهل الأهواء، فإن لهم عرة كعرة الجرب([770])).

أثر صحيح

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص441 و443) من طريقين عن مجاهد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فداء أهل البدع ينتشر في الناس إذا جالسوهم، وخالطوهم، والعياذ بالله.

قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص245): (فلله در أقوام دقت فطنهم، وصفت أذهانهم، وتعالت بهم الهمم في اتباع نبيهم، وتناهت بهم المحبة حتى اتبعوه هذا الاتباع؛ فبمثل هدي هؤلاء العقلاء إخواني فاهتدوا، ولآثارهم فاقتفوا، ترشدوا وتنصروا وتجبروا). اهـ

وعن الإمام الفضيل بن عياض / قال: (صاحب البدعة لا تأمنه على دينك، ولا تشاوره في أمرك، ولا تجلس إليه، فمن جلس إلى صاحب بدعة ورثه الله العمى). يعني في قلبه.

أثر حسن

أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص138) من طريق أحمد بن حمدان قال: حدثنا أحمد بن الحسين، قال: حدثنا عبد الصمد بن يزيد الصائغ قال: سمعت الفضيل بن عياض به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن إبراهيم النخعي / قال: (لا تجالسوا أهل الأهواء، فإن مجالستهم تذهب بنور الإيمان من القلوب، وتسلب محاسن الوجوه، وتورث البغضة في قلوب المؤمنين).

أثر حسن

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص439) من طريق عباس الدوري قال: حدثنا محاضر عن الأعمش قال: قال إبراهيم النخعي به.

قلت: وهذا سنده حسن.

قلت: فالجلوس مع أهل البدع يغرر بالآخرين([771]) الجاهلين، فيقعوا معهم، والله المستعان.

فمن جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث:

الأولى: إما أن يكون فتنة لغيره.

والثانية: وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به، فيدخل مع أهل البدع، ويكون منهم.

والثالثة: وإما أن يقول والله ما أبالي ما تكلموا به من البدع، واعلم بأخطائهم وأميز بين الحق والباطل، وأعرفهم على حقيقتهم في التحزب، وأنا سلفي قوي! وإني واثق بنفسي، فمن أمن الله تعالى على دينه طرفة عين سلبه إياه، أو بعضه، اللهم سلم سلم.

قلت: هكذا يهدم المرء دينه بالتهاون في الجلوس مع أهل البدع، لأن المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.([772])

قال تعالى: ﴿قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون [الأنعام:65].

وقوله: ﴿أو يلبسكم شيعا؛ أي: يخلطكم فرقا ويبث فيكم الأهواء المضلة المختلفة والقتال، ﴿ويذيق بعضكم بأس بعض([773]) بالخلاف، والقتال.

بمعنى: يخلط أمركم خلط اضطراب، لا خلط اتفاق، أي يبث فيكم الأهواء المختلفة؛ فتصيرون فرقا يخالف بعضكم بعضا، ويقاتل بعضكم بعضا.([774])

قلت: فمن جلس، وخالط أهل البدع عاقبه الله تعالى باللبس والهوى،
والاختلاف والضلال المهلك لدنياه وآخرته؛ اللهم سلم سلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص177): (دين الإسلام إنما يتم بأمرين:

أحدهما: معرفة فضل الأئمة، وحقوقهم، ومقاديرهم، وترك كل ما يجر إلى ثلمهم.

والثاني: النصيحة لله سبحانه، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم، وإبانة ما أنزل الله سبحانه من البينات والهدى.

ولا منافاة أن الله سبحانه بين القسمين لمن شرح الله صدره، وإنما يضيق عن ذلك أحد رجلين:

رجل جاهل بمقاديرهم، ومعاذيرهم، أو رجل جاهل بالشريعة وأصول الأحكام).اهـ

وعن سلمة بن بلال قال: كان فتى يعجب علي بن أبي طالب t، فرآه يوما، وهو يماشي رجلا متهما، فقال له قال علي بن أبي طالب t:

فــــلا تــصــحـــــب أخــــا الـــجــهـــــــــــل

 

 

وإيـــــــــــــــــــــــــــاك وإيـــــــــــــــــــــــــــــاه

فـــــــكـــــــــــم مـــــــــــن جــــــــاهل أردى

 

 

حــليـــــــــــما حــــــيـــــــــــــن آخــــــــــــــاه

يـــــــــقــــــــــــــاس الــــــــمــــــــرء بالـــمرء

 

 

إذا مـــــــــا هــــــــــــــــــو مـــــــاشــــــــــــــاه

ولـــلـــشـــــــــــيء عــــــــــلــــــى الـــشـيء

 

 

مــــــــــــقــــــايـــــيــــس وأشـــــــــــــــبــــــاه

وللــــقـــــــــلــــــــب عـــــلـــــى الــــــقــلب

 

 

دلــــيـــــــــــل حـــــــــيــــــــن يــــــلــــقـــاه([775])

وعن عبدوس بن مالك العطار قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: (أصول السنة عندنا: ... وذكر منها:- وترك الجلوس مع أصحاب الأهواء).([776])

قال الحافظ ابن حبان / في «روضة العقلاء» (ص164): (والواجب على العاقل: ترك صحبة الأحمق، ومجانبة معاشرة النوكى، كما يجب عليه لزوم صحبة العاقل الأريب، وعشرة الفطن اللبيب، لأن العاقل وإن لم يصبك الحظ من عقله، أصابك من الاعتبار به، والأحمق([777]) إن لم يعدك حمقه تدنست بعشرته). اهـ

تصــدر لــلـــــتــــدريس كــــل مـــهـــــوس

 

 

جــهـــول تـــــســـمــــى بالــفـقيه المدرس

فــــحق لأهـــــل الــعـــلم أن يــــتــمـثــلــوا

 

 

ببيـــــت قـــــديم شـــــاع فــي كــل مجلس

لــقــــد هــــزلــت حـتــى بــدا مـــن هـزالها

 

 

كــلاهــا وحـــــتى ســــامـــهـا كل مفلس([778])

وعن معمر الأزدي قال: (كان ابن طاوس جالسا، فجاء رجل من المعتزلة، فجعل يتكلم.

قال: فأدخل ابن طاوس أصبعيه في أذنيه، وقال لابنه: (أي بني، أدخل أصبعك في أذنيك واشدد، ولا تسمع من كلامه شيئا).([779])

قال معمر: يعني؛ أن القلب ضعيف.

أثر صحيح

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص446)، وعبدالرزاق في «المصنف» (2099)، واللالكائي في «الاعتقاد» (248) من طريق معمر الأزدي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن مفضل بن مهلهل / قال: (لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته حذرته وفررت منه، ولكنه يحدثك بأحاديث السنة في بدء مجلسه ثم يدخل عليك بدعته فلعلها تلزم قلبك فمتى تخرج من قلبك).

أثر صحيح

أخـرجه ابـن بـطـة في «الإبـانـة الكـبرى» (ج2 ص444) من طريق أبي حاتم قال

حدثنا الحسن بن الربيع قال حدثنا نوفل بن مطهر عن مفضل بن مهلهل به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال البربهاري /: (وإذا رأيت الرجل مجتهدا في العبادة، متقشعا، محترفا بالعبادة، صاحب هوى؛ فلا تجالسه، ولا تقعد معه، ولا تسمع كلامه، ولا تمشي معه في طريق، فإني لا آمن أن تستحلي طريقته فتهلك معه).([780])

قلت: لأن أهل البدع يفسدون القلوب، اللهم سلم سلم.([781])

لذلك يجب بيان حالهم لكي لا يتغرر بهم الناس، فيقعون معهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص231): (ودفع بغي هؤلاء يعني: أهل الأهواء   وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين؛ ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب، وما فيها من الدين إلا تبعا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء). اهـ

قلت: وهناك النتائج الوخيمة المترتبة على مخالطة أهل البدع، فإن لهم في ذلك حيلا باطنة، فتنبه.([782])

وقال الإمام أحمد /: (الذي كنا نسمع، وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم؛ أنهم كانوا يكرهون الكلام، والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمور في التسليم والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله، أو سنة رسول الله، لا في الجلوس مع أهل البدع، والزيغ لترد عليهم، فإنهم يلبسون عليك وهم لا يرجعون، فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم، والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم).

أثر صحيح

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص472)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص320) من طريق أبي صالح محمد بن أحمد قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عيسى بن الوليد العكبري قال: حدثني أبو علي حنبل بن إسحاق به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن شعبة بن الحجاج قال: (كان سفيان الثوري يبغض أهل الأهواء، وينهى عن مجالستهم أشد النهي، وكان يقول: عليكم بالأثر).

أثر صحيح

أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص142)، وأبو الفضل المقرئ في «أحاديث في ذم الكلام» (ص88) من طريق أبي حاتم السجستاني يقول: سمعت عبدالملك الأصمعي يقول: سمعت شعبة بن الحجاج به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام الفضيل بن عياض / قال: (أدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة، وينهون عن أصحاب البدع).

أثر حسن

أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص138) من طريق أحمد بن حمدان قال: حدثنا أحمد بن الحسين، قال: حدثنا عبد الصمد بن يزيد الصائغ قال: سمعت الفضيل بن عياض به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن أيوب السختياني قال: رآنى سعيد بن جبير جلست إلى طلق بن حبيب، فقال لى: (ألم أرك جلست إلى طلق بن حبيب؟ لا تجالسنه). يعني: لأنه مرجيء.

أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص388)، وابن وضاح في «البدع» (145) من طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام عمرو بن قيس الملائي / قال: (لا تجالس صاحب زيغ، فيزيغ قلبك).

أثر حسن

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص443) من طريق أبي حاتم قال: حدثنا أبو سعيد الأشج قال: حدثنا أبو خالد عن عمرو بن قيس الملائي به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن الإمام أحمد بن حنبل / قال: (لا تجالسوا أصحاب الكلام، وإن ذبوا عن السنة).

وفي رواية: (لا تجالس صاحب كلام، وإن ذب عن السنة، فإنه لا يؤول أمره إلى خير).

أثر صحيح

أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج3 ص540)، وابن الجوزي في «مناقب الإمام أحمد» (ص156) من طريقين عن أحمد بن حنبل به.

قلت: وإسناده صحيح.

وذكره ابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (ج1 ص334).

قلت: لأن صحبة المبتدع عار يوم القيامة.

فعن الإمام الشافعي / قال: (صحبة من لا يخشى العار، عار في القيامة).([783])

وعن حذيفة بن اليمان ط قال: (إن الفتنة لتعرض على القلوب؛ فأي قلب أشربها نقط على قلبه نقط سود، وأي قلب أنكرها نقط على قلبه نقطة بيضاء، فمن أحب منكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا؛ فلينظر؛ فإن رأى حراما ما كان يراه حلالا، أو يرى حلالا ما كان يراه حراما فقد أصابته).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج15 ص88)، ونعيم بن حماد في «الفتن» (130)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص467)، وأبو عمرو الداني في «السنن الواردة في الفتن» (26)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص272) من طرق عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي عمار عن حذيفة ط به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

قلت: فالذين يذهبون إلى الجماعات الحزبية، وجمعياتهم المخالفة لأهل السنة والجماعة بحجة دعوتهم، ويعيشون معهم، ويكتبون تزكيات عن نشاطهم، وجمعياتهم، ومدارسهم، ومراكزهم بحجة التوفيق، والدعوة، والتعليم، وعدم التفرقة، فهؤلاء يضرون أكثر مما ينفعون؛ حيث يأخذ الحزبيون ذلك حجة لهم ويقولون: هؤلاء أهل التوحيد يحضرون إلينا، ويجتمعون بنا، ويكتبون لنا التزكيات، والتوصيات.

قلت: فتحذير المسلمين من هؤلاء، ومناصبتهم العداء، وفضح مخططاتهم، وأفكارهم الممقوتة؛ لأن تمييز مناهج المنحرفين، والمخالفين مطلب شرعي، كما قال تعالى: ]ولتستبين سبيل المجرمين[ [الأنعام:55].

قلت: لأن هؤلاء جعلوا الدنيا الهدف الوحيد، واستحبابها على الآخرة... حيث صارت الدنيا، والعمل لها غاية هؤلاء الناس، ومقصودهم يحبون، ويبغضون، ويسعون، ويكدحون لها وحدها، والعياذ بالله.

قال تعالى: ]الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولـئك في ضلال بعيد[ [إبراهيم:3].

قلت: فليحذر أهل الدنيا من تحكيم العقول، والآراء بدعوى التطوير للخطاب الإسلامي المناسب للعصر، لأن ذلك منشأ الفرقة، والاختلاف بين المسلمين، اللهم غفرا.

قال تعالى: ]ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله[ [القصص:50].

وعن الإمام ابن عيينة / قال: (إن العبد إذا هوى شيئا؛ نسي الله عز وجل، وتلا: ]ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله[([784]) [ص:26].

وعن الإمام الفضيل بن عياض / قال: (وليس له أن يقول: ما لا يعلم، أو يسمع إلى ما شاء، أو يهوى ما شاء، لأن الله تعالى يقول: ]ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولـئك كان عنه مسؤولا[([785]) [الإسراء:36].

وعن الإمام الفضيل بن عياض / قال: (علامة النفاق أن يقوم الرجل، ويقعد مع صاحب بدعة).([786])

قلت: وهذا الذي وقع فيه بعض الناس بحجة جمع كلمة المسلمين، وبحجة تأليف القلوب، والتوفيق بين الناس، والتوفيق بين الآراء وأصحابها، أو بغير ذلك من الحجج التي يلبس، ويوسوس بها الشيطان على هؤلاء، نعوذ بالله من الخذلان.

وهذه صفات المنحرفين الذين ينشرن آرائهم المنحرفة ويقول: ]إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا[ [النساء:62].

وعن الإمام أحمد بن أبي الحواري / قال: (لا تجالسوا أهل البدع، ولا تبايعوهم، ولا تشاوروهم، ولا تناكحوهم، وإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوا جنائزهم، وكان يبكي وهو يحدث حتى يسيل دموعه).

أثر حسن

أخرجه الطيوري في «الطيوريات» (ج3 ص1032) من طريق أبي طاهر محمد بن الحسين بن علي الأنطاكي حدثني أبو الحسين علي بن عبدالله الكلبي قال: سمعت أحمد بن أبي الحواري به.

قلت: وهذا سنده حسن.

قلت: وهذا الأثر يدل على خطر المبتدع على الفرد والمجتمع، وما له من آثار سيئة مدمرة للأمة، وخطر توقير المبتدع وتلميعه للمسلمين، فإن ذلك يورث العمى للموقر، ويطبع على قلبه، ويشين المجتمع المسلم بذلك التوقير للمبتدع، لأنه يحاد الله تعالى، ورسوله r لما جاءت النصوص من الكتاب، والسنة تتضمن التحذير من البدع والمبتدعه، وعدم توقيرهم، والتخويف من عواقبهم السيئة في الدنيا، والآخرة.

* فكان عقاب الموقر أن أورثه الله تعالى العمى في بصيرته، فلا يدرك ماذا يقول... فتتجارى به الأهواء المهلكة له ولمجتمعه شيئا فشيئا، ويقع في الأوزار المضلة شيئا فشيئا، فيحمل وزره وأوزار من تبعه واقتدى به في ثنائه، وتوقيره للمبتدع، حتى وإن كان قصد التابع، أو المبتدع على زعمه سليما وحسنا لتأليف القلوب، واجتماع الكلمة، وتصفية القلوب، ورص الصفوف، فالغاية لا تبرر الوسيلة المحرمة وتحلها، والدين لا يبنى على الأهواء، والآراء، والعصبية من أجل الحصول على الدنيا وزينتها.

قلت: بل إن العمل مهما كان فلابد له من شرطين يجب توفرهما ليكون عملا صالحا، يرجى الثواب عليه، والاجتماع، والتألف عليه في البلد لمصلحة المسلمين عامة، وهما:

الأول: أن يكون العمل خالصا لله تعالى، وحده لا شريك له.

الثاني: أن يكون العمل صوابا على السنة، موافقا لهدي النبي r، ومنهج السلف.

قال تعالى: ]فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [الكهف:110].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد).([787]) وفي رواية: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).([788])

قلت: وعليه فإن العمل المبتدع، وإن كثر قد شغل فيه المبتدع عامة الساعات، والأيام بل الشهور، والأعوام فهو جهد ضائع قد ذهب سعيه، ووقته، وماله هباء منثورا، بل صار وبالا عليه؛ بالذل في الدنيا، والعقاب في الآخرة.([789])

فالمعنى إذا: أن من كان عمله خارجا عن الشرع ليس متقيدا بالشرع، فهو مردود عليه.([790])

قال الإمام الفضيل بن عياض /: (علامة البلاء أن يكون خدن([791]) الرجل صاحب بدعة).([792])

وعن الإمام الأوزاعي / قال: (من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام).([793]) وفي رواية: (من وقر صاحب بدعة؛ فقد أعان على مفارقة الإسلام، ومن وقر صاحب بدعة؛ فقد عارض الإسلام برد).

وعن الإمام أبي إسحاق الهمداني / قال: (من وقر صاحب بدعة، فقد أعان على هدم الإسلام).([794])

وعن الإمام إبراهيم بن ميسرة / قال: (من وقر صاحب بدعة، فقد أعان على هدم الإسلام).([795])

وعن الإمام سفيان الثوري / قال: (من وقر صاحب بدعة، فقد أعان على هدم الإسلام).([796])

قلت: فهناك نتائج وخيمة مترتبة على الثناء على أهل البدع، وتوقيرهم، وتعظيمهم.

وإليك هذه الحادثة:

قال أبو الوليد الباجي في كتابه: «اختصار فرق الفقهاء» عند ذكر أبي بكر الباقلاني الأشعري: (لقد أخبرني أبو ذر الهروي - وكان يميل إلى مذهبه الأشعري - فسألته من أين لك هذا يعني المذهب الأشعري -، قال: كنت ماشيا مع أبي الحسن الدارقطني، فلقينا أبا بكر بن الطيب القاضي، فالتزمه الدارقطني وقبل وجهه وعينيه، فلما افترقا قلت: من هذا؟ قال: هذا إمام المسلمين، والذاب عن الدين، القاضى أبو بكر بن الطيب، قال أبو ذر الهروي: فمن ذلك الوقت تكررت إليه مع أبي، فاقتديت بمذهبه).([797])

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «ظاهرة التبديع» (ص45): (لا يجوز تعظيم المبتدعة، والثناء عليهم، ولو كان عندهم شيء من الحق، لأن مدحهم، والثناء عليهم يروج بدعتهم، ويجعل المبتدعة في صفوف المقتدى بهم من رجالات هذه الأمة.

والسلف حذرونا من الثقة بالمبتدعة، وعن الثناء عليهم، ومن مجالستهم...

* والمبتدعة يجب التحذير منهم، ويجب الابتعاد عنهم، ولو كان عندهم شيء من الحق، فإن غالب الضلال لا يخلو من شيء من الحق.

* ولكن ما دام عندهم ابتداع، وعندهم مخالفات، وعندهم أفكار سيئة فلا يجوز الثناء عليهم، ولا يجوز مدحهم، ولا يجوز التقاضي عن بدعتهم، لأن في هذا ترويجا للبدعة، وتهوينا من أمر السنة، وبهذه الطريقة يظهر المبتدعة، ويكونون قادة للأمة لا قدر الله فالواجب التحذير منهم.

وفي أئمة السنة الدين ليس عندهم ابتداع في كل عصر ولله الحمد فيهم الكفاية للأمة وهم القدوة). اهـ

قلت: ويتبين من ذلك أن توقير أهل البدع يغرر بالآخرين الجاهلين فيقعون معهم، خاصة إذا جاء التوقير والثناء على أهل البدع ممن يتسم فيه الصلاح، والله المستعان. ([798])

قال الإمام ابن بطة العكبري / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص470): (لقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم يعني: أهل البدع والأهواء -فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم، فما زالت بهم المباسطة، وخفي المكر، ودقيق الكفر، حتى صبوا إليهم!). اهـ

            قلت: فيجب الترهيب العظيم، والزجر الشديد عن توقير واحترام المبتدعة، بل الترهيب عن مجرد المجاورة والمجالسة، والاستماع إليهم، وتكثير سوادهم، وترويج أسواقهم.

وقال العلامة ابن بدران / في «العقود الياقوتية» (ص48): (فالأهواء متى حلت بصاحبها أخذته عن الحق، وجعلت الباطل ساريا في لحمه ودمه، فإذا خالطه أحد حصلت له العدوى منه). اهـ

وعن الإمام أحمد بن حنبل / قال: (أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله r، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال، والخصومات في الدين).([799])

قلت: لا شك أن التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله r والاقتداء بهم هو من أصول أهل السنة المهمة.

قال الإمام الصابوني / في «عقيدة السلف» (ص298): (يبغضون يعني أهل الحديث - أهل البدع؛ الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين  ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان، وقرت في القلوب ضرت، وجرت إليها من الوساوس، والخطرات الفاسدة ما جرت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: ﴿وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره [الأنعام:68]. اهـ

وقال الإمام البغوي / في «شرح السنة» (ج1 ص219): (باب: مجانبة أهل الأهواء. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره [الأنعام:68]، ﴿ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه [الكهف:28]. اهـ([800])

وقال الإمام ابن قدامة / في «لمعة الاعتقاد» (ص30): (ومن السنة: هجران أهل البدع ومباينتهم، وترك الجدال، والخصومات في الدين، وترك النظر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم، وكل محدثة في الدين بدعة). اهـ

قلت: فهجران أهل البدع من أصول([801]) الدين المجمع عليه عند السلف الصالح؛ فافطن لهذا ترشد.

فانظر من تجالس، وممن تسمع، ومن تصحب، فإن الأمر دين.

قال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص127): (وإذا أردت الاستقامة على الحق، وطريق أهل السنة قبلك فاحذر الكلام، وأصحاب الكلام، والجدال، والمراء، والقياس، والمناظرة في الدين، فإن استماعك منهم يقدح الشك في القلب، وكفى به قبولا فتهلك، وما كانت قط زندقة، ولا بدعة، ولا هوى، ولا ضلالة إلا من الكلام، والمراء، والجدال، والقياس، وهي أبواب البدع، والشكوك والزندقة). اهـ

وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص121): (وإذا رأيت الرجل يجلس مع رجل من أهل الأهواء فحذره، وعرفه فإن جلس معه بعدما علم فاتقه،
فإنه صاحب هوى). اهـ

فالله الله في نفسك، وعليك بالآثار، وأصحاب الآثار، فإن الدين بالآثار.([802])

قلت: فمن أسباب الفرقة السكوت عن البدعة، وعدم محاربتها عند ظهورها، فإنها تظهر أول الأمر بشكل دقيق لا يتفطن له، ثم تنمو، وتكبر، وتتفاقم، ويعتادها الكبير، وينشأ عليها الصغير؛ فيصعب حنئذ تركها والتخلي عنها، ومحاربة البدعة أول ظهورها والتغليظ على فاعلها، أكبر سبب لإزالة كل ما من شأنه أن يفرق المسلمين.

قال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص23): (واحذر صغار المحدثات، فإن صغار البدع تعود حتى تصير كبارا، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة، كان أولها صغيرا يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع المخرج منها فعظمت، وصارت دينا يدان بها، فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام). اهـ

وقال الإمام البغوي / في «شرح السنة» (ج1 ص223): (قد أخبر النبي r عن افتراق هذه الأمة، وظهور الأهواء والبدع فيهم، وحكم بالنجاة لمن اتبع سنته، وسنة أصحابه y، فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء والبدع معتقدا، أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره، ويتبرأ منه، ويتركه حيا وميتا). اهـ

وقال الإمام القحطاني / في «نونيته» (ص45):

لا يــصـــحــب الــبـــدعـــي إلا مــثــلــــــــه

 

 

تـــحــــــت الـــــدخـــان تــأجــــــج النيران

قلت: فمجالسة أهل البدع فيها الخطر العظيم على المجالس لهم، بأن يرد عليه من شبههم ما لا يستطيع دفعه، وبالتالي ينغمس في ضلالتهم، وبدعهم كما هو مشاهد ممن جالسهم بدعوى أنه واثق من عقيدته، ولا يخشى التأثر بهم.([803])

* بل في مجالسة أهل البدع مخالفة لأمر الله تعالى بترك مجالستهم، ومشاقة للرسول r الذي نهى عن مجالستهم، واتباعا لغير سبيل المؤمنين الذين اتفقوا على ترك مجالسة أهل البدع، والتحذير منها، وبالتالي فإن المجالس لهم معرض للوعيد الشديد المترتب على ذلك.

فقد قال تعالى: ﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [النور:63].

قـال الحافظ ابن كثير / في «تفسيره» (ج3 ص307): في تفسير الفتنة: (أي:

في قلوبهم من كفر، أو نفاق، أو بدعة). اهـ

وقال الإمام سفيان الثوري / في قوله: ﴿أن تصيبهم فتنة قال: (يطبع على قلوبهم).([804])

وقال تعالى: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا [النساء:115].

قال ابن أبي زمنين / في «أصول السنة» (ص293): (ولم يزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة، وينهون عن مجالستهم، ويخوفون فتنتهم). اهـ

وقال الشيخ محمد صديق خان في «عقيدة أهل الأثر» (ص157): (ومن السنة هجران أهل البدع، ومباينتهم، وترك الجدال والخصومات في الدين والسنة، وكل محدثة في الدين بدعة، وترك النظر في كتب المبتدعة، والإصغاء إلى كلامهم في أصول الدين وفروعه). اهـ

قلت: فترك مجالسة أهل البدع، ومخالطتهم في مجالسهم، وكل ما يفضي إلى الاتصال بهم ومحادثتهم، فإن ذلك من أسباب الأنس بهم، ومحبتهم، وترك ما أمر الله به من بغضهم.

فعن بلال بن سعد الواعظ الرباني / قال: (لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر من عصيت).

أثر صحيح

أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ص24)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج3 ص431)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج10 ص502)، والمزكي في «المزكيات» (ص266)، والصيداوي في «معجم الشيوخ» (ص132)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (286)، و(7159)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (ص384)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج5 ص223)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج4 ص295)، وأبو الفضل الزهري في «حديثه» (ج1 ص400)، والذهبي في «السير» (ج5 ص91) من طريق الوليد بن مسلم قال سمعت الأوزاعي يقول سمعت بلال بن سعد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: (كيف بكم وبزمان، أو يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا، وشبك بين أصابعه، فقالوا: وكيف بنا يا رسول الله؟ قال: تأخذون ما تعرفون، وتذرون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم).

حديث صحيح

أخرجه أبو داود في «سننه» (ج2 ص437)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج43 ص418)، والداني في «السنن الواردة في الفتن» (ج3 ص573)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص467)، والمستغفري في «دلائل النبوة» (ج1 ص433)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج3 ص217)، وأبو الفضل الزهري في «حديثه» (ج2 ص667)، والطبراني في «المعجم الكبير» (5 و7- قطعة من المجلد 13)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص221)، ونعيم بن حماد في «الفتن» (ج1 ص242)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص435) من طريق أبي حازم عن عمارة بن حزم عن عبد الله بن عمرو به.

قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات؛ من أجل عمارة بن عمرو بن حزم فقد وثقه العجلي، وابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

وقال أبو داود في «سننه» (ج2 ص437): (هكذا روي عن النبي r من غير وجه).

* ثم رواه من طريق عكرمة عن ابن عمرو.

فأخرجه أبو داود في «سننه» (ج2 ص438)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص212)، والحمامي في «جزء الاعتكاف» (ص66)، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (205)، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (440)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج15 ص9)، وقوام السنة في «الترغيب والترهيب» (ج1 ص177)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج3 ص219)، والطبراني في «المعجم الكبير» (4- قطعة من المجلد:13)، والخطابي في «العزلة» (ص14)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (ج3 ص1723)، وابن المبارك في «المسند» (ص158)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص525) من طريق هلال بن خباب أبي العلاء قال حدثني عكرمة حدثني عبدالله بن عمرو به.

قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج1 ص414).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

وقال المنذري في «الترغيب والترهيب» (ج3 ص443): إسناده حسن.

وقال العراقي في «المغني» (ج2 ص232): إسناده حسن.

ونقله عنهما المناوي في «فيض القدير» (ج1 ص353).

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج13 ص10-قطعة منه) من طريق ابن أبي فديك عن موسى بن يعقوب الزمعي عن أبي حازم عن عمر بن الحكم بن ثوبات عن عبدالله بن عمرو به.

وذكره ابن أبي حاتم في «العلل» (2780) ثم قال: قال: أبي: هذا وهم، إنما هو أبو حازم عن عمارة بن عمرو ابن حزم عن عبدالله بن عمرو عن النبي r.

قلت: وهذا الطريق أشهر الطرق لهذا الحديث، كما أشار لذلك أبو حاتم /.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا مختصرا (ج1 ص565) من طريق
عاصم بن محمد عن أخيه واقد بن محمد بن زيد عن أبيه قال: سمعت أبي وهو يقول: وقال عبدالله به.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا مختصرا (ج1 ص565)، والحربي في «غريب الحديث» (ج1 ص566- الفتح)، وأبو يعلى في «المسند» (ج9 ص442)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج2 ص245) من طريق عاصم عن واقد عن أبيه عن ابن عمرو به.

وذكر البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة» (ج10 ص179) والمزي في «تحفة الأشراف» (ج7 ص420).

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص220) من طريق أبي حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به.

قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج1 ص416).

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج31 ص277) من طريق عبدالملك بن قدامة الجمحي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ابن عمرو به.

قلت: وهذا سنده ضعيف فيه عبدالملك بن قدامة الجمحي، وهو ضعيف الحديث.

انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج18 ص382).

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص162)، وهناد السري في «الزهد» (1238)، والطبراني في «المعجم الكبير» (13- قطعة من المجلد:13)، و«المعجم الأوسط» (ج2 ص316)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص587)، والحارث في «المسند» (ص243- الزوائد)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص359)، والمستغفري في «دلائل النبوة» (ج1 ص428)، وتمام في «الفوائد» (575)، والداني في «السنن الواردة في الفتن» (ج3 ص576) من طريق الحسن البصري عن عبدالله بن عمرو به.

وإسناده ضعيف.

قلت: وفي سماع الحسن البصري من عبدالله بن عمرو خلاف، ولذلك جاء مرسلا في بعض الروايات.

أخرجه الحارث في «المسند» (772- بغية الباحث) من طريق إسحاق عن أبي الأشهب عن الحسن البصري: أن نبي الله r قال لعبدالله فذكره.

* وكذلك رواه جرير بن حازم عن الحسن البصري مرسلا.

وهكذا، رواه معمر عن غير واحد عن الحسن البصري: أن النبي r به.

أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (20741)، ومن طريقه هناد في «الزهد» (1238).

قلت: والحديث مشهور عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، وقد تابع فيه الحسن البصري من جمع من الثقات كما سبق ذلك.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (8- قطعة من المجلد:13)، و«المعجم الأوسط» (ج4 ص313)، والبزار في «المسند» (2485) من طريق عبيد الله بن عمر عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عقبة بن أوس عن ابن عمرو به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه البزار في «المسند» (2484) من طريق سعيد بن زربي عن عبدالله بن عمرو به.

ثم قال البزار: هذا الحديث يروى عن عبدالله بن عمرو من وجوه، ولا نعلم له إسنادا أحسن من إسناد عقبة بن أوس عن عبدالله بن عمرو.

قلت: وسعيد بن زربي البصري ضعيف الحديث.

انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج10 ص431).

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج6 ص202)، وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج1 ص225)، وابن عدي في «الكامل» (ج2 ص463)، وابن أبي الدنيا في «الأمر بالمعروف» (ص53)، وابن شاهين في «حديثه» (ق/10/ط)، ونصر المقدسي في «الحجة» (ج1 ص128) من طريقين عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي t به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فالحديث صحيح، وقد صححه ابن حجر في «الفتح» (ج13 ص39) عدا جملة (الزم بيتك واملك عليك لسانك).

وقوله r: (يغربل الناس فيه غربلة)؛ أي: يذهب خيارهم، ويبقى أراذلهم.

و(المغربل) المنتقى، كأنه نقي بالغربال.([805])

وقوله r: (حثالة من الناس)؛ أي: أراذلهم، والحثالة من كل شيء رديئة وسقطة، ومنه حثالة الشعير، والأرز، والتمر، وكل ذي قشر.([806])

وقوله r: (مرجت عهودهم وأماناتهم)؛ أي: اضطربت، واختلفت فلا تستقر على حال... فلا يحفظون عهدا، ولا يرعون أمانة.

والحديث: فيه دليل على اتصاف الناس في هذا الزمان بالاختلاف، والتفرق عن منهج الدين الحنيف... فأفكارهم وأخلاقهم متشاكسة... وعهودهم، وأماناتهم مضطربة في غاية الرذالية... وهذا ما يوحي به لفظ (الحثالة) هذا فضلا عن اختلافهم في مناهجهم الفكرية المتمثلة في إعجاب كل ذي رأي برأيه، وهذا هو ما عبر عنه النبي r هنا بقوله (واختلفوا فكانوا هكذا- وشبك بين أصابعه)، فتضادوا، وافترقوا، فكل يقف في مقابل الأخر، وفي طريقه...

* واضطراب العهود، والأمانات لأجل الدنيا المؤثرة... وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وهذا يدل على مدى الاختلاف، والتضاد في هذه الجماعات الحزبية.

وقوله r: (تأخذون ما تعرفون، وتذرون ما تنكرون) دليل على أن هؤلاء الدعاة المختلفين ليسوا كفارا... بل هم مسلمون من أهل القبلة!.

