الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / التعريف الصحيح لــ((للزندقة والزنديق))
التعريف الصحيح لــ((للزندقة والزنديق))
التعريف الصحيح
لــ((لزندقة والزنديق))
تأليف
العلامة أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر
توضيح كلمة «زنديق» في الدين
قال الدكتور محمد بن عبدالرحمن الخميس: (زنديق: كلمة يونانية، أو فارسية أصلها: «زن دين»، فزن: المرأة، ودين: الدين، أي: دين المرأة، أي: دين الحماقة.
والفعل: تزندق.
فالزندقة: لها معنيان:
الأول: هو استبطان الكفر([1])، وإظهار الإسلام للدسيسة، فالزنديق على هذا من دخل الإسلام للشر، والإفساد، فهو أخص من المنافق([2])، وكلاهما كفر؛ لأن المنافق قد يظهر الإسلام خوفا فقط، ولا يريد الإفساد، والدسيسة للمسلمين، فكل زنديق منافق، ولا عكس فقد يكون منافقا، ولا يكون زنديقا، وذلك إذا أظهر الإسلام خوفا فقط بدون إرادة الدسيسة.
الثاني: ارتكاب البدعة: سواء كانت البدعة مكفرة أم لا، فالزنديق على هذا مرادف للمبتدع([3])؛ والمبتدع([4]): قد يكون كافرا، وقد يكون مسلما فاسقا([5])، وقد يكون مسلما ضالا، فكذلك الزنديق على هذا المعنى، وكثير من الجهمية([6]) زنادقة، لهذا المعنى؛ أي: مبتدعة، وذلك أن يكون الزنديق قد ارتكب البدعة مع حسن نيته، ولكنه يكون مسلما ضالا، وعلى هذا يقال من تعلم الكلام تزندق، ومن تمنطق تزندق).([7]) اهـ
قلت: فلفظ: «زنديق»: قد اتسع معناه إلى حد لا يسمح بتحديده على الكافر فقط، بل يطلق على ما دون الكافر؛ يعني: يطلق على المسلم إذا تشبه به في صفاته السيئة!، لأنه لفظ مشترك يطلق على أصناف مختلفة من الناس من أهل الكفر، وأهل البدع، وأهل الفسق سواء بسواء، لاشتراك بعضهم مع بعض في الإفساد في الأرض: والله ]لا يحب الفساد[ [البقرة:205]، ]والله لا يحب المفسدين[ [المائدة:64].
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
من اعتصم بالله نجا من الزنادقة
ذكر الدليل على التحقيق الصحيح في معرفة أقسام الزنادقة والزندقة
التعريف بالزنادقة:
الزنديق: فارسي معرب، وجمعه زنادقة.
والزنادقة، من الزندقة: وهي كلمة معربة عن الفارسية.
والزنديق: هو الذي لا يتمسك بشريعة.
والزنديق: هو الذي يقول بدوام الدهر.
والعرب تعبر عن هذا بقولهم: ملحد؛ أي: طاعن في الأديان.
والزنديق: هو النظار في الأمور، والمشهور على ألسنة الناس.
ويقال: هذا رجل «زندقي»، و«زنديق»؛ إذا كان شديد البخل.
ويقال: هذا «زنديق»، وهؤلاء «زنادقة»، و«زناديق»، و«زندقة الزنديق»؛ أنه لا يؤمن بالآخرة، ولا بوحدانية الخالق.([8])
والزندقة: الضيق، وقيل: «الزنديق» منه؛ لأنه ضيق على نفسه بالضلالة، وغيرها.
والزنديق: من الثنوية، وهو فارسي معرب، والجمع الزنادقة، وقد تزندق، والاسم: الزندقة.
والزندقة: هي النفاق؛ وهو إظهار الإيمان، وإبطال الكفر.([9])
فالزنادقة: هم الذين كانوا يسمون بــ«المنافقين» في صدر الإسلام، ويعيشون بين الناس، وإذا سنحت لهم فرصة ظهر شرهم، وكشروا عن أنيابهم ضد الحق وأهله في بلدان المسلمين؛ كما هو موجود في زماننا الآن تماما.([10])
قال الإمام المرداوي / في «الإنصاف» (ج1 ص332): (الزنديق: هو الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر، ويسمى منافقا في الصدر الأول). اهـ
إذا فالزنديق: هو الذي يظهر الإسلام، ويخفي الكفر، أو يظهر السنة، ويخفي البدعة، أو يظهر السلفية، ويخفي الحزبية السرية، أو يظهر الجهاد، ويخفي الثورة الخارجية، أو يظهر الإيمان، ويخفي الإرجاء، أو يظهر الأعمال الخيرية، ويخفي الأعمال الشرية، أو يظهر حفظ القرآن وتجويده، ويخفي حصول مآربه الدنيوية بالقرآن، ويظهر المسابقات بالقرآن، ويخفي المخطاطات بذلك في المساجد.
قلت: فهؤلاء كلهم يعيشون -للأسف- في بلدان المسلمين، وهم منافقون، يظهرون الخير للمسلمين من الحكام والمحكومين، ويبطنون الشر لهم، فإذا سنحت لهم فرصة أظهروا شرهم لهم، وكشروا عن أنيابهم ضدهم، فلا تسأل عن سفك الدماء، وهتك الأعراض، وقتل النساء، والأطفال، وتدمير البناء، وسرقة الأموال، وكثرة الأمراض، وإحراق المدن، وإحداث الفوضى، وتشريد الناس، وإهلاكهم بالجوع والعطش، والفقر، والحزن والهم، والبكاء، وضررهم في الشتاء بالبرد، والصيف بالحر، وفقدهم للآباء، والأمهات، والزوجات، والأبناء، والبنات، وغير ذلك من الدمار الشامل للناس وبلدانهم، هؤلاء هم المبتدعة([11]) الزنادقة، اللهم غفرا.
