القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / الجوهرة الفاخرة في انتصار أهل الأثر على الأعداء في الدنيا والآخرة

2023-11-30

صورة 1
الجوهرة الفاخرة في انتصار أهل الأثر على الأعداء في الدنيا والآخرة

       
 

سلسلة

النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية

 

 
 
    شكل بيضاوي: 30

 

 

 

 

 

الجوهرة الفاخرة

في

انتصار أهل الأثر  على الأعداء

في الدنيا والآخرة

 

 

 

 

 

تأليف

العلامة المحدث

أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري

حفظه الله، ونفع به، وأطال عمره

 

 

 

    

وبه نستعين

المقدمة

 

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وجعل أمتنا خير أمة، وبعث فينا رسولا منا يتلو علينا آياته ويزكينا، ويعلمنا الكتاب والحكمة؛ نحمده تعالى على نعمه المتتالية الوافرة الجمة.

أما بعد،

فهذا جزء لطيف في بيان انتصار: «أهل الأثر» في كل زمان، وهذا الانتصار من الله تعالى على الأعداء في الداخل والخارج يجريه بحكمته ومشيئته طال الزمان أو قصر: ]فلا تكونن من الممترين[ [البقرة: 147].

قال تعالى: ]أفي الله شك فاطر السماوات والأرض[ [إبراهيم:10].

قلت: فالحق منصور بالله تعالى، ثم بأتباع الرسل عليهم السلام، وهم: أهل الأثر، فيأتي الحق فيدمغ الباطل، فإذا هو زاهق، هكذا ينتصر الحق على الباطل!.

قال تعالى: ]بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون[ [الأنبياء:18].

وقال تعالى: ]إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد[ [غافر:51]، يعني: إن الله تعالى ينصر الرسل عليهم السلام، وأتباعهم في الحياة الدنيا، وفي الآخرة.

وقال تعالى: ]وكان حقا علينا نصر المؤمنين[ [الروم:47].

وقال تعالى: ]وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم[ [آل عمران:126].

وقال تعالى: ]ونصرناهم فكانوا هم الغالبين[ [الصافات: 116].

وقال تعالى: ]والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا[ [الأنفال: 74].

وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم[ [محمد: 7].

وقال تعالى: ]إن ينصركم الله فلا غالب لكم[ [آل عمران: 160].

وقال تعالى: ]ويومئذ يفرح المؤمنون (4) بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم[ [الروم: 4 و5].

وللعلم: أن الحرب بيننا وبينهم سجال؛ أي: نوب، نوبة لنا، ونوبة لهم، ثم يأتي النصر من الله تعالى ولابد؛ فسنة الله تعالى في الخلق لا تتبدل، ولا تتغير، فهذه حكمة الله تعالى، فافهم ذلك.

قال تعالى: ]فاصبر إن العاقبة للمتقين[ [هود:49].

قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج3 ص219)؛ في كلامه على غزوة أحد: (منها: أن حكمة الله وسنته في رسله، وأتباعهم، جرت بأن يدالوا مرة، ويدال عليهم أخرى، لكن تكون لهم العاقبة، فإنهم لو انتصروا دائما دخل معهم المؤمنون وغيرهم، ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انتصر عليهم دائما لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة، فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق، وما جاؤوا به ممن يتبعهم على الظهور والغلبة خاصة). اهـ

قلت: ونصرة الحق لا تحتاج إلى أكثر من بيان أنه الحق وإيضاحه؛ فإن الحق أبلج، والباطل لجلج!.

اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.

                          كتبه

                          أبو عبد الرحمن الأثري

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

اللهم انصرنا على القوم الظالمين

ذكر الدليل

على انتصار أهل الأثر على الأعداء في الداخل والخارج في الدنيا

والآخرة، وأهل الأثر إذا تقابلوا مع أهل العداء فلهم نصيب

من تقابل أهل السنة وأهل البدعة

 

اعلم رحمك الله أن الله تعالى وعد بنصر أتباع الرسل عليهم السلام في كل زمان على الأعداء من الفكرة، والمبتدعة، والعصاة في الدنيا والآخرة؛ ولابد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرد على البكري» (ص359): (وأهل السنة إذا تقابلوا هم، وأهل البدعة؛ فلهم نصيب من تقابل المؤمنين، والكفار). اهـ

الله أكبر.

