الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / التشقيق والتمزيق للمرجئة العصرية؛ لقولهم: بأن الإيمان في اللغة: هو التصديق!
التشقيق والتمزيق للمرجئة العصرية؛ لقولهم: بأن الإيمان في اللغة: هو التصديق!
سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية
|
هذا الكتاب فيه؛ تعريف الإيمان: في اللغة فقط، في (151) صفحة؛ على منهج أهل الحديث |
9 |
للمرجئة العصرية؛ لقولهم:
بأن الإيمان في اللغة: هو التصديق!
حوار
مع: «عبيد بن عبد الله الجابري» لموافقته
لأهل البدع، من: «الجهمية»، و«الكرامية»، و«الأشعرية»، و«الماتريدية»،
في تعريف الإيمان في اللغة، أنه: «التصديق» فقط
تأليف
فضيلة الشيخ المحدث الفقيه
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
أهل السنة والجماعة
في
ردهم على المخالف، يحكمون عليه:
بما تكلم به لسانه، وبما كتبه بيده
قال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن / في «الدرر السنية» (ج4 ص78): (أهل العلم: يبحثون مع المتكلم، ويحكمون بما دل عليه كلامه، من النص، والعموم الظاهر، ولا بحث فيما انطوت عليه الضمائر، وأخفته السرائر؛ بل ذلك أمره إلى الله تعالى، كما يعرفه ذووا العلم والبصائر).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن / في «الدرر السنية» (ج4 ص78): (وقد أجمعوا: على أن لا تخصيص؛ لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله r: بقول أحد، كائنا من كان، إلا سول الله r، وعندهم من الأحكام الثابتة، في الأصول والفروع، بعموم النصوص، ما لا يمكن حصره).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
شيخ الإسلام ابن تيمية /
في
كفر من رفض إجماع الصحابة y، والسلف، وأئمة أهل الحديث،
البين الدلالة في الأصول، والفروع من جهة آثارهم الصحيحة،
لأنه إجماع قطعي الدلالة، أخذوه عن الرسول r،
وهو وحي، يوحى إليه من الله تعالى في الدين
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص204): (وكذلك قوله تعالى ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين[ [النساء: 115]. فإنهما متلازمان؛ فكل من شاق الرسول r من بعد ما تبين له الهدى، فقد اتبع غير سبيل المؤمنين، وكل من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ فقد شاق الرسول r من بعد ما تبين له الهدى.
فإن كان يظن أنه متبع سبيل المؤمنين وهو مخطئ؛ فهو بمنزلة من ظن أنه متبع للرسول r وهو مخطئ.
* وهذه «الآية»: تدل على أن إجماع المؤمنين حجة من جهة أن مخالفتهم مستلزمة لمخالفة الرسول r، وأن كل ما أجمعوا عليه؛ فلا بد أن يكون فيه نص عن الرسول r؛ فكل مسألة يقطع فيها بالإجماع، وبانتفاء المنازع من المؤمنين؛ فإنها مما بين الله تعالى فيه الهدى، ومخالف مثل: هذا الإجماع يكفر، كما يكفر مخالف النص البين)([1]).اهـ
قلت: وهذا هو فصل الخطاب، فيما يكفر به من مخالفة الإجماع، وهو الإجماع القطعي الدلالة، ويعلم يقينا أنه ليس فيه منازع من المؤمنين أصلا، فهذا يجب القطع بأنه الحق، وهذا لا بد أن يكون مما بين فيه الرسول r الهدى، مثل: مسائل الإيمان؛ من الأعمال المفروضة، والمستحبة في الدين. ([2])
قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
وقال تعالى: ]ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا[ [النساء: 60-61].
وقال تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء: 65].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص203): (والمقصود هنا: أن كل ما نفاه الله تعالى، ورسوله من مسمى أسماء الأمور الواجبة: كاسم الإيمان، والإسلام، والدين، والصلاة، والصيام، والطهارة، والحج، وغير ذلك؛ فإنما يكون لترك واجب من ذلك المسمى، ومن هذا، قوله تعالى: ] فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [[النساء: 65].
* فلما نفى الإيمان حتى توجد هذه الغاية دل على أن هذه الغاية، فرض على الناس؛ فمن تركها كان من أهل الوعيد، لم يكن قد أتى بالإيمان الواجب الذي وعد أهله بدخول الجنة بلا عذاب، فإن الله تعالى إنما وعد بذلك من فعل ما أمر به، وأما من فعل بعض الواجبات وترك بعضها؛ فهو معرض للوعيد.
* ومعلوم باتفاق المسلمين أنه يجب «تحكيم الرسول» في كل ما شجر بين الناس في أمر دينهم ودنياهم؛ في أصول دينهم وفروعه، وعليهم كلهم إذا حكم بشيء ألا يجدوا في أنفسهم حرجا مما حكم، ويسلموا تسليما).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
لا يصلى خلف المرجئة العصرية
1) عن الإمام يزيد بن هارون / قال: (من كان داعية إلى الإرجاء، فإن الصلاة خلفه تعاد).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج5 ص994) من طريق محمد بن صالح بن هانئ قال: أخبرنا أبو سعيد محمد بن شاذان قال: سمعت محمد بن أسلم يقول: سمعت يزيد بن هارون به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
2) وعن أبي داود سليمان بن الأشعث قال: قلت: لأحمد: يصلى خلف المرجئ؟ قال: (إذا كان داعية، فلا يصلى خلفه).
أثر صحيح
أخرجه أبو داود في «المسائل» (ص43)، والخلال في «السنة» (ج4 ص51) من طريق أبي بكر المروذي، وأبي داود، وأحمد بن أصرم المزني به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
3) وعن الإمام أحمد / قال: (لا يصلى خلف من زعم أن الإيمان قول إذا كان داعية).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (ج4 ص51) من طريق حرب بن إسماعيل الكرماني قال: سمعت أحمد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
4) وعن الإمام أحمد / قال: (لا يصلى خلف مرجئ).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (ج4 ص52) من طريق محمد بن موسى أن أبا الحارث الصائغ، حدثهم؛ قال: قال: أبو عبد الله به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
5) وعن الإمام أحمد / قال: (المرجئ إذا كان يخاصم، فلا يصلى خلفه).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (ج4 ص52) من طريق أبي بكر المروذي قال: سمعت أبا عبد الله به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
6) وعن الإمام أحمد / قال: (لا يصلى خلف المرجئة يريد: على الجنازة).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (ج4 ص52) من طريق محمد بن جعفر؛ أن أبا الحارث الصائغ، حدثهم؛ أن أبا عبد الله به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
وبالله أستعين، وحسبي الله ونعم الوكيل
الـمقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله r، وعلى آله، وصحبه، وسلم.
أما بعد،
فإن الحق أبلج، والباطل لجلج؛ ومع هذا، فإن: «ربيع بن هادي المدخلي»، و«عبيد بن عبد الله الجابري»، وأتباعهما، المميعة، قد صموا آذانهم عن سماع الحق واتباعه، واستمتعوا بالمنهج المميع المخالف للكتاب، والسنة النبوية، ومنهج السلف، ودافعوا عنه، فأتوا بالدعاوي الباطلة المميعة، والجهل المطبق، وما يقع منشبهات عقلية سقيمة، أو علمية واهية؛ يذيعونها في الشباب المسكين ليبرروا واقعهم المخالف لشرع الله تبارك وتعالى، فكان هذا سببا في وقوعهم في البدع المضلة، وكبائر الذنوب: من مخالطتهم لأهل الأهواء، والإفتاء بالباطل، والكذب في الدين، والقول في الدين بغير علم، وغير ذلك.
ولقد أخبرهم الله تعالى أن يجتنبوا كبائر الذنوب في كتابه، وترك البدع، والتفرق.
فقال تعالى: ]إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما[ [النساء:31].
وقال تعالى: ]الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم[ [النجم:32].
قلت: فانتشرت بسبب هؤلاء المخالفين، لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، ومنهج السلف: الفتن بين الشباب، وما عم في هذا الوقت من المحن، وما يعانيه المنهج السلفي من انطماس الكثير من معالمه، وهجر تعاليمه التي جاء بها رسول هذه الأمة r، وما آل إليه حال الشباب من ضياع وتشتت، وانصباب الفتن عليهم، كل هذا بسبب بعد هؤلاء الذي ينتسبون إلى المنهج السلفي زورا، وبهتانا، وأنهم أصحاب دعوى، وإرشاد إلى الحق، وهم: بعيدون عنه كل البعد، وهؤلاء ينظر لهم بعض الجهلة على أنهم القدوة، فيقلدوهم، ويحتجون بقولهم!.
* وهؤلاء الناس تركوا آيات كثيرة في الحث على الاستقامة؛ كقوله تعالى: ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر[ [الأحزاب:21]، وقوله تعالى: ]قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله[ [آل عمران:31]، وقوله تعالى: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله[ [الأنعام:153]، وهذا الصراط ما كان عليه r، وأصحابه y فمن حاد عنه زاغ.
قلت: فهؤلاء اتبعوا أهواءهم في دين الله: بمؤازرة الأهواء بعلم منهم، حتى وقعوا في ما حذرنا بوجوده النبي r حيث؛ قال ابن مسعود t: (خط رسول الله r خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيما وخط عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا وعليه شيطان يدعو إليه؛ ثم قرأ: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله[ [الأنعام:153]). ([3])
قلت: وحامل وزر هذا «الفرقة»، هو الرجل الثاني فيها، هو «عبيد الجابري»، الذي طفق ينشر ضلالات: «ربيع المدخلي» في البلدان، من ذلك: «الإرجاء الخبيث».
* ولذلك كثر كذبه، وتدليسه، وتلبيسه على الجهلة، وتلاعبه بعقولهم، فانظروا إلى أي هوة سقط هذا الرجل، ولقد اغتر به الذين يعانون من قلة الدين، والمنهج، والله المستعان.
قلت: وقد اضطرب «الجابري»؛ اضطرابا شديدا، في أمر مخالفاته، وضلالاته.
كل ذلك يبين أن الرجل يجازف في أحكام الدين([4])، ولم يتقن معتقد أهل السنة والجماعة في مسائل الإيمان وغيرها، وإلا لماذا هذا الاضطراب([5]) والتناقض، ومقالاته تدل على ذلك.
* وقد خاض وحده في معتقد أهل السنة، ولم يكن فيه عنده علم، بل لم يكلف نفسه إلى الآن أن يرجع إلى علماء الحرمين؛ فيسألهم عن دينه في الأصول والفروع: قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43]، فهذا الرجل في رأسه عناد مفرط أهلكه، وأهلك أتباعه المتعصبة لباطله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قلت: وهؤلاء الربيعيون المتعالمون: لم يكلفوا أنفسهم بالبحث لمقالات: «الجابري»، حتى يعرفوا كذبه، وتدليسه، وتلبيسه، وتلاعبه بعقولهم، بل يعرفوا خطورة ما تفوه به في معتقد أهل السنة والجماعة.
قلت: فالرجل أكثر التلبيس على أتباعه، مع علمه بخطئه، وكتمانه، فهو لم يقتصر على الكتمان، بل سلك مسلك علماء أهل الكتاب في التلبيس، كما بين أمرهم الله؛ في قوله تعالى: ]يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون[ [آل عمران:71]، ونهاهم عن ذلك؛ بقوله تعالى: ]ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون[ [البقرة:42].
قال الإمام ابن القيم / في «النونية» (ص294):
لا تلبســـوا الحـــق الذي جاءت به |
|
|
سنن الرســــول بأعظـــــم البطــــــــــــــلان |
* لكن حال الربيعيين على ما قاله الشاعر:
كبهيمــــة عميــــاء قاد زمامها أعمى |
|
|
عـــلى عـــــــــــوج الطـــــــريق الجــــــائر([6]) |
* قال أبو عبد الرحمن الأثري:
تعـــــس العمـــــي «الجابري»، فإنـه |
|
|
قــــد كــــــان مجموعــــا لــــه العميـــــــان |
قلت: فتصورهم، وظنهم: أنهم: خير أهل الأرض، وأنهم: أعلم أهل الأرض، وأنهم: أورع اهل الأرض.
قال تعالى: ]تبصرة وذكرى لكل عبد منيب[ [ق:8].
وقال تعالى: ]وما يتذكر إلا من ينيب[ [غافر:13].
وقال تعالى: ]سيذكر من يخشى[ [الأعلى:10].
وقال تعالى: ]وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون[ [الأعلى:10].
وقال تعالى: ]إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب[ [يس:11].
وقال تعالى: ]ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم[ [الأنفال:23].
وقال تعالى: ]لتولوا وهم معرضون[ [الأنفال:23].
وقال تعالى: ]صم بكم عمي فهم لا يرجعون[ [البقرة:18].
وقال تعالى: ]وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى[ [فصلت: 17].
وقال تعالى: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم[ [الصف:5].
وقال تعالى: ]فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور[ [الحج:46].
قال الإمام ابن القيم / في «النونية» (ص320)
يـــــا قــــــوم فانتبهــــوا لأنفســــكم |
|
|
وخلــــوا الجهـــل والدعوى بلا برهـــــان |
مــــا في الرياســــة بالجهالــــــــة غير |
|
|
ضحــكة عاقـــــل منكم مدى الأزمـــــــان |
لا ترتضـــــوا برياســــة البقــــر التي |
|
|
رؤســـــاؤهـــــا مــــــــن جمـــــــلة الثيران |
وقال الإمام ابن القيم / في «النونية» (ص304)
والجهــــــل داء قاتـــــل وشفــــــاؤه |
|
|
أمــــــران في التركيب متفقــــــــــــان |
نص مــن القــــــرآن أو مـــن سنـــــة |
|
|
وطبيب ذاك العـــــــــــالم الربـــــاني |
وقال الإمام ابن القيم / في «النونية» (ص314)
لكـــن إلى أرض الجهـــــالة أخلدوا |
|
|
واستسهـــــلوا التقليـــد كالعميــــان |
لم يبذلـــــوا المقــــدور في إدراكهم |
|
|
للحــــق تهوينـــــا بهـــــذا الشـــــان |
وقال الإمام ابن القيم / في «النونية» (ص287)
والله لـــــــو حدقتـــــــــم لـــــــــرأيتم |
|
|
هــــــــذا وأعظــــم منه رأي عيـــــان |
لكــــن على تلك العيــــــون غشاوة |
|
|
مــــا حيلة الكحــــــال في العميــــان |
قلت: فلا بد إذا أن يحمل أهل الأثر على أناملهم أقلام النصرة، بكلمة حق يخر لها الباطل صعقا، ولتفضح المبطل، تحذيرا من فتنه، ودفعا لمنهجه الباطل.
وهذا الدفاع كفاحا، لنصرة السنة النبوية، ومعتقد السلف الصالح، اللهم سدد.
قال أبو عبدالرحمن الحميدي الأثري:
لأجـــــــاهدن في الله المرجئــــــــــة |
|
|
ولأهتكــــــــــــــن أستـــــــــارهم ببيــــــــان |
ولأنصــــــــرن سنـــــــة رســـــــولك |
|
|
بكــــــــــــــــــــل دليــــــــــــل وبرهــــــــــان |
أنــــا في قلوب المرجئة قرحـــــــــة |
|
|
أسطـــــــــوا عليها فأمزقهــــــا بطعـــــــــان |
ولقـــــــــد برزت إلى رؤوســـــــكم |
|
|
حتى أثلــــــــــــب حزبكـــــــم بلســــــــاني |
ولأقعــــــدن لهم مراصــــدكيدهــم |
|
|
ولأحصرنهـــــــم على قــــــدر الإمكــــان |
أنــــــا في كبود حزبكـــــم نقمــــــــــة |
|
|
ولأهتـــــــــــك ستركـــــــــم مـــا أبقـــــاني |
لتعلمـــــــوا مــا بضاعتكــــــــم التي |
|
|
حصلتموهـــــــــا في سالـــــــف الأزمــــان |
إلا الوبــــــال عليكم والحســــرات |
|
|
والخســــــران عند الوضـــع في الميـــزان |
قيل وقـــــال مـــاله من حاصـــــــــل |
|
|
إلا العنـــــــاء والعنـــــاد في الأذهــــــــــان |
الله أكبر ذا عقــــــــــوبة تـــــــــــــارك |
|
|
الوحيين لآراء الرجــــــــــال والهذيـــــــان |
وأنـــــا المحب لأهــــل سنة محمد |
|
|
وأنا الأثري الحميدي وعندي سيفان مسلولان |
وسل عن بني حميد كيف حروبهم |
|
|
يـــــــوم الهيــــــاج إذا التقى الزحفـــــــــان |
* وجملة القول: أن هذا الرجل لا يعتد بنقله ولا بعلمه، ومن يراجع مقالاته المخلطة في شروحه، وكتبه المخلطة، يتحقق له صدق ما قلناه.
فمن أجل ما ينشر هذا المميع من الباطل، دعت الحاجة إلى الرد ولنصرة الحق المبين.
واعلم رحمك الله: أن «المرجئة العصرية» في هذا الزمان، قد أصلت أصولا فاسدة في مسائل الإيمان، وزعمت أن هذه الأصول، هي: أصول السلف الصالح في الدين!.
* وقد استدلت على أصولها الباطلة، بشبهات لغوية تفسيرية، وبشبهات زعمت أنها علمية نقلية، وبشبهات تعليلية عقلية.
* من ذلك: قولها، أن «الإيمان» في اللغة: هو «التصديق»، وإن «الإيمان» مرادفا: «للتصديق» في المعنى، وأن هذا التعريف عليه السلف الصالح.
وهذا القول باطل بلا شك، والرد عليه من وجوه:
1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص322)؛ في معرض رده على الباقلاني: (إن دعواه أن الإيمان في اللغة: هو «التصديق»، لم يؤيدها بشاهد من كلام العرب، وإنما دعمها بما ينقض دعواه؛ وذلك أنه قال: «ومنه قولهم: فلان مؤمن بالشفاعة، وفلان لا يؤمن بعذاب القبر