* فأمر النبي r أن يأخذ الشخص بما يعرف... ويدع ما ينكر... ولا يأمره بهذا إذا كانوا كفارا... لأن الشرع لم يأمرنا أن نأخذ من الكفار شيئا فدل على أنهم جماعات مختلفة من المسلمين.

وقوله r: (وتقبلون على أمر خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم)؛ هذا أمر صريح منه r باعتزال هؤلاء الحثالة المختلفة، لأن في هذا الاعتزال سبيل جمع كلمة المسلمين!.

* فالواجب على الناس جميعا ألا يكون ولاؤهم، ولا انتماؤهم لجماعة من الجماعات الحزبية، بل يكون ولاؤهم وانتماؤهم لجماعة المسلمين، وهي جماعة حاكم البلاد الذي له السمع والطاعة والبيعة.

* فالمراد من اعتزال الجماعات هو اعتزال الفرق الحزبية المفرقة لكلمة الأمة، لا اعتزال ما اجتمعت عليه كلمة علماء أهل السنة والحديث، وأتباعهم الملازمين لما كانعليه النبي r، وأصحابه الكرام من الأصول فافطن لهذا.

وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (كيف بك يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا، فصاروا هكذا: وشبك بين أصابعه قال: يا رسول الله ما تأمرني؟ قال: عليك بخاصتك، ودع عنك عوامهم).

حديث صحيح

أخرجه الدولابي في «الكنى» (ج2 ص35)، وأبو يعلى في «المسند» (ج10 ص189- إتحاف الخيرة)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج3 ص220) والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج3 ص156)، و(ج8 ص334)، وابن السماك في «حديثه» (ق/108/ط)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص575)، والداني في «السنن الواردة في الفتن» (ج3 ص575) من طريق العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج1 ص417).

وقال الهيثمي في «الزوائد» (ج7 ص283): رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح.

وذكره البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة» (ج6 ص679).

وله شاهد:

أخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا مختصرا (ج1 ص565) من طريق عاصم بن محمد عن أخيه واقد بن محمد بن زيد عن أبيه قال: سمعت أبي وهو يقول: وقال عبدالله به.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا مختصرا (ج1 ص565)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج2 ص245)، والحربي في «غريب الحديث» كما في الفتح لابن حجر (ج1 ص566)، وأبو يعلى في «المسند» (ج9 ص442) من طريق عاصم عن واقد عن أبيه عن ابن عمرو به.

وذكر البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة» (ج10 ص179).

قلت: فالحديث بين أحوال الناس، وما يصيبهم من التغير، والتبدل، والفساد، والاختلاف، ويحيط بهم الفساد من كل جانب حيث لا تبقى عندهم أي أهمية للعهود، والأمانات، والقيم الأخلاقية، لأنهم يصيرون مثل الحثالة.

* وعلى هذا أوجب الحديث على المسلمين في هذا الزمان أن يلازموا خاصتهم فعلى العامة، وطلبة العلم في هذا الزمان أن يلازموا خاصتهم... وهم أهل العلم العاملون به الملازمون لما كان عليه النبي r، وأصحابه الكرام قولا وعملا، بلا هوى، ولا فرقة في دين الله تعالى.

قلت: فهؤلاء هم خاصة الأمة الذين صفت قلوبهم فبرئوا مما وصف به النبي r عامة أهل هذا الزمان من الشح المطاع، والهوى المتبع، وإيثار الدنيا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه([807])، ومرج العهود، والأمانات، والفرقة، والاختلاف.

وهؤلاء الخاصة الذين برئوا من هذه الصفات هم أولى الناس في كل زمان بوصف الطائفة المنصورة الناجية، وإن كان ذلك لا ينفي هذا الوصف عمن سواهم من العاملين من عموم الناس لرفعة دين الله تعالى ونصرته.

قلت: وخاصة الطائفة المنصورة الناجية هم أهل الحديث والأثر قديما وحديثا... وأنها لا تزال قائمة إلى قيام الساعة مما يقضي بوجوب لزومها لا اعتزالها... لأنها سلمت من أدواء الزمان وآفاته من العصبية الجاهلية، وفتنة التفرق، والاختلاف.

فعن ثوبان t قال: قال رسول الله r: (لا تزال طائفة([808]) من أمتي ظاهرين([809]) على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله).([810])

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1523)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص450)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص504)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص3)، والداني في «السنن الواردة في الفتن» (ج4 ص739)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (32352)، والعلائي في «إثارة الفوائد» (ج1 ص80)، والروياني في «المسند» (635)، وابن حبان في «صحيحه» (38 و72)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (8392)، وفي «مسند الشاميين» (2690)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص181)، وسعيد بن منصور في «سننه» (2372)، وأبو عوانة في «المسند» (ج5 ص109)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص289)، وفي «دلائل النبوة» (464)، وابن حزم في «الإحكام» (ج4 ص130)، والبغوي في «مصابيح السنة» (4167)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص278)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص449)، وإسماعيل القاضي في «آحاديث أيوب السختياني» (ص48)، والمستغفري في «دلائل النبوة» (ج1 ص217)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج1 ص268)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (ج2 ص76)، والهروي في «ذم الكلام» (ج3 ص278) من طريق أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان به.

وقال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح.

فهذا الحديث: يؤكد وجود طائفة منصورة ظاهرة على مر الأزمان والعصور، وهذه الفرقة تنجو من التفرق والاختلاف في الدنيا، والخسران والنار التي هي مصير الاثنين والسبعين فرقة، لأنها جميعها جانبت الصواب، وحادت عن الحق فضلت وأضلت.([811])

قلت: وهذا من معجزات الرسول r أنه أخبر عن مستقبل هذه الأمة حتى قيام الساعة، وأخبر أنه لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرة منتصرة لا يضرها من ناصبها العداء، أو خذلها من الأدعياء حتى يأتيها أمر الله وهي على ذلك.

والمسلم يرى جماعات شتى، وأحزابا متفرقة، كلها تدعي أنها على الحق كما قال الشاعر:

إذا اشتبكت دموع على خدود

 

تبين من بكى ممن تباكى

وكل يدعي وصلا بليلى

 

وليلى لا تقر لهم بذاكا

* ولذلك اختلط الحابل بالنابل، وأصبح المرء كحاطب ليل لا يستطيع أن يميز الحق من الباطل... فكان لزاما أن نعرض للقارئ الكريم تفسيرات العلماء للفرقة الناجية، والطائفة المنصورة.

قال الأمام علي بن المديني المتوفي سنة (234هـ) /: (في حديث النبي r: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم)، قال: (هم أهل الحديث).

أثر صحيح

أخرجه الترمذي في «سننه» (ج4 ص504)، والهروي في «ذم الكلام» (ج3 ص292)، والخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص30)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص131)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص18)، ونصر المقدسي في «الحجة» (ج1 ص118)، والذهبي في «الدينار» (35)، وابن اللتي في «المنتقى» (15)، والعلائي في «إثارة الفوائد» (ج1 ص83) من طريقين عن علي بن المديني به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره السيوطي في «مفتاح السنة» (ص119) وعزاه لنصر المقدسي في «الحجة».

وقال موسى بن هارون سمعت الإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة (241هـ) / يقول، وسئل عن حديث (تفترق الأمة على نيف وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة) فقال: (إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم).

أثر صحيح

أخرجه الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص3)، وأبو الفضل الهروي في «المعجم» (ص22)، والعلائي في «إثارة الفوائد» (ج1 ص82)، والقاضي عياض في «الإلماع» (ص27) من طريق أبي عبدالله محمد بن عبدالحميد الآدمي بمكة يقول سمعت موسى بن هارون به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن حجر في «الفتح» (ج13 ص306).

وأخرجه الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص57) من وجه آخر منقطع.

وأخرجه الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص61)، وابن البناء في «الرد على المبتدعة» (ص25) من وجه آخر أيضا لا بأس به.

قال الحافظ الحاكم / في «المعرفة» (ص2): (فلقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث، ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا محجة الصالحين، واتبعوا آثار السلف من الماضين، ودمغوا أهل البدع من المخالفين لسنن رسول الله r أجمعين). اهـ

قلت: فالفرقة الناجية هي جماعة المسملين (أهل الحديث والأثر)([812]) وصفتها من كان على مثل ما كان عليه النبي r، وأصحابه وهم (أهل الحديث والأثر) فالرسول r حين سئل عن الفرقة الناجية بين الوصف الذي صارت به ناجية بمعنى أنه r بين الوصف الضابط للنجاة، وهو ما كان عليه النبي r، وأصحابه الكرام.

وقال الأمام عبدالله بن المبارك المتوفي سنة (181هـ) /: عن حديث: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق...): فقال: (هم عندي أصحاب الحديث).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص61)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ج2 ص347)، ونصر المقدسي في «الحجة» (ج1 ص117) من طريق الخزاز قال حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا أبي عن سعيد بن يعقوب أو غيره به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره السيوطي في «مفتاح الجنة» (ص119)، وعزاه لنصر المقدسي في «الحجة».

وقال أبو حاتم سمعت الإمام أحمد بن سنان المتوفي سنة (56هـ) / وذكر حـديـث: (لا تـزال طـائـفـة مـن أمـتـي ظـاهرين على الحق...): فقال: (هم أهل العلم،

وأصحاب الأثار).

أثر صحيح

أخرجه قوام السنة في «الحجة» (ج1 ص246)، والخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص62) من طريق محمد بن الفضل بن الخطاب قال حدثنا أبو حاتم به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الأمام محمد البخاري المتوفي سنة (256هـ) /: عن حديث: (لا تزال طائفة من أمتي...): فقال: (يعني: أصحاب الحديث).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص62)، وفي «مسألة الإحتجاج بالشافعي» (ص47)، والعلائي في «إثارة الفوائد» (ج1 ص82)، وقوام السنة في «الحجة» (ج1 ص246) من طريق أبي نعيم قال حدثنا أبو محمد بن حيان قال حدثنا إسحاق بن أحمد قال حدثنا محمد البخاري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقيل للإمام حفص بن غياث المتوفي سنة (95هـ) /: (ألا تنظر إلى أصحاب الحديث وما هم فيه؟ فقال: (هم خير أهل الدنيا).

أثر حسن

أخرجه الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص4) من طريق محمد بن الحسين ثنا عمر بن حفص قال سمعت أبي وقيل له به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وقال الإمام أبو بكر بن عياش المتوفي سنة (194هـ) /: (ما قوم خير من أصحاب الحديث).

أثر صحيح

أخرجه الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص4)، والخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص96) من طريقين عن أبي بكر بن عياش به.

قلت: وإسناده صحيح.

قال الحافظ الحاكم /: (ولقد صدقا جميعا أن أصحاب الحديث خير الناس).

وقال الوليد بن أبان الكرابيسي([813])/: (عليكم بما عليه أصحاب الحديث، فإني رأيت الحق معهم).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص109)، وفي «تاريخ بغداد» (ج13 ص441)، والأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص209)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص84)، ونصر المقدسي في «الحجة» (ج1 ص126) من طريقين عن أحمد بن سنان يقول به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكـره الـسـيـوطـي في «مـفـتـاح الـجـنـة» (ص121)، وعـزاه لنصر المقدسي في

«الحجة».

وقال الإمام قتيبة بن سعيد المتوفي سنة (240هـ) /: (إذا رأيت الرجل يحب أهل الحديث...، فإنه على السنة، ومن خالف هذا فاعلم أنه مبتدع).

أثر صحيح

أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص67)، والخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص134) من طريق جعفر بن محمد بن الحسن القاضي قال سمعت قتيبة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه الصابوني في «الاعتقاد» (ص109) من وجه آخر.

وقال الإمام الشافعي المتوفي سنة (204هـ) /: (إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث، فكأني رأيت النبي r حيا).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص94)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ج2 ص357)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص306)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص35)، ونظام الملك الطوسي في «الأمالي» (ص41) من طرق عن يونس يقول سمعت الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخـرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص306)، وابن العطار في «التساعيات»

(ص16)، ومحمد بن طاهر في «العلو والنزول» (ص45)، والذهبي في «السير» (ج10 ص69) من طريق البويطي سمعت الشافعي به.

وأخرجه البيهقي في «المدخل» (688)، وفي «مناقب الشافعي» (ج1 ص477) من طريق محمد بن الربيع بن سليمان الجيزي قال سمعت سعد بن عبدالله بن عبدالحكم به.

وأخرجه الهكاري في «اعتقاد الإمام الشافعي» (ص32)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج9 ص109) من طريق الربيع به.

وذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج10 ص254).

قلت: قال ذلك لشدة تمسك أصحاب الحديث بسنة النبي r.

وعن البويطي قال سمعت الشافعي / يقول: (عليكم بأصحاب الحديث؛ فإنهم أكثر الناس صوابا).

أثر صحيح

أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص308)، والذهبي في «السير» (ج14 ص197) من طريق أبي يحيى الساجي عن البويطي به.

 قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج10 ص254).

قال أبو الحسنات اللكنوي / في «إمام الكلام» (ص156): (ومن نظر بنظر الانصاف، وغاص في بحار الفقه والأصول متجنبا الاعتساف يعلم علما يقينا أن أكثر المسائل الفرعية، والأصلية التي اختلف العلماء فيها فمذهب المحدثين فيها أقوى من مذاهب غيرهم، وإني كلما أسير في شعب الاختلاف أجد قول المحدثين فيه قريبا من الانصاف فلله درهم، وعليه شكرهم كيف لا وهم ورثة النبي r حقا، ونواب شرعه صدقا؟! حشرنا الله في زمرتهم، وأماتنا على حبهم وسيرتهم). اهـ

وقال الإمام علي ابن المديني /: «ليس قوم خيرا من أصحاب الحديث، الناس في طلب الدنيا، وهم في إقامة الدين».

أثر حسن

أخرجه محمد بن طاهر المقدسي في «العلو والنزول في الحديث» (ص48)، وابن العطار في «التساعيات» (ص17) من طريق أبي عبد الله الحافظ الحاكم قال: سمعت أبا محمد عبد الله المزكي يقول: سمعت أبا بكر عيسى بن موسى يقول: سمعت الحسن بن علي يقول: سمعت علي بن المديني به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وسئل يزيد بن هارون عن الفرقة الناجية التي قال النبي r، فقال: (إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم).

أثر صحيح

أخرجه الأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص247)، والخطيب في «مسألة الإحتجاج بالشافعي» (ص45)، والعلائي في «إثارة الفوائد» (ج1 ص81) من طريقين عن يزيد بن هارون به.

قلت: وإسناده صحيح.

وذكره الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص178)، والخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص59).

وقال الحافظ أبو عثمان الصابوني / في «الاعتقاد» (ص106): (لا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد، وهو أهل الحديث). اهـ

وقال الحافظ قوام السنة أبو القاسم الأصبهاني / في «الحجة في بيان المحجة» (ج1 ص246): (ذكر أهل الحديث، وأنهم الفرقة الظاهرة على الحق إلى أن تقوم الساعة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص247): (وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله r، وهم أعلم الناس بأحواله وأقواله). اهـ

وقال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج13 ص66): (وأما هذه الطائفة، فقال البخاري: «هم أهل العلم»([814])، وقال أحمد بن حنبل: «إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم»، قال القاضي عياض: إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحديث...). اهـ

وقال الحافظ الخطيب / في «شرف أصحاب الحديث» (31): (فقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس الدين، وصرف عنهم كيد المعاندين لتمسكهم بالشرع المتين، واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين، فشأنهم حفظ الآثار... قبلوا شريعته قولا وفعلا، وحرسوا سنته حفظا ونقلا، حتى ثبتوا بذلك أصلها، وكانوا أحق بها وأهلها... والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها، فهم الحفاظ لأركانها، والقوامون بأمرها وشأنها... ]أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون[ [المجادلة:22]). اهـ

قلت: فاتفقت كلمة أهل العلم على أن أهل الحديث هم الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، ولله الحمد والمنة.

قال الشيخ ناصر الدين الألباني / في «الصحيحه» (ج1 ص543): (وقد يستغرب بعض الناس تفسير هؤلاء الأئمة للطائفة الظاهرة، والفرقة الناجية بأنهم أهل الحديث، ولا غرابة في ذلك). اهـ

قلت: وما يستغرب في ذلك إلا الجهال، والله المستعان.

قال الإمام البخاري / في «خلق أفعال العباد» (ص61)، عقب حديث أبي سعيد الخدري t في قوله تعالى: ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا[ [البقرة:143]: (هم الطائفة المذكورة في حديث: (لا تزال طائفة من أمتي).اهـ

قلت: وهؤلاء القصاص، والوعاظ لا يستحون من الله تعالى، ولا يستحون من خلقه، ومن فقد الحياء فلا تنتظرون منه خيرا، والله المستعان.

فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري t قال: قال النبي r: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص515)، وفي «الأدب المفرد» (ص206)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص252)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1400)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص121 و122)، و(ج5 ص273)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص192)، وفي «شعب الإيمان» (ج6 ص143)، وفي «الآداب» (ص132)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص336)، والدارمي في «الرد على المريسي» (ص173)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج2 ص546)، وفي «مشيخته» (ص86)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص479)، وابن الجعد في «المسند» (ج1 ص464) وابن الأبار في «المعجم» (ص148 و149)، والطيالسي في «المسند» (ص86)، وابن مالك القطيعي([815]) في «زوائده على مسند الإمام أحمد» (ج5 ص273)، وابن فاخر في «مجلس من أماليه» (ص482)، وابن قانع في «معجم الصحابة» (ج2 ص272)، وأبو بكر الأنصاري في «المشيخة الكبرى» (ج2 ص600)، والقاسم الثقفي في «الأربعين» (ص220)، وأبو طاهر السلفي في «الأربعين البلدانية» (ص49)، والغطريفي في «جزئه» (ص122)، وتمام في «الفوائد» (1086)، والمزي في «تهذيب الكمال» (2/ق/742/ط)، ونجم الدين النسفي في «علماء سمرقند» (ص298)، وابن النقور في «مشيخته» (ص79)، وابن نجيد السلمي في «حديثه» (1003)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج4 ص370)، و(ج8 ص124)، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (ج10 ص304 و356)، و(ج6 ص114 و115)، و(ج3 ص100)، وابن أبي الدنيا في «مكارم الأخلاق» (ص18)، والبغوي في «شرح السنة» (ج13 ص173)، والنعال البغدادي في «مشيخته» (ص93)، وصدر الدين البكري في «الأربعين» (ص97)، وأبو نصر العكبري البقال في «حديثه» (ص45)، وابن البخاري في «مشيخته» (ج3 ص1844)، والداني في «علوم الحديث» (ص316)، والخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (ص189)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج7 ص495)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج4 ص508 و509)، و(ج46 ص301)، و(ج64 ص63)، وفي «معجم الشيوخ» (ج1 ص479)، والشجري في «الأمالي» (ج2 ص196)، والسمان في «مشيخته كما في التدوين في أخبار قزوين للرافعي» (ج1 ص468)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (ج2 ص187 و188)، وابن قدامة في «التوابين» (ص237)، وابن عدي في «الكامل» (ج6 ص2102)، وابن نقطة في «التقييد» (ص304)، ومحيي الدين اليونيني في «مشيخته» (ص79)، وابن حبان في «صحيحه» (ج3 ص3)، وفي «روضة العقلاء» (ص57)، والإسماعيلي في «المعجم» (ج2 ص629 و630)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج2 ص68 و69) والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج3 ص164)، وفي «المعجم الكبير» (ج17 ص236 و237) والذهبي في «معجم الشيوخ» (ج2 ص99)، وفي «السير» (ج1 ص259)، (ج16 ص102)، والسخاوي في «الجواهر المكللة» (ق/161/ط)، وأبو الشيخ في «الأمثال» (ص122)، وفي «طبقات المحدثين بأصبهان» (ج4 ص235)، وأبو عبيد في «غريب الحديث» (ج3 ص31) من طرق عن منصور بن معتمر عن ربعي بن حراش عن أبي مسعود به.

وقوله r: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى)؛ يشير النبي r إلى أن هذا مأثور عن الأنبياء المتقدمين، وأن الناس تداولوه بينهم، وتوارثوه عنهم قرنا بعد قرن.

وهذا يدل على أن النبوة المتقدمة جاءت بهذا الكلام، وأنه اشتهر بين الناس حتى وصل إلى أول هذه الأمة.([816])

إذا الحياء مما أثر عن الأنبياء السابقين، وتداوله الناس وتوارثوه قرنا بعد قرن.

قلت: وهذا يدل على اتفاق الأنبياء على هذا الأمر، وما اتفاقهم إلا لفضل الحياء، وذم فاقده.

وقوله r: «فاصنع ما شئت»؛ هو أمر بمعنى الخبر، أو هو للتهديد، والوعيد؛ أي: اصنع ما شئت فإن الله يجزيك، أو إذا لم يكن لك حياء فاعمل ما شئت فإن الله يجازيك عليه.([817])

قال الإمام الخطابي / في «أعلام الحديث» (ج3 ص2198): (معنى قوله r: (النبوة الأولى)؛ أن الحياء لم يزل ممدوحا على ألسن الأنبياء الأولين ومأمورا به، لم ينسخ فيما نسخ من الشرائع، فالأولون والآخرون فيه على منهاج واحد.

وقوله r: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت)؛ لفظه لفظ أمر ومعناه الخبر. يقول: إذا لم يكن لك حياء يمنعك من القبيح صنعت ما شئت، يريد ما تأمرك به النفس وتحملك عليه مما لا تحمد عاقبته، وحقيقته: من لم يستح صنع ما شاء). اهـ

وبوب عليه الإمام البخاري / في «صحيحه» (ج10 ص523) باب: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.

قال تعالى: ]اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير[ [فصلت:40].

قلت: وإذا لم يكن فيك حياء صنعت ما شئت والله المستعان.([818])

وقال الإمام الخطابي /: (الحكمة في التعبير بلفظ الأمر دون الخبر في الحديث: أن الذي يكف الإنسان عن مواقعة الشر هو الحياء، فإذا تركه صار كالمأمور طبعا بارتكاب كل شر).([819])([820]) اهـ

قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «شرح الأربعين النووية» (ص210): (والحياء نوعان: الأول: فيما يتعلق بحق الله U. والثاني: فيما يتعلق بحق المخلوق. أما الحياء فيما يتعلق بحق الله U فيجب أن تستحي من الله U أن يراك حيث نهاك، وأن يفقدك حيث أمرك، وأما الحياء من المخلوق فأن تكف عن كل ما يخالف المروءة، والأخلاق). اهـ

وقال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم» (ص497): (وقوله r «إذا لـم تستح فاصنع ما شئت» في معناه قولان: أحدهما: أنه ليس بمعنى الأمر أن يصنع ما شاء، ولكنه على معنى الذم والنهي عنه، وأهل هذه المقالة لهم طريقان:

(1) أنه أمر بمعنى التهديد والوعيد، والمعنى: إذا لم يكن لك حياء، فاعمل ما شئت، فإن الله يجازيك عليه؛ كقوله تعالى: ]اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير[ [فصلت:40].

(2) أنه أمر، ومعناه الخبر، والمعنى: أن من لم يستح، صنع ما شاء، فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء، انهمك في كل فحشاء، ومنكر.

والقول الثاني: في معنى قوله r «إذا لـم تستح فاصنع ما شئت»: أنه أمر بفعل ما يشاء على ظاهر لفظه، وأن المعنى: إذا كان الذي تريد فعله مما لا يستحيى من فعله، لا من الله، ولا من الناس، لكونه من أفعال الطاعات، أو من جميل الأخلاق، والآداب المستحسنة، فاصنع منه حينئذ ما شئت). اهـ

وقوله r «النبوة الأولى»؛ أن الحياء لم يزل أمره ثابتا، واستعماله واجبا منذ زمان النبوة الأولى، وأنه ما من نبي إلا وقد ندب إلى الحياء، وحث عليه، وأنه لم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم، ولم يبدل فيما بدل منها، وذلك أنه أمر قد علم صوابه، وبان فضله، واتفقت العقول على حسنه، وما كان هذا خصته: لم يجز عليه النسخ والتبديل.([821])

قلت: فمن أراد أن يقتدي بالأنبياء عليهم السلام فليستحي من الله تعالى من قبيح الأمور([822])... لأن الحياء مانع من الأعمال القبيحة كـ(الكذب) وغيره.

قلت: والشرائع السابقة للأنبياء جاءت بالفضيلة، ونهت عن الرذيلة... فهم متفقون على الحياء.

قلت: وهؤلاء القصاص يحملون أوزار الذين يضلونهم بغير علم ، ألا ساء ما يزرون.

قال تعالى: ﴿ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون﴾ [النحل:25].

قال الإمام مجاهد / في «تفسيره» (ص421) عن الآية: (حملهم ذنوب أنفسهم، وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا).

وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا).([823])

وقد بوب الإمام البخاري في «صحيحه»: باب إثم من دعا إلى ضلالة أو سن سنة سيئة لقول الله تعالى: ]ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم[ ‏[‏النحل‏:‏25‏]‏.

   قال ابن حجر / في «فتح الباري» (ج13 ص302): (ووجه التحذير أن الذي يحدث البدعة قد يتهاون بها لخفة أمرها في أول الأمر، ولا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة، وهو أن يلحقه إثم من عمل بها من بعده، ولو لم يكن هو عمل بها بل لكونه كان الأصل في أحداثها). اهـ

   قلت: فمن أحدث في الدين ما ليس منه، وشرع فيه ما لم يأذن به الله، وقلده الناس في ذلك، فإنه يضاعف عليه الإثم، والوزر جزاء وفاقا، لأن ضرره لم يقتصر على نفسه فحسب، بل تعداه إلى غيره ممن تبعه على ضلالته، وقلده في بدعته، فحمل وزره، ومثل أوزار أتباعه من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئا الأمر الذي يستحق به مضاعفة العقوبة، فهو ضال مضل، ضال في نفسه بما أحدثه من بدع جعلها شرعا، ودينا زائدا على شرع الله، ومضل لغيره من ضعاف الإيمان، وقد جاء في ذلك وعيد شديد ينذر بسوء العاقبة.([824])

وعن عبد الله بن مسعود t، قال: قال رسول الله r: (لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل).([825])

وهذا نص يدل بمنطوقه على عظم وزر كل من سن ما لا يرضاه الله تعالى، أو أدخل في دين الله تعالى ما ليس منه بأي وجه من الوجوه، ولذلك فإن ابن آدم الأول يحمل وزر كل جريمة قتل تقع بين بني آدم؛ لأنه هو أول من سن جريمة القتل، والله المستعان.([826])

قال الحافظ ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج8 ص497): (وقوله في حديث ابن مسعود: «إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها» يعنى: إثما؛ لأنه أول من سن القتل، فاستن به القاتلون بعده، وهذا نظير قوله r «ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها وزر من عمل بها إلى يوم القيامة». اهـ

وقال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج11 ص166): (قوله r: «لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها؛ لأنه كان أول من سن القتل»، الكفل، بكسر الكاف، الجزء والنصيب، وقال الخليل هو الضعف.

وهذا الحديث من قواعد الإسلام، وهو أن كل من ابتدع شيئا من الشر كان عليه مثل وزر كل من اقتدى به في ذلك العمل مثل عمله إلى يوم القيامة.

   مثله من ابتدع شيئا من الخير كان له مثل أجر كل من يعمل به إلى يوم القيامة، وهو موافق للحديث الصحيح: (من سن سنة حسنة، ومن سن سنة سيئة) وللحديث الصحيح (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) وللحديث الصحيح: (ما من داع يدعو إلى هدى، وما من داع يدعو إلى ضلالة). اهـ

وقال العلامة الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج6 ص113): (والحديث من قواعد الإسلام في أن من ابتدع شيئا من الشر كان عليه مثل وزر من عمل به).اهـ

قلت: لأن الفاعل لما سن، وتسبب في الشر كان ذلك كفعله.([827])([828])

وقال أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج5 ص40): (قوله: لأنه أول من سن القتل) نص على تعليل ذلك الأمر؛ لأنه لما كان أول من قتل كان قتله ذلك تنبيها لمن أتي بعده وتعليما له، فمن قتل كأنه اقتدى به في ذلك، فكان عليه من وزره، وهذا جار في الخير والشر). اهـ

وعن جرير بن عبدالله t قال: قال رسول الله r: (ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده).([829])

قلت: وهذه النصوص تدل بمنطوقها على عظم وزر كل من سن ما لا يرضاه الله تعالى، أو أدخل في دين الله ما ليس منه بأي وجه من الوجوه... وكل مبتدع، أو جاهل، أو مميع، أو حزبي قد سن ملا يرضاه الله تعالى، ورسوله r، واتبعه الناس في ذلك، فإنه يتحمل وزر ذلك كله في يوم يتبرأ المتبوع من التابع، ويدعو عليه بالويل والثبور.

   قال تعالى: ‏]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب «166» وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم‏[‏ ‏[‏البقرة‏:‏166‏-167]‏.

   وقال تعالى: ‏]وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين‏[‏‏ [فصلت‏:‏25‏]‏.

وقال تعالى: ‏]وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لـكم تـبعـا فهل أنتم مـغنون عنا نصيبا من النار «47»  قال الذين استكبروا إنا كل فيها

إن الله قد حكم بين العباد‏[‏ ‏[‏غافر‏:‏47 و48‏]‏.

قال الحافظ البيهقي / في «معرفة السنن» (ج1 ص145): (وفي هذا ما دل على أنه ينبغي لصاحب الحديث أن يمسك عن رواية المناكير، ويقتصر على رواية
المعروف، ويتوقى فيها، ويجتهد حتى تكون روايته على الإثبات والصحة).اهـ

قلت: لقد شوه القصاص السنة النبوية في أذهان الناس إذ أدخلوا كثيرا من الخرافات، والأباطيل، والأكاذيب مما يحيل العقل وقوعه، ومما يتعارض مع أصول الشريعة المطهرة.

ولقد أدرك آثار القصاص السيئة أهل العلم فبينوا أمرهم للمسلمين.

قال الإمام ابن عقيل / في الفنون: (وقد سئل عن قوم يجتمعون حول رجل يقرأ عليهم أحاديث، وهو غير فقيه؟.

فقال: هذا وبال على الشرع).([830]) اهـ

قلت: فمن دعا إلى ضلالة فأجابه إليها أحد حمله الله تعالى مثل أوزارهم، ولا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا.

قال تعالى: ]ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم[ [النحل:25].

والقصاص هؤلاء على نصح علماء السنة لهم، لم ينتهوا من دعوتهم المنحرفة، لأنهم يستصغرون ذنوبهم وأخطاءهم، ولذلك يصرون عليها، اللهم غفرا.

فعن معاوية t عن النبي r قال: (إنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق، ولا مفصل إلا دخله).([831])

قلت: والكلب داء عضال، لا يرجى شفاؤه، وكذلك البدع، وهو خبيث معد، وكذلك البدع.

فالبدع تتجارى بأهلها؛ فتحول بينهم، وبين التوبة على الغالب، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

* لذلك ينبغي التفريق بين من أخطأ بعد تحري الحق، وبذل الجهد، ولم يعاند ويخالف، ومن تتجارى به الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يدع عنادا، ولا خلافا إلا دخله.

* فهذا هو المبتدع، فإذا خالف دليل الشرع هواه تأوله، وإن استعصى عليه رده، بل تراه يتبع شبهة وافقت هواه، ويبتغي فتنة، وافقت غرضه.([832])

قال تعالى:﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله﴾ [آل عمران:7].

فالمبتدع يزيغ قلبه أولا، ثم يتبع المتشابه من القرآن والسنة.([833])

قلت: ثم بعد هذا يجعل ذلك عمدته في دين الله تعالى، وهذا يقع ممن لم يتمكن من العلم، فهو الحري بالاستنباط ما خالف الشرع دائما وأبدا؛ فيجري منه مجرى الكلب من صاحبه، فهذا هو المبتدع المذموم الآثم.([834])

قلت: ومن الحماقة أن ينظر في مقالات وكتب القصاص في البدع، التي ضلوا فيها عن الصراط المستقيم، والتي تتضمن إشارة قدح، ودلالة تنقص لهذا الدين العظيم، واتهام له بعدم الكمال، وأنه بحاجة إلى مزيد، والله المستعان.

فهي تحمل انحرافات متعددة، وفلسفات متباينة على طريقة أهل الزيغ والضلال، بل اتفقت كتبه فيما تضمنته من ضلال، وانحراف في الأصول، وإفساد للفطر السليمة، وتدمير الشباب.

قلت: ما يكفي ويشفي يا مميع كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r وآثار السلف، وأقوال أهل السنة.

* فعلينا النظر في مقالاته المحرقة نظر تأمل وتفكر اللهم غفرا.([835])

قلت: فلماذا يستبدل الداء القاتل والسم الزعاف، بالدواء الشافي والعسل المصفى!!!.

قال الإمام يزيد بن زريع /: (أصحاب الرأي أعداء السنة).

أثر حسن لغيره

أخرجه الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص27) من طريق الحسن بن عليل قال حدثنا أحمد بن الحسين صاحب القوهي قال سمعت يزيد بن زريع به.

قلت: وهذا سنده لا بأس به.

وعن الإمام إبراهيم النخعي / قال: (أصحاب الرأي أعداء أصحاب السنن).

أثر حسن

أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج4 ص222) من طريق الربيع بن صبيح عن أبي معشر عن إبراهيم به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وذكره الأصبهاني في «سير السلف الصالحين» (ج3 ص697).

وقال الإمام أبو يوسف /: (العلم بالكلام والخصومة جهل، والجهل بالكلام والخصومة علم).