قلت: لإقامة عليهم الحجة، وقطع لدابرهم، وبيان لما هم عليه من القبح، وخضع لأعناقهم، وأذلالهم في الحياة الدنيا.

قال تعالى: ]ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى[ [طه:124].

قال تعالى: ]ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله[ [طه:124].

قال العلامة الشيخ حمد المعمر / في «الفواكه العذاب» (ص57): (وأما من أراد الله فتنته فلا حيلة فيه: ]من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا[ [الكهف: 17]). اهـ

فهو كما قال الشاعر:

لـــــــي حـــــيـــلـــــــة فـــيـــمــــن يــــنـــــــم

 

 

ومـــــــــــا لـــــــــي في الــــكـــــذاب حــيـله

مــــــن كـــــــــان يـــــخــــلــــق مـــــــا يقول

 

 

فـــــــــحـــيــلـــتـــي فـــيـــــه قـــلـــيـــلـــــــه!

وقد قال الله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين[ [الحجرات:6].

ولكن الحق سينتصر([1]) بإذن الله تعالى، بل هو منصور ولابد؛ طال الزمان أو قصر: ]فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض[ [الرعد:17]، و]والعاقبة للمتقين[ [الأعراف:128].

قال تعالى: ]إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد[ [غافر:51].

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «إتحاف القاري» (ص357): (يا طالب العلم تنبه في أن الحق يبقى، ويبقى عليه من وفقه الله تعالى لاتباعه مهما كثرت الفتن، ومهما حاول الأعداء أن يقضوا على الحق وأهله؛ فإنهم لا يستطيعون ذلك؛ لأن الله تعالى يحميه، كما قال تعالى: ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[ [الحجر:9]، وكما قال تعالى: ]إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد[ [غافر:51] وقال النبي r: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله تعالى)؛([2]) فالحق باق وأهله باقون، وإن قلوا في بعض السنين، أو بعض الأوقات، فإن الله تعالى لا يضيع هذا الحق أبدا). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح الكافية الشافية» (ج1 ص168): (الحق منصور، وإن قل أتباعه، والباطل مخذول، ولو كثر أتباعه!). اهـ

قلت: فالحق منصور بالله تعالى، ثم بأهل الأثر، فيأتي الحق فيدمغ الباطل، فإذا هو زاهق، هكذا ينتصر الحق على الباطل!.

قال تعالى: ]بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون[ [الأنبياء:18].

قال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ج1 ص124):

والحـــق مــنــصـــور ومـــمـــتــحــــــن فلا

 

 

تـــعجـــــب فهـــــذه ســنــــة الـــرحـــمــــن

قلت: فالشر لا ينتهي، بل يبقى الخير، والشر للابتلاء والامتحان، لكن أحيانا ينتصر الحق ويظهر، وأحيانا يظهر الباطل، ولكن ظهور الباطل لا يستمر، أما الحق فإنه وإن حصل عليه ما حصل؛ فإنه يعود وينتصر بإذن الله تعالى([3])، يقول الله تعالى: ]والعاقبة للمتقين[ [القصص:83]، ويقول الله تعالى: ]والعاقبة للتقوى[ [طه:132].

وقال الإمام ابن قتيبة / في «مشكل القرآن» (ص284): (الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه، فإن الله سيمحقه ويبطله، ويجعل العاقبة للحق وأهله). اهـ

قلت: والحرب بيننا وبينهم سجال؛ أي: نوب، نوبة لنا، ونوبة لهم، فسنة الله تعالى في الخلق لا تتبدل، ولا تتغير، فهذه حكمة الله تعالى، وسننه في رسله عليهم السلام، وأتباعهم، جرت بأن يدالوا مرة، ويدال عليهم أخرى، لكن يكون لهم العاقبة في الأخير، ولله الحمد: ]فاصبر إن وعد الله حق[ [الروم:60].

قال تعالى: ]فاصبر إن العاقبة للمتقين[ [هود:49].

وقال تعالى: ]إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين[ [الأعراف:128].

وقال تعالى: ]فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك[ [غافر: 55].

وجاء في حديث أبي سفيان t الطويل: (فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه).([4])

قلت: وهذا يدل أن هذا الأمر وقع بين المسلمين، وبين المشركين في عهد النبي r  مما يدل على أن سنة الله تعالى لا تتبدل في الحروب بين أهل الحق، وبين أهل الباطل، اللهم سدد: ]فلا تكونن من الممترين[ [البقرة: 147].

قال تعالى: ]أفي الله شك فاطر السماوات والأرض[ [إبراهيم:10].

قلت: ولو انتصر الحق دائما؛ لامتلأت صفوف أمة الإجابة بالمنافقين خصوصا في هذا الزمان، ولو انتصر الباطل دائما لشك أهل الحق في الطريق، ولكنها ساعة وساعة؛ فساعة انتصار أهل البدعة فيها غربلة لدعاة السنة، وساعة انتصار أهل الحق فيها يأتي اليقين: ]فاصبر إن العاقبة للمتقين[ [هود:49].

وقال تعالى: ]والعاقبة للمتقين[ [الأعراف:128].

وقال تعالى: ]والعاقبة للتقوى[ [طه:132].

قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج3 ص219)؛ في كلامه على غزوة أحد: (منها: أن حكمة الله وسنته في رسله، وأتباعهم، جرت بأن يدالوا مرة، ويدال عليهم أخرى، لكن تكون لهم العاقبة، فإنهم لو انتصروا دائما دخل معهم المؤمنون وغيرهم، ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انتصر عليهم دائما لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة، فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق، وما جاؤوا به ممن يتبعهم على الظهور والغلبة خاصة.

* ومنها: أن هذا من أعلام الرسل؛ كما قال هرقل لأبي سفيان: (هل قاتلتموه؟ قال: نعم، قال: كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال: سجال يدال علينا المرة، وندال عليه الأخرى، قال: كذلك الرسل تبتلى، ثم تكون لهم العاقبة).([5])

* ومنها: أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر، وطار لهم الصيت دخل معهم في الإسلام ظاهرا من ليس معهم فيه باطنا، فاقتضت حكمة الله عز وجل أن سبب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق، فأطلع المنافقون رؤوسهم في هذه الغزوة، وتكلموا بما كانوا يكتمونه، وظهرت مخبآتهم، وعاد تلويحهم تصريحا، وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق انقساما ظاهرا، وعرف المؤمنون أن لهم عدوا في نفس دورهم، وهم معهم لا يفارقونهم، فاستعدوا لهم، وتحرزوا منهم. قال الله تعالى: ]ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء[ [آل عمران: 179]؛ أي: ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمنين بالمنافقين حتى يميز أهل الإيمان من أهل النفاق؛ كما ميزهم بالمحنة يوم أحد ]وما كان الله ليطلعكم على الغيب[ [آل عمران: 179] الذي يميز به بين هؤلاء وهؤلاء، فإنهم متميزون في غيبه وعلمه، وهو سبحانه يريد أن يميزهم تمييزا مشهودا؛ فيقع معلومه الذي هو غيب شهادة. وقوله تعالى: ]ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء[ [آل عمران: 179]؛ استدراك لما نفاه من اطلاع خلقه على الغيب سوى الرسل، فإنه يطلعهم على ما يشاء من غيبه؛ كما قال تعالى: ]عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول[ [الجن: 26]؛ فحظكم أنتم وسعادتكم في الإيمان بالغيب الذي يطلع عليه رسله؛ فإن آمنتم به وأيقنتم فلكم أعظم الأجر والكرامة.

* ومنها: استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء، وفيما يحبون وما يكرهون، وفي حال ظفرهم وظفر أعدائهم بهم، فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون؛ فهم عبيده حقا، وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة والعافية.

* ومنها: أنه سبحانه لو نصرهم دائما، وأظفرهم بعدوهم في كل موطن، وجعل لهم التمكين والقهر لأعدائهم أبدا لطغت نفوسهم، وشمخت وارتفعت، فلو بسط لهم النصر والظفر لكانوا في الحال التي يكونون فيها لو بسط لهم الرزق، فلا يصلح عباده إلا السراء والضراء، والشدة والرخاء، والقبض والبسط، فهو المدبر لأمر عباده كما يليق بحكمته، إنه بهم خبير بصير.

* ومنها: أنه إذا امتحنهم بالغلبة والكسرة والهزيمة ذلوا وانكسروا وخضعوا، فاستوجبوا منه العز والنصر، فإن خلعة النصر إنما تكون مع ولاية الذل والانكسار، قال تعالى: ]ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة[ [آل عمران: 123]. وقال: ]ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا[ [التوبة: 25]؛ فهو سبحانه إذا أراد أن يعز عبده ويجبره وينصره كسره أولا، ويكون جبره له ونصره على مقدار ذله وانكساره.

* ومنها: أنه سبحانه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته؛ لم تبلغها أعمالهم، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه، كما وفقهم للأعمال الصالحة التي هي من جملة أسباب وصولهم إليها.

* ومنها: أن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانا وركونا إلى العاجلة، وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار الآخرة، فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامته قيض لها من الابتلاء والامتحان ما يكون دواء لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه، فيكون ذلك البلاء والمحنة بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه، ويقطع منه العروق المؤلمة لاستخراج الأدواء منه، ولو تركه لغلبته الأدواء حتى يكون فيها هلاكه.

* ومنها: أن الشهادة عنده من أعلى مراتب أوليائه، والشهداء هم خواصه والمقربون من عباده، وليس بعد درجة الصديقية إلا الشهادة، وهو سبحانه يحب أن يتخذ من عباده شهداء تراق دماؤهم في محبته ومرضاته، ويؤثرون رضاه ومحابه على نفوسهم، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو.

* ومنها: أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم، ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم، ومبالغتهم في أذى أوليائه، ومحاربتهم وقتالهم والتسلط عليهم، فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم، ويزداد بذلك أعداؤه من أسباب محقهم وهلاكهم، وقد ذكر سبحانه وتعالى ذلك في قوله: ]ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين،  إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين[ [آل عمران: 139، 140]، فجمع لهم في هذا الخطاب بين تشجيعهم وتقوية نفوسهم وإحياء عزائمهم وهممهم، وبين حسن التسلية، وذكر الحكم الباهرة التي اقتضت إدالة الكفار عليهم فقال: ]إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله[ [آل عمران: 140]، فقد استويتم في القرح والألم، وتباينتم في الرجاء والثواب، كما قال: ]إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون[ [النساء: 104]، فما بالكم تهنون وتضعفون عند القرح والألم، فقد أصابهم ذلك في سبيل الشيطان، وأنتم أصبتم في سبيلي وابتغاء مرضاتي.

ثم أخبر أنه يداول أيام هذه الحياة الدنيا بين الناس، وأنها عرض حاضر، يقسمها دولا بين أوليائه وأعدائه، بخلاف الآخرة، فإن عزها ونصرها ورجاءها خالص للذين آمنوا). اهـ

قلت: فانظروا إلى هذه الحكم العظيمة من الإمام ابن القيم / تعالى؛ فتأمل وتدبر: ]فهل من مدكر[ [القمر: 15].

فتأخير نصر السنة وأهلها([6])، وهو على الحقيقة بالرغم من شدة وطأته، وثقل حمله؛ «نصر خفي» موصول بــ«النصر الجلي»، فلابد من هذا لدعاة السنة إذا قاموا بنصرة السنة وأهلها([7])، وهو لطف بهم؛ كما حصل في غزوة أحد.