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «شرح السنة» (ص292): (الزندقة: هي النفاق؛ وهو إظهار الإيمان، وإبطال الكفر. فالزنادقة: هم الذين كانوا يسمون بــ«المنافقين» في صدر الإسلام، ويعشون بين الناس، وإذا سنحت لهم فرصة ظهر شرهم، وكشرت عن أنيابهم ضد الحق وأهله؛ كما هو موجود في زماننا الآن). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص497): (هذا مع العلم بأن كثيرا من المبتدعة منافقون النفاق الأكبر، وأولئك كفار في الدرك الأسفل من النار، فما أكثر ما يوجد في الرافضة، والجهمية، ونحوهم، زنادقة منافقون، بل أصل هذه البدع هو من المنافقين الزنادقة). اهـ
قلت: ولا شك أن الناظر في كثير من رؤوس أهل البدع يجد أن النفاق قد كثر فيهم، وهذا مشاهد معلوم!، بل وحتى في أفراد بعض المبتدعة، فإن النفاق فيهم كثير، وقد يكون بعضهم قد قامت به بعض شعب النفاق، لأن البدع تحمل أصحابها على الشك، والحيرة مما قد لا يستطيع كثير من أهل البدع إظهاره أمام الناس؛ إما خوفا، أو لأمر آخر، وهذا هو النفاق، وهو الزندقة.([12])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة السفارينية» (ص380): (والزنديق: هو المارق عن الدين، وقيل الزنديق هو المنافق، ولعل الزنديق أشد من المنافق؛ لأن المنافق ربما يتصنع للمسلمين، ويظهر أنه مسلم، كما هو الشأن في المنافقين في عهد الرسول r). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «المناظرة في القرآن» (ص50) عندما ذكر اعتقادات المبتدعة، وما أبطنوا من البدع: (وهذا هو النفاق في عهد رسول الله r وهو الزندقة اليوم، وهو: أن يظهر موافقة المسلمين في اعتقادهم، ويضمر خلاف ذلك، وهذا حال هؤلاء القوم لا محالة، فهم زنادقة بغير شك، فإنه لا شك في أنهم يظهرون تعظيم المصاحف إيهاما أن فيها القرآن، ويعتقدون في الباطن أنه ليس فيها إلا الورق والمداد، ويظهرون تعظيم القرآن، ويجتمعون لقراءته في المحافل، والأعرية -يعني الموضع الخالي- ... وليس في أهل البدع كلهم من يتظاهر بخلاف ما يعتقده غيرهم، وغير من أشبههم من الزنادقة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التسعينية» (ج1 ص259): (فإن التجهم، والرفض هما أعظم والبدع، أو من أعظم البدع التي حدثت في الإسلام، ولهذا كان الزنادقة المحضة؛ مثل الملاحدة من القرامطة، ونحوهم، إنما يتسترون بهذين: بالتجهم، والتشيع). اهـ
قلت: كل ذلك باسم الإسلام، وباسم الأعمال الخيرية، وباسم الجهاد، وباسم الدعوة، وباسم الإصلاح، وهذه الأمور لا يدركها إلا أهل العلم، واتخاذهم المساجد مقرا لهم، والتآمر فيما بينهم في جمع التبرعات فيها، والاستفادة من المصلين، ومن أموالهم.
ولا يزال هؤلاء سبب ريبة، وشك في الدين لكثير من الناس؛ لأنهم يظهرون شيئا، ويبطنون شيئا آخر، اللهم سلم سلم.
قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله -عضو هيئة كبار العلماء- في «إعانة المستفيد» (ج1 ص242): (التنبيه على خداع المخادعين، وأن يكون المؤمنون على حذر دائما من المشبوهين، ومن تضليلهم، وأنهم قد يتظاهرون بالصلاح، ويتظاهرون بالمشاريع الخيرية -كبناء المساجد-، ولكن ما دامت سوابقهم، وما دامت تصرفاتهم تشهد بكذبهم؛ فإنه لا يقبل منهم، ولا ننخدع بالمظاهر دون النظر إلى المقاصد، وإلى ما يترتب -ولو على المدى البعيد- على هذه المظاهر ... فتنبه المسلمين إلى الحذر في كل زمان، ومكان من تضليل المشبوهين، وأن كل من تظاهر بالخير، والصلاح، والمشاريع الخيرية لا يكون صالحا... فإننا نأخذ الحذر منه، ولا ننخدع). اهـ
وسئل العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز /. ما واجب علماء المسلمين حيال كثرة الجمعيات، والجماعات في كثير من الدول الإسلامية، وغيرها، واختلافها فيما بينها حتى إن كل جماعة تضلل الأخرى. ألا ترون من المناسب التدخل في مثل هذه المسألة؛ بإيضاح وجه الحق في هذه الخلافات، خشية تفاقمها، وعواقبها الوخيمة على المسلمين هناك؟.
فأجاب سماحته: (إن نبينا محمدا r بين لنا دربا واحدا يجب على المسلمين أن يسلكونه وهو صراط الله المستقيم، ومنهج دينه القويم، يقول الله تعالى: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[ ([13]).
كما نهى رب العزة، والجلال أمة محمد r عن التفرق، واختلاف الكلمة؛ لأن ذلك من أعظم أسباب الفشل، وتسلط العدو، كما في قوله جل وعلا: ]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[([14]) وقوله تعالى: ]شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه[([15]).
فهذه دعوة إلهية إلى اتحاد الكلمة، وتآلف القلوب، والجمعيات إذا كثرت في؛ أي: بلد إسلامي من أجل الخير، والمساعدة، والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين دون أن تختلف أهواء أصحابها([16])؛ فهي خير، وبركة، وفوائدها عظيمة.
أما إن كانت كل واحدة تضلل الأخرى، وتنقد أعمالها([17]) فإن الضرر بها حينئذ عظيم، والعواقب وخيمة. فالواجب على المسلمين توضيح الحقيقة، ومناقشة كل جماعة، أو جمعية، ونصح الجميع؛ بأن يسيروا في الخط الذي بينه الله تعالى لعباده، ودعا إليه نبينا محمد r، ومن تجاوز([18]) هذا، واستمر في عناده لمصالح شخصية، أو لمقاصد لا يعلمها إلا الله، فإن الواجب التشهير به، والتحذير منه ممن عرف الحقيقة([19])، حتى يتجنب الناس طريقهم، وحتى لا يدخل معهم من لا يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه، ويصرفوه عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله تعالى باتباعه في قوله جل وعلا: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[.([20])
ومما لا شك فيه أن كثرة الفرق والجماعات في المجتمع الإسلامي مما يحرص عليه الشيطان أولا وأعداء الإسلام من الإنس ثانيا؛ لأن اتفاق كلمة المسلمين، ووحدتهم، وإدراكهم الخطر الذي يهددهم، ويستهدف عقيدتهم يجعلهم ينشطون لمكافحة ذلك، والعمل في صف واحد من أجل مصلحة المسلمين، ودرء الخطر عن دينهم، وبلادهم، وإخوانهم، وهذا مسلك لا يرضاه الأعداء من الإنس والجن، فلذا هم يحرصون على تفريق كلمة المسلمين، وتشتيت شملهم، وبذر أسباب العداوة بينهم، نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق، وأن يزيل من مجتمعهم كل فتنة وضلال، إنه ولي ذلك والقادر عليه).(
وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /:
ما هو موقف المسلم من الخلافات المذهبية المنتشرة بين الأحزاب، والجماعات؟ .
فأجاب سماحته: (الواجب عليه أن يلزم الحق الذي يدل عليه كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وأن يوالي على ذلك، ويعادي على ذلك، وكل حزب، أو مذهب يخالف الحق يجب عليه البراءة منه، وعدم الموافقة عليه.
فدين الله تعالى واحد، وهو الصراط المستقيم، وهو عبادة الله تعالى وحده، واتباع رسوله محمد عليه الصلاة والسلام.
فالواجب على كل مسلم أن يلزم هذا الحق، وأن يستقيم عليه، وهو طاعة الله تعالى، واتباع شريعته التي جاء بها نبيه محمد عليه الصلاة، والسلام مع الإخلاص لله في ذلك، وعدم صرف شيء من العبادة لغيره سبحانه وتعالى، فكل مذهب يخالف ذلك، وكل حزب لا يدين بهذه العقيدة يجب أن يبتعد عنه، وأن يتبرأ منه، وأن يدعو أهله إلى الحق بالأدلة الشرعية مع الرفق، وتحري الأسلوب المفيد، ويبصرهم بالحق).([22]) اهـ
وقال الحافظ ابن حزم / في «الفصل» (ج4 ص227): (واعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله على أيديهم خيرا، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية، ولا رفع للإسلام راية، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرقون كلمة المؤمنين، ويسلون السيف على أهل الدين، ويسعون في الأرض مفسدين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الحسبة في الإسلام» (ص26): (فأما الغش في الديانات؛ فمثل البدع المخالفة للكتاب والسنة، وإجماع السلف الأمة من الأقوال والأفعال). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «الموقظة» (ص60) عن المبتدعة الزنادقة: (فمنهم من يفتضح في حياته، ومنهم من يفتضح بعد وفاته، فنسأل الله الستر والعفو). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «الأجوبة المفيدة» (ص60): (كل من خالف جماعة أهل السنة فهو ضال، ما عندنا إلا جماعة واحدة هم أهل السنة والجماعة، وما خالف هذه الجماعة فهو مخالف لمنهج الرسول r.
ونقول أيضا: كل من خالف أهل السنة والجماعة فهو من أهل الأهواء، والمخالفات تختلف في الحكم بالتضليل، أو بالتكفير حسب كبرها وصغرها، وبعدها وقربها من الحق([23])). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج2 ص482): (ومذهب أهل السنة والجماعة قديم معروف ... فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم r، ومن خالف ذلك كان مبتدعا عند أهل السنة والجماعة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج2 ص178): (الطرائق المبتدعة؛ كلها يجتمع فيها الحق والباطل). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص414): (البدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء: ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة؛ كبدعة الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج4 ص363): (أن الذي ابتدع مذهب الرافضة كان زنديقا([24]) ملحدا عدوا لدين الإسلام وأهله، ولم يكن من أهل البدع المتأولين؛ كالخوارج والقدرية، وإن كان قول الرافضة راج بعد ذلك على قوم فيهم إيمان لفرط جهلهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج5 ص170)؛ عن المبتدعة الذين علمهم مخلط فيه الحق والباطل: (فمبتدعة أهل العلم والكلام طلبوا العلم بما ابتدعوه، ولم يتبعوا العلم المشروع ويعملوا به). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص356)؛ عن المبتدعة الزنادقة: (وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على آرائهم، تارة يستدلون بآيات على مذهبهم، ولا دلالة فيها، وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه، ومن هؤلاء فرق الخوارج، والروافض، والجهمية، والمعتزلة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم). اهـ
قلت: فلفظ: «زنديق»؛ لفظ مشترك قد أطلق على معان عدة، مختلفة فيما بينا على الرغم مما قد يجمع بينها من تشابه، فكان يطلق عليه من يؤمن بــ«المانوية»([25])، ويثبت أصلين أزليين للعالم: هما النور والظلمة، ثم اتسع المعنى من بعد اتساعا كبيرا حتى أطلق على كل صاحب بدعة، وكل ملحد، بل انتهى به الأمر أخيرا إلى أن يطلق على من يكون مذهبه مخالفا لمذهب أهل السنة والجماعة، أو حتى من كان يحيا حياة المجون من الشعراء، والممثلين، والمغنين، والفسقة، والكتاب الجهلة الذين يتكلمون بالباطل، ولا يبالون بذلك([26])، اللهم سلم سلم.([27])
قلت: واختلف في أصلها؛ أي: الزندقة:
فقيل: «زن دين»؛ أي: دين المرأة؛ أي: دين الحماقة.
وقيل: «زنده كرد»؛ وهي كلمة فارسية؛ بمعنى حي، و«زنده»: الحياة، و«كرد»: العمل.
وقيل: «زند كراي»؛ أي: من يقول بدوام الدهر.
قال العلامة الزبيدي اللغوي / في «تاج العروس» (ج6 ص373): (والصواب أن الزنديق نسبة إلى «الزند»، وهو كتاب: «ماني المجوسي»). اهـ
قلت: فالزنديق معروف في اللغة، وزندقته؛ أنه لا يؤمن بالآخرة، ولا يؤمن بوحدانية الخالق.
وليس في كلام العرب زنديق، وإنما تقول العرب: رجل زندق، وزندقي إذا كان شديد البخل، فإذا أرادت العرب معنى ما تقوله العامة؛ قالوا: ملحد، ودهري، وهذا هو المشهور عند الناس!.
قال العلامة الجوهري اللغوي / في «الصحاح» (ج4 ص1489): (الزنديق من الثنوية([28])، وهو معرب، والجمع: الزنادقة وقد تزندق، والاسم الزندقة).اهـ
وقال الإمام الخليل / في «العين» (ج2 ص766): (الزنديق ... زندقة الزنديق: ألا يؤمن بالآخرة، وبالربوبية). اهـ
وقال ابن منظور اللغوي / في «لسان العرب» (ج2 ص1871): (الزنديق: القائل ببقاء الدهر، فارسي معرب، وهو بالفارسية: زند كراي، يقول بدوام بقاء الدهر). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص471): (والمقصود هنا: أن الزنديق في عرف هؤلاء الفقهاء هو المنافق الذي كان على عهد النبي r. وهو أن يظهر الإسلام ويبطن غيره سواء أبطن دينا من الأديان: كدين اليهود، والنصارى، أو غيرهم، أو كان معطلا جاحدا للصانع، والمعاد، والأعمال الصالحة، ومن الناس من يقول: «الزنديق» هو الجاحد المعطل، وهذا يسمى الزنديق في اصطلاح كثير من أهل الكلام، والعامة، ونقلة مقالات الناس.
ولكن الزنديق الذي تكلم الفقهاء في حكمه: هو الأول؛ لأن مقصودهم هو التمييز بين الكافر وغير الكافر، والمرتد وغير المرتد، ومن أظهر ذلك أو أسره. وهذا الحكم يشترك فيه جميع أنواع الكفار والمرتدين، وإن تفاوتت درجاتهم في الكفر والردة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بغية المرتاد» (ص338): (لفظ الزندقة لا يوجد في كلام النبي r، كما لا يوجد في القرآن، وهو لفظ أعجمي معرب، أخذ من كلام الفرس بعد ظهور الإسلام وعرب، وقد تكلم به السلف، والأئمة في توبة الزنديق، ونحو ذلك. فأما الزنديق الذي تكلم الفقهاء في قبول توبته في الظاهر، فالمراد به عندهم المنافق، الذي يظهر الإسلام، ويبطن الكفر، وإن كان مع ذلك يصلي ويصوم، ويحج، ويقرأ القرآن، وسواء، كان في باطنه يهوديا أو نصرانيا، أو مشركا، أو وثنيا، وسواء كان معطلا للصانع وللنبوة، أو للنبوة فقط، أو لنبوة نبينا r فقط، فهذا زنديق، وهو منافق، وما في القرآن والسنة من ذكر المنافقين يتناول مثل هذا بإجماع المسلمين، ولهذا كان هؤلاء مع تظاهرهم بالإسلام قد يكونون أسوأ حالا من الكافر المظهر كفره من اليهود والنصارى). اهـ
قلت: وعند التأمل؛ لمن أطلق عليهم وصف: «الزندقة» نجد اختلافا ظاهرا:
v فمنهم من يطلقه على: «ماني الثنوي المجوسي([29]»)، ومعتنقي مذهبه.
v ومنهم من يطلقه على فرقة خاصة؛ قرينه لليهود، والنصارى، كــ«الفرقة الشيعية»، و«الفرقة الصوفية».
v ومنهم من يطلقه على أهل المجون، والخلاعة؛ من الشعراء، والممثلين، والمغنين، والفسقة، وغيرهم.
v ومنهم من يطلقه على المبتدعة؛ من الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية، والمرجئة، والخارجية، وغيرهم.
v ومنهم من يطلقه على غيرهم على حسب الضلالة فيهم، بغض النظر هل هم كفار، أو ليسوا بكفار، فنتبه.
إذا فالزندقة لم يكن معناها واحدا عند الناس على السواء؛ فمعناها في أذهان العلماء غير معناها في أذهان العامة، فاتنبه.
قلت: ويستخلص بعد بسط القول في توضيح ذلك أن «الزندقة» تطلق على معان، وهي:
1) التهتك، والاستهتار، والفجور من تبجج في القول يصل أحيانا إلى ما يمس الدين.
2) اتباع دين المجوس، وخاصة دين «ماني المجوسي»، وأتباعه «المانوية».
3) ملحدون لا دين لهم كــ«الشيوعية»؛ بمعنى: اللادينية، فالزنديق من لا يتدين بدين، وهذا هو المشهور عند العامة أتباع الجماعات الحزبية.
4) المبتدعة الذين توسعوا في التمسك بالبدع الظاهرة والباطنة، وحرفوا، وأولوا([30]) في الاعتقاد، والدين.([31])
قلت: وهذا من جملة ما أطلقه علماء أهل السنة على الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية، والمرجئة، والصوفية، وغيرهم([32]) الذين يقولون بالبدع، والأهواء في الدين، والدعوة، والجهاد، والاعتقاد، والعلم، والعمل.([33])
إذا فالزندقة تطلق على الملحدين، والمرتدين، والمبتدعين، والحزبيين، والقصاصين، والممثلين، والمغنين، والثوريين، والعقلانيين، والمفكرين([34])، والعاصين، ومن نهج منهجهم، وسلك مسلكهم، اللهم سلم سلم.
قلت: فكل من خالف ما ثبت في الدين، وأصر عليه، وعمل به، ولم يتب منه، فهو زنديق!، سواء كفر، أم لم يكفر([35])، فافهم لهذا.([36])
وقد نص جمع من أئمة السلف على أن الجهمية، وغيرهم من أهل البدع؛ من الزنادقة، ومن هؤلاء الأئمة: عبدالله بن المبارك([37])، ويزيد بن هارون([38])، وعبدالوهاب الوراق -صاحب الإمام أحمد-([39]) وغيرهم.([40])
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص209)؛ بعد أن ذكر حديث «من بدل دينه فاقتلوه»([41]): (الجهمية عندنا زنادقة، من أخبث الزنادقة، نرى أن يستتابوا من كفرهم، فإن أظهروا التوبة تركوا...، وإن شهدت عليهم بذلك شهود فأنكروا، ولم يتوبوا قتلوا. كذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب t أنه سن في الزنادقة). اهـ
وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص200): (فرأينا هؤلاء الجهمية، أفحش زندقة، وأظهر كفرا، وأقبح تأويلا لكتاب الله، ورد صفاته فيما بلغنا عن هؤلاء الزنادقة الذين قتلهم علي t وحرقهم... ثم قال: فقال لي المناظر الذي ناظرني: أردت إرادة منصوصة في إكفار الجهمية باسمهم، وهذا الذي رويت عن علي t في الزنادقة!.
فقلت: الزنادقة والجهمية أمرهما واحد، ويرجعان إلى معنى واحد، ومراد واحد، وليس قوم أشبه بقوم منهم بعضهم ببعض، وإنما يشبه كل صنف، وجنس بجنسهم وصنفهم). اهـ
وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «النقض» (ج1 ص580): (الجهمية عندنا أخبث الزنادقة؛ لأن مرجع قولهم إلى التعطيل كمذهب الزنادقة سواء). اهـ
وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «النقض»» (ج2 ص904): (والتجهم عندنا باب كبير من الزندقة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص352): (... وهكذا كان الجهم يقول أولا: إن الله لا كلام له. ثم احتاج أن يطلق أن له كلاما لأجل المسلمين فيقول: هو مجاز؛ ولهذا كان الإمام أحمد، وغيره من الأئمة يعلمون مقصودهم، وأن غرضهم التعطيل، وأنهم زنادقة؛ والزنديق: المنافق. ولهذا تجد مصنفات الأئمة يصفونهم فيها بالزندقة، كما صنف الإمام أحمد «الرد على الزنادقة والجهمية»، وكما ترجم البخاري آخر كتاب الصحيح بــ«كتاب التوحيد والرد على الزنادقة والجهمية»).([42]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص302): (ومن تدبر كلام السلف والأئمة في هذا الباب، علم أن الجهمية النفاة للصفات كانوا عند السلف والأئمة من جملة الزنادقة). اهـ
قلت: وكذلك أهل البدع لا يخلو شيوخهم وكبراؤهم من النفاق والزندقة، ولذلك لما تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية على الفارابي، وابن سينا، وابن سبعين؛ وصفهم بالزندقة.([43])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بغية المرتاد» (ص341): (وبالجملة فقد ذكر الله تعالى من أمور المنافقين في السور المدنية ما يطول ذكره، وعامة ما يوجد النفاق في أهل البدع، فإن الذي ابتدع الرفض كان منافقا زنديقا، وكذلك يقال عن الذي ابتدع التجهم، وكذلك رؤوس القرامطة، والخرمية وأمثالهم لا ريب أنهم من أعظم المنافقين، وهؤلاء لا يتنازع المسلمون في كفرهم). اهـ
قلت: وأعظم منه كلام الإمام ابن قدامة لما تكلم على الأشاعرة لما زعموا أن ما بين دفتي المصحف إنما هو الحبر والورق، وليس فيه من كلام الله شئ قال في «مناظرة في القرآن العظيم» (ص78): (ثم كيف يحل لهم أن يوهموا العامة ما يقوى به اعتقادهم -الذي يزعمون أنه بدعة- من تعظيمهم للمصاحف في الظاهر، واحترامها عند الناس، وربما قاموا عند مجيئها، وقبلوها، ووضعوها على رؤوسهم! ليوهموا الناس أنهم يعتقدون فيها القرآن... وهذا عندهم اعتقاد باطل، فكيف يحل لهم أن يتظاهروا به، ويضمرون خلافه؟!([44]) وهذا هو النفاق في عهد رسول الله r، وهو الزندقة اليوم، وهو: أن يظهر موافقة المسلمين في اعتقادهم، ويضمر خلاف ذلك، وهذا حال هؤلاء القوم لا محالة، فهم زنادقة بغير شك). اهـ
وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص122): (وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده، ويريد القرآن؛ فلا تشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة، فقم من عنده ودعه، واعلم أن الأهواء كلها ردية تدعو كلها إلى السيف، وأردؤها وأكفرها: الروافض، والمعتزلة، والجهمية، فإنهم يردون الناس على التعطيل والزندقة). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبدالرحمن بن حسن / في «الدرر السنية» (ج3 ص215): (أن معنى استوى: استقر، وارتفع، وعلا، وكلها بمعنى واحد، لا ينكر هذا إلا جهمي زنديق، يحكم على الله، وعلى أسمائه، وصفاته بالتعطيل، قاتلهم الله). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج17 ص391)؛ عن ابن قتيبة([45])/: (وابن قتيبة هو من المنتسبين إلى أحمد، وإسحاق، والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة، وله في ذلك مصنفات متعددة... وكان معاصرا لإبراهيم الحربي، ومحمد بن نصر المروزي، وكان أهل المغرب يعظمونه، ويقولون: من استجاز الوقيعة في ابن قتيبة يتهم بالزندقة). اهـ
وقال الإمام حرب الكرماني / في «مسائله» (ص363)؛ عن القدرية المبتدعة: (يزعمون أن إليهم الاستطاعة، والمشيئة، والقدرة، وأنهم يملكون لأنفسهم الخير والشر... وأن العباد يعملون بدئا من أنفسهم من غير أن يكون سبق لهم ذلك في علم الله تعالى، وقولهم يضارع قول المجوسية والنصرانية، وهو أصل الزندقة). اهـ
وقال الإمام حرب الكرماني / في «مسائله» (ص363)؛ عن الجهمية المبتدعة: (أعداء الله تعالى، وهم الذين يزعمون أن القرآن مخلوق، وأن الله تعالى لم يكلم موسى، وأن الله لا يتكلم، ولا يرى، ولا يعرف لله تعالى مكان، وليس لله عرش، ولا كرسي وكلام كثير أكره حكايته، وهم كفار زنادقة أعداء الله تعالى، فاحذروهم). اهـ
وقال الإمام البخاري / في «صحيحه» (ج10 ص401): كتاب التوحيد، والرد على الزنادقة والجهمية، وغيرهم.([46])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء التعارض» (ج5 ص320): (أن يقال: القول بتقديم غير النصوص النبوية عليها، من عقل، أو كشف، أو غير ذلك، يوجب أن لا يستدل بكلام الله تعالى، ورسوله r على شيء من المسائل العلمية، ولا يصدق بشيء من أخبار الرسول r؛ لكون الرسول أخبر به، ولا يستفاد من أخبار الله تعالى، ورسوله r هدى ولا معرفة بشيء من الحقائق، بل ذلك مستلزم لعدم الإيمان بالله تعالى ورسوله r، وذلك متضمن للكفر، والنفاق، والزندقة، والإلحاد، وهو معلوم الفساد بالضرورة من دين الإسلام، كما أنه في نفسه قول فاسد متناقض في صريح العقل، وهذا لازم لكل من سلك هذه الطريق). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء التعارض» (ج5 ص307)؛ بعد أن ذكر كلاما للدارمي في تستر أهل البدع، ومراوغتهم، وإخفائهم بعض ما يعتقدون: (وهذا الذي حكاه عثمان بن سعيد عن هذا الرجل([47]) هو لسان حال أئمة الجهمية المتشيعة، كالقرامطة الباطنية، من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم([48])، وهم رؤوس الملاحدة وأئمتهم([49])، وقد دخل كثير من إلحادهم على كثير من الشيعة والمتكلمين، من المعتزلة، والنجارية، والضرارية، والأشعرية، والكرامية، ومن أهل التصوف، والفقه والحديث والتفسير والعامة.
لكن عامة هؤلاء لا يعتقدون الزندقة، بل يقرون بنبوة الرسول r، لكن دخل فيهم نوع من الإلحاد، وشعبة من شعب النفاق، والزندقة أضعف إيمانهم، وحصل في قلوبهم نوع شك وشبهة في كثير مما جاء به الرسول، مع تصديقهم للرسول r.
وتجدهم في هذا الباب في حيرة واضطراب، وشك وارتياب، لم يحققوا ما ذكره الله تعالى في قوله: ]إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون[ [الحجرات: 15].
ولكن ليس كل من دخل عليه شعبة من شعب النفاق، والزندقة، فقبلها جهلا، أو ظلما، يكون كافرا منافقا في الباطن، بل قد يكون معه من الإيمان بالله، ورسوله ما يجزيه الله عليه، ولا يظلم ربك أحدا).([50]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء التعارض» (ج5 ص321): (وحقيقة هذا سلب الإيمان برسالة الرسول r، وعدم تصديقه، ثم إن لم يقم عنده المعارض المقدم بقى لا مصدقا بما جاء به الرسول r، ولا مكذبا به، وهذا كفر باتفاق أهل الملل، وبالاضطرار من دين الإسلام، وإن قام عنده المعارض المقدم كان مكذبا للرسول r، فهذا في الكفر الذي هو جهل مركب([51])، وذلك في الكفر الذي هو جهل بسيط([52])... ولهذا كان الأصل الفاسد مستلزما للزندقة، والإلحاد في آيات الله وأسمائه، فمن طرده أداه إلى الكفر، والنفاق، والإلحاد، ومن لم يطرده تناقض، وفارق المعقول الصريح، وظهر ما في قوله من التناقض والفساد). اهـ
قلت: وهذا لازم لكل من سلك هذه الطريق، والله المستعان.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بغية المرتاد» (ص338 و339): (ولهذا كان هؤلاء مع تظاهرهم بالإسلام قد يكونون أسوأ حالا من الكافر المظهر كفره من اليهود والنصارى؛ مثلا كما قال تعالى: ]إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما[ [النساء: 145-146].
ومثل هؤلاء المنافقين كفار في الباطن باتفاق المسلمين، وإن كانوا مظهرين للشهادتين والإقرار بما جاء به الرسول r، ومؤدين للواجبات الظاهرة؛ فإن ذلك لا ينفعهم في الآخرة إذ لم يكونوا مؤمنين بقلوبهم باتفاق أئمة المسلمين.
وبهذا يظهر ضعف ما ذكره من أنه لا معنى لزندقة هذه الأمة إلا ما ذكره من الزندقة المقيدة التي هي مذهب الفلاسفة المشائين؛ فإن الزندقة في هذه الأمة وغيرها باتفاق أئمة المسلمين أعم من هذا كما يذكره الفقهاء كلهم في باب توبة الزنديق، وسائر أحكامه، وإن لم يكن لفظ الزنديق واردا في الكتاب والسنة؛ بل معناه عندهم المنافق). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بغية المرتاد» (ص341): (وبالجملة فقد ذكر الله تعالى من أمور المنافقين في السور المدنية؛ كما أومأنا إليه كسورة البقرة، والنساء، والتوبة، والأحزاب، والفتح وغيرها ما يطول ذكره، وعامة ما يوجد النفاق في أهل البدع). اهـ
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
توضيح كلمة «زنديق» في الدين...................................................... |
2 |
2) |
تعريف الزنديق ..................................................................................... |
4 |
([5]) قلت: فالمسلم الفاسق زنديق!، وإن كان مسلما، لأنه ضال، ولأنه يشترك مع الزنديق الأصلي في الإفساد، وأي مفسد، فهو زنديق، وفيه زندقة، سواء كان كافرا، أو مسلما!، والله المستعان.
([8]) وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص134)، و«تاج العروس من جواهر القاموس» للزبيدي (ج6 ص373)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج10 ص175)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ج3 ص250)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج9 ص400)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص471)، و«المغني» لابن قدامة (ج9 ص159)، و«الرد على الجهمية» للدارمي (ص209).
([9]) من نفاق الجماعات الحزبية، كـــ«الإخوانية، والتراثية، والقطبية، والسرورية، والصوفية، والأشعرية، والداعشية، والادنية، والمرجئة، وغيرهم» من أهل النفاق في هذا العصر، والله المستعان.
([10]) وانظر: «المغني» لابن قدامة (ج9 ص159)، و«مناظرة في القرآن الكريم» له (ص50)، و«الإنصاف» للمرداوي (ج10 ص326)، و«حاشية ابن عابدين» (ج4 ص241)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص471)، و«بغية المرتاد» له (ص338)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج12 ص282)، و«الرد على الجهمية» للدارمي (ص209)، و«شرح السنة» للبربهاري (ص122)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز (ج1 ص19)، و«الكواكب الدرية» لابن مانع (ص191)، و«المصطلحات العلمية في شرح العقيدة الطحاوية» للخميس (ص11)، و«الغرر البهية» للأنصاري (ج3 ص444)، و«شرح العقيدة السفارينية» لشيخنا ابن عثيمين (ص380).
([11]) وانظر: «الرسالة الوافية» للداني (ص288)، و«مفتاح دار السعادة» لابن القيم (ج1 ص271)، و«جلاء الأفهام» له (ص415)، و«فتح القدير» لابن الهمام (ج6 ص98)، و«طرح التثريب» للعراقي (ج7 ص181)، و«القواعد الكبرى» للعز بن عبدالسلام (ج1 ص153)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج2 ص308)، و«الفتاوى» له (ج7 ص471)، و«بغية المرتاد» له أيضا (ص338)، و«لوامع الأنوار» للسفاريني (ج1 ص392)، و«الرد على الزنادقة والجهمية» للإمام أحمد (ص169)، و«مناظرة في القرآن الكريم» لابن قدامة (ص50 و51)، و«المنتقى شرح الموطأ» للباجي (ج5 ص281)، و«الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية» جمع الحصين (ص17 و43 و61 و111)، و«فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة» جمع القحطاني (ص16 و43 و121 و189)، و«الاجتماع ونبذ الفرقة» للشيخ الفوزان (ص57 و63 و65)، و«الجهاد» له (ص90 و93).
([12]) وانظر: «شرح العقيدة السفارينية» لشيخنا ابن عثيمين (ص380)، و«مناظرة في القرآن العظيم» لابن قدامة (ص50)، و«الرد على البكري» لابن تيمية (ص356)، و«الإيمان» له (ص203)، و«منهاج السنة» له أيضا (ج2 ص81) و(ج5 ص157) و(ج6 ص370)، و«الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج3 ص1070 و1071)، و«الفوائد» له (ص207)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج13 ص147)، و«الدرر السنية» (ج3 ص294)، و«الرد على الزنادقة والجهمية» للإمام أحمد (ص170).
([16]) ولقد اختلفت أهواء أصحابها بالانتصار -بالحمية الحزبية- للجمعية، أو الحزب، أو الجماعة، أو الإنسان الذي ينتسب لهم؛ لأنه من جمعيته، أو حزبه، أو جماعته حتى وإن كان على خطأ أو خطيئة!!!. والويل أشد الويل لمن لم يكن من جمعيته، أو حزبه، أو جماعته، فإنه لا يجد منه النصرة حتى في ساعة العسرة !!!.
قلت: وكل جمعية تختط لنفسها خطة تأبى على غيرها... أن تنازعها إياها، فهي متمسكة بفهم من أنشأها، وقد تدعي لنفسها أنها بذلك تتمسك بالكتاب والسنة! ولذلك تجد الجمعيات الحزبية المزعومة لا تتعاون مع بعضها إلا لمصلحة ]تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون[ [الحشر:14]؛ لأن كل جمعية من حزب آخر!...بل الجمعية الفلانية تطعن في الجمعية الأخرى؛ كأنها غير إسلامية !.
([18]) تأمل جيدا هذا الكلام ... فلقد تجاوزت هذه الجمعيات المزعومة، واستمرت في عنادها لمصالح حزبية، فالواجب التشهير بها، والتحذير منها ممن عرف حقيقتها، حتى يتجنب الناس طريقهم، وحتى لا يدخل معهم من لا يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه، ويصرفوه عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه، والله ولي التوفيق.
([23]) لأن هذه الجماعات القائمة في عصرنا مرفوضة شرعا، وأنها امتداد للفرق التي انشقت عن جماعة المسلمين بعد عصر الخلافة الراشدة.
ولذلك وإن قلنا بأن هذه الجماعات انشقت عن جماعة المسلمين، وخرجت عنها؛ إلا أنه لا يلزم تكفيرها، وخروجها عن ملة الإسلام، لأن مخالفات هذه الجماعات تختلف في الحكم بالتكفير، أو تضليل فقط دون تكفير، وذلك بحسب بعدها وقربها عن الإسلام.
([25]) وهم اتباع ماني بن فتق بابك المجوسي الثنوي الزنديق؛ صاحب القول بالنور، والظلمة؛ ظهر أيام سابور بن أرد شير ملك الفرس، ولم يتبعه إلا القليل ثم رجع إلى المجوسية دين آبائه.
أحدث دينا بين المجوسية والنصرانية، وقتله بهرام بن هرمز بن سابور، وذلك بعد عيسى ابن مريم عليه السلام.
وانظر: «الملل والنحل» للشهرستاني (ص290)، و«التاريخ» لابن خلدون (ج1 ص256)، و«فهرست» ابن النديم (ص465).
([26]) قلت: فلفظ: «زنديق» قد اتسع معناه إلى حد لا يسمح بتحديده على أهل الإلحاد فقط، بل يطلق على أهل البدع، وبنحوهم من أهل الأهواء.
([28]) قلت: والثنوية: هم الزنادقة، وهؤلاء هم أصحاب الأثنين الأزليين: يزعمون أن النور، والظلمة أزليان قديمان، وهم الذين يعبدون النور، والظلمة.
v فيزعمون أن فعل النور: الخير، والصلاح، والنفع، والسرور!
v وفعل الظلمة: الشر، والفساد، والضرر، والحزن!.
وانظر: «الملل والنحل» للشهرستاني (ص290 و291).
([30]) والزندي: بالفارسي؛ هو المؤول، والمنحرف عن الظاهر، والبين، فلما أن جاءت العرب أخذت هذا المعنى عن الفرس، وقالوا: زنديق.
([31]) وانظر: «الملل والنحل» للشهرستاني (ص278 و290)، و«إثبات الحد لله» للدشتي (ص196)، و«الدرر السنية» (ج3 ص215)، و«الرد على الجهمية والزنادقة» للإمام أحمد (ص52)، و«الرد على المبتدعة» لابن البناء (ص57)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج17 ص391) و(ج12 ص498)، و«منهاج السنة» له (ج4 ص363)، و«الرد على الإخنائي» له أيضا (ص311)، و«المناظرة في القرآن» لابن قدامة (ص50)، و«شرح السنة» للشيخ الفوزان (ص292)، و«المصطلحات العلمية» للخميس (ص11)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص1871).
([35]) وانظر: «توضيح بعض المصطلحات العلمية في شرح العقيدة الطحاوية» للدكتور محمد الخميس (ص11 و12)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج5 ص307 و320)، و«بيان تلبيس الجهمية» له (ج2 ص79 و82)، و«منهاج السنة» له أيضا (ج7 ص9)، و«الرد على المبتدعة» لابن البناء (ص59)، و«مناظرة في القرآن» لابن قدامة (ص87).
([36]) قلت: لأن الزندقة تتفاوت في المخالفين، وذلك على حسب المخالفة الشرعية من معصية، أو بدعة، أو كفر، أو شرك، أو نفاق، اللهم سلم سلم.
قلت: كذلك تتفاوت المعصية، والبدعة في الناس، ويتفاوت الكفر، والشرك، والنفاق في الناس، الكل بحسب قربه، وبعده من السنة وأهلها.
([38]) أخرجه عبدالله في «السنة» (ج1 ص121)، والخلال في «السنة» (ج5 ص90)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص64).
([40]) وكانوا يقولون فيمن قال إن القرآن مخلوق إنه زنديق.
انظر: «الإبانة الكبرى» لابن بطة رقم (57، 256، 268، 289، 400)، و«السنة» للخلال رقم (1938، 1939، 1942، 1985، 1988، 2018، 2025، 2030، 2049)، و«الاعتقاد» للآلكائي (ج2 ص305).
([42]) انظر: «صحيح البخاري» (ج13 ص357) ولفظ «الزنادقة» ليس في شئ مما اطلعت عليه من شروح «صحيح البخاري» التي تذكر النسخ، وعليه فهذه فائدة نفيسة من شيخ الإسلام ابن تيمية /.
قال ابن حجر / في «فتح الباري» (ج13 ص344): (قوله: «بسم الله الرحمن الرحيم»؛ كتاب «التوحيد»؛ كذا للنسفي، وحماد بن شاكر، وعليه اقتصر الأكثر عن الفربري، وزاد المستملي: «الرد على الجهمية وغيرهم» وسقطت البسملة لغير أبي ذر). اهـ
وانظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج15 ص381)، و«عمدة القاري» للعيني (ج20 ص266).
([43]) انظر: «الفتاوى» له (ج12 ص352 و353 و355)، و«منهاج السنة» (ج1 ص321)، و«بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص79).
([44]) لأن أهل البدع يتكتمون على بدعهم فمتى ما استطاعوا أن يدعوا إليها، أو ينشروها بين الناس فعلوا.
قال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص114): (مثل أصحاب البدع مثل العقارب، يدفنون رؤوسهم، وأبدانهم في التراب، ويخرجون أذنابهم، فإذا تمكنوا؛ لدغوا. وكذلك أهل البدع، هم مختفون بين الناس. فإذا تمكنوا، بلغوا ما يريدون). اهـ
([46]) وانظر: «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج10 ص401)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج12 ص352)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص344).
([48]) قلت: فمن رد القرآن، فهو زنديق، ومن رد السنة، فهو زنديق، وهذا لازم لكل من سلك طريق العصاة، والمبتدعة، والله المستعان.
([49]) وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج5 ص157) و(ج6 ص370) و(ج7 ص9): «أن «النصرية» و«الإسماعيلية» من جملة الزنادقة».
([50]) قلت: يريد شيخ الإسلام ابن تيمية / بعض من يعتني بدراسة الحديث، والفقه، والتفسير، وغير ذلك، وهذا يوجد فيمن ينتسب لأهل الحديث من هو مستتر ببدعة، أو انحراف، أو نفاق، أو إلحاد، ويحاول دس بدعته في صفوف أهل السنة من خلال ما ينشره في مؤلفاته أو كلامه، كــ: «الكوثري، والغماري، وأبي غدة، وعبدالرحمن عبدالخالق، وسلمان العودة، وعدنان عرعور، وربيع المدخلي، ويوسف القرضاوي، وعبيد الجابري، وعائض القرني» وغيرهم من أهل البدع الذين ينتسبون إلى العلم، والله المستعان.