أثر حسن

أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج4 ص211)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص536)، وابن المقرئ في «ذم الكلام» (ص96) من طريق محمد بن معاذ بن الفرج حدثنا محمد بن إبراهيم الصايغ حدثنا بشر بن الوليد قال سمعت أبا يوسف به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وقال الإمام عبد الله بن داود /: (ليس الدين بالكلام إنما الدين بالآثار).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص124) من طريق زيد بن أخزم قال: سمعت عبد الله بن داود به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن أيوب قال: سأل الحكم بن عتيبة، الزهري وأنا شاهد على عدة أم الولد، فقال: السنة أربعة أشهر وعشرا، فقال الحكم: ما يقول ذلك أصحابنا، قال: فغضب، وقال: يأتيكم الحديث عن رسول الله r ثم تعرضون له برأيكم؟! قال: إن بريرة أعتقت فأمرها رسول الله r أن تعتد عدة الحرة).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص385) من طريق محمد بن أيوب أنا أبو الربيع حدثنا حماد نا أيوب به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن ابن أبي مليكة أن عروة بن الزبير قال لابن عباس: (أضللت الناس قال: وما ذاك يا عرية؟ قال: تأمر بالعمرة في هؤلاء العشر، وليست فيهن عمرة، فقال: أولا تسأل أمك عن ذلك؟ فقال عروة: فإن أبا بكر وعمر لم يفعلا ذلك، فقال ابن عباس: هذا الذي أهلككم، والله ما أرى إلا سيعذبكم، إني أحدثكم عن النبي r وتجيئوني بأبي بكر وعمر).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص385)، وإسحاق بن راهويه في «المسند» كما في «المطالب العالية» لابن حجر (ق/36/ط) من طريق حماد بن زيد نا أيوب عن ابن أبي مليكة به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن حجر في «المطالب العالية» (ق/36/ط).

وفي لفظ: (قال ابن عباس تمتع([836]) النبي r، فقال عروة بن الزبير نهى أبو بكر، وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون أقول قال النبي r ويقولون: نهى أبو بكر وعمر).

أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص337)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص337)، وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1210).

قال العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في «الأجوبة المفيدة» (ص108) معلقا على أثر ابن عباس: (الواجب اتباع الحق مع من كان، لا اتباع الرجال المخالفين للحق، فإذا كان هذا التحذير، والوعيد في اتباع أفضل الناس بعد الأنبياء من غير دليل، فكيف باتباع من هو «لا في العير ولا في النفير»، ممن لم يعرف بعلم، ولا فضل؛ إلا أن يجيد شقشقة الكلام!!). اهـ

قلت: فهكذا كان السلف رضوان الله عليهم يشتد نكيرهم على من خالف الأحاديث بالآراء والتعسفات المريضة وربما هجروه تعظيما للسنة، وتوقيرا لها.

وعن ابن عباس ط قال: (من أحدث رأيا ليس في كتاب الله، ولم تمض به سنة من رسول الله r لم يدر على ما هو منه، إذا لقي الله).

أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (ص160)، وابن وضاح في «البدع» (ص82)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص183) من طريق عبدة بن أبي لبابة عن ابن عباس به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه البيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (ص180) من طريق أحمد بن عبيد الصفار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن مروان الأصغر قال: (كنت عند سعيد بن جبير، جالسا، فسأله رجل عن آية من كتاب الله، فقال سعيد: الله أعلم، فقال الرجل: قل فيها أصلحك الله برأيك، فقال: أقول في كتاب الله برأيي، فردد مرتين أو ثلاثا، ولم يجبه بشيء).

أثر صحيح

أخرجه سعيد بن منصور في «تفسيره» (ج1 ص174)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج2 ص425)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص138) من طريق حماد بن يحيى ثنا مروان الأصغر به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الإمام مسروق / قال: (إني أخاف أن أقيس يعني: يقول بالرأي - فتزل قدمي).

أثر صحيح

أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص76)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص140)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1048) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي عن مسروق به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص458) من وجه آخر بلفظ: (أن مسروق بن الأجدع، سئل عن مسألة، فقال: لا أدري فقالوا: قس لنا برأيك، قال: أخاف أن تزل قدمي).

وقال الإمام الزهري /: (إياكم وأصحاب الرأي؛ أعيتهم الأحاديث أن يعوها).

أثر حسن لغيره

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1052) من طريق حجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة عن غير واحد عن الزهري به.

قلت: وهذا سنده لا بأس به.

وقال الإمام مسروق /: (من يرغب برأيه عن أمر الله عز وجل يضل).

أثر حسن

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1051) من طريق نعيم بن حماد عن أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق به.

قلت: وهذا سنده حسن.

قلت: فالسنة ما سنه الله تعالى، ورسوله r، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة.

وقال الإمام سحنون بن سعيد /: (ما أدري ما هذا الرأي؟ سفكت به الدماء، واستحلت به الفروج، واستخفت به الحقوق، غير أنا رأينا رجلا صالحا فقلدناه).

أثر صحيح

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1072) من طريق محمد بن عباس النحاس قال سمعت أبا عثمان سعيد بن محمد الحداد يقول سمعت سحنون بن سعيد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الإمام الأوزاعي /: (إذا أراد الله عز وجل أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه الأغاليط) يعني: الآراء المخالفة.

أثر صحيح.

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1073) من طريق قاسم ثنا مضر بن محمد ثنا إبراهيم بن عثمان المصيصي ثنا مخلد بن الحسين عن الأوزاعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الإمام أبو وائل /: (لا تقاعد أصحاب أرأيت) يعني: أصحاب الرأي.

أثر صحيح.

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1076)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج6 ص516)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص282)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص77)، والبيهقي في «المدخل» (ص198).

وإسناده صحيح.

قلت: فإذا سألت عن مسألة فأجبت فيها فلا تتبع مسألتك: أرأيت.. أرأيت.. فإن الله يقول في كتابه:] أرأيت من اتخذ إلهه هواه[ [الفرقان:43].

وقال الإمام الشعبي /: (ما كلمة أبغض إلي من أريت).

أثر صحيح

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1077)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج6 ص517)، والبيهقي في «المدخل» (ص197) من طريق الأشجعي عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الإمام الشعبي /: (إنما هلك من كان قبلكم في: أرأيت).

أثر صحيح

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1077) من طريق عبيد الله بن موسى عن داود بن أبي هند عن الشعبي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الإمام أحمد بن حنبل /: (رأي الأوزاعي، ورأي مالك، ورأي سفيان، كله رأي وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار).

أثر صحيح

أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1082) من طريق يوسف بن يعقوب ثنا العباس بن الفضل قال سمعت سلمة بن شبيب يقول سمعت أحمد بن حنبل به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الشيخ سليمان بن عبدالله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص546): (وكلام أحمد في ذمه التقليد وإنكار تأليف كتب الرأي كثير مشهور). اهـ

وقال الإمام بلال بن سعد /: (ثلاث لا يقبل معهن عمل: الشرك، والكفر، والرأي. قلت: يا أبا عمرو ما الرأي؟ قال: تترك كتاب الله، وسنة نبيه r وتقول بالرأي).

أثر حسن لغيره

أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص260)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج5 ص229) من طريق بقية بن الوليد ثنا الصقر بن رستم الدمشقي قال: سمعت بلال بن سعد به.

قلت: وهذا سنده لا بأس به.

وقال محمد بن يحيى سمعت أبا الوليد؛ وحدث بحديث مرفوع إلى النبي r فقيل له: (ما رأيك؟ فقال: ليس لي مع النبي r رأي).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (ص206)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص191) من طريق محمد ابن إسحاق بن خزيمة سمعت محمد بن يحيى سمعت أبا الوليد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقـال الـبرذعـي / في «سـؤالاته» (ص273): (شهدت أبا زرعة؛ وسئل عن:

«الحارث([837]) المحاسبي»([838])، وكتبه؟، فقلت للسائل: (إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر، فإنك تجد فيه ما يغني عن هذه الكتب قيل له: في هذه الكتب عبرة، قال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة، فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والأئمة المتقدمين صنفوا هذه الكتب في الخطرات، والوساوس، وهذه الأشياء، هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم فأتونا مرة بالحـارث الـمـحـاسبي، ومرة بعبد الرحيم الدبيلي([839])، ومرة بحاتم الأصم([840])،

ومرة بشقيق البلخي([841])، ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع).([842])

ويؤيد ما سلف من الكلام:

عن عمران بن حصين t قال: قال رسول الله r: (إن الحياء لا يأتي إلا بخير). قال: فقال له بشير بن كعب: (إنه مكتوب في الحكمة: إن من الحياء وقارا، وإن من الحياء سكينة إن منه ضعفا، وإن منه عجزا!)، فقال له عمران بن حصين: (أحدثك عن رسول الله r، وتحدثني عن صحفك!).

وفي رواية: (أحدثك عن رسول الله r، وتجيئني بالمعاريض! يعني: بالآراء- لا أحدثك بحديث ما عرفتك).

وفي رواية: (يسمعني أحدثه عن رسول الله r، ويحدثني عن الكتب؛ لا أحدثكم اليوم حديثا).

وفي رواية: (وتحدثني عن كتبك الخبيثة).([843])

وفي رواية: (فغضب عمران حتى احمرتا عيناه، وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله r وتعارض فيه!).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج7 ص100)، وفي «الأدب المفرد» (ص431)، وفي «التاريخ الكبير» (ج4 ص30)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص64)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص427)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج18 ص206)، وفي «المعجم الصغير» (ج1 ص85)، والطيالسي في «المسند» (ص114)، وابن منده في «الإيمان» (ج1 ص336)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص251)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (ج1 ص76)، والعسكري في «تصحيفات المحدثين» (ج8 ص7)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج13 ص381)، وفي «الآداب» (ص131)، والهروي في «ذم الكلام» (ج3 ص91)، وابن أبي الدنيا في «مكارم الأخلاق» (ص17)، والبزار في «المسند» (ج9 ص65)، والروياني في «المسند» (ص66)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين» (ج3 ص125)، وفي «الأمثال» (ص231)، وهناد في «الزهد» (ج2 ص625)، والأصبهاني في «الترغيب» (ج2 ص46)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص255)، ووكيع في «الزهد» (ج2 ص270)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص335)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج9 ص356)، والخطيب في «الجامع» (ج1 ص199)، وفي «تاريخ بغداد» (ج6 ص399)، وفي «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص148)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (ج1 ص85)، وابن عدي في «الكامل» (ج2 ص892)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج5 ص478)، وأبو داود في «سننه» (ج5 ص147) من عدة طرق عن عمران بن حصين t به.

قلت: وعليه فإنه متى ظهر النص من الكتاب والسنة وجب ترك جميع الكتب المصنفة، وتقديم النص؛ كما فعل عمران بن حصين ط؛ بقوله في رواية مسلم (ج1 ص64): (يسمعني أحدثه عن رسول الله r، ويحدثني عن الكتب!!!).

وعن مرة الهمداني أن أبا قرة الهمداني (أتى ابن مسعود ط بكتاب، فقال: إني قرأت هذا بالشام، فأعجبني، فإذا هو كتاب من كتب أهل الكتاب، فقال عبد الله: إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم الكتب، وتركهم كتاب الله، فدعا بطست، وماء، فوضعه فيه، وأماثه بيده حتى رأيت سواد المداد).

وقال حصين الراوي؛ فقال مرة: أما إنه لو كان من القرآن، أو من السنة لم يمحه، ولكن كان من كتب أهل الكتاب.

أثر صحيح

أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج3 ص104)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص123)، والخطيب في «تقييد العلم» (ص53) من طرق عن حصين بن عبد الرحمن عن مرة الهمداني به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن عمرو بن قيس الكندي، قال: سمعت: عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: (من أشراط الساعة أن يظهر القول، ويخزن العمل، ويرتفع الأشرار، ويوضع الأخيار، وتقرأ المثاني([844]) عليهم، فلا يعيبها أحد منهم قال: قلت: ما المثاني؟ قال: كل كتاب سوى كتاب الله). يعني: كتب المخالفين في الدين.

حديث صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج15 ص165)، ونعيم بن حماد في «الفتن» (ج1 ص243)، وابن وضاح في «البدع» (ص148)، والداني في «السنن الواردة في الفتن» (ج4 ص799)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج9 ص415)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص554)، والطبراني في «مسند الشاميين» (ج1 ص267)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج13 ص593)، والدارمي في «المسند» (493)، وأبو عبيد في «غريب الحديث» (ج4 ص281) من عدة طرق عن عمرو بن قيس به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: وإن كان الحديث موقوفا؛ لكن له حكم الرفع، لأن مثله لا يقال بالرأي.

قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني / في «الصحيحة» (ج6 ص775): (هذا الحديث من أعلام نبوته ه، فقد تحقق كل ما فيه من الأنباء، وبخاصة منها ما يتعلق بـ(المثناة) وهي كل ما كتب سوى كتاب الله؛ كما فسره الراوي، وما يتعلق به من الأحاديث النبوية، والآثار السلفية، فكأن المقصود بــ(المثناة) الكتب المذهبية المفروضة على المقلدين-وعلى الحزبيين- التي صرفتهم مع تطاول الزمن عن كتاب الله، وسنة رسوله ه؛ كما هو مشاهد اليوم مع الأسف من جماهير المتمذهبين، وفيهم كثير من الدكاترة، والمتخرجين من كليات الشريعة، فإنهم جميعا يتدينون بالتمذهب، ويوجبونه على الناس حتى العلماء منهم!.. فقد جعلوا المذهب أصلا، والقرآن الكريم تبعا، فذلك هو (المثناة) دون ما شك، أو ريب). اهـ

قلت: وكذلك المقصود بــ(المثاني، أو المثناة) الكتب الحزبية الفكرية المفروضة على الحزبيين التي صرفتهم مع تطاول الزمن عن كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ه كما هو مشاهد اليوم... فقد جعلوا الحزب، أو الجمعية أصلا، والقرآن الكريم، والسنة النبوية تبعا... فهي كتب فكرية مضلة سياسية كـــ(كتب حسن البنا، وسيد قطب، ومحمد سرور، وحسن الترابي، وعبد الله عزام، وعبدالرحمن عبد الخالق، وعدنان عرعور، والغزالي، والقرضاوي، ومحمد قطب، وسفر الحوالي، وسلمان العودة، وربيع المدخلي، وطارق السويدان، وعلي الحلبي، وعبدالعزيز الريس، وإبراهيم الرحيلي)، وغيرهم عاقبهم الله بما يستحقون.

وقال الإمام أبو عبيد / في «غريب الحديث» (ج4 ص282): (فسألت رجلا من أهل العلم بالكتب الأول قد عرفها، وقرأها عن المثناة؛ فقال: إن الأحبار، والرهبان من بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام وضعوا «كتابا» فيهما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله تبارك وتعالى، فسموه المثناة، كأنه يعني: أنهم أحلوا فيه ما شاؤا، وحرموا فيه ما شاؤا على خلاف كتاب الله تبارك وتعالى؛ فبهذا عرفت تأويل حديث عبد الله بن عمرو؛ أنه إنما كره الأخذ عن أهل الكتب لذلك المعنى). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «الرسالة التبوكية» (ص77): (قال تعالى: ]كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون[([845])؛ فأمر سبحانه باتباع ما أنزل على رسوله r؛ ونهى عن اتباع غيره، فما هو إلا اتباع المنزل، واتباع أولياء من دونه، فانه لم يجعل بينهما واسطة، فكل من لا يتبع الوحي؛ فإنما يتبع الباطل، واتبع أولياء من دون الله، وهذا بحمد الله ظاهر لا خفاء به). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» (ص88): (وهذا الترك([846]) يجر إلى الضلال، واللحوق بأهل الكتابين، الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، فإن النبي ه قال: (لم يعبدوهم، ولكن أحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، وحرموا عليهم الحلال، فاتبعوهم)([847])، ويفضي إلى طاعة المخلوق في معصية الخالق، ويفضي إلى قبح العاقبة وسوء التأويل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رفع الملام» (ص89): (فلا بد أن نؤمن بالكتاب كله، ونتبع ما أنزل إلينا من ربنا جميعه، ولا نؤمن ببعض الكتاب، ونكفر ببعض، ولا تلين قلوبنا لاتباع بعض السنة، وتنفر عن قبول بعضها بحسب العادات والأهواء، فإن هذا خروج عن الصراط المستقيم، إلى صراط المغضوب عليهم والضالين). اهـ

قلت: وأتباع «المرجئة العصرية» اتخذوا أحبارهم، ورهبانهم أربابا من دون الله تعالى، حيث أطاعوهم في الاعتقادات الفاسدة، بل اتبعوهم في تبديل دين الله تعالى، ووضعوا لهم كتبا([848]) تخالف شرع الله تعالى.([849])

قال تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون[ [التوبة:31].

قلت: لقد كان اليهود والنصارى ينازعون الله تعالى في شريعته، وهم الأحبار والرهبان؛ فاعتدوا على سلطان الله تعالى، ونصبوا أنفسهم في دينهم ليشرعوا للناس التشريعات المخالفة لما أنزل الله تعالى عليهم في كتبهم، فضلوا وأضلوا، نعوذ بالله من الخذلان.

وعن محمد بن سيرين / قال: (إنما ضلت بنو إسرائيل بكتب ورثوها عن آبائهم!).

أثر حسن

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص53)، وأبو خيثمة في «العلم» (152)، وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (348)، والخطيب البغدادي في «تقييد العلم» (ص61) من طريق وكيع عن الحكم بن عطية عن محمد بن سيرين به.

قلت: وهذا سنده حسن.

إنما ضلت «الجماعات الحزبية» بكتب رؤوس الضلالة، ورثوها منهم!، نعوذ بالله من الخذلان.

وعن عبدالله بن مسعود t؛ في أناس عندهم كتاب يعجبون به؛ فلم يزل بهم حتى أتوه به، فمحاه ثم قال: (إنما هلك أهل الكتاب قبلكم أنهم أقبلوا([850]) على كتب علمائهم، وتركوا كتاب ربهم!).

أثر حسن

أخرجه الدارمي في «المسند» (485)، والخطيب في «تقييد العلم» (ص53)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص17)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (350) من طرق عن عبدالله بن مسعود t به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن الأوزاعي / قال: (ما زال هذا العلم عزيزا يتلقاه الرجال حتى وقع في الصحف، فحمله أو دخل فيه غير أهله!).

أثر صحيح

 أخرجه الدارمي في «المسند» (483)، والخطيب البغدادي في «تقييد العلم» (ص64)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (371) من طريق ابن المبارك، والوليد بن مسلم عن الأوزاعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن أبي موسى الأشعري t قال: (أن بني إسرائيل كتبوا كتابا، فتبعوه وتركوا التوراة!).

أثر صحيح

 أخرجه الدارمي في «المسند» (497)، والخطيب البغدادي في «تقييد العلم» (ص56) من طريق عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبي موسى t به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

* فإن «الفرقة السحابية» كتبوا كتبا في «شبكة سحاب» لربيع وطبعوها، وتبعوها، وتركوا القرآن، نعوذ بالله من إبليس.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج5 ص262): (فإن الهدى يدور مع الرسول r حيث دار، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا). اهـ

وعن الإمام أحمد / قال: -عن أصحاب الآراء-: (أهلكهم وضع الكتب، تركوا آثار رسول الله r، وأقبلوا على الكلام!).([851])

وعن المروذي: قلت لأحمد: (استعرت كتابا فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرقه، أو أحرقه؟ قال أحمد: نعم).([852])

قلت: فكيف لو رأى الإمام أحمد ما صنف ربيع من الكتب المضلة التي يعارض بها ما في القرآن الكريم!، والسنة النبوية!، والآثار السلفية!، لأمر بإتلافها، وحرقها، اللهم غفرا.

قال الإمام ابن القيم / في «الطرق الحكمية» (ص472): (وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة؛ غير مأذون فيها، بل مأذون في محقها وإتلافها، وما على الأمة أضر منها.

وقد حرق الصحابة جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان، لما خافوا على الأمة من الاختلاف، فكيف لو رأوا هذه الكتب التي أوقعت الخلاف، والتفرق بين الأمة؟!). اهـ

وعن محمد بن أحمد بن واصل المقري قال: سمعت أبا عبد الله -وسئل عن الرأي؟- فرفع صوته، وقال: (لا يثبت شيء من الرأي، عليكم بالقرآن، والحديث، والآثار).([853])

قلت: فمن وضع شيئا من الكتب المضلة، وزعم أنه ينصر السنة وأهلها!؛ فهو مبتدع، ويعاب عليه وضع هذه الكتب، لأننا أمرنا أن نكتب العلم الموافق للكتاب، والسنة، والآثار([854])، والله المستعان.

فعن أبي زرعة /- وقد سئل عن الحارث المحاسبي وكتبه- فقال: (إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات؛ عليك بالأثر، فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب!).

أثر صحيح

أخرجه البرذعي في «سؤالاته» (ص274)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج8 ص215).

وإسناده صحيح.

وذكره الذهبي في «تاريخ الإسلام» (ج18 ص208)، وفي «السير» (ج12 ص112)، وابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج2 ص135).

قال الذهبي / في «ميزان الاعتدال» (ج1 ص431)؛ معلقا: (وأين مثل الحارث، فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين!). اهـ

قال أبو عبدالرحمن الأثري: كيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المعاصرين!؛ ككتب ربيع المدخلي، وفيها من ضلالات لطار لبه، نسأل الله العافية والسلامة.

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح حلية طالب العلم» (ص274): (وهناك كتب ضارة ذات أفكار معينة، ومنهج معين، فهذه لا تدخل المكتبة سواء كان ذلك في المنهج، أو كان ذلك في العقيدة، ككتب المبتدعة التي تضر العقيدة، والكتب الثورية التي تضر المنهج، فكل كتب تضر فلا تدخل مكتبتك!). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «الطرق الحكمية» (ص474): (والمقصود: أن هذه الكتب المشتملة على الكذب، والبدعة يجب إتلافها وإعدامها، وهي أولى بذلك من إتلاف آلات اللهو، والمعازف، وإتلاف آنية الخمر، فإن ضررها أعظم من ضرر هذه، ولا ضمان فيها). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص547): (هؤلاء إنما ظهروا في الإسلام في أثناء «الدولة العباسية» وآخر «الدولة الأموية»؛ لما عربت الكتب اليونانية، ونحوها!). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص544): (فالمتكلمون الذين ابتدعوه، وزعموا أنهم به نصروا الإسلام، وردوا به على أعدائه؛ كالفلاسفة، لا للإسلام نصروا، ولا لعدوه كسروا، بل كان ما ابتدعوه مما أفسدوا به حقيقة الإسلام على من اتبعهم، فأفسدوا عقله، ودينه، واعتدوا به على من نازعهم من المسلمين، وفتحوا لعدو الإسلام بابا إلى مقصوده... والمقصود هنا: أن هؤلاء المتكلمين الذين زعموا أنهم ردوا عليهم لم يكن الأمر كما قالوه، بل هم فتحوا لهم دهليز الزندقة، ولهذا يوجد كثير ممن دخل في هؤلاء الملاحدة إنما دخل من باب أولئك المتكلمين!). اهـ

وقال الإمام ابن قدامة / في «لمعة الاعتقاد» (ص159): (ومن السنة: هجران أهل البدع ومباينتهم، وترك الجدال والخصومات في الدين، وترك النظر في كتب المبتدعة، والإصغاء إلى كلامهم، وكل محدثة في الدين بدعة). اهـ

وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «شرح لمعة الاعتقاد» (ص159): (ومن هجر أهل البدع ترك النظر في كتبهم خوفا من الفتنة بها، أو ترويجها بين الناس؛ فالابتعاد عن مواطن الضلال واجب). اهـ

وقال الإمام ابن بطة في «الإبانة الصغرى» (ص7): (فنبذوا الكتاب وراء ظهورهم، واتخذوا الجهال، والضلال أربابا في أمورهم، من بعد ما جاءهم العلم من ربهم، واستعملوا الخصومات فيما يدعون، وقطعوا الشهادات عليها بالظنون، واحتجوا بالبهتان فيما ينتحلون، وقلدوا في دينهم الذين لا يعملون فيما لا برهان لهم به في الكتاب، ولا حجة عندهم فيه من الإجماع). اهـ

وقال الشيخ بكر أبو زيد / في «حلية طالب العلم» (ص137): (فيا أيها الطالب! إذا كنت في السعة والاختيار؛ فلا تأخذ عن مبتدع: رافضي، أو خارجي، أو مرجئ، أو قدري، أو قبوري،000 وهكذا). اهـ

وعن أبي محمد الإفريقي قال: (وللدين ناصرا لا في يد الظلمة!).([855])

 

هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا،

وأن يجعله لي عنده يوم القيامة دخرا... وصلى الله وسلم وبارك

على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين،

وآخر دعوانا أن الحمد الله

رب العالمين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

درة نادرة للعلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية في الرد على الخطباء والقصاص، والوعاظ المخالفين في الدين والتحذير منهم، وذكر أسمائهم ليحذر الناس شرهم...............................................................................

5

2)

درة صافية للعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في التحذير من القصاص الدجاجلة................................................................................

7

3)

درة مضيئة فتوى العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله

في التحذير من المخالفين للشريعة........................................................

10

4)

درة ناصعة في بيان أحوال الخطباء، والوعاظ، والقصاص مـع الإســلام، والمسلمــين! ........................................................................

21

5)

درة لامعة للإمام ابن الجوزي في كيفية تلبيس إبليس على الخطباء والوعاظ والقصاص................................................................................

23

6)

المقدمة.....................................................................................................

29

7)

ذكر الدليل من القرآن، والسنة، والآثار على تحذير الخواص من القصاص..................................................................................................

63

 

 



([1]) كما فعل القصاص، والوعاظ فيما خالفوا الشرع المطهر، ونشروه بين الناس، وأعلنوا ذلك بلا حياء من الله تعالى، ولا من العلماء، ولا من طلبة العلم، ولا من خلقه، لذلك وجب الرد عليهم، وبيان بطلان ما قالوا، ولا مانع من ذكر أسمائهم ليحذرهم الناس، ولم يزل علماء السنة على هذا الأصل السلفي، والله المستعان.

([2]) «المجلة العربية» العدد (187) (ص19) سنة (1413هـ).

([3]) «شريط مسجل» يتضمن تعليقه / على كتاب «فضل الإسلام» للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، تسجيلات (البردين) بمدينة الرياض.

([4]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص80)، ومسلم في «صحيحه» (ج8 ص193)، وأبو داود في «سننه» (4757)، والترمذي في «سننه» (2236) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

([5]) كـ: «القصاص المبتدعة الدجاجلة».

([6]) والدجال: هو الكذاب والمموه.

     يقال: (دجل) دجلا: كذب وموه وادعى، فهو دجال، ودجال جمع: دجاجلة، ودجالون.

     انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص85)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص101)، و«معجم الوسيط» (ص271).

([7]) «مجموع فتاوى الشيخ» (ج2 ص20).

([8]) قلت: فهذا يريد طريق الخير، لكنه سلك طريق الشر، فلا يقتدى به، لأن لا يكفي أن العبد يريد طريق الخير ثم لا يسلكه، وإن كانت نيته حسنة، لابد أن يكون مع ذلك على الطريق الصحيح، فهذا يعتبر مخالفا، ومن تابعه على ذلك هلك، والعياذ بالله.

([9]) لأن هذا طريق هلاك، حتى لو لم يتعمد صاحبه الخروج، وإنما هو يلتمس الخير!، فانتبه.

([10]) فلابد من التحذير من الذين يبتكرون ابتكارات من عند أنفسهم في «الدعوة إلى الله» كـ«أصحاب الجمعيات الحزبية»، لأن ذلك لا يجوز، ولا يتابعون على ذلك، فسيئول أمرهم إلى الهلاك، والعياذ بالله.

([11]) فنحن لا يجوز لنا السكوت عن شر الفرق الضالة كـ«فرقة الإخوان المسلمين، وفرقة التراثيين، وفرقة السروريين، وفرقة الداعشيين، وفرقة القطبيين، وفرقة الصوفيين، وفرقة الأشعريين، وفرقة التبليغيين، وفرقة اللادنيين، وفرقة المرجئيين»، وغيرهم.

     فهؤلاء استمروا على الضلالات، وأخذوا طريق مضيعة للوقت الثمين على الناس، فضلوا، وأضلوا، اللهم سلم سلم، والله تعالى يقول: ]وأن هـذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[ [الأنعام:153].

([12]) انظر: «إتحاف القاري بالتعليقات على شرح السنة للبربهاري» للشيخ الفوزان (ج1 ص113-115).

([13]) حتى وصل بهم الأمر أنهم يلعبون بالنساء، فيتزوجوا، ويطلقوا، وهكذا على حسب الشهوة الحيوانية، بل ويلعبون بالنساء في الدول التي نشأت فيها الحروب كـ«أفغانستان، والعراق، والشام، والشيشان» وغيرها، وباسم: «زواج المسيار»، و«زواج بنية الطلاق»، و(السبايا) وما شابه ذلك، بل ويستغلون جهل النساء، فيتزوج الواحد منهن من أجل مالها، أو حسبها، أو بيتها، أو استغلالها لنشر فكر الحزب، والعياذ بالله.

([14]) وانظر: «إتحاف القاري بالتعليقات على شرح السنة للبربهاري» للشيخ الفوزان (ص112).

([15]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج19 ص123).

([16]) وهذه الأمة لا يظهر أهل باطلها على أهل حقها، فلا يكون الحق مهجورا، فإذا وقع بعض هذه الأمة في خطأ، فلابد أن يقيم الله تعالى فيها من يكون على الصواب، ويبين هذا الحق الذي يجب اتباعه، والخطأ الذي يجب اجتنابه.

([17]) وانظر: «زجر المتهاون بضرر قاعدة المعذرة والتعاون» للدكتور حمد العثمان (ص93).

([18]) قلت: ولو ترك هذا الأصل، لعلا الباطل على الحق، والخطأ على الصواب، والغي على الرشاد، والسنة على البدعة، والله المستعان.

([19]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج28 ص232).

([20]) وانظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج1 ص256).

([21]) قلت: فالواجب رد البدع والأخطاء، صيانة للشريعة من التحريف والتبديل، اللهم سلم سلم.

([22]) وانظر: «زجر المتهاون بضرر قاعدة المعذرة والتعاون» للدكتور حمد العثمان (ص98).

([23]) انظر: «طريق الوصول» للشيخ السعدي (ص251).

([24]) أثر صحيح.

     أخرجه مالك في «الموطأ» (ج2 ص988)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص66)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج9 ص17)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (ص25) من طرق عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر t به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([25]) أثر صحيح.

     أخرجه أحمد في «الزهد» (ص33)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص108)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص239) من طريق الأعمش عن صالح بن خباب عن حصين بن عقبة عن ابن مسعود t به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([26]) قلت: وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فانظر في زماننا هذا إلى محاضرات الوعاظ، والقصاص في المساجد، لا ترى فيها علماء السنة، وطلبة السنة، ومن تابعهم من المسلمين، بل لا ترى فيها إلا العامة من الرجال والنساء؛ فهؤلاء لم يشتغلوا بالعلم الشرعي الصحيح، بل أقبلوا على القصص المكذوبة، والأحاديث الضعيفة، والأناشيد البدعية، والفتاوى المعلبة التقليدية، والبدع المنكرة، والمعاصي المحرمة، ووقوع هؤلاء في هذه المخالفات؛ لأنهم لا يميزون بين أهل الحق، وبين أهل الباطل، نعوذ بالله من الخذلان.

([27]) قلت: وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فاستمع إلى أشرطة محاضرات القاص نبيل العوضي، وهو يذكر الأحاديث المنكرة في الترغيب والترهيب وغير ذلك؛ ليتبين لك صدق ما قلناه، نعوذ بالله من الخذلان.

([28]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (110)، ومسلم في «صحيحه» (3)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص321 و365 و410 و469 و519)، وغيرهم من حديث أبي هريرة t، وهو حديث متواتر، روي عن عدد كبير من الصحابة y.

     وقوله r: (فليتبوأ مقعده من النار)؛ معناه: لينـزل منـزلة من النار، يقال: بوأه الله منـزلا، أي: أسكنه إياه.

([29]) قلت: وما أشبه الليلة بالبارحة، فاستمع إلى أشرطة محاضرات القاص عائض القرني، وكتبه الشعرية، وهو يذكر الأشعار الغزلية، والعشقية، والغنائية، وغير ذلك؛ ليتبين لك صدق ما قلناه، نعوذ بالله من الخذلان.

([30]) قلت: وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فاستمع إلى أشرطة محاضرات القاص خالد الراشد، وهو يتصنع بالبكاء الكاذب، والخشوع المصنع، أمام العوام الحاضرين، ليتبين لك صدق ما قلناه، نعوذ بالله من الخذلان.

([31]) قلت: وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فاستمع إلى أشرطة أناشيد الإخوان المسلمين، وما فيها من الغناء المحرم، وآلات الطرب الموسيقية، وغير ذلك، ليتبين لك صدق ما قلناه، نعوذ بالله من الخذلان.

([32]) قلت: وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فاستمع إلى أشرطة نوح الصوفية ومآتمهم، ليتبين لك صدق ما قلناه، نعوذ بالله من الخذلان.

([33]) قلت: وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فاستمع إلى أشرطة محاضرات القاص محمد العريفي، بذكره الطامات، والشطحات الخارجة عن الشرع، واستشهاده بكلام العشاق، وغير ذلك، ليتبين لك صدق ما قلناه، نعوذ بالله من الخذلان.

([34]) قلت: وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فانظر إلى حال أتباع الفرقة التراثية، وتلبسهم بالمعاصي، والمحرمات الكبرى والصغرى، لهذا نفقت سلعهم، لأن الحق ثقيل والباطل خفيف.

     قلت: لذلك اتبعهم المبتدعة، والعصاة، والجهلة؛ لأنهم وجدوا عندهم ما تهواه أنفسهم المريضة، وهؤلاء تركوا الشرع وراء ظهورهم، نعوذ بالله من الخذلان.

([35]) قلت: وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فانظر إلى (الفرقة التبليغية)، ليتبين لك صدق ما قلناه، نعوذ بالله من الخذلان.

([36]) قلت: وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فانظر إلى حال أتباع الجماعات الحزبية كـ (الإخوانية، والسرورية، والقطبية، والداعشية، والصوفية، والتراثية، والأشعرية، والمرجئة) وغيرهم، في جرأة هؤلاء على البدع والمعاصي جهارا نهارا، نعوذ بالله من الخذلان.

([37]) ما أكثر الوعاظ والقصاص في زماننا هذا الذين يحبون الرئاسة في وزارة، أو جمعية، أو لجنة، أو مجلس، أو شبكة في الأنترنت، أو مسجد، أو جماعة، أو غير ذلك، نسأل الله السلامة من ذلك.

([38]) قلت: وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فاستمع إلى أشرطة محاضرات القاص ربيع المدخلي، وهو يعظم نفسه، بل ويحب أن يعظم أمام الخلق، ويعتبر ذلك نصرا للإسلام والمسلمين، نعوذ بالله من الخذلان.

     قلت: وما أهلك المدخلي إلا العجب.

([39]) قلت: وما أشبه الليلة بالبارحة، فانظر إلى نائب الفرقة التراثية في مملكة البحرين، وهو يكره أن يظهر عليه طالب علم لحبه للرئاسة المزعومة، فإذا ظهر عليه طالب علم شوش عليه الأتباع الهمج، فأما أن يتركهم فيسلم من شرهم، أو يتابعهم على السمع، والطاعة، والبيعة، والأمر، والنهي فيهلك، نعوذ بالله من الخذلان.

([40]) وما أكثرهم في زماننا هذا منهم: «عمرو خالد القاص»، فتراه يجمع الرجال والنساء في مجلس واحد في التلفاز، ويعظهم بالمنكرات والأباطيل، والله المستعان.

([41]) وانظر إلى القصاص كيف يلهثون خلف الدينار، والدرهم في البلدان والتلفاز، فيأتون إلى البلدان لإلقاء المحاضرات عن طريق الجمعيات الحزبية ليكسبوا الأموال النقدية والعينية، ويحصلوا على الشهرة المزعومة، نعوذ بالله من الخذلان.

([42]) قلت: وفرح بأشرطة، وكتب القصاص أصحاب الدكاكين الرخيصة فرح الذئاب الشرسة، وتجمع عليه الحزبيون تجمع الأحزاب، ليكتسبوا من ورائها الدينار، والفكر الخراب.

     ولكن لا تغرنكم البرقة،فإنها فجر كاذب، ولا تهولنكم المفاجأة، فإن أهل السنة ينخلونهم نخلا، فيبقى اللباب، ويعيش على النخالة الدواب!.

([43]) انظر: «الرد على الجهمية» للإمام أحمد (ص85)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص13).

([44]) انظر: «الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة» (المقدمة ط دار السلف، الرياض، ط الثانية).

([45]) كـ «القصاص».

([46]) كـ «القصاص».

([47]) قلت: فعلى هذا أن رؤوس الفتنة يعملون بنشاط؛ فيجب من رؤوس السنة من هدم نشاطهم، أو تقليصه، اللهم سدد سدد.

([48]) انظر لزاما «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (ج1 ص399-405).

([49]) ذكره الذهبي في «السير» (ج7 ص261).

([50]) ذكره الذهبي في «السير» (ج7 ص261).

([51]) تم ذلك لأعداء الله بطرق:

     الأولى: الابتعاث، وهناك يتم غسيل الدماغ لأبناء المسلمين، ومن ثم يرجعون إلى ديارهم ينفذون ما سمعوه ورأوه.

     الثانية: الاستشراق، تحت شعار الدراسة، والبحث العلمي لنيل البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه، والله المستعان.

     الثالثة: أهل البدع الذين يروجون بعض النظام الغربي كـ: «الحزبية التنظيمية»، وغيرها.

([52]) كـ (العلمانيين، والاشتراكيين، والقوميين، وغيرهم).

([53]) كـ (الأشعريين، والصوفيين، والإخوان المسلمين، والتبليغيين، والسروريين، والقطبيين، والتراثيين، والداعشيين، والربيعيين، وغيرهم).

([54]) وانظر: «القول المبين في جماعة المسلمين» للهلالي (ص18).

([55]) وما جاء التفرق، والاختلاف في القرآن الكريم إلا مذموما، ومتوعدا عليه بالعقاب.

([56]) وما جاء الاجتماع على الدين الواحد إلا محمودا، وموعودا عليه بالأجر العظيم لما فيه من المصالح العاجلة والآجلة.

([57]) انظر: «لمحة عن الفرق الضالة» للشيخ صالح الفوزان (ص20).

([58]) وهذه الجماعات الحزبية هدفها التجميع والتكتيل فقط، ولو اختلفت عقائدهم، والله المستعان.

([59]) فيحسنون الكلام... ويسحرون عقول العوام ببيانهم و: (إن من البيان لسحرا)... وينشرون القصص، والأحاديث الضعيفة... ويفرقون بين المسلمين... ويحرضون المسلمين على حكامهم... ويعتمدون في مواعظهم على علمهم الضعيف، والله المستعان.

([60]) الطنبذي: بطاء مهملة مضمومة بعدها نون ساكنة ثم باء معجمة بنقطة واحدة، وذال معجمة.

     وهو منسوب إلى طنبذ، قرية من قرى مصر كما قال الجياني في «تقييد المهمل وتمييز المشكل» (ج2 ص337)، وكذا قال السمعاني في «الأنساب» (ج4 ص75)، وزاد: من الهنا، وهي من الطبارحيات.

     لكن ضبطها ياقوت في «معجم البلدان» (ج4 ص12) بخلاف ذلك فقال: (طنبذة: ثانية ساكن، والباء مفتوحة موحدة، وآخره ذال معجمة...).

([61]) ومن ذلك أنهم يتخذون الخلاف بين العلماء ذريعة للوصول على الفتوى المخالفة للكتاب والسنة لتخدم مصالحهم الدنيوية، فإلى الله المشتكى.

([62]) قال أيوب السختياني /: (ولا أعلم أحدا من أهل الأهواء يجادل إلا بالمتشابه).

     أخرجه ابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج1 ص124). بإسناد صحيح.

([63]) وانظر: «النكت الظراف على تحفة الأشراف» لابن حجر (ج12 ص261).

([64]) حديث ضعيف.

     أخرجه الترمذي في «سننه» (ج5 ص200)، وأبو داود في «سننه» (ج3 ص320) من حديث جندب t.

     وإسناده ضعيف فيه سهيل بن أبي حزم، وهو ضعيف؛ كما في «التقريب» لابن حجر (ص421).

([65]) قال الحافظ ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص293) عن أهل الرأي: (هؤلاء أول من تكلم بالآراء، وروا الأحاديث، فسارع الناس في ذلك واستحلوه، والناس سراع إلى قبول الباطل، والحق مر ثقيل). اهـ

([66]) أثر صحيح.

     أخرجه الجوهري في «مسند الموطأ» (ص584) من طريق أحمد بن مروان قال حدثنا إبراهيم بن داريل قال حدثنا ابن أبي أويس قال: قال مالك: (كان وهب بن كيسان يقعد إلينا... يقول لنا: إنه لا يصلح آخر هذا الأمر إلا ما أصلح أوله...).

     وإسناده صحيح.

     وأخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (ج23 ص10) من طريق محمد بن جرير قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال حدثنا أشهب عن مالك قال: (كان وهب بن كيسان يقعد إلينا، ولا يقوم أبدا حتى يقول لنا: اعلموا أنه لا يصلح آخر هذا الأمر إلا ما أصلح أوله. قلت: يريد ماذا؟ قال: يريد بادئ الإسلام أو قال يريد التقوى).

     وإسناده صحيح.

     وذكره ابن خلفون في «أسماء شيوخ مالك» (ص33).

([67]) من اليهود، وغيرهم.

([68]) من القطبية، والسرورية، والإخوانية، والتراثية، والربيعية، والداعشية وغيرهم.

([69]) وقد علم من شأن ابن مسعود t أنه كان يحدث بالأحاديث عن النبي r دون أن يقول فيها: قال رسول الله r، فغالب أحاديثه الموقوفة هي من أحاديث المصطفى r، ومن نظر في ترجمته، وأحاديثه في «المعجم الكبير» للطبراني، وغيره علم ذلك.

([70]) من الإخوانية، والتراثية، والسرورية، والقطبية، والصوفية، والأشعرية، والتبليغية، والربيعية، وغيرهم. 

([71]) ولذلك فإن العوام من المعارضين لكل مصلح سني صادق من العلماء، وطلبة العلم... بسبب ما يسمعوا من الباطل من الحزبيين الحركيين.

([72]) وهؤلاء على اختلاف مناهجهم، وأهدافهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا... وهذا خروج عن جماعة المسلمين الحقيقية.

     وهؤلاء لا يقودون الناس إلا إلى الضلال، والفرقة، والعاطفة، والله المستعان.

([73]) أثر صحيح.

     أخرجه الطيوري في «الطيوريات» (ج3 ص395)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (2195). بإسناد صحيح.

     وذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (ج2 ص93)، والطرطوشي في «الحوادث والبدع» (ص106).

([74]) فكيف لو أدرك ابن الجوزي / زماننا، ماذا عسى أن يقول، والله المستعان.

([75]) كما يفعل القاص عمرو خالد الآن، والله المستعان.

([76]) وأكثر القصاص اليوم يتكسبون من كتبهم، وأشرطتهم، بل أكثر المكتبات، والتسجيلات يتكسبون من وراء الوعاظ والقصاص، والله المستعان.

     قلت: فيتكسبون مثلا من كتب، وأشرطة القاص عائض القرني، والقاص نبيل العوضي، والقاص محمد العريفي، والقاص سلمان العودة، والقاص خالد الراشد، والقاص إبراهيم الدويش، والقاص سفر الحوالي، والقاص محمد حسان، والقاص عبد الرحمن عبد الخالق، والقاص سليمان الجبيلان!، والقاص طارق السويدان، والقاص القرضاوي، والقاص ربيع المدخلي، والقاص عبيد الجابري، والقاص الحويني المصري، والقاص أبي زقم، والقاص المغامسي، وغيرهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

([77]) انظر: «صيد الخاطر» لابن الجوزي (ص119).

([78]) وظهر عدد الآن من القصاص المتعالمين فوق المنابر أيام الجمع اتخذوها لحب الرئاسة، والظهور، والشهرة، يتكسبون منها من أجل الترشيحات وغيرها.

([79]) وهذا شأن رؤوس الجمعيات الخيرية الحزبية الآن في بلدان المسلمين.

     قلت: فيسلكون في معاملة العوام مسلك المحتالين الغشاشين... حتى ينالوا أعطياتهم ومنحهم، ويجمعون مالا كثيرا منهم أيام الجمع وغيرها... ولا يبالون بانتقاد العلماء لهم في جمعياتهم الحزبية.

([80]) لينشروا أفكارهم السياسية المنحرفة في العامة، اللهم سلم سلم.

     قلت: والعالم عند العوام من قعد على المنبر، وإن كان من الجهال، والله المستعان.

([81]) انظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج2 ص85).

([82]) انظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج2 ص85).

([83]) انظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج2 ص87).

([84]) وأكثر الناس كذبا القصاص.

([85]) انظر: «لسان الميزان» لابن حجر (ج1 ص13).

([86]) فالقصص على هذه الطريقة من البدع، وقد ورد نهي السلف الصالح عن الجلوس إلى القصاص... ولم يكن ذلك في عهد النبي r، ولا زمن الصحابة y... حتى ظهرت فتن الأحزاب فظهر القصاص، والله المستعان.

([87]) انظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج2 ص89).

([88]) لذلك ترى القصاص يكثرون الوعظ زمن حصول الفتن في الأمة خاصة أيام الحروب التي تحصل في بعض بلدان المسلمين لكسب العوام، والمال معا، اللهم غفرا.

([89]) لذلك ترى في زماننا الخوارج القعدية هم الذين يشتغلون بالوعظ، والقصص لكسب العوام، والمراكز الدنيوية، والأموال، وغير ذلك في الثورات المهلكة؛ منهم: نبيل العوضي، وربيع المدخلي، وعبيد الجابري، وسلمان العودة، ويوسف القرضاوي، وعائض القرني، وطارق السويدان، ومحمد حسان، ومحمد المدخلي، وعدنان عرعور وغيرهم، بل سفكوا الدماء في الثورات في اليمن، وليبيا، وسوريا، ومصر، وغير ذلك.

([90]) لذلك ترى الخوارج السياسيين يشتغلون كثيرا بالآراء السياسية عن أحكام الكتاب والسنة، والله المستعان.

     قال الحافظ ابن الجوزي / في «القصاص والمذكرين» (ص346): (لما أظهرت الخوارج القصص، وأكثرت منه كره التشبه بهم). اهـ

([91]) يعني: في الدعاء غير مشروع.

([92]) انظر: «الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة» للملأ علي القاري (ص96 و97).

([93]) وانظر: «تنـزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة» لابن عراق (ج1 ص13).

([94]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب البغدادي في (جامع أخلاق الراوي) (ج2 ص162). بإسناد صحيح.

([95]) يعني: قصص الأمم السابقة، وقصص بني إسرائيل، وغير ذلك مما يشغل عن العلم النافع، والله المستعان.

([96]) أثر حسن.

     أخرجه الخطيب البغدادي في «جامع أخلاق الراوي» (ج2 ص161). بإسناد حسن.

([97]) أرباض: جمع ربض، والمراد به هنا أمكنة استراحتهم التي يأوون إليها، ويستريحون لديها.

     انظر: «القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ج2 ص342).

([98]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب البغدادي في «جامع أخلاق الراوي» (ج2 ص162) بإسناد صحيح.

([99]) أثر حسن.

     أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص96). بإسناد حسن.

     قلت: فعليكم بحلق الفقه، واتركوا حلق القصاص.

([100]) انظر: «قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث» للقاسمي (ص161).

([101]) قال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ج1 ص238): (ومنهم متعبدون يحسبون أنهم يحسنون صنعا يضعون أحاديث فيها ترغيب وترهيب، وفي فضائل الأعمال وليعمل بها). اهـ

([102]) انظر: «الفتاوى الحديثية» للهيتمي (ص32).

([103]) قلت: فأين علم الحديث، وأين أهله كدت أن لا أراهم إلا في كتاب، أو تحت تراب، ولا حول، ولا قوة إلا بالله العلي الوهاب.

     انظر: «تذكرة الحفاظ» للذهبي (ج1 ص4).

([104]) وجمهور العلماء على أن الكذب على رسول الله r من الكبائر.

     قلت: ويكفر فاعل ذلك إذا لم يتب؛ خاصة إذا كان مستحلا للكذب عليه؛ لأنه متعمد في الكذب على الشرع.

     وقال أبو محمد الجويني من أئمة الشافعية: (يكفر من تعمد الكذب على رسول الله r).

     ولا مانع من حمل كلام الجويني أيضا على فعل ذلك مستحلا.

     والجمهور ذهبوا إلى أن من كذب في حديث فسق، وردت روايته، وفيه نظر.

     انظر: «سؤال وجواب في مصطلح الحديث» للحكمي (ص69)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص284)، و«توضيح الأفكار» للصنعاني (ج2 ص86)، و«المنهج في مصطلح الحديث النبوي» للذهبي (ص98).

([105]) قال العلامة الشوكاني / في «الفوائد المجموعة» (ص3): (وقد أكثر العلماء رحمهم الله من البيان للأحاديث الموضوعة، وهتكوا أستار الكذابين، ونفوا عن حديث رسول الله r انتحال المبطلين، وتحريف الغالين، وافتراء المفترين، وزور المزورين). اهـ

([106]) قلت: وما أكثر الناس من هذا الصنف في هذا الزمان، اللهم غفرا.

([107]) وهذه الأمور تنطبق على رؤوس الجماعات، والجمعيات الحزبية من: «الإخوان المسلمين، والتراثيين، والصوفيين، والتبليغيين، والقطبيين، والسروريين، والأشعريين، والداعشيين، والمرجئيين، واللادنيين»، وغيرهم.

([108]) انظر: «الفوائد الموضوعة» للشوكاني (ص52).

([109]) انظر: «المصدر السابق» (ص53).

([110]) انظر: «أحاديث القصاص» لابن تيمية (ص53-95).

([111]) وهؤلاء القصاص يظنون بفعلهم هذا السيء أنهم أدوا واجبهم في الدعوة إلى الله تعالى؛ لأن أحدهم ألقى درسا في المسجد، أو ارتجل خطبة في جامع، أو ألقى موعظة في مجمع وهكذا.

([112]) ويبدو أن هؤلاء لتسترهم تحت الدين على انحرافهم ساهم ذلك في تأخير كشف حقيقة هذا النفر المنحرف... فما يزال كثير من الناس لا يعرفون هؤلاء القوم على حقيقتهم، ويخلطون بين هؤلاء المرتزقين، وبين الصادقين.

     وقد يكون مما ساعد على السكوت عنهم... أنهم محسوبون على الدين... أو أن المجال فارغ والساحة خالية، فنحن الآن لا نجد من يقوم الآن بوعظ الناس إلا هؤلاء القصاص... فيوضع المرء في موقف حرج... ولكن هذا الفهم ليس بصحيح، ولا يجوز للمرء المسلم أن يعقله، لأنه لابد من أن تقوم طائفة تعنى بالدعوة الصحيحة، وتكون هذه الطائفة قائمة على أساس متين من الصدق وفق الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، والبعد عن الكذب، والانحراف عن الكتاب والسنة، والله ولي التوفيق.

([113]) انظر: «مقدمة القصاص والمذكرين» للصباغ (ص69).

([114]) لأن هؤلاء القصاص أشد الناس إساءة للدين... لأنهم يستغلون هذه الأمور لمنافعهم، ومصالحهم، وتنفيذ مخططاتهم التنظيمية الحزبية في المساجد، والبلدان، والله المستعان.

([115]) قلت: لأن الطائفة الناجية المنصورة باقية إلى أبد الدهر ظاهرة بالحق، داعية إلى هداية الخلق، والله تعالى حافظ دينه الحق، فقال تعالى: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ [الحجر:9].

([116]) والتفريط: إضاعة الشيء.

([117]) والإفراط: مجاوزة الحد.

     انظر: «مدارج السالكين» لابن القيم (ج2 ص466)، و«معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج4 ص460)، و«الصحاح» للجوهري (ج3 ص6148).

([118]) وانظر: «الردود البازية في بعض المسائل العقدية» (ص266).

([119]) فالأمر يكون شيئا فشيئا إلى أن يتعلموا، ويصلوا إلى معرفة الحق بالمحاورة، والمناقشة العلمية.

     واعلم أن إذا أراد المحاور بحواره وجه الله تعالى، والوصول إلى الحق فإنه لابد أن يكون موضوعيا في محاورته بعيدا عن المغالطات والمكابرة.

     فيقبل الحق أيا كان مصدره ويسلم للأدلة والشواهد، وإلا كان مكابرا مجادلا بالحق والباطل، والعياذ بالله.

([120]) كـ «القصاص المبتدعة» الدجاجلة.

([121]) والدجال: هو الكذاب والمموه.                                            

     يقال: «دجل» دجلا: كذب وموه وادعى، فهو دجال، ودجال جمع: دجاجلة، ودجالون.

     انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص85)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص101)، و«معجم الوسيط» (ص271).

([122]) «مجموع فتاوى الشيخ» (ج2 ص20).

([123]) قال الحافظ ابن الجوزي / في «القصاص والمذكرين» (ص343): (وإنما وقع الذم لأنهم تركوا كتاب الله، واشتغلوا بالقصص عنه). اهـ

([124]) فامتحان المتعالمين في دين الله تعالى من منهج السلف الصالح فتنبه.

([125]) قلت: هكذا لابد أن يفعل بالقصاص في المساجد، والبلد، والإذاعات، وغير ذلك، والله المستعان.

([126]) وقال الإمام شعبة بن الحجاج /: (لرجل قاص، اذهب، فإنا لا نحدث القصاص، فقال له أبو الوليد: لم يا أبا بسطام؟ قال شعبة: يأخذون الحديث منا شبرا فيجعلونه ذراعا).

     انظر: «الجامع لأخلاق الراوي» للخطيب (ج2 ص164)، و«القصاص والمذكرين» لابن الجوزي (ص308)، و«تحذير الخواص من أكاذيب القصاص» للسيوطي (ص229).

([127]) قلت: ولذلك يجب زجر القصاص، ومن يجلس إليهم، والله المستعان.

([128]) قلت: هكذا ينبغي أن يفعل بالقصاص في المساجد، والله المستعان.

([129]) أثر صحيح.

     أخرجه السلفي في «المشيخة البغدادية» (1000)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص192)، وابن الجوزي في «مناقب الإمام أحمد» (ص249)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص289)، واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (733).

     وإسناده صحيح.

([130]) أثر صحيح.

     أخرجه السلفي في «المشيخة البغدادية» (869).

     وإسناده صحيح.

([131]) أثر صحيح.

     أخرجه السلفي في «المشيخة البغدادية» (2578)، والخطيب في «الجامع» (1039)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج9 ص165).

     وذكره السخاوي في «فتح المغيث» (ج2 ص202).

     وإسناده صحيح.

([132]) هو الحسن بن صالح بن حي الكوفي يرى السيف على أمة محمد r، يعني: من الخوارج.

     انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج6 ص177)، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج1 ص248).

([133]) أثر صحيح.

     أخرجه العقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج1 ص251).

     وإسناده صحيح.

([134]) أبو عبدالرحمن السلمي المقرئ الكوفي الثقة الثبت.

     انظر: «تذكرة الحفاظ» للذهبي (ج1 ص58)، و«غاية النهاية» لابن الجزري (ج1 ص413).

([135]) وهو عوف بن مالك أبو الأحوص الكوفي، الثقة.

     انظر: «التهذيب» لابن حجر (ج8 ص169).

([136]) أبو الأحوص: هو عوف بن مالك الكوفي؛ تابعي ثقة، قتله الخوارج في ولاية الحجاج على العراق.

     انظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج6 ص181)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج8 ص169).

([137]) وشقيق الضبي هذا من قصاص الخوارج!، لأنه كان يقص بالكوفة.

     وكان أبو عبدالرحمن السلمي يذمه.

     انظر: «الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج2 ص563)، و«لسان الميزان» لابن حجر (ج3 ص500)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج2 ص279).

([138]) سعد بن عبيدة الكوفي كان يرى رأي الخوارج.

     انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج3 ص478).

([139]) قال الحافظ ابن الجوزي / في «القصاص والمذكرين» (ص354): (أكثر كلام الواعظ الرقائق، فإذا تشاغل الإنسان بسماعها عن الفقه قل علمه). اهـ

([140]) قلت: فلا يحصل في يدك من هؤلاء شيء، والله المستعان.

([141]) هو شجاع بن مخلد الفلاس، ثقة.

     انظر: «تاريخ بغداد» للخطيب (ج9 ص252).

([142]) هو إبراهيم بن إسحاق البغدادي الحربي من أعلام المحدثين، كان حافظا للحديث، فقيها بصيرا بالأحكام.

     انظر: «تاريخ بغداد» للخطيب (ج6 ص27)، و«طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (ج1 ص86).

([143]) هو بشر بن الحارث بن عبدالرحمن المروزي، نزيل بغداد، الزاهد الجليل المشهور، ثقة قدوة.

     انظر: «التقريب» لابن حجر (ص168).

([144]) بل كان الصراع بين أهل السنة، وهؤلاء القصاص على أشده، وما كان للقصاص من شأن، وما كان ينبغي لهم.

([145]) فدخلوا في امتحان صعب، هلك فيه من هلك، ونجا من تاب، وقال خيرا وسلم، اللهم غفرا.

([146]) قلت: وكان الاشتغال بالحديث خير رد على تلك الملل والنحل؛ اللهم سدد سدد.

([147]) قلت: وسلك مسلك السلف الصالح السني في الزهد في الدنيا وجاهها، والإعراض عنها، وعن لذاتها، فلم تغره زخرفة بنيان، ولا رخاء عيش، ولا جاه وشرف، فكانت هذه ميزة وسمة من سمات أهل السنة.

([148]) قلت: فما قيمة هذا الإنسان، وهو يعيش في هذه الدنيا، وهو في ضلال مبين، والله المستعان.

([149]) قال أبو عبدالرحمن الأثري: الحمد لله لم يجعلنا ممن يذهب إلى القصاص والوعاظ، ولا لجمعية حزبية، ولا لمسجد من مساجد الحزبيين، ولا دروس الحزبيين، ولا مجالسهم، ولا جماعة حزبية، ولا جماعة مميعة، ولا مرجئة، ولا خارجية.

([150]) انظر: «القصاص والمذكرين» لابن الجوزي (ص158 و159).

([151]) فكان السلف الصالح أشد الناس ذما للقصاص، وكرها لهم لخطرهم على الإسلام والمسلمين، والله المستعان.

([152]) انظر: «الحوادث والبدع» للطرطوشي (ص78).

([153]) أثر صحيح.

     أخرجه أبو داود في «الزهد» (ص86)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص293)، وفي «المدخل إلى السنن الكبرى» (ج2 ص135)، وفي «الآداب» (ص166)، وعمر بن شبه في «تاريخ المدينة» (ج2 ص750).

     وإسناده صحيح.

([154]) انظر: «المصدر السابق» (ص79).

([155]) وقد تستر القصاص اليوم تحت شعار: «الدعوة إلى الله، والأعمال الخيرية، والجهاد في سبيل الله، ونصرة المسجد الأقصى، والدفاع عن المسلمين في المجالس البرلمانية، والتدريس في الجامعات الإسلامية، والوعظ والتدريس في المساجد، والخطابة»، وغير ذلك، فقل أن تجد بلدا إلا وقد كانوا فيه من الدعاة بزعمهم، وراجت فيه بدعهم على خلق من الهمج والرعاع، فأكثر كلامهم اليوم عن القصص، والأشعار، والأناشيد، والمسرحيات، والأحاديث الضعيفة في الأحكام والفضائل، والمهرجانات، والاحتفالات، والأعمال الخيرية المغشوشة والمسابقات، وغير ذلك.

([156]) ولا تجد منهم من يرشد الناس إلى توحيد الله، وإفراده بالعبادة، ونبذ الشرك والبدع، والتحذير من دعاة ذلك، لأن هذا لا يعد من أسس دعوتهم ومنهجهم، اللهم غفرا.

([157]) قال الملا علي القاري / في «الأسرار المرفوعة» (ص90): (ما أكثر القصاص، والوعاظ الجاهلين بالتفسير). اهـ

([158]) من أتباع الخطباء، والقصاص.

([159]) وانظر: «موسوعة المناهي الشرعية» للهلالي (ج1 ص192).

([160]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن حمكان في «الفوائد والأخبار» (ص170)، وعبدالله بن أحمد في «زوائد الزهد» (ج2 ص303)، وابن الجوزي في «صفة الصفوة» (ج3 ص203)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج16 ص459).

     وإسناده صحيح.

([161]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (5767)، ومالك في «الموطأ» (1993).

([162]) انظر: «معالم السنن» للخطابي (ج3 ص604).

([163]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص703)، وضياء الدين المقدسي في «مسموعاته بمرو» (ق/360/ط)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص328)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج5 ص19 و20)، وابن عدي في الكامل (ج1 ص264)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص346)، وفي «شعب الإيمان» (ج3 ص350)، وفي «الآداب» (ص297)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص220)، والبغوي في «شرح السنة» (ج2 ص306)، وابن أبي الدنيا في «الورع» (ص83)، وفي «إصلاح المال» (ص140)، وابن منده في «التوحيد» (ج2 ص145)، وابن الجعد في «المسند» (ج2 ص785)، وإسحاق بن راهويه في «المسند» (ج1 ص241)، والدارمي في «السنن» (ج2 ص300)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج3 ص324) من طريق فضيل بن مرزوق حدثني عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة t... فذكره.

([164]) قلت: شبه خطبة الخطيب المتعالم بشقشقة الشيطان لما يدخل فيه من الكذب، والباطل، وكونه لا يبالي بما قال، والعياذ بالله.

     انظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج3 ص276).

([165]) كما يظن أن جمهوره يرغب منه الإطالة، ويستمع بكثرة كلامه، وينسى أن كثير الكلام ينسي بعضه بعضا، وأن قدرة المستمعين على التركيز تقل كلما زادت مدة الخطبة، وأن خير الكلام ما قل ودل.

([166]) ولذلك ترى من هؤلاء الخطباء عدم الالتزام بموضوع محدد، مما يجعل الناس يتشوشون، وذلك لعدم فهمهم بما يدور في خطبهم من موضوعات، حتى إنك إذا سألت أحد الحاضرين عن موضوعها احتار المسئول، وعجز عن الإجابة، لأنها لا تحتوي على موضوع واحد محدد، بل تضم خليطا من الأفكار المتنوعة، والموضوعات المتباينة، وكأن الخطيب يريد ملء خطبته بأي شيء لكي ينتهي منها دون التفات إلى أهمية التركيز على موضوع علمي شرعي يتنفع منه المصلون.

([167]) فيختار الخطباء القصاص موضوعات بعيدة عن الشرع، واهتمام الناس وحاجاتهم، فيكون حديثه في واد، والناس في واد آخر، مما يحدث فجوة بينه وبينهم... وقد يرى بعض الخطباء أن هذا المنهج هو الأفضل، ولو أسخط الناس وآذاهم، فلا اعتبار بهم، ولا برأيهم، والله المستعان.

([168]) النحرير: الحاذق الماهر.

([169]) قمعه: قهره.                                                                           

([170]) الجث: القطع.

     انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص40)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص417 و600).

([171]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص17)، و«التذكرة» للقرطبي (ص749)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص224)، و«عارضة الأحوذي» لابن العربي (ج10 ص121).

([172]) وانظر: «عارضة الأحوذي» لابن العربي (ج10 ص121).

([173]) الرويبضة: تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبها، كما قعد المتعالم عن طلب العلم، ومع هذا يتصدر.

     وانظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج2 ص185).

([174]) يقصد بذلك الرجل المتعالم الجاهل الذي يتكلم في أحكام الدين بلا علم كـ «السياسي، والمثقف، والجامعي، والدكتور، والمفكر... »، وللأسف أن هذا الرجل الجاهل يؤتمن على الأعمال الخيرية، والمسئولية، ومساجد الله، من خطابة، وإمامة، وتأذين، فيؤتمن الخائن، ويخون الأمين، والله المستعان.

     وانظر: «التعالم» للشيخ بكر بن عبدالله (ص6).

([175]) والتافه: الخسيس الحقير.

     وانظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج2 ص185).

([176]) قلت: وقد سقط إسحاق من بعض الأسانيد؛ فتنبه.

([177]) وابن إسحاق حافظ كبير، واسع الرواية، وقد ذكره ابن المديني في الذين مدار الإسناد عليهم في «العلل» (ص36 و37).

([178]) وفيه عند أبي يعلى في تفسير الرويبضة: (من لا يؤبه له).

     قلت: يقصد بذلك الجاهل المتعالم.

     وانظر: «التعالم) للشيخ بكر بن عبدالله (ص6).

([179]) وانظر: «المنهاج» للنووي (ج2 ص227)، و(ج8 ص83)، و«عمدة القاري» للعيني (ج6 ص252)، و(ج8 ص262)، و(ج22 ص87)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج9 ص621)، و«شرح سنن النسائي» للسيوطي (ج5 ص180).

([180]) وانظر: «شرح قطر الندى» لابن هشام (ص356)، و«أوضح المسالك» له (ج2 ص60 و63)، و«مغني اللبيب» له أيضا (ج1 ص83 و204 و378)، و«شرح الألفية» للأشموني (ج4 ص351)، و«شرح سنن النسائي» للسيوطي (ج1 ص30)، و«المنهاج» للنووي (ج3 ص98)، و«شرح الألفية» لابن عقيل (ج1 ص261 و266 و351 و359)، و«السير الحثيث» للفجال (ج2 ص516 و519)، و«توضيح المقاصد» للمرادي (ج1 ص227)، و«مختصر مغني اللبيب» لشيخنا ابن عثيمين (ص104)، و«شرح ألفية ابن مالك» له (ج2 ص150).

([181]) فربض عن: «العلم الشرعي»، فلم يطلبه على الحقيقة عند العلماء الربانيين من أهل السنة والجماعة، ولم يبحث في مسائل علم الأحكام، فهو جامد لا يتحرك، لأن هذا العلم هو الذي يؤصل في العبد البحث في الفقه الصحيح.

     فهو ربض على: «العلم الآكاديمي)، علم الجامعات، وعلم الشهادات، وهذا العلم يؤصل في العبد الجهل المركب بعلم الشريعة المطهرة، والله المستعان.

([182]) هو مصعب بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي.

     انظر: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج4 ص145).

([183]) أثر صحيح.

     أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (ج2 ص245)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص270).

     وإسناده صحيح.

([184]) وهذه الحروب تنصر بالرقص، والغناء، والأناشيد، والتصفيق، والشرك، والبدع، عن طريق المظاهرات، واختلاط الرجال والنساء، فليس ذلك من الجهاد في سبيل الله تعالى.

([185]) أليس من الأفضل أيها العامة في المساجد أن تضعوا أموال الله تعالى التي في أيديكم في يد الفقراء والمساكين، لكن المحروم من حرمه الله تعالى.

([186]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص153).

   والله تعالى سوف يسأل العبد من أين اكتسب ماله، وفيما أنفقه، وهل تستطيع أيها العامي أن تقول لله تعالى يوم القيامة أنفقته في شراء الأسلحة في الحروب السياسية.

([187]) منهم من يضع تبرعات إفطار الصائم للإرهاب، وشراء التفجيرات، والأسلحة!... ومنهم يضع الزكاة لصالح أتباع الحزب!... ومنهم من يضع التبرعات لنشر أفكار الحزب الإرهابية من طباعة الكتب السياسية الحركية، والأشرطة الفكرية والحركية!...ومنهم من يضع التبرعات للانتخابات؛ لأتباع الحزب من عشاء، وصور المرشح الحزبي، وغير ذلك!... ومنهم من يضع التبرعات للمخيمات التنظيمية في كرة القدم، والمسرحيات، والمحاضرات الحزبية في المخيمات البرية!.

([188]) والعامي الذي يدخل في الفتن بهذه الطريقة يدل على قلة علمه، وكبر جهله، وضعف إيمانه، قال تعالى: ]وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا [[الأحزاب:72].

    وقال تعالى: ]كلا إن الإنسان ليطغى [[العلق:6].

([189]) وهذا الزمان خرج فيه رجال ينتحلون الدنيا بالدين، يلبسون للعامة «البشوت» يتسمون بالشيوخ يظهرون اللين لهم، وحب الخير، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم قلوب الذئاب، يجمعون التبرعات لسفك الدماء في بلدان المسلمين، ولا رحمة فيهم، ولا رأفة على الناس.

([190]) أثر صحيح.

     أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج2 ص313). بإسناد صحيح.

     المسوك: الجلود.

([191]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (3334) ومسلم في «صحيحه» (5136).

([192]) ويستفاد من ذلك أن ليس لأحد أطراف النزاع أن يلزم الناس بالتبرع بالأموال لدفعها في فتنة الحروب، أو يعاقبهم على ترك مناصرته، فإن المعتزل عن الفتنة هو على خير من الله تعالى.

([193]) وإمساك اللسان في الفتنة، لا يقل عن إمساك السيف، واليد.

([194]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج11 ص395)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1304).

([195]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (6538) ومسلم في «صحيحه» (4826).

([196]) «صحيح البخاري»؛ كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر، (ج6 ص2599).

([197]) ثم يكذبون عليهم بأننا جمعنا كذا، وكذا، والأموال التي جمعوها لا تصل إلى العدد الذي ذكروه، نعوذ بالله من الكذب.

([198]) كفعل القصاص الثوريين؛ مثل تحريض: يوسف القرضاوي، وعدنان عرعور، ونبيل العوضي، وسلمان العودة، وعائض القرني، ومحمد العريفي، في ثورة سوريا، وثورة اليمن، وثورة ليبيا، وثورة مصر، ومثل تحريض ربيع المدخلي، وعبيد الجابري، ومحمد المدخلي في ثورة ليبيا، وثورة اليمن، والله المستعان.

([199]) فإن النبي r نهى عن سفك الدماء في البلدان مطلقا، لما في ذلك من هدم البلدان، ودمار المال، وهتك الأعراض، وقتل الناس وغير ذلك.

    قلت: لذلك يحرم إعانة السياسيين من الخطباء، والقصاص، والوعاظ وغيرهم على شراء الأسلحة من أجل القتال في «الحروب» لأنها فتنة، فإعانة هؤلاء، وهؤلاء على القتل، فهذه الفتنة هي إعانة على قتل المسلمين من الرجال، والنساء، والأطفال، لأنهم بين فريقين مجرمين، فيجب على المسلم أن يضع أمواله في محلها الشرعي.

    قلت: ومن أصر وعاند على نصرة فتنة القتال في «الحروب السياسية»، فقد وضع مال الله تعالى في غير محله، وأثم صاحبه، وله وعيد شديد من الله تعالى في الدنيا والآخرة.

([200]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1471)، ومسلم في «صحيحه» (1679).

([201]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (6871)، ومسلم في «صحيحه» (88).

([202]) والويل لمن وضع أموال الله تعالى في: «فتنة الحروب السياسية»، بل الله سوف يعذب أولاده وأهله، لأنه بماله يقتل الرجال، والنساء والأولاد، والله المستعان.

([203]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (6875)، ومسلم في «صحيحه» (2888)، والمقدسي في «تحريم القتل» (ص22).

([204]) فهل ترضى أيها المصلي! بهذه الأضرار على نفسك، إذا لماذا دفعت أموالك للسياسيين المجرمين ليزيدوا الفتنة في «الحروب السياسية» ومن يعصمك من الله تعالى الآن بفعلك هذا المشين، هل أنت كنت في عقلك عندما دفعت أموالك لهذه الفتن؟!، هل كنت واعيا في ذلك، والعياذ بالله.

([205]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (6493).

([206]) فما بالك في الذين يقتلون أنفسهم في العمليات الانتحارية، فهؤلاء في النار بلا شك بشهادة النبي r في الذي قتل نفسه بعد ذلك، مع أنه كان يقاتل المشركين، فإذا قتلوا في هذه الفتنة العمياء فهم في النار، والله المستعان.

([207]) والمخالفات الشرعية في الثوريين حدث ولا حرج، فهم في النار بلا شك، بشهادة النبي r، والله المستعان.

([208]) «أسئلة وأجوبة عن ألفاظ ومفاهيم» (18).

([209]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (1848).

([210]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (7020)، ومسلم في «صحيحه» (1904).

([211]) وانظر: «تحريم القتل» للمقدسي (ص24).

([212]) حديث صحيح.

     أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص64)، وأبو داود في «السنن» (4502)، والترمذي في «السنن» (2158). بإسناد صحيح.

([213]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (4019)، ومسلم في «صحيحه» (95).

([214]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (97).

([215]) لماذا لا تنفق أموالك للفقراء في بلدك؟!، لماذا لا تنفق أموالك لمراكز تحفيظ القرآن، وغير ذلك من أبواب الخير، وكل ذلك أمام عينيك.

([216]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص288).

([217]) حديث صحيح.

     أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص110)، والنسائي في «السنن الكبرى» (8593). بإسناد صحيح.

([218]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (5994)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص93)، والطيوري في «الطيوريات» (ج1 ص36)، وأبو يعلى في «المسند» (ج10 ص106).

([219]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (7095)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص70).

([220]) أثر صحيح.

     أخرجه الخرائطي في «فضيلة الشكر لله على نعمه» (74). بإسناد صحيح.

([221]) حديث صحيح.

     أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (20857)، ومن طريقه أحمد في «المسند» (ج3 ص94 و95)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5010)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص112)، والترمذي في «سننه» (2598). بإسناد صحيح.

([222]) قال الإمام ابن قتيبة / في «أدب الكاتب» (ص193): (الهمج: صغار البعوض، ولذلك يقال للجهلة والصغار: همج).اهـ

([223]) قال الإمام ابن قتيبة / في «أدب الكاتب» (ص193): (الغوغاء: صغار الجراد، ومنه يقال لعامة الناس: غوغاء). اهـ

([224]) أثر حسن.

     أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص49)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص79)، والشجري في «الأمالي» (ج1 ص66)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص11)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ق/150/1/ط)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج14 ص606)، والرافعي في «التدوين» (ج2 ص484).

     قال الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص50): هذا حديث حسن من أحسن الأحاديث معنى وأشرفها لفظا.

     وقال ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص112): وهو حديث مشهور عند أهل العلم.

([225]) انظر: «مفتاح دار السعادة» لابن القيم (ج1 ص144)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص49).

     قلت: فالفتن يتولاها الهمج الرعاع، وسمى داعيهم ناعقا تشبيها لهم بالأنعام التي ينعق بها الراعي، فتذهب معه أين ذهب!.

([226]) فإن الرجل إما أن يكون بصيرا، أو أعمى، والله المستعان.

([227]) انظر: «مفتاح دار السعادة» لابن القيم (ج1 ص144).

([228]) أثر حسن.

     أخرجه سعدان بن نصر في «جزئه» (140)، والحنائي في «الفوائد» (106)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص399)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج6 ص188)، والخطيب في «التطفيل» (ص64)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (145)، و(1874)، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص68)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (378)، ووكيع في «الزهد» (ج3 ص829)، وأبو خيثمة في «العلم» (1)، والطبراني في «المعجم الكبير» (8752)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص97)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص136)، وابن الجوزي في «صفة الصفوة» (ج1 ص421)، وأبو داود في «الزهد» (141).

     وإسناده حسن.

([229]) انظر: «اعتلال القلوب» للخرائطي (ج1 ص184).

([230]) انظر: «مفتاح دار السعادة» لابن القيم (ج1 ص144).

([231]) ولهذا يحتاج المجتمع المسلم دائما إلى الراسخين في العلم الذين يدفعون شبهات الزائغين من الخطباء وغيرهم.

([232]) يعني: هم الأرذلون يوم القيامة، لأنهم كانوا يعبدون الله تعالى على جهل في الدين، وهم العامة في المساجد تماما!.

([233]) حديث صحيح.

    أخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص358)، والطبري في «تهذيب الآثار» (ج1 ص397). بإسناد صحيح.

([234]) «مختصر منهاج القاصدين» له (ص106).

([235]) كالمبتدعة القصاص من أمثال: نبيل العوضي، ومحمد العريفي، وعائض القرني، وسلمان العودة، وعدنان عرعور، ويوسف القرضاوي، والمغامسي، وسليمان الجبيلان، وأبي زقم، وعبدالرحمن عبدالخالق، وغيرهم من المبتدعة القصاص.

([236]) «مختصر منهاج القاصدين» له (ص106).

([237]) معنى يبدون: أي يخرجون إلى البادية لطلب مواضع اللبن في المراعي.

     انظر: «الصحيحة» للشيخ الألباني (ج6 ص647).

([238]) فأهل الرأي سلكوا سبيل تأويل القرآن على غير ما أنزل الله تعالى، وسبيل هدم السنة، والتنكر لها، والعياذ بالله.

     وهناك جهود لأهل السنة كثيرة في الرد عليهم، وكشف فضائحهم وبواطيلهم، ولله الحمد والمنة.

([239]) أو نائبه في الشؤون الإسلامية، وعلى النائب لولي الأمر أن يعلم من يصلح للوعظ، والإرشاد، والخطابة، والإمامة فيأذن له، ولا يأذن لأي إنسان لذلك؛ إلا إذا علم أهليته في الشريعة من تمكنه من علم الكتاب والسنة عن طريق تزكيات علماء السنة له، أو مؤلفاته في السنة النبوية، أو دراسته على يد المشايخ الربانيين وغير ذلك.

     ولا يكفي في ذلك امتلاك الشخص مجرد شهادة جامعية، أو ماجستير، أو دكتوراه، لأن هذه الشهادة يملكها العالم، والجاهل سواء بسواء؛ كما بين ذلك العلماء، كـ (الشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ ناصر الدين الألباني، والشيخ صالح بن فوزان الفوزان) وغيرهم.

     ولذلك لا يجوز لنائب ولي الأمر منع من يصلح من أهل العلم للوعظ، والإرشاد، والخطابة من المتمكنين من علم الكتاب والسنة، والإذن لمن لا يصلح لذلك من المتعالمين، لأن ذلك من الظلم لنفسه، ولغيره من المسلمين في البلد من منع وصول العلم الشرعي لهم، والظلم ظلمات يوم القيامة.

([240]) قال الحافظ أبو حيان / في (البحر المحيط) (ج4 ص311): (والعجب لمثل هؤلاء: كيف ترتب لهم الرواتب؟!، وتبنى لهم الربط؟!، وتوقف عليهم الأوقاف؟!!!، ويخدمهم الناس مع غروهم عن سائر الفضائل).اهـ

     قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة، فهؤلاء القصاص الجهلة في زماننا يؤذن لهم للوعظ والخطابة والإمامة، ويأتي بهم لإلقاء المحاضرات، والدروس، وتصرف لهم الرواتب، وتصرف لهم الهدايا النقدية والعينية، ويمنع منها أهل العلم، وطلبة العلم، والله المستعان.

([241]) فالقاص المتعالم غير عالم بالأحاديث الصحيحة وعلومها، وهو أيضا غير بصير بالرأي السديد الموافق للكتاب والسنة، فهو لا يعلم إلا بالأحاديث الضعيفة والآراء المرجوحة!.

([242]) انظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص88).

([243]) وأما الرأي المذموم الذي لم تشهد له نصوص الكتاب والسنة بالقبول فيحرم الإفتاء به، لأنه لا يجوز الإفتاء في دين الله تعالى بالرأي المتضمن لمخالفة النصوص الشرعية، والله ولي التوفيق.

     وانظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص88).

([244]) أثر حسن.

     أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص202)، وفي «إبطال الحيل» (ص66).

     وإسناده حسن.

([245]) أثر صحيح.

      أخرجه أحمد في «الزهد» (ص146)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج7 ص277)، والخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (ص187)، وابن بطة في «إبطال الحيل» (ص80).

     وإسناده صحيح.

([246]) قال الإمام ابن المبارك: (ليكن الذي تعتمد عليه هو الأثر، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث).

     أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج8 ص165)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1050)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص268)، والبيهقي في «المدخل» (ص202)، ومحمد بن طاهر في «الحجة» (ج2 ص650)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص164). بإسناد صحيح.

([247]) انظر: «الفتح» لابن حجر (ج13 ص301).

([248]) لأن ممكن أن يأخذ هذه الشهادة في فترة وجيزة، فهل في هذه الفترة حصل على العلم الشرعي الذي به يستطيع أن يفتي الناس طبعا (لا)... علما بأن البعض يدفع أموالا ليحصل على الشهادة... ولذلك أكثر أصحاب هذه الشهادات جهال في دين الله تعالى ليسوا أهلا للفتوى، بل ممكن يأخذ هذه الشهادة أتفه الناس، اللهم سلم سلم.

     انظر: «ماذا ينقمون من الشيخ الألباني» (ص6).

([249]) وانظر: «صفة الفتوى» لابن حمدان (ص86)، و«أدب المفتي» لابن الصلاح (ص85).

([250]) قلت: وكم جاهل حصل على ما يسمى بـ«الدكتوراه»، و«الماجستير»، وينصب بها قاضيا، أو خطيبا، أو مدرسا أو مديرا في الجامعة، أو المدرسة، أو غير ذلك!، والله المستعان.

([251]) ولذلك يجب على المسلمين العمل على توفير العدد الكافي من المؤهلين للفتيا، واتخاذ الوسائل، وتهيئة السبل الموصلة إلى ذلك للفائدة في الدنيا والآخرة.

([252]) المرجع: «التواصل المرئي»؛ بصوت الشيخ ابن باز /، في سنة: «1435هـ»، وهو ينصح طلبة الجامعات الإسلامية في تعلم العقيدة الصحيحة.

([253]) ولذلك وإلى الآن لم يخرجوا  - يعني: دعاة الجهل طالب علم من أهل التمكن يرجع الناس إليه حقيقة في العلم.

     قلت: لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

([254]) أثر حسن.

     أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص442). بإسناد حسن.

([255]) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص166).

([256]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1225). بإسناد صحيح.

([257]) قال ابن الجوزي / في «تلبيس إبليس» (ص81): (واعلم أن عموم أصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص فيتبعون قوله من غير تدبر بما قال، وهذا عين الضلال، لأن النظر ينبغي أن يكون إلى القول، لا إلى القائل). اهـ

([258]) وقد أوضحت ذلك في كتابي «الجوهر الفريد في نهي الأئمة الأربعة عن التقليد» ولله الحمد والمنة.

([259]) افهم أيها المقلد هذا الكلام جيدا اللهم سلم سلم.

([260]) انظر: «هدية السلطان» للمعصومي (ص58).

([261]) ولذلك لا تغتر بالذين يفتون في التلفاز، أو الجرائد، أو الصحف، فإن أكثرهم من الجهال، وإن أطلق عليهم بالشيوخ، أو العلماء، أو المفكرين، فإن هؤلاء أبعد الناس من المشيخة، والعلم، والفكر السليم... والإطلاق على هؤلاء بالشيوخ، أو العلماء إنما هذا الإطلاق أشبه بالصوري الشكلي، والله المستعان.

([262]) «والاجتهاد والتقليد» (ص47).

      قلت: وهؤلاء عرفوا الطريق الموصل إلى المناصب... فيذهب مثلا إلى المغرب وغيرها... ثم يأتي بالشهادة الأكاديمية!... ثم ينصب قاضيا، أو مديرا، أو خطيبا، أو غير ذلك، والله المستعان.

([263]) كـ«الذين يخرجون مسيرات في الشوارع مع الفساق، والنساء من أجل المقاطعة وغيرها زعموا»؛ فهؤلاء وإن نسبوا إلى العلم فنسبتهم صورية شكلية لا أثر لها في الحقيقة، لأن أهل العلم عليهم وقار، وسمت لا يخرجون في الشوارع هكذا ويمنعهم علمهم وحياؤهم من هذا الفعل المنحط.

([264]) «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص140).

([265]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (100)، ومسلم في «صحيحه» (2673).

([266]) الرويبضة: يقصد بذلك الرجل المتعالم الجاهل الذي يتكلم في الدين بلا علم.

     وانظر «التعالم» للشيخ بكر بن عبدالله (ص6).

([267]) حديث حسن.

     أخرجه ابن ماجه في «سننه» (ج2 ص339)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص238)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص465).

([268]) وهم دعاة العقل، والفكر الفاسد الذين يزعمون بفقه التجديد، والعصر المناسب، والله المستعان.

([269]) قلت: لا يحسن إلا اختلف العلماء على قولين!... فلا يحسن مناقشة الأقوال، وذكر الأدلة في تبيين الراجح من المرجوح في اختلاف العلماء في الأحكام، ورد هذا التنازع إلى هذا كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r ليستخرج من هذا النزاع القول الراجح الذي هو حكم الله تعالى، وحكم رسوله r، والله المستعان.

([270]) انظر: «المظهرية الجوفاء» للعوايشة (ص82).

([271]) انظر: «المصدر السابق» (ص83).

([272]) انظر: «الحث عل طلب العلم» للعسكري (ص47).

([273]) انظر: «المظهرية الجوفاء» للعوايشة (ص83).

([274]) أثر صحيح.

     أخرجه أحمد في «الزهد» (2019)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (ج1 ص103)، والسلفي في «المشيخة البغدادية».

     وإسناده صحيح.

([275]) قلت: فتأمل هذا الورع، والله المستعان.

([276]) يعني: الجهلة السفلة الذين يفتون الناس بالرأي المذموم.

([277]) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص16).

([278]) وهؤلاء الخطباء هم أهل الدنيا كـ«السياسيين»، وغيرهم؛ ممن كانوا يأمرون الناس بالبر، وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب والسنة، ولا يعقلون ما يقولون، والعياذ بالله.

     وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج1 ص149).

([279]) فكيف يليق بكم يا معشر الخطباء، وأنتم تأمرون الناس بالبر أن تنسوا أنفسكم فلا تأتمروا بما تأمرون الناس به، وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب والسنة، وتعلمون ما فيهما على من قصر في أوامر الله، أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم فتنتهوا من رقدتكم وتتبصروا من عمايتكم.

     وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج2 ص336).

([280]) انظر: «تحذير السالكين من أصناف المغترين» لأبي أنس السيد (ص37).

([281]) انظر: «تحذير السالكين من أصناف المغترين» لأبي أنس السيد (ص39).

([282]) قلت: فالفتيا بغير علم من أشد المحرمات.

     وانظر: «الفوائد» لابن القيم (ص98)، و«إغاثة اللهفان»، له (ج1 ص158)، و«بدائع الفوائد» له أيضا (ج3 ص275).

([283]) والمتكلف: الذي يتكلم بكلام لا يعنيه، كـ«القاص» وغيره.

     انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص240).

     فعن عمر بن الخطاب t قال: (نهينا عن التكلف).

     أخرجه البخاري في «صحيحه» (7293).

     قال الإمام البخاري في «صحيحه» (ج13 ص264) باب ما يكره من كثرة السؤال، ومن تكلف ما لا يعنيه.

([284]) قلت: وهذا في زمان الإمام ابن بطة /، فماذا يقال عن القصاص في زماننا الذين يتزعمون الوعظ، والإرشاد من شيوخ الحزبيين وغيرهم، فيلازمهم المغرورون بهم عمرا طويلا، ثم لا يستفيدون منهم فقها، ولا علما، وكل ما يقطفونه من هذه الملازمة، الحكايات المنكرة والأحاديث الضعيفة، والفقه المخلط، والفتاوى الباطلة، والله المستعان.

([285]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص194)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص208) من حديث ابن عمرو t.

([286]) أثر صحيح.

      أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1123 و1124)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص272)، وابن بطة في «الحيل» (ص128)، وأبو خيثمة في «العلم» (111)، والطبراني في «المعجم الكبير) (ج9 ص188)، والهروي في «ذم الكلام وأهله» (ج2 ص217)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه». بإسناد صحيح.

([287]) أثر حسن.

     أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1125). بإسناد حسن.

([288]) انظر: «خطر الإفتاء بغير علم» إعداد القرشي (ص5).

([289]) انظر: «خطر الإفتاء بغير علم» إعداد القرشي (ص9).

([290]) انظر: «خطر الإفتاء بغير علم» إعداد القرشي (ص10).

([291]) انظر: «خطر الإفتاء بغير علم» إعداد القرشي (ص10).

([292]) انظر: «خطر الإفتاء بغير علم» إعداد القرشي (ص26).

([293]) أثر صحيح.                                

     أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص29)، وابن الجوزي في «تعظيم الفتيا» (19). بإسناد صحيح.

([294]) أثر صحيح.

     أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص460)، والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص194)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص250)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص177). بإسناد صحيح.

     وذكره السخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص269).

([295]) قلت: وكم جاهل حصل على ما يسمى بـ«الدكتوراه»، و«الماجستير»، وينصب بها قاضيا، أو خطيبا، أو مدرسا أو مديرا في الجامعة، أو المدرسة، أو غير ذلك!!! والله المستعان.

([296]) فافهم أيها الحزبي.

([297]) أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (132)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص191) عن عمر بن عبدالعزيز / قال: (من عمل في علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح).

     وأخرجه والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص19)، والآجري في «فرض طلب العلم» (30)، والأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (2151) عن ابن سيرين / قال: (إن أقواما تركوا العلم، ومجالسة العلماء، وأخذوا محاريب؛ فصلوا، وصاموا حتى يبس جلد أحدهم على عظمه، وخالفوا السنة، فهلكوا، ألا والله الذي لا إله غيره ما عمل عامل قط على جهل إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح).

([298]) هذه نتائج دعوتكم أيها الحزبية، والله المستعان.

([299]) ولذلك وإلى الآن لم يخرجوا  - يعني: دعاة الجهل طالب علم من أهل التمكن يرجع الناس إليه حقيقة في العلم.

     قلت: لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

([300]) أثر حسن.

     أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص442). بإسناد حسن.

([301]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص620)، والخطيب في «الجامع» (ج1 ص206).

     بإسناد صحيح.

([302]) قلت: فعلماء السوء شرهم على الناس أعظم من شر اليهود والنصارى، والعياذ بالله.

([303]) أثر صحيح.

     أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص248). بإسناد صحيح.

([304]) أثر صحيح.

     أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص460)، وأبو خيثمة في «العلم» (38). بإسناد صحيح.

([305]) أثر صحيح.

     أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص79). بإسناد حسن.

([306]) الدغل: هو الفساد.

     انظر: «النهاية» لابن الأثير (ج2 ص123).

([307]) أثر حسن.

     أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1054). بإسناد حسن.

([308]) انظر: «فيض القدير» للمناوي (ج3 ص133)، و«تحفة الأحوذي» للمباركفوري (ج6 ص439).

([309]) «شرح حديث: ما ذئبان جائعان...» (ص48 و53)، ط. الدار السلفية، الكويت، ط. الثانية.

([310]) انظر: شرح حديث: «ما ذئبان جائعان...» لابن رجب (ص10 و11)، ط. الدار السلفية، الكويت، ط. الثانية.

([311]) انظر: شرح حديث: «ما ذئبان جائعان...» لابن رجب (ص15)، ط. الدار السلفية، الكويت، ط. الثانية.

([312]) انظر: «المصدر السابق» (ص20).

     قلت: وهذا بالنسبة للمسلم ضعيف الإيمان، فلا يبقى منه إلا القليل، وقد بينت ذلك في كتابي (القناعة)، ولله الحمد والمنة.

([313]) انظر: «المصدر السابق» (ص20)

([314]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج11 ص517)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1473).

([315]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص125)، وأحمد في «المسند» (ج13 ص448).

([316]) انظر: «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» (ج13 ص125).

([317]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1457).

([318]) «شرح صحيح مسلم» (ج12 ص210).

([319]) «شرح رياض الصالحين» (ج7 ص10).

([320]) «خطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول» (ص94).

([321]) انظر: شرح حديث: «ما ذئبان جائعان...» (ص14).

([322]) أثر حسن.

أخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (ص24)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص364) من طريق علي بن مسلم نا سيار بن حاتم نا جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك به.

     قلت: وهذا سنده حسن.

([323]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص125)، ومسلم في «صحيحة» (ج3 ص1456).

([324]) انظر: شرح حديث: «ما ذئبان جائعان...» (ص23).

([325]) «شرح صحيح مسلم» (ج12 ص207).

([326]) انظر: شرح حديث «ما ذئبان جائعان...» (ص57).

([327]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1514)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص322)، والبخاري في «خلق أفعال العباد» (ص104)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص419).

([328]) انظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج13 ص50).

([329]) انظر: «ذم الدنيا» لابن أبي الدنيا (ص12).

     قلت: يا عجبا كل العجب للمؤمن بدار الخلود، وهو يسعى لدار الغرور، نعوذ بالله من الخذلان.

([330]) أثر حسن.

     أخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (ص23).

     وإسناده حسن.

([331]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (484)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج5 ص224)، وابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (ص25).

     وإسناده صحيح.

([332]) أثر صحيح.

     أخرجه السلمي في «طبقات الصوفية» (ص13)، وابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (ص306)، وابن الأعرابي في «الزهد» (ص6)، وابن حمكان في «الفوائد والأخبار» (ص156)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج48 ص1413)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ح8 ص91)، والبيهقي في «الزهد» (ص133).

     وإسناده صحيح.

([333]) يعني: بالعمل الصالح، والعلم النافع.

([334]) أثر حسن.

     أخرجه ابن حمكان في «الفوائد والأخبار» (ص147)، وابن الجوزي في «صفة الصفوة» (ج2 ص76).

     وإسناده حسن.

([335]) أثر حسن.

     أخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (ص106)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص282)، وابن الجوزي في «صفة الصفوة» (ج4 ص271).

     وإسناده حسن.

([336]) أثر حسن.

     أخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (ص141)، وابن المبارك في «الزهد» (628).

     إسناده حسن.

([337]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص258)، ومسلم في «صحيحه» (1052).

([338]) انظر: «أدب الإملاء والاستملاء» للسمعاني (ج2 ص401).

([339]) أثر صحيح.

     أخرجه السلفي في «المشيخة البغدادية» (ج1 ص430).

     وإسناده صحيح.

([340]) أثر حسن.

     أخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (ص106)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص272)، وابن الجوزي في «صفة الصفوة» (ج4 ص271).

     وإسناده حسن.

([341]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص112)، ومسلم في «صحيحه» (ج18 ص95)، والترمذي في «سننه» (2580)، وابن ماجه في «سننه» (3997)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص137)، وابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (ص79).

([342]) أثر صحيح.

     أخرجه السلمي في «طبقات الصوفية» (ص13)، ابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (306)، وابن الأعرابي في «الزهد» (61)، وابن حمكان في «الفوائد والأخبار» (ص156)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج48 ص413)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص91)، والبيهقي في «الزهد» (ص133).

     وإسناده صحيح.

([343]) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج6 ص82)، و«كواكب الدراري» للكرماني (ج12 ص156)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج6 ص417).

([344]) وانظر: «نزهة المتقين» (ج1 ص418)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج6 ص417).

([345]) أثر حسن.

     أخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (ص59).

     وإسناده حسن.

([346]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج17 ص55)، والترمذي في «سننه» (2286)، وابن ماجه في «سننه» (4000)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص19)، وابن خزيمة في «صحيحه» (1699)، وابن الأعرابي في «الزهد» (ص48)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج5 ص191)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص91)، وابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (ص29).

([347]) أثر حسن.

     أخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (ص47)، وابن المبارك في «الزهد» (535)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج2 ص153).

     وإسناده حسن.

([348]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج13 ص339)، و(ج5 ص364)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج3 ص198 و212)، و«الاشباه والنظائر» لابن السبكي (ج2 ص136)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج3 ص250)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج2 ص163)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص232)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج1 ص85)، و«العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج2 ص608)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج3 ص189)، و«جامع البيان» للطبري (ج2 ص313)، و«القواعد الحسان» للسعدي (ص3).

([349]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص12)، ومسلم في «صحيحه» (39).

([350]) قلت: وهناك آيات كثيرة يستدل بها على الأحزاب من «الإخوانية»، و«التراثية»، و«الصوفية»، و«القطبية»، و«السرورية»، و«الداعشية»، و«الربيعية»، و«الأشعرية»، و«التبليغية»، و«اللادنية»، وغيرهم.

([351]) وانظر: «أسباب النزول» للواحدي (ص53)، و«قواعد الترجيح عند المفسرين» للحربي (ص183)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج2 ص163)، و«المحصول» للرازي (ج1 ص189)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج3 ص380)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص232).

([352]) وانظر: «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج1 ص85)، و«جامع البيان» للطبري (ج1 ص116)، و«العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج2 ص608)، و«شرح الكوكب المنير» لأبن النجار (ج3 ص179)، و«المحصول» للرازي (ج1 ص189)، و«المحرر الوجيز» لابن عطية (ج2 ص343)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج13 ص339)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج5 ص78)، و(ج6 ص313)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج2 ص162).

([353]) أثر حسن.

     أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج1 ص116)، وابن أبي حاتم الرازي في «تفسيره» (ج1 ص42)، وابن إسحاق في «السيرة النبوية» (ج1 ص531).

     وإسناده حسن.

     وذكره الدكتور حكمت بن بشير في «التفسير الصحيح» (ج1 ص97).

     وحسنه.

     وأورده السيوطي في «الدر المنثور» (ج1 ص156).

([354]) وانظر: «العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج2 ص611)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج2 ص164)، «والأشباه والنظائر» لابن السبكي (ج2 ص134)، و«شرح الكوكب المنير» لأبن النجار (ج3 ص180)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص232)، و«جامع البيان» للطبري (ج18 ص105)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج1 ص113 و136)، و(ج2 ص104 و109)، و«المحرر الوجيز» لابن عطية (ج11 ص487)، و«البرهان في علوم القرآن» للزركشي (ج1 ص32)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج12 ص25).

([355]) قلت: فيدخل فيها كل الحزبيين الذين سيطروا على المساجد عن طريق بنائها لجمعياتهم، بل عن طريق سيطرتهم على «الشؤون الدينية»، و«إدارة الأوقاف»، في العالم الإسلامي فهم الذين يمنعون طلبة العلم من الخطابة، والتدريس، والإمامة في المساجد، كأن المساجد خاصة لجمعياتهم الحزبية ليست للمسلمين، نعوذ بالله من الخذلان.

([356]) وانظر: «قواعد الترجيح عن المفسرين» للحربي (ج2 ص188)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج3 ص619)، و(ج4 ص86 و125 و134)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج1 ص301)، و(ج4 ص17)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج17 ص133)، و«مفاتيح الغيب» للرازي (ج6 ص57)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج6 ص32).

([357]) قلت: فلا يقصر الاستدلال بالقرآن على اليهود، أو النصارى، أو المشركين، بل يدخل فيه كل من اتصف بصفات سيئة، وتشبه بهم من المسلمين في بعض الصفات، والعياذ بالله.

     قلت: فلا يقال أن هذه الآيات للكافرين، وهذه الآيات للمسلمين!.

([358]) قلت: فلا يكون القرآن للأمور السابقة، أو الأمور اللاحقة، بل أجزم بحزم لا شك فيه أنه على الجميع إلى قيام الساعة.

([359]) أي: بلا حجة توجب هذا القبول، وعلى هذا فكل ما أوجبت الحجة قبوله ليس تقليدا.

([360]) آية المائدة المشار إليها هي قوله تعالى: ]وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون[ [المائدة:104].

([361]) آية لقمان المشار إليها هي قوله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير[ [لقمان:21].

([362]) انظر: «جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج2 ص143).

([363]) حديث حسن لغيره.

     أخرجه الترمذي في «سننه» (ج5 ص287)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج7 ص106)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص116)، وغيرهم عن عدي بن حاتم t مرفوعا.

     وأخرجه عبدالرزاق في «تفسيره» (ج2 ص272)، وسعيد بن منصور في «تفسيره» (ج5 ص245)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (ج6 ص145) وغيرهم عن حذيفة t موقوفا.

([364]) حديث حسن لغيره.

     سبق تخريجه.

([365]) قلت: فليس المحارب فقط من كان يتعدى من الخارج، بل يعتبر محاربا من تعدى أيضا على الناس في الداخل، كالرافضة، والخوارج، والحزبية، وغيرهم.

      قلت: بل هم: اللصوص المجاهرون بلصوصيتهم، بل هم: المكابرون المفسدون، فيجب قتالهم، وقمعهم في الوطن، لأنهم في حكم المحاربين المفسدين الذين يحاربون الإسلام باسم الإسلام؟!، ويحاربون الدين باسم الدين؟!، ويحاربون السنة باسم السنة؟!، ويحاربون السلفية باسم السلفية؟!

      قال تعالى: ]أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض[ [المائدة: 33].

([366]) أثر صحيح.

     أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج6 ص117)، و(ج10 ص108)؛ باب: المحاربة، وفي «تفسيره» (ج1 ص188)، والطبري في «جامع البيان» (ج5 ص210).

     وإسناده صحيح.

([367]) عكل: قبيلة.

     انظر: «معجم البلدان» للحموي (ج3 ص706).

([368]) أي: أصابهم الجوى؛ وهو المرض، وداء الجوف إذا تطاول، وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها.

     انظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج1 ص318).

([369]) والقافة: جمع قائف؛ وهو الذي يعرف الآثار، والطرق.

     انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج6 ص3708).

([370]) أي فقأ أعينهم بحديدة محماة، أو غيرها، ولم يقطع عنهم الدم بالكي.

     انظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج1 ص386)، و(ج2 ص403).

([371]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (233)، و(3018)، ومسلم في «صحيحه» (1671)، وأبو داود في «سننه» (4364)، و(4366)، والترمذي في «سننه» (72)، و(1845)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11143)، وابن ماجه في «سننه» (2578)، وعبد الرزاق في «المصنف» (17132)، وأحمد في «المسند» (ج20 ص85 و267 و341)، والنحاس في «ناسخه» (ص383)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج4 ص86)، وفي «السنن الكبرى» (ج8 ص62)، والطبري في «جامع البيان» (ج8 ص365).

([372]) وانظر: «أحكام القرآن» للجصاص (ج2 ص513).

([373]) قلت: ومراد الله تعالى بذكر المتشابه في القرآن لابتلاء الناس، وامتحانهم في إيمانهم، ليتميز بذلك الصادق المتبع أمر الله تعالى، فيلزم المحكم، من المضاد لأمر الله تعالى المتبع للمتشابه ابتغاء الفتنة في الناس، لينصر أقواله الباطلة في الدين، ويظهر نفسه على الحق أمامهم.

([374]) وانظر: «العجاب في بيان الأسباب» لابن حجر (ج1 ص74)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج1 ص50)، و«جامع البيان» للطبري (ج1 ص159)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج1 ص31)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج1 ص49)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج1 ص51).

([375]) «جامع المسائل» (ص288) المجموعة الأولى.

([376]) انظر: «التحبير لقواعد التفسير» للدكتور حمد العثمان (ص37).

([377]) انظر: «مختصر منهاج القاصدين» للمقدسي (ص421).

([378]) فيحسنون الكلام... ويسحرون عقول الناس ببيانهم و(وإن من البيان لسحرا)... وينشرون القصص، والأحاديث الضعيفة... ويفرقون بين المسلمين... ويحرضون المسلمين على حكامهم... ويعتمدون في مواعظهم على علمهم الضعيف، والله المستعان.

     قال أبو حيان / في «البحر المحيط» (ج4 ص400): (وقد ظهر في هذا الزمان العجيب ناس يتسمون بالمشايخ يلبسون ثياب شهرة يوصفون عند العامة بالصلاح، ويتركون الاكتساب، ويرتبون لهم أذكارا لم ترد في الشريعة يجهرون بها في المساجد). اهـ

([379]) أثر صحيح.

     أخرجه الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (ص141).

     وإسناده صحيح.

([380]) حديث حسن.

     أخرجه الترمذي في «سننه» (3095)، والطبري في «جامع البيان» (ج10 ص114)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص92)، والواحدي في «الوسيط» (ج2 ص490)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص218). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

     وللحديث شاهد عن حذيفة بن اليمان t موقوفا.

     أخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج5 ص245)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص116)، والطبري في «جامع البيان» (ج14 ص211)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (ج6 ص1784).

([381]) الطنبدي: بطاء مهملة مضمومة بعدها بون ساكنة ثم باء معجمة بنقطة واحدة، وذال معجمة.

     وهو منسوب إلى طنبد، قرية من قرى مصر كما قال الجياني في «تقييد المهمل وتمييز المشكل» (ج2 ص337)، كذا قال السمعاني في «الأنساب» (ج4 ص75)، وزاد: من البهنا، وهي من الطبارحيات.

     ولكن ضبطها ياقوت في «(معجم البلدان» (ج4 ص12) بخلاف ذلك فقال: (طنبذة: ثانية ساكن، والباء مفتوحة، وآخره ذال معجمة...).

([382]) قلت: وهذا الحديث فيه التشديد في الكذب والخيانة، والعياذ بالله.

([383]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (34)، ومسلم في «صحيحه» () من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما.

     قلت: والمراد نفاق العمل؛ لا نفاق الكفر.

     انظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج1 ص203).

([384]) وانظر: «الإحسان» لابن بلبان (ج1 ص490)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج2 ص235»، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص111).

([385]) أخرجه من حديث أنس t، البخاري في «صحيحه» (ج1 ص95 و96) في الإيمان: باب زيادة الإيمان ونقصانه، و(ج13 ص395) في التوحيد: باب كلام الرب تعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، ومسلم في «صحيحه» (193)، و(325)، و(326) في الإيمان: باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

([386]) يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية /، وكتابه الذي أشار إليه هو «منهاج السنة»، ومختصره الذي اختصره الذهبي أسماه: «المنتقى من منهاج الاعتدال»، وقد طبع بتحقيق محب الدين الخطيب.

([387]) أثر صحيح.

     أخرجه الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (ص71).

     وإسناده صحيح.

([388]) أثر حسن.

     أخرجه أبو الشيخ في «تفسير القرآن» (ج7 ص459- الدر المنثور).

     وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج7 ص459).

([389]) أثر صحيح.

     أخرجه السمعاني في «أدب الإملاء والاستملاء» (106).

     وإسناده صحيح.

([390]) أثر حسن.

     أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص192)، وأبو الشيخ في «تفسير القرآن» (ج7 ص458- الدر المنثور).

     وإسناده حسن.

     وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج7 ص458).

([391]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج10 ص507)، ومسلم في «صحيحه» (2607)، وأبو داود في «سننه» (4989)، والترمذي في «سننه» (1971)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص384) وابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص234)، والبغوي في «شرح السنة» (ج13 ص152)، وابن حبان في «صحيحه» (272)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص195) من طريق شقيق بن عبدالله عن عبدالله بن مسعود t به.

([392]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص234)، والخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (ص75).

     وإسناده صحيح.

     وذكره الزبيدي في «إتحاف السادة» (ج7 ص519).

([393]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج10 ص507).

([394]) أثر صحيح.

     أخرجه السلفي في «المجالس الخمسة» (ص89)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ص250).

     وإسناده صحيح.

     وذكره المزي في «تهذيب الكمال» (ج14 ص464)، والذهبي في «السير» (ج9 ص349).

([395]) أثر حسن.

     أخرجه السلفي في «المشيخة البغدادية» (ج2 ص159).

     وإسناده حسن

([396]) أثر حسن.

     أخرجه أبو عبدالرحمن السلمي في «طبقات الصوفية» (ص349)، والسلفي في «المجالس الخمسة» (ص88.

     وإسناده حسن.

([397]) أثر صحيح.

     أخرجه أبو داود في «سننه» (2197)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج5 ص11)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج6 ص266)، وسعيد بن منصور في «السنن» (ج1 ص262)، والدارقطني في «السنن» (ج4 ص12)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص337)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج3 ص57)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج11 ص486)، وابن بطة في «إبطال الحيل» (ص106).

     وإسناده صحيح، وقد صححه ابن حجر في «فتح الباري» (ج9 ص362).

([398]) أثر حسن.

     أخرجه ابن البناء في «الرسالة المغنية في السكوت ولزوم البيوت» (ص62).

     وإسناده حسن

([399]) أثر حسن.

     أخرجه ابن البناء في «الرسالة المغنية» (ص62)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (103).

     وإسناده حسن.

([400]) وكذلك هؤلاء لضعفهم في الدين يفتتنون بإكرام الحكام لهم، اللهم غفرا.

     وكان السلف يخافون ذلك: عن علي بن عثام يقول: قال سفيان الثوري: (أتروني أخاف أن يضربوني إن أتيتهم، ولكني أخاف أن يكرموني فيفتنوني).

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص51)، بإسناد حسن. وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج7 ص40) من وجه آخر.

([401]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص170) من طريق أبي نعيم حدثنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه به.

([402]) وهذا الأمر عليه دعاة السياسة من الذين تشبهوا بالشيوخ وليسوا منهم؛ فإنهم إذا دخلوا على المسؤولين مدحوهم وأثنوا عليهم، وإذا خرجوا من عندهم تناولوهم بالطعن، والمكر، والسب.

     قلت: فإن هذا هو النفاق، والعياذ بالله.

([403]) حديث صحيح.

     أخرجه الفريابي في «صفة المنافق» (ص66)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص374)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص105)، وأبو نعيم في «صفة النفاق ونعت المنافقين» (ص126)، وابن عساكر في «ذم ذي الوجهين واللسانين» (ص15) من طريق الأعمش عن إبراهيم عن أبي الشعثاء به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([404]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج10 ص474)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1958)، وأبو نعيم في «صفة النفاق ونعت المنافقين» (ص156)، وابن عساكر في «ذم ذي الوجهين واللسانين» (ص34) من طرقعن أبي هريرة به.

([405]) انظر: «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» (لابن حجر (ج10 ص475).

([406]) أثر صحيح.

     أخرجه أحمد في «الزهد» (ص233)، وهناد في «الزهد» (ج2 ص541)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص108) بإسناد صحيح.

([407]) أثر حسن.

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج16 ص450)، والمروذي في «أخبار الشيوخ» (ص128)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج6 ص387)، بإسناد حسن.

([408]) أثر حسن.                                                                              

     أخرجه المروذي في «أخبار الشيوخ» (ص155) بإسناد حسن.

([409]) أثر صحيح.                                                                           

     أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج6 ص88)، والمروذي في «أخبار الشيوخ» (ص47) بإسناد صحيح.

     وذكره الذهبي في «السير» (ج4 ص58).

([410]) وانظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج3 ص458 و459).

([411]) أثر صحيح.                                                                           

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج12 ص375) من طريق هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا ابن جابر حدثني محمد بن أبي عائشة به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([412]) أثر صحيح.                                                                           

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج12 ص375)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج10 ص119)  من طريق جعفر بن محمد حدثني الجنيد بن محمد قال: سمعت السري بن مغلس به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([413]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج11 ص51)، وابن حبان في «صحيحه» (ج8 ص300)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص193) من طريقين عن قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي به.

([414]) كـ(القصاصين، والمتعالمين، والحزبيين) وغيرهم.

([415]) «شرح السنة» (ج14 ص393).

([416]) أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص194)، والفريابي في «صفة المنافق» (ص56)، وأبو نعيم في «صفة النفاق، ونعت المنافقين» (ص167) من طريق عبد الرحمن بن شريح المعافري حدثني شراحيل بن يزيد عن محمد بن هدية عن عبد الله بن عمرو بن العاص به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([417]) «فيض القدير شرح الجامع الصغير» (ج2 ص80).

([418]) انظر: «الإيمان» لابن تيمية (ص409)، و«عقيدة التوحيد» للشيخ الفوزان (ص106 و109).

([419]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص699) من طريق أحمد بن أبي سريج، قال: أنا يزيد بن هارون، قال: نا أبو الأشهب، عن الحسن به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([420]) قوله: «نفاق دون نفاق»، فهذا نفاق عمل قد يجتمع مع أصل الإيمان لكن إذا استحكم وكمل، فقد ينسلخ صاحبه عن الإسلام بالكلية، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، اللهم غفرا.

     لأن منهم من قد غمر قلبه الشهوات، والذنوب فلا يحس بها إلا إذا أخلص في الدين، فإما أن يصير مؤمنا، وإما أن يصير منافقا، والله المستعان.

     والمراد بإطلاق النفاق: الإنذار، والتخويف عن ارتكاب هذه الخصال الخبيثة.

([421]) والنفاق العملي: هو عمل شيء من أعمال المنافقين مع بقاء الإيمان في القلب، وهذا لا يخرج من الملة، لكنه وسيلة إلى ذلك، وصاحبه يكون فيه إيمان ونفاق، وإذا كثر صار بسببه منافقا خالصا، كما جاء في الحديث السابق.

([422]) والنفاق الاعتقادي: هو النفاق الأكبر الذي يظهر صاحبه الإسلام، ويبطن الكفر، وهذا النوع مخرج من الدين بالكلية، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار، والعياذ بالله.

     انظر: «عقيدة التوحيد» للشيخ صالح الفوزان (ص106).

([423]) «وجوب التثبت في الأخبار واحترام العلماء» (ص50).

([424]) أثر صحيح.

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج12 ص263) من طريق جعفر بن محمد حدثني الجنيد بن محمد قال: سمعت السري بن المغلس به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([425]) أثر صحيح.                                                                           

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج12 ص268)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج7 ص54) من طريقين عن سفيان به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([426]) أثر صحيح.

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج12 ص266) من طريق جعفر بن محمد حدثني الجنيد بن محمد قال: سمعت السري بن المغلس به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([427]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج15 ص109)، وأبو نعيم في «صفة النفاق ونعت المنافقين» (ص136) من طريق شعبة عن سليمان الأعمش قال سمعت أبا وائل يحدث عن حذيفة به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([428]) أثر صحيح.

     أخرجه أبو نعيم في «صفة النفاق ونعت المنافقين» (ص136)، والخطيب في «الموضح» (ج2 ص504)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص691) من طريق أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش عن شقيق بن سلمة قال: قال حذيفة به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([429]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص69)، أبو نعيم في «صفة النفاق ونعت المنافقين» (ص137)، والنسائي في «السنن الكبرى)( (ج6 ص491) من طريق مالك بن مغول عن واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة به.

([430]) الختر: هو الغدر والخديعة.

     انظر: «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص489).

([431]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص289)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص78)، والفريابي في «صفة النفاق» (ص56)، وأبو نعيم في «صفة النفاق ونعت المنافقين» (ص69) من عدة طرق عن أبي هريرة به t به.

([432]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص78)، وأبو نعيم في «صفة النفاق ونعت المنافقين» (ص80) من طريق عبدالله بن مرة عن مسروق عن عبدالله بن عمرو t به.

([433]) انظر: «صفة النفاق ونعت المنافقين» لأبي نعيم (ص31).

([434]) أخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا (ج1 ص26)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج2 ص52)، والخلال في «السنة» (ج3 ص607)، وحرب الكرماني في «المسائل» (ص375).

([435]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج11 ص329)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص157).

([436]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1514)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص322)، والبخاري في «خلق أفعال العباد» (ص104)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص419).

([437]) انظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج13 ص50).

([438]) وانظر: «معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج6 ص308)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج2 ص1246 و1247)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص202).

([439]) يعني: صاحب المنكر؛ لأنه قد ركب هواه، واستمر في ذلك، فإذا أراد أن ينكر عليه خاف على نفسه المنكر، أو على دعوته الصحيحة... أو خاف أن لا يقبل منه صاحب المنكر فينفر عنه، ولا ينجح فيه، فيزيد في المنكر والفساد، لأن النفس لجوجة، وليس كل وقت تقبل الموعظة... فيصبر عليه في وقت يقبل منه... والله ولي التوفيق.

([440]) قلت: ومداراة أهل العلم للحكام لم يدركها دعاة السياسة، فنالوا منهم بسبب جهلهم بالدين ومقاصده، فيرى هؤلاء بزعمهم بأن أهل العلم ساكتون عن بعض المحرمات في الحاكم... وهم قد نصحوه سرا، ولم يعلنوا ذلك، بل لكونهم قد اندفعوا بسعيهم مع الحاكم إلى ما هو أعظم منه، ورأوا بأنه لا يتم لهم ذلك إلا بعدم التشدد فيما هو دونه للمصلحة الشرعية، فافهم هذا ترشد.

([441]) انظر: «معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج2 ص1247).

([442]) وهل القاص إلا أنه ضال، ومغضوب عليه، تتجارى به الأهواء من ضلالة إلى آخرى، اللهم غفرا.

([443]) انظر: «تاريخ بغداد» للخطيب (ج4 ص358)، و«السير» للذهبي (ج15 ص545).

([444]) انظر «المصدر السابق».

([445]) انظر: «السير» له (ج15 ص546).

     أخمله العجب: أي؛ أخفاه فلم يعرف، ولم يذكره، اللهم غفرا.

([446]) قلت: وهل هذا القاص إلا كذلك؟!.

([447]) انظر: «روضة العقلاء ونزهة الفضلاء» لابن حبان (ص90 و91)، و«طرح التثريب في شرح التقريب» للعراقي (ج8 ص167)، و«إتحاف الطلاب بشرح منظومة الآداب» للشيخ الفوزان (ص943)، و«مفيد العلوم ومبيد الهموم» للقزويني (ص188)، و«عيون الأخبار» لابن قتيبة (ج1 ص269)، و«فيض القدير» للمناوي (ج5 ص467)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج4 ص497)، و«الكبائر» للذهبي (ص54)، و«إحياء علوم الدين» للغزالي (ج3 ص370)، و«موسوعة نظرة النعيم» (ج11 ص5358)، و«جامع بيان العلم» لابن عبدالبر (ج1 ص568).

([448]) قلت: والاولى لمن لم يتفرغ لاستغراق العمر في العلم الشرعي عند المشايخ الكبار من أهل السنة في المساجد أن لا يخوض في أصول الدين وفروعه، ولكن يقف عنه حده، ويلزم منهج علماء السنة والأثر الكبار منهم والصغار، وهذا من التواضع في الدين، وإلا هلك مع الهالكين، والعياذ بالله.

     قال ابن قدامة / في «المختصر» (ص257): (فمتى خاض في المذاهب، ورام ما لا يصل إلى معرفته هلك!). اهـ

([449]) «مختصر منهاج القاصدين» له (ص256).

([450]) فعلاقة العجب بالكبر واضحة.

([451]) انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج4 ص2812)، و«المفردات» للراغب (ص547)، و«طرح التثريب في شرح التقريب» للعراقي (ج8 ص167)، و«شرح الأربعين النووية» للنووي (ص11)، و«الأذكار» له (ص513)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج10 ص277)، و«إحياء علوم الدين» للغزالي (ج3 ص370)، و«روضة العقلاء ونزهة الفضلاء» لابن حبان (ص90 و91)، و«موسوعة نظرة النعيم» (ج11 ص5356)، و«غذاء الألباب شرح منظومة الآداب» للسفاريني (ج2 ص225)، و«مفيد العلوم ومبيد الهموم» للقزويني (ص188)، و«عيون الأخبار» لابن قتيبة (ج1 ص269).

([452]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (91) من حديث ابن مسعود t.

([453]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (91).

([454]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن حمكان في «الفوائد والأخبار» (ص140).

     وإسناده صحيح.

([455]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن حمكان في «الفوائد والأخبار» (ص141)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج7 ص276)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص510)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج51 ص409)، والبيهقي في «مناقب الشافعي» (ج1 ص282).

     وإسناده صحيح.

([456]) أثر حسن.

     أخرجه ابن حبان في «روضة العقلاء» (ص92).

     وإسناده حسن.

     تقرأ: أي؛ طلب العلم.

([457]) الأشهب، مأخوذ من النجم المضيء اللامع.

([458]) نفاخيهم، مأخوذ من النفخ، والمراد: الفخر، والكبر. وفي رواية: (تفاخرهم).

([459]) تستطيل؛ أي: تتكبر، وتترفع.

([460]) أثر صحيح.

     أخرجه أبو حاتم في «الزهد» (ص59)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص363)، والآجري في «أخلاق العلماء» (ص10)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج56 ص435).

     وإسناده صحيح.

([461]) أثر حسن.

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج4 ص321).

     وإسناده حسن.

([462]) وانظر: «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ج1 ص259)، و«موسوعة نظرة النعيم» (ج11 ص5380)، و«روضة العقلاء ونزهة الفضلاء» لابن حبان (ص90 و191)، و«تنبيه الغافلين» لابن النحاس (ص163)، و«سبل السلام» للصنعاني (ج4 ص310)، و«شرح رياض الصالحين» لشيخنا ابن عثيمين (ج3 ص535)، و«أدب الدنيا والدين» للماوردي (ص231)، و«إحياء علوم الدين» للغزالي (ج3 ص371)، و«غذاء الألباب» للسفاريني (ج2 ص225)، و«العجب» للحافظ (ص37)، و«جامع بيان العلم» لابن عبدالبر (ج1 ص562).

([463]) وانظر: «بدائع الفوائد» لابن القيم (ج4 ص25)، و«روضة العقلاء ونزهة الفضلاء» لابن حبان (ص90 و191)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج10 ص311)، و«عون المعبود» للآبادي (ج7 ص294)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج3 ص156)، و«شرح رياض الصالحين» لشيخنا ابن عثيمين (ج3 ص536)، و«موسوعة نظرة النعيم» (ج11 ص5356)، و«أدب الدنيا والدين» للماوردي (ص231)، و«إحياء علوم الدين» للغزالي (ج3 ص371)، و«العجب» للحافظ (ص40)، و«غذاء الألباب» للسفاريني (ج2 ص225)، و«تنبيه الغافلين» لابن النحاس (ص163).

([464]) أثر حسن.

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (6861).

     وإسناده حسن.

([465]) أثر حسن.

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (6869).

     وإسناده حسن.

([466]) أثر حسن.

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (6870)، وعبدالله بن أحمد في «زوائد الزهد» (ص266)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص58).

     وإسناده حسن.

     قلت: وربيع المرجئ أهلكه العجب، وهو الخسران في النهاية المهلكة، والله المستعان.

([467]) انظر: «موسوعة نظرة النعيم» (ج11 ص5380).

([468]) انظر: «موسوعة نظرة النعيم» (ج11 ص5380).

([469]) انظر: «فتح القدير» للشوكاني (ج4 ص497).

([470]) انظر: «فتح القدير» للشوكاني (ج4 ص239).

([471]) انظر: «الكبائر» للذهبي (ص54).

([472]) انظر: «إحياء علوم الدين» للغزالي (ج4 ص1994).

([473]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي الدنيا في «التواضع» (ص158).

     وإسناده صحيح.

     وذكره السمرقندي في «تنبه الغافلين» (ص98).

([474]) أثر حسن.

     أخرجه ابن أبي الدنيا في «التواضع» (ص208).

     وإسناده حسن.

([475]) أثر صحيح.

     أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص91)، وابن أبي الدنيا في «التواضع» (ص141)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص143).

     وإسناده صحيح.

     وذكره الزبيدي في «إتحاف السادة» (ج8 ص354).

([476]) أثر حسن.

     أخرجه ابن أبي الدنيا في «التواضع» (ص142).

     وإسناده حسن.

([477]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (ص114)، والطبري في «جامع البيان» (ج6 ص41)

     وإسناده صحيح.

     وذكره ابن كثير في «تفسيره» (ج2 ص247).

([478]) حديث حسن.

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (6865) وغيره عن عدة من الصحابة y.

     وانظر: «الصحيحة» للشيخ الألباني (ج4 ص415).

([479]) نقله عنه الذهبي في «السير» (ج8 ص442).

([480]) أثر حسن.

     أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج45 ص445).

     وإسناده حسن.

([481]) أثر حسن.

     أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص95).

     وإسناده حسن.

([482]) أثر حسن.

     أخرجه ابن عساكر في «ذم قرناء السوء» (ص53)، وفي «تاريخ دمشق» (ج63 ص388)، والذهبي في «السير» (ج4 ص549)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج19 ص490)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج4 ص58).

     وإسناده حسن.

([483]) أثر حسن.

     أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج48 ص19)، والقشيري في «الرسالة» (ص147).

     وإسناده حسن.

([484]) انظر: «الصوارف عن الحق» للدكتور حمد العثمان (ص26).

([485]) حديث حسن.

     أخرجه أبو داود في «سننه» (4341)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص257 و358).

([486]) انظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج1 ص453).

([487]) انظر: «الصوارف عن الحق» للدكتور حمد العثمان (ص27).

([488]) انظر: «التذكرة في الوعظ» لابن الجوزي(ص98).

([489]) انظر: «الصوارف عن الحق» للدكتور حمد العثمان (ص29).

([490]) أثر حسن

     أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج9 ص261)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (6836).

     وإسناده حسن.

([491]) لذلك لم نر شروحا عند القصاص في أصول الفقه، والتفسير، والقواعد الفقهية، ومعاني القرآن، والفقه الإسلامي، والاعتقاد الصحيح، والتوحيد الخالص، وغير ذلك، ولم نر كتبا لهم في هذه العلوم، مما يدل على جهلهم فيها، لأن العلماء يعرفون بذلك، كما بين أهل الحديث.

    لذلك لا يصلح لقاص أن يقود شباب الأمة في الدعوة إلى الله تعالى، ومن خاطر معه بجهله أورده الضلالات المهلكة، اللهم سلم سلم.

ومن يكن الغراب له دليلا

 

 

يمر به على جيف الكلاب

 

([492]) وهل كان المرجئ القاص إلا كذلك.

([493]) وهصه؛ أي: ألقاه إلى الأرض، ومرغه بها، ورماه رميا شديدا.

     انظر: «النهاية» لابن الأثير (ج5 ص232).

([494]) أثر صحيح.

     أخرجه الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (ص264)، وابن أبي الدنيا في «التواضع» (ص78)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص293)، وفي «الآداب» (ص166)، وفي «المدخل إلى السنن الكبرى» (ج2 ص135)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص90)، و(ج13 ص270)، وأبو داود في «الزهد» (73)، وابن شيبة في «تاريخ المدينة» (ج2 ص750)، وابن الجوزي في «أخبار عمر بن الخطاب» (ص195)، وأبو عبيد في «غريب الحديث» (ج3 ص361)، وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص141)، وابن حبان في «روضة العقلاء» (ص59).

    وإسناده صحيح.

     وذكره الزبيدي في «إتحاف السادة» (ج8 ص354)، وابن الأثير في «النهاية في غريب الحديث» (ج5 ص232)، والهندي في «كنز العمال» (ج3 ص398).

([495]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص72)، وفي «التاريخ الكبير» (ج3 ص93)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص2190)، وأبو داود في «سننه» (4801)، والترمذي في «سننه» (2605)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11615)، وابن ماجه في «سننه» (4116)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص306)، والطبراني في «المعجم الكبير» (3255)، وعبد بن حميد في «المنتخب» (476)، والطيالسي في «المسند» (1334)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (1982)، و(1983)، وفي «صفة الجنة» (75)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (1094)، والبغوي في «شرح السنة» (3593)، وفي «معالم التنزيل» (ج5 ص430)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص376)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص194)، وفي «شعب الإيمان» (8173)، وفي «الآداب» (265)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج28 ص232)، وأبو يعلى في «المسند» (1476)، وابن حبان في «صحيحه» (5679)، والشجري في «الأمالي» (2459)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (679).

([496]) أثر حسن.

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص349).

    وإسناده حسن.

([497]) وانظر: «شعب الإيمان» للبيهقي في (ج14 ص378).

([498]) أثر صحيح.

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص299)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص163)، ووكيع في «الزهد» (216)، وأحمد في «الزهد» (ص156)، وابن أبي الدنيا في «التواضع» (126)، وهناد في «الزهد» (832).

    وإسناده صحيح.

([499]) أثر حسن.

     أخرجه أبو عبدالرحمن السلمي في «طبقات الصوفية» (ص95)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص356).

    وإسناده حسن.

([500]) أثر حسن.

     أخرجه أبو عبدالرحمن السلمي في «طبقات الصوفية» (ص172)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج10 ص245)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص356).

    وإسناده حسن.

([501]) الزهو: الكبر، والفخر.

     الصلف: التكبر، والفخر.

     البدخ: التكبر.

([502]) انظر: «جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج1 ص567).

([503]) أثر حسن.

     أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص568)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص58).

    وإسناده حسن.

([504]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص568)، وأحمد في «الزهد» (349)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص57)، وأبو خيثمة في «العلم» (15)، والآجري في «أخلاق العلماء» (ص70).

    وإسناده صحيح.

([505]) أثر صحيح.

     أخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص179).

    وإسناده صحيح.

([506]) وانظر: «تذكرة الحفاظ» للذهبي (ج1 ص378).

([507]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (32)، و(33)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص575)، وأحمد في «الزهد» (323)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (1688)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج2 ص378)، والخلعي في «الخلعيات» (ص273).

    وإسناده صحيح.

([508]) وانظر: «شعب الإيمان» للبيهقي (ج12 ص67)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج4 ص353).

([509]) قلت: وهذا الحديث يدخل فيه الخوارج الذين يدعون أن الناس في بلدانهم هلكوا!، لذلك أفتوا بتكفيرهم، فهلكوا، والعياذ بالله.

([510]) يعني: في دينهم فلا بأس به.

([511]) اللجوج: من اللجاج، واللجاجة: الخصومة.

([512]) المماري: من المراء، وهو الجدال، والتماري والمماراة: المجادلة على مذهب الشك والريبة.

     انظر: «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ج1 ص212)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص322).

([513]) أثر حسن.

     أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج7 ص358)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج2 ص494).

     وإسناده حسن.

([514]) انظر: «جامع بيان العلم» لابن عبدالبر (ج1 ص571).

([515]) أثر حسن.

     أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص59).

     وإسناده حسن.

([516]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2ص228).

     وإسناده صحيح.

     وذكره ابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص572).

([517]) قلت: ولا ترى المعجب إلا طالبا للرئاسة.

([518]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي الدنيا في «التواضع» (87)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص91)، وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص570)، والسلمي في «طبقات الصوفية» (ص11).

     وإسناده صحيح.

     وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص372) من وجه آخر.

([519]) أي: يبغض العلوم.

([520]) انظر: «جامع بيان العلم» ابن عبدالبر (ج1 ص572).

([521]) أثر صحيح.

     أخرجه أبو بكر المقرئ في «المعجم» (657)، وابن حكمان في «الفوائد والأخبار» (ص141)، وابن الجوزي في «تعظيم الفتيا» (ص132)، والخطيب في «الجامع» (711).

     وإسناده صحيح.

([522]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن حكمان في «الفوائد والأخبار» (ص137).

     وإسناده صحيح.

([523]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن حكمان في «الفوائد والأخبار» (ص139).

     وإسناده صحيح.

([524]) نقله عنه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص571).

([525]) انظر: «جامع بيان العلم» لابن عبدالبر (ج1 ص573).

([526]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (ج7 ص243)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج10 ص255)، والقشيري في «الرسالة» (ص19).

     وإسناده صحيح.

     وذكره الشاطبي في «الاعتصام» (ج1 ص160).

([527]) أثر صحيح.

     أخرجه البيهقي في «الزهد» (376)، والقشيري في «الرسالة» (20)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج10 ص244)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج1 ص145)، والقاضي عياض في «الشفا» (ج2 ص34).

     وإسناده صحيح.

     وذكر السيوطي في «مفتاح الجنة» (ص156)، والشاطبي في «الاعتصام» (ج1 ص161).

([528]) أثر صحيح.

     أخرجه أبو عبدالرحمن السلمي في «طبقات الصوفية» (376)، والقشيري في «الرسالة» (21)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج10 ص525).

     وإسناده صحيح.

     وذكره الذهبي في «السير» (ج1 ص525)، والشاطبي في «الاعتصام» (ج1 ص161).

([529]) أثر حسن.

     أخرجه القشيري في «الرسالة» (ص23).

     وإسناده حسن.

     وذكره الشاطبي في «الاعتصام» (ج1 ص162).

([530]) أثر حسن.

     أخرجه القشيري في «الرسالة» (ص85).

     وإسناده حسن.

     وذكره السيوطي في «مفتاح الجنة» (ص157).

([531]) أثر حسن.

     أخرجه أبو عبدالرحمن السلمي في «طبقات الصوفية» (ص298)، والقشيري في «الرسالة» (ص72).

     وإسناده حسن.

     وذكره السيوطي في «مفتاح الجنة» (ص156).

([532]) وانظر: «زاد المسير» لابن الجوزي (ج3 ص215).

([533]) يعني: الرئاسة.

([534]) وانظر: «الاعتصام» للشاطبي (ج2 ص83).

([535]) أثر حسن.

أخرجه البخاري في «صحيحه» معلقا: في كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة (ج1 ص39)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (772)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص79)، وابن عبدالبر في «جامع بيان العلم» (508)، و(509).

     وذكره ابن جماعة في «تذكرة السامع والمتكلم» (ص111).

([536]) أثر حسن.

     أخرجه عبدالغني بن سعيد الأزدي في «الفوائد» (ص54).

     وإسناده حسن.

     وذكره العيني في «عمدة القاري» (ج2 ص55) عن ابن معين: بنصه.

([537]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطابي في «العزلة» (ص97).

     وذكره ابن جماعة في «تذكرة السامع» (ص64).

([538]) انظر: «شرح حلية طالب العلم» لشيخنا ابن عثيمين (ص291).

([539]) انظر: «تذكرة السامع والمتكلم» لابن جماعة (ص121).

([540]) أثر صحيح.

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج14 ص380).

     وإسناده صحيح.

     وذكره الذهبي في «السير» (ج17 ص208).

([541]) وانظر: «شعب الإيمان» للبيهقي (ج12 ص68)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج4 ص353).

([542]) «مختصر منهاج القاصدين» له (ص106).

([543]) كالمبتدعة القصاص من أمثال: نبيل العوضي، ومحمد العريفي، وعائض القرني، وإبراهيم الدويش، ومحمد المختار الشنقيطي، وعلي القرني، ومحمد المنجد، وسلمان العودة، وعدنان عرعور، ويوسف القرضاوي، وسليمان الجبيلان، وعبيد الجابري، وربيع المدخلي، وغيرهم من المبتدعة القصاص.

([544]) «مختصر منهاج القاصدين» له (ص106).

([545]) وانظر: «تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج1 ص209).

([546]) قلت: وما دام هؤلاء وقعوا في «الشقاق والنزاع» فيما بينهم، فاعلم أنهم ابتدعوا شيئا في الدين، فاختلفوا فيه، وهذا النوع من الاختلاف في اعتقاد القلب، والنزاع في المنهج، وأما النوع الثاني، وهو ما تختلف فيه أفهام العلماء في العلم، فهذا لا يقتضي الشقاق والنزاع، فافهم لهذا ترشد.

([547]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص101)، و(ج8 ص117)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2054).

([548]) وانظر: «معالم التنزيل» للبغوي (ج1 ص235)، و«الوسيط في تفسير القرآن المجيد» للواحدي (ج1 ص310)، و« جامع البيان » للطبري (ج2 ص315)، و« النهاية في غريب الحديث » لابن الأثير (ج4 ص244).

([549]) وانظر: «الأذكار» للنووي (ص571).

([550]) قلت: والجدال والخصام بالباطل ابتلي به الجماعات الحزبية من الإخوانية، والتراثية، والصوفية، والسرورية، والقطبية، والأشعرية، والتبليغية، واللادنية، والمرجئة، وغيرهم، فانتبه.

([551]) انظر: «جامع البيان» للطبري (ج2 ص316).

     قلت: والحزبي الربيعي مخاصم في الدين، فلا يستقيم على خصومة، فهو ينتقل من خصومة إلى أخرى، كما هو مشاهد منه. والعياذ بالله.

([552]) انظر: «الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص557).

([553]) قلت: فإذا أراد الله تعالى بقوم شرا ألقى بينهم الجدل، وحرمهم العلم.

     لذلك ظن أتباع ربيع أن العلم هو نشره في شبكات «الانترنت»: من تنزيل الكتب والمخطوطات فيها، لا التلقي على العلماء، لذلك لا ترى لهم دروسا علمية في كل السنة في البلدان قد تفرغوا لها، وإلا لماذا انحرفوا هذا الانحراف الشديد في الدين، والله المستعان.

     إذا نقول: (ما فائدة المرأة الجميلة عند الرجل الأعمى!)، اللهم غفرا.

([554]) روايته أخرجها في الزهد (302).

     وأخرج الحديث ابن أبي الدنيا في الصمت (723) من طريق أبي قتيبة عن نافع بن عمر به.

([555]) قوله r: (تتخلل) ويجوز أن تقول (يتخلل) فتحتمل الفوقية والتحتية وهما صحيحان من جهة اللغة العربية لأن (البقر) اسم جنس جمعي، يجوز تذكير الفعل وتأنيثه.

([556]) قوله (نعم) جواب (أليس) والأحسن: أن يكون جوابها: (بلى) غير أن الجواب بـ(نعم) جائز في مثل هذا الموضع على قلة، لأن الاستفهام المتقدم على النفي في (أليس) استفهام تقريري، أي: كأن السائل قال: (لقد حدثتنا عن أبي الوليد...) فالكلام في معناه: إيجاب فمن هنا ساغ الجواب بـ(نعم).

    ونعم: حرف جواب، ويكون تصديقا للمخبر في جواب الخبر... ووعدا للطالب في جواب الأمر، أو النهي... وإعلاما للسائل في جواب الاستفهام.

    وقد ذهب جماعة من متقدمي النحاة ومتأخريهم إلى: أن النفي إذا سبق باستفهام، فإن كان الاستفهام على حقيقته، أي: استفهاما عن النفي، فجوابه: كجواب النفي المجرد من الاستفهام، أي: تدخله (نعم) لتقرير النفي، وتدخله (بلى) لتكذيب النفي، وإفادة الإثبات، وإن كان الاستفهام تقريريا أي يراد به تقرير ما بعد النفي، فالأكثر الغالب أن يجاب بما يجاب به النفي، أي: (نعم) لتقرير النفي، و(بلى) لتكذيب النفي، وإفادة الإثبات مراعاة للفظه، ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب بما يجاب به الإيجاب، أي: (نعم) في الحالتين مراعاة لمعناه.

    وانظر: «مغني اللبيب» لابن هشام (ج4 ص302) و«معجم الوسيط» (ص935) و«مختصر مغني اللبيب» لشيخنا الشيخ محمد العثيمين (ص39 و121).

    قال الفيومي / في «مصباح المنير» (ص316): (وقولهم في الجواب (نعم) معناها (التصديق) إن وقعت بعد الماضي، نحو: (هل قام زيد؟، و(الوعد) إن وقعت بعد المستقبل، نحو: (هل تقوم).             

   قال سيبويه (نعم) عدة وتصديق.

    قال ابن بابشاذ: يريد أنها عدة في الاستفهام، وتصديق للإخبار، ولا يريد اجتماع الأمرين فيها في كل حال.

    قال النيلي: وهي تبقي الكلام على ما هو عليه من إيجاب، أو نفي، لأنها وضعت لتصديق ما تقدم من غير أن ترفع النفي وتبطله فإذا قال القائل: ما جاء زيد، ولم يكن قد جاء، وقلت في جوابه: (نعم) كان التقدير: (نعم ما جاء) فصدقت الكلام على نفيه، ولم يبطل النفي كما تبطله (بلى) وإن كان قد جاء قلت في الجواب (بلى) والمعنى قد جاء (فنعم) تبقي النفي على حاله، ولا تبطله، وفي التنزيل: ﴿ألست بربكم قالوا بلى﴾ [الأعراف:172] ولو قالوا: (نعم) كان كفرا إذ معناه: نعم لست بربنا لأنها تزيل النفي بخلاف (بلى) فإنها للإيجاب بعد النفي). اهـ

([557]) انظر: «النهاية» لابن الأثير (ج2 ص73)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ج1 ص375).

([558]) انظر: «معالم السنن» للخطابي (ج7 ص228)، و«تهذيب السنن» لابن القيم (ج7 ص291).

([559]) ومن ذلك بأنهم يتخذون الخلاف بين العلماء ذريعة للوصول على الفتاوى المخالفة للكتاب والسنة التي تخدمهم، والله المستعان.

([560]) قال أيوب السختياني /: (ولا أعلم أحدا من أهل الأهواء يجادل إلا بالمتشابه).

 أثر صحيح.

     أخرجه ابن المنذر في «تفسيره» (ج1 ص124). بإسناد صحيح.

([561]) وانظر: «النكت الظراف على تحفة الأشراف» لابن حجر (ج12ص261).

([562]) قلت: ولذلك يجب نصح المسلمين جملة، وتفصيلا.

     قال البربهاري / في «شرح السنة» (ص93): (ولا يحل أن تكتم النصيحة للمسلمين- برهم وفاجرهم- في أمر الدين، فمن كتم فقد غش المسلمين، ومن غش المسلمين فقد غش الدين، ومن غش الدين، فقد خان الله، ورسوله، والمؤمنين).اهـ 

([563]) أثر صحيح.

     أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص386)، وابن جرير في «تفسير القرآن» (ج8 ص88)، والبيهقي في «المدخل» (201)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج5 ص1422)، والمروزي في «السنة» (20)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (134)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص59)، والهروي في «ذم الكلام» (145) بإسناد صحيح.

     وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج3 ص386)، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، وعبد بن حميد، وأبي الشيخ.

([564]) أثر صحيح.

          أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص60)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج1 ص313)، وعفان الصفار في «حديثه» (ص231)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص191)، وفي «الجامع» (129)، وفي «الكفاية» (ص114)، وابن حبان في «المجروحين» (ج1 ص21). بإسناد صحيح.

([565]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في «الكفاية» (ص116)، والهروي في «ذم الكلام» (886) و(1391)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (275)، و(418)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج6 ص369). بإسناد صحيح.

([566]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج1 ص313). بإسناد صحيح.

([567]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ص393)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص61)، وفي «الاعتقاد» (ص320)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص16)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (ص235). بإسناد صحيح.

     وأورده ابن بطة في «الإبانة الصغرى» (ص141)، والأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص486).

([568]) حديث ضعيف.

     أخرجه الترمذي في «سننه» (ج5 ص200)، وأبو داود في «سننه» (ج3 ص320) من حديث جندب t.

     وإسناده ضعيف فيه سهيل بن أبي حزم وهو ضعيف، كما في «التقريب» لابن حجر (ص421).

([569]) قال الملا علي القاري / في «الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة» (ص92): (هذا لو كان صحيحا فكيف إذا كان باطلا). اهـ

([570]) ومن أسوء آثار ظاهرة القصص هذه أنها كانت سببا من أسباب الوضع في الحديث، وجاء التصوف البدعي فاستطاع من خلالها أن يتغلغل في أوساط العامة، ويبسط نفوذه على جزء من المجتمع، وأمد القصاص بالخرافات والأباطيل، والله المستعان.

     وهناك فئة من المستشرقين، وأذنابهم ورثت مهمة أولئك الكذابين، فذهبت تشجع القصص، وتعمل على إحيائها، وإبقائها بين الناس.

     ومن هنا نستطيع تعليل حرص المستشرقين على نشر كتب أهل البدع من كتب المتصوفة، والمعتزلة، والأشاعرة، وغيرهم من المنحرفين، وتسليط الأضواء على كثير من الدجالين من أمثال الحلاج، وابن عربي، وغيرهما.

([571]) يعني: يحدث العبد بالحديث، فيسمعه من لا يبلغ عقله فهم ذلك الحديث، فيكون عليه فتنة، لذلك يجب سؤال أهل العلم عن الأحاديث لفهمها الفهم الصحيح.

     وانظر: «جامع لأخلاق الراوي» للخطيب (ج2 ص148).

([572]) سقط من إسناد الرامهرمزي: «ابن مسعود»، وهو وهم محض، والتصويب من الأسانيد الأخرى.

([573]) انظر: «الاعتصام» للشاطبي (ج2 ص299).

([574]) ودعوا ما ينكرون: أي يشتبه عليهم فهمه.

     قال ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص225): (وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة).اهـ

([575]) فيبيعون دينهم لدنيا غيرهم بعرض من الدنيا القليل.

([576]) وانظر: «الموافقات» للشاطبي (ج1 ص124).

([577]) قلت: فالقصاص هم الذين يدخلون في هذين الأثرين بالأولى، ولا كرامة.

([578]) إن على أهل العلم أن يبينوا للناس الحق بالحكمة، والأسلوب الحسن، فليس كل من ألف كتابا، أو حاضر محاضرة، أو خطب خطبة، أو ادعى أنه داعية، أو مفكر بجدير أن يستمع إليه، ويؤخذ بقوله أو بخلافه، أو بفتواه، أو يؤخذ العلم منه... إن المقياس الذي يجب أن يحتكم في قبول كلام الرجال هو الكتاب والسنة بفهم أئمة الهدى لهذين المصدرين.

([579]) قلت: ومن المتشابه ذكر البدع عند العامة، والقصص المكذوبة، والفتاوى السياسية، والباطلة، والمذهبية، والحزبية؛ نعوذ بالله من الخذلان.

([580]) وانظر: «النواهي في الصحيحين» للطيب (ص21).

([581]) قلت: ولا يضيع أوقاتهم بما لا طائل تحته من الشبه المهلكة، لأن من شرع في حقائق العلوم ثم لم يبرع فيها تولدت له الشبه المهلكة، وكثرت عليه فيصير ضالا مضلا، فيعظم على الناس ضرره، نعوذ بالله من ربع واعظ.

([582]) وانظر: «فيض القدير» للمناوي (ج6 ص355).

([583]) قلت: فترى القصاص يحدثون العامة بالمتشابه من التحريض على الحكام، وتأويل الصفات، والأحاديث الضعيفة، والرخص في الأحكام، والعقيدة الباطلة، والشرك المهلك، والفتاوى السياسية الباطلة، وغير ذلك.

([584]) ولقد اتسع الخرق في هذه الأزمنة عند القصاص؛ فكثرت عندهم الدعاوى على الشريعة الإسلامية، فانتحلوا السفسطة الفلسفية، والحكمة المزعومة؛ فضلوا، وأضلوا، والعياذ بالله.

     وانظر: «الموافقات» للشاطبي (ج1 ص122).

([585]) وتلقين كبار المسائل لمن لا يحتملها عقله كانت إحدى الآفات التي نزلت بأسلوب التعليم في الجامعات الإسلامية؛ فقتلت أوقاتا نفيسة في غير العلم المؤصل من الكتاب، والسنة، وآثار السلف، والله المستعان.

([586]) قلت: وهؤلاء القصاص يحدثون الناس بكل شيء؛ فأضروهم، وأضلوهم، والعياذ بالله.

([587]) وهؤلاء الحقاد هم الذين يؤججون الفتن بين أهل العلم، وبين العامة بالتشويش عليهم إذا أصدروا الفتاوى الشرعية التي تخفى عليهم بسبب جهلهم، ثم ينسبون فتنتهم هذه إلى أهل العلم، وما أصدروا من فتاوى علمية، نعوذ بالله من الحقاد.

([588]) قلت: بل يستدل بهذين الأثرين على الذين يتكلمون في الدين بدون علم، ولم يعرفوا العلم الصحيح كـ(صاحب الشهادة!، والحزبي، والقاص، والصحفي، والمتعالم، والمفكر، والسياسي، والمبتدع، والمثقف)، لأن هؤلاء كما هو معروف عنهم يولدوا الفتن، والأحاديث الضعيفة، والشبه، والشكوك، والبدع في نفوس العامة، وذلك لنقص فهمهم في الدين، وبذلك يعطلوا عما يعود نفعه إلى العباد والبلاد، وشغلهم بما يكثر لهم من الشبه المهلكة، وليس فيها منفعة، نعوذ بالله من ربع فقيه.

     وانظر: «فيض القدير» للمناوي (ج3 ص377).

([589]) أي: من غير تفكير.

     انظر: «الرائد» لجبران (ص568).

([590]) إن وافقه من حيث لا يعرفه فهو غير معذور أصاب، أو أخطأ!.

     قلت: فكم من خلاف وقع كان سببه القول على الله بغير علم.

     وقد قال الله تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم [ [الإسراء:26].

     ولو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف.

([591]) قلت: وهل تروج هذه الشبهة إلا على ضعيف العلم، والمعرفة ناقص الحظ منهما جدا، والله المستعان.

([592]) والمراد من الناس هنا هم أهل الإسلام الذين يريدون أن يفهموا الكتاب والسنة، أما الهمج الرعاع من الناس فهؤلاء لا يعتد بخلافهم؛ لأنهم غير داخلين في الأثرين المذكورين، وذلك لأن هؤلاء مهما تعلمهم السنة فهم لا يعقلونها إلا النادر منهم، والنادر لا حكم له.

([593]) والناس لا ينكرون إلا على المتعالمين الذين يأتون لهم بالغرائب من الحكايات، والأحكام الشاذة، والقصص، والأحاديث الضعيفة، فهم لا يفهمون مراد الكتاب والسنة الفهم الصحيح.

     ولذلك إذا حدث أمثال هؤلاء كذبهم الناس، وبتكذيبهم لهؤلاء لعلهم يكذبون الله تعالى، ورسوله r، وهم لا يشعرون.

     إذا فهذان الأثران يدخل فيهما أهل التعالم الذين لا يعرفون كيف يحدثون الناس في دين الله تعالى فافطن لهذا ترشد.

([594]) وأهل التحزب يحدثون العامة فوق المنابر، وغيرها بأحاديث الإمارة ليحركوا فتنة في بلدان المسلمين.

([595]) والأشاعرة، وغيرهم يحدثون العامة فوق المنابر، وغيرها بأحاديث الصفات، ويحرفونها ليحركوا فتنة في بلدان المسلمين.

([596]) وأهل البدع عموما يحدثون الناس بالغرائب في الأصول، والفروع التي ليست في الكتاب والسنة ليحركوا فتنة بينهم.

([597]) ويذم أضداد ذلك، أي الذي ينكرون بعض السنن الثابتة عن النبي r بحجة أن العوام لا يدركون ذلك.

     قلت: هذا أسلوب أصحاب المراء المذموم، وأسلوب المفلسين في الدين، والله المستعان.

     وانظر: «الاستقامة» لابن تيمية (ج2 ص159).

([598]) أثر صحيح، تقدم تخريجه.

([599]) أثر صحيح ، تقدم تخريجه.

([600]) أثر حسن.

      أخرجه ابن أبي الدنيا في «العقل» (ص60). بإسناد حسن.

([601]) أثر صحيح.

      أخرجه ابن أبي الدنيا في «العقل» (ص51)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (934)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (7186) بإسناد صحيح.

      وذكره الماوردي في «أدب الدنيا والدين» (ص29).

([602]) قلت: فتطور الأمر حتى صار يعظ الناس من ليس بعالم، ولا فقيه، ولا طالب علم، والله المستعان.

      وانظر: «تلبيس أبليس» لابن الجوزي (ص127).

([603]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص22)، و«جامع البيان» للطبري (ج2 ص7).

([604]) والإفراط: مجاوزة الحد.

([605]) والتفريط: إضاعة الشيء.

     انظر: «مدارج السالكين» لابن القيم (ج2 ص496)، و«معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج4 ص490)، و«الصحاح» للجوهري (ج3 ص1148).

([606]) فالأمر يكون شيئا فشيئا إلى أن يتعلموا، ويصلوا إلى معرفة الحق بالمحاورة والمناقشة العلمية.

     واعلم أن إذا أراد المحاور بحواره وجه الله تعالى، والوصول إلى الحق، فإنه لابد أن يكون موضوعيا في محاورته بعيدا عن المغالطات والمكابرة.

     فيقبل الحق أيا كان مصدره، ويسلم للأدلة والشواهد، وإلا كان مكابرا مجادلا بالحق والباطل، والعياذ بالله.

([607]) ولا يلام ولا يؤاخذ من أظهر السنن بالبيان والإيضاح، وأعطاها ما تستحقه من العناية.

     والعبد إذا لم يعلم أسند العلم إلى أهله، أو يقول لا أدري ... وهذا الأمر يغالط به أصحاب المراء فينزلوا فيه بلا علم فيهيج بذلك الشر والفتنة، لأنهم يعملون في دين الله بدون دراسة متأنية، بل لمجرد المخالفة للغير، فيقف الجميع عند رأيه المخالف للكتاب والسنة، فيشتد الخلاف بسبب هؤلاء المتعالمين.

([608]) انظر: «مقدمة الباعث على الخلاص من حوادث القصاص» للصباغ (ص17).

([609]) قلت: لأن دين الله لا يحتمل الكذب.

      قال عمر الناقد /: (دين محمد r لا يحتمل الدنس: يعني الكذب).

      أثر صحيح.

      أخرجه الخطيب في «الكفاية في علم الرواية» (63). بإسناد صحيح.

      قلت: ولا يظن أن الجهل يبلغ بصاحبه إلى مثل هذا: ]وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم[[النور:15].

      وانظر: «رسالة فيمن يدعي أن من ذرية العباس بن عبدالمطلب» للناجي (ص20).

([610]) قال أبو حيان / في «البحر المحيط» (ج4 ص355): (الصراط هو دين الإسلام). اهـ

([611]) يعني: الأهواء، والآراء المختلفة في الضلالات.

     انظر: «تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج5 ص1422).

([612]) أثر حسن.

     أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج6 ص175).

     وإسناده حسن.

     وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (ج2 ص203).

([613]) أثر صحيح.

     أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج10 ص244)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (186)، والهروي في «ذم الكلام» (ج6 ص175).

     وإسناده صحيح

     وذكره ابن تيمية في «الفرقان» (ص58)، والذهبي في «السير» (ج14 ص63).

([614]) أثر حسن.

     أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج6 ص176)، وأبو عبدالرحمن السلمي في «طبقات الصوفية» (ص122).

     وإسناده حسن.

([615]) أثر حسن.

     أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج6ص179).

     وإسناده حسن.

([616]) أثر صحيح.

     أخرجه المروزي في «السنة» (ص111)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (221)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص138).

     وإسناده صحيح.

([617]) انظر: «الرواية بالمعنى في الحديث النبوي» للدكتور عبدالمجيد بيرم (ص7).

([618]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (2408)، والطبراني في «المعجم الكبير» (5026)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (3464)، وابن أبي عاصم في «السنة» (1550)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص366)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص113).

([619]) حديث حسن.

     أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج1ص93)، وابن نصر في«السنة» (ص21)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص114)، وفي «دلائل النبوة» (ج5 ص449)، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص82).

     وإسناده حسن.

([620]) قلت: وسنة النبي  rأحاديثه، فهي أفضل ما طلب من العلوم كما هو معلوم.

([621]) من البدع والمحرمات وغير ذلك لم ينفعه علمه.

([622]) أثر حسن.

     أخرجه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2ص227).

     وإسناده حسن.

([623]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2ص228).

     وإسناده صحيح.

([624]) أثر حسن.

     أخرجه الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (108).

     وإسناده حسن.

([625]) انظر: «الأصول الستة» للدكتور محمد آل إبراهيم (ص11).

([626]) قلت: والتعصب لآراء الرجال ومذاهبهم ينشأ عن قصر النظر، وعدم التفقه في أصول الدين، والله المستعان.

([627]) انظر: «الرسالة» له (ص425).

([628]) انظر: «جامع بيان العلم» له (ج2 ص787 و993).

([629]) انظر: «الباعث على الخلاص من حوادث القصاص» للعراقي (ص67).

([630]) قلت: فيا خسارة على القصاص، وما فاتهم من علم في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، واعتمدوا على كتب القصص، والأشعار، وغير ذلك، فهؤلاء هم المحرومون عن فضل الله تعالى، المحرومون من هدايته، وتوفيقه، والله المستعان.

([631]) قلت: فالدعوة إلى الله تعالى بغير علم داء خطير أثره عظيم في تفكك وحدة الأمة الإسلامية.

([632]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج4 ص396). بإسناد صحيح.

([633]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج8 ص511). بإسناد صحيح.

([634]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج8 ص511). بإسناد صحيح.

([635]) يقصد بذلك الرجل القاص المتعالم الجاهل الذي يتكلم في أحكام الدين بلا علم كـ (الرجل السياسي، والمثقف، والمفكر، وغير ذلك).

     وانظر «التعالم» للشيخ بكر بن عبدالله (ص6).

([636]) أثر صحيح.

     أخرجه والطبراني في «طرق حديث: من كذب علي متعمدا» (ص99)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (ج1 ص61). بإسناد صحيح.

([637]) انظر: «المفهم» لأبي العباس القرطبي (ج1 ص54)، و«إتحاف المهرة» لابن حجر(ج14 ص446)، و«إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج1 ص8)، و«المعلم» للمارزي (ج1 ص184)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج1 ص72)، و«التفسير» لابن كثير (ج1 ص542)، و«غرر الفوائد المجموعة» لابن العطار (ص309)، و«تقييد المهمل» للغساني (ج3 ص765)، و«الإكمال» للقاضي عياض (ج1 ص114)، و«التتبع» للدارقطني (ص176).

([638]) قال البيهقي / في «حديث الجويباري» (ج1 ص219): (فالويل لمن كان شريكا للكذابين على رسول الله r). اهـ

([639]) يعني: لا يقتدى به.

     قلت: فالقصاص لا يقتدى بهم، لأنهم يحدثون بكل ما سمعوا من حق، وباطل سواء بسواء، اللهم غفرا.

([640]) قلت: والمتكلفون؛ هم: القصاص.

([641]) فالعالم قليل الكلام كثير العمل، والقاص كثير الكلام قليل العمل، والله المستعان.

     وانظر: «شعب الإيمان» للبيهقي (ج9 ص297).

([642]) قلت: وهذا هو القاص الغبي.

([643]) قلت: وهذا هو العامي الذي يستمع إلى أكاذيب القاص.

([644]) قلت: وهؤلاء القصاص مثل: الأحبار والرهبان؛ يأكلون بدينهم أموال الناس بالباطل من أموال التبرعات، وغيرها في المساجد والندوات، والمحاضرات، والمؤتمرات، وغير ذلك، فيحصلوا الأموال الكثيرة في بلدان المسلمين عن طريق الخداع، والغش، والمكر، والكذب، بواسطة: «الجمعيات السياسية»، و«الجمعيات الخيرية»، و«الحروب السياسية»، اللهم غفرا.

([645]) أي: ما يفسدون من الحديث.

([646]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج7 ص89) من حديث أبي هريرة t.

([647]) أثر حسن.

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج4 ص461).

     وإسناده حسن.

([648]) وانظر: «روح المعاني» الآلوسي (ج16 ص134)، و«طريق الهجرتين» لابن القيم (ص175).

([649]) ثم يأتي القاص ويقعد أصولا فاسدة على الشرع، فتعدى الشرع فشذ عن أهل السنة والجماعة فهلك.

     قال الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص62): (المبتدع معاند للشرع، ومشاق له، لأن الشارع قد عين لمطالب العبد طرقا خاصة على وجوه خاصة، وقصر الخلق عليها بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، وأخبر أن الخير فيها، وأن الشر في تعديها إلى غيرها، لأن الله يعلم ونحن لا نعلم، وأنه إنما أرسل الرسول r رحمة للعالمين، فالمبتدع راد لهذا كله، فإنه يزعم أن ثم طرقا أخر، وليس ما حصره الشارع بمحصور، ولا ما عينه بمتعين، وأن الشارع يعلم ونحن أيضا نعلم!). اهـ

([650]) أثر حسن.

     أخرجه السلمي في «طبقات الصوفية» (ص46)، والأصبهاني في «سير السلف الصالحين» (ج3 ص1088). بإسناد حسن.

([651]) فلو كانوا يعقلون لعملوا على اجتثاث الخلاف من أصوله فتوحدوا، ولم يقروا الخلاف، ويظهروا أمام خصومهم بمظهر الوحدة المزيفة، والعياذ بالله.

([652]) على ما فيهم من شرك، أو بدع، أو عصيان.

([653]) ولا يجتمعون إلا لعداوة أهل الأثر؛ كما هو مشاهد من الأحزاب بجميع أنواعها، لكن ﴿إن ربك لبالمرصاد﴾ [الفجر:14]، ﴿ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله [فاطر:43].

[654]) انظر: «الطليعة في براءة أهل السنة» للدكتور عبدالعزيز العتيبي (ص18).

([655]) انظر: «سير السلف الصالحين» للأصبهاني (ج3 ص1086).

([656]) وانظر: «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» لابن تيمية (ص11)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج1 ص46)، و«المجموع» للنووي (ج1 ص65).

([657]) وانظر: كتابي «اجتماع أهل الائتلاف لإبطال قول من لا يعتد قوله في الخلاف»، وهو مطبوع.

([658]) قلت: وهو الاجتهاد المحرم، والاجتهاد غير المعتد به: وهو الاجتهاد الصادر عن فرد، أو جماعة لا توجد فيهم أهلية الاجتهاد، ويصدق هذا على الاجتهاد الصادر عن الجماعات الإسلامية الحزبية، أو مثقف ثقافة عامة في أمر شرعي، وإنما كان هذا الاجتهاد غير معتبر، لعدم توفر أدوات الاجتهاد في هؤلاء، ولغلبة الظن ملازمة الأخطاء لاجتهادهم.

     وانظر: «الاجتهاد» للشيخ صالح الفوزان (ص25 و26)، و«معجم مصطلحات أصول الفقه» لسانو (ص32)، و«المستصفى» للغزالي (ج2 ص350)، و«الاجتهاد الجماعي» لشعبان (ص15)، و«الاجتهاد وفهم النص» لسوسوه (ص44).

([659]) قلت: وهذا الذي وقع فيه ربيع المدخلي المتعالم القاص، وقد تبين لي من كتاباته هذه أنه من القصاص المثقفين المتعالمين، ليس من أهل العلم المعتبرين في الدين، وذلك بسبب اعتماده على العلم الجامعي!، مما جعله يعتمد على الكتب لا على الشيوخ، فارتكز بسبب ذلك في كثير من المخالفات الشرعية التي تقدح فيه وفي علمه، والله المستعان.

     قلت: ولذلك انتقدته في كتابي الكبير «الانتصار في المسائل الكبار»، وقد بينت مخالفاته الشرعية عن طريق الحديث، والتوحيد، والعقيدة، والمنهج، وأصول الفقه، واللغة، والفقه، والتفسير، اللهم سدد سدد.

([660]) قلت: ويكون المجتهد معذورا ومثابا على اجتهاده الخاطئ، إذا اجتهد في الأحكام التي هي محل للاجتهاد، وكان ممن تتوفر فيه مؤهلات الاجتهاد.

     قلت: والأحكام الأصولية ليست هي محل للاجتهاد، فتنبه.

     وانظر: «الاجتهاد» للشيخ الفوزان (ص26).

([661]) وانظر: «المستصفى» للغزالي (ج2 ص354).

([662]) الحديث: أخرجه الدارمي في «سننه» باب: الفتيا وما فيه من الشدة (ج1 ص57) من حديث عبيد الله بن أبي جعفر مرسلا.

([663]) كـ«ربيع المدخلي المثقف! ».

([664]) قلت: ولا ريب أن الأخذ من الصحف يقع فيه خلل، ولا سيما في هذا العصر، حيث كثر الجهال في الدين، لذلك لا يقبل الدين من صحيفة، ولا يروي عن صحفي. فانتبه.

     وانظر: «الفقيه والمتفقه» للخطيب البغدادي (ج2 ص194)، و«طبقات فحول الشعراء» للجمحي (ج1 ص4).

([665]) والصحفي: هو من يأخذ العلم من بطون الكتب لا عن شيخ متمكن، فمعناه: يأخذ العلم من الصحيفة دون المشايخ، والله المستعان.

     وانظر: «المعجم الوسيط» (ص508)، و«مصباح المنير» للفيومي (ص174).

([666]) انظر: «الدرر السنية» (ج4 ص10).

([667]) قلت: وهذا شأن القاص تماما، فإنه يلجؤ إلى الإجمال، ويترك التفصيل، والله المستعان.

([668]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن حمكان في «الفوائد» (ص146). بإسناد صحيح.

([669]) أثر صحيح.

     أخرجه أبو حاتم في «الزهد» (ص57)، والخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (115)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص371) بإسناد صحيح.

([670]) أثر صحيح.    

      أخرجه أبو حاتم في «الزهد» (ص58)، والخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (114)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص11)،  والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج12 ص267). بإسناد صحيح.

([671]) قلت: وهل ترى القاص إلا كما ذكر أهل العلم، اللهم سلم سلم.

([672]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص2610).

([673]) «العقيدة النونية» لابن القيم (ص226).

([674]) كـ«أتباع ربيع»، في «شبكة سحاب» الحزبية؛ اللهم غفرا.

([675]) قلت: وهذه الألفاظ المجملة التي تطلق على أهل السنة سبب لظهور البدع وأهلها.

     وهذه الألفاظ البدعية التي تطلق على الأشخاص والتي ليس عليها دليل من الكتاب ولا من السنة، ومنهج السلف الصالح... فهذه ليس على أحد أن يوافق عليها، فإن فعلها أثم على ذلك وضل ضلالا بعيدا.

([676]) قلت: وعلامة المرجئية أيضا تسميتهم أهل السنة بـ«الخوارج»، و«الحدادية»؛ يريدون إبطال الدعوة الأثرية السلفية، والله المستعان.

([677]) أثر صحيح.

     أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص179)، والصابوني في «الاعتقاد» (ص305)، ومحمد بن طاهر في «الحجة» (ج2 ص713)، وابن أبي حاتم في «السنة» (ص135). بإسناد صحيح.

     وذكره الذهبي في «العلو» (ج2 ص1162).

([678]) يعني: الدنيا.

([679]) يعني: الآخرة والدين.

([680]) يعني: العقل فيه خلل، والعياذ بالله.

     قلت: فمن عرف الدنيا زهد فيها، ومن عرف الآخرة رغب فيها، ومن عرف الله آثر رضاه، والله المستعان.

([681]) أثر حسن.

     أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ص188)، وابن قدامة في «ذم التأويل» تعليقا (ص79)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص158)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص97)، والبغوي في «شرح السنة» تعليقا (ج1 ص214)، والأصبهاني في «الحجة» تعليقا (ج2 ص483). بإسناد لا بأس به.

     وذكره التبريزي في «مشكاة المصابيح» (ج1 ص67) وعزاه لرزين.

     وأورده ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص477)، وابن قدامة في «تحريم النظر» (ص44)، والسيوطي في «صون المنطق» (ص138)، وابن تيمية في «نقض المنطق» (ص130)، وابن الأثير في «جامع الأصول» (ج1 ص292).

([682]) انظر: «جامع الأصول» لابن الأثير (ج1 ص392).

([683]) أثر صحيح.

     أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص252)، والطبراني في «المعجم الكبير» (8845)،  وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج2 ص492)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (156)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص152)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (169)، والمروزي في «السنة» (86)، وابن حبان في «روضة العقلاء» (ص37)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص251)، واللالكائي في «الاعتقاد» (108)، وابن وضاح في «البدع» (60)، والبيهقي في «المدخل» (388)، والأصبهاني في «الحجة» (168). بإسناد صحيح.

([684]) أثر صحيح.

     أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج9 ص128)، والبيهقي في «مناقب الشافعي» (ج2 ص24)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج2 ص604). بإسناد صحيح.

     قلت: فلا تلتفت إلى مقالات القاص ربيع البالية، ولا تعبأ بها، فإنها ليست على طريقة السلف.

([685]) أثر صحيح.

     أخرجه البخاري في «صحيحه» (7282)، والمروزي في «السنة» (88)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (106)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص387)، وأبو داود في «الزهد» (273)، وابن المبارك في «الزهد» (47)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج13 ص379)، والبزار في «المسند» (ج7 ص359)، وابن وضاح في «البدع» (13)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1809)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص280)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج3 ص446)، واللالكائي في «الاعتقاد» (119)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (196)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج12 ص293).

([686]) أثر حسن.

     أخرجه الخطيب في «الكفاية» (ص116) بإسناد حسن.

([687]) قال عطاء بن أبي رباح /: (الساقط يوالي من شاء).

     أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص507) بإسناد صحيح.

([688]) من نفاق الجماعات الحزبية، كـــ«الإخوانية، والتراثية، والقطبية، والسرورية، والصوفية، والأشعرية، والادنية، والمرجئة، والداعشية، والتبليغية وغيرهم»؛ من أهل النفاق في هذا العصر، والله المستعان.

([689]) وانظر: «الرسالة الوافية» للداني (ص288)، و«مفتاح دار السعادة» لابن القيم (ج1 ص271)، و«جلاء الأفهام» له (ص415)، و«فتح القدير» لابن الهمام (ج6 ص98)، و«طرح التثريب» للعراقي (ج7 ص181)، و«القواعد الكبرى» للعز بن عبدالسلام (ج1 ص153)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج2 ص308)، و«الفتاوى» له (ج7 ص471)، و«بغية المرتاد» له أيضا (ص338)، و«لوامع الأنوار» للسفاريني (ج1 ص392)، و«الرد على الزنادقة والجهمية» للإمام أحمد (ص169)، و«مناظرة في القرآن الكريم» لابن قدامة (ص50 و51)، و«المنتقى شرح الموطأ» للباجي (ج5 ص281)، و«الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية» جمع الحصين (ص17 و43 و61 و111)، و«فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة» جمع القحطاني (ص16 و43 و121 و189)، و«الاجتماع ونبذ الفرقة» للشيخ الفوزان (ص57 و63 و65)، و«الجهاد» له (ص90 و93).

([690]) وانظر: «شرح العقيدة السفارينية» لشيخنا ابن عثيمين (ص380)، و«مناظرة في القرآن العظيم» لابن قدامة (ص50)، و«الرد على البكري» لابن تيمية (ص356)، و«الإيمان» له (ص203)، و«منهاج السنة» له أيضا (ج2 ص81) و(ج5 ص157) و(ج6 ص370)، و«الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج3 ص1070 و1071)، و«الفوائد» له (ص207)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج13 ص147)، و«الدرر السنية» (ج3 ص294)، و«الرد على الزنادقة والجهمية» للإمام أحمد (ص170).

([691]) سورة الأنعام؛ آية:153.

([692]) سورة آل عمران؛ آية:103.

([693]) سورة الشورى؛ آية: 13.

([694]) ولقد اختلفت أهواء أصحابها بالانتصار -بالحمية الحزبية- للجمعية، أو الحزب، أو الجماعة، أو الإنسان الذي ينتسب لهم؛ لأنه من جمعيته، أو حزبه، أو جماعته حتى وإن كان على خطأ أو خطيئة!!!. والويل أشد الويل لمن لم يكن من جمعيته، أو حزبه، أو جماعته، فإنه لا يجد منه النصرة حتى في ساعة العسرة!!!.

     قلت: وكل جمعية تختط لنفسها خطة تأبى على غيرها أن تنازعها إياها، فهي متمسكة بفهم من أنشأها، وقد تدعي لنفسها أنها بذلك تتمسك بالكتاب والسنة! ولذلك تجد الجمعيات الحزبية المزعومة لا تتعاون مع بعضها إلا لمصلحة ]تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون[ [الحشر:14]؛ لأن كل جمعية من حزب آخر!...بل الجمعية الفلانية تطعن في الجمعية الأخرى؛ كأنها غير إسلامية !.

([695]) هذا الحاصل من الجمعيات -المزعومة بأنها خيرية- والجماعات، والأحزاب !.

([696]) تأمل جيدا هذا الكلام ... فلقد تجاوزت هذه الجمعيات المزعومة، واستمرت في عنادها لمصالح حزبية، فالواجب التشهير بها، والتحذير منها ممن عرف حقيقتها، حتى يتجنب الناس طريقهم، وحتى لا يدخل معهم من لا يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه، ويصرفوه عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه، والله ولي التوفيق.     

([697]) ولله الحمد نحن نعرف حقيقتهم الحزبية، ولذلك تحذر منهم؛ كما ذكر سماحة الشيخ ابن باز //.

([698]) سورة الأنعام؛ آية:153.

([699]) «مجموع فتاوى ومقلات متنوعة» للشيخ بن باز (ج5 ص202 و204).

([700]) «مجموع فتاوى ومقلات متنوعة» للشيخ بن باز (ج5 ص157).

([701]) لأن هذه الجماعات القائمة في عصرنا مرفوضة شرعا، وأنها امتداد للفرق التي انشقت عن جماعة المسلمين بعد عصر الخلافة الراشدة.

     ولذلك وإن قلنا بأن هذه الجماعات انشقت عن جماعة المسلمين، وخرجت عنها؛ إلا أنه لا يلزم تكفيرها، وخروجها عن ملة الإسلام، لأن مخالفات هذه الجماعات تختلف في الحكم بالتكفير، أو تضليل فقط دون تكفير، وذلك بحسب بعدها وقربها عن الإسلام.

([702]) قلت: وهو عبد الله بن سبأ اليهودي!.

([703]) قلت: فهؤلاء هم المعطلة لأحكام الدين جملة وتفصيلا، والعياذ بالله. 

([704]) وانظر: «توضيح بعض المصطلحات العلمية في شرح العقيدة الطحاوية» للدكتور محمد الخميس (ص11 و12)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج5 ص307 و320)، و«بيان تلبيس الجهمية» له (ج2 ص79 و82)، و«منهاج السنة» له أيضا (ج7 ص9)، و«الرد على المبتدعة» لابن البناء (ص59)، و«مناظرة في القرآن» لابن قدامة (ص87).

([705]) قلت: لأن الزندقة تتفاوت في المخالفين، وذلك على حسب المخالفة الشرعية من معصية، أو بدعة، أو كفر، أو شرك، أو نفاق، اللهم سلم سلم.

     قلت: كذلك تتفاوت المعصية، والبدعة في الناس، ويتفاوت الكفر، والشرك، والنفاق في الناس، الكل بحسب قربه، وبعده من السنة وأهلها.

([706]) أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص101)، قسم «الرد على الجهمية».

([707]) أخرجه عبدالله في «السنة» (ج1 ص121)، والخلال في «السنة» (ج5 ص90)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص64).  

([708]) أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص83).

([709]) وكانوا يقولون فيمن قال إن القرآن مخلوق إنه زنديق.

     انظر: «الإبانة الكبرى» لابن بطة رقم (57، 256، 268، 289، 400)، و«السنة» للخلال رقم (1938، 1939، 1942، 1985، 1988، 2018، 2025، 2030، 2049)، و«الاعتقاد» للآلكائي (ج2 ص305). 

([710]) أخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب «الجهاد» (ج4 ص61) عن ابن عباس رضي الله عنهما. 

([711]) انظر: «صحيح البخاري» (ج13 ص357) ولفظ «الزنادقة» ليس في شئ مما اطلعت عليه من شروح «صحيح البخاري» التي تذكر النسخ، وعليه فهذه فائدة نفيسة من شيخ الإسلام ابن تيمية /.

     قال ابن حجر / في «فتح الباري» (ج13 ص344): (قوله: «بسم الله الرحمن الرحيم»؛ كتاب «التوحيد»؛ كذا للنسفي، وحماد بن شاكر، وعليه اقتصر الأكثر عن الفربري، وزاد المستملي: «الرد على الجهمية وغيرهم» وسقطت البسملة لغير أبي ذر). اهـ

     وانظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج15 ص381)، و«عمدة القاري» للعيني (ج20 ص266).  

([712]) انظر: «الفتاوى» له (ج12 ص352 و353 و355)، و«منهاج السنة» (ج1 ص321)، و«بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص79).

([713]) أثر حسن.

     أخرجه أبو الفتح المقدسي في «الحجة» (224)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص191).

     وإسناده حسن.

([714]) قال الشهرستاني في «الملل والنحل» (ج1 ص23): (اعلم أن أول شبهة وقعت في الخليقة: شبهة إبليس لعنه الله. ومصدرها: استبداده بالرأي في مقابلة النص. واختياره الهوى في معارضة الأمر). اهـ

([715]) مراء في القرآن والسنة كفر، والعياذ بالله.

([716]) قلت: فرحم الله تعالى شيخ الإسلام ابن تيمية، فإن هذا الكلام في غاية من الدقة، والأهمية، والله المستعان.

([717]) الكلب: داء يصيب الإنسان من عض الكلب المسعور، فيصيبه شبه الجنون، ويلحق به حتى يموت.

     و«تتجارى بهم الأهواء»؛ أي: يتواقعون فيها، ويتداعون، ويتهافتون في الأهواء.

     قلت: والمراد أن الأهواء تسري في عروقهم، ومفاصلهم.

     انظر: «لسان العرب» لابن منظر (ج1 ص723) و(ج14 ص141).

([718]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج28 ص216)، و«جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ص330)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج13 ص106)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج5 ص1422).

([719]) قلت: فأخبر النبي في تمثيله من تبقى في آخر الزمان بحثالة الشعير، والتمر، وهم المبتدعة الزنادقة ومن تابعهم من الرعاع والهمج من العامة الزنادقة، اللهم سلم سلم.

     وانظر: «الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان» (ج8 ص300) لابن بلبان.

([720]) قلت: وهذا ظاهر فيمن يقوم على الثورات الغوغائية من الرجال والنساء!، والأبناء والبنات!، في بلدان المسلمين، نعوذ بالله من الخذلان.

([721]) من رؤوس الزندقة من «الإخوانية»، و«التراثية»، و«السرورية»، و«القطبية»، و«الربيعية»، و«الداعشية»، و«اللادنية»، و«الصوفية»، و«الأشعرية»، و«التبليغية»، و«الإباضية»، وغيرهم.

([722]) قلت: فهلاك العامة الجهلة على يدي الزنادقة السفهاء، نعوذ بالله من الخذلان.

([723]) وانظر: «الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان» لابن بلبان (ج13 ص279 و285).

([724]) انظر: «ذم الهوى» لابن الجوزي (ص20).

([725]) انظر: «الاعتصام» للشاطبي (ج3 ص138 و139).

([726]) أثر صحيح.

     أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص126)، واللآلكائي في «الاعتقاد» (225)، والآجري في «الشريعة» (126)، والهروي في «ذم الكلام» (484).

     وإسناده صحيح.

([727]) قلت: فالمبتدعة الزنادقة أضربوا عن السنة، وتأولوا القرآن على غير تأويله الصحيح عن السلف الصالح، فضلوا وأضلوا، نعوذ بالله من الخذلان.

([728]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج7 ص170)، وأحمد في «الزهد» (ج2 ص47)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص76)، وابن أبي الدنيا في «قصر الأمل» (ص50).

([729]) نقله عنه ابن كثير في «تفسيره» (ج6 ص612)، وابن العربي في «القبس» (ج2 ص170).

([730]) فإياك ومكر السيئ، فإنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

([731]) وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج6 ص323).

([732]) انظر: «ذم الهوى» لابن الجوزي (ص21).

([733]) أثر حسن.

     أخرجه ابن الجوزي في «ذم الهوى» (ص25).

     وإسناده حسن.

([734]) أثر حسن.

     أخرجه ابن الجوزي في «ذم الهوى» (ص26 و32).

     وإسناده حسن.

([735]) أثر حسن.

     أخرجه ابن الجوزي في «ذم الهوى» (ص27).

     وإسناده حسن.

([736]) أثر حسن.

     أخرجه ابن الجوزي في «ذم الهوى» (ص29).

     وإسناده حسن.

([737]) انظر: «ذم الهوى» لابن الجوزي (ص26).

([738]) أثر حسن.

     أخرجه ابن الجوزي في «ذم الهوى» (ص31)، وأبو عبدالرحمن السلمي في «طبقات الصوفية» (ص235).

     وإسناده حسن.

([739]) أثر حسن.

     أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (850)، وفي «الزهد الكبير» (ص324)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص18).

     وإسناده حسن.

([740]) أثر صحيح.

     أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج2 ص360).

     وإسناده صحيح.

([741]) أثر حسن.

     أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج2 ص370).

     وإسناده حسن.

([742]) أثر صحيح.

     أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج2 ص377).

     وإسناده صحيح.

([743]) أثر صحيح.

     أخرجه أحمد في «الزهد» (ص335)، والفسوي في «التاريخ والمعرفة» (ج2 ص567)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (6486)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج14 ص22)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج6 ص186)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج2 ص107).

     وإسناده صحيح.

     وذكره المزي في «التهذيب» (1/ق/403).

([744]) قلت: والزنادقة إذا أرادوا أن يروجوا بدعهم ومعاصيهم، احتجوا بالخلافيات بين العلماء، بدون بيان الراجح والمرجوح في ذلك.

     وهذا ابن الراوندي الزنديق يحتج على إباحته للغناء بإختلاف العلماء!.

     انظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج11 ص570)، و«المنتظم» لابن الجوزي (ج3 ص108)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج10 ص474)، و«تحريم آلات الطرب» للشيخ الألباني (ص164).

([745]) قلت: والاختلاف من أصول أهل الأهواء والزندقة، لأنه من عندهم، فافهم لهذا.

([746]) انظر: «مختصر الصواعق المرسلة» له (ج1 ص110).

([747]) قلت: لذلك يجب الإنكار على الزنادقة في باطلهم، وبيان الحق فيهم، لأنه معلوم إذا ازدوج التكلم بالباطل، والسكوت عن بيان الحق تولد من بينهما جهل الحق، وإضلال الخلق، اللهم سدد سدد.

    وانظر: «الفرق بين النصيحة والتعيير» لابن رجب (ص26).

([748]) وانظر: «مختصر الصواعق المرسلة» (ج1 ص109).

([749]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن محرز البغدادي في «معرفة الرجال» (ص293).

     وإسناده صحيح.

     وذكره القرطبي في «جامع أحكام القرآن» (ج8 ص5709)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج7 ص103).

([750]) أي: يعلم أنه باطل، أو يعلم نفسه أنه على باطل، أو يعلم أن خصمه على الحق، أو يعلم الباطل، أي: ضده الذي هو الحق، ويصر عليه.

     انظر: «عود المعبود» للآبادي (ج3 ص334).

([751]) أي: يترك وينتهي عن مخاصمته.

     انظر: «عود المعبود» للآبادي (ج3 ص334).

([752]) ردغة الخبال: هي طين ووحل كثير... عصارة أهل النار، نعوذ بالله من ذلك.

([753]) نقله عنه المزي في «تهذيب الكمال» (ج1 ص457).

([754]) قلت: ويحتمل أيضا أن يكون مراد الإمام أحمد / أن يشيع جنائز المبتدعة القليل من الناس، كما ذكر الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج1 ص387). لكن هذا لا يكون على كل حال.

([755]) فالمسلم يجب عليه أن يقبل الحق، ولا ينظر إلى العداوة الشخصية، والأغراض النفسية، والإشاعات التي تشاع على أهل الحق، ولا تحمله هذه الأمور على رفض ما يقوله أهل الحق بل ينتفع به... هذا هو الواجب.

     قلت: فيجب على طلبة العلم أن ينهجوا هذا المنهج الرباني، قبول الحق ممن جاء به.

     وانظر: «شرح مسائل الجاهلية» للشيخ الفوزان (ص130).

([756]) قلت: وإلا كان متناقضا في الانتساب، فالتناقض في الانتساب هو: أن ينتسب إلى شيء وهو مخالف له، وهذا انتساب باطل وكذب.

     وانظر: «شرح مسائل الجاهلية» للشيخ الفوزان (ص98).

([757]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج10 ص532)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص68).

([758]) أثر صحيح.

     أخرجه أبو سعيد الشاشي في «حديثه» (9). بإسناد صحيح.

([759]) أنهم كثيرا ما يتحولون من مذهب إلى نقيضه، إلا أنهم لا يوفقون للسنة، ولا يهتدون لها، ولا يتحولون إليها، فلا يعرف في التاريخ أن فرقة تركت بدعها إلى السنة، بل تتحول إلى ما هو أسوأ تتجارى بهم الأهواء، والعياذ بالله.

([760]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص59)، وفي «الأدب المفرد» (ج2 ص576)، وأبو داود في «سننه» (ج7 ص157)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص162)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص30)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (ص22).

([761]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص12)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص10)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص372)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (ص21)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص299)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص64).

([762]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص150)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص18)، وابن المبارك في «الزهد» (368)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص7)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص659)، وابن ماجه في «سننه» (3971)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (ص23)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص339)، وابن البناء في «الرسالة المغنية في السكوت ولزوم البيوت» (ص25).

([763]) حديث صحيح.

     أخرجه الترمذي في «سننه» (ج5 ص11)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج20 ص127)، وابن البناء في «الرسالة المغنية» (ص27)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص233)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1314)، والبيهقي في «الآداب» (ص234). وإسناده صحيح.

([764]) قلت: فعلى القاص أن يحفظ لسانه، ويده عن ضرر المسلمين، ويلزم الصمت في الفتن، والله المستعان.

([765]) أثر حسن.

     أخرجه ابن البناء في «الرسالة المغنية في السكوت ولزوم البيوت» (ص37).

     وإسناده حسن.

([766]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن البناء في «الرسالة المغنية في السكوت ولزوم البيوت» (ص40).

     وإسناده صحيح.

([767]) أثر صحيح.

     أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج26 ص194)، والذهبي في «السير» (ج5 ص411)، وهو في «تفسير مجاهد» (ص617).

     وإسناده صحيح.

([768]) قال الذهبي / في «السير» (ج7 ص261): (أكثر السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة!).اهـ

([769]) يلبسوا: التلبيس جعل الأمور مختلطة مشتبهة مشكلة.

    انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج6 ص204).

[770]) الجرب: داء جلدي يعلو أبدان الناس.

    انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج1 ص259).

    قلت: فإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء.

([771]) وعلى العوام البعد عنهم ما أمكنوا بل الأمر المتعين عليهم، لأنهم يلبسوا عليهم دينهم، والله المستعان.

([772]) قلت: فعليكم بالسنة، فمن اهتدى بها فهو مهتدي، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى.

    وانظر: «الرسالة الوافية» للداني (ص149).

([773]) قلت: وهذا ظاهر من أهل البدع في بعضهم بعضا.

([774]) انظر: «معالم التنزيل» للبغوي (ج2 ص104)، و«الوسيط في تفسير القرآن» للواحدي (ج2 ص284)، و«جامع البيان» للطبري (ج7 ص142)، و«تفسير القرآن» ابن كثير (ج2 ص143).

([775]) أخرجه ابن حبان في «روضة العقلاء» (ص165).

     وانظر: «تذكرة السامع والمتكلم» لابن جماعة (ص94).

([776]) «أصول السنة» (ص35).

([777]) مثل القاص، والحزبي، وغيرهما.

([778]) انظر: «تذكرة السامع والمتكلم» لابن جماعة (ص65).

([779]) قلت: لأن القلب ضعيف، ولعله أن يسمع من المبتدع كلمة ضالة فتدخل قلبه، فلا يرجع قلبه بعد ذلك عن هذه الضلالة، والله المستعان.

([780]) «شرح السنة» (ص624).

([781]) قلت: والأشد والأمر يأتي الأمر من ربيع في مجالسة أهل البدع لمصلحة الدعوة زعم، اللهم غفرا.

([782]) قال ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص541): (ليكن ما ترشد به، وتوقف عليه من الكتاب، والسنة، والآثار الصحيحة من علماء الأمة من الصحابة، والتابعين). اهـ

([783]) أثر حسن.

    أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص466). بإسناد حسن.

([784]) أثر حسن.

    أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج4 ص202). بإسناد حسن.

([785]) أثر حسن.

    أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج48 ص398). بإسناد حسن.

([786]) أثر حسن.

    أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص138)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج48 ص397)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج8 ص104)، والطيوري في «الطيوريات» (ج2 ص318). بإسناد حسن.

([787]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص959)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1343).

([788]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج4 ص955)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1343).

([789]) قلت: وهنا يحسن التنبيه إلى أن من أعظم الأسباب الداعية إلى الإفراط والغلو، أو إلى التفريط والتقصير، لا سيما في باب الاعتقاد؛ إدخال ذلك العقل الضعيف في نصوص الوحي، والله المستعان.

([790]) وانظر: «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ص52).

([791]) الخدن والخدين: الصديق.

    انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص72). 

([792]) أثر حسن.

    أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج48 ص498). بإسناد حسن.

([793]) أثر صحيح.

    أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج4 ص156 و157)، والطيوري في «الطيوريات» (ص150)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج8 ص103). بإسناد صحيح.

    وذكره البربهاري في «شرح السنة» (ص139).

([794]) أثر حسن.

    أخرجه الفريابي في «القدر» (ص217). بإسناد حسن.

([795]) أثر حسن.

    أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص139). بإسناد حسن.

([796]) أثر حسن.

    أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج7 ص26 و33). بإسناد حسن.

([797]) انظر: «تذكرة الحفاظ» للذهبي (ج3 ص1104)، و«السير» له (ج17 ص558).

([798]) قلت: ففساد التوقير لأهل البدع ينقض الإسلام ويهدمه، ويتهم بعدم الكمال، وأنه بحاجة إلى مزيد، وذلك اتخاذ البدعة دينا بدلا من السنة، فيدين الناس بعقائدهم المنحرفة عن الكتاب والسنة، فبذلك يهدم الإسلام اللهم سلم سلم.

([799]) «أصول السنة» (ص35).

([800]) قلت: فالمتبع للبدعة مبتغ للفتنة، لأنه لا ينتهي منه إلى حد تسكن إليه نفسه، والفتنة: العلو في التأويل المظلم.

     انظر: «شرح السنة» للبغوي (ج1 ص222).

     قال سليمان بن الأشعث: سمعت أحمد بن صالح ذكر اللفظية فقال: (هؤلاء أصحاب بدعة، ويدخل عليهم أكثر من البدعة).

     أخرجه الخلال في «السنة» (2169)، وأبو داود في «المسائل» (ص371). بإسناد صحيح.

([801]) قلت: والمميع خالف هذا الإجماع في أصل من أصول الدين، والله المستعان.

([802]) وانظر: «شرح السنة» للبربهاري (ص128).

([803]) قلت: والواجب على هذا أن يفقه منهج السلف، وما عندهم من قوة في العلم والإيمان، ومع ذلك خافوا أن يفتتنوا بأهل البدع، فأين منهم من أمن الافتتان بمجالسة أهل البدع من أمثال هذا الجاهل، على ما به من جهل عظيم في الدين، بدعوى أنه واثق من دينه، ولا يخشى التأثر بهم؛ اللهم غفرا.

([804]) أثر صحيح.

     أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص176). بإسناد صحيح.

([805]) انظر: «النهاية» لابن الأثير (ج3 ص352).

([806]) انظر: «المصدر السابق» (ج1 ص339).

([807]) قال النبي r: (ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه) حديث حسن لغيره.

     أخرجه البزار في «المسند» (ج1 ص60- الزوائد)، والعقيلي في «الضعفاء» (ج3 ص447)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص343)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص143)، والدولابي في «الكنى» (ج1 ص151)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج3 ص33)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج5 ص328)، وابن شاهين في «الترغيب» (ص403)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (ج1 ص215).

     وهو مروي عن جماعة من الصحابة y أجمعين، والحديث حسنه المنذري في «الترغيب» (ج1 ص162) والشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج4 ص412).

([808]) طائفة: الطائفة الجماعة من الناس.

([809]) ظاهرون: أي غالبون.

([810]) والحديث من الأحاديث المتواترة.

([811]) انظر: «الجماعات الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة» للهلالي (ص46).

([812]) قال الحافظ العلائي / في «إثارة الفوائد» (ج1 ص79): (وهم الذين جعلهم الله أركان هذه الشريعة الزاهرة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، لولاهم لكانت ظاهرة، وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه، وتتحيز رأيا تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث، فإن الكتاب عدتهم، والسنة حجتهم، والنبي r فيؤهم وإليه نسبتهم، فهم الجمهور العظيم، وسبيلهم الصراط المستقيم، وهم الذين لا يزالون على الحق ظاهرين، ولمن عاداهم، وناواهم قاهرين). اهـ

     قلت: لأنهم على الحق المبين، وقد أخبر النبي r بنصرهم.

([813]) انظر: «تاريخ بغداد» للخطيب (ج13 ص441).

([814]) قال الشيخ الألباني / في «الصحيحة» (ج1 ص542): (ولا منافاة بينه، وبين ما قبله كما هو ظاهر؛ لأن أهل العلم هم أهل الحديث). اهـ

([815]) وقد ورد الإسناد هكذا، قال ابن مالك يعني: القطيعي - ثنا الفضل بن الحباب ثنا القعنبي ثنا شعبة ثنا منصور عن ربعي عن أبي مسعود t عن النبي r به.

     قال الحافظ ابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج11 ص268): (رواه أبو داود عن القعنبي، ورواه القطيعي في «زوائد المسند» عن أبي خليفة الفضل بن الحباب به).

([816]) انظر: «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ص497) و«شرح الأربعين النووية» لشيخنا الشيخ محمد العثيمين (ص206).     

([817]) انظر: «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ص498) و«معالم السنن» للخطابي (ج7 ص172)، و«أعلام الحديث» له (ج3 ص2198)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج9 ص299)، و«عمدة القاري» للعيني (ج13 ص120)، و«الكواكب الدراري» للكرماني (ج21 ص236)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج7 ص496)، و«تحفة الباري» للأنصاري (ج6 ص102)، و«مرقاة الصعود» للسيوطي (ج5 ص177).    

([818]) انظر: «شرح الأربعين النووية» لشيخنا الشيخ محمد العثيمين (ص207).

([819]) قلت: فلما ترك القاص الحياء ارتكب الشرور والعياذ بالله.

([820]) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج6 ص523).

([821]) انظر: «معالم السنن» للخطابي (ج7 ص171 و172)، و«شرح الأربعين» للنووي (ص95)، و«التعيين في شرح الأربعين» للطوفي (ص168)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج9 ص299)، و«عمدة القاري» للعيني (ج13 ص120)، و«الكواكب الدراري» للكرماني (ج21 ص236)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج7 ص496)، و«تحفة الباري» للأنصاري (ج6 ص102)، و«مرقاة الصعود» للسيوطي (ج5 ص177).    

([822]) القاص بقدحه في العلماء، وكذبه عليهم، وغير ذلك فقد فقد الحياء؛ نعوذ بالله من الخذلان.

      قال النووي في «شرح الأربعين» (ص94): (إذا ترك المرء الحياء فلا تنتظرون منه خيرا). اهـ

([823]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص301)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1343).

([824]) انظر: «تنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من الأخطار» للسحيمي (ص184).

([825]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص364)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1303).

([826]) وانظر: «المعلم» للمازري (ج2 ص250)، و«إكمال المعلم» للقاضي عياض (ج5 ص478).

([827]) وانظر: «مكمل إكمال الإكمال» للسنوسي (ج6 ص113).

([828]) قلت: والقتل في الناس صار على وجه التعليم أخذه الواحد عن الواحد حتى انتهى إليه.

     وهكذا التعليم في الضلالة، والبدع، والمعاصي يكون على الأول كفل من ذلك، لأنه هو الذي علمهم الشر.

     ثم يأخذ ذلك الشر الاتباع في التعليم فيأخذه الواحد عن الواحد، ثم ينتشر الشر في الاتباع، والعياذ بالله.

     قلت: والشرور التي انتشرت في الجماعات الإسلامية أكبر دليل، اللهم سلم سلم.

     وانظر «إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج6 ص113).

([829]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص704).

([830]) انظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج2 ص85).

[831]) حديث صحيح.

    أخرجه أبو داود في «سننه» (4597)، وأحمد في «المسند» (ح4ص102)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج19 ص376)، وابن العطار في «الاعتقاد» (ص58)، واللالكائي في «الاعتقاد» (150)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص128)، والمروزي في «السنة» (ص14)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص7و8) بإسناد صحيح.

    والحديث صححه الشيخ الألباني في «ظلال الجنة» (ص7).

([832]) قلت: والمبتدع هو المتبع في البدع.

([833]) قلت: وهذا لا يعطي مفهوما صحيحا للاستدلال بالكتاب والسنة؛ إلا إذا رده إلى المحكم.

([834]) قلت: أما العالم الراسخ الذي يتحرى مواقع الحق، ولكنه يزل عنها أحيانا لعارض فهو مغفور له، لأنه لم يقصد اتباع المتشابه، ولم يتبع هواه، ولا جعله عمدة في دين الله تعالى، بل إن ظهر له الحق أذعن له، وترك فهمه ورأيه.

([835]) قلت: وما في كتبه ما يضل ويشقى، وإن كان فيها شيء من الصواب وهو قليل بجانب فسادها العظيم، وشرها المستطير.

([836]) يعني: بالحج.

([837]) قلت: قال أبو زرعة / في «السؤالات» (ص276) عن سليمان الشاذكوني أحد الكذابين: (ذاك اللسان، والفصاحة، بأي: شيء ختم له، نسأل الله الستر!).

([838]) الحارث هو ابن أسد البغدادي المحاسبي الصوفي، وهو ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا توفي سنة: (ثلاث وأربعين ومئتين) هـ.

     انظر: «السير» للذهبي (ج12 ص112).

     قال الإمام أحمد /: (حارث أصل البلية، يعني: حوادث كلام جهم بن صفوان، ما الآفة إلا حارث!).

     انظر: «بحر الدم» لابن عبدالهادي (ص99). 

     قال أبو عبدالرحمن الأثري: ربيع أصل البلية في نشره الإرجاء الخبيث، وهو الآفة في ذلك، وما أسرع الناس إلى البدع، نعوذ بالله من الخذلان.

([839]) الدبيلي هذه النسبة إلى دبيل وهي قرية من قرى الرملة من الشام، ونسب إليها عبد الرحيم بن يحيى الدبيلي.

     انظر: «الأنساب» للسمعاني (ج4 ص313، 314)، و«الإكمال» لابن ماكولا (ج3 ص352).         

([840]) حاتم بن عنوان الأصم، توفي سنة «سبع وثلاثين ومئتين هـ».

     انظر: «حلية الأولياء» للأبي نعيم (ج8 ص73)، و«تاريخ بغداد» للخطيب (ج8 ص241). 

([841]) شقيق بن إبراهيم الأزدي البلحي، أحد شيوخ التصوف، توفي سنة «أربع وتسعين ومئة هــ».

     انظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي (ج2 ص279).

([842]) هذا الخبر أخرجه أيضا الخطيب في «تاريخ بغداد» (ج8 ص215)، وأورده الذهبي في «تاريخ الإسلام» (ج18 ص208، 209)، وفي «سير أعلام النبلاء» (ج12 ص112)، وفي «الميزان») (ج1 ص431)، وابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج2 ص135، 136).

([843]) قلت: نحدثهم بكتاب الله تعالى، وبسنة رسوله r، ويحدثونا بكتب رؤوس الضلالة.

([844]) قلت: وتقرأ كتب المبتدعة المثناة على الجماعات الحزبية، ولا يعيبها أحد من الحزبيين!، ولا يوجد من يغيرها، بل هذه الكتب المثناة تتلى عليهم في «المساجد وغيرها»، وهذه الكتب المخالفة للشرع من أشراط الساعة!؛ نعوذ بالله من الخذلان. 

([845]) سورة الأعراف آية [1-2-3].

([846]) يعني: ترك القول، والعمل بموجب أحاديث رسول الله ه.

([847]) حديث حسن.

     أخرجه الترمذي في «سننه» (ج5 ص287)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص116)، والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص129) من حديث عدي بن حاتم ط.

     وإسناده حسن.

([848]) كــ«كتب ربيع المدخلي» وغيره، والله المستعان.

([849]) وانظر: «إعانة المستفيد» للشيخ الفوزان (ج2 ص159)، و«هدية السلطان» للمعصومي (ص94)، و«فتح المجيد» للشيخ عبدالرحمن بن حسن (ج1 ص210)، و«الإيمان» لابن تيمية (ص66)، و«الخلاف بين العلماء» لشيخنا ابن عثيمين (ص28)، و«القول المفيد» له (ج2 ص264).

([850]) قلت: إنما هلكت «الفرق» عندما أقبلت على كتب الهالكين، وتركت الكتاب، والسنة، والآثار، نعوذ بالله من الخذلان.

([851]) أثر صحيح.

     أخرجه الخلال في «العلم» (ص472-الطرق الحكمية) من طريق محمد بن أبي هارون: أن أبا الحارث حدثهم به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([852]) أثر صحيح.

     أخرجه الخلال في «العلم» (ص471-الطرق الحكمية) من طريق محمد المروذي عن أحمد بن حنبل به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([853]) أثر صحيح.

     أخرجه الخلال في «العلم» (ص472-الطرق الحكمية) من طريق محمد بن أحمد المقري عن أحمد بن حنبل به.

     قلت: وهذا سنده صحيح.

([854]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج9 ص18)، و«تحريم النظر في كتب الكلام» لابن قدامة (ص32)، و«الطرق الحكمية» لابن القيم (ص471)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج28 ص109)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج11 ص69)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج14 ص59)، و«لسان الميزان» لابن حجر (ج4 ص238)، و«تلبيس إبليس» لابن الجوزي (ص331)، و«شرح لمعة الاعتقاد» لشيخنا ابن عثيمين (ص159)، و«الإبانة الصغرى» لابن بطة (ص169 و225).

([855]) أخرجه أبو طاهر السلفي في «معجم السفر» (ص64).


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan