الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / الكواكب البارقة لقصف فتوى من لا يرى إفطار الصائم والشمس طالعة
الكواكب البارقة لقصف فتوى من لا يرى إفطار الصائم والشمس طالعة
الكواكب البارقة
لقصف
فتوى من لا يرى إفطار الصائم والشمس طالعة
دراسة أثرية منهجية علمية، وهي رد على أهل الحقد من أتباع الجماعات الحزبية الذين يشوشون على فتاوى الصحابة الكرام في الأصول والفروع، وذلك لغربتها عندهم في بلدانهم، فلا يعملون بفتاوى الصحابة الكرام إلا القليل منها إن وافقت ما عليه هم من
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ]أفلا تبصرون[ [الذاريات: 21].
درة نادرة
في إيمان النبي r، وأصحابه y وآمن معهم أهل الحديث في هذا الزمان في إفطار الصائم والشمس طالعة في جهة المغرب بيسير عن الأرض
قال الإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي / في «النقض» (ص182): (أخبار كثيرة عن رسول الله r وأصحابه، والتابعين اختصرنا؛ منها: هذه الأحاديث.
ليعلم من نظر فيها مخالفتكم رسول الله r وأصحابه، والتابعين، وإن لم تكن تؤمن بها أنت، وأصحابك، فقد آمن بها من هو خير منكم وأطيب). اهـ
قلت: فقد آمن بالأحاديث والآثار النبي r، والصحابة y، والتابعون الكرام، وكفى: ]فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون[ [الأنعام: 81].
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني /
في
رده على الشيخ عبد المحسن العباد في مسألة صوم يوم السبت، وصوم يوم العيد أن النهي يوم العيد عندكم مشهور، والآخر ليس بمشهور في البلدان([1])
قال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني /: (طيب ما هو الفرق بين نهي، وبين نهي؛ أنا أقول الجواب: الفرق أن النهي عن صوم يوم العيد معروف عند عامة العلماء؛ بل وعامة طلاب العلم([2])، أما النهي عن صوم يوم السبت، فهذا كان مجهولا عن صوم يوم العيد).([3]) اهـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
العلامة فقيه الأمة شيخنا محمد بن صالح العثيمين /
في
أنه لا يؤخذ بفتوى جمهور العلماء([4]) إذا خالفوا الأدلة الواضحة، وأنه يؤخذ بقول العالم الواحد إذا وافقها، وأن البعض يظن أن الإجماع في بلده متحقق، فإذا بحث عن الحكم على التحقيق الصحيح وجد أن الحكم الصحيح مع هذا العالم لموافقته الأدلة من الكتاب والسنة والآثار والأقوال
سئل العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين / تعالى: هب أن رجلا خالف كثيرا من أهل العلم في مسألة خلافية هل يبغض هذا الشخص في الله، وهل تشن عليه الهجمات ؟!.
فأجاب فضيلته: (لا، أبدا. لو خالف الإنسان جمهور العلماء في مسألة قام الدليل على الصواب بقوله فيها، فإنه لا يجوز أن نعنف عليه، ولا يجوز أن تحمى نفوس الناس دونه أبدا، بل يناقش هذا الرجل ويتصل به؛ كم من مسألة غريبة على أفهام الناس، ويظنون أن الإجماع فيها محقق، فإذا بحث الموضوع وجد أن لقول هذا الرجل من الأدلة ما يحمل النفوس العادلة على القول بما قال به واتباعه!!!.
صحيح أن الظاهر أن يكون الصواب مع الجمهور هذا الغالب، لكن لا يعني ذلك أن الصواب قطعا مع الجمهور؛ قد يكون الدليل المخالف للجمهور حقا، وما دامت المسألة ليس فيها إجماعا؛ فإنه لا ينكر على هذا الرجل، ولا توغر الصدور عليه، ولا يغتاب، بل يتصل به ويبحث معه، ويناقش مناقشة يراد بها الحق. والله سبحانه وتعالى يقول: ]ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر[ [القمر:17]، كل من أراد الحق، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية / تعالى في العقيدة الواسطية: (من تدبر القرآن للهدى منه تبين له طريق الحق).([5]) اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
شيخ الإسلام ابن تيمية / في الحذر من أهل الحقد والحسد؛ مثل: «فرقة الجماعة»، و«فرقة الطالحية»، و«الفرقة اليمنية» وغيرهم؛ لأنهم يفسدون بين ذات البين في البلدان([6])
قال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين[ [الحجرات: 6].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص132): (فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول، والأديان على خلق من المشايخ، والعلماء، والملوك، والأمراء، وهم يسعون في الأرض فسادا، ويصدون عن سبيل الله. فضررهم في الدين: أعظم من ضرر من يفسد على المسلمين دنياهم). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص323):
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «التعليق المختصر على القصيدة النونية» (ج2 ص557)؛ عن أهل الأهواء: (يحرضون على أهل السنة والجماعة دائما([9]) وأبدا عند السلاطين والولاة([10])، وكثيرا ما امتحن أهل السنة والجماعة بسبب هؤلاء). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
شيخ الإسلام ابن تيمية / على أن تفاسير السلف من المحكم الواضح، وليست من المتشابه غير الواضح؛ لأنهم يعلمون معاني الآيات، والأحاديث؛ لذلك: لا يقال أنها من المتشابه الذي لا يعلم معناه؛ كما في أصل الفتوى، اللهم غفرا
فالصحابة y، والتابعون الكرام: أجمعوا على تلقي أخبار الأصول والفروع بالقبول؛ مع الإيمان بمعانيها، وعدم تكلف السؤال عن تأويلها، وهذا هو الواجب في هذا الباب؛ أن تقر هذه النصوص الشرعية بإثبات حقائقها، وفهم معانيها.([11])
وعليه يكون الصحابة الكرام هم: الراسخون في العلم يعلمون التأويل الذي بمعنى التفسير والبيان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص285): (أن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله، ولا قال: هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه، ولا قال قط أحد من سلف الأمة، ولا من الأئمة المتبوعين: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها، ولا يفهمها رسول الله r، ولا أهل العلم والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس وهذا لا ريب فيه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص186): (هذه الأحاديث قد رواها الثقات فنحن نرويها، ونؤمن بها. ولا نفسرها). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص173):
واعــلــــم بأن طـــريـــقـــهــم عــكـــــــس |
|
|
الــــطـــــريق المستقيم لمن له عينان |
جعلوا كلام شيوخهم نصا له |
|
|
الإحكام موزونا به النصان |
وكلام باريهم وقول رسولهم |
|
|
متشابها([12]) محتملا لمعان! |
وقال العلامة ابن عيسى / في «توضيح المقاصد» (ج2 ص60): (وجعلوا كلام شيوخهم نصا له الإحكام: هو بكسر الهمزة؛ أي: محكما، وكلام الله تعالى، ورسوله r متشابها مجملا فلما بنوا الأمر على هذين الأصلين الباطلين تولد من ذلك أنهم يعرضون النصوص على كلام مشايخهم([13])؛ فإن وافقتها قبلوها، وإن خالفتها دفعوها ... ويقولون: كلام الشيخ أولى: وهو أعلم منا بالنصوص، ونحن مقلدون). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص230): (وحقيقة الأمر أن كل طائفة تتأول كل ما يخالف نحلتها ومذهبها، فالعيار على ما يتأول، وما لا يتأول هو المذهب الذي ذهبت إليه، والقواعد التي أصلتها فما وافقها أقروه، ولم يتأولوه، وما خالفها: فإن أمكنهم دفعه وإلا تأولوه). اهـ
وقال العلامة ابن هراس / في «شرح القصيدة النونية» (ج1 ص373): (فهم بدلا من أن يجعلوا النص أصلا محكما، ويردوا إليه ما تنازعوا فيه، ويزنوا به أقوال الناس، عكسوا القضية، فجعلوا كلام شيوخهم هو النص المحكم، وجعلوه هو الميزان الذي يزنون به نصوص السنة والقرآن، وجعلوا كلام الله تعالى، وكلام رسوله r مجملا متشابها([14]) محتملا لأكثر من معنى، وتولد عن هذين الأصلين الفاسدين أسوأ النتائج.
فمنها: أنهم يجعلون كلام شيوخهم هو صاحب السلطان في الإبقاء على ما يشاء من النصوص، وعزل ما يشاء شأن القائد مع جيشه!.
ومنها: أنهم يجعلون أقوال الشيوخ هي الميزان الذي توزن به النصوص من السنة والقرآن؛ فإن وافقته فبما ونعمت، وإن خالفته وجب دفعها!). اهـ
وقال العلامة ابن هراس / في «شرح القصيدة النونية» (ج1 ص347): (يعني: أنهم يتركون النصوص لقول فلان من الناس([15])؛ لأن قوله في نظرهم نص محكم، لا اشتباه فيه، ولا يحتمل أكثر من معنى، أما ظواهر النصوص؛ فهي متشابهة محتملة لمعان عدة؛ ولأنه من جهة أخرى أعلم بالنصوص وبحالها منهم، فهم لا يعرفون تفسيرها إلا من جهته، ولا ينظرون فيها إلا بعينه). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
شيخ الإسلام ابن تيمية /
في وجوب الإفتاء بالكتاب والسنة والآثار حتى لو كره ذلك عدد من فقهاء زمانك
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج6 ص124)؛ عما ثبت في السنة: (وكل هذه الأمور جائزة بسنة رسول الله r، وإن كان من الفقهاء من يكره بعض ذلك، لاعتقاده أنه لم يثبت([16]) ... فذلك لا يقدح في علم من علم أنه سنة).اهـ
وقال الإمام أبو شامة المقدسي الشافعي / في «المؤمل» (ص125): (وأئمة الحديث هم المعتبرون القدوة في فنهم فوجب الرجوع إليهم في ذلك.
وعرض آراء الفقهاء على السنن والآثار الصحيحة، فما ساعده الأثر: فهو المعتبر؛ وإلا فلا نبطل الخبر بالرأي). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص264):
العلم قال الله قال رسوله |
|
|
قال الصحابة هم أولو العرفان |
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة |
|
|
بين الرسول وبين رأي فلان |
قلت: فلا تنصب الخلاف، وتجعله في مقابل قول الله تعالى، وقول رسوله r، وقول الصحابة y.
فلا قول لأحد مع ما ثبت في الكتاب، والسنة، والآثار.
قال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص394):
إن قلت قال الله قال رسوله |
|
|
فيقول جهلا أين قول فلان |
قلت: فلا يجتمع في قلب العبد قول الرسول r، ورأي فلان قد أخطأ في الحكم، أو اشتبه عليه الأمر.
قال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص282):
أصلتم آراء الرجال وخرصها |
|
|
من غير برهان ولا سلطان |
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
وبه استعين
ذكر الدليل على أن الإسلام سوف يعود في آخر الزمان غريبا بين الناس في البلدان الإسلامية في أحكام أصوله وفروعه
عن أبي هريرة t، قال: قال رسول الله r: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء). وفي رواية: (إن الدين بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (145)، وابن ماجه في «سننه» (3986)، وابن منده في «الإيمان» (423)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص160 و165)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج11 ص307)، وفي «شرف أصحاب الحديث» (ص23)، وفي «موضح الأوهام» (ج1 ص141 و142)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج3 ص156)، وتمام الرازي في «الفوائد» (ج5 ص113)، والدينوري في «المجالسة» (ج3 ص225)، وبحشل في «تاريخ واسط» (ص132)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج5 ص226)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص101)، والآجري في «صفة الغرباء» (4)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص389)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (1051)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج1 ص212)، وابن راهويه في «المسند» (ج1 ص382)، والخليلي في «الإرشاد» (ج2 ص658)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج4 ص469)، وابن حزم في «الإحكام» (ج8 ص37)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج1 ص157)، وأبو يعلى في «المسند» (ج11 ص52)، وابن عدي في «الكامل» (ج2 ص462)، والبيهقي في «الزهد الكبير» (204)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج13 ص237)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص298) من طرق عن أبي هريرة t به.
وبوب الحافظ أبو نعيم / في «المسند المستخرج» (ج1 ص212)؛ باب: الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا.
قلت: وهذا الحديث يفيد أن قلة من الناس يعرفون أحكام الإسلام، وأكثرهم لا يعرفون أحكامه لجهلهم به، فهم ينتسبون إلى الإسلام لكن لا يعرفون الإسلام الصحيح لإعراضهم عن تعلم العلم الشرعي.([17])
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج1 ص299): (فتأملنا هذه الآثار، فوجدنا الإسلام دخل على أشياء ليست من أشكاله، فكان بذلك معها غريبا لا يعرف، كما يقال لمن نزل على قوم لا يعرفونه: إنه غريب بينهم، ثم أخبر رسول الله r أنه يعود كذلك). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص219): (وإنما غربتهم –يعني: أهل السنة- بين الأكثرين، الذين قال الله عز وجل فيهم: ]وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله[ [الأنعام: 116]). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص224)؛ عن صاحب السنة: (فهو غريب في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعدا ولا معينا فهو عالم بين جهال). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص292): (ولهذا لما بدأ الإسلام غريبا لم يكن غيره من الدين مقبولا). اهـ
قلت: فيقل من يعرف أحكام الإسلام على التفصيل في الأصول والفروع([18])، وهذا هو الإسلام الغريب بين الناس في البلدان الإسلامية، ولهذا قال r: (وسيعود كما بدأ غريبا).
فعن أحمد بن عاصم الأنطاكي /، قال: (إني أدركت من الأزمنة زمانا عاد فيه الإسلام غريبا كما بدأ، وعاد وصف الحق فيه غريبا كما بدأ).([19])
قلت: فهذا وصف أهل زمانه؛ فكيف بما حدث بمثل ما في هذا الزمان الذي لم يخطر بباله، ولم يدر في خياله!.
وقال الإمام ابن رجب / في «كشف الكربة» (ص14)؛ عن صاحب السنة: (لغربته بين أهل الفساد من أهل الشبهات والشهوات). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: (فإن الإسلام اليوم غريب).([20]) اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ / في «مصباح الظلام» (ج2 ص355): (وقد عفت آثار العلم، واشتدت غربة الإسلام حتى خاض في هذه المباحث، وتصدى للرد على علماء الأمة من لا يعرف حقيقة الإسلام، ولم يميز بين حق الله، وحق عباده، وأوليائه من الأنام). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح الكافية الشافية» (ج4 ص238): (الغربة ليست غربة الوطن، ولكنها غربة الدين، وهذه أشد من غربة الوطن، إذ إن غريب الوطن ربما تزول غربته بما يحصل له من الفرح والسرور وتجدد الإخوان والأصحاب، لكن غربة الدين هي البلاء، وهي التي تحتاج إلى صبر). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد» (ج1 ص306): (من تأمل ما عليه الناس اليوم في كثير من البلدان الإسلامية تبين له ترك التوحيد، وغربة الدين). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص222)؛ عن ظهور الإسلام أولا: (ثم أخذ –يعني: الإسلام- في الاغتراب والترحل، حتى عاد غريبا كما بدأ، بل الإسلام الحق الذي -كان عليه رسول الله r وأصحابه- هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره، وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة، فالإسلام الحقيقي غريب جدا، وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس). اهـ
قلت: رحم الله الإمام ابن القيم، كيف لو عاش في عصرنا هذا؟!.
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج3 ص157): (لا ريب أن إظهار الحق ونشره في هذا العصر، ودعوة الناس إليه يعتبر من الأمور الغريبة، وذلك لاستحكام غربة الإسلام، وقلة دعاة الحق، وكثرة دعاة الباطل، وهذا مصداق ما أخبر به نبينا ورسولنا محمد r حيث قال في الحديث الصحيح: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء) ([21]». اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج23 ص192): (ولا سيما في هذا العصر، الذي اشتدت فيه غربة الإسلام، وكثر فيه دعاة الباطل، وانتشرت فيه أنواع الإفساد في غالب المعمورة، واختلط الحابل بالنابل، والظالم بالمظلوم، والمفسد بالمصلح، والجاهل بالعالم، فإن هذا العصر شديد الغربة، شديد الاختلاط، شديد البلاء إلا من عصم الله ووفقه). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: (فإذا كان الإسلام يعود كما بدأ، فما أجهل من استدل بكثرة الناس([22]».([23]) اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
شيخ الإسلام ابن تيمية / في أن من اتبع الصحابة في الأصول والفروع فقد وافق السنة ومن خالفهم
فقد وقع في المخالفة ولابد
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص28): (قال تعالى: ]والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان y ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم[ [التوبة: 100]، فجعل التابعين لهم بإحسان مشاركين لهم فيما ذكر من الرضوان والجنة([24])، وقد قال تعالى: ]والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم[ [الأنفال: 75]، وقال تعالى: ]والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم[، وقال تعالى: ]وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم[ [الجمعة: 3]؛ فمن اتبع السابقين الأولين كان منهم، وهم خير الناس بعد الأنبياء). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على وجوب التقيد بما عليه الصحابة السابقون من أحكام الإسلام
في الأصول والفروع
فهذا الضابط([25]) من الأسس الأصولية في قضية الاجتهاد في أحكام الدين في الأصول والفروع، لأنه يلزم المبتدئ، والمقصر في العلم الذي لم يبلغ مرتبة الاجتهاد، ولم يبلغ درجة التمكن في العلم؛ أن يتبع آثار الصحابة الكرام، وينضبط بحكمهم، ومنهجهم، ودعوتهم، وذلك حتى لا ينفرد عنهم بفهم ليس له فيه سلف من الصحابة y في مسألة من المسائل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص26): (وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغا لم يخالف إجماعا؛ لأن كثيرا من أصول المتأخرين محدث مبتدع في الإسلام مسبوق بإجماع السلف على خلافه والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ
وقال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة y فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص24)؛ عن تفضيل السلف على الخلف: (ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم خيرا، وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين وأعمالهم في جميع علوم الدين وأعماله؛ كالتفسير، وأصول الدين، وفروعه، والزهد، والعبادة، والأخلاق، والجهاد، وغير ذلك؛ فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة؛ فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير، وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم. وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوما). اهـ
وقال العلامة ابن عيسى / في «توضيح المقاصد» (ج1 ص223): (فإنه لا يمكن أحدا أن يدعي إجماع الأمة؛ إلا فيما أجمع عليها سلفها من الصحابة والتابعين، وأما بعد ذلك، فقد انتشرت انتشارا، لا تضبط أقوال جميعها). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن الأخذ بإجماع الصحابة أولى من غيرهم.
وقال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص301): (علامة من أراد الله تعالى به خيرا سلوك هذا الطريق كتاب اللـه، وسنن رسول الله r، وسنن أصحابه y، ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد). اهـ
وقال الإمام الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص210): (فإن كنتم من المؤمنين، وعلى منهاج أسلافهم، فاقتبسوا العلم من آثارهم، واقتبسوا الهدى من سبيلهم، وارضوا بهذه الآثار إماما، كما رضي القوم بها لأنفسهم إماما). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (فتارة يحكون الإجماع ولا يعلمون إلا قولهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (يحكون إجماعا ونزاعا ولا يعرفون ما قال السلف في ذلك ألبتة؛ بل قد يكون قول السلف خارجا عن أقوالهم). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «شرح السنة» (ص351): (فموقف المسلم من صحابة رسول الله r احترامهم، والترضي عنهم، والاقتداء بهم، واتباعهم، والدفاع عن أعراضهم، هذا هو موقف المسلم من صحابة رسول الله r). اهـ
وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص421): (فالله الله في نفسك، وعليك بالأثر، وأصحاب الأثر، والتقليد([26])؛ فإن الدين إنما هو بالتقليد؛ يعني: للنبي r، وأصحابه رضوان الله عليهم، ومن قبلنا لم يدعونا في لبس، فقلدهم واسترح، ولا تجاوز الأثر، وأهل الأثر!). اهـ
وقال الإمام ابن القيم /: (فالصحابة y أخذوا عن رسول الله r ألفاظ القرآن ومعانيه، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني أعظم من عنايتهم بالألفاظ، يأخذون المعاني أولا، ثم يأخذون الألفاظ).([27]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج5 ص560): (وأما تخصيص اتباعهم –يعني: الصحابة- بأصول الدين دون فروعه فلا يصح؛ لأن الاتباع عام). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص474): (وتقليدهم –يعني: الصحابة - اتباع لهم، ففاعله ممن y). اهـ
وقال المفسر الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص23): (القول إذا ظهر عن جماعة من الصحابة واستفاض، ولم يوجد له منهم مخالف؛ فهو إجماع، وحجة على من بعدهم). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج1 ص355): (فإنهم أصحاب رسول الله r، ولا مخالف لهم منهم، وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم، ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم؛ لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم، والنفس تسكن إليهم؛ فأين المهرب عنهم دون سنة، ولا أصل وبالله التوفيق). اهـ
وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص273): (من ثبت على قول رسول الله r وأمره، وأمر أصحابه، ولم يتخط أحدا منهم، ولم يجاوز أمرهم، ووسعه ما وسعهم، ولم يرغب عن طريقتهم ومذهبهم، وعلم أنهم كانوا على الإسلام الصحيح، والإيمان الصحيح، فقلدهم دينه واستراح، وعلم أن الدين إنما هو بالتقليد([28])، والتقليد لأصحاب محمد r). اهـ
قال تعالى: ]لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين[ [آل عمران:164].
وقال تعالى: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص26): (والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص227): (ومعلوم أن السابقين الأولين أعظم اهتداء واتباعا للآثار النبوية فهم أعظم إيمانا وتقوى وأما آخر الأولياء: فلا يحصل له مثل ما حصل لهم). اهـ
وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص83): (الأساس الذي تبنى عليه الجماعة، هم: أصحاب محمد r، وهم أهل السنة والجماعة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص186): (هذه الأحاديث قد رواها الثقات فنحن نرويها، ونؤمن بها. ولا نفسرها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص15): (وديانتنا التي بها ندين: التمسك بكتاب الله عز وجل وبسنة نبيه r، وما روي عن الصحابة، والتابعين، وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص18): (نعول فيما اختلفنا فيه على كتاب الله تعالى وسنة نبيه r، وإجماع المسلمين([29])). اهـ
وقال الإمام أحمد / في «أصول السنة» (ص7): (أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله r، والاقتداء بهم). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص118): (ما جاء عن النبي r من نقل الثقات، وجاء عن الصحابة وصح عنهم؛ فهو علم يدان به، وما أحدث بعدهم ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم؛ فبدعة وضلالة).اهـ
قلت: وهم خير القرون بنص الرسول r عنهم، وإجماعهم حجة ملزمة، لأنه مقتضى الكتاب والسنة.
وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص301): (والجماعة: ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله r
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «شرح السنة» (ص301): (وأول الجماعة، ومقدم الجماعة: صحابة رسول الله r، الذين هم أفضل القرون، ما اجتمع عليه صحابة رسول الله r فهو الجماعة، ومن بعدهم من كان على الحق فهو الجماعة، فالذي على الحق يسمى جماعة، ولو كان واحدا، ولو كان الناس كلهم على خلافه، إذا ليس المراد بالجماعة الكثرة، بل المراد بالجماعة من كانوا على الحق، ولو كانوا طائفة يسيرة). اهـ
وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص435): (واعلم أن الدين إنما هو التقليد([30])، والتقليد لأصحاب محمد r). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص66): (والمقصود: أن كثيرا من المتأخرين لم يصيروا يعتمدون في دينهم لا على القرآن ولا على الإيمان الذي جاء به الرسول r بخلاف السلف؛ فلهذا كان السلف أكمل علما وإيمانا، وخطؤهم أخف، وصوابهم أكثر). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص156): (قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا، وسنة نبينا، وما جاء عن الصحابة y والتابعين، وأئمة المسلمين). اهـ
وقال قوام السنة الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص237): (أخذ رسول الله r السنة عن الله عز وجل، وأخذ الصحابة عن رسول الله r، وأخذ التابعون عن الصحابة الذين أشار إليهم رسول الله r بالاقتداء بهم، ثم أشار الصحابة إلى التابعين من بعدهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (وأما المتأخرون الذين لم يتحروا متابعتهم، وسلوك سبيلهم، ولا لهم خبرة بأقوالهم وأفعالهم، بل هم في كثير مما يتكلمون به في العلم، ويعملون به لا يعرفون طريق الصحابة والتابعين في ذلك.
فهؤلاء تجد عمدتهم في كثير من الأمور المهمة في الدين إنما هو عما يظنونه من الإجماع، وهم لا يعرفون في ذلك أقوال السلف ألبتة، أو عرفوا بعضها ولم يعرفوا سائرها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (وهم –يعني: المتأخرين- إذا ذكروا إجماع المسلمين لم يكن لهم علم بهذا الإجماع؛ فإنه لو أمكن العلم بإجماع المسلمين لم يكن هؤلاء من أهل العلم به؛ لعدم علمهم بأقوال السلف؛ فكيف إذا كان المسلمون يتعذر القطع بإجماعهم في مسائل النزاع بخلاف السلف فإنه يمكن العلم بإجماعهم كثيرا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رسالته» (ص24): (يجب اتباع طريقة السلف من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فإن إجماعهم حجة قاطعة، وليس لأحد أن يخالفهم فيما أجمعوا عليه، لا في الأصول، ولا في الفروع). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص257): (أتدري -أيها المتعالم- من السلف؟!؛ السلف هم الرسول r، والخلفاء الراشدون، والصحابة y، والتابعون لهم بإحسان من أئمة الهدى والحق، فكيف تكون طريقة الخلف أهدى منهم!). اهـ ]إن هذا لشيء يراد[ [ص: 6].
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القواعد المثلى» (ص288): (الحق بلا ريب فيما كان عليه النبي r وأصحابه y وسلف الأمة
وأئمتها). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص288): (مخالفة النبي r، وأصحابه y، وسلف الأمة؛ لا شك أنه هو الباطل والضلال). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
إن احتج متعالم علينا بما عليه بعض الفقهاء المعاصرين فنحتج عليه بما كان عليه الصحابة من الأنصار والمهاجرين
قال العلامة الشيخ حمد بن ناصر آل معمر / في «الرد على القبوريين» (ص129): (فإن احتج أحد علينا بما عليه المتأخرون؛ قلنا: الحجة بما عليه الصحابة، والتابعون، والذين هم خير القرون؛ لا بما عليه الخلف الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج17 ص334): (لكن كثيرا من المتكلمين أو أكثرهم لا خبرة لهم بما دل عليه الكتاب، والسنة، وآثار الصحابة والتابعين لهم بإحسان؛ بل ينصر مقالات يظنها دين المسلمين بل إجماع المسلمين، ولا يكون قد قالها أحد من السلف؛ بل الثابت عن السلف مخالف لها).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص69): (فلما طال الزمان خفي على كثير من الناس ما كان ظاهرا لهم، ودق على كثير من الناس ما كان جليا لهم؛ فكثر من المتأخرين مخالفة الكتاب والسنة ما لم يكن مثل هذا في السلف). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص66): (كان السلف أكمل علما وإيمانا، وخطؤهم أخف وصوابهم أكثر). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (وأما المتأخرون الذين لم يتحروا متابعتهم، وسلوك سبيلهم، ولا لهم خبرة بأقوالهم وأفعالهم، بل هم في كثير مما يتكلمون به في العلم، ويعملون به لا يعرفون طريق الصحابة والتابعين في ذلك.
فهؤلاء تجد عمدتهم في كثير من الأمور المهمة في الدين إنما هو عما يظنونه من الإجماع، وهم لا يعرفون في ذلك أقوال السلف ألبتة، أو عرفوا بعضها ولم يعرفوا سائرها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (وهم –يعني: المتأخرين- إذا ذكروا إجماع المسلمين لم يكن لهم علم بهذا الإجماع؛ فإنه لو أمكن العلم بإجماع المسلمين لم يكن هؤلاء من أهل العلم به؛ لعدم علمهم بأقوال السلف؛ فكيف إذا كان المسلمون يتعذر القطع بإجماعهم في مسائل النزاع بخلاف السلف فإنه يمكن العلم بإجماعهم كثيرا). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «فتح رب البرية» (ص24): (أن السلف هم ورثة الأنبياء والمرسلين، فقد تلقوا علومهم من ينبوع الرسالة الإلهية، وحقائق الإيمان). اهـ
وقال الإمام ابن القيم /: (فكانت نصوص رسول الله r أجل في صدورهم وأعظم في قلوبهم من أن يعارضوها بقول أحد من الناس). ([31]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم /: (كان السلف يشتد عليهم معارضة النصوص بآراء الرجال، ولا يقرون على ذلك). ([32]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رسالته» (ص24): (يجب اتباع طريقة السلف من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فإن إجماعهم حجة قاطعة، وليس لأحد أن يخالفهم فيما أجمعوا عليه، لا في الأصول، ولا في الفروع). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص436): (ومن آتاه الله علما وإيمانا؛ علم أنه لا يكون عند المتأخرين من التحقيق إلا ما هو دون تحقيق السلف لا في العلم، ولا في العمل). اهـ
قلت: فالعلم ما كان عليه السلف الصالح، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص236): (وعلم أن الضلال والتهوك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، وإعراضهم عما بعث الله به محمدا r من البينات). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص230): (وحقيقة الأمر: أن كل طائفة تتأول ما يخالف نحلتها ومذهبها فالمعيار على ما يتأول وما لا يتأول هو المذهب الذي ذهبت إليه، والقواعد التي أصلتها فما وافقها أقروه ولم يتأولوه وما خالفها فإن أمكنهم دفعه وإلا تأولوه). اهـ
وقال الإمام الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص216): (إن الذي يريد الشذوذ عن الحق، يتبع الشاذ من قول العلماء، ويتعلق بزلاتهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص567): (وعند التنازع يجب الرد إلى الله والرسول وليس فعل غير الرسول حجة على الإطلاق). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص274): (ليس اتباع أحدهم واجبا على جميع الأمة؛ كاتباع الرسول r). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
]ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران :102].
]ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].
]ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 و71].
أما بعد...
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فاعلم أن من السنة تعجيل الفطر بغروب الشمس حتى لو كانت طالعة في مكان المغرب في المستوى المطلوب في الشرع([33])، لا زيادة على ذلك.
1) قال تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
قلت: ويتعين دخول الليل من غروب الشمس، ويتحقق للصائم الإفطار([34])، لقوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
وأول الليل مغيب الشمس؛ أي: وصول الشمس مكان الغروب.([35])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص63): (فدل على أن قرب الشيء قد يعبر به عنه، والمراد مفهوم). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج10 ص42): (أجمع العلماء على أنه إذا حلت صلاة المغرب فقد حل الفطر للصائم فرضا وتطوعا، وأجمعوا أن صلاة المغرب من صلاة الليل، والله تعالى يقول: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]).اهـ
قلت: ودخول الليل، وذلك بغروب الشمس، وليس بشرط أن تغيب في الأفق عن أعين الناظرين، كما يظن البعض، بل لو تقارب غروب الشمس يكفي للإفطار والصلاة، فافهم لهذا.([36])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص62): (والعرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه). اهـ
2) وعن محمد بن كعب قال: (أتيت أنس بن مالك t في رمضان وهو يريد السفر، وقد رحلت دابته، ولبس ثياب السفر، وقد تقارب غروب الشمس([37])، فدعا بطعام فأكل منه ثم ركب، فقلت له: سنة؛ قال: نعم).
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج2 ص318)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص247)، والدارقطني في «السنن» (ج2 ص188) من طريق سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم، أخبرني محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «حديث إفطار الصائم ...» (ص22).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
فقوله: «وقد تقارب غروب الشمس»؛ يدل على أن الشمس لم تغرب بالكلية، بل يرى قرصها بقرب الأرض، وهذا يسمى غروبا؛ كما يدل عليه الأثر، وهذا مطابق لظاهر القرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار السلفية.([38])
قلت: فلا عبرة بهذا المستوى من الشمس، فإن النهار قد انتهى عند العرب، فيجوز للصائم أن يفطر، وإن كان قرص الشمس لم يغب عن الناظرين، وحلت صلاة المغرب، لأن المغرب في الأصل: موضع الغروب، فإذا وصلت الشمس في جهة المغرب، وفي هذا المستوى من موضع الغروب، فهذا يسمى غروبا عند الصحابة y، لأن الشمس بعدت، ودخلت في الغروب.([39])
قال الفقيه البهوتي / في «كشاف القناع» (ج1 ص235): (وقت المغرب: وهو في الأصل: مصدر غربت الشمس؛ بـ«فتح الراء وضمها» غروبا، ومغربا، ويطلق في اللغة: على وقت الغروب ومكانه). اهـ
قلت: فالمغرب سمي بذلك لفعلها وقت الغروب؛ إذ الغروب في اللغة البعد، أو وقته، أو مكانه فإذا كانت الشمس بعيدة في مستوى الغروب، فهي قد غربت، وإن كان قرصها لم يغب([40])، لأن هذا يسمى غروبا.([41])
قال الفقيه ابن أبي الفتح / في «المطلع» (ص57): (المغرب في الأصل: مصدر غربت الشمس غروبا، ومغربا، ثم سميت الصلاة مغربا). اهـ
وهذا يدل على أن بقية النهار بعد غروب الشمس يسمى ليلا، مع أن النهار لم يغب بالكلية، أي: أنه لا عبرة بوجود شيء من آخر النهار([42])، وذلك لأن العرب تسمي ذلك ليلا؛ حتى مع وجود النهار([43])، فافهم لهذا.
قلت: وبيان السنة للقرآن: هو تفسير للوحي بوحي، فهي الأصل الأصيل في هذا الباب، وكل طرق التفسير الأخرى فرع عليها؛ فإذا عرف تفسير القرآن من جهة السنة كان الفيصل، ولم يحتج معه إلى نوع آخر.([44])
قلت: وأنت إذا نظرت إلى طلوع الشمس في الأفق في جهة المغرب، رأيت ظلمة من جهة المشرق، وهذه علامة تدل على أن الشمس قد غربت، وإن كانت طالعة.([45])
قلت: وهذا موافق للقرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار السلفية، وموافقته لأصل من أصول الشريعة الغراء: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185] .
قلت: والعبرة بغروب الشمس، أو قرب الغروب، ولا حاجة إلى أن يزول النور القوي، أو الحمرة، بل بمجرد ما يغيب قرص الشمس، أو قارب يفطر الصائم، كما فعل الصحابة الكرام.
3) وعن عبد الله بن أبي أوفى t، قال: (كنا مع النبي r في سفر، فقال لرجل من القوم: انزل فاجدح لي بشيء وهو صائم، فقال: الشمس يا رسول الله! قال: انزل فاجدح لي، قال: فنزل فجدح له فشرب، وقال: ولو ترآها([46]) أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس، ثم أشار النبي r بيده إلى المشرق، قال: إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا، فقد أفطر الصائم).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن عبدالله بن أبي أوفى به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الشيخ الألباني / في «مختصر صحيح البخاري» (ج1 ص571): (زاد عبد الرزاق (4/226/7594): «ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني: الشمس»، وسنده صحيح على شرط الشيخين).
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج3 ص412) وأقره؛ برواية ابن عيينة عن الشيباني عن ابن أبي أوفى t وفيه: (قال: فلو نزا أحد على بعيره لرآها؛ (يعني: الشمس)، ثم أشار النبي r بيده قبل المشرق).
قلت: وهذا الحديث يدل على أن النبي r أفطر مع وجود قرص الشمس لم يغيب كله، وشدة ضيائها، لقوله: (يا رسول الله الشمس)، وقوله: (إن عليك نهارا)، وقوله: (ولو تراآها احد على بعيره لرآها؛ يعني الشمس!)، مع أنه قال: (فلما غابت الشمس)، فهذا يسمى عند العرب غروبا، وهو نهاية الشمس([47])، فافطن لهذا ترشد.
قلت: وهذا الحديث يدل على أن الرسول r أفطر على أمر غير معتاد لبلال بن رباح t، وهو إفطاره r مع وجود قرص الشمس، وأن المعتاد عند بلال t هو إفطار النبي r مع مغيب قرص الشمس بالكلية([48])، فأراد النبي r أن يعلم الصحابة الكرام y أن تعجيل الفطر بهذا المستوى من الشمس من الدين، وهذا من باب التيسير على الأمة، وهو موافق لأصول من أصول الشريعة الغراء: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185]، وقد عمل بذلك الصحابة الكرام، وهم أعلم الناس بأحكام الشريعة المطهرة.([49])
قلت: وهنا يريد الصحابي أن يفسر الحديث المجمل في ألفاظه؛ بقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس)([50])، ويبين حكم غروب الشمس بهذا المستوى، وأن تفسير الصحابي الحاضر في موقع الحادثة مع النبي r أولى من غيره ممن لم يكن حاضرا مع النبي r، وهذا فيه رد على من فسر طلوع الشمس بالحمرة في الأفق: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
قلت: وهذا يدل أيضا على أن الأرض كانت غير مستوية؛ ليرى الناظر الشمس بوقوفه على قدمه، بل لابد أن يحتاج الناظر إلى أرض مرتفعة ليراها([51])؛ لقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس)، فافطن لهذا.
قلت: وأضف إليه قول بلال بن رباح t: (الشمس يا رسول الله!)، وقوله: (إن عليك نهارا)([52])، وأنه إذا وجد النهار لابد أن توجد الشمس طالعة في الأفق، والصحابة الكرام y هم عرب، ويتكلمون باللغة العربية، ويعرفون حقيقة النهار ووجوده، ويكون ذلك مع طلوع الشمس لا مع غيبوبتها بالكلية، فافطن لهذا.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (قوله: (إن عليك نهارا) يحتمل أن يكون المذكور كان يرى كثرة الضوء من شدة الصحو فيظن أن الشمس لم تغرب ويقول لعلها غطاها شيء من جبل ونحوه). اهـ
قلت: والصحيح أن الشمس غطاها شيء من سهل، أو تل، أو مرتفع، ونحو ذلك، وهذا يدل أنها لم تغب بالكلية، فهي خلف هذا المرتفع لقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها)، لأن لو تحقق لبلال بن رباح t أن الشمس قد غربت بالكلية ما توقف عن الجدح، وإنما توقف عن الجدح لطلوع قرص الشمس فوق الأرض، وهذا ظاهر لمن تدبر الحديث.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وأما قول الراوي: (وغربت الشمس)؛ فإخبار منه بما في نفس الأمر، وإلا فلو تحقق الصحابي أن الشمس غربت([53]) ما توقف؛ لأنه حينئذ يكون معاندا، وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة([54])). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص234): (القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج إلى أقوال أهل اللغة).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص236): (لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل، ورأي، وقياس). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص231): (النزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ
وقال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ
وقال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص301): (علامة من أراد الله تعالى به خيرا سلوك هذا الطريق كتاب اللـه، وسنن رسول الله r، وسنن أصحابه y، ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد). اهـ
قلت: فعليك بمذهب السلف الصالح في أحكام الدين، والاقتداء بهم فيه واتباعهم جملة وتفصيلا. ([55])
قلت: وهذا دليل على أن الإجماع للصحابة حجة، لا يجوز مخالفته، كما لا يجوز مخالفة الكتاب والسنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص194): (فالمخالف لهم مخالف للرسول r؛ كما أن المخالف للرسول r مخالف للـه؛ ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول r: وهذا هو الصواب.([56])
فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول r، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، ويعلم الإجماع. فيستدل به؛ كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص وهو دليل ثان مع النص). اهـ
وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج5 ص136): (إذا ثبت هذا، فلا بد من النظر في أمور تنبني على هذا الأصل:
منها: أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليدا له وذلك؛ لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدا بها؛ لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتا، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين.
ومنها: أنه لا يصح اعتمادها خلافا([57]) في المسائل الشرعية). اهـ
4) وعن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي، قال حدثني وفدنا [وهم: من الصحابة] الذين قدموا على النبي r، (كان بلال t يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله ما بقي من رمضان بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله r، فيأتينا بالسحور ... ويأتينا بفطرنا وإنا لنقول: ما نرى الشمس ذهبت كلها، فيقول بلال t: ما جئتكم حتى أكل رسول الله r؛ يضع في الجفنة فيلقم منها). وفي رواية: (وإنا لنقول: إنا لنتمارى في وقوع الشمس لما نرى من الاسفار).
حديث حسن
أخرجه الروياني في «المسند» (742)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج1 ص115)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (3279)، وابن هشام في «السيرة النبوية» (ج4 ص85) من طريق إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي به مطولا.
وذكره ابن حجر في «الإصابة» (ج5 ص210)؛ في ترجمة عطية بن سفيان ثم قال: (وأصحها رواية إبراهيم بن سعد عنه: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان([58])،حدثني: وفدنا الذين قدموا على النبي r بإسلام ثقيف، وقدموا عليه في رمضان... فذكر الحديث). اهـ
وذكره الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج2 ص495) من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن عيسى عن عطية بن سفيان به. ومن طريق أحمد بن خالد الذهبي: عن ابن إسحاق، عن عيسى، عن عطية: حدثنا وفدنا؛ [أي: من الصحابة الذين كانوا مع النبي r]؛ ثم قال ابن حجر: (ورواية أحمد بن خالد أشبه بالصواب، فإن عطية بن سفيان تابعي معروف). اهـ
وذكره الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج5 ص32) من طريق ابن إسحاق: حدثني عيسى بن عبد الله، عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم [وهم: من الصحابة] قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله r ما بقي من شهر رمضان بفطورنا وسحورنا فيأتينا بالسحور ... ويأتينا بفطرنا، وإنا لنقول ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد، فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله r، ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها). اهـ
قلت: وهذا سنده حسن، وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسه، وجهالة الوفد لا تضر، لأن جهالة الصحابة y لا تضر في الحديث، لأنهم كلهم عدول، كما هو مقرر في أصول الحديث.([59])
وقال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص158): (وجهالة الصحابي لا تضر، بخلاف غيره). اهـ
وقال العلامة الألباني / في «الصحيحة» (ج1 ص774): (وجهالة اسم الصحابي لا تضر، كما في المصطلح تقرر). اهـ
قلت: والشاهد قوله: (ما نرى الشمس ذهبت كلها)؛ حيث يدل على أن الصحابة y أفطروا مع بلال t في رمضان، والشمس قد قاربت الغروب، وهي طالعة في جهة المغرب، لم تغب بالكلية في الأرض.
وكذلك أفطر النبي r قبلهم والشمس طالعة وأخبر بلال t عن ذلك، بقوله: (ما جئتكم حتى أكل رسول الله r)؛ أي: أكل رسول الله r والشمس لم تغب بالكلية في الأرض.
قلت: وقد نقل العلماء حديث: قصة وفد ثقيف، وما فيه من إفطار النبي r وأصحابه y، والشمس طالعة، لم يغب قرص الشمس بالكلية، ولم ينكروا الحديث، بل أقروه؛ منهم: الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج5 ص32)، والحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج4 ص454)، و(ج5 ص210)، والحافظ البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص438)، والفقيه السهيلي في «الروض الأنف» (ج7 ص418)، والفقيه يحيى بن أبي بكر الحرضي في «بهجة المحافل» (ج2 ص28)، والفقيه المقريزي في «إمتاع الأسماع» (ج14 ص309).
ويؤيده: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (596)، و(598)، و(641)، و(4112) من طريق أبي سلمة قال: أخبرنا جابر بن عبد الله t (أن النبي r جاءه عمر بن الخطاب t يوم الخندق، فقال: يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب –يعني: وهي طالعة- وذلك بعد ما أفطر الصائم، فقال النبي r: والله ما صليتها، فنزل النبي r إلى بطحان وأنا معه، فتوضأ ثم صلى يعني العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب).
فقوله: (بعد ما أفطر الصائم)؛ فهذا يدل على أن الإفطار للصائم قد حدد بوقت محدد في الشرع، وهو فطره والشمس طالعة في جهة المغرب في الأفق، لقوله: (والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ يعني: لم تغيب بالكلية، بل كادت الشمس أن تغرب، وقد صلى النبي r في وقت غروب الشمس بالكلية، مع إثبات الغروب الأول، وهو قبل مغيب قرص الشمس حين أفطر الصائم، كما بين ذلك عمر بن الخطاب t، وأقره النبي r على ذلك.
وفي رواية لمسلم في «صحيحه» (631) قال عمر بن الخطاب t: (يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي العصر، حتى كادت أن تغرب الشمس).
قلت: ويؤكد ذلك ما بينه عبد الله بن مسعود t في هذا الغروب في يوم الخندق؛ وهو يرى الشمس طالعة بقوله t: (حتى احمرت الشمس، أو اصفرت)([60])
إذا فقوله: (بعدما أفطر الصائم)؛ أي: إذا كان المقصود بعد الغروب الكلي، فما الحاجة من تكرار قوله: (ثم صلى العصر بعد ما غربت الشمس)، فهذا يعني أن معنى قوله: (بعد ما أفطر الصائم)؛ أي: أن هذا هو المعروف عندهم بوقت إفطار الصائم([61])، وهو: (عندما كادت الشمس تغرب)؛ أي أن الشمس لم تغرب بالكلية، بل قرصها يرى وقد احمرت، واصفرت في الأفق بجهة المغرب، وقد دنت بالقرب من الأرض.
قلت: فعمر بن الخطاب t ذكر الغروبين معا في حديث واحد، الأول: غروب الشمس في الأفق، وهي طالعة، والثاني: الغروب الكلي، وهو سقوط قرص الشمس بالكلية.
فالوقت الأول: لإفطار الصائم، وهو وقت دخول صلاة المغرب أيضا.
والوقت الثاني: بعد إخفاء قرص الشمس.
ثم قوله t: (وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ فيكون ليس في ذكره أي فائدة لهذه العبادة إن كان بعد غروب الشمس بالكلية؛ فهو t أراد أن يبين وقت إفطار الصائم، وهذا يكون في الغروب الأول، ثم بين الغروب الثاني، لأنه كرر كلمة: (بعد ما غربت الشمس)، هذا في الغروب الثاني بالكلية، والنبي r صلى صلاة العصر في هذا الوقت؛ لأن المشركين شغلوه عنها فتأخر في صلاتها إلى أن غربت الشمس في الأرض، وهذا الغروب الثاني.
قلت: وهذا يبين أنه معروف عندهم إذا كادت الشمس تغرب، أن ذلك من الغروب، وهو وقت إفطار الصائم، وإلا ما فائدة لذكره t لوقت إفطار الصائم، إلا ليبين وقت الإفطار، ووقت الغروب الأول، ووقت الغروب الثاني الذي حصل بعد ذلك، وإلا لماذا كرر للغروبين؟!.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص123): (والذي يظهر لي أن الإشارة بقوله: (وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ إشارة إلى الوقت([62]) الذي خاطب به عمر t النبي r لا إلى الوقت الذي صلى فيه عمر t العصر، فإنه كان: (قرب الغروب)([63])، كما تدل عليه: (كاد».اهـ
5) وعن أيمن المكي قال: (دخلت على أبي سعيد الخدري t، فأفطر على عرق([64])، وأنا أرى أن الشمس لم تغرب). وفي رواية: (فرآه يفطر قبل مغيب القرص!).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص22)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق وكيع.
وأخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج4 ص196- فتح الباري)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق سفيان؛ كلاهما عن عبدالواحد بن أيمن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ورجاله كلهم ثقات، وقد صححه الشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (ج1 ص571).
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص196): (وصله سعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه، وقال: (دخلنا على أبي سعيد، فأفطر، ونحن نرى أن الشمس لم تغرب)؛ يعني: لم تغرب بالكلية.
وذكره العيني في «عمدة القاري» (ج9 ص130)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص589).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج3 ص416): (وعن أيمن المكي: «أنه نزل على أبي سعيد الخدري، فرآه يفطر قبل مغيب القرص». رواه سعيد بن منصور). اهـ
قلت: أفطر أبو سعيد الخدري t، وقرص الشمس لم يغيب([65])، بل لم يلتفت إلى موافقة من عنده على ذلك، بل طبق السنة في تعجيل الإفطار، وهذا هو الإتباع الذي يجب أن يتمسك به كل مسلم.([66])
6) وعن سهيل بن عمرو t قال: (لقد رأيت رسول الله r يفطر في شهر رمضان، ويخيل إلى الشمس لم تغرب من تعجيل فطره).
حديث حسن
أخرجه أبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى» (ج3 ص171) من طريقين عن محمد بن عمر العامري عن ابن مرسا قال: سمعت سهيل بن عمرو t به.
قلت: وهذا سنده حسن، وله شواهد.
فقوله: (ويخيل إلى الشمس لم تغرب)؛ فهذا يدل على أن النبي r يفطر، وقرص الشمس لم يغب بالكلية، وهذا في حكم الغروب المعروف بين العرب، فانتبه.
7) وعن أنس بن مالك t: (أن رسول الله r خطب أصحابه ذات يوم وقد كادت الشمس أن تغرب، فلم يبق منها إلا شيء يسير وفي راوية: [إلا شف يسير]، فقال: والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما، مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه، وما نرى من الشمس إلا يسيرا).([67])
والشاهد: (إلا شيء يسير ... وما نرى من الشمس إلا يسيرا)؛ وهذا بمعنى الغروب عند العرب.([68])
والشف: بقية النهار لما يرى من يسير من الشمس، لقوله: (وما نرى من الشمس إلا يسيرا)؛ أي: قد بقيت منها بقية، وهذا في حكم الغروب عند العرب.
وشفا كل شيء حرفه، قال تعالى: ]وكنتم على شفا حفرة[ [آل عمران: 103].
قال الحافظ ابن الأثير / في «النهاية» (ج2 ص271): (وفي حديث أنس t (أن النبي r خطب أصحابه يوما، وقد كادت الشمس تغرب ولم يبق منها إلا شف)؛ أي شيء قليل. الشف والشفا والشفافة: بقية النهار).اهـ
وقال اللغوي الرازي / في «مختار الصحاح» (ص145): (يقال للرجل عند موته، وللقمر عند امحاقه، وللشمس عند غروبها ما بقي منه إلا شفا؛ أي: قليل).اهـ
وقال الإمام الحربي / في «غريب الحديث» (ج2 ص818): (قال أبو نصر: يقال: بقي من الشمس شفا: أي شيء([69])). اهـ
وقال ابن منظور / في «لسان العرب» (ج19 ص166): (شفت الشمس تشفو: قاربت الغروب). اهـ
قلت: وهذا يعني أنها غربت، ودخل وقت صلاة المغرب، ووقت إفطار الصائم.
قال القلقشندي / في «صبح الأعشى» (ج2 ص367): (أما الطبيعي: فالليل من لدن غروب الشمس، واستتارها بحدبة الأرض إلى طلوعها، وظهورها من الأفق، والنهار من طلوع نصف قرص الشمس من المشرق إلى غيبوبة نصفها في الأفق في المغرب، وسائر الأمم يستعملونه كذلك.
وأما الشرعي: فالليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني، وهو المراد بالخيط الأبيض من قوله تعالى: ]وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر [ [البقرة: 187]، والنهار من الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وبذلك تتعلق الأحكام الشرعية من الصوم، والصلاة، وغيرهما). اهـ
8) وعن حاجب بن عمر قال: كنت أسمع الحكم بن الأعرج يسأل: درهما أبا هند؟([70]) فيقول درهم: (كنت أقبل من السوق فيتلقاني الناس منصرفين، قد صلى بهم معقل بن يسار t؛ فأتمارى غربت الشمس، أو لم تغرب).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص329) من طريق معاذ بن معاذ، عن حاجب بن عمر به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وهذا الصحابي معقل بن يسار المزني t ([71]) يصلي بالناس، ولم تغرب الشمس بالكلية، مما يدل على أن وجود قرص الشمس، أو بعضه يسمى غروبا عند السلف.
9) وعن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (كان عبد الله t، يصلي المغرب، ونحن نرى أن الشمس طالعة قال: فنظرنا يوما إلى ذلك فقال: ما تنظرون؟ قالوا: إلى الشمس، قال عبد الله: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة، ثم قال: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]، فهذا دلوك الشمس).
أثر صحيح
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص274)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص489) من طريق جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، وعمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين، وقد صححه العيني في «نخب الأفكار» (ج3 ص23)، والدارقطني في «العلل» (ج5 ص214).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، بهذه السياقة، ووافقه الذهبي.
وبهذا الوجه ذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (12856).
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9131) من طريق زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «صلى عبد الله المغرب، فلما انصرف جعلنا نلتفت، فقال: ما لكم تلتفتون؟ قلنا: نرى أن الشمس طالعة، فقال: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة، ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل».
وإسناده صحيح.
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص50)؛ ثم قال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
وأخرجه المخلص في «المخلصيات» (1594) من طريق ابن نمير قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عبدالرحمن بن يزيد قال: (صلينا مع عبد الله t المغرب، فجعلنا نلتفت ننظر نرى أن الشمس طالعة، فقال عبد الله t: ما تنظرون؟ قالوا: نرى أن الشمس طالعة، فقال: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة، ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] وقال: هذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل).
وإسناده صحيح.
قلت: فهذا ابن مسعود t يرى أن الشمس قد غربت، وهي لم تغب بالكلية، وهذا الغروب عند العرب من وجه.
واحتج عليهم ابن مسعود t بقوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ والدلوك: الميل، وهذه الشمس قد مالت جهة المغرب، وكادت أن تغيب، ولم تغب فهذا يسمى غروبا أيضا عند العرب.
فالشاهد: (ونحن نرى أن الشمس طالعة)؛ فهذا يسمى غروبا عند العرب، ولذلك اعتبر ابن مسعود t أن هذا المستوى للشمس من الأرض دخول وقت صلاة المغرب؛ لأنها مالت إلى جهة الغروب، وأوشكت أن تلامس الأرض، فصلى صلاة المغرب؛ لأن وقتها دخل شرعا، وصلى خلفه أصحابه، وهم فقهاء الأمة من التابعين، ولم ينكر أحد منهم عليه، ولم يتخلفوا عن الصلاة خلف ابن مسعود t، فافهم لهذا ترشد.
10) وعن حميد الطويل قال: (كنا عند أنس بن مالك t وكان صائما فدعا بعشائه، فالتفت ثابت البناني ينظر إلى الشمس، وهو يرى أن الشمس لم تغب، فقال أنس لثابت: لو كنت عند عمر t لأحفظك). يعني: لغضب عليك.
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في «الصيام» (ص56) من طريق محمد بن عبد الأعلى، حدثنا معتمر بن سليمان التيمي قال سمعت حميد الطويل([72]) به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وعن الشافعي / قال: (إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله r, فقولوا بسنة رسول الله r, ودعوا ما قلت).
أثر صحيح
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386).
وإسناده صحيح.
وعن ابن خزيمة / قال: (ليس لأحد مع رسول الله r قول إذا صح الخبر عنه).
أثر صحيح
أخرجه محمد بن طاهر في «السماع» (ق/3/ط)، والبيهقي في «المدخل» (ج1 ص38)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386).
وإسناده صحيح.
وعن مجاهد / قال: (ليس أحد إلا يؤخذ من قوله، ويترك من قوله إلا النبي r).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «المدخل» (ص107)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص300)، وابن عبد البر في «الجامع» (ج2 ص91) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص176).
وإسناده صحيح.
قلت: فهذه الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة، وأئمة هذه الأمة التي تبين اتباع كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة نبيه r، وآثار السلف.
قال الإمام ابن القيم /: (فالصحابة أخذوا عن رسول الله r ألفاظ القرآن ومعانيه، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني أعظم من عنايتهم بالألفاظ، يأخذون المعاني أولا، ثم يأخذون الألفاظ).([73]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم /: (فإن الصحابة هم الذين رووا هذه الأحاديث، وتلقاها بعضهم عن بعض بالقبول، ولم ينكرها أحد منهم على من رواها، ثم تلقاها عنهم جميع التابعين من أولهم إلى آخرهم، ومن سمعها منهم تلقاها بالقبول، والتصديق لهم، ومن لم يسمعها منهم تلقاها عن التابعين كذلك، وكذلك تابع التابعين مع التابعين؛ هذا أمر يعلمه ضرورة أهل الحديث؛ كما يعلمون عدالة الصحابة y، وصدقهم، وأمانتهم، ونقلهم ذلك عن نبيهم r).([74]) اهـ
قلت: وهذا تقرير لإجماع الأمة على وجوب تلقي أحاديث الرسول r في الأصول والفروع بالقبول والتسليم، والعمل بما دلت عليه، والإيمان بها.
وعليه يكون الصحابة الكرام هم: الراسخون في العلم يعلمون التأويل الذي بمعنى التفسير والبيان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص285): (أن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله، ولا قال: هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه، ولا قال قط أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة المتبوعين: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها ولا يفهمها رسول الله r، ولا أهل العلم والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس وهذا لا ريب فيه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص112): (فإذا تنازع المسلمون في مسألة؛ وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله تعالى، والرسول r، فأي القولين دل عليه الكتاب والسنة وجب اتباعه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص204): (معارضة أقوال الأنبياء بآراء الرجال، وتقديم ذلك عليها، هو من فعل المكذبين للرسل عليهم السلام). اهـ
وقال الإمام العز بن عبد السلام / في «قواعد الأحكام» (ج2 ص228): (والشرع ميزان يوزن به الرجال). اهـ
قلت: إذا فلا نعرف الحق بالرجال؛ بل اعرف الحق تعرف أهله.
وعادة الضعفاء يعرفون الحق بالرجال لا الرجال بالحق.
والعاقل يعرف الحق، ثم ينظر في قول نفسه؛ فإن كان حقا قبله، وإن كان خطأ رده.
وهذا هو المنهج الذي سار عليه أئمتنا بصفائه ونقائه، وهو حبل الله تعالى، والاعتصام بحبل الله تعالى يتضمن الاجتماع على الحق، والتعاون على البر والتقوى.
قال تعالى: ]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[ [آل عمران: 103].
لذلك أقدم كتابي هذا الذي بين أيدينا المسمى: بــ«الكواكب البارقة لقصف فتوى من لا يرى إفطار الصائم والشمس طالعة»، وهو يحتوي على كل ما يتعلق بتعجيل الفطر بغروب الشمس، وما وردت في ذلك من آيات وأحاديث، وآثار وأقوال، والله ولي التوفيق.
هذا؛ وندعو الله تعالى أن يوفقنا لمزيد من خدمة الكتاب والسنة والآثار، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يتقبل منا إنه هو السميع العليم.
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على تفنيد الشبهة التي وقعت في فتوى أصحاب الفضيلة بأن أدلتنا من المتشابهات، وهي من المتشابهات التي يشبه بعضها بعضها، وهذا من المحكم الواضح، فصارت الفتوى من المتشابهات التي التبست على أصحابها، لكن لم تلتبس على غيرهم من أهل العلم من أصحاب رسول الله r، ومن بعدهم من العلماء([75])
اعلم رحمك الله أن ما جاء في الفتوى يدل على أن أدلتنا في ثبوت غروب الشمس وهي طالعة بيسير عن الأرض في جهة المغرب من المتشابه؛ أي: من الملتبس والمشكل عند أصحابها([76])، وأن أدلتهم من المحكم!.
لكن إذا نظرنا إلى الأدلة كلها، رأينا أن ليس فيها أي التباس، أو إشكال([77])، وذلك إذا جمعنا بين الأدلة تبين أنها من المتشابه؛ أي: من المتماثل؛ لأن الأدلة كما هو معروف تشارك بعضها بعضا في صفة من الصفات.([78])
وهذه الصفة هي: الغروب بجميع درجاته عند العرب، بل تشاركه في معنى من المعاني، وهو الغروب أيضا.([79])
فكل ذلك ثبت في لغة العرب بنص القرآن، والسنة، والأثر.([80])
ثم من جهة أخرى أن هذه التشابه يكون متشابها على بعض العلماء دون بعض، فانتبه.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ج1 ص320): (وصف القرآن بأنه آيات بينات، ولا ينافي هذا قوله تعالى: ] منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات[ [آل عمران: 7] ؛ لأن هذا التشابه يكون متشابها على بعض الناس دون بعض). اهـ
إذا فحجتهم أن الشبهة: بمعنى الالتباس في هذه الأدلة!، اللهم غفرا.
والمشتبهات: من الأمور المشكلات عند أصحاب الفتوى في أدلتنا.
ويقال: اشتبه الأمر: إذا اختلط.
وشبه الشيء: إذا أشكل.([81])
قال الفيروزآباي اللغوي / في «القاموس المحيط» (ص1255): (وفي القرآن المحكم والمتشابه). اهـ
قلت: ولابد من تبيين معاني المتشابه لكي تنكشف الشبهة التي في الفتوى.
* تعريف المتشابه:
المشابه، وشبهت الشيء بالشيء أقمته مقامه لصفة جامعة بينهما، وتكون الصفة ذاتية ومعنوية.
فالذاتية: نحو هذا الدرهم كهذا الدرهم، وهذا السواد كهذا السواد.
وشابهه: إذا شاركه في صفة من صفاته.
والمشابهة: المشاركة في معنى من المعاني.
والمتشابه: التماثل؛ كما في قوله تعالى: ]وأتوا به متشابها[ [البقرة: 25]. ([82])
وأكثر ما يستعمل في التماثل صيغة تشابه.([83])
قال ابن الأعرابي اللغوي؛ في قوله تعالى: ]وأتوا به متشابها[ [البقرة: 25]، قال: (ليس من الاشتباه المشكل، إنما هو من التشابه الذي هو بمعنى الاشتباه).([84])
وقال الفيروزآباي اللغوي / في «القاموس المحيط» (ص1254): (الشبه، بالكسر والتحريك وكأمير: «المثل» جمع: أشباه.
وشابهه، وأشبهه: ماثله). اهـ
وقال الرازي اللغوي / في «مختار الصحاح» (ص138): (شبه، وشبه: لغتان بمعنى، يقال: هذا شبهه؛ أي: شبيهه، وبينهما شبه: بالتحريك والجمع: مشابه ... والمتشابهات: المتماثلات، وتشبه فلان بكذا، و (التشبيه) التمثيل). اهـ
قلت: فإذا نظرنا إلى ما تحتويه هذه الفتوى عند التحقيق العلمي، فهي ليست على طريقة أهل الحديث في الإفتاء.
فأنا أوردتها جملة، ثم أرد عليها تفصيلا:
فأقول:
قال ابن منظور اللغوي / في «لسان العرب» (ج4 ص2189): (الشبه والشبه والشبيه: المثل، والجمع أشباه. وأشبه الشيء الشيء: ماثله). اهـ
وقال الأزهري اللغوي / في «تهذيب اللغة» (ج2 ص1824): (وتقول: في فلان شبه من فلان، وهو شبهه وشبهه وشبيهه، ويقال: شبهت هذا بهذا، وقال الله جل وعز: ]منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات[ [آل عمران: 7]؛ قيل: معناه يشبه بعضها بعضا.
المتشابهات: (ألم) و (ألر)، والمتشابهات: ما قد نسخ، والمتشابهات: هي الآيات التي نزلت في ذكر القيامة والبعث). اهـ
قلت: ومن هذا المنطق، وصف الله القرآن بأنه متشابه.
* قال تعالى: ]الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها[ [الزمر: 23].
فكان الإحكام العام؛ بمعنى: التشابه العام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص61): (والمتشابهة: هي المتوافقة). اهـ
وقال الأزهري اللغوي / في «تهذيب اللغة» (ج2 ص1824): (فإن أهل اللغة قالوا: معنى قوله: ]متشابها[ يشبه بعضه بعضا). اهـ
* وقال تعالى: ]متشابها وغير متشابه[ [الأنعام: 141].
قال الخليل اللغوي / في «العين» (ج2 ص886): (وتقول: شبهت هذا بهذا، وأشبه فلان فلانا، وقال الله عز وجل: ]منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات[ [آل عمران: 7]؛ أي: يشبه بعضها بعضا). اهـ
قلت: ومما سبق يتبين أن نصوص الشرع يشبه بعضها بعضا في الأحكام لتوافقها([85])، وهذا يكون على حسب الألفاظ في النصوص.
وقد بين أهل العلم على أن الشبه يكون في أمور:
الأمر الأول: أدلة نقلية.
وتكون الشبهة فيها في شيئين:
1) شبهة في السند:
وتتعلق بسند النص؛ هل هو صحيح، أو لا.
2) شهبة في المتن:
وهي نوعان:
أحدهما: شبهة لفظية تتعلق بلفظ الآية، أو الحديث.
ثانيهما: شبهة معنوية تتعلق بمعنى الآية، أو الحديث.
الأمر الثاني: شبهة عقلية.
فالتأويل في الأدلة السمعية.
والقياس في الأدلة العقلية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص62)؛ عن الإحكام الخاص: (والإحكام هو الفصل بينهما بحيث لا يشتبه، أحدهما بالآخر، وهذا التشابه إنما يكون بقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما.
ثم من الناس من لا يهتدي للفصل بينهما، فيكون مشتبها عليه، ومنهم من يهتدي إلى ذلك.
فالتشابه الذي لا يتميز معه قد يكون من الأمور النسبية الإضافية؛ بحيث يشتبه على بعض الناس دون بعض([86])). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص62): (ومن هذا الباب الشبه التي يضل بها بعض الناس، وهي ما يشتبه فيها الحق والباطل حتى تشتبه على بعض الناس؛ ومن أوتي العلم بالفصل بين هذا، وهذا لم يشتبه عليه الحق بالباطل). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص63): (فلهذا كان ضلال بني آدم من قبل التشابه والقياس الفاسد لا ينضبط). اهـ
قلت: فالإحكام، والتشابه متضادان، وهذا يكون في الاختلاف في اللفظ.
قال الإمام أحمد /: (أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس).([87])([88])
كالقول في ذات الله تعالى، والقول في صفات الله تعالى، والقول في الإيمان، وغير ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص63): (والتأويل الخطأ إنما يكون في الألفاظ المتشابهة، والقياس الخطأ إنما يكون في المعاني المتشابهة.
وقد وقع بنو آدم في عامة ما يتناوله هذا الكلام من أنواع الضلالات). اهـ
ثم ضرب شيخ الإسلام ابن تيمية عددا من الأمثلة للاشتباه؛ مثل: «الصوفية» من «الحلولية»، و«الاتحادية» من القول بأن الرب تعالى هو عين وجود المخلوقات، والعياذ بالله.
قلت: فمسألة المتشابهات قد أخبر الله تعالى عنها أن الراسخين في العلم هم الذين يعلمون معناها الصحيح، فيعمل الراسخون على وفق ما أخبر الله تعالى عنهم، ومعلوم أن الراسخين هم المصيبون.
والراسخون في العلم في الدرجة الأولى هم: صحابة الرسول r.
وقد أخبر الله تعالى عن الصحابة الكرام أنهم على منهج واحد في الإيمان بالمتشابهات، فهم أعلم بمعنى المتشابه في القرآن الكريم، والسنة النبوية.([89])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على قلب الأدلة على المخالف بما استدل به على مذهبه كائنا من كان
اعلم رحمك الله أنه من أبلغ الطرق التي واجه بها أهل الصواب شبه المخالف طريقة قلب الحجة والدليل على المخالف.
حيث جعلوا ما احتج به المخالف بنفسه دليلا عليه، وما توهمه عاضدا لقوله جعلوها هادما له وداحضا، فإذا دليل المخالف يرتد إلى صاحبه، وإذا بدليل المخالف يكون دليلا لقول أهل الصواب، وشاهدا بصدق قولهم.([90])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج6 ص292): (فهؤلاء كل ما احتجوا به من دليل صحيح؛ فإنه لا يدل على مطلوبهم، بل إنما يدل على مذهب السلف المتبعين للرسول r.
فتبين أن الأدلة العقلية الصحيحة من جميع الطوائف إنما تدل على تصديق الرسول r، وتحقيق ما أخبر به لا على خلاف قوله). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج2 ص254): (وهذا من أحسن قلب الحجة). اهـ
قلت: وهذه الطريقة في الرد من أقوى الطرق على المخالف بقلب أدلته عليه، وتبيين الصواب في أحكام الأصول والفروع.
قال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء: 59].
وقال تعالى: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].
وقال تعالى: ]لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النحل: 44].
وقال تعالى: ]وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم[ [إبراهيم: 4].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص28): (وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم: اعتصامهم بالكتاب والسنة.
فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة، والتابعين لهم بإحسان: أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن لا برأيه، ولا ذوقه، ولا معقوله، ولا قياسه، ولا وجده ... فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به؛ ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص41): (أن ما أخبر به الرسول r عن ربه؛ فإنه يجب الإيمان به، وسواء عرفنا معناه، أو لم نعرف؛ لأنه الصادق المصدوق؛ فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به، وإن لم يفهم معناه، وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمة وأئمتها). اهـ
قلت: فدليل المستدل الذي ذكره يدل عليه لا له في تلك المسألة المتنازع فيها بعينها.([91])
فإن ما ذكره المستدل من الدليل ليس بدليل للمستدل؛ بل هو دليل عليه ومبطل لقوله، من غير أن يكون لهذا الدليل أي وجه للدلالة على الحكم الذي استنبطه المستدل من هذا الدليل.([92])
قال تعالى: ]قل فلله الحجة البالغة[ [الأنعام: 149].
* ومنه في هذه المسألة:
1) قال الإمام الدارمي / في «النقض» (ج1 ص459): (فإنك لا تحتج بشيء إلا وهو راجع عليك وآخذ بحلقك). اهـ
2) وقال الإمام الدارمي / في «النقض» (ج1 ص232): (وكذلك الحجة عليك فيما احتججت به). اهـ
3) وقال الإمام الدارمي / في «النقض» (ج1 ص232): (فهذه عليك لا لك، وقد أخذنا فالك من فيك محتجين بها عليك). اهـ
4) وقال الإمام عبد العزيز الكناني / في «الحيدة» (ص54): (قد كسرت قوله بقوله، ودحضت حجته بحجته). اهـ
قلت: فلا يكاد يخالف أي أحد للصحابة الكرام بحجة، إلا وهي عند التأمل حجة عليه لا له في الأصول والفروع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / «منهاج السنة» (ج2 ص339): (ففي الجملة: أنه ما من حجة يحتجون بها على بطلان قول منازعيهم؛ إلا ودلالتها على بطلان قولهم أشد). اهـ
قلت: فالمخالفون الحجة عليهم لا لهم.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على تفنيد الشبهة في الفتوى، وذلك بإمكان الجمع بين أدلة الغروب؛ بحمل كل من الغروبين على درجته في جهة الـمغرب، وقد جاءت السنة بهذا الأصل؛ يعني: بأصل الجمع بين الأدلة، وقد بين العلماء هذا الأصل
اعلم رحمك الله أن التوفيق، والجمع بين أدلة الكتاب والسنة من أهم الأدوات لاستنباط الأحكام الشرعية من النصوص استنباطا صحيحا.
وإغفاله يؤدي إلى التخبط، وعدم الوصول إلى الحكم الصحيح في الشريعة المطهرة.
قال الحافظ النووي / في «التقريب» (ص90): (هذا فن من أهم الأنواع، ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف، وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهرا، فيوفق بينهما، أو يرجح أحدهما، وإنما يكمل له الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه، والأصوليون الغواصون على المعاني). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «التقريب» (ص90): (يمكن الجمع بينهما، فيتعين ويجب العمل بهما). اهـ
قلت: ويخفى الجمع على عدد من أهل العلم، ولا يخفى على الآخرين.
وقال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص269): (وقد يكون بحيث يمكن الجمع، ولكن لا يظهر لبعض المجتهدين) ([93]). اهـ
وقال الإمام ابن الصلاح / في «علوم الحديث» (ص144): (وإنما يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه، والغواصون على المعاني الدقيقة). اهـ
قلت: لذلك لابد من مسلك الجمع بين أدلة غروب الشمس.
والجمع: ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض، يقال جمعته: فاجتمع، ومنه: التآلف، والتوافق.([94])
والجمع: وسيلة إلى التوفيق، فلا توافق بين النصوص إلا بعد الجمع بين ما ظاهره التعارض.
فالجمع وسيلة، والتوفيق نتيجة.
فالتوفيق: هو بيان التآلف بين النصوص التي ظاهرها التعارض، وذلك بالجمع بينها، ليعمل بها معا.
والجمع اصطلاحا: هو بيان التآلف بين حديثين نبويين متقابلين ظاهرا، ليعمل بهما معا. ([95])
قلت: فإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
وقد ذهب إلى ذلك جمهور الأصوليين من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وبعض الحنفية، وغيرهم. ([96])
قال تعالى: ]إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما[ [النساء: 35]؛ أي: الألفة، والوفاق.([97])
وعن الإمام ابن خزيمة / أنه قال: (لا أعرف أنه روي عن النبي r حديثان بإسنادين صحيحين متضادين، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما). ([98])
وقال العلامة الصنعاني / في «توضيح الأفكار» (ج2 ص423): (فإن كان الأول – يعني: الجمع- عمل بهما جميعا كل واحد منهما فيما حمل عليه). اهـ
قلت: أن يكون الجمع بينهما ممكنا.
وقال الحافظ النووي / في «إرشاد طلاب الحقائق» (ج2 ص573): (أحدهما: يمكن فيه الجمع، فيتعين ويجب العمل بالحديثين معا). اهـ
وقال الحافظ الخطيب / في «الكفاية» (ج2 ص558): (فكل خبرين علم أن النبي r تكلم بهما، فلا يصح دخول التعارض فيهما على وجه, وإن كان ظاهرهما متعارضين). اهـ
وقال الإمام الوزير / في «تنقيح الأنظار» (ص258): (هذا فن تكلم فيه الأئمة الجامعون بين الفقه والحديث، وقواعده مقررة في أصول الفقه). اهـ
وقال الإمام ابن الملقن / في «المقنع» (ج2 ص481): (يمكن الجمع بينهما، فيتعين المصير إليه، والقول بهما معا). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص216): (ولم نجد عنه شيئا مختلفا فكشفناه: إلا وجدنا له وجها يحتمل به ألا يكون مختلفا). اهـ
وقال الخطيب البغدادي / في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص222): (قال الشافعي: «وكلما احتمل حديثان أن يستعملا معا , استعملا معا , ولم يعطل وأحد منهما الآخر». قلت: وهذا القول صحيح). اهـ
وقال الإمام القرافي / في «شرح تنقيح الفصول» (ص421): (وإذا تعارض دليلان فالعمل بكل واحد منهما من وجه، أولى من العمل بأحدهما دون الآخر). اهـ
وقال الإمام السبكي / في «شرح الإبهاج» (ج3 ص210): (وإذا تعارض، فإنما يرجح أحدهما على الآخر إذا لم يمكن العمل بكل واحد منهما.
فإن أمكن –ولو من وجه- فلا يصار إلى الترجيح؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما بالكلية؛ لأن الأصل في الدليل الإعمال لا الإهمال). اهـ
قلت: فإذا أمكن الجمع بين الأدلة، فيتعين، ويجب العمل بها جميعا؛ لأن الأصل في الأدلة الحكم بها لا تركها.([99])
ويكون الجمع بتأويل صحيح، لأن الجمع بين النصوص يتم بتأويل أحد الدليلين، أو كليهما حتى يوافق الدليل الآخر في التفسير في المعنى، فيحمل هذا على حكم، وهذا على حكم، وهما في أصل واحد. ([100])
قال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص24): (القرآن عربي كما وصفت، والأحكام فيه على ظاهرها وعمومها، ليس لأحد أن يحيل منها ظاهرا إلى باطن، ولا عاما إلى خاص؛ إلا بدلالة من كتاب الله تعالى، فإن لم تكن فسنة رسول الله r تدل على أنه خاص دون عام، أو باطن دون ظاهر، أو إجماع من عامة العلماء الذين لا يجهلون كلهم كتابا ولا سنة، وهكذا السنة، ولو جاز في الحديث أن يحال الشيء منه عن ظاهره إلى معنى باطن يحتمله، كان أكثر الحديث يحتمل عددا من المعاني، ولا يكون لأحد ذهب إلى معنى منها حجة على أحد ذهب إلى معنى غيره، ولكن الحق فيها وأحد؛ لأنها على ظاهرها وعمومها؛ إلا بدلالة عن رسول الله، أو قول عامة أهل العلم بأنها على خاص دون عام، وباطن دون ظاهر، إذا كانت إذا صرفت إليه عن ظاهرها محتملة للدخول في معناه). اهـ
قلت: فلا خلاف بين العلماء الذين يعتد بقولهم في أصول الفقه في وجوب حمل اللفظ على ظاهره، وعدم جواز تأويل([101]) شيء من هذه النصوص بغير ظاهرها، لأن ألفاظ النصوص ورد فيها إفطار النبي r، والصحابة y والشمس وهي طالعة. ([102])
قال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص24): (وسمعت عددا من متقدمي أصحابنا، وبلغني عن عدد من متقدمي أهل البلدان في الفقه، معنى هذا القول لا يخالفه). اهـ
وهذه الألفاظ لا تقبل التأويل، ولا تصرف عن ظاهرها، لأنها من المحكم المفسر بنفسه، وظاهره، وشروطه في أصول الفقه.
فهذا اللفظ المحكم الذي لا يحتمل التأويل، فيكون صريحا في الحكم، فلا يقال أنه من المتشابه، بل يجب أن يحكم بظاهر النص، إلا بقرينة تصرفه عن ظاهره.([103])
قلت: فإذا تعارض عام وخاص مثلا، جمع بينهما بحمل العام على الخاص، فيصرف النص العام عن عمومه ليوافق النص الخاص، وإذا تعارض مطلق ومقيد، جمع بينهما بحمل المطلق على المقيد، فيصرف النص المطلق عن إطلاقه، ليوافق النص المقيد، وإذا تعارض متشابه ومحكم([104])، جمع بينهما بحمل المتشابه على المحكم، ليوافق النص المحكم، كما يؤول الأمر فيصرف من الوجوب إلى الاستحباب، ويؤول النهي فيصرف من التحريم إلى الكراهة، لدليل دل على ذلك. ([105])
إذا لا يجوز صرف النص العام المحكم عن عمومه وحكمه، فيقال بالجمع إذا تعارض متشابه ومحكم بدون دليل يدل على ذلك، فيجمع بينهما بحمل المتشابه على المحكم ليوافق المذهب فقط.
بل يجب حمل كل نص على ظاهره، ثم الجمع بينهما على الأصول والقواعد بالمعنى الصحيح لكل نص منهما في العلم، كما بين علماء الأصول، وقد سبق ذلك.
قلت: وهذا المعنى يدل على الحكم دلالة صريحة لا يحتمل التأويل، أو الصرف عن ظاهره، لأن المعنى الذي صرف إليه في الجمع([106]) هو اللفظ مما يحتمله للفظ بحيث يكون موافقا للغة العربية([107])،([108]) وهذا الأصل لا يقوم به إلا العلماء الذين جمعوا بين الحديث والفقه والأصول، لإصابة الحكم الصحيح.
قال الإمام النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج1 ص61): (إذا تعارض حديثان فى الظاهر؛ فلا بد من الجمع بينهما، أو ترجيح أحدهما، وإنما يقوم بذلك غالبا الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه، والأصوليون المتمكنون فى ذلك، الغائصون على المعانى الدقيقة، الرائضون أنفسهم فى ذلك، فمن كان بهذه الصفة لم يشكل عليه شيء من ذلك إلا النادر فى بعض الأحيان). اهـ
وقال الإمام الوزير / في «تنقيح الأنظار» (ص258): (هذا فن تكلم فيه الأئمة الجامعون بين الفقه والحديث، وقواعده مقررة في أصول الفقه). اهـ
وقال الإمام ابن الصلاح / في «علوم الحديث» (ص144): (وإنما يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه، والغواصون على المعاني الدقيقة). اهـ
قلت: فيشترط فيمن ينتسب إلى العلم للجمع بين النصوص في أحكام الأصول والفروع التي يوهم ظاهرها التعارض ما يأتي:
(1) أن يكون عالما بمواضع الإجماع للصحابة والسلف والأئمة؛ حتى لا يؤدي الحكم المستخرج من النصوص المتعارضة ظاهرا إلى حكم مخالف لإجماع الصحابة والسلف.
(2) أن يكون عالما بآيات الأحكام، وبأصول التفسير، وبتفاسير الصحابة والسلف، خاصة في المسائل التي يريد فيها الجمع بين النصوص بحمل العام على الخاص مثلا، وبحمل المتشابه على المحكم، وبحمل المطلق على المقيد وهكذا.
(3) أن يكون عالما بأحاديث الأحكام الصحيحة المتعلقة بالمسألة التي يريد فيها الجمع بين النصوص، وبآثار الصحابة، والسلف، حتى يستفيد منها في الجمع، وحتى لا ينابذ الحكم المستخرج من النصين مع حديث نبوي.
(4) أن يكون عالما بفقه الصحابة والسلف، وبأصول الفقه الصحيح، خاصة في المسائل التي يريد فيها الجمع بين النصوص بحمل العام على الخاص مثلا، وبحمل المتشابه على المحكم، وبحمل المطلق على المقيد وهكذا.
(5) أن يكون عالما بالناسخ والمنسوخ؛ حتى لا يستدل بنص ثبت نسخه، أو يجمع بين نص ناسخ، وآخر منسوخ.
(6) أن يتعلم من النحو، واللغة ما يحتاج إليه لفهم القرآن والسنة على لغة الصحابة y.
(7) أن يكون عالما بأسباب ورود النصوص التي يريد الجمع بينها؛ حتى يفهم النص على وجهه الصحيح.
قلت: والذي أفتى به أصحاب الفضيلة في مسألة منع إفطار الصائم والشمس وهي طالعة يعتبر اجتهادا منهم، لأن النصوص التي ثبتت في الغروب هذا من المنطوق([109])، فلا مجال لتركها لدلالتها الواضحة في هذه المسألة.
فهي تقدم على هذا الاجتهاد؛ لافتقار هذا الاجتهاد إلى أدلة من الكتاب، أو السنة تدل على التعارض بين المحكم والمتشابه، ولا يجوز ترك العمل بالنصوص مع إمكان العمل بها جميعا. ([110])
ومما يؤكد لهذا الجمع: أن من قواعد الجمع أيضا بين نصوص الأحكام الموهمة للتعارض، الجمع ببيان اختلاف الحال أو المحل، والجمع بجواز كلا الأمرين المذكورين في النصوص، والجمع بالأخذ بالزيادة غير المنافية للمزيد على النص الآخر.
وهذا الجمع كله وارد في نصوص الغروب الجزئي للشمس، والغروب الكلي لها، فهذا له صفة، وهذا له صفة، فيكون الجمع ببيان اختلاف الحال أو المحل في الحكم على الشيء الواحد، وهو الغروب بحكمين مختلفين في النصوص في الظاهر.
فتحمل نصوص الغروب الجزئي بقيد الغروب والشمس طالعة، وتحمل نصوص الغروب الكلي بقيد غروب الشمس بالكلية، فيقيد كل واحد منهما في حاله ومحله، وإن خالف كل واحد منهما الآخر في الظاهر. ([111])
لأن يلتقي كل واحد منهما في معنى الغروب، فلا يضر هذا الاختلاف في الظاهر جمعا بين النصوص، فهذا في محله، وهذا في محله، وهذا له صفة، وهذا له صفة.
وذلك بتنزيل كل واحد من الحكمين على حال أو محل يختلف عن الحال أو المحل الذي أنزل عليه النص الآخر في الجملة. ([112])
وبهذا يرتفع التعارض بين الحكمين المختلفين؛ لاختلاف موضع كل واحد منهما، وعدم تواردهما على محل واحد إلا في معنى الغروب عند العرب، ويعمل بالدليلين كل في موضعه([113])، فهذا في الغروب الجزئي، وهذا في الغروب الكلي. ([114])
قال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص269): (وقد يكون بحيث يمكن الجمع، ولكن لا يظهر لبعض المجتهدين، فيتوقف حتى يظهر له وجه الترجيح بنوع من أقسامه، أو يهجم فيفتي بواحد منهما، أو يفتي بهذا في وقت، وبهذا في وقت؛ كما يفعل أحمد في الروايات عن الصحابة y).اهـ
ولا خلاف بين الأصوليين في جواز الجمع بين النصوص ببيان اختلاف الحال أو المحل، ثم تبيين الصواب في النصوص. ([115])
وقد بين الإمام الشافعي /؛ بمثل: هذه الأحكام المتنوعة في «اختلاف الحديث» (ص42) فقال: (ولا يقال لشيء من هذه الأحاديث: مختلف مطلقا، ولكن الفعل فيها يختلف من وجه أنه مباح، لا اختلاف الحلال والحرام، والأمر والنهي). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص44): (فهي مشتبهة متقاربة). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص64): (وإنما يجهل هذا من جهل لسان العرب). اهـ
وقال الإمام النووي /؛ بمثل: هذه الأحكام المتنوعة في «شرح صحيح مسلم» (ج2 ص125): (فهي دالة على جواز الأمور الثلاثة، وأن الجميع سنة، ويجمع بين الأحاديث بأنه r فعل ذلك في مرات!). اهـ
ومنه:
قال الإمام النووي /؛ بمثل: هذه الأحكام المتنوعة في «شرح صحيح مسلم» (ج2 ص354): (واتفق العلماء على جوازها كلها، واختلفوا في الأفضل منها). اهـ
قلت: والمقصود أنه لابد من العمل بجميع الأدلة وعدم إهمال بعضها.
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص70): (وليس من هذه الأحاديث شيء مختلف عندنا). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص72): (فبهذه الأحاديث كلها نأخذ، وليس منها واحدا يخالف عندنا واحدا). اهـ
قلت: للجمع بين الأحاديث، والعمل بها جميعا.
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص78): (والحجة عليه؛ الحجة عليهم). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص78): (فالحجة عليه بثبوت الخبر عن رسول الله r). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص166): (وليس واحد من هذين الحديثين مخالفا للآخر). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص194): (وبهذا كله نأخذ، وليس فيه حديث يخالف صاحبه). اهـ
ومنه:
قال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص208): (وبهذه الأحاديث كلها نأخذ، وهي من الجمل التي يدل بعضها على بعض، ومن سعة لسان العرب). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص40): (منها: ما يكون اختلافا في الفعل من جهة أن الأمرين مباحان، ومنها: ما يختلف، ومنها: ما لا يخلو من أن يكون أحد الحديثين أشبه؛ بمعنى: كتاب الله، أو أشبه؛ بمعنى: سنن النبي r). اهـ
ومنه:
قال الفقيه ابن رشد / في «بداية المجتهد» (ج1 ص251) عن أنواع الأحكام: (وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن هذا كله على التخيير). اهـ
قلت: ثم هذا الجمع بالأخذ بالزيادة غير المنافية في حال ورود نصين، في أحدهما زيادة صحيحة لا توجد في الآخر، وكانت غير منافية للمزيد عليه، فيجمع بين النصين بقبول الزيادة، فيعمل بهما فيما التقيا فيه، وبالزيادة فيما دلت عليه، لأن النص المشتمل على زيادة يتضمن النص الذي ليس فيه تلك الزيادة. ([116])
فيكون في ذلك جمع بين النصين، وفي ترك الزيادة إهمال لأحد النصين، وهذا لا يجوز بإجماع الأصوليين. ([117])
قلت: فالتوفيق يزيل التعارض الظاهري في النصوص، وذلك بالجمع بينهما، فيعمل بها جميعا.
وإذا نظرنا إلى أدلة الغروب بدرجاته الثلاثة، تبين لك ثبوت الشروط في الجمع بينهما، وهي:
(1) ثبوت الحجية في النصوص.
(2) تساوي النصوص في التآلف.
(3) لم يعلم تأخر هذه النصوص بعضها عن بعض.
لذلك فوجب العمل بها جميعا، وهذا أولى من إهمال بعضها.([118])
قال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج1 ص149): (ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع؛ لأن في النسخ إخراج أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به). اهـ
وقال الحافظ الحازمي / في «الاعتبار» (ص11): (وإن كان الناسخ منفصلا نظرت: هل يمكن الجمع بينهما أم لا؟.
فإن أمكن الجمع جمع، إذ لا عبرة بالانفصال الزماني مع قطع النظر في التنافي.
ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة كان أولى صونا لكلامه عن سمات النقص؛ ولأن في ادعاء النسخ إخراج الحديث عن المعنى المفيد، وهو على خلاف الأصل). اهـ
وقال العلامة اللكنوي / في «الأجوبة الفاضلة» (ص192): (والحق الحقيقي بالقبول الذي يرتضيه الفحول في هذا الباب أن يقال: علم التاريخ لا يوجب كون المؤخر ناسخا، والآخر منسوخا، ما لم يتعذر الجمع بينهما). اهـ
(4) أن يكون التأويل صحيحا؛ فهذا التأويل يتم بالجمع بين الأدلة حتى تتوافق الأدلة في الحكم، فالتأويل الصحيح لأدلة الغروب، بحمل بعض الأدلة على الغروب الجزئي، وبعض الأدلة على الغروب الكلي؛ كما ثبت في لغة العرب.
وهذا التأويل توفرت فيه شروط التأويل، وهي:
(1) أن يكون التأويل موافقا للغة العربية.
(2) أن يكون اللفظ قابلا للتأويل في ظاهر النص.
(3) أن يقوم على التأويل دليل صحيح على ظهور اللفظ في مدلوله.([119])
قال الإمام المحلي / في «شرح جمع الجوامع» (ج2 ص362): (فإن أمكن الجمع والترجيح فالجمع أولى منه على الأصح). اهـ
قلت: وبهذا الجمع يعمل بكلا الدليلين، فيعمل بهذا النص فيما تناوله، ويعمل بهذا النص فيما تناوله، لعموم السنة بمنطوقها.
قال تعالى: ]ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء[ [النحل: 89].
وقال تعالى: ]لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النحل: 44].
والنبي r قد يكون بيانه للكتاب بالكتاب أو بالسنة، وقد يكون بيانه للسنة بالكتاب أو بالسنة.
والمقصود بالآية: لتبين للناس ما يحتاج إلى بيان؛ يعني: يدل هذا على أن السنة([120]) تأتي مبينة للقرآن، لأنها وحي من عند الله تعالى.([121])
قال العلامة اللكنوي / في «الأجوبة الفاضلة» (ص196): (والذي يظهر اعتباره هو تقديم الجمع على الترجيح؛ لأن في تقديم الترجيح يلزم ترك العمل بأحد الدليلين من غير ضرورة داعية إليه، وفي تقديم الجمع يمكن العمل بكل منهما على ما هو عليه). اهـ
قلت: فالعمل بالأدلة ولو من وجه، أولى من إلغاء بعضها.
قال الفقيه السبكي / في «الإبهاج» (ج3 ص210): (إنما يترجح أحد الدليلين على الآخر إذا لم يمكن العمل بكل واحد منهما، فإن أمكن ولو من وجه دون وجه، فلا يصار إلى الترجيح بل يصار إلى ذلك, -يعني: الجمع- لأنه أولى من العمل بأحدهما دون الآخر، إذ فيه إعمال الدليلين، والإعمال أولى من الإهمال). اهـ
قلت: لأن الأدلة قائمة بأصل الحجية بنفسها، وكلها من عند الله تعالى، ومن عند رسوله r، وقد فسرها الصحابة y من أقوالهم، وأفعالهم، فلا ترجح الأدلة على الأخرى؛ إلا عند تعذر الجمع، فافهم لهذا ترشد.([122])
قال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج1 ص158): (إذا تعارض الحديثان، أو الآيتان، أو الآية، والحديث - فيما يظن من لا يعلم - ففرض على كل مسلم استعمال كل ذلك؛ لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها، وكل من عند الله عز وجل، وكل سواء في باب وجوب الطاعة). اهـ
قلت: وهذا الجمع يسمى بجواز أخذ الأمرين على سبيل التخيير؛ لأن أفعال الرسول r لا تتعارض، ولا يتصور تعارضها، وأن ما يرد من أفعال مختلفة في أمر واحد ما هي إلا صور متنوعة يجوز للمكلف فعل هذا، وفعل هذا على سبيل التخيير.([123])
وهذا يعبر عنه بالتنويع: فيحمل الحديث الآخر على البعض الآخر، وذلك بحسب القرائن التي تحف بالحديثين، والتي ترشد إلى محل كل واحد من الحديثين في الموضع.([124])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على نقض الاجتهاد في الفتوى بالقرآن الكريم،
والسنة النبوية، والآثار الصحابية
اعلم رحمك الله أن المجتهد إذا اجتهد في حكم في مسألة، وبنى على اجتهاده حكما خالف في ذلك الأدلة، يجب عليه أن ينقض اجتهاده في هذه المسألة إذا تبين له غلطه. ([125])
فإذا لم ينقض اجتهاده، يجب أن ينقض من قبل العلماء الأخرين بالدليل، لأن الأدلة ينقض بها اجتهاد العالم. ([126])
قلت: فإذا ثبت النص بخلاف قول المجتهد فإنه ينقض، وهذا مذهب أكثر الحنابلة، وأخذ به الفقيه ابن النجار، وهو الأصح عن الشافعية. ([127])
قال الفقيه الجويني / في «البرهان» (ج2 ص328): ( المجتهد إذا اجتهد وصلى، ثم تبين أنه أخطأ نصا، فلا شك أنه يرجع إلى مقتضى النص). اهـ
قلت: فيبين أن الاجتهاد يرجع عنه إذا أخطأ نصا.
وقال الفقيه الغزالي / في «المستصفى» (ج2 ص382): (وإنما حكم الحاكم هو الذي ينقض، ولكن بشرط أن لا يخالف نصا، ولا دليلا قاطعا.
فإن أخطأ النص نقضنا حكمه). اهـ
قلت: والنص هنا مطلق، يشمل القرآن، كما أنه يشمل السنة، والإجماع.
وقال الفقيه الرازي / في «المحصول» (ج6 ص65): (واعلم أن قضاء القاضي لا ينتقض بشرط أن لا يخالف دليلا قاطعا فإن خالفه نقضناه). اهـ
وقال الأصولي الآمدي / في «الإحكام» (ج4 ص203): (وإنما يمكن نقضه بأن يكون حكمه مخالفا لدليل قاطع من نص، أو إجماع، أو قياس جلي). اهـ
قلت: فاشتملت عبارته على التصريح بأن الاجتهاد ينقض عند مخالفته للدليل من النص، أو الإجماع، أو القياس الجلي.
وقال الأصولي الأصفهاني / في «بيان المختصر» (ج3 ص327): (وينقض بالاتفاق حكم الحاكم إذا خالف دليلا قاطعا: نصا، أو إجماعا، أو قياسا جليا). اهـ
وقال الفقيه القرافي / في «شرح تنقيح الفصول» (ص441): (والحكم الذي ينقض في نفسه، ولا يمنع النقض، هو ما خالف أحد أمور أربعة: الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي). اهـ
قلت: فصرح بأن الاجتهاد ينقض بالنص.
وقال الفقيه القرافي / في «الفروق» (ج2 ص109): (كل شيء أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح، لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس، ولا يفتي به في دين الله تعالى، فإن هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه). اهـ
قلت: وإنما ينقضه بالدليل من نص، أو اجماع.
وقال الفقيه الزركشي / في «البحر المحيط» (ج6 ص268): (أما لو ظهر نص، أو إجماع، أو قياس جلي بخلافه؛ نقض هو وغيره). اهـ
قلت: والنص يشمل القرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار.
وقال الفقيه ابن النجار / في «شرح الكوكب المنير» (ج4 ص505): (وينقض الحكم وجوبا بمخالفة نص الكتاب). اهـ
قلت: فأطلق القول بأن الاجتهاد ينقض بمخالفة نص القرآن الكريم.
وقال الأصولي الأنصاري / في «فواتح الرحموت» (ج2 ص395) فيما خالف المجتهد: (الكتاب والسنة المتواترة والمشهورة، والإجماع). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد الفحول» (ص263): (فإن كان مخالفا للدليل القاطع نقضه اتفاقا). اهـ
قلت: فإن كان حكم المجتهد مخالفا للدليل من نص، أو إجماع، فينقض بالاتفاق بين العلماء، سواء من قبل القاضي، أو من مفتي، أو أي مجتهد آخر لمخالفته الدليل. ([128])
وقال الفقيه المرغيناني / في «الهداية» (ج3 ص107): (إذا رفع إلى القاضي حكم حاكم أمضاه؛ إلا أن يخالف الكتاب، أو السنة، أو الإجماع؛ بأن يكون قولا لا دليل عليه). اهـ
وقال الفقيه ابن فرحون / في «تبصرة الحكام» (ج1 ص78): (وقد نص العلماء على أن حكم الحاكم لا يستقر في أربعة مواضع، وينقض ذلك إذا وقع على خلاف الإجماع، أو القواعد([129])، أو بالنص الجلي، أو القياس). اهـ
قلت: وينقض الاجتهاد بالإجماع، والإجماع هو: اتفاق مجتهدي أمة محمد r ([130]) بعد وفاته في عصر من الأعصار على حكم من الأحكام، وهو دليل قطعي عند جمهور العلماء.
قال بذلك: القاضي أبو يعلى في «العدة في أصول الفقه» (ج4 ص1058)، والفقيه أبو الخطاب في «التمهيد في أصول الفقه» (ج3 ص224)، والإمام ابن قدامة في «روضة الناظر» (ج2 ص441)، والفقيه ابن برهان في «الوصول إلى الأصول» (ج2 ص72)، والفقيه ابن الحاجب في «مختصر المنتهى» (ج2 ص30)، وغيرهم.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
الدليل الأول: وهو من أدلة المحكم في القرآن الكريم
ذكر الدليل على أن دلوك الشمس؛ فسر بتفاسير الصحابة y: بغروب الشمس وهي طالعة في جهة المغرب بيسير عن الأرض، وهذا من المحكم عندهم الذي يتضح معناه، ويسمى عند العرب غروبا([131])، فهو من المحكم عند السلف، وليس عندهم من المتشابه الذي لم يتضح معناه([132])، بل هو من المتشابه عند أصحاب الفتوى فقط، ولابد، وفي هذا تفنيد للفتوى
1) قال تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78].
2) وعن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (كان عبد الله t، يصلي المغرب، ونحن نرى أن الشمس طالعة قال: فنظرنا يوما إلى ذلك فقال: ما تنظرون؟ قالوا: إلى الشمس، قال عبد الله: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة، ثم قال: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]، فهذا دلوك الشمس).
أثر صحيح
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص274)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص489) من طريق جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، وعمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين، وقد صححه العيني في «نخب الأفكار» (ج3 ص23)، والدارقطني في «العلل» (ج5 ص214).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، بهذه السياقة، ووافقه الذهبي.
وبهذا الوجه ذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (12856).
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص154 و155) من طريق حفص بن غياث عن الأعمش قال: ثنا إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وفي آخره ذكر حفص بن غياث: (أنه قيل للأعمش: قيل حدثكم عمارة أيضا؟ قال: نعم). وهذا تصريح بالتحديث من الأعمش من إبراهيم، وعمارة، ثم عنعنة الأعمش عن شيوخ أكثر عنهم تحمل على السماع، مثل: إبراهيم النخعي، وغيره، وهذه الرواية منها([133])، فتفطن لذلك.
قال الذهبي / في «الميزان» (ج2 ص224)؛ عن الأعمش: (وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف، ولا يدري به، فمتى قال: حدثنا فلا كلام، ومتى قال: «عن» تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان؛ فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال). اهـ
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9131) من طريق زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «صلى عبد الله المغرب، فلما انصرف جعلنا نلتفت، فقال: ما لكم تلتفتون؟ قلنا: نرى أن الشمس طالعة، فقال: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة، ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل».
وإسناده صحيح.
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص50)؛ ثم قال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
وأخرجه المخلص في «المخلصيات» (1594) من طريق ابن نمير قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عبدالرحمن بن يزيد قال: (صلينا مع عبد الله t المغرب، فجعلنا نلتفت ننظر نرى أن الشمس طالعة، فقال عبد الله t: ما تنظرون؟ قالوا: نرى أن الشمس طالعة، فقال: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة، ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] وقال: هذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل).
وإسناده صحيح.
قلت: فهذا ابن مسعود t يرى أن الشمس قد غربت، وهي لم تغب بالكلية، وهذا الغروب عند العرب من وجه.
واحتج عليهم ابن مسعود t بقوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ والدلوك: الميل، وهذه الشمس قد مالت جهة المغرب، وكادت أن تغيب، ولم تغب فهذا يسمى غروبا أيضا عند العرب.
فالشاهد: (ونحن نرى أن الشمس طالعة)؛ فهذا يسمى غروبا عند العرب، ولذلك اعتبر ابن مسعود t أن هذا المستوى للشمس من الأرض دخول وقت صلاة المغرب؛ لأنها مالت إلى جهة الغروب، وأوشكت أن تلامس الأرض، فصلى صلاة المغرب؛ لأن وقتها دخل شرعا، وصلى خلفه أصحابه، وهم فقهاء الأمة من التابعين، ولم ينكر أحد منهم عليه، ولم يتخلفوا عن الصلاة خلف ابن مسعود t، فافهم لهذا ترشد.
وقد تبين في لفظ قال: (صلى ابن مسعود بأصحابه المغرب حين غربت الشمس)؛ مع أنها كانت طالعة في اللفظ الأول.
أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص155) من طريق أبي الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: قال: عبد الرحمن بن يزيد: «صلى ابن مسعود بأصحابه المغرب حين غربت الشمس, ثم قال: هذا، والذي لا إله إلا هو، وقت هذه الصلاة».
وإسناده صحيح، وهذا الحديث؛ هو الحديث الأول سواء بسواء كلاهما من رواية عبد الرحمن بن يزيد، فافطن لهذا.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص154 و155) من طريق عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، عن الأعمش، قال: ثنا إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (صلى عبد الله بأصحابه صلاة المغرب, فقام أصحابه يتراءون الشمس؛ فقال: ما تنظرون؟ قالوا ننظر, أغابت الشمس([134]). فقال عبد الله: هذا, والله الذي لا إله إلا هو وقت هذه الصلاة , ثم قرأ عبد الله ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] وأشار بيده إلى المغرب فقال: هذا غسق الليل، وأشار بيده إلى المطلع, فقال: هذا دلوك الشمس).
وإسناده صحيح.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص136)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9132) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (صلى عبد الله ذات يوم، وجعل رجل ينظر هل غابت الشمس؟ فقال عبد الله: ما تنظرون هذا؟ والله الذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة؛ يقول الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل).
وإسناده صحيح، وليس اختلافا على الأعمش بل للأعمش فيه شيخان: وهما: عمارة بن عمير، وإبراهيم النخعي، وكلاهما يرويه عن عبد الرحمن بن يزيد.
وذكر لفظه الدارقطني في «العلل» (ج5 ص213 و214)؛ من حديث عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله t: (أنه صلى المغرب فلما انصرف جعلنا نتلفت فقال ما لكم، قلنا نرى أن الشمس طالعة؛ فقال: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة؛ ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ ثم قال: يرويه الأعمش واختلف عنه؛
فرواه زائدة، وجرير، وابن مسهر، والثوري، وأبو شهاب، وأبو معاوية ومندل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله.
وخالفهم شعبة: فرواه عن الأعمش، عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد.
ورواه حفص بن غياث، عن الأعمش بتصحيح القولين جميعا؛ فقال: عن إبراهيم وعمارة عن عبد الرحمن بن يزيد؛ فصحت الأقاويل كلها.
ورواه سلمة بن كهيل، وإبراهيم بن مهاجر عن عبد الرحمن بن يزيد، وهو صحيح عنه). اهـ
وأخرجه الدارقطني في «العلل» (ج5 ص215) من طريق زفر، عن أشعث عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (كنت مع عبد الله بن مسعود فلما غربت الشمس قال هذا والذي لا إله إلا غيره حين حل لكل أكل ثم نزل فصلى المغرب ثم أقسم أن هذا وقتها).
قال الدارقطني: ورواه سلمة بن كهيل، وإبراهيم بن مهاجر عن عبد الرحمن بن يزيد وهو صحيح عنه.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص136)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9134)، و(9137) من طريقين عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد به.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص135)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9133) من طريق هشيم عن الشيباني سليمان بن أبي سلميان عن عبد الرحمن بن الأسود عن عمه عبد الرحمن بن يزيد به.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص311): وإسناده صحيح.
قال الإمام العيني / في «نخب الأفكار» (ج3 ص213): (أي قد روي ما ذكرنا من أن وقت المغرب عقب غروب الشمس أيضا عن الصحابة، فأخرج ذلك عن أربعة منهم، وهم: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وعثمان بن عفان y... وأما أثر عبد الله بن مسعود؛ فأخرجه من أربع طرق صحاح:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن عمر بن حفص أحد مشايخ البخاري ومسلم، عن أبيه حفص بن غياث بن طلق، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي.
وأخرجه البيهقي في سننه بإسناده: عن الأعمش، عن إبراهيم وعمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (كان ابن مسعود يصلي المغرب، ونحن نرى أن الشمس طالعة، قال: فنظرنا يوما إلى ذلك، فقال: ما تنظرون؟ قالوا: إلى الشمس، فقال عبد الله: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة، ثم قال: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ فهذا دلوك الشمس).
قوله: (هل حدثكم عمارة أيضا؟ قال: نعم)؛ أراد أنهم سألوا الأعمش أن أثر ابن مسعود هذا حدثكم به عمارة أيضا؟ قال: نعم.
وأخرجه الطبراني بهذا الإسناد: ثنا محمد بن علي الصائغ، ثنا سعيد بن منصور، ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (صلى عبد الله ذات يوم، فجعل رجل ينظر، هل غابت الشمس؟ فقال: ما تنتظرون؟! هذا والذي لا إلا غيره ميقات هذه الصلاة، فيقول الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[؛ فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل). اهـ
قلت: ولا شك أن تفسير ابن مسعود t مقدم على تفسير غيره من الصحابة في هذا الباب، بالإضافة إلى موافقته لتفسير السنة النبوية أيضا، وآثار الصحابة الكرام في غروب الشمس في هذا المستوى من الأرض بطلوعها؛ أي: بارتفاعها عن الأرض من جهة الغروب.([135])
قلت: والتفسير الذي له حكم المرفوع دون تصريح برفع، فهو أن يفسر الصحابي الآية بلفظه، فيما ليس فيه مجال اجتهاد، دون أن يصرح برفع التفسير إلى النبي r.
ومنه: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص477)؛ عن عبد الله بن مسعود t؛ في تفسير: قوله تعالى: ]لقد رأى من آيات ربه الكبرى[ [النجم: 18]، قال: (رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء).
قلت: رأى r جبريل عليه السلام على رفرف أخضر؛ أي: في حلة من رفرف، وهو الديباج الرقيق الحسن الصنعة.([136])
قلت: ولنترك ابن مسعود t يتحدث عن نفسه في مجال التفسير.
فعن مسروق، قال: قال عبد الله بن مسعود t: (والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه).([137])
وعن شقيق بن سلمة، قال: قال ابن مسعود t فقال: (والله لقد أخذت من في رسول الله r بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي r أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم).
قال شقيق: (فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك).([138])
وعن أبي الأحوص، قال: (كنا في دار أبي موسى مع نفر من أصحاب عبد الله، وهم ينظرون في مصحف، فقام عبد الله، فقال أبو مسعود: ما أعلم رسول الله r ترك بعده أعلم بما أنزل الله من هذا القائم، -يعني: ابن مسعود- فقال أبو موسى: أما لئن قلت ذاك، لقد كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا).([139])
قلت: فمثل هذا حري أن يقدم تفسيره للآية الكريمة، وهي ]أقم الصلاة لدلوك الشمس [ [الإسراء: 78].
إذا: فتبين أن مراد الآية الكريمة: بأن «الدلوك: الميل»؛ أي: ميل الشمس في جهة الغروب.
قلت: فمجرد ميل الشمس إلى جهة الغروب يشعر بغروبها؛ أي: عقب الميل يسمى غروبا، وإن لم تغب بالكلية.
قلت: فهذا تفسير ابن مسعود t للآية: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس[ [الإسراء: 78]، فإن الدلوك في الآية يسمى زوالا.
ولا يتنافى هذا التفسير مع زوال الشمس في الظهيرة؛ لأن الآية تعني: أيضا زوال الشمس في وقت الظهر، وذلك لأن معنى الدلوك هو: الميل، فعند زوال الشمس يسمى ميلا، وعند غروب الشمس يسمى ميلا، فانتبه.([140])
وهذا من اختلاف التنويع، فيكون معنى الدلوك: الزوال، والغروب، فافهم لهذا ترشد.([141])
3) وعن الأسود بن يزيد النخعي قال: (كنت جالسا مع عبد الله t في بيته، فوجبت الشمس، فقال عبد الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] ثم قال: هذا والله الذي لا إله غيره، حين أفطر الصائم، وبلغ وقت هذه الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص136) من طريق علي بن مسهر، عن الشيباني، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص226)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص252) من طريق أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الأسود قال: (كان عبد الله t يصلي المغرب حين تغرب الشمس، ويقول: هذا والذي لا إله إلا هو وقت هذه الصلاة).
وإسناده صحيح.
وأخرجه الحربي في «غريب الحديث» (ج2 ص879) من طريق أبي السائب, حدثنا وكيع, عن عمرو بن حسان, أخبرني عبد الرحمن بن الأسود, عن أبيه: (أن عبد لله بن مسعود t نظر إلى الشمس حين غربت ونشأ الليل فقال: هذا وقت المغرب).
وإسناده صحيح.
تنبيه: عن أبي عبيدة بن عبد الله، يقول: (كان ابن مسعود t يصلي المغرب إذا غاب حاجب الشمس([142]) ويحلف: والذي لا إله غيره إنه للوقت الذي قال الله عز وجل ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78])، وفي رواية: (إن عبد الله بن مسعود: يصلي المغرب حين يغرب حاجب الشمس).
أثر ضعيف
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج1 ص553)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص137)، والبيهقي في «معرفة السنن» (ج2 ص196)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص230)، ومسدد في «المسند» (ج2 ص65-إتحاف الخيرة)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص24) من طرق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع أبا عبيدة بن عبد الله به.
قلت: وهذا سنده ضعيف، فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئا، وكان يوم توفى أبوه ابن سبع سنين، فلم يدركه أيضا للتحديث عن أفعاله([143])، فنتبه.
لذلك قال البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج2 ص65): هذا إسناد رجاله ثقات.
وأخرجه مجاعة بن الزبير في «حديثه» (ص95)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص24) من طريق قتادة عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود به.
قلت: وهذا سنده ضعيف كسابقه.
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج15 ص24) من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: قد ذكر لنا أن ابن مسعود t ... فذكره.
قلت: وهذا من باب الاختلاف على ابن مسعود t.
وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج1 ص553) من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن بعض أصحاب ابن مسعود به.
قلت: وهذا سنده ضعيف لجهالة أصحاب ابن مسعود، فهو منقطع.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9138) من طريق عمرو بن مرة.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9942) من طريق يحيى بن أبي كثير؛ كلاهما عن أبي عبيدة بن عبد الله به.
وإسناده ضعيف كما سبق.
قال المفسر الثعلبي / في «تفسيره» (ج6 ص120): (ودليل هذا التأويل: حديث عبد الله بن مسعود t: (إنه كان إذا غربت الشمس صلى المغرب، وأفطر إن كان صائما)، ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو أن هذه الساعة لميقات هذه الصلاة؛ وهي التي قال الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس [ [الإسراء: 78]). اهـ
4) وعن ابن عباس ﭭ قال: (دلوكها: غروبها).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص384 و385)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (6328)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص23) من طريق سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن مجاهد عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره الواحدي في «الوسيط» (ج3 ص120)، والبغوي في «معالم التنزيل» (ج3 ص128).
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (6336) من طريق سعيد بن جبير عن عبد الله، وابن عباس ﭭ قالا: (دلوكها حين تغرب).
وإسناده صحيح، وسعيد بن جبير لم يدرك ابن مسعود، لكن الأثر الذي قبله يشهد له.
قال ابن المنذر في «الأوسط» (ج1 ص14): وقد روينا عن علي، وابن مسعود، وجماعة أنهم قالوا: دلوكها: غروبها.
5) وعن علي بن أبي طالب t، قال: (دلوكها: غروبها).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص336)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2342)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج9 ص411-الدر المنثور)، وفي «الأوسط» (ج1 ص14) من طريقين عن علي بن أبي طالب t.
قلت: وهذا سنده حسن.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص411)، والواحدي في «الوسيط» (ج3 ص120).
وقال الإمام محمد بن الحسن / في «الموطأ» (ص345): (هذا قول ابن عمر، وابن عباس، وقال: عبد الله بن مسعود دلوكها: غروبها، وكل حسن). اهـ
قال المفسر الواحدي / في «الوسيط» (ج3 ص120): (قوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس[؛ دلوك الشمس زوالها، وميلها في وقت الظهر، وكذلك ميلها للغروب هو دلوكها أيضا، قال المبرد: دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها عند العرب). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى – قسم التفسير» (ج15 ص11): (مثال ذلك: قوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل [ [البقرة: 187]، فسر: «الدلوك» بالزوال، وفسر: بالغروب، وليس بقولين؛ بل اللفظ يتناولهما معا؛ فإن الدلوك: هو الميل، ودلوك الشمس ميلها، ولهذا الميل: مبتدأ ومنتهى، فمبتدؤه الزوال، ومنتهاه الغروب، واللفظ متناول لهما بهذا الاعتبار). اهـ
قلت: فالآية عامة من ذلك كله، وهي دالة على معنيين.
أحدهما: الزوال.
والثاني: الغروب.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
الدليل الثاني: وهو من أدلة المحكم في القرآن الكريم
ذكر الدليل على أن الغروب الذي ذكره الله تعالى في سورة الكهف قد فسره الصحابة y بالغروب والشمس طالعة في جهة المغرب، وهذا يسمى غروبا عند العرب، فهو من المحكم الواضح عند السلف؛ ليس من المتشابه([144]) الذي هو الملتبس في الحكم، فهو من المتشابه عند أصحاب الفتوى فقط، ولابد، وفي هذا تفنيد للفتوى
1) قال تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا [ [الكهف: 17].
قلت: وهذه الآية الكريمة تدل على أن الشمس لم تغب بالكلية عن أهل الكهف لطلوعها جهة المغرب ووجودها، وقد سمى الله تعالى ذلك غروبا؛ بقوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال[؛ فسمى الله ذلك غروبا، وهي ترى بالعين، لقوله تعالى: ]وترى الشمس[؛ أي: وتراها إذا غربت؛ أي: وهي طالعة تقرضهم؛ أي: تميل عنهم، ولا تميل عنهم –أي: تتحرك- إلا إذا كانت طالعة وتزول، وتميل.([145])
أما إذا اختفت بالكلية؛ فكيف تقرضهم، وتميل، وتتحرك عن الكهف، إذا إذا غابت بالكلية فلا حاجة أن تميل عنه.
2) فعن ابن عباس ﭭ قال: (في قوله تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال [ [الكهف: 17]؛ قال: تميل عنهم، وفي قوله: ]تقرضهم[ قال: تذرهم).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص235)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص185)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج9 ص507-الدر المنثور) من طريق معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص507)، وفي «الاتقان» (ج2 ص25)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص143).
3) وعن مجاهد / قال: (في قوله: ]تقرضهم [ [الكهف: 17]؛ قال: تتركهم ذات الشمال).
أثر صحيح
أخرجه آدم بن إياس في «تفسير القرآن» (ص446)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص507-الدر المنثور)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص212)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2352)، والفريابي في «تفسير القرآن» (ج8 ص406-الفتح)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج9 ص507-الدر المنثور)، والبخاري في «صحيحه» تعليقا (ج8 ص406)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج4 ص243) من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص212) من طريق حجاج عن ابن جريج عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص507)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص143)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج8 ص406).
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج5 ص143): (هذا دليل على أن باب هذا الكهف من نحو الشمال؛ لأنه تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه ]ذات اليمين [أي: يتقلص الفيء يمنة ... وقوله تعالى: ]تزاور[؛ أي: تميل ... ولو كان من ناحية القبلة لما دخل منها شيء عند الطلوع ولا عند الغروب). اهـ
4) وعن قتادة / قال: (في قوله تعالى: ]تزاور عن كهفهم ذات اليمين[ [الكهف: 17] , قال: تميل عن كهفهم ذات اليمين).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص400)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص211) من طريق معمر، وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
5) وعن قتادة / قال: (في قوله تعالى: ]تقرضهم ذات الشمال[ [الكهف: 17], قال: تدعهم ذات الشمال).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص400)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص211) من طريق معمر، وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
6) وعن سعيد بن جبير / قال: (في قوله تعالى: ]تزاور عن كهفهم[ [الكهف: 17] تميل).
أثر حسن
أخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص211 و212) من طريق محمد بن مسلم عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير به.
قلت: وهذا سنده حسن.
7) وعن سعيد بن جبير / قال: (في قوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم [ [الكهف: 17]؛ قال: تتركهم ذات الشمال).
أثر حسن
أخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص212) من طريق محمد بن مسلم عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فإذا طلعت الشمس مالت عن كهفهم ذات اليمين؛ يعني: يمين الكهف، وإذا غربت تمر بهم ذات الشمال؛ يعني: شمال الكهف لا تصيبه ... فتميل عنهم الشمس طالعة، وغاربة، لا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرها، وتغير ألوانهم، وهم كانوا في متسع من الكهف، ينالهم فيه برد الريح، ونسيم الهواء.
قال تعالى: ]وهم في فجوة منه [ [الكهف: 17]؛ أي: من الكهف، والفجوة: متسع في مكان.([146])
قال المفسر الثعلبي / في «الكشف والبيان» (ج6 ص159): (قوله تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا [ [الكهف: 17]؛ أي: تتزاور ... تميل عنهم الشمس طالعة وغاربة وجارية). اهـ
قال المفسر الواحدي / في «الوسيط» (ج3 ص139): (قوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم [ [الكهف: 17]؛ أي: تعدل عنهم وتتركهم ... وتميل عنهم الشمس طالعة وغاربة). اهـ
وقال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج3 ص159): (]وترى الشمس إذا طلعت تزاور [ [الكهف: 17]؛ أي: تميل وتعدل ... ]وإذا غربت تقرضهم[؛ أي: تتركهم وتعدل عنهم ... فلا تقع الشمس عليهم عند الطلوع، ولا عند الغروب، ولا عند الاستواء). اهـ
وقال العلامة السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج5 ص17): (]وترى الشمس[؛ أي: حفظهم الله تعالى من الشمس، فيسر لهم غارا إذا طلعت الشمس، تميل يمينا، وعند غروبها تميل عنه شمالا([147])، فلا ينالهم حرها فتفسد أبدانهم بها).اهـ
وقال المفسر القرطبي / في «جامع لأحكام القرآن» (ج10 ص368): (قوله تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين[؛ أي: أي ترى أيها المخاطب الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم. والمعنى: إنك لو رأيتهم لرأيتهم كذا، لا أن المخاطب رآهم على التحقيق. «تتزاور» تتنحى وتميل، من الازورار. والزور الميل ... وقوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم[، قرأ الجمهور بالتاء على معنى تتركهم، قاله مجاهد، وقال قتادة: تدعهم. النحاس: وهذا معروف في اللغة، حكى البصريون أنه يقال: قرضه يقرضه إذا تركه، والمعنى: أنهم كانوا لا تصيبهم شمس ألبتة كرامة لهم، وهو قول ابن عباس. يعني: أن الشمس إذا طلعت مالت عن كهفهم ذات اليمين، أي يمين الكهف، وإذا غربت تمر بهم ذات الشمال، أي: شمال الكهف، فلا تصيبهم في ابتداء النهار، ولا في آخر النهار... فكانت الشمس تميل عنهم طالعة وغاربة وجارية لا تبلغهم لتؤذيهم بحرها، وتغير ألوانهم وتبلي ثيابهم).اهـ
وقال المفسر ابن جرير / في «جامع البيان» (ج3 ص262)؛ عن غروب الشمس: (كما أن آخر النهار ابتداء غروبها دون أن يتتام غروبها). اهـ
والشاهد: قوله: (دون أن يتتام غروبها)، وهذا يدل أنها لم تغرب بالكلية، فقد بقي منها شيء لم يتم سقوط قرص الشمس كله، وهذا قول في لغة العرب.
وقال تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
قلت: ويتعين دخول الليل من غروب الشمس، ويتحقق للصائم الإفطار([148])، لقوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
وأول الليل مغيب الشمس؛ أي: وصول الشمس مكان الغروب.([149])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص63): (فدل على أن قرب الشيء قد يعبر به عنه، والمراد مفهوم). اهـ
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج10 ص42): (أجمع العلماء على أنه إذا حلت صلاة المغرب فقد حل الفطر للصائم فرضا وتطوعا، وأجمعوا أن صلاة المغرب من صلاة الليل، والله تعالى يقول: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]).اهـ
قلت: فهذا قرب قرص الشمس من الأرض، يعتبر هذا القرب غروبا، لأن العرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه.([150])
ومن هذا قول الله تعالى: ]فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن [ [الطلاق: 2]، وهذا على القرب عند الجميع.
ومنه؛ قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
وهذا يدل على أن بقية النهار بعد غروب الشمس يسمى ليلا، مع أن النهار لم يغب بالكلية، أي: أنه لا عبرة بوجود شيء من آخر النهار([151])، وذلك لأن العرب تسمي ذلك ليلا؛ حتى مع وجود النهار([152])، فافهم لهذا.
قلت: ودخول الليل، وذلك بغروب الشمس، وليس بشرط أن تغيب في الأفق عن أعين الناظرين، كما يظن البعض، بل لو تقارب غروب الشمس يكفي للإفطار والصلاة، فافهم لهذا.([153])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص62): (والعرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه). اهـ
وقال الإمام محمد بن نصر المروزي في «السنة» (ص121): (وقال الله تبارك وتعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل[ [البقرة: 187]؛ ففسر([154]) النبي r بسنته كيف يجيء الليل لتمام الصيام). اهـ
قلت: وقد أجمع الصحابة الكرام على العمل بحكم فطر الصائم، والشمس طالعة في الأفق في جهة المغرب، وأجمعوا على دخول وقت صلاة المغرب بذلك؛ كما هو ظاهر في الآثار، وقد أجمع التابعون على اتباع الصحابة y فيما ورد عنهم من آثار من أقوالهم، وأفعالهم، والله المستعان.
قال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة y فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ
وقال المفسر الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص23): (القول إذا ظهر عن جماعة من الصحابة واستفاض، ولم يوجد له منهم مخالف؛ فهو إجماع، وحجة على من بعدهم). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج1 ص355): (فإنهم أصحاب رسول الله r، ولا مخالف لهم منهم، وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم، ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم؛ لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم، والنفس تسكن إليهم؛ فأين المهرب عنهم دون سنة، ولا أصل وبالله التوفيق). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج5 ص560): (وأما تخصيص اتباعهم –يعني: الصحابة- بأصول الدين دون فروعه فلا يصح؛ لأن الاتباع عام). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص474): (وتقليدهم –يعني: الصحابة - اتباع لهم، ففاعله ممن y). اهـ
قلت: وهذه الأثار صحيحة في غروب الشمس، وهي طالعة رواها جماعة من الصحابة y، وأصحاب الحديث فيما ورد في الآثار، ولم يتكلم أحد من الصحابة y، والتابعين الكرام في تأويلها بمثل تأويل المتعالمين، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رسالته» (ص24): (يجب اتباع طريقة السلف من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فإن إجماعهم حجة قاطعة، وليس لأحد أن يخالفهم فيما أجمعوا عليه، لا في الأصول، ولا في الفروع). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص82): (وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه؛ لسان النبي r). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص87): (فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها، على ما تعرف من معانيها). اهـ
8) وعن أبي العالية /؛ أنه قال في الوصال في الصيام، قال: (قال الله تبارك وتعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187] وإذا جاء الليل فهو مفطر، ثم إن شاء صام وإن شاء ترك).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص134)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص264).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج3 ص134).
قال الفقيه الرازي / في «التفسير الكبير» (ج5 ص95): (كلمة «إلى» لانتهاء الغاية، فظاهر الآية أن الصوم ينتهي عند دخول الليل، وذلك لأن غاية الشيء مقطعه ومنتهاه، وإنما يكون مقطعا ومنتهى إذا لم يبق بعد ذلك). اهـ
وقال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج3 ص118): (]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187] أي: صوم كل يوم إلى الليل؛ أي: إلى ظهور الظلمة من قبل المشرق، وذلك بغروب الشمس، وكلمة «إلى» تفيد أن الإفطار عند غروب الشمس). اهـ
وقال المفسر ابن عطية / في «المحرر الوجيز» (ج2 ص92): (وروي عن عثمان بن عفان، وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، وطلق بن علي، وعطاء بن أبي رباح، والأعمش، وغيرهم أن الإمساك يجب بتبين الفجر في الطرق، وعلى رؤوس الجبال).اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «أحكام القرآن» (ج1 ص453): (فدل ما ذكرنا على أن الدخول في الصيام من طلوع الفجر، وعلى أن الخروج منه بدخول الليل، وكان قوله عز وجل: ]إلى الليل[؛ غاية لم يدخلها في الصيام بما بين لنا على لسان رسول الله). اهـ
وقال الإمام البغوي / في «معالم التنزيل» (ج1 ص215): (قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]؛ فالصائم يحرم عليه الطعام والشراب بطلوع الفجر الصادق، ويمتد إلى غروب الشمس، فإذا غربت حصل الفطر). اهـ
وقال المفسر ابن جزي / في «تفسير القرآن» (ص47): (قوله تعالى: ]إلى الليل[؛ أي: إلى أول الليل، وهو غروب الشمس). اهـ
وقال الفقيه ابن العربي / في «أحكام القرآن» (ج1 ص92): (قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل[ [البقرة: 187]؛ فشرط ربنا تعالى إتمام الصوم حتى يتبين الليل، كما جوز الأكل حتى يتبين النهار، ولكن إذا تبين الليل فالسنة تعجيل الفطر).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
الأدلة الأولى: وهي من أدلة المحكم في السنة النبوية
ذكر الدليل من النبي r في تفسيره للآيات السابقة؛ التفسير المبين في مستوى غروب الشمس: بفطره والشمس، وهي طالعة في جهة المغرب بيسير عن الأرض، وهذا من المحكم الواضح، وقد علم r الأمة غروب الشمس بهذا المستوى، وكيفية فطره r في رمضان للإقتداء به r، وقد عمل الصحابة الكرام بهذه السنة، وفي هذا تفنيد للفتوى، وأنها من المتشابه ولابد: فـ ]أي الفريقين خير مقاما[ [مريم: 73]
1) عن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي، قال حدثني وفدنا [وهم: من الصحابة] الذين قدموا على النبي r، (كان بلال t يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله ما بقي من رمضان بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله r، فيأتينا بالسحور ... ويأتينا بفطرنا وإنا لنقول: ما نرى الشمس ذهبت كلها، فيقول بلال t: ما جئتكم حتى أكل رسول الله r؛ يضع في الجفنة فيلقم منها). وفي رواية: (وإنا لنقول: إنا لنتمارى في وقوع الشمس لما نرى من الاسفار).
حديث حسن
أخرجه الروياني في «المسند» (742)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج1 ص115)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (3279)، وابن هشام في «السيرة النبوية» (ج4 ص85) من طريق إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي به مطولا.
وذكره ابن حجر في «الإصابة» (ج5 ص210)؛ في ترجمة عطية بن سفيان ثم قال: (وأصحها رواية إبراهيم بن سعد عنه: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان([155])،حدثني: وفدنا الذين قدموا على النبي r بإسلام ثقيف، وقدموا عليه في رمضان... فذكر الحديث). اهـ
وذكره الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج2 ص495) من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن عيسى عن عطية بن سفيان به. ومن طريق أحمد بن خالد الذهبي: عن ابن إسحاق، عن عيسى، عن عطية: حدثنا وفدنا؛ [أي: من الصحابة الذين كانوا مع النبي r]؛ ثم قال ابن حجر: (ورواية أحمد بن خالد أشبه بالصواب، فإن عطية بن سفيان تابعي معروف). اهـ
وذكره الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج5 ص32) من طريق ابن إسحاق: حدثني عيسى بن عبد الله، عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم [وهم: من الصحابة] قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله r ما بقي من شهر رمضان بفطورنا وسحورنا فيأتينا بالسحور ... ويأتينا بفطرنا، وإنا لنقول ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد، فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله r، ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها). اهـ
قلت: وهذا سنده حسن، وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسه، وجهالة الوفد لا تضر، لأن جهالة الصحابة y لا تضر في الحديث، لأنهم كلهم عدول، كما هو مقرر في أصول الحديث.([156])
والحديث أشار إليه أبو القاسم ابن منده في «المستخرج» (ج2 ص280).
وقال الحافظ البخاري / في «التاريخ الكبير» (ج7 ص10): (عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي؛ عن الوفد الذين جاؤوا النبي r). اهـ
وقد أثبت صحة الحديث الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج4 ص454)، و(ج5 ص210).
وقال الحافظ النووي / في «التقريب» (ج1 ص403): (والصحابة y كلهم عدول). اهـ
وقال الحافظ العراقي / في «التقييد والإيضاح» (ج1 ص578): (أن الصحابة الذين ثبتت صحبتهم كلهم عدول). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص158): (وجهالة الصحابي لا تضر، بخلاف غيره). اهـ
وقال العلامة الألباني / في «الصحيحة» (ج1 ص774): (وجهالة اسم الصحابي لا تضر، كما في المصطلح تقرر). اهـ
وقال العلامة الألباني / في «الصحيحة» (ج6 ص904): (وعلى هذا جرى إمام السنة أحمد بن حنبل / في مسنده، فإن فيه عشرات الأحاديث عن جماعة من الصحابة لم يسموا، يقول التابعي فيهم: عن بعض أصحاب النبي r، أو بعض من شهد النبي r). اهـ
قلت: وعطية بن سفيان([157]) هذا تابعي معروف، وابن الصحابي المعروف، وهو سفيان بن عبد الله الثقفي t الذي كان عامل عمر بن الخطاب رضي لله عنه على الطائف بعد عثمان بن أبي العاص t ([158])، ولم يأت بمنكر في هذا الحديث، ولذلك قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص681): (صدوق)، ووثقه الحافظ البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص438)، وذكره الحافظ ابن حبان في «الثقات» (ج5 ص216)؛ ثم قال: روى عن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب ﭭ، وسكت عنه الحافظ البخاري في «التاريخ الكبير» (ج7 ص10)، والحافظ ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج6 ص382)؛ فمثله حسن الحديث([159])، فافطن لهذا.
قال الحافظ الخطيب / في «أصول الرواية» (ص149): (وترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له، أو برواية عدلين عنه). اهـ
قلت: وعيسى بن عبد الله بن مالك روى عنه أبو داود في «سننه»، والنسائي في «السنن الكبرى»، وابن ماجه في «سننه»، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج7 ص231)، وروى عنه جمع من الرواة، وقال الذهبي في (ج2 ص31): (وثق)، وسكت عنه الحافظ ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج6 ص280)؛ فمثله حسن الحديث([160])؛لأنه لم يأت بمنكر في الأحاديث التي رواها ووافق الثقات، فافهم لهذا ترشد.
قال الحافظ الخطيب / في «أصول الرواية» (ص149): (وترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له، أو برواية عدلين عنه). اهـ
وقال الحافظ العراقي / في «التقييد والإيضاح» (ج1 ص578): (والحق أنه إن كان معروفا بذكره في الغزوات أو فيمن وفد([161])من الصحابة أو نحو ذلك؛ فإنه تثبت صحبته وإن لم يرو عنه إلا راو واحد). اهـ
قلت: ولا يضر اختلاف الحديث([162]) على محمد بن إسحاق ما دام ترجح لنا صحة رواية: «عطية بن سفيان» على غيرها، كما بين ذلك الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج5 ص210)، وغيره من أهل العلم.
وقال الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج5 ص210): (عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي: تابعي معروف، اختلف في حديثه على ابن إسحاق اختلافا كثيرا، وأصحها رواية إبراهيم بن سعد عنه: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان، حدثني وفدنا الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإسلام ثقيف، وقدموا عليه في رمضان ... فذكر الحديث.
وأخرجه ابن ماجه، وقد تقدم بيان الاختلاف فيه في ترجمة علقمة الثقفي). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج4 ص454)؛ بعدما ذكر الاختلاف: (علقمة بن سفيان، وقيل: ابن سهيل الثقفي، وقيل: عطية بن سفيان، وقال يونس بن بكير في زيادات المغازي: حدثني إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري([163])، حدثني عبد الكريم، حدثني علقمة بن سفيان، قال: كنت في الوفد من ثقيف، فضربت لنا قبة، فكان بلال يأتينا بفطرنا من عند النبي r... الحديث .... وقال أحمد بن خالد الوهبي: عن ابن إسحاق، عن عيسى، عن عطية: حدثنا وفدنا.([164])
أخرجه ابن ماجه، ورواية أحمد بن خالد أشبه بالصواب، فإن عطية بن سفيان تابعي معروف). اهـ
وقال الحافظ البوصيري / في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص438): رواه أبو يعلى واللفظ له، وابن ماجه مختصرا، ورواته ثقات.
وقال الحافظ البوصيري / في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص437): عن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي قال أنبأنا وفدنا [يعني: من الصحابة y] الذين كانوا قدموا على رسول الله r، وذكر الحديث.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج5 ص275)؛ أن رواية: إبراهيم بن سعد هي أصح الروايات، حيث رواها متصلة.
وكذلك رواية: زياد بن عبد الله البكائي وهو صاحب محمد بن إسحاق الذي أخذ ابن هشام «السيرة النبوية» عنه عن محمد بن إسحاق، حيث رواها متصلة أيضا؛ من حديث عطية بن سفيان، كما صوبه ابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج1 ص115).
قلت: وبقية الروايات([165])لا تصح لما فيها من تحريف، أو تصحيف، أو إرسال في السند، وليس هذا موضع بسطها.([166])
قلت: وقصة وفد ثقيف مشهورة عند أهل العلم قديما وحديثا في صومهم مع النبي r في رمضان.
فعن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة، قال: حدثنا وفدنا الذين قدموا على رسول الله r بإسلام ثقيف([167])، قال: (وقدموا عليه في رمضان، فضرب عليهم قبة في المسجد، فلما أسلموا صاموا ما بقي عليهم من الشهر).
حديث حسن
أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1760)، وابن هشام في «السيرة النبوية» (ج4 ص185)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج4 ص43)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج20 ص150) من طريق محمد بن إسحاق، حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان به مختصرا.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد صرح محمد بن إسحاق بسماعه من عيسى بن عبد الله، وكما في رواية إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق التي أشار إليها الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج5 ص275)؛ في ترجمة عطية بن سفيان بن ربيعة.
وقال محققو «سنن ابن ماجه» (ج2 ص642): (إسناده حسن إن شاء الله، محمد بن إسحاق وهو ابن يسار المطلبي قد صرح بسماعه من عيسى بن عبد الله كما في «السيرة النبوية» لابن هشام (4/185)، وكما في رواية إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق التي أشار إليها الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (5/275) في ترجمة عطية بن سفيان). اهـ
وقال الحافظ ابن أبي حاتم / في «الجرح والتعديل» (ج6 ص382): (عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي؛ عن الوفد الذين جاؤوا النبي r).اهـ
قلت: والشاهد قوله: (ما نرى الشمس ذهبت كلها)؛ حيث يدل على أن الصحابة y أفطروا مع بلال t في رمضان، والشمس قد قاربت الغروب، وهي طالعة في جهة المغرب، لم تغب بالكلية في الأرض.
وكذلك أفطر النبي r قبلهم والشمس طالعة وأخبر بلال t عن ذلك، بقوله: (ما جئتكم حتى أكل رسول الله r)؛ أي: أكل رسول الله r والشمس لم تغب بالكلية في الأرض.
قلت: وقد نقل العلماء حديث: قصة وفد ثقيف، وما فيه من إفطار النبي r وأصحابه y، والشمس طالعة، لم يغب قرص الشمس بالكلية، ولم ينكروا الحديث، بل أقروه؛ منهم: الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج5 ص32)، والحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج4 ص454)، و(ج5 ص210)، والحافظ البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص438)، والفقيه السهيلي في «الروض الأنف» (ج7 ص418)، والفقيه يحيى بن أبي بكر الحرضي في «بهجة المحافل» (ج2 ص28)، والفقيه المقريزي في «إمتاع الأسماع» (ج14 ص309).
قال الفقيه السهيلي / في «الروض الأنف» (ج7 ص418): (بلال ووفد ثقيف في رمضان: قال ابن إسحاق: وحدثني عيسى عن عبد الله بن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي، عن بعض وفدهم. قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله r ما بقي من رمضان بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله r فيأتينا بالسحور، وإنا لنقول إنا لنرى الفجر قد طلع فيقول قد تركت رسول الله r يتسحر لتأخير السحور ويأتينا بفطرنا، وإنا لنقول ما نرى الشمس كلها ذهبت بعد([168]). فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله r؛ ثم يضع يده في الجفنة فيلتقم منها). اهـ
وقال الفقيه يحيى بن أبي بكر الحرضي / في «بهجة المحافل» (ج2 ص28): (كان قدومهم على النبي r في شهر رمضان عند مرجعه من تبوك روى عن بعض وفدهم [وهم: من الصحابة] قال: (كان بلال يأتينا بعد أن اسلمنا بسحورنا، وإنا لنقول: أن الفجر قد طلع، فيقول: قد تركت رسول الله r !يتسحر، ويأتينا بفطورنا، وإنا لنقول: ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد([169]) فيقول: ما جئتكم حتى أكل رسول الله r ثم يضع يده في الجفنة فيلتقم منها ... (وإنا لنقول إن الفجر قد طلع)؛ أي: من شدة تأخير السحور كما هو السنة (بفطورنا)؛ بالفتح أيضا اسم لما يفطر به (ما نرى الشمس)؛ بالضم: أي ما نظنها (غربت)؛ أي من شدة تعجيل الفطر كما هو السنة). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج5 ص39)؛ فصل: قدوم وفد ثقيف على رسول الله r في رمضان من سنة تسع: (قال ابن إسحاق: وحدثني عيسى بن عبد الله، عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم قال: كان بلاليأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله r ما بقي من شهر رمضان بفطورنا وسحورنا فيأتينا بالسحور فإنا لنقول إنا لنرى الفجر قد طلع؟ فيقول: قد تركت رسول الله r يتسحر لتأخير السحور، ويأتينا بفطرنا وإنا لنقول ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد([170])، فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله r، ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها). اهـ
وقال الفقيه المقريزي / في «إمتاع الأسماع» (ج14 ص309): (وذكر في وفد ثقيف أيضا أن بلالا t كان يأتيهم بفطرهم، ويخيل أن الشمس لم تغب، فيقولون: ما هذا من رسول الله r إلا لننظر كيف إسلامنا، فيقولون: يا بلال ما غابت الشمس بعد؟([171])، فيقول بلال t: ما جئتكم حتى أفطر رسول الله r، وكان بلال t يأتيهم بالسحور). اهـ
2) وعن عبد الله بن أبي أوفى t، قال: كنا مع رسول الله r في سفر وهو صائم، فلما غربت الشمس، قال لبعض القوم: يا فلان، قم فاجدح لنا، فقال: يا رسول الله، لو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله، فلو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: إن عليك نهارا، قال: انزل فاجدح لنا، فنزل فجدح لهم، فشرب النبي r ثم قال: (إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا، فقد أفطر الصائم). وفي رواية: (إذا غابت الشمس من هاهنا، وجاء الليل من هاهنا([172]) فقد أفطر الصائم)، وفي رواية: (وأمر بلالا)، وفي رواية: (قال: يا رسول الله الشمس، قال: انزل فاجدح لي)، وفي رواية: (لو انتظرت حتى تمسي، قال انزل فاجدح لنا).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1955 و1958 و2941)، ومسلم في «صحيحه» (1101)، وأحمد في «المسند» (19395)، و(19399)، أبو داود في «سننه» (2352)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3297)، وابن حبان في «صحيحه» (3511)، و(3512)، والحميدي في «المسند» (ج2 ص312)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص590) من طرق عن سليمان الشيباني قال: سمعت عبدالله بن أبي أوفى t فذكره.
قلت: فالنبي r لم ينظر إلى وجود قرص الشمس نظرا تاما، لذلك أعرض r عن قول بلال حين قال: «يا رسول الله الشمس»، واعتبر r غيبوبة الشمس، مع أنها لم تغب كلها في الأرض([173])، والله المستعان.
قال الفقيه ابن العربي / في «القبس» (ج2 ص479)؛ معلقا على الحديث: (فأنكر الرجل سرعة الفطر، فأعلمه النبي r أن ذلك هو الحق!). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (قوله فاجدح بالجيم ثم الحاء المهملة والجدح تحريك السويق ونحوه بالماء بعود يقال له المجدح مجنح الرأس وزعم الداودي أن معنى قوله اجدح لي أي احلب وغلطوه في ذلك قوله إن عليك نهارا يحتمل أن يكون المذكور كان يرى كثرة الضوء من شدة الصحو فيظن أن الشمس لم تغرب ويقول لعلها غطاها شيء من جبل ونحوه أو كان هناك غيم فلم يتحقق غروب الشمس وأما قول الراوي وغربت الشمس فإخبار منه بما في نفس الأمر وإلا فلو تحقق الصحابي أن الشمس غربت ما توقف لأنه حينئذ يكون معاندا وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة). اهـ
قلت: وهذا كله يدل على شدة تعجيل النبي r للإفطار.
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وموضع الدلالة منه ما يشعر به سياقه من مراجعة الرجل له بكون الشمس لم تغرب في جواب طلبه لما يشير به فهو ظاهر في أنه كان r صائما). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن حصول الغروب لا يلزم منه أن يتحقق غروب قرص الشمس بالكلية، أي: أن قرص الشمس لم يغب بالكلية، بل يرى عيانا، وهذا يسمى غروبا عند العرب، لأن لا عبرة بنهاية الشمس في جهة المغرب بخمس دقائق عن الأرض، فافطن لهذا.
قال الإمام ابن الملقن / في «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» (ج5 ص12): (الإشارة في الأول إلى جهة المشرق، وفي الآخر إلى جهة المغرب، وهما متلازمان في الوجود: إذ لا يقبل الليل إلا إذا أدبر النهار). اهـ
قلت: فإذا أقبل الليل؛ أي: ظلامه من جهة المشرق، وأدبر النهار؛ أي: ضياؤه من جانب المغرب، فقد أفطر الصائم.
فهذا إقبال الظلام، وإدبار النهار، وهو حل وقت فطر الصائم.([174])
قال الـعلامـة أبـو عبد الرحـمـن الـعـظـيم آبـادي / في «عون المعبود» (ج6 ص478): (قوله r: (إذا جاء الليل من هاهنا): أي: من جهة المشرق، وقوله r: (وذهب النهار من هاهنا)؛ أي: من جهة المغرب). اهـ
قلت: ووجه الدلالة أن النبي لما تحقق عنده غروب الشمس، أي: نهايتها، _ وإن كان قرص الشمس يرى _ لم يطلب مزيدا على ذلك، ولا التفت إلى موافقة من عنده من الصحابة الكرام على ذلك؛ بقوله: (يا رسول الله الشمس، فقال r له: انزل فاجدح لي، فنزل فجدح له([175]) فشرب!)، فلو كان يجب الإمساك حين غياب قرص الشمس بالكلية لفعل ذلك، فعتبر r أن ذلك غروبا، بقوله r: (وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)؛ أي: دخل في وقت الفطر.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وفي الحديث استحباب تعجيل الفطر، وأنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقا، بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر). اهـ
3) وعن عبد الله بن أبي أوفى، قال: (كنا مع النبي r في سفر، فقال لرجل من القوم: انزل فاجدح لي بشيء وهو صائم، فقال: الشمس يا رسول الله! قال: انزل فاجدح لي، قال: فنزل فجدح له فشرب، وقال: ولو ترآها([176]) أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس، ثم أشار النبي r بيده إلى المشرق، قال: إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا، فقد أفطر الصائم).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن عبدالله بن أبي أوفى t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الشيخ الألباني / في «مختصر صحيح البخاري» (ج1 ص571): (زاد عبد الرزاق (4/226/7594): (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني: الشمس)، وسنده صحيح على شرط الشيخين).
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج3 ص412) وأقره؛ برواية ابن عيينة عن الشيباني عن ابن أبي أوفى t وفيه: (قال: فلو نزا أحد على بعيره لرآها؛ (يعني: الشمس)، ثم أشار النبي r بيده قبل المشرق).
قلت: وهذا الحديث يدل على أن النبي r أفطر مع وجود قرص الشمس لم يغيب كله، وشدة ضيائها، لقوله: (يا رسول الله الشمس)، وقوله: (إن عليك نهارا)، وقوله: (ولو تراآها احد على بعيره لرآها؛ يعني الشمس!)، مع أنه قال: (لما غابت الشمس)، فهذا يسمى عند العرب غروبا، وهو نهاية الشمس([177])، فافطن لهذا ترشد.
قلت: فمن فقه العبد تعجيل فطره، وتأخير سحوره، والله المستعان.
قلت: والعبرة بغروب الشمس، أو قرب الغروب، ولا حاجة إلى أن يزول النور القوي، أو الحمرة، بل بمجرد ما يغيب قرص الشمس، أو قارب يفطر الصائم، كما فعل الصحابة الكرام.
قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج2 ص50): (وكان يعجل الفطر ويحض عليه، ... وكان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء، هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم ... وكان r يفطر قبل أن يصلي). اهـ
قلت: وهذا الحديث يدل على أن الرسول r أفطر على أمر غير معتاد لبلال بن رباح t، وهو إفطاره r مع وجود قرص الشمس، وأن المعتاد عند بلال t هو إفطار النبي r مع مغيب قرص الشمس بالكلية([178])، فأراد النبي r أن يعلم الصحابة الكرام y أن تعجيل الفطر بهذا المستوى من الشمس من الدين، وهذا من باب التيسير على الأمة، وهو موافق لأصول من أصول الشريعة الغراء: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185]، وقد عمل بذلك الصحابة الكرام، وهم أعلم الناس بأحكام الشريعة المطهرة.([179])
قلت: وهنا يريد الصحابي أن يفسر الحديث المجمل في ألفاظه؛ بقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس)([180])، ويبين حكم غروب الشمس بهذا المستوى، وأن تفسير الصحابي الحاضر في موقع الحادثة مع النبي r أولى من غيره ممن لم يكن حاضرا مع النبي r، وهذا فيه رد على من فسر طلوع الشمس بالحمرة في الأفق: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
قلت: وهذا يدل أيضا على أن الأرض كانت غير مستوية؛ ليرى الناظر الشمس بوقوفه على قدمه، بل لابد أن يحتاج الناظر إلى أرض مرتفعة ليراها([181])؛ لقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس)، فافطن لهذا.
قلت: وأضف إليه قول بلال بن رباح t: (الشمس يا رسول الله!)، وقوله: (إن عليك نهارا)([182])، وأنه إذا وجد النهار لابد أن توجد الشمس طالعة في الأفق، والصحابة الكرام y هم عرب، ويتكلمون باللغة العربية، ويعرفون حقيقة النهار ووجوده، ويكون ذلك مع طلوع الشمس لا مع غيبوبتها بالكلية، فافطن لهذا.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (قوله: (إن عليك نهارا) يحتمل أن يكون المذكور كان يرى كثرة الضوء من شدة الصحو فيظن أن الشمس لم تغرب ويقول لعلها غطاها شيء من جبل ونحوه). اهـ
قلت: والصحيح أن الشمس غطاها شيء من سهل، أو تل، أو مرتفع، ونحو ذلك، وهذا يدل أنها لم تغب بالكلية، فهي خلف هذا المرتفع لقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها)، لأن لو تحقق لبلال بن رباح t أن الشمس قد غربت بالكلية ما توقف عن الجدح، وإنما توقف عن الجدح لطلوع قرص الشمس فوق الأرض، وهذا ظاهر لمن تدبر الحديث.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وأما قول الراوي: (وغربت الشمس)؛ فإخبار منه بما في نفس الأمر، وإلا فلو تحقق الصحابي أن الشمس غربت([183]) ما توقف؛ لأنه حينئذ يكون معاندا([184])، وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة([185]». اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ
وقال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ
وقال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص301): (علامة من أراد الله تعالى به خيرا سلوك هذا الطريق كتاب اللـه، وسنن رسول الله r، وسنن أصحابه y، ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد). اهـ
وقال الإمام الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص210): (فإن كنتم من المؤمنين، وعلى منهاج أسلافهم، فاقتبسوا العلم من آثارهم، واقتبسوا الهدى من سبيلهم، وارضوا بهذه الآثار إماما، كما رضي القوم بها لأنفسهم إماما). اهـ
قلت: فعليك بمذهب السلف الصالح في أحكام الدين، والاقتداء بهم فيه واتباعهم جملة وتفصيلا. ([186])
قلت: وبيان السنة والأثر للقرآن حجة على أقوال العلماء، والمذاهب، والآراء، فلا يحل تقديم تفسير عالم، أو إمام، أو مذهب، أو تقرير عقل على تفسير السنة والأثر وعلى بيانهما، ولا يحل نصب الخلاف بين السنة والأثر، وبين قول مذهب، أو محاولة توفيق في شيء من ذلك، اللهم غفرا.
قال الإمام ابن القيم /: (وهكذا تجد كل مجادل في نصوص الوحي بالباطل، إنما يحمله على ذلك؛ كبر في صدره ماهو ببالغه).([187]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص234): (القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج إلى أقوال أهل اللغة).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص186): (من كان أعظم اتباعا لكتابه الذي أنزله، ونبيه الذي أرسله؛ كان أعلم فرقانا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص236): (لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل، ورأي، وقياس). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص231): (النزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «مختصر الفتاوى المصرية» (ص556): (فمن ظن أنه يأخذ من الكتاب والسنة بدون أن يقتدي بالصحابة، ويتبع غير سبيلهم فهو من أهل البدع والضلال). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص281): (ليس لأحد أن يدفع المعلوم من سنة رسول الله r بقول أحد من الخلق). اهـ
وقال الحافظ ابن حبان / في «صحيحه» (ج1 ص290): (العلماء ورثة الأنبياء» والأنبياء لم يورثوا إلا العلم، وعلم نبينا r سنته، فمن تعرى عن معرفتها لم يكن من ورثة الأنبياء). اهـ
4) وعن جابر بن عبد الله t «أن النبي r جاءه عمر بن الخطاب t يوم الخندق، فقال: يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب – يعني: وهي طالعة - وذلك بعد ما أفطر الصائم، فقال النبي r: والله ما صليتها، فنزل النبي r إلى بطحان وأنا معه، فتوضأ ثم صلى يعني العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب».
أخرجه البخاري في «صحيحه» (596)، و(598)، و(641)، و(4112) من طريق أبي سلمة قال: أخبرنا جابر بن عبد الله به.
فقوله: (بعد ما أفطر الصائم)؛ فهذا يدل على أن الإفطار للصائم قد حدد بوقت محدد في الشرع، وهو فطره والشمس طالعة في جهة المغرب في الأفق، لقوله: (والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ يعني: لم تغيب بالكلية، بل كادت الشمس أن تغرب، وقد صلى النبي r في وقت غروب الشمس بالكلية، مع إثبات الغروب الأول، وهو قبل مغيب قرص الشمس حين أفطر الصائم، كما بين ذلك عمر بن الخطاب t، وأقره النبي r على ذلك.
وفي رواية لمسلم في «صحيحه» (631) قال عمر بن الخطاب t: (يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي العصر، حتى كادت أن تغرب الشمس).
قلت: ويؤكد ذلك ما بينه عبد الله بن مسعود t في هذا الغروب في يوم الخندق؛ وهو يرى الشمس طالعة بقوله t: (حتى احمرت الشمس، أو اصفرت)([188]) في الرواية الأخرى، وهذا المستوى من الشمس يسمى غروبا عند الصحابة y.
إذا فقوله: (بعدما أفطر الصائم)؛ أي: إذا كان المقصود بعد الغروب الكلي، فما الحاجة من تكرار قوله: (ثم صلى العصر بعد ما غربت الشمس)، فهذا يعني أن معنى قوله: (بعد ما أفطر الصائم)؛ أي: أن هذا هو المعروف عندهم بوقت إفطار الصائم([189])، وهو: (عندما كادت الشمس تغرب)؛ أي أن الشمس لم تغرب بالكلية، بل قرصها يرى وقد احمرت، واصفرت في الأفق بجهة المغرب، وقد دنت بالقرب من الأرض.
قلت: فعمر بن الخطاب t ذكر الغروبين معا في حديث واحد، الأول: غروب الشمس في الأفق، وهي طالعة، والثاني: الغروب الكلي، وهو سقوط قرص الشمس بالكلية.
فالوقت الأول: لإفطار الصائم، وهو وقت دخول صلاة المغرب أيضا.
والوقت الثاني: بعد إخفاء قرص الشمس.
ثم قوله t: (وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ فيكون ليس في ذكره أي فائدة لهذه العبادة إن كان بعد غروب الشمس بالكلية؛ فهو t أراد أن يبين وقت إفطار الصائم، وهذا يكون في الغروب الأول، ثم بين الغروب الثاني، لأنه كرر كلمة: (بعد ما غربت الشمس)، هذا في الغروب الثاني بالكلية، والنبي r صلى صلاة العصر في هذا الوقت؛ لأن المشركين شغلوه عنها فتأخر في صلاتها إلى أن غربت الشمس في الأرض، وهذا الغروب الثاني.
قلت: وهذا يبين أنه معروف عندهم إذا كادت الشمس تغرب، أن ذلك من الغروب، وهو وقت إفطار الصائم، وإلا ما فائدة لذكره t لوقت إفطار الصائم، إلا ليبين وقت الإفطار، ووقت الغروب الأول، ووقت الغروب الثاني الذي حصل بعد ذلك، وإلا لماذا كرر للغروبين؟!.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص123): (والذي يظهر لي أن الإشارة بقوله: (وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ إشارة إلى الوقت([190]) الذي خاطب به عمر t النبي r لا إلى الوقت الذي صلى فيه عمر t العصر، فإنه كان: (قرب الغروب)([191])، كما تدل عليه: (كاد)).اهـ
وبوب عليه الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ص98): باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت.
قلت: وتبويب الحافظ البخاري هذا يؤيد الحديث، وأنه بين أن وقت صلاة العصر قد انتهى، ودخل وقت صلاة المغرب بعدما أفطر الصائم، والشمس طالعة.
5) وعن أبي أيوب الأنصاري t قال: قال رسول الله r يقول: (صلوا المغرب لفطر الصائم).
حديث حسن لغيره
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص421)، والدارقطني في «العلل» تعليقا (ج6 ص125)، والطيالسي في «المسند» (ج1 ص493) من طريق يزيد بن أبي حبيب قال: حدثني رجل سمع أبا أيوب t به، وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص290) من طريق ابن أبي ذئب عن أبي حبيبة عن أبي أيوب الأنصاري t به.
قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات، والشواهد.
وذكره الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج6 ص125)؛ وسكت عنه.
قلت: ووقت صلاة العصر يمتد إلى قبيل اصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق عن الأرض بيسير بخمس دقائق تقريبا، وهذا دخول وقت صلاة المغرب، وإفطار الصائم.
6) وعن الحارث بن عمر الهذلي قال: (أن عمر بن الخطاب t كتب إلى أبي موسى الأشعري: كتبت إليك في الصلاة، وأحق ما تعاهد المسلمون أمر دينهم، وقد رأيت رسول الله r يصلي، حفظت من ذلك ما حفظت، ونسيت من ذلك ما نسيت، فصلى الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس حية، والمغرب لفطر الصائم، والعشاء ما لم يخف رقاد الناس، والصبح بغلس، وأطال فيها القراءة).
أثر حسن
أخرجه ابن راهويه في «المسند» (ج5 ص143 – المطالب العالية)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص456) من طريق ابن أبي ذئب عن مسلم بن جندب عن الحارث بن عمر الهذلي به.
قلت: وهذا سنده حسن، وله شواهد.
وذكره البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج2 ص41)، وعزاه لإسحاق بن راهويه.
7) وعن سهيل بن عمرو t قال: (لقد رأيت رسول الله r يفطر في شهر رمضان، ويخيل إلى الشمس([192]) لم تغرب من تعجيل فطره).([193])
حديث حسن
أخرجه أبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى» (ج3 ص171) من طريقين عن محمد بن عمر العامري عن ابن مرسا قال: سمعت سهيل بن عمرو t به.
قلت: وهذا سنده حسن، وله شواهد.
فقوله: (ويخيل إلى الشمس لم تغرب)؛ فهذا يدل على أن النبي r يفطر، وقرص الشمس لم يغب بالكلية، وهذا في حكم الغروب المعروف بين العرب، فانتبه.
8) وعن محمد بن كعب قال: (أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر، وقد رحلت دابته، ولبس ثياب السفر، وقد تقارب غروب الشمس، فدعا بطعام فأكل منه ثم ركب، فقلت له: سنة؛ قال: نعم).
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج2 ص318)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص247)، والدارقطني في «السنن» (ج2 ص188) من طريق سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم، أخبرني محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «حديث إفطار الصائم ...» (ص22).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
فقوله: (وقد تقارب غروب الشمس)؛ يدل على أن الشمس لم تغرب بالكلية، بل يرى قرصها بقرب الأرض، وهذا يسمى غروبا؛ كما يدل عليه الأثر، وهذا مطابق لظاهر القرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار السلفية.([194])
قلت: إذا تقرر هذا فهنا أمر يجب التنبيه عليه، وهو كون الصحابي قال: «سنة» يكون حكمه حكم الحديث المرفوع([195]) على ما هو مقرر في الأصول.([196])
قال الحافظ الحاكم في «المستدرك» (ج1 ص358): (وقد أجمعوا على أن قول الصحابي سنة حديث مسند). اهـ؛ أي: مرفوع عن النبي r.
وقال الحافظ الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص22): (وقول الصحابي: «من السنة»، كذا وأشباه ما ذكرناه إذا قاله الصحابي المعروف بالصحبة فهو حديث مسند؛ أي: مرفوع، وكل ذلك مخرج في المسانيد). اهـ
وقال الحافظ الخطيب / في «الكفاية» (ص592): (وهذه الدلالة بعينها توجب حمل قوله: «من السنة كذا»؛ على أنها سنة الرسول r).اهـ
وقال الإمام أبو المظفر السمعاني / في «قواطع الأدلة» (ص82): (فإن قال الصحابي: «أمرنا بكذا»، أو «نهينا عن كذا»، أو «من السنة كذا» يكون مسندا، ويكون حجة).اهـ
وقال الحافظ ابن الأثير / في «جامع الأصول» (ص596): (وأما قوله: من السنة كذا، والسنة جارية بكذا فالظاهر أنه لا يريد إلا سنة رسول الله r). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج1 ص30): (إذا قال الصحابي: «أمرنا بكذا»، أو «نهينا عن كذا»، أو «من السنة كذا»، أو «مضت السنة كذا»، ونحو ذلك؛ فكله مرفوع إلى رسول الله r على المذهب الصحيح الذى قاله الجماهير من أصحاب الفنون). اهـ
قلت: فالحديث ورد بهذه الصيغة: (نعم سنة)، فله حكم الرفع، وقد أجمع الصحابة الكرام على أن ذلك من سنة النبي r، وبهذا قال جماهير العلماء من
المحدثين والفقهاء.([197])
قلت: فإذا أطلق الصحابي ذكر: (السنة)، فالمراد سنة رسول الله r بلا شك([198])؛ أي: فمطلق السنة منصرف إلى سنة الرسول r.([199])
قلت: والصحابي إنما يقصد بذلك الاحتجاج؛ لإثبات شرع، وحكم يجب كونه مشروعا.([200])
قال الفقيه البهوتي / في «كشاف القناع» (ج1 ص235): (وقت المغرب: وهو في الأصل: مصدر غربت الشمس؛ بـ«فتح الراء وضمها» غروبا، ومغربا، ويطلق في اللغة: على وقت الغروب ومكانه). اهـ
قلت: فالمغرب سمي بذلك لفعلها وقت الغروب؛ إذ الغروب في اللغة البعد، أو وقته، أو مكانه فإذا كانت الشمس بعيدة في مستوى الغروب، فهي قد غربت، وإن كان قرصها لم يغب([201])، لأن هذا يسمى غروبا.([202])
قال الفقيه ابن أبي الفتح / في «المطلع» (ص57): (المغرب في الأصل: مصدر غربت الشمس غروبا، ومغربا، ثم سميت الصلاة مغربا). اهـ
وقال الفقيه أبو إسحاق الحنبلي / في «المبدع» (ج1 ص343): (المغرب: وهو في الأصل مصدر غربت الشمس؛ بـ«فتح الراء»، و«ضمها» غروبا، ومغربا، ويطلق في اللغة على وقت الغروب، ومكانه، فسميت هذه بذلك لفعلها في هذا الوقت). اهـ
ومنه؛ قول الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص62): (والعرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص63): (فدل على أن قرب الشيء قد يعبر به عنه، والمراد مفهوم). اهـ
قلت: فهذا قرب قرص الشمس من الأرض، يعتبر هذا القرب غروبا، لأن العرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه.([203])
ومن هذا قول الله تعالى: ]فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن [ [الطلاق: 2]، وهذا على القرب عند الجميع.
ومنه؛ قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
وهذا يدل على أن بقية النهار بعد غروب الشمس يسمى ليلا، مع أن النهار لم يغب بالكلية، أي: أنه لا عبرة بوجود شيء من آخر النهار([204])، وذلك لأن العرب تسمي ذلك ليلا؛ حتى مع وجود النهار([205])، فافهم لهذا.
قال تعالى: ]فاستبقوا الخيرات[ [البقرة: 178].
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
الأدلة الأخرى: وهي من أدلة المحكم في السنة النبوية
ذكر الدليل على أن وقت صلاة العصر يمتد إلى قبيل اصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق عن الأرض بيسير، فإذا اصفرت الشمس([206]) خرج وقت صلاة العصر، ودخل وقت صلاة المغرب، ودخل وقت إفطار الصائم والشمس طالعة، ولم تغب بالكلية في الأرض، وهذا من المحكم عند النبي r والصحابة الكرام ليس من المتشابه، وفي هذا تفنيد للفتوى
1) عن جابر بن عبد الله t «أن النبي r جاءه عمر بن الخطاب t يوم الخندق، فقال: يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب – يعني: وهي طالعة - وذلك بعد ما أفطر الصائم، فقال النبي r: والله ما صليتها، فنزل النبي r إلى بطحان وأنا معه، فتوضأ ثم صلى يعني العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب».
أخرجه البخاري في «صحيحه» (596)، و(598)، و(641)، و(4112) من طريق أبي سلمة قال: أخبرنا جابر بن عبد الله به.
فقوله: (بعد ما أفطر الصائم)؛ فهذا يدل على أن الإفطار للصائم قد حدد بوقت محدد في الشرع، وهو فطره والشمس طالعة في جهة المغرب في الأفق، لقوله: (والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ يعني: لم تغيب بالكلية، بل كادت الشمس أن تغرب، وقد صلى النبي r في وقت غروب الشمس بالكلية، مع إثبات الغروب الأول، وهو قبل مغيب قرص الشمس حين أفطر الصائم، كما بين ذلك عمر بن الخطاب t، وأقره النبي r على ذلك.
وفي رواية لمسلم في «صحيحه» (631) قال عمر بن الخطاب t: (يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي العصر، حتى كادت أن تغرب الشمس).
قلت: ويؤكد ذلك ما بينه عبد الله بن مسعود t في هذا الغروب في يوم الخندق؛ وهو يرى الشمس طالعة بقوله t: (حتى احمرت الشمس، أو اصفرت)([207]) في الرواية الأخرى، وهذا المستوى من الشمس يسمى غروبا عند الصحابة y.
إذا فقوله: (بعدما أفطر الصائم)؛ أي: إذا كان المقصود بعد الغروب الكلي، فما الحاجة من تكرار قوله: (ثم صلى العصر بعد ما غربت الشمس)، فهذا يعني أن معنى قوله: (بعد ما أفطر الصائم)؛ أي: أن هذا هو المعروف عندهم بوقت إفطار الصائم([208])، وهو: (عندما كادت الشمس تغرب)؛ أي أن الشمس لم تغرب بالكلية، بل قرصها يرى وقد احمرت، واصفرت في الأفق بجهة المغرب، وقد دنت بالقرب من الأرض.
قلت: فعمر بن الخطاب t ذكر الغروبين معا في حديث واحد، الأول: غروب الشمس في الأفق، وهي طالعة، والثاني: الغروب الكلي، وهو سقوط قرص الشمس بالكلية.
فالوقت الأول: لإفطار الصائم، وهو وقت دخول صلاة المغرب أيضا.
والوقت الثاني: بعد إخفاء قرص الشمس.
ثم قوله t: (وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ فيكون ليس في ذكره أي فائدة لهذه العبادة إن كان بعد غروب الشمس بالكلية؛ فهو t أراد أن يبين وقت إفطار الصائم، وهذا يكون في الغروب الأول، ثم بين الغروب الثاني، لأنه كرر كلمة: (بعد ما غربت الشمس)، هذا في الغروب الثاني بالكلية، والنبي r صلى صلاة العصر في هذا الوقت؛ لأن المشركين شغلوه عنها فتأخر في صلاتها إلى أن غربت الشمس في الأرض، وهذا الغروب الثاني.
قلت: وهذا يبين أنه معروف عندهم إذا كادت الشمس تغرب، أن ذلك من الغروب، وهو وقت إفطار الصائم، وإلا ما فائدة لذكره t لوقت إفطار الصائم، إلا ليبين وقت الإفطار، ووقت الغروب الأول، ووقت الغروب الثاني الذي حصل بعد ذلك، وإلا لماذا كرر للغروبين؟!.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص123): (والذي يظهر لي أن الإشارة بقوله: (وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ إشارة إلى الوقت([209]) الذي خاطب به عمر t النبي r لا إلى الوقت الذي صلى فيه عمر t العصر، فإنه كان: (قرب الغروب)([210])، كما تدل عليه: (كاد)).اهـ
وبوب عليه الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ص98): باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت.
قلت: وتبويب الحافظ البخاري هذا يؤيد الحديث، وأنه بين أن وقت صلاة العصر قد انتهى، ودخل وقت صلاة المغرب بعدما أفطر الصائم، والشمس طالعة.
2) وعن أبي أيوب الأنصاري t قال: قال رسول الله r يقول: (صلوا المغرب لفطر الصائم).
حديث حسن لغيره
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص421)، والدارقطني في «العلل» تعليقا (ج6 ص125)، والطيالسي في «المسند» (ج1 ص493) من طريق يزيد بن أبي حبيب قال: حدثني رجل سمع أبا أيوب t به، وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص290) من طريق ابن أبي ذئب عن أبي حبيبة عن أبي أيوب الأنصاري t به.
قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات، والشواهد.
وذكره الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج6 ص125)؛ وسكت عنه.
قلت: ووقت صلاة العصر يمتد إلى قبيل اصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق عن الأرض بيسير بخمس دقائق تقريبا، وهذا دخول وقت صلاة المغرب، وإفطار الصائم.
3) وعن الحارث بن عمر الهذلي قال: (أن عمر بن الخطاب t كتب إلى أبي موسى الأشعري: كتبت إليك في الصلاة، وأحق ما تعاهد المسلمون أمر دينهم، وقد رأيت رسول الله r يصلي، حفظت من ذلك ما حفظت، ونسيت من ذلك ما نسيت، فصلى الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس حية، والمغرب لفطر الصائم، والعشاء ما لم يخف رقاد الناس، والصبح بغلس، وأطال فيها القراءة).
أثر حسن
أخرجه ابن راهويه في «المسند» (ج5 ص143 – المطالب العالية)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص456) من طريق ابن أبي ذئب عن مسلم بن جندب عن الحارث بن عمر الهذلي به.
قلت: وهذا سنده حسن، وله شواهد.
وذكره البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج2 ص41)، وعزاه لإسحاق بن راهويه.
4) وعن عبد الله بن عمرو ﭭ أن النبي r قال: (وقت الظهر ما لم تحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ويسقط قرنها الأول، ووقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق).
وفي رواية: (فإذا صليتم العصر، فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (612)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص210)، وفي «المجتبى» (ج1 ص620)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص210)، وأبو داود في «سننه» (396)، وأبو عوانة في «صحيحه» (ج1 ص349)، وابن خزيمة في « صحيحه » (326)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج21 ص411)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج3 ص166)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج2 ص208)، والطيالسي في «المسند» (2363)، والسراج في « المسند » (2971)، وفي «حديثه» (1334)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص150)، وفي «أحكام القرآن» (ج1 ص171)، ومحمد بن الحسن في «الحجة» (ج1 ص9)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص560 و586)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص282)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص331)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج4 ص350)، وفي «مسند الشاميين» (ج3 ص363)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص366)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص406)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج8 ص27)، وابن الجوزي في «التحقيق» (318)، وفي «جامع المسانيد» (ج4 ص451)، وابن حبان في «صحيحه» (337) من طريق هشام الدستوائي، وهمام بن يحيى، وحجاج الباهلي، وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة عن قتادة سمع أبا أيوب عن عبد الله بن عمرو t فذكره بألفاظ عندهم.
قلت: واشتمل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ﭭ على زيادة صحيحة في المواقيت، وهي: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)، فوجب قبولها، والمصير إليها، وأن ابتداء وقت صلاة المغرب يدخل إذا اصفرت الشمس، أو احمرت في الأفق وهي طالعة، ولم تغب بالكلية، ولا سيما الحديث من قول النبي r، والأحاديث الأخرى فعل منه r.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج22 ص75): (وليس عن النبي r حديث من قوله في المواقيت الخمس أصح منه). اهـ
ومعناه: أن وقت صلاة العصر ينتهي إلى أن يرى الناس الشمس صفراء أو حمراء طالعة في جهة الغروب، ولا تكون كذلك حتى ترى طالعة بقرب الأرض بخمس دقائق تقريبا، وقد اصفرت الشمس، أو يقول القائل: قد احمرت الشمس، وهذا هو وقت صلاة المغرب.
قلت: وهذا فيه دليل على أن وقت صلاة العصر يمتد إلى إصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق بيسير عن الأرض بحوالي خمس دقائق، وهذا الوقت لا يضر في إفطار الصائم فيه، لأن اليوم يعتبر بهذا القدر عند الشارع قد انتهى، فلا عبرة بخمس دقائق أو أدنى من ذلك، كما تدل على ذلك الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة، ولله الحمد. ([211])
قال الإمام أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص235): (قوله r: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)؛ يعني: بقوله؛ ما لم تصفر: ما لم تدخلها صفرة، وظاهره: أن آخر وقت العصر قبل مخالطة الصفرة.
وهذا كما قال في حديث بريدة بن حصيب t: (ثم أمره بالعصر، والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة، يعني: في اليوم الثاني). ([212]) اهـ
وقال الإمام أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص236): (قوله r: (ويسقط قرنها الأول)؛ ([213]) فيه إشكال([214]) وذلك: أن قرن الشمس أعلاها، وهو أول ما يبدو منها في الطلوع، وأول ما يسقط منها في الغروب، كما قال r في هذه الرواية في وقت الفجر: (ما لم يطلع قرن الشمس الأول). اهـ
وقال العلامة الوشتاني / في «إكمال إكمال المعلم» (ج2 ص541): (وقرن الشمس الأول أول ما يبدو منها، واحترز به عما يلي الأرض). اهـ
وقال العلامة السنوسي / في «مكمل إكمال الإكمال» (ج2 ص541): (قوله r: (إلى أن يطلع قرن الشمس الأول)؛ هو أول ما يبدو منها، واحترز به مما يلي الأرض). اهـ
قلت: فأول وقت صلاة المغرب، فقد ذكر في الأحاديث «الوقتين» أنه عند اصفرار الشمس، وهي طالعة؛ فهذا الوقت الأول، ثم عند غيبوبتها بالكلية، وفهذا الوقت الثاني، وهذا ظاهر في حديث: عبدالله بن عمرو (مالم تصفر الشمس)، وحديث: بريدة بن حصيب: (لم تخالطها صفرة)، وحديث: عبدالله بن مسعود y: (حتى احمرت الشمس، أو اصفرت». اهـ
قال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج2 ص573)؛ عن آخر وقت العصر: (وبالاصفرار قال جمهور أئمة الفتوى). اهـ؛ يعني: اصفرار الشمس.
وقال العلامة الوشتاني / في «إكمال إكمال المعلم» (ج2 ص543): (وبأنه الإصفرار قال الجمهور). ([215]) اهـ
وقال العلامة الوشتاني / في «إكمال إكمال المعلم» (ج2 ص543): (ولو قيل في الجمع بينهما إن المراد: بالإصفرار الغروب؛ لأنه يعني به مطلق الإصفرار، فاستظهر بجزء من النهار، كما استظهر بإمساك جزء من الليل في الصوم، وإن كان الأكل فيه جائزا، ويشهد بهذا الجمع قوله في «الأم»: (وقت العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول)، فجمع بين الإصفرار([216]) والغروب([217]) لكان للنظر فيه مجال). اهـ
قلت: فقوله r: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس).
قال الإمام الطحاوي / في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص242): (ففي هذا الأثر أن آخر وقتها، حين تصفر الشمس). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص243): (ثبت أن آخر وقتها - يعني: صلاة المغرب - هو غروب الشمس). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص243): (فكان من حجة من ذهب إلى أن آخر وقتها إلى أن تتغير الشمس). اهـ يعني: وهي طالعة.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج3 ص575): (ويدخل وقت العصر؛ إلى أن تصفر الشمس – وهذا وقت اختيار-، وإلى الغروب – وهذا وقت ضرورة -، فإذا غرب حاجب الشمس الأعلى دخل وقت المغرب([218])، إلى أن يغيب الشفق الأحمر؛ يعني: إلى أن يصير مكان الغروب أبيض ليس فيه حمرة). اهـ
قلت: فذكر شيخنا ابن عثيمين / وقتين لصلاة المغرب، فالوقت الأول عند اصفرار قرص الشمس، وهي طالعة، والوقت الثاني عند خفاء قرص الشمس بالكلية، فنأخذ بقوله هذا لأنه موافق للسنة، والآثار، وكفى.
قلت: فإذا اصفر قرص الشمس في جهة المغرب، وهي مرتفعة عن الأرض بيسير قبل أن تختفي بالكلية، فإنه يخرج وقت صلاة العصر، ويدخل وقت صلاة المغرب، وهذا أيضا عند إفطار الصائم.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج3 ص578): (قوله r: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ويسقط قرنها الأول)؛ يفهم منه أن وقت الضرورة ما بين اصفرار الشمس، وسقوط القرن). اهـ
5) وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن رجلا أتى النبي r، فسأله عن مواقيت الصلاة، فقال: (اشهد معنا الصلاة، فأمر بلالا فأذن بغلس، فصلى الصبح حين طلع الفجر، ثم أمره بالظهر حين زالت الشمس عن بطن السماء، ثم أمره بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره بالمغرب حين وجبت الشمس، ثم أمره بالعشاء حين وقع الشفق، ثم أمره الغد فنور بالصبح، ثم أمره بالظهر فأبرد، ثم أمره بالعصر والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة، ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع الشفق، ثم أمره بالعشاء عند ذهاب ثلث الليل، أو بعضه).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (613)، والترمذي في «سننه» (152)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص206)، وفي «السنن الصغرى» (ج1 ص258)، وابن ماجه في «سننه» (667)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج2 ص254)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج2 ص216)، وابن خزيمة في «صحيحه» (323)، وأبو عوانة في «صحيحه» (ج1 ص373)، وابن دقيق العيد في «الإمام» (ج4 ص16 و17)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج2 ص210)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج8 ص26)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص560)، وأبو علي الطوسي في «مختصر الأحكام» (137)، وابن حبان في «صحيحه» (ج4 ص359)، وابن الجارود في «المنتقى» (151)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص148)، وفي «أحكام القرآن» (285)، والروياني في «المسند» (14)، والسراج في «المسند» (974)، وفي «حديثه» (1337)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص262)، وابن الجوزي في «التحقيق» (316)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص349)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص374)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص405) من طريق علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه به.
قلت: فذكر النبي r أولا الغروب الكلي بقوله r: (ثم أمره بالمغرب حين وجبت الشمس)، ثم أمره مرة ثانية بالغروب، والشمس طالعة، وهو نهاية وقت صلاة العصر، بقوله r: (ثم أمره بالعصر، والشمس بيضاء نقية، لم تخالطها صفرة)؛ أي: إذا اصفرت الشمس دخل وقت صلاة المغرب، وهذا يسمى عند العرب غروبا.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج2 ص599): (الصحابة y عرب، ويعرفون اللسان العربي، ويعرفون مدلوله.
فإذا لم يرد عنهم تفسير القرآن، أو السنة بخلاف ظاهرها، فهم قد أخذوا بظاهرها بإجماعهم). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص239): (وإن كان الكلام كلام الله تعالى، وفسره الرسول r.
فالرسول r أعلم الناس بمراد الله عز وجل، فالعقل يقتضي أن نجريه على ظاهره؛ لأن المتكلم به قد علم المعنى، وعبر بما تكلم به). اهـ
6) وعن عبد الله بن مسعود t قال: (حبس المشركون رسول الله صلى عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس، أو اصفرت). وهي طالعة.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (628)، وابن ماجه في «سننه» (686)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص392)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص297)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص246)، وفي «المسند» (301)، والترمذي في «سننه» (181)، والطيالسي في «المسند» (364)، والبزار في «المسند» (ج5 ص388)، وأبو نعيم في «المستخرج على صحيح مسلم» (ج2 ص229)، وفي «حلية الأولياء» (ج4 ص165)، و(ج5 ص35)، وأبو يعلى في «المسند» (ج8 ص547)، و(ج9 ص196)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (163)، والطبري في «جامع البيان» (ج2 ص573 و574)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص368)، والسراج في «المسند» (545)، و(546)، والشاشي في «المسند» (ج2 ص301 و302)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج48 ص465)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص174)، وفي «أحكام القرآن» (ج1 ص228)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج4 ص86)، وابن الجوزي في «التحقيق» (348)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص460)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص480)، وفي «إثبات عذاب القبر» (199)، والرافعي في «أخبار قزوين» (ج1 ص125) من طريق زبيد اليامي عن مرة بن شراحيل عن عبد الله بن مسعود t به.
قلت: فقوله: (احمرت الشمس)؛ يعني: وقت غروب الشمس، وهو وقت صلاة المغرب، فبين t أن الشمس وهي طالعة في الأفق، وذلك في رؤيته أن الشمس احمرت واصفرت، وهي في الأفق بيسير عن الأرض، فرآها على هذا المستوى، وهو غروب الشمس الأول.
قلت: فهذه الأحاديث تدل على أن وقت صلاة العصر يمتد إلى غروب الشمس، وهو اصفرار الشمس وهي طالعة في الأفق مرتفعة عن الأرض بيسير بخمس دقائق تقريبا، وهذا الغروب الأول عند العرب، والغروب الثاني عند اختفاء قرص الشمس في الأرض.
قلت: فإذا اصفرت الشمس في الأفق، فإنه يخرج وقت صلاة العصر، ويدخل وقت صلاة المغرب، وهذا أيضا عند إفطار الصائم.
قلت: فوقت المغرب: إذا غربت الشمس، وأفطر الصائم، وقتا واحدا لم يزل عليه النبي r، والصحابة y في حياتهم.
7) وعن أبي سهيل نافع بن مالك الأصبحي عن أبيه مالك بن أبي عامر الأصبحي: (أن عمر بن الخطاب t كتب إلى أبي موسى t: أن صل الظهر، إذا زاغت الشمس، والعصر والشمس بيضاء نقية، قبل أن يدخلها صفرة([219])، وأن صل المغرب إذا غربت الشمس).
أثر صحيح
أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص7)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج1 ص536)، والقعنبي في «الموطأ» (ص84)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص370)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص463)، وفي «الخلافيات» (ج2 ص196 و197)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص6)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص375)، والحدثاني في «الموطأ» (ص43 و44)، وابن بكير في «الموطأ» (ق/13/ط) من طرق عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وله شواهد.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج5 ص4): وهو حديث متصل ثابت عن عمر بن الخطاب t.
وأخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص6 و7)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج1 ص535 و536 و537)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص319)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص328)، وابن أبي أسامة في «المسند» (ج2 ص41 – إتحاف الخيرة)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص6 و7)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص445)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص462)، والقعنبي في «الموطأ» (ص85)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص193)، وهشام بن عمار في «عوالي مالك» (8)، والحنائي في «الحنائيات» (297)، والحدثاني في «الموطأ» (ص59) من طرق عن عمر بن الخطاب t به... فذكره بألفاظ عندهم.
قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج2 ص50): (وكان يعجل الفطر ويحض عليه، ... وكان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء، هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم ... وكان r يفطر قبل أن يصلي).اهـ
8) وعن ابن عمر ﭭ قال: قال رسول الله r: (إذا طلع حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى ترتفع، وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصـلاة حتى تغيب).([220])
قلت: فذكر النبي r صفة الغروبين في حديث واحد:
الأول: الغروب مع ظهور قرص الشمس؛ بقوله r: (إذا غاب حاجب الشمس)؛ والحاجب: هنا هو: الحاجب الأسفل من قرص الشمس.
الثاني: الغروب الكلي، وهو خفاء قرص الشمس؛ بقوله r: (فأخروا الصلاة حتى تغيب). أي: بالكلية.
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص178): (قوله r: (وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تغيب)؛ أي: عن الصلاة عند بدء القرص في الغروب). اهـ
قلت: ويبدأ نزول قرص الشمس من الأسفل، وهو طالع، وهذا الحاجب السفلي، فسمى النبي r ذلك غروبا؛ إلى أن يغيب؛ أي: يسقط قرص الشمس
بالكلية، وهذا يسمى غروبا أيضا. ([221])
قلت: وقرص الشمس عليه دائرتان:
إحداهما: حمراء، وهي التي تلي القرص، والأخرى بيضاء، وهي بعد الحمراء، والحمراء أول ما تنزل من الأسفل ثم تليها في النزول البيضاء، ثم يلي البيضاء نزول القرص، وهذا كله غروب عند السلف، والخلف.([222])
وهذا يدل على أن غروب الشمس له ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: ارتفاع([223]) قرص الشمس بيسير عن الأرض.
الدرجة الثانية: طلوع نصف قرص الشمس عن الأرض.
الدرجة الثالثة: اختفاء قرص الشمس بالكلية في الأرض.([224])
9) وعن عقبة بن عامر الجهني t قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب). وفي رواية: (وحين تغيب الشمس إلى الغروب حتى تغرب).([225])
فقوله r: (وحين تضيف الشمس للغروب)؛ أي: قاربت الغروب، واقتربت من الأرض بملامسة الحاجب السفلي منها، فسمى ذلك غروبا مع وجودها طالعة، ويفسره اللفظ الآخر في نفس الحديث.([226])
ثم ذكر r: الغروب الكلي الذي هو سقوط القرص، بقوله r: «حتى تغرب» ، وهذا الغروب الثاني للشمس.
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص401): (قوله r: (وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» ؛ قال بعضهم: «حين تضيف الشمس للغروب)؛ أي: حين يغيب حاجبها الأسفل، فيكون مدة هذا الوقت ما بين شروع قرنها الأسفل في الغروب إلى أن يتم غروب قرنها الأعلى). اهـ
وقال الإمام أبو عبيد / في «غريب الحديث» (ج1 ص19): (معناه: إذا مالت للغروب، يقال منه: ضافت تضيف إذا مالت، وضفت فلانا؛ أي: ملت إليه ونزلت به). اهـ
وقال الحافظ أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص459): (قوله r: (حين تضيف الشمس للغروب)؛ أي: تميل للغروب، يقال: ضافت، تضيف؛ إذا مالت). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص183): (من بعد صلاة العصر إلى أن تضيف الشمس للغروب، فقيل: إلى أن يبدو قرصها بالغروب، وقيل: إلى أن يكون بينها، وبين الغروب مقدار رمح، قياسا على أول النهار، وهذا ظاهر حديث: (وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب».([227]) اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص401)؛ عن ارتفاع الشمس عن حدبة الأرض في الغروب: (قوله r: (حين تضيف)؛ حين يبقى بينها، وبين الغروب([228]) مقدار رمح([229])، من أجل أن تتساوى مع النهي حين طلوعها). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص394): (فهي: من الفجر إلى أن تطلع الشمس، ومن طلوعها إلى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، ومن صلاة العصر حتى يبقى بينها، وبين الغروب مقدار رمح، ومن ذلك الوقت إلى الغروب). اهـ
ويؤيد هذا التفسير:
عن ابن عمر ﭭ قال: قال رسول الله r: (لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها).([230]) وفي رواية: (ولا عند غروبها).
فقوله: (ولا غروبها»)(ولا عند غروبها)، أي: المقصود قبل الغروب الكلي، لأن النهي عن الصلاة النافلة عند بدء القرص في الغروب، كما في الرواية: (ولا عند غروبها)؛ لأنه الوقت الذي يسجد فيه الكفار للشمس؛ كالمودعين لها، وعند ظهورها يسجدون؛ كالمستقبلين لها، فالنبي r سمى ذلك: غروبا، بقوله r: (ولا غروبها).
والرواية الثانية أوضح: (ولا عند غروبها)؛ أي: في أثناء غروبها.
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص178)؛ عن النهي عن الصلاة حتى تغرب: (ولكنه نهى عن ذلك؛ أي: عن الصلاة عند بدء القرص في الغروب؛ لأنه الوقت الذي يسجد فيه الكفار للشمس؛ كالمودعين لها، وعند ظهروها يسجدون؛ كالمستقبلين لها). اهـ
وقال العلامة ابن باز / في «تعليقه على صحيح البخاري» (ج2 ص175): (وهذا أمر متواتر عن النبي r، والسر أن أمة من المشركين يعبدون الشمس، فنهى عن ذلك لما فيه من التشبه، وسدا للذريعة، والوقت الضيق أشد عند الطلوع، وعند الغروب([231])، ويستثنى من ذلك عند العلماء الفائتة لقوله r: (من نام عن الصلاة...)، وهكذا على الصحيح ما كان لها سبب؛ لأنه يكون بعيد عن التشبه). اهـ
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص62): (عند طلوع الشمس وعند غروبها). اهـ
10) وعن ابن عمر ﭭ، قال: قال رسول الله r: (إذا طلع حاجب الشمس، فدعوا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس، فدعوا الصلاة حتى تغيب، ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان).([232])
قلت: فسماه النبي r غروب الشمس، مع أنه الوقت المنهي عنه قبيل([233]) غروبها، لقوله r: (إذا غاب حاجب الشمس)؛ مع قوله r: (ولا غروبها)، وهذا عين الغروب.([234])
والحاجب الأعلى هو: أول ما يبدو من طلوع الشمس، والحاجب الأسفل هو: أول ما يغيب من الشمس عند الغروب.
قال الحافظ أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص458): (وحاجب الشمس، أو ل ما يبدو منها في الطلوع، وهو أول ما يغيب منها). اهـ
أي: حاجب الشمس السفلي.
وقال الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج3 ص180): (قوله r: (إذا بدا حاجب الشمس)؛ بدا: هنا غير مهموز؛ أي: ظهر وارتفع، وحاجبها أول ما يظهر منها، وهو الصحيح، وقيل قرناها أعلاها، وحواجبها نواحيها([235]». اهـ
قلت: فحاجب الشمس السفلي هو: طرف قرص الشمس الأسفل الذي يلامس الأرض عند الغروب، وهي طالعة، وهذا غروب عند الصحابة الكرام.
قال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج2 ص261): (وفي الحديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وغروبها، وهو مجمع عليه في الجملة، واقتصر فيه على حالتي الطلوع والغروب). اهـ
وبوب الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج6 ص266): باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها.
قلت: فسمى النووي / ذلك غروبا، وهو قبل غروب الشمس بالكلية.
ويؤيده:
عن ابن عمر ﭭ قال: قال رسول الله r: (إذا بدا حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تغيب).([236])
قلت: فذكر النبي r حاجبين للشمس؛ الحاجب الأعلى، والحاجب الأسفل.
قلت: قوله r: (لا تحروا)؛ أي: لا تقصدوا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا وغروبها.
وهذا الحديث مفسر للسابق، أي: لا تكره الصلاة بعد الصلاتين؛ إلا لمن قصد طلوع الشمس وغروبها.
فإذا صلى عبد فريضة أو غيرها في هذا الوقت، فهذا غير قاصد بصلاته عند طلوع الشمس ولا عند غروبها([237])، فافطن لهذا.
11) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: (لا تتحروا طلوع الشمس ولا غروبها، فتصلوا عند ذلك).([238])
12) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (نهى رسول الله r أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها).([239])
فقولها: (وغروبها)؛ أي: الغروب الذي قبل الغروب الثاني؛ أي: قبل اختفاء قرص الشمس، لأن النهي عن الصلاة في هذا المستوى من الشمس، أي: وهي طالعة، قبل أن تغرب بالكلية، وهذا واضح من الأدلة السابقة أيضا.
وبوب الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج2 ص366): باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها.
قلت: وفي هذه الأحاديث ذكر العلماء الغروبين معا.
قلت: والمنع من الصلاة في طلوع الشمس وغروبها، فقط للنوافل، وأما تأدية الفرائض، وما لها سبب، فيجوز الصلاة في النهي، لأنه يكون بعيد عن التشبه بعبادة الكفار للشمس عند الطلوع، وعند الغروب، ولأن المقصود من النهي في الأحاديث تأدية صلاة التطوع([240])، فانتبه.
قال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج3 ص203)؛ عن النهي: (وهذا كله عندنا، وعند جمهور العلماء فى النوافل). اهـ
وقال الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج3 ص178): (التنفل في هذين الوقتين لغير سبب منهي عنه). اهـ
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص398): (قوله r: (لا تحروا) أن من لم يتحر الصلاة في هذا الوقت، وإنما صلى لسبب معلوم، فلا بأس.
ووجه ذلك: أن الرجل إذا تحرى الصلاة في هذا الوقت صار مشبها للكافرين الذين يسجدون عند طلوع الشمس وعند غروبها، فإذا كان للصلاة سبب زال هذا المحذور؛ إذ إن الصلاة في هذه الحال حيث كان لها سبب فتسند إلى السبب، ويتبين فيها جليا: أنه لا مشابهة، وأنه لولا هذا السبب ما صلى.
وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمهم الله جميعا). اهـ
قلت: فما كان ذا سبب، فإن المصلي إذا قام به لا يعد متحريا لطلوع الشمس وغروبها. ([241])
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص395): (قد دلت السنة على جواز فعل ذوات الأسباب في وقت النهي، وأن كل صلاة لها سبب؛ فلا حرج أن تصليها وقت النهي؛ كتحية المسجد، وصلاة الراتبة إذا فاتت؛ كما لو فاتته راتبة الفجر فيصليها بعد الصلاة؛ وكما لو فاتته راتبة الظهر، وقد جمع إليها العصر؛ فإنه لا بأس أن يصلي راتبة الظهر بعد صلاة العصر؛ لأن ذلك له سبب). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص176): (ويستثنى من ذلك عدة أمور:
أولا: إذا حضر مسجد الجماعة بعد أن صلى الصبح فإنه يصلي معهم؛ لأن النبي r صلى ذات يوم صلاة الصبح في مسجد «الخير» في منى، فلما انصرف إذا برجلين لم يصليا، فقال: (ما منعكما؟) قالا: يا رسول الله، صلينا على رحالنا. قال: (ذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافل).
ثانيا: سنة الفجر بعد صلاة الفجر؛ فإنه يروى عن النبي r من حديث قيس بن فهد: (أنه رآه يصلي بعد الفجر فنهاه أو استفهمه، فقال: هما الركعتان قبل الفجر)؛ فأقره.
ثالثا: ركعة الطواف؛ لعموم حديث: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت، وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار).
رابعا: الصلاة الفائتة؛ لقول النبي r: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها)، فلو ذكرت بعد صلاة الفجر أنك صليت البارحة العشاء بلا وضوء فإنك تصليها قضاء بعد صلاة الصبح؛ لعموم الحديث.
خامسا: سنة الظهر إذا جمعت إليها العصر؛ لأنه يصلي الركعتين اللتين بعد الظهر يصليها بعد العصر المجموعة.
سادسا: إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب، وصادف ذلك - أي: وقت النهي- عند قيام الشمس فإنه يصلي الركعتين.
فهذه ستة أشياء مستثناة على المشهور من المذاهب.
والصواب: أن جميع ماله سبب مستثنى، وأن ماله سبب فهو جائز، ودليل ذلك:
أن الرسول r قاله في حديث ابن عمر: (لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها)، فدل هذا على: أن النهي إنما يكون على من صبر وانتظر حتى إذا كان عند شروق الشمس أو غروبها قام فصلى؛ لأنه في هذه الحال يشبه حال الكفار الذين يسجدون لها إذا طلعت، وإذا غربت). اهـ
13) وعن أنس بن مالك t: (أن رسول الله r خطب أصحابه ذات يوم وقد كادت الشمس أن تغرب، فلم يبق منها إلا شيء يسير وفي راوية: [إلا شف يسير]، فقال: والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما، مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه، وما نرى من الشمس إلا يسيرا).([242])
والشاهد: «إلا شيء يسير ... وما نرى من الشمس إلا يسيرا»؛ وهذا بمعنى الغروب عند العرب.([243])
قلت: وفي هذا الحديث تبيين أن اليوم من النهار قد انتهى، وإن كانت الشمس طالعة بيسير عن الأرض، وقد دخل وقت الليل مع ظهور الشمس في جهة المغرب في الأفق، وهذا القدر اليسير من الشمس لا يعتبر من النهار في اليوم نفسه؛ بل هو من الليل، فافهم لهذا ترشد.
والشف: بقية النهار لما يرى من يسير من الشمس، لقوله: «وما نرى من الشمس إلا يسيرا»؛ أي: قد بقيت منها بقية، وهذا في حكم الغروب عند العرب.
وشفا كل شيء حرفه، قال تعالى: ]وكنتم على شفا حفرة[ [آل عمران: 103].
قال الحافظ ابن الأثير / في «النهاية» (ج2 ص271): (وفي حديث أنس t (أن النبي r خطب أصحابه يوما، وقد كادت الشمس تغرب ولم يبق منها إلا شف)؛ أي شيء قليل. الشف والشفا والشفافة: بقية النهار).اهـ
وقال اللغوي الرازي / في «مختار الصحاح» (ص145): (يقال للرجل عند موته، وللقمر عند امحاقه، وللشمس عند غروبها ما بقي منه إلا شفا؛ أي: قليل).اهـ
وقال الإمام الحربي / في «غريب الحديث» (ج2 ص818): (قال أبو نصر: يقال: بقي من الشمس شفا: أي شيء([244]». اهـ
وقال الإمام الحربي / في «غريب الحديث» (ج2 ص819): (سمعت ابن الأعرابي يقول: أشفت الشمس على الغيوب, وشفت وضرعت, وضجعت, ودلكت).اهـ
وقال ابن منظور / في «لسان العرب» (ج19 ص166): (شفت الشمس تشفو: قاربت الغروب). اهـ
قلت: وهذا يعني أنها غربت، ودخل وقت صلاة المغرب، ووقت إفطار الصائم.
قال القلقشندي / في «صبح الأعشى» (ج2 ص367): (أما الطبيعي: فالليل من لدن غروب الشمس، واستتارها بحدبة الأرض إلى طلوعها، وظهورها من الأفق، والنهار من طلوع نصف قرص الشمس من المشرق إلى غيبوبة نصفها في الأفق في المغرب، وسائر الأمم يستعملونه كذلك.
وأما الشرعي: فالليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني، وهو المراد بالخيط الأبيض من قوله تعالى: ]وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر [ [البقرة: 187]، والنهار من الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وبذلك تتعلق الأحكام الشرعية من الصوم، والصلاة، وغيرهما). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
الأدلة من آثار الصحابة: وهي من أدلة المحكم
ذكر الدليل من آثار الصحابة y في تفسيرهم غروب الشمس، وهي طالعة في جهة المغرب بيسير عن الأرض، وقد أخذوا غروب الشمس، بهذا المستوى من النبي r، فأفطروا والشمس طالعة، وصلوا صلاة المغرب في هذا الوقت؛ لأن وقت صلاة المغرب قد دخل شرعا، وفي هذا تفنيد للفتوى
1) عن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي، قال حدثني وفدنا [وهم: من الصحابة] الذين قدموا على النبي r، (كان بلال t يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله ما بقي من رمضان بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله r، فيأتينا بالسحور ... ويأتينا بفطرنا وإنا لنقول: ما نرى الشمس ذهبت كلها، فيقول بلال t: ما جئتكم حتى أكل رسول الله r؛ يضع في الجفنة فيلقم منها). وفي رواية: (وإنا لنقول: إنا لنتمارى في وقوع الشمس لما نرى من الاسفار).
حديث حسن
أخرجه الروياني في «المسند» (742)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج1 ص115)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (3279)، وابن هشام في «السيرة النبوية» (ج4 ص85) من طريق إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي به مطولا.
وذكره ابن حجر في «الإصابة» (ج5 ص210)؛ في ترجمة عطية بن سفيان ثم قال: (وأصحها رواية إبراهيم بن سعد عنه: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان([245])،حدثني: وفدنا الذين قدموا على النبي r بإسلام ثقيف، وقدموا عليه في رمضان... فذكر الحديث). اهـ
وذكره الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج2 ص495) من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن عيسى عن عطية بن سفيان به. ومن طريق أحمد بن خالد الذهبي: عن ابن إسحاق، عن عيسى، عن عطية: حدثنا وفدنا؛ [أي: من الصحابة الذين كانوا مع النبي r]؛ ثم قال ابن حجر: (ورواية أحمد بن خالد أشبه بالصواب، فإن عطية بن سفيان تابعي معروف). اهـ
وذكره الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج5 ص32) من طريق ابن إسحاق: حدثني عيسى بن عبد الله، عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم [وهم: من الصحابة] قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله r ما بقي من شهر رمضان بفطورنا وسحورنا فيأتينا بالسحور ... ويأتينا بفطرنا، وإنا لنقول ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد، فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله r، ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها). اهـ
قلت: وهذا سنده حسن، وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسه، وجهالة الوفد لا تضر، لأن جهالة الصحابة y لا تضر في الحديث، لأنهم كلهم عدول، كما هو مقرر في أصول الحديث.([246])
وقال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص158): (وجهالة الصحابي لا تضر، بخلاف غيره). اهـ
وقال العلامة الألباني / في «الصحيحة» (ج1 ص774): (وجهالة اسم الصحابي لا تضر، كما في المصطلح تقرر). اهـ
قلت: والشاهد قوله: (ما نرى الشمس ذهبت كلها)؛ حيث يدل على أن الصحابة y أفطروا مع بلال t في رمضان، والشمس قد قاربت الغروب، وهي طالعة في جهة المغرب، لم تغب بالكلية في الأرض.
وكذلك أفطر النبي r قبلهم والشمس طالعة وأخبر بلال t عن ذلك، بقوله: (ما جئتكم حتى أكل رسول الله r)؛ أي: أكل رسول الله r والشمس لم تغب بالكلية في الأرض.
قلت: وقد نقل العلماء حديث: قصة وفد ثقيف، وما فيه من إفطار النبي r وأصحابه y، والشمس طالعة، لم يغب قرص الشمس بالكلية، ولم ينكروا الحديث، بل أقروه؛ منهم: الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج5 ص32)، والحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج4 ص454)، و(ج5 ص210)، والحافظ البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص438)، والفقيه السهيلي في «الروض الأنف» (ج7 ص418)، والفقيه يحيى بن أبي بكر الحرضي في «بهجة المحافل» (ج2 ص28)، والفقيه المقريزي في «إمتاع الأسماع» (ج14 ص309).
2) وعن محمد بن كعب قال: (أتيت أنس بن مالك t في رمضان وهو يريد السفر، وقد رحلت دابته، ولبس ثياب السفر، وقد تقارب غروب الشمس([247])، فدعا بطعام فأكل منه ثم ركب، فقلت له: سنة؛ قال: نعم).
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج2 ص318)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص247)، والدارقطني في «السنن» (ج2 ص188) من طريق سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم، أخبرني محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «حديث إفطار الصائم ...» (ص22).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
فقوله: «وقد تقارب غروب الشمس»؛ يدل على أن الشمس لم تغرب بالكلية، بل يرى قرصها بقرب الأرض، وهذا يسمى غروبا؛ كما يدل عليه الأثر، وهذا مطابق لظاهر القرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار السلفية.([248])
قلت: فلا عبرة بهذا المستوى من الشمس، فإن النهار قد انتهى عند العرب، فيجوز للصائم أن يفطر، وإن كان قرص الشمس لم يغب عن الناظرين، وحلت صلاة المغرب، لأن المغرب في الأصل: موضع الغروب، فإذا وصلت الشمس في جهة المغرب، وفي هذا المستوى من موضع الغروب، فهذا يسمى غروبا عند الصحابة y، لأن الشمس بعدت، ودخلت في الغروب.([249])
3) عن الحارث بن عمر الهذلي قال: (أن عمر بن الخطاب t كتب إلى أبي موسى الأشعري: كتبت إليك في الصلاة، وأحق ما تعاهد المسلمون أمر دينهم، وقد رأيت رسول الله r يصلي، حفظت من ذلك ما حفظت، ونسيت من ذلك ما نسيت، فصلى الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس حية، والمغرب لفطر الصائم، والعشاء ما لم يخف رقاد الناس، والصبح بغلس، وأطال فيها القراءة).
أثر حسن
أخرجه ابن راهويه في «المسند» (ج5 ص143 – المطالب العالية)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص456) من طريق ابن أبي ذئب عن مسلم بن جندب عن الحارث بن عمر الهذلي به.
قلت: وهذا سنده حسن، وله شواهد.
وذكره البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج2 ص41)، وعزاه لإسحاق بن راهويه.
4) وعن أيمن المكي قال: (دخلت على أبي سعيد الخدري t، فأفطر على عرق([250])، وأنا أرى أن الشمس لم تغرب). وفي رواية: (فرآه يفطر قبل مغيب القرص!).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص22)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق وكيع.
وأخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج4 ص196- فتح الباري)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق سفيان؛ كلاهما عن عبدالواحد بن أيمن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
وعبدالواحد بن أيمن القرشي، قال ابن معين عنه: «ثقة»، وقال أبو حاتم: «ثقة»، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج7 ص24)، وقال الذهبي في «الكاشف» (ج2 ص191): «ثقة»، وروى له البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه»، وقال البزار: «مشهور ليس به بأس»، وقال النسائي: «ليس به بأس».([251])
وأيمن المكي القرشي، والد عبدالواحد بن أيمن، قال أبو زرعة: «ثقة»، ووافقه الذهبي، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج1 ص47)، وروى له البخاري في «صحيحه»،([252]) وقال ابن حجر في «التقريب» (ص157): «ثقة».
وقال العلامـة الشـيخ الألـبانـي / فـي «مـختصر صحـيح البخاري» (ج1 ص571): (وصله سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة (3/ 12)؛ بسند صحيح). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص196): (وصله سعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه، وقال: (دخلنا على أبي سعيد، فأفطر، ونحن نرى أن الشمس لم تغرب». يعني: لم تغرب بالكلية.
وذكره العيني في «عمدة القاري» (ج9 ص130)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص589).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج3 ص416): (وعن أيمن المكي: «أنه نزل على أبي سعيد الخدري، فرآه يفطر قبل مغيب القرص». رواه سعيد بن منصور). اهـ
قلت: أفطر أبو سعيد الخدري t، وقرص الشمس لم يغيب([253])، بل لم يلتفت إلى موافقة من عنده على ذلك، بل طبق السنة في تعجيل الإفطار، وهذا هو الإتباع الذي يجب أن يتمسك به كل مسلم.([254])
قال الفقيه العيني / في «عمدة القاري» (ج9 ص130)؛ بعدما ذكر أثر أبي سعيد الخدري: (وجه ذلك أن أبا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيدا على ذلك، ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك، فلو كان يجب عنده إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك). اهـ
5) وعن حاجب بن عمر قال: كنت أسمع الحكم بن الأعرج يسأل: درهما أبا هند؟([255]) فيقول درهم: (كنت أقبل من السوق فيتلقاني الناس منصرفين، قد صلى بهم معقل بن يسار t؛ فأتمارى غربت الشمس، أو لم تغرب).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص329) من طريق معاذ بن معاذ، عن حاجب بن عمر به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وهذا الصحابي معقل بن يسار المزني t ([256]) يصلي بالناس، ولم تغرب الشمس بالكلية، مما يدل على أن وجود قرص الشمس، أو بعضه يسمى غروبا عند السلف.
6) وعن حميد الطويل قال: (كنا عند أنس بن مالك t وكان صائما فدعا بعشائه، فالتفت ثابت البناني ينظر إلى الشمس، وهو يرى أن الشمس لم تغب([257])، فقال أنس لثابت: لو كنت عند عمر t لأحفظك). يعني: لغضب عليك.
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في «الصيام» (ص56) من طريق محمد بن عبد الأعلى، حدثنا معتمر بن سليمان التيمي قال سمعت حميد الطويل([258]) به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
7) وعن مجاهد، قال: (إني كنت لآتي ابن عمر بفطره، فأغطيه استحياء من الناس أن يروه([259]».
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص22) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه الفريابي في «الصيام» (ص58) من طريق جرير، عن منصور، عن مجاهد قال: (كنت آتي ابن عمر بشرابه، وإني لأخفيه من الناس من تعجيله إفطاره).
وإسناده صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226) من طريق ابن عيينة، عن منصور، أو ليث، عن مجاهد قال: (إن كنت لآتي ابن عمر بالقدح عند فطره فأستره من الناس، وما به إلا الحياء يقول: من سرعة ما يفطر).
وإسناده صحيح.
قلت: وهذا يدل على أن ابن عمر ﭭ في هذا اليوم أفطر على أمر غير معتاد لسرعته، وهو أنه عجل الفطر مع وجود قرص الشمس، وإلا لماذا يستتر عن أعين الناس إذا أفطر مع غروب الشمس بالكلية؟!، لأن الناس اعتادوا في الفطر بغروب الشمس بالكلية، وهذا أمر مألوف لديهم، وإنما الإنكار عليه إذا أفطر مع وجود قرص الشمس، فخاف من ذلك لجهلهم، فأمر مجاهدا أن يغطيه استحياء من الناس أن يروه على هذه الحالة، فافهم لهذا ترشد.([260])
قلت: فمن السنة التبكير في الإفطار([261])، والله المستعان.
8) وعن عمرو بن ميمون /، وهو من أكبر التابعين قال: (كان أصحاب محمد r أعجل الناس إفطارا، وأبطأهم سحورا).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص398)، والفريابي في «الصيام» (ص59)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج3 ص154-الزوائد)، والخلعي في «الخلعيات» (ص329) من طريق سفيان الثوري، وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن حجر في «فتح الباري» (ج4 ص199)، والنووي في«المجموع» (ج6 ص326)، واللكنوي في «التعليق الممجد» (ج2 ص204).
وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج3 ص154) ثم قال: رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله رجال الصحيح.
وذكره ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص104)، واللكنوي في «التعليق الممجد» (ج2 ص204).
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص118)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج3 ص154-الزوائد) من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حريث، قال: (كان أصحاب رسول الله r، أعجل الناس إفطارا، وأبطأهم سحورا).
وإسناده لا بأس به في المتابعات.
وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج3 ص154) ثم قال: رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله رجال الصحيح.
9) وعن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (كان عبد الله t، يصلي المغرب، ونحن نرى أن الشمس طالعة قال: فنظرنا يوما إلى ذلك فقال: ما تنظرون؟ قالوا: إلى الشمس، قال عبد الله: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة، ثم قال: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]، فهذا دلوك الشمس).
أثر صحيح
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص274)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص489) من طريق جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، وعمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين، وقد صححه العيني في «نخب الأفكار» (ج3 ص23)، والدارقطني في «العلل» (ج5 ص214).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، بهذه السياقة، ووافقه الذهبي.
وبهذا الوجه ذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (12856).
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص154 و155) من طريق حفص بن غياث عن الأعمش قال: ثنا إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وفي آخره ذكر حفص بن غياث: (أنه قيل للأعمش: قيل حدثكم عمارة أيضا؟ قال: نعم). وهذا تصريح بالتحديث من الأعمش من إبراهيم، وعمارة، ثم عنعنة الأعمش عن شيوخ أكثر عنهم تحمل على السماع، مثل: إبراهيم النخعي، وغيره، وهذه الرواية منها([262])، فتفطن لذلك.
قال الذهبي / في «الميزان» (ج2 ص224)؛ عن الأعمش: (وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف، ولا يدري به، فمتى قال: حدثنا فلا كلام، ومتى قال: «عن» تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان؛ فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال). اهـ
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9131) من طريق زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «صلى عبد الله المغرب، فلما انصرف جعلنا نلتفت، فقال: ما لكم تلتفتون؟ قلنا: نرى أن الشمس طالعة، فقال: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة، ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل».
وإسناده صحيح.
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص50)؛ ثم قال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
وأخرجه المخلص في «المخلصيات» (1594) من طريق ابن نمير قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عبدالرحمن بن يزيد قال: (صلينا مع عبد الله t المغرب، فجعلنا نلتفت ننظر نرى أن الشمس طالعة، فقال عبد الله t: ما تنظرون؟ قالوا: نرى أن الشمس طالعة، فقال: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة، ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] وقال: هذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل).
وإسناده صحيح.
قلت: فهذا ابن مسعود t يرى أن الشمس قد غربت، وهي لم تغب بالكلية، وهذا الغروب عند العرب من وجه.
واحتج عليهم ابن مسعود t بقوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ والدلوك: الميل، وهذه الشمس قد مالت جهة المغرب، وكادت أن تغيب، ولم تغب فهذا يسمى غروبا أيضا عند العرب.
فالشاهد: (ونحن نرى أن الشمس طالعة)؛ فهذا يسمى غروبا عند العرب، ولذلك اعتبر ابن مسعود t أن هذا المستوى للشمس من الأرض دخول وقت صلاة المغرب؛ لأنها مالت إلى جهة الغروب، وأوشكت أن تلامس الأرض، فصلى صلاة المغرب؛ لأن وقتها دخل شرعا، وصلى خلفه أصحابه، وهم فقهاء الأمة من التابعين، ولم ينكر أحد منهم عليه، ولم يتخلفوا عن الصلاة خلف ابن مسعود t، فافهم لهذا ترشد.
وقد تبين في لفظ قال: (صلى ابن مسعود بأصحابه المغرب حين غربت الشمس)؛ مع أنها كانت طالعة في اللفظ الأول.
أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص155) من طريق أبي الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: قال: عبد الرحمن بن يزيد: «صلى ابن مسعود بأصحابه المغرب حين غربت الشمس, ثم قال: هذا، والذي لا إله إلا هو، وقت هذه الصلاة».
وإسناده صحيح، وهذا الحديث؛ هو الحديث الأول سواء بسواء كلاهما من رواية عبد الرحمن بن يزيد، فافطن لهذا.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص154 و155) من طريق عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، عن الأعمش، قال: ثنا إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (صلى عبد الله بأصحابه صلاة المغرب, فقام أصحابه يتراءون الشمس؛ فقال: ما تنظرون؟ قالوا ننظر, أغابت الشمس([263]). فقال عبد الله: هذا, والله الذي لا إله إلا هو وقت هذه الصلاة , ثم قرأ عبد الله ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] وأشار بيده إلى المغرب فقال: هذا غسق الليل، وأشار بيده إلى المطلع, فقال: هذا دلوك الشمس).
وإسناده صحيح.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص136)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9132) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (صلى عبد الله ذات يوم، وجعل رجل ينظر هل غابت الشمس؟ فقال عبد الله: ما تنظرون هذا؟ والله الذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة؛ يقول الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل).
وإسناده صحيح، وليس اختلافا على الأعمش بل للأعمش فيه شيخان: وهما: عمارة بن عمير، وإبراهيم النخعي، وكلاهما يرويه عن عبد الرحمن بن يزيد.
وذكر لفظه الدارقطني في «العلل» (ج5 ص213 و214)؛ من حديث عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله t: (أنه صلى المغرب فلما انصرف جعلنا نتلفت فقال ما لكم، قلنا نرى أن الشمس طالعة؛ فقال: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة؛ ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ ثم قال: يرويه الأعمش واختلف عنه؛
فرواه زائدة، وجرير، وابن مسهر، والثوري، وأبو شهاب، وأبو معاوية ومندل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله.
وخالفهم شعبة: فرواه عن الأعمش، عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد.
ورواه حفص بن غياث، عن الأعمش بتصحيح القولين جميعا؛ فقال: عن إبراهيم وعمارة عن عبد الرحمن بن يزيد؛ فصحت الأقاويل كلها.
ورواه سلمة بن كهيل، وإبراهيم بن مهاجر عن عبد الرحمن بن يزيد، وهو صحيح عنه). اهـ
وأخرجه الدارقطني في «العلل» (ج5 ص215) من طريق زفر، عن أشعث عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (كنت مع عبد الله بن مسعود فلما غربت الشمس قال هذا والذي لا إله إلا غيره حين حل لكل أكل ثم نزل فصلى المغرب ثم أقسم أن هذا وقتها).
قال الدارقطني: ورواه سلمة بن كهيل، وإبراهيم بن مهاجر عن عبد الرحمن بن يزيد وهو صحيح عنه.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص136)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9134)، و(9137) من طريقين عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد به.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص135)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9133) من طريق هشيم عن الشيباني سليمان بن أبي سلميان عن عبد الرحمن بن الأسود عن عمه عبد الرحمن بن يزيد به.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص311): وإسناده صحيح.
قال الإمام العيني / في «نخب الأفكار» (ج3 ص213): (أي قد روي ما ذكرنا من أن وقت المغرب عقب غروب الشمس أيضا عن الصحابة، فأخرج ذلك عن أربعة منهم، وهم: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وعثمان بن عفان y... وأما أثر عبد الله بن مسعود؛ فأخرجه من أربع طرق صحاح:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن عمر بن حفص أحد مشايخ البخاري ومسلم، عن أبيه حفص بن غياث بن طلق، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي.
وأخرجه البيهقي في سننه بإسناده: عن الأعمش، عن إبراهيم وعمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (كان ابن مسعود يصلي المغرب، ونحن نرى أن الشمس طالعة، قال: فنظرنا يوما إلى ذلك، فقال: ما تنظرون؟ قالوا: إلى الشمس، فقال عبد الله: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة، ثم قال: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ فهذا دلوك الشمس).
قوله: (هل حدثكم عمارة أيضا؟ قال: نعم)؛ أراد أنهم سألوا الأعمش أن أثر ابن مسعود هذا حدثكم به عمارة أيضا؟ قال: نعم.
وأخرجه الطبراني بهذا الإسناد: ثنا محمد بن علي الصائغ، ثنا سعيد بن منصور، ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (صلى عبد الله ذات يوم، فجعل رجل ينظر، هل غابت الشمس؟ فقال: ما تنتظرون؟! هذا والذي لا إلا غيره ميقات هذه الصلاة، فيقول الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[؛ فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل). اهـ
قلت: ولا شك أن تفسير ابن مسعود t مقدم على تفسير غيره من الصحابة في هذا الباب، بالإضافة إلى موافقته لتفسير السنة النبوية أيضا، وآثار الصحابة الكرام في غروب الشمس في هذا المستوى من الأرض بطلوعها؛ أي: بارتفاعها عن الأرض من جهة الغروب.([264])
قلت: والتفسير الذي له حكم المرفوع دون تصريح برفع، فهو أن يفسر الصحابي الآية بلفظه، فيما ليس فيه مجال اجتهاد، دون أن يصرح برفع التفسير إلى النبي r.
ومنه: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص477)؛ عن عبد الله بن مسعود t؛ في تفسير: قوله تعالى: ]لقد رأى من آيات ربه الكبرى[ [النجم: 18]، قال: (رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء).
قلت: رأى r جبريل عليه السلام على رفرف أخضر؛ أي: في حلة من رفرف، وهو الديباج الرقيق الحسن الصنعة.([265])
قلت: ولنترك ابن مسعود t يتحدث عن نفسه في مجال التفسير.
فعن مسروق، قال: قال عبد الله بن مسعود t: (والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه).([266])
وعن شقيق بن سلمة، قال: قال ابن مسعود t فقال: (والله لقد أخذت من في رسول الله r بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي r أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم).
قال شقيق: (فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك).([267])
وعن أبي الأحوص، قال: (كنا في دار أبي موسى مع نفر من أصحاب عبد الله، وهم ينظرون في مصحف، فقام عبد الله، فقال أبو مسعود: ما أعلم رسول الله r ترك بعده أعلم بما أنزل الله من هذا القائم، -يعني: ابن مسعود- فقال أبو موسى: أما لئن قلت ذاك، لقد كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا).([268])
قلت: فمثل هذا حري أن يقدم تفسيره للآية الكريمة، وهي ]أقم الصلاة لدلوك الشمس [ [الإسراء: 78].
إذا: فتبين أن مراد الآية الكريمة: بأن «الدلوك: الميل»؛ أي: ميل الشمس في جهة الغروب.
قلت: فمجرد ميل الشمس إلى جهة الغروب يشعر بغروبها؛ أي: عقب الميل يسمى غروبا، وإن لم تغب بالكلية.
قلت: فهذا تفسير ابن مسعود t للآية: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس[ [الإسراء: 78]، فإن الدلوك في الآية يسمى زوالا.
ولا يتنافى هذا التفسير مع زوال الشمس في الظهيرة؛ لأن الآية تعني: أيضا زوال الشمس في وقت الظهر، وذلك لأن معنى الدلوك هو: الميل، فعند زوال الشمس يسمى ميلا، وعند غروب الشمس يسمى ميلا، فانتبه.([269])
وهذا من اختلاف التنويع، فيكون معنى الدلوك: الزوال، والغروب، فافهم لهذا ترشد.([270])
10) وعن الأسود بن يزيد النخعي قال: (كنت جالسا مع عبد الله t في بيته، فوجبت الشمس، فقال عبد الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] ثم قال: هذا والله الذي لا إله غيره، حين أفطر الصائم، وبلغ وقت هذه الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص136) من طريق علي بن مسهر، عن الشيباني، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص226)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص252) من طريق أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الأسود قال: (كان عبد الله t يصلي المغرب حين تغرب الشمس، ويقول: هذا والذي لا إله إلا هو وقت هذه الصلاة).
وإسناده صحيح.
وأخرجه الحربي في «غريب الحديث» (ج2 ص879) من طريق أبي السائب, حدثنا وكيع, عن عمرو بن حسان, أخبرني عبد الرحمن بن الأسود, عن أبيه: (أن عبد لله بن مسعود t نظر إلى الشمس حين غربت ونشأ الليل فقال: هذا وقت المغرب).
وإسناده صحيح.
تنبيه: عن أبي عبيدة بن عبد الله، يقول: (كان ابن مسعود t يصلي المغرب إذا غاب حاجب الشمس([271]) ويحلف: والذي لا إله غيره إنه للوقت الذي قال الله عز وجل ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78])، وفي رواية: (إن عبد الله بن مسعود: يصلي المغرب حين يغرب حاجب الشمس).
أثر ضعيف
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج1 ص553)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص137)، والبيهقي في «معرفة السنن» (ج2 ص196)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص230)، ومسدد في «المسند» (ج2 ص65-إتحاف الخيرة)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص24) من طرق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع أبا عبيدة بن عبد الله به.
قلت: وهذا سنده ضعيف، فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئا، وكان يوم توفى أبوه ابن سبع سنين، فلم يدركه أيضا للتحديث عن أفعاله([272])، فنتبه.
لذلك قال البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج2 ص65): هذا إسناد رجاله ثقات.
وأخرجه مجاعة بن الزبير في «حديثه» (ص95)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص24) من طريق قتادة عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود به.
قلت: وهذا سنده ضعيف كسابقه.
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج15 ص24) من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: قد ذكر لنا أن ابن مسعود t ... فذكره.
قلت: وهذا من باب الاختلاف على ابن مسعود t.
وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج1 ص553) من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن بعض أصحاب ابن مسعود به.
قلت: وهذا سنده ضعيف لجهالة أصحاب ابن مسعود، فهو منقطع.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9138) من طريق عمرو بن مرة.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9942) من طريق يحيى بن أبي كثير؛ كلاهما عن أبي عبيدة بن عبد الله به.
وإسناده ضعيف كما سبق.
ﭑ ﭑ ﭑ
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
درة نادرة في إيمان النبي، وأصحابه وآمن معهم أهل الحديث في هذا الزمان في إفطار الصائم والشمس طالعة في جهة المغرب بيسير عن الأرض.................................................................................... |
5 |
2) |
فتوى العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني في رده على الشيخ عبد المحسن العباد في مسألة صوم يوم السبت، وصوم يوم العيد أن النهي يوم العيد عندكم مشهور، والآخر ليس بمشهور في البلدان..................................................................................................... |
6 |
3) |
فتوى العلامة فقيه الأمة شيخنا محمد بن صالح العثيمين في أنه لا يؤخذ بفتوى جمهور العلماء إذا خالفوا الأدلة الواضحة، وأنه يؤخذ بقول العالم الواحد إذا وافقها، وأن البعض يظن أن الإجماع في بلده متحقق، فإذا بحث عن الحكم على التحقيق الصحيح وجد أن الحكم الصحيح مع هذا العالم لموافقته الأدلة من الكتاب والسنة والآثار والأقوال..................................................... |
7 |
4) |
فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في الحذر من أهل الحقد والحسد؛ مثل: «فرقة الجماعة»، و«فرقة الطالحية»، و«الفرقة اليمنية» وغيرهم؛ لأنهم يفسدون بين ذات البين في البلدان......... |
9 |
5) |
فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية على أن تفاسير السلف من المحكم الواضح، وليست من المتشابه غير الواضح؛ لأنهم يعلمون معاني الآيات، والأحاديث؛ لذلك: لا يقال أنها من المتشابه الذي لا يعلم معناه؛ كما في أصل الفتوى، اللهم غفرا................................ |
11 |
6) |
فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في وجوب الإفتاء بالكتاب والسنة والآثار حتى لو كره ذلك عدد من فقهاء زمانك......................... |
15 |
7) |
ذكر الدليل على أن الإسلام سوف يعود في آخر الزمان غريبا بين الناس في البلدان الإسلامية في أحكام أصوله وفروعه............. |
17 |
8) |
فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في أن من اتبع الصحابة في الأصول والفروع فقد وافق السنة ومن خالفهم فقد وقع في المخالفة ولابد......................................................................................... |
23 |
9) |
ذكر الدليل على وجوب التقيد بما عليه الصحابة السابقون من أحكام الإسلام في الأصول والفروع............................................... |
25 |
10) |
إن احتج متعالم علينا بما عليه بعض الفقهاء المعاصرين فنحتج عليه بما كان عليه الصحابة من الأنصار والمهاجرين..... |
35 |
11) |
المقدمة.................................................................................................... |
39 |
12) |
ذكر الدليل على تفنيد الشبهة التي وقعت في فتوى أصحاب الفضيلة بأن أدلتنا من المتشابهات، وهي من المتشابهات التي يشبه بعضها بعضها، وهذا من المحكم الواضح، فصارت الفتوى من المتشابهات التي التبست على أصحابها، لكن لم تلتبس على غيرهم من أهل العلم من أصحاب رسول الله، ومن بعدهم من العلماء..................................................................................................... |
70 |
13) |
ذكر الدليل على قلب الأدلة على المخالف بما استدل به على مذهبه كائنا من كان........................................................................ |
78 |
14) |
ذكر الدليل على تفنيد الشبهة في الفتوى، وذلك بإمكان الجمع بين أدلة الغروب؛ بحمل كل من الغروبين على درجته في جهة الـمغرب، وقد جاءت السنة بهذا الأصل؛ يعني: بأصل الجمع بين الأدلة، وقد بين العلماء هذا الأصل............................... |
82 |
15) |
ذكر الدليل على نقض الاجتهاد في الفتوى بالقرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار الصحابية....................................................... |
103 |
16) |
ذكر الدليل على أن دلوك الشمس؛ فسر بتفاسير الصحابة: بغروب الشمس وهي طالعة في جهة المغرب بيسير عن الأرض، وهذا من المحكم عندهم الذي يتضح معناه، ويسمى عند العرب غروبا، فهو من المحكم عند السلف، وليس عندهم من المتشابه الذي لم يتضح معناه، بل هو من المتشابه عند أصحاب الفتوى فقط، ولابد، وفي هذا تفنيد للفتوى................................................. |
108 |
17) |
ذكر الدليل على أن الغروب الذي ذكره الله تعالى في سورة الكهف قد فسره الصحابة بالغروب والشمس طالعة في جهة المغرب، وهذا يسمى غروبا عند العرب، فهو من المحكم الواضح عند السلف؛ ليس من المتشابه الذي هو الملتبس في الحكم، فهو من المتشابه عند أصحاب الفتوى فقط، ولابد، وفي هذا تفنيد للفتوى..................................................................................................... |
124 |
18) |
ذكر الدليل من النبي في تفسيره للآيات السابقة؛ التفسير المبين في مستوى غروب الشمس: بفطره والشمس، وهي طالعة في جهة المغرب بيسير عن الأرض، وهذا من المحكم الواضح، وقد علم الأمة غروب الشمس بهذا المستوى، وكيفية فطره في رمضان للإقتداء به، وقد عمل الصحابة الكرام بهذه السنة، وفي هذا تفنيد للفتوى، وأنها من المتشابه ولابد...................................... |
137 |
19) |
ذكر الدليل على أن وقت صلاة العصر يمتد إلى قبيل اصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق عن الأرض بيسير، فإذا اصفرت الشمس خرج وقت صلاة العصر، ودخل وقت صلاة المغرب، ودخل وقت إفطار الصائم والشمس طالعة، ولم تغب بالكلية في الأرض، وهذا من المحكم عند النبي والصحابة الكرام ليس من المتشابه، وفي هذا تفنيد للفتوى......................................................................... |
170 |
20) |
ذكر الدليل من آثار الصحابة في تفسيرهم غروب الشمس، وهي طالعة في جهة المغرب بيسير عن الأرض، وقد أخذوا غروب الشمس، بهذا المستوى من النبي، فأفطروا والشمس طالعة، وصلوا صلاة المغرب في هذا الوقت؛ لأن وقت صلاة المغرب قد دخل شرعا، وفي هذا تفنيد للفتوى................................................... |
201 |
([1]) وهذا الحكم؛ مثل: مسألة الغروب، فالمشهور عندهم في البلدان أن الغروب فقط هو الغروب الكلي للشمس، وأما الغروب الجزئي للشمس، فلا يعرف في بلدنهم، فهو غريب في بلدهم!، اللهم غفرا.
ولذلك ترى عددا من الفقهاء ينكرون بمثل هذه الأحكام الغريبة في بلدانهم مع ثبوتها إما في الكتاب، أو السنة، أو الآثار، اللهم غفرا.
([2]) فاحتج الشيخ الألباني عليه أن نفيك للحكم فقط؛ لأنه غير مشهور في بلدكم في هذا هو الشاهد، والله المستعان.
وللعلم أن النهي عن صوم يوم السبت لا يصح، لاضطرابه.
([4]) ما بالك بعدد يسير من أهل العلم خالفوا الله تعالى، والرسول r، والصحابة الكرام، والعلماء المتقدمين في درجات الغروب.
([6]) قلت: لأن الشريعة المطهرة قد رغبت في جمع القلوب، والإصلاح بين المسلمين، وأن يكون أمرهم مجتمعا.
قال تعالى: ]لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما[ [النساء: 114].
لذلك فإن كثيرا من أهل الحقد يتسارون، ويتناجون بالعداوة والإثم، وهم ليس فيهم أي خير في الحياة؛ لأن فيهم فساد بين الناس.
([11]) وانظر: «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» لابن القيم (ج2 ص208 و210)، و(ج4 ص1453)، و«التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» لابن عبد البر (ج7 ص145).
([13]) ما أشبه الليلة بالبارحة.
أيها اليمنيون الحاقدون تعرضون كلام الله تعالى، وكلام رسوله r، وكلام الصحابة y في مسألة فطر الصائم والشمس طالعة على الشيوخ: ]إن هذا لشيء يراد[ [ص: 6].
([14]) فما كان متشابها عند بعض العلماء ليس شرطا أن يكون متشابها عند بعض العلماء، ومن ثم لا غرابة مثلا إذا رأيت من يستصعب ببعض الأدلة في نفسه، ولا يستطيع الإفتاء بها، أن يقول هذا من المتشابه!.
قال المفسر الكرماني / في «البرهان في توجيه متشابه القرآن» (ص209)؛ في تبيينه لمتشابه اللفظ: (وليس في ذلك كثير تشابه، بل قد يلتبس على الحافظ القليل البضاعة). اهـ
يعني: في فن من الفنون، والله تعالى يقول: ]وفوق كل ذي علم عليم[ [يوسف: 76].
([17]) وانظر: «مدارج السالكين» لابن القيم (ج3 ص224)، و«طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (ج2 ص467)، و«مشكل الآثار» للطحاوي (ج1 ص229).
([18]) لذلك ترى كثيرا من الناس لا يعرفون كيف يصلون، ولا كيف يصومون، ولا كيف يحجون، ولا كيف يعتمرون، ولا غير ذلك من أحكام الدين!، إلا القليل منها مع جهل فيها، والله المستعان
([24]) قلت: من أي شخص كان إلى قيام الساعة فله هذا الفضل العظيم من الله تعالى.
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص474): (وتقليدهم –يعني: الصحابة- اتباع لهم، ففاعله ممن y). اهـ
([25]) وكذلك هذا هو الضابط الذي يلزم العامي في هذا العصر، أن يتبع عالما يتبع آثار الصحابة الكرام في الأصول والفروع، وينضبط بحكمه، ومنهجه، ودعوته؛ حتى لا ينفرد بفهم ليس له فيه سلف في حكم من أحكام الدين.
([26]) قلت: والمراد بالتقليد هنا: هو الاتباع، وهو التقليد المحمود، وليس هو من التقليد المذموم.
وانظر: «شرح السنة» للشيخ الفوزان (ص421).
([30]) قلت: والمراد من التقليد الاتباع للنبي r، وأصحابه الكرام في الدين.
فقلدهم واسترح، فلا تكلف نفسك فقد كفيت، فإنك على حق إذا قلدتهم.
وانظر: «شرح السنة» للشيخ الفوزان (ص422).
([33]) وانظر: «السنن» للترمذي (ج2 ص318)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص246)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج1 ص235)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص196).
([35]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج21 ص98)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (ج4 ص247)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج6 ص3225)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج3 ض412)، و«المصنف» لابن أبي شيبة (ج4 ص22)، و«السنن» للدارقطني (ج2 ص88).
([36]) وانظر: «المبدع» لأبي إسحاق الحنبلي (ج1 ص343)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج10 ص62 و63)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج1 ص235)، و«المصنف» لعبد الرزاق (ج4 ص226)، و«مختصر صحيح البخاري» للشيخ الألباني (ج1 ص571)، و«عمدة القاري» للعيني (ج9 ص130).
([37]) وإن من الغرائب أن يتوجه البعض اليوم إلى تحريف هذا الأثر وتأويله على غير ظاهره، وأن قوله: (وقد تقارب غروب الشمس)؛ يدل على طلوع الشمس في الأفق في مكان المغرب.
وفطر أنس بن مالك t في هذا المستوى من الشمس يدل أن أمر الغروب قد دخل عنده، فيجوز له الفطر، وليس الأمر بفطره أنه مسافر، بل أن الشمس عنده قد غربت فدعا بطعام فأكل منه لأن الفطر حل، ثم ذكر أن ذلك من السنة ؛ أي: الفطر بطلوع الشمس وهي في الأفق.
والصحابة الكرام هم عرب، ويتكلمون باللغة العربية، فيعرفون بلغتهم متى يصومون، ومتى يفطرون، لذلك فلا يتجرأ أحد من المقلدة، فيتقدم بين أيديهم في أحكام الدين لا في أقوالهم، ولا في أفعالهم، اللهم غفرا.
وانظر: «الصيام» للفريابي (ص56)، و«جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج1 ص616 و617)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج2 ص155)، و«المسند» للدارمي (ج1 ص79)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج19 ص194)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (ج1 ص489)، و«شرح معاني الآثار» للطحاوي (ج1 ص154).
([38]) قلت: وهذا كله واسع؛ فمن شاء أفطر قبل الصلاة على وجود قرص الشمس بيسير من الأرض، ومن شاء أفطر بمغيب قرص الشمس كله، وكل ذلك من تحقق غروب الشمس، ولا بأس من فعل هذا، وهذا، والله ولي التوفيق.
انظر منه؛ «الموطأ» للإمام محمد بن الحسن (ج2 ص205).
([39]) وانظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص246)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص230)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج6 ص3225)، و«المستدرك» للحاكم (ج4 ص274)، و«المخلصيات» للمخلص (1594)، و«جامع البيان» للطبري (ج15 ص22)، و«تفسير القرآن» لسعيد بن منصور (ج6 ص135)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (ج3 ص1219)، و«صبح الأعشى» للقلقشندي (ج2 ص367).
([43]) ومثله: غروب الشمس عند الصحابة الكرام يطلق عليه غروبا مع وجود قرص الشمس بيسير في آخر النهار، وهم عرب، فيعرفون كيف يطبقون أحكام الدين على معرفتهم بلغتهم، فهم يفطرون في هذا المستوى من الشمس، وأنتم تقولون لا نفطر على هذا ؛ لأن مذهبنا أصح!، فهل أنتم أهدى من أصحاب الرسول r: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص196)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج4 ص589)، و«الصيام» للفريابي (ص56)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج19 ص166).
([45]) وانظر: «المفهم» للأبي العباس القرطبي (ج2 ص459)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (ج1 ص19)، و«جامع البيان» للطبري (ج3 ص262)، و«جامع لأحكام القرآن» لأبي عبد الله القرطبي (ج10 ص368)، و«الوسيط» للواحدي (ج3 ص139)، و«غريب الحديث» للحربي (ج2 ض818)، و«تفسير القرآن» لابن وهب (ج1 ص137)، و«الصيام» للفريابي (ص56)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج3 ص416)، و«المصنف» لابن أبي شيبة (ج4 ص22)، و«نخب الأفكار» للعيني (ج3 ص23).
([47]) قلت: ولا يلتفت إلى من لم يفقه هذا الحكم في تعجيل الإفطار على هذه الطريقة في هذا العصـر، لأن النبي r أفطر ولم يلتفت إلى قول بلال t، والله المستعان.
([48]) لذلك لو تحقق لبلال بن رباح t أن الشمس قد غربت بالكلية ما توقف عن أمر الرسول r، لأنه يعرف حكم غروب الشمس بهذا المستوى لأذانه في المدينة لصلاة المغرب في المسجد النبوي، فهذا لا يخفى عليه، والذي خفي عليه أن وقت الغروب قد دخل مع طلوع الشمس، وحل الإفطار، وحلت صلاة المغرب، فأراد أن يستكشف عن حكم المسألة هذه، فعلمه النبي r صحة هذا الحكم وأنه الحق، وما كان عليه t إلا التسليم لأمر الرسول r.
وانظر: «القبس» لابن العربي (ج2 ص476)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص197).
([49]) وهذا مطابق لظاهر القرآن، وشهادة الآثار السلفية له، وموافقته لأصل من أصول الشريعة الغراء: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185]، وعمل الصحابة y بهذا الحكم.
([50]) وهذا يدل أن الشمس في الأفق مرتفعة خلف مرتفع صغير من تل، أو سهل ونحوهما، وذلك من قوله لو ركب أحدنا على بعيره لرأى الشمس طالعة، وكما هو معلوم أن البعير ليس طوله بالعالي الذي يرى فوقه الشمس من خلف جبل مثلا، فانتبه.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص197).
([52]) وإن من العجب أن يتوجه البعض إلى إنكار هذه الألفاظ الصريحة في الحكم، ويفسرها بأن المراد من قوله: (إن عليك نهارا)، وقوله: (الشمس يا رسول الله)؛ إنما قال ذلك لأنه رأى آثار الضياء والحمرة التي بعد غروب الشمس بالكلية!.
قلت: وهؤلاء بقولهم هذا يتهمون وهم لا يشعرون بلال بن رباح t بأنه لا يميز بين صفة الشمس، وبين صفة الحمرة في الأفق؛ أي: أنه لا يعرف في شكل الشمس، وشكل الحمرة: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
لو كان كذلك لقال: يا رسول الله الحمرة، أو الضياء، لأنه يعرف شكل الشمس، ولذلك قال: (الشمس يا رسول الله)، ولم يقل: (الحمرة)؛ لمعرفته بصفة الشمس، وصفة الحمرة، فافهم لهذا.
([53]) وهذا يدل على أن الشمس لم تغب بالكلية، فلذلك سأل بلال بن رباح t النبي r عن هذا الحكم الجديد في تعجيل الإفطار بهذا المستوى من الشمس.
([54]) والمسألة هذه هي إفطار الصائم مع وجود قرص الشمس.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وموضع الدلالة منه ما يشعر به سياقه من مراجعة الرجل له بكون الشمس لم تغرب). اهـ؛ يعني: لم تغرب بالكلية.
([55]) قلت: وعليك بمجانبة كل مذهب، لا يذهب إليه السلف الصالح في أصول الدين وفروعه.
وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص24).
([56]) قلت: وزعموا بئسما زعموا: أن أقوال غير المذاهب المختلفة درست، وذهبت، فحكموا على من يخالف هذا المذاهب بالضلال، والشذوذ، فضيعوا آثار الصحابة الكرام وفقههم، وإجماعهم في الدين، ونسبوا إلى الخلافيات المذهبية؛ الحفظ والصحة، وكأنها بمنزلة الذكر الذي تكفل الله بحفظه، فاعتبر!.
([57]) قلت: وهذا الخلاف محرم، وهو كل ما أقام الله تعالى به الحجة في كتابه، أو على لسان نبيه r منصوصا بينا، فلم يحل الاختلاف فيه لمن علمه.
وانظر: «الرسالة» للشافعي (ص560).
([59]) وانظر: «تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص403)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ج1 ص578)، و«الصحيحة» للشيخ الألباني (ج6 ص904).
([61]) قلت: ففطر الصائم بقرب الغروب ؛ أي: والشمس قرب الأرض من جهة الغروب، كما تدل عليه: (كاد)؛ أي: (حتى كادت الشمس تغرب، وذلك بعد ما أفطر الصائم)، فذكر ذلك للفائدة.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص123).
([63]) قلت: وهذا يدل على أن أثناء مخاطبة عمر بن الخطاب t للنبي r كان وقت إفطار الصائم، وهو أثناء الغروب الأول، والشمس طالعة؛ لأن لا فائدة من ذكر ذلك إذا كان يعني بعد غروب الشمس بالكلية، لأن تكررت كلمة: (بعد ما غربت الشمس)، أي: الغروب الكلي، وهذا الذي دلت عليه الألفاظ الأخرى في نفس يوم الخندق وغيره، والله ولي التوفيق.
([65]) قلت: ولا يستطيع أحد ممن يزعم أنه يعجل الفطر في هذا الزمان ممن ينتسب إلى العلم؛ أن يفطر وقرص الشمس لم يغيب، لأن يصيبه وسواس في نفسه، هل صومه صحيح، أو لا؟!، بل هؤلاء لم يفطروا بغروب الشمس بالكلية؛ لأنهم يفطرون مع الأذان الذي هو متأخر عن غروب الشمس؛ أي: على التقويم الفلكي، اللهم غفرا.
أخرجه البزار في «المسند» (ج7 ص81-تفسير ابن كثير)، وسمويه في «فوائده» (ص77)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج7 ص121).
وذكره السيوطي في «الجامع الكبير» (ج10 ص616).
وله شواهد.
وأورده ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج7 ص81) ثم قال: (هذا حديث مداره على خلف بن موسى بن خلف العمي عن أبيه، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: ربما أخطأ). اهـ
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص311)، ثم قال: رواه البزار عن طريق خلف بن موسى عن أبيه، وقد وثقا، وبقية رجاله رجال الصحيح.
([68]) وانظر: «الجامع الكبير» للسيوطي (ج10 ص616)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص144 و145)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج19 ص166)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج11 ص291).
([69]) وهذا وإن بقى من الشمس يسيرا ترى بالعيون، إلا أنه عند العرب في حكم الغروب، فانتبه.
وانظر: «تهذيب اللغة» للأزهري (ج11 ص291)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج4 ص165).
([72]) وتصحف: «الطويل» إلى «الحارث»؛ ولعل الناسخ أخطأ في نسبته، لأن من شيوخ المعتمر؛ حميد الطويل، ولا يوجد من شيوخه حميد الحارث.
انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص250).
([75]) فإذا التبست الأدلة على عدد من أهل العلم، فلا تلتبس على جميع أهل العلم، فافهم لهذا ترشد.
قال تعالى: ]وفوق كل ذي علم عليم[ [يوسف: 76].
([76]) فالمتشابهات هنا بمعنى المتماثلات.
وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص138)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج4 ص2189).
([77]) ثم من جهة أخرى أن أدلة الإفطار، والشمس طالعة في نفسها من المحكم والواضح كما في ظاهرها، فكيف يقال أنها من المتشابه غير الواضح!.
([78]) وأصحاب الفتوى لم ينشطوا لتحقيق المسألة جيدا، ولكنهم اكتفوا بنقل أدلة المتأخرين فقط!، وتركوا الأدلة الأخرى!، والله المستعان.
والواجب عليهم أن ينقلوا أدلة الفريقين، كما هو أصول العلماء قديما وحديثا، ثم يميزوا بين الحكمين بمناقشة الأدلة المتشابهة بزعمهم، ولكنهم لم يفعلوا، والله المستعان.
([80]) فبقية الشمس عن الأرض بيسير من جهة المغرب يسمى غروبا عند العرب.
وبقية نصف الشمس في الأرض من جهة المغرب يسمى غروبا عند العرب أيضا.
والغروب الكلي للشمس يسمى غروبا عند العرب فكل ذلك يسمى غروبا.
فدرجات الغروب عند العرب من المتشابهات المتماثلات الواضحات التي يشبه بعضها بعضا في الصفة، أو المعنى، فأين الالتباس في الأدلة حتى يحمل المتشابه على المحكم؟!.
([81]) وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص138)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص1255)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج2 ص1824)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج4 ص2190).
([89]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج2 ص184 و185)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج4 ص16)، و«قواطع الأدلة في الأصول» للسمعاني (ص265)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج1 ص315)، و«إرشاد المقلدين عند اختلاف المجتهدين» للشنقيطي (ص104)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص477)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج13 ص361)، و(ج19 ص200)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج1 ص6)، و«إغاثة اللهفان» لابن القيم (ج2 ص675)، و«البرهان في علوم القرآن» للزركشي (ج2 ص73)، و«أحكام القرآن» للجصاص (ج2 ص284)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج1 ص354)، و«إرشاد العقل السليم» لأبي السعود (ج2 ص8)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص218).
([90]) وانظر: «إغاثة اللهفان» لابن القيم (ج2 ص254)، و«حادي الأرواح» له (ص202)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج1 ص374)، و«الفتاوى» له (ج6 ص288).
([92]) وانظر: «شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص331)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج4 ص129)، و«نزهة الخاطر العاطر في شرح روضة الناظر» لابن بدران (ج2 ص323)، و«مذكرة في أصول الفقه» للشنقيطي (ص511)، و«العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج5 ص1521)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص323).
([93]) مثل: أصحاب الفتوى، فقد خفي عليهم الجمع بين الأدلة في إفطار الصائم في الغروب، فأفتوا بأنها من المتشابه، فأخطئوا ولا بد، لأن هذه الفتوى مخالفة لحكم الرسول r، وصحابته الكرام، لأن هذا الحكم من المحكم الواضح.
([94]) وانظر: «معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج1 ص479)، و«معجم مفردات ألفاظ القرآن» للأصفهاني (ص94 و95)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص729 و730).
([95]) وانظر: «منهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث» للسوسوة (ص140 و143)، و«التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية» للبرزنجي (ج1 ص212)، و«التقريب» للنووي (ص90)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج2 ص283)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص144)، و«توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار» للصنعاني (ج2 ص423 و424).
([96]) وانظر: «إحكام الفصول في أحكام الأصول» للباجي (ج2 ص740)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص395)، و«اللمع في أصول الفقه» للشيرازي (ص173)، و«المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج5 ص406)، و«الإبهاج في شرح المنهاج» لابن السبكي (ج7 ص2729)، و«روضة الناظر وجنة المناظر» لابن قدامة (ج3 ص1030)، و«التذكرة في أصول الفقه» للحنبلي (ص329)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص609).
أخرجه ابن الصلاح في «علوم الحديث» (ص144)، والخطيب في «الكفاية في معرفة أصول علم الرواية» (1316)، وابن الملقن في «المقنع» تعليقا (ج2 ص482).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن كثير في «اختصار علوم الحديث» (ص270)، والنووي في «إرشاد طلاب الحقائق» (ج2 ص573).
([99]) وانظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج1 ص149)، و«إرشاد طلاب الحقائق» له (ج2 ص571)، و«الشذا الفياح» للأبناسي (ج2 ص472)، و«اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص269)، و«فتح المغيث» للسخاوي (ج3 ص75)، و«المقنع في علوم الحديث» لابن الملقن (ج2 ص480)، و«رسوم التحديث» للجعبري (ص85)، و«الملخص في معرفة علم الحديث» لأبي اسحاق المكي (ص144)، و«المنهل الروي» لابن جماعة (ص236).
([100]) مثل: الأدلة التي ثبتت في الغروب، منها: ما يحمل على الغروب الجزئي، ومنها: ما يحمل على الغروب الكلي، لأن الأصل فيها هو الغروب.
قال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص269): (وقد يكون بحيث يمكن الجمع، ولكن لا يظهر لبعض المجتهدين، فيتوقف حتى يظهر له وجه الترجيح بنوع من أقسامه، أو يهجم فيفتي بواحد منهما، أو يفتي بهذا في وقت، وبهذا في وقت؛ كما يفعل أحمد في الروايات عن الصحابة y). اهـ
هكذا يجمع بين الأدلة على الأصول، لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
وانظر: «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (ج3 ص333)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج1 ص8)، و«الفصول في الأصول» للجصاص (ج3 ص203)، و«البرهان في أصول الفقه» للجويني (ج1 ص194)، و«نهاية السول» للإسنوي (ج2 ص787)، و«الأم» للشافعي (ج1 ص21).
([101]) أن يكون اللفظ قابلا للتأويل، فإن لم يكن قابلا للتأويل، فإن تأويله يكون فاسدا، كما أولت نصوص إفطار النبي r، وأصحابه الكرام والشمس طالعة بدون دليل في حمل المتشابه على المحكم!.
([102]) وهذه الألفاظ هي: من المحكمة المفسرة، فلا تقبل التأويل، ولا صرفها عن ظاهرها، لأنها ثبتت بمنطوقها؛ أي: فهي سنة بمنطوقها.
([103]) قلت: ولم يتطرق هذا الحمل في نصوص الغروب أصلا، لا على قرب، ولا على بعد، فإنها نصوص قائمة في معناها، فلا تحتمل إلا الظاهر في الحكم، وهو إفطار الصائم والشمس وهي طالعة.
([104]) بشرط أن يؤدي هذا الجمع بين النصوص إلى بطلان أحد النصين؛ لأن ذلك يكون إهمالا لأحد النصين، ولا فائدة من الجمع حينئذ، كما يشترط عدم بطلان نص شرعي آخر، فإن ذلك دليل على عدم صحة الجمع، وأنه غير مراد الله تعالى.
كما فعل أصحاب الفتوى في مسألة الغروب، حيث جمعوا بين الأدلة بحمل المتشابه على المحكم بزعمهم، وهذا الجمع مخالف لشروط أئمة الأصوليين، كما سبق ذلك.
وانظر: «المستصفى من علم الأصول» للغزالي (ج2 ص53)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص459)، و«روضة الناظر وجنة المناظر» لابن قدامة (ج3 ص960)، و«العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج2 ص1444)، و«إحكام الفصول في أحكام الأصول» للباجي (ج2 ص728)، و«الفصول في الأصول» للجصاص (ج4 ص273).
([105]) وانظر: «اختلاف الحديث» للشافعي (ص24)، و«المستصفى» للغزالي (ج2 ص49)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج3 ص33)، و«الواضح في أصول الفقه» لابن عقيل (ج2 ص166)، و«الفصول في الأصول» للجصاص (ج3 ص203)، و«الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم] (ج3 ص333)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج3 ص67)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج1 ص8).
([108]) وانظر: «البحر المحيط» للزركشي (ج3 ص32)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص586)، و«البرهان في أصول الفقه» للجويني (ج1 ص194)، و«الواضح في أصول الفقه» لابن عقيل (ج2 ص10)، و«الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (ج3 ص334)، و«المحصول في أصول الفقه» للرازي (ج1 ص230)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج1 ص7 و12).
([111]) لذلك أفطر النبي r والصحابة الكرام والشمس طالعة، وأفطروا أيضا والشمس قد غربت بالكلية، فهذا أحيانا، وهذا أحيانا، وهذا من تيسير الدين على الناس.
([112]) قلت: وفي نصوص الغروب الجزئي زيادة وهي: «إفطار الصائم والشمس طالعة» على نصوص «إفطار الصائم والشمس قد غربت بالكلية».
وهي زيادة مقبولة عند الأصوليين في الجمع بالأخذ بالزيادة، لأن الزيادة: وهي إفطار الصائم والشمس طالعة غير منافية للمزيد على النصوص الأخرى، لأنها من الغروب عند العرب.
([114]) وانظر: «فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص249)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص395)، و«الأم» للشافعي (ج1 ص93)، و«اللمع في أصول الفقه» للشيرازي (ص85)، و«قواطع الأدلة في الأصول» للسمعاني (ج1 ص197)، و«المحصول في أصول الفقه» للرازي (ج5 ص407)، و«الإبهاج في شرح المنهاج» لابن السبكي (ج7 ص2732)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج1 ص230)، و«الفصول في الأصول» للجصاص (ج2 ص91).
([115]) فيكون الجمع بجواز كلا الأمرين في حال ورود فعلين تشريعيين عن النبي r مختلفين، بأن يفعل هذا الفعل على صفة، وهذا على صفة.
وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج24 ص132).
([116]) وبمثل: هذه الزيادة إفطار النبي r، وأصحابة y والشمس طالعة، فهي زيادة يجب قبولها؛ لأنها وجدت في النصوص الأخرى.
وقد اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على الجمع بين النصوص بقبول الزيادة غير المنافية إذا كانت صحيحة في السنة.
([117]) وانظر: «فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص221)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج3 ص153)، و(البحر المحيط» للزركشي (ج3 ص385)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج2 ص541)، و«الفصول في الأصول» للجصاص (ج3 ص177)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص419)، و«الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (ج2 ص246)، و«اللمع في أصول الفقه» للشيرازي (ص173)، و«منهج التوفيق» للسوسوة (ص185).
([118]) وانظر: «توضيح الأفكار» للصنعاني (ج2 ص423)، و«معالم السنن» للخطابي (ج4 ص174)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج12 ص243)، و«المغني» لابن قدامة (ج14 ص130)، و«الأجوبة الفاضلة» للكنوي (ص192)، و«الموافقات» للشاطبي (ج3 ص105 و106).
([119]) وانظر: «الأحكام» للآمدي (ج3 ص75)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ص92)، و«المستصفى» للغزالي (ج1 ص398)، و«البرهان في أصول الفقه» للجويني (ج1 ص531)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص19)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج3 ص459)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص177)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص245 و252).
([121]) وانظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص730)، و«المحصول في أصول الفقه» للرازي (ج3 ص77)، و«بيان المختصر» للأصفهاني (ج2 ص314)، و«التحبير في شرح التحرير» للمرداوي (ج6 ص2651)، و«العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج1 ص361).
([122]) ولجأ أصحاب الفتوى إلى ترجيح الأدلة على الأخرى.
وهذا فيه نظر؛ لأن لا يلجأ إلى الترجيح؛ إلا عند تعذر الجمع.
وقد شدد الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج1 ص158)؛ في وجوب الجمع بين الأحاديث، واعتبره المسلك الوحيد لدفع التعارض في الظاهر.
فهو يرى أن أي حديث ليس أولى بالأخذ من الحديث الآخر.
([123]) وانظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (ص38)، و«نهاية السول» للإسنوي (ج2 ص283)، و«البرهان في أصول الفقه» للجويني (ج1 ص497)، و«المستصفى» للغزالي (ج1 ص226)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص294)، و«الإحكام» للآمدي ج1 ص272).
([124]) وانظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (ص56)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج2 ص544)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ص63)، و«الإحكام» للآمدي (ج2 ص155)، و«المسودة» لآل تيمية (ص269)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص194).
([126]) وانظر: «البرهان في أصول الفقه» للجويني (ج2 ص328)، و«المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص55)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج4 ص203)، و«حاشية شرح مختصر المنتهى» للتفتازاني (ج2 ص300)، و«المستصفى من علم الأصول» للغزالي (ج2 ص382)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص441)، و«جمع الجوامع» لابن السبكي (ج2 ص391)، و«الإبهاج في شرح المنهاج» له (ج3 ص284).
([127]) وانظر: «روضة الطالبين» للنووي (ج11 ص150)، و«فتح القدير» لابن الهمام (ج7 ص301)، و«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص384)، و«فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت» للأنصاري (ج2 ص395)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج2 ص345)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج2 ص31)، و«روضة الناظر وجنة المناظر» لابن قدامة (ج1 ص347)، و«نهاية السول» للإسنوي (ج9 ص69).
([128]) وانظر: «أصول الفقه الإسلامي» للزحيلي (ج2 ص115)، و«أصول التشريع الإسلامي» لعلي حسب الله (ص99)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص505)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج6 ص268)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص263)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص395)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص441)، و«الهداية» للمرغيناني (ج3 ص107).
([129]) قلت: وقد صرح المالكية أيضا بأن المفتي المجتهد إذا خالف القواعد في فتواه، فإنها تنقض، ولا يلتفت لها في الدين.
وانظر: «إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك» للونشريسي (ص150)، و«تبصرة الحكام» لابن فرحون المالكي (ج1 ص79)، و«الشرح الكبير» للدردير (ج4 ص153).
([130]) كإجماع الصحابة y في فطرهم والشمس طالعة، فإجماعهم من الأدلة القطعية في الدين.
وهذا في عصرهم، فلا يلتفت إلى أي عصر خالف بعد إجماعهم.
([131]) فأين المتشابه في أدلة إفطار الصائم، والشمس طالعة؟!.
قال تعالى: ]قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا[ [الأنعام: 148].
([132]) وهذا الاشتباه وقع عند أصحاب الفتوى؛ لأن المتشابه يشتبه على أناس دون أناس، فعند الصحابة الكرام من المحكم، وعند أصحاب الفتوى من المتشابه، ولابد: ]فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون[ [الأنعام: 81].
والمتشابه هنا الذي يشبه بعضه بعضا في الحكم عند الصحابة y، وخفي هذا على المعاصرين: كعادتهم في أحكام كثيرة خفيت عليهم، وهي من فقه السلف!: فـ]أي الفريقين خير مقاما[ [مريم: 73].
([135]) وانظر: «الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص120)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج7 ص81)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج7 ص2342)، و«جامع البيان» للطبري (ج5 ص22)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج3 ص128)، و«تفسير القرآن» لابن وهب (ج1 ص137)، و«تفسير القرآن» لسعيد بن منصور (ج6 ص135).
([140]) فلما مالت الشمس إلى جهة الغروب، وزالت وأصحبت بالقرب من الأرض، فهذا يسمى غروبا عند العرب، وإن كانت طالعة لم تغب بالكلية.
([141]) فهذه الآية تعني دخول وقت صلاة الظهر، ودخول وقت صلاة المغرب، والله ولي التوفيق.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن أبي زمنين (ج3 ص34)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص120)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص1412)، و«الصحاح» للجوهري (ج4 ص1584)، و«الوسيط» للواحدي (ج3 ص120)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج21 ص21)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج10 ص196)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج6 ص70).
([142]) فقوله: «إذا غاب حاجب الشمس ... حين يغرب حاجب الشمس»؛ رواية شاذة، لأن جميع الروايات الثابتة عن ابن مسعود كان يصلي وقد غربت الشمس، وهي طالعة، فالشمس غربت، أو وهي طالعة بمعنى واحد بالنسبة للغروب، فانتبه.
([143]) وانظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص1174)، و«تهذيب التهذيب» له (ج5 ص76)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج14 ص61)، و«التاريخ» للدوري (ج2 ص288).
([144]) بل هو من المتشابه في الحكم الذي يشبه بعضه بعضا في الظاهر والمعنى عند السلف، وبمثل: هذا يصعب على المعاصرين أن يعرفوه كعادتهم في الأحكام الأخرى.
قلت: وإذا كان عند أصحاب الفتوى من المتشابه، فعند غيرهم من علماء السلف هو من المحكم.
([145]) وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج5 ص143)، و«جامع البيان» لابن جرير (ج15 ص212)، و«تغليق التعليق» لابن حجر (ج4 ص244)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج10 ص368)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج7 ص2352)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج5 ص121)، و«الوسيط» للواحدي (ج3 ص139)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج6 ص107)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص159)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج31 ص89).
([146]) انظر: «الوسيط في تفسير القرآن» للواحدي (ج3 ص139)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج21 ص86)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج10 ص241)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج3 ص154)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص159)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج15 ص222)، و«تذكرة الأريب» لابن الجوزي (ج1 ص314)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج6 ص107)، و«تفسير المشكل من غريب القرآن» للقيسـي (ص142)، و«تأويل مشكل القرآن» لابن قتيبة (ص264)، و«جامع البيان» لابن جرير (ج15 ص212).
([147]) قلت: فهي تميل وتتحرك عنه شمالا لوجودها، أما إذا اختفت بالكلية، فكيف تميل عن الكهف؟!: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
([148]) وانظر: «الإشراف على مذاهب العلماء» لابن المنذر (ج3 ص156).
والفطر: ابتداء بالأول، واستئناف حال أخرى غير الصوم، وكل شيء ابتدأته فقد فطرته، وموضوعه هنا: قطع الصوم الشرعي بالأكل والشرب.
انظر: «الاقتضاب في غريب الموطأ» لليفرني (ج1 ص325).
([149]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج21 ص98)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (ج4 ص247)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج6 ص3225)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج3 ض412)، و«المصنف» لابن أبي شيبة (ج4 ص22)، و«السنن» للدارقطني (ج2 ص88).
([152]) ومثله: غروب الشمس عند الصحابة الكرام يطلق عليه غروبا مع وجود قرص الشمس بيسير في آخر النهار، والله المستعان.
([153]) وانظر: «المبدع» لأبي إسحاق الحنبلي (ج1 ص343)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج10 ص62 و63)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج1 ص235)، و«المصنف» لعبد الرزاق (ج4 ص226)، و«مختصر صحيح البخاري» للشيخ الألباني (ج1 ص571)، و«عمدة القاري» للعيني (ج9 ص130).
([156]) وانظر: «تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص403)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ج1 ص578)، و«الصحيحة» للشيخ الألباني (ج6 ص904).
([157]) وقد وهم الحافظ ابن حجر / من عده صحابيا؛ كالطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص448)، وأبي نعيم في «معرفة الصحابة» (3279)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج3 ص43)، وغيرهم.
قال الحافظ ابن حجر / في «التقريب» (ص681): (عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي، صدوق، من الثالثة، ووهم من عده صحابيا). اهـ
([159]) لذلك قول الحافظ الذهبي / في «الكاشف» (ج2 ص235)؛ فيه جهالة فيه نظر لما بينه عنه العلماء في أصول الحديث، لكن سكت عنه الذهبي في «الميزان» (ج3 ص477).
([161]) مثل: وفد ثقيف، فالوفد هذا من الصحابة.
وانظر: «السنن» لابن ماجه (ج2 ص642)، و«السيرة النبوية» لابن هشام (ج4 ص185)، و«الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (ج5 ص275).
([162]) وانظر: للاختلاف: «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (5072)، و«المصنف» لعبد الرزاق (27616)، و«الآحاد والمثاني» لابن أبي عاصم (1371). و«الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (ج4 ص454).
([166]) لعل ذلك يكون في موضع آخر.
قلت: وقد ذكرت التفصيل في تخريج قصة: وفد ثقيف في هذا الكتاب نفسه، فرجع إليه.
([167]) وهذا الحديث يدل على شهرة قصة وفد ثقيف على رسول الله r في شهر رمضان وإسلامهم، وأنهم صاموا في رمضان، وقدم وفد ثقيف في سنة تسع من الهجرة.
وانظر: «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (ج5 ص275)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج5 ص32)، و«الروض الأنف» للسهيلي (ج7 ص418)، و«تاريخ الأمم» للطبري (ج2 ص179)، و«المنتظم في تاريخ الأمم» لابن الجوزي (ج3 ص352 و355)، و«التاريخ الكبير» للبخاري (ج7 ص10).
([168]) قلت: فقد أقر السهيلي قصة وفد ثقيف في عهد رسول الله r، وصومهم في رمضان، وإفطارهم والشمس لم تغب بالكلية.
([169]) قلت: ولم ينكر ابن أبي بكر الحرضي الفطر مع وجود قرص الشمس في الأفق وهي طالعة في قوله: (ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد)، بل قال ذلك من السنة.
([170]) قلت: وهذا إقرار ابن كثير في ثبوت قصة وفد ثقيف، ولم ينكر إفطارهم والشمس وهي طالعة بجهة المغرب في عهد النبي r.
([174]) وانظر: «تحفة الباري» للأنصاري (ج2 ص527)، و«الكواكب الدراري» للكرماني (ج9 ص124)، و«فيض الباري» للكشميري (ج4 ص102)، و«تحفة الأحوذي» للمباركفوري (ج3 ص384)، و«عون المعبود» لأبي عبدالرحمن العظيم آبادي (ج6 ص478).
([175]) قوله r: «فاجدح»؛ بالجيم ثم حاء المهملة، والجدح تحريك السويق بالماء، ويحرك حتى يستوي بالعود يقال له: المجدح، مجنح الرأس يخاض به الأشربة وتستوي، والجدح: خلط الشئ بغيره، والمجدحة: الملعقة.
انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص197)، و«عون المعبود» لأبي عبدالرحمن العظيم آبادي (ج6 ص479)، و«معالم السنن» للخطابي (ج2 ص161)، و«النهاية في غريب الحديث» لأبن الأثير (ج1 ص239)، و«المعلم بفوائد مسلم» للمازري (ج2 ص33)، و«المفصح» لابن هشام (ص87).
([177]) قلت: ولا يلتفت إلى من لم يفقه هذا الحكم في تعجيل الإفطار على هذه الطريقة في هذا العصـر، لأن النبي r أفطر ولم يلتفت إلى قول بلال t، والله المستعان.
([178]) لذلك لو تحقق لبلال بن رباح t أن الشمس قد غربت بالكلية ما توقف عن أمر الرسول r، لأنه يعرف حكم غروب الشمس بهذا المستوى لأذانه في المدينة لصلاة المغرب في المسجد النبوي، فهذا لا يخفى عليه، والذي خفي عليه أن وقت الغروب قد دخل مع طلوع الشمس، وحل الإفطار، وحلت صلاة المغرب، فأراد أن يستكشف عن حكم المسألة هذه، فعلمه النبي r صحة هذا الحكم وأنه الحق، وما كان عليه t إلا التسليم لأمر الرسول r.
وانظر: «القبس» لابن العربي (ج2 ص476)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص197).
([179])وهذا مطابق لظاهر القرآن، وشهادة الآثار السلفية له، وموافقته لأصل من أصول الشريعة الغراء: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185]، وعمل الصحابة y بهذا الحكم.
([180]) وهذا يدل أن الشمس في الأفق مرتفعة خلف مرتفع صغير من تل، أو سهل ونحوهما، وذلك من قوله لو ركب أحدنا على بعيره لرأى الشمس طالعة، وكما هو معلوم أن البعير ليس طوله بالعالي الذي يرى فوقه الشمس من خلف جبل مثلا، فانتبه.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص197).
([182]) وإن من العجب أن يتوجه البعض إلى إنكار هذه الألفاظ الصريحة في الحكم، ويفسرها بأن المراد من قوله: (إن عليك نهارا)، وقوله: (الشمس يا رسول الله)؛ إنما قال ذلك لأنه رأى آثار الضياء والحمرة التي بعد غروب الشمس بالكلية!: ]إن هذا لشيء يراد[ [ص: 6].
قلت: وهؤلاء بقولهم هذا يتهمون وهم لا يشعرون بلال بن رباح t بأنه لا يميز بين صفة الشمس، وبين صفة الحمرة في الأفق؛ أي: أنه لا يعرف في شكل الشمس، وشكل الحمرة: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
لو كان كذلك لقال: يا رسول الله الحمرة، أو الضياء، لأنه يعرف شكل الشمس، ولذلك قال: (الشمس يا رسول الله)، ولم يقل: (الحمرة)؛ لمعرفته بصفة الشمس، وصفة الحمرة، فافهم لهذا.
([183]) وهذا يدل على أن الشمس لم تغب بالكلية، فلذلك سأل بلال بن رباح t النبي r عن هذا الحكم الجديد في تعجيل الإفطار بهذا المستوى من الشمس.
([185]) والمسألة هذه هي إفطار الصائم مع وجود قرص الشمس.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وموضع الدلالة منه ما يشعر به سياقه من مراجعة الرجل له بكون الشمس لم تغرب). اهـ؛ يعني: لم تغرب بالكلية.
([186]) قلت: وعليك بمجانبة كل مذهب، لا يذهب إليه السلف الصالح في أصول الدين وفروعه.
وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص24).
([189]) قلت: ففطر الصائم بقرب الغروب ؛ أي: والشمس قرب الأرض من جهة الغروب، كما تدل عليه: (كاد)؛ أي: (حتى كادت الشمس تغرب، وذلك بعد ما أفطر الصائم)، فذكر ذلك للفائدة.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص123).
([191]) قلت: وهذا يدل على أن أثناء مخاطبة عمر بن الخطاب t للنبي r كان وقت إفطار الصائم، وهو أثناء الغروب الأول، والشمس طالعة؛ لأن لا فائدة من ذكر ذلك إذا كان يعني بعد غروب الشمس بالكلية، لأن تكررت كلمة: (بعد ما غربت الشمس)، أي: الغروب الكلي، وهذا الذي دلت عليه الألفاظ الأخرى في نفس يوم الخندق وغيره، والله ولي التوفيق.
([192]) قلت: ولا يستطيع أحد ممن يزعم أنه يعجل الفطر في هذا الزمان ممن ينتسب إلى العلم؛ أن يفطر وقرص الشمس لم يغيب، لأن يصيبه وسواس في نفسه، هل صومه صحيح، أو لا؟!، بل هؤلاء لم يفطروا بغروب الشمس بالكلية؛ لأنهم يفطرون مع الأذان الذي هو متأخر عن غروب الشمس؛ أي: على التقويم الفلكي، اللهم غفرا.
([193]) طبق السنة في هذا المستوى من الشمس، أحيانا، ولا تلتفت إلى من لا يستطيع أن يطبقها، اللهم غفرا.
([194]) قلت: وهذا كله واسع؛ فمن شاء أفطر قبل الصلاة على وجود قرص الشمس بيسير من الأرض، ومن شاء أفطر بمغيب قرص الشمس كله، وكل ذلك من تحقق غروب الشمس، ولا بأس من فعل هذا، وهذا، والله ولي التوفيق.
انظر منه؛ «الموطأ» للإمام محمد بن الحسن (ج2 ص205).
([196]) وانظر: «تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر» للشيخ الألباني (ص7 و8)، و«اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص65)، و«الكفاية» للخطيب (ص591)، و«النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص523)، و«المجموع» للنووي (ج1 ص95).
([197]) وانظر: «الكفاية» للخطيب (ص591)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص45)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص208)، و«فتح المغيث» للسخاوي (ج1 ص127)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ج1 ص579)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ص48).
([198]) فإذا قال الصحابي: (سنة)؛ فهو مسند مرفوع، لأنه لا يريد به إلا سنة رسول الله r، وما يجب اتباعه.
([199]) وانظر: «علوم الحديث» لابن الصلاح (ص45)، و«المنهاج» للنووي (ج1 ص30)، و«المجموع» له (ج1 ص59)، و«النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص523)، و«نصب الراية» للزيلعي (ج1 ص314)، و«نهاية السول» للأسنوي (ج3 ص187 و188)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ج1 ص579).
([200]) وانظر: «النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص523)، و«جامع الأصول» لابن الأثير (ج1 ص94 و95)، و«قواطع الأدلة في أصول الفقه» للسمعاني (ص821 و824)، و«التبصرة في أصول الفقه» للشيرازي (ص332)، و«الكفاية في معرفة أصول علم الرواية» للخطيب (ص591 و592).
([205]) ومثله: غروب الشمس عند الصحابة الكرام يطلق عليه غروبا مع وجود قرص الشمس بيسير في آخر النهار، والله المستعان.
([206]) قلت: وكيف يعرف الناظر أن الشمس قد اصفرت في جهة المغرب، إلا إذا كانت ظاهرة في الأفق من جهة المغرب؟!.
([208]) قلت: ففطر الصائم بقرب الغروب ؛ أي: والشمس قرب الأرض من جهة الغروب، كما تدل عليه: (كاد)؛ أي: (حتى كادت الشمس تغرب، وذلك بعد ما أفطر الصائم)، فذكر ذلك للفائدة.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص123).
([210]) قلت: وهذا يدل على أن أثناء مخاطبة عمر بن الخطاب t للنبي r كان وقت إفطار الصائم، وهو أثناء الغروب الأول، والشمس طالعة؛ لأن لا فائدة من ذكر ذلك إذا كان يعني بعد غروب الشمس بالكلية، لأن تكررت كلمة: (بعد ما غربت الشمس)، أي: الغروب الكلي، وهذا الذي دلت عليه الألفاظ الأخرى في نفس يوم الخندق وغيره، والله ولي التوفيق.
([211]) وعلى هذا لا يلتفت إلى المقلدة المتشددة الذين لا يجوزون للصائم أن يفطر في هذا المستوى من الشمس.
([212]) قلت: وذهب عدد من أهل العلم إلى تأويل الأحاديث بالتأويلات البعيدة في إصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق، والصحيح أن الأحاديث تبقى على ظاهرها في دخول وقت صلاة المغرب، وهي طالعة في الأفق لم يغب قرصها في الأرض.
وانظر: «إكمال المعلم» للقاضي عياض (ج2 ص570و571و572)، و«المفهم» للقرطبي (ج2 ص236و237).
([213]) يعني: الشمس طالعة، وهذا يدل أن الشمس لم تغب بالكلية، وهذا وقت دخول صلاة المغرب، وإفطار الصائم.
([214]) قلت: إذا جمعت الروايات المرفوعة، مع الروايات الموقوفة؛ تبين لك أن آخر وقت صلاة العصر عند اصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق بيسير عن الأرض، ومن هنا يتبين لك أنه لا إشكال في كون دخول وقت صلاة المغرب بهذا المستوى من الشمس؛ أي: لم يسقط قرصها كله.
قال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج2 ص573)؛ عن آخر وقت العصر: (وبالاصفرار قال جمهور أئمة الفتوى). اهـ
([215]) قلت: والمراد بقرنها أعلى قرص الشمس.
وانظر: «المفهم» للقرطبي (ج2 ص 236)، و«إكمال إكمال المعلم» للوشتاني (ج2 ص541).
قلت: وصلاة المغرب يجب أن يبكر بها، وتعجل في أول وقتها؛ أي: بمجرد غروب الشمس حتى ننصرف والمنطقة مسفرة جدا، وحتى يرمي أحدنا نبله، فيبصر موقعه لبقاء الضوء الشديد.
([217]) وهذا الغروب هو الثاني، وهو أن الشمس غربت بالكلية.
لذلك لا يجوز التقليد في دخول وقت صلاة المغرب لوضوحه حتى للعوام إذا تدبروا الأدلة.
قال الإمام القرافي /: (منع ابن القصار / التقليد في دخول وقت الظهر لوضوحه حتى للعوام، ولا يرد أن يقال المغرب أوضح؛ لأن المقصود معرفة الوقت من حيث إيقاع الصلاة فيه). اهـ
انظر: «إكمال إكمال المعلم» للوشتاني (ج2 ص542).
([218]) فيقول شيخنا ابن عثيمين / بالغروبين، عند اصفرار الشمس، وهذا الوقت الأول، وعند خفائها، وهذا الوقت الثاني، وهذا هو المراد من ذكر قول شيخنا هنا، أنه ذكر الوقتين للشمس في جهة الغروب، وهذا موافق للسنة والآثار، وإن كان ذكر الغروب الكلي لدخول صلاة المغرب.
([219]) قلت: ولا تدخل الصفرة في الشمس إلا بعد أن تكون في جهة الغرب، وهي طالعة، وهذا وقت دخول صلاة المغرب الأول، كما في الروايات الأخرى، أيضا.
([221]) وانظر: «التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج4 ص401)، و«السنن» للترمذي (ج2 ص318)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص196)، و«تغليق التعليق» له (ج3 ص195)، و«الصيام» للفريابي (ص56).
([223]) قدر أهل العلم هذا الارتفاع بمقدار رمح.
انظر: «شرح صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص183).
([224]) وانظر: «شرح صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص183)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (ج10 ص489)، و(ج4 ص247)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج1 ص235)، و«المصنف» لعبدالرزاق (ج4 ص226)، و«المصنف» لابن أبي شيبة (ج4 ص22)، و«المستدرك» للحاكم (ج4 ص274)، و«صبح الأعشى» للقلقشندي (ج2 ص367)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج3 ص416)، و«الصيام» للفريابي (ص56).
([225]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (831)، وأبو داود في «سننه» (3192)، والترمذي في «سننه» (1030)، والنسائي في «السنن الكبرى» (1151)، وفي «المجتبى» (560)، وابن ماجه في «سننه» (1519)، وأحمد في «المسند» (17377)، والثقفي في «الثقفيات» (150)، والفاكهي في «الفوائد» (15)، والسراج في «حديثه» (1543)، و(2340)، وابن بشران في «الأمالي» (ج2 ص113)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (1776)، والروياني في «المسند» (201)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص331)..
([226]) وانظر: «إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج3 ص181)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج2 ص208 و209 و211)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج2 ص260 و261)، و«التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج4 ص401).
([227]) قلت: فالميل هذا في نفسه يسمى غروبا عند العرب.
وانظر: «المعلم بفوائد مسلم» للمازري (ج1 ص311)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج7 ص2343)، و«المصنف» لابن أبي شيبة (ج2 ص336)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج1 ص14)، و«الوسيط» للواحدي (ج3 ص120)، و«تفسير القرآن» لعبدالرزاق (ج1 ص384)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص120)، و«جامع البيان» للطبري (ج15 ص22).
([229]) قلت: وفي هذا القدر من ارتفاع الشمس من الأرض يسمى غروبا عند العرب، وهذا الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة والآثار.
([234]) وانظر: «عمدة القاري» للعيني (ج2 ص234 و236)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج3 ص265 و266)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج2 ص258)، و«فيض الباري» للكشميري (ج1 ص316)، و«المنهاج» للنووي (ج2 ص366).
([235]) فحواجب الشمس: نواحيها؛ الحاجب الأعلى، والحاجب الأسفل، وغير ذلك.
انظر: «عمدة القاري» للعيني (ج4 ص234).
قال الجوهري / في «الصحاح» (ج1 ص107): (حواجب الشمس نواحيها). اهـ
([240]) وانظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج3 ص203)، و«التعليق على صحيح البخاري» للشيخ ابن باز (ج2 ص175)، و«أعلام الحديث» للخطابي (ج1 ص437)، و«إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج3 ص203)، و«مكمل إكمال الإكمال» للسنوسي (ج3 ص178)، و«المفهم» للقرطبي (ج2 ص457)، و«التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج4 ص395)، و«المعلم بفوائد مسلم» للمازري (ج1 ص310).
أخرجه البزار في «المسند» (ج7 ص81-تفسير ابن كثير)، وسمويه في «فوائده» (ص77)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج7 ص121).
وذكره السيوطي في «الجامع الكبير» (ج10 ص616).
وأورده ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج7 ص81) ثم قال: (هذا حديث مداره على خلف بن موسى بن خلف العمي عن أبيه، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: ربما أخطأ). اهـ
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص311)، ثم قال: رواه البزار عن طريق خلف بن موسى عن أبيه، وقد وثقا، وبقية رجاله رجال الصحيح.
([243]) وانظر: «الجامع الكبير» للسيوطي (ج10 ص616)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص144 و145)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج19 ص166)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج11 ص291).
([244]) وهذا وإن بقى من الشمس يسيرا ترى بالعيون، إلا أنه عند العرب في حكم الغروب، فانتبه.
وانظر: «تهذيب اللغة» للأزهري (ج11 ص291)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج4 ص165).
([246]) وانظر: «تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص403)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ج1 ص578)، و«الصحيحة» للشيخ الألباني (ج6 ص904).
([247]) وإن من الغرائب أن يتوجه البعض اليوم إلى تحريف هذا الأثر وتأويله على غير ظاهره، وأن قوله: (وقد تقارب غروب الشمس)؛ يدل على طلوع الشمس في الأفق في مكان المغرب.
وفطر أنس بن مالك t في هذا المستوى من الشمس يدل أن أمر الغروب قد دخل عنده، فيجوز له الفطر، وليس الأمر بفطره أنه مسافر، بل أن الشمس عنده قد غربت فدعا بطعام فأكل منه لأن الفطر حل، ثم ذكر أن ذلك من السنة ؛ أي: الفطر بطلوع الشمس وهي في الأفق.
والصحابة الكرام هم عرب، ويتكلمون باللغة العربية، فيعرفون بلغتهم متى يصومون، ومتى يفطرون، لذلك فلا يتجرأ أحد من المقلدة، فيتقدم بين أيديهم في أحكام الدين لا في أقوالهم، ولا في أفعالهم، اللهم غفرا.
وانظر: «الصيام» للفريابي (ص56)، و«جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج1 ص616 و617)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج2 ص155)، و«المسند» للدارمي (ج1 ص79)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج19 ص194)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (ج1 ص489)، و«شرح معاني الآثار» للطحاوي (ج1 ص154).
([248]) قلت: وهذا كله واسع؛ فمن شاء أفطر قبل الصلاة على وجود قرص الشمس بيسير من الأرض، ومن شاء أفطر بمغيب قرص الشمس كله، وكل ذلك من تحقق غروب الشمس، ولا بأس من فعل هذا، وهذا، والله ولي التوفيق.
انظر منه؛ «الموطأ» للإمام محمد بن الحسن (ج2 ص205).
([249]) وانظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص246)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص230)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج6 ص3225)، و«المستدرك» للحاكم (ج4 ص274)، و«المخلصيات» للمخلص (1594)، و«جامع البيان» للطبري (ج15 ص22)، و«تفسير القرآن» لسعيد بن منصور (ج6 ص135)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (ج3 ص1219)، و«صبح الأعشى» للقلقشندي (ج2 ص367).
([251]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج18 ص447)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج6 ص343)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج6 ص19)، و«التاريخ» للدوري (ج2 ص376).
([252]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج3 ص451)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج1 ص318)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج1 ص284)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج1 ص345).
([253]) قلت: ولا يستطيع أحد ممن يزعم أنه يعجل الفطر في هذا الزمان ممن ينتسب إلى العلم؛ أن يفطر وقرص الشمس لم يغيب، لأن يصيبه وسواس في نفسه، هل صومه صحيح، أو لا؟!، بل هؤلاء لم يفطروا بغروب الشمس بالكلية؛ لأنهم يفطرون مع الأذان الذي هو متأخر عن غروب الشمس؛ أي: على التقويم الفلكي، اللهم غفرا.
([254]) طبق السنة في هذا المستوى من الشمس، أحيانا، ولا تلتفت إلى من لا يستطيع أن يطبقها، اللهم غفرا.
([257]) ومثله: غروب الشمس عند الصحابة الكرام يطلق عليه غروبا مع وجود قرص الشمس بيسير في آخر النهار، والله المستعان.
([258]) وتصحف: «الطويل» إلى «الحارث»؛ ولعل الناسخ أخطأ في نسبته، لأن من شيوخ المعتمر؛ حميد الطويل، ولا يوجد من شيوخه حميد الحارث.
انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص250).
([260]) فإذا أفطر الناس جميعا بغروب قرص الشمس بالكلية، فلا حاجة لابن عمر ﭭ أن يأمر مجاهدا بتغطيته عن الناس، لأنهم اعتادوا الفطر بخفاء قرص الشمس بالكلية، فافطن لهذا.
([264]) وانظر: «الكاشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص120)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج7 ص81)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج7 ص2342)، و«جامع البيان» للطبري (ج5 ص22)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج3 ص128)، و«تفسير القرآن» لابن وهب (ج1 ص137)، و«تفسير القرآن» لسعيد بن منصور (ج6 ص135).
([269]) فلما مالت الشمس إلى جهة الغروب، وزالت وأصحبت بالقرب من الأرض، فهذا يسمى غروبا عند العرب، وإن كانت طالعة لم تغب بالكلية.
([270]) فهذه الآية تعني دخول وقت صلاة الظهر، ودخول وقت صلاة المغرب، والله ولي التوفيق.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن أبي زمنين (ج3 ص34)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص120)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص1412)، و«الصحاح» للجوهري (ج4 ص1584)، و«الوسيط» للواحدي (ج3 ص120)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج21 ص21)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج10 ص196)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج6 ص70).