قال العلامة الشيخ حمود التويجري / في «الاحتجاج بالأثر» (ص39): (فإن القوة لله تعالى، ولمن كان الله تعالى معه، والقوة في الأقوال لكلمة الحق، ولو قل ناصروها، قال الله تعالى: ]ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون[ [الأنفال:88]). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ص39): (والله يقيم لدينه وسنة رسوله من ينصرهما، ويذب عنهما؛ فهو أشد غيرة وأسرع تغييرا). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج6 ص483): (الله يجعل لأوليائه عند ابتلائهم مخارج، وإنما يتأخر ذلك عن بعضهم في بعض الأوقات تهذيبا وزيادة لهم في الثواب). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج16 ص529): (وأهل البدعة شنئوا ما جاء به الرسول r، فكان لهم نصيب من قوله تعالى: ]إن شانئك هو الأبتر[؛ فالحذر الحذر أيها الرجل من أن تكره شيئا مما جاء به الرسول r أو ترده لأجل هواك، أو انتصارا لمذهبك، أو لشيخك، أو لأجل اشتغالك بالشهوات، أو بالدنيا). اهـ

وقال العلامة الألباني /: (لسنا مكلفين أن نهدي قلوب الناس إلى الحق؛ الذي ندعوا الناس إليه، و إنما نحن مكلفون بالدعوة فقط).([8]) اهـ

 

õõõõõõõ

 

 

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

المقدمة.........................................................................................................................

05

2)

ذكر الدليل على انتصار أهل الأثر في الدنيا والآخرة ولابد............................

5

3)

الحق منصور بالله تعالى، ثم بأتباع الرسل عليهم السلام، وهم: أهل الأثر.............................................................................................................................

5

4)

ذكر الدليل على أن الحق يدمغ الباطل، فإذا هو زاهق...................................

5

5)

ذكر الدليل على أن النصر من الله تعالى..........................................................

6

6)

ذكر الدليل على انتصار أهل الأثر على الأعداء في الداخل والخارج في الدنيا والآخرة، وأهل الأثر إذا تقابلوا مع أهل العداء فلهم نصيب من تقابل أهل السنة وأهل البدعة................................................................................

8

7)

ذكر الدليل على أن العاقبة لأهل الأثر...............................................................

9

8)

الحـــق مــنــصـــور ومـــمـــتــحــــــن................................................................................

10

9)

الحرب بين أهل الحق، وبين أهل الباطل سجال.................................................

11

10)

لماذا ينتصر الباطل أحيانا.....................................................................................

12

11)

فائدة عظيمة من الإمام ابن القيم /......................................................

12 -16

 

12)

القوة في الأقوال لكلمة الحق...................................................................................

17

 

13)

فتأخير نصر الدين؛ لطف بالمؤمنين......................................................................

17

 

 

 

 



([1]) ويظهر هذا الانتصار في الواقع، وهذا ظاهر في انتصارات أهل السنة على أهل البدعة.

([2]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (868)، ومسلم في «صحيحه» (1921) من حديث المغيرة بن شعبة t.

([3]) وانظر: «اتحاف القاري» للشيخ الفوزان (ص354).

([4]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص405)، ومسلم في «صحيحه» (1773) من حديث أبي سفيان t.

([5]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص405)، ومسلم في «صحيحه» (1773) من حديث أبي سفيان t.

([6]) فتأخير نصر الدين؛ لطف بالمؤمنين، ومكر بالكافرين والمنافقين، والمبتدعين والعاصين.

        قال تعالى: ]حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب[ [البقرة:214].

       وقال تعالى: ]وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم[ [آل عمران:126].

       وقال تعالى: ]وكان حقا علينا نصر المؤمنين[ [الروم:47].

      وقال تعالى: ]حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا[ [يوسف:110].

      قلت: فالله تعالى لم يتخل عن رسله عليهم السلام وأتباعهم، ولم يخذلهم وقت شدتهم، ووقت الغلية الاستدراجية لعدوهم، والتي هي غير مستقرة، ولا مستمرة؛ إنما ليظهر معلومة آياته، وعجائب قدرته سبحانه.

([7]) فمن أسرار الأقدار أن يكون الابتلاء خفيا، والمحنة مستورة: ]ليميز الله الخبيث من الطيب[ [الأنفال:37].

        قال تعالى: ]سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا[ [الإسراء:77].

       وقال تعالى: ]ولن تجد لسنة الله تبديلا[ [الأحزاب:62].

       وقال تعالى: ]ولن تجد لسنت الله تحويلا[  [فاطر:43].

([8]) سلسلة: «الهدى والنور» رقم: (730)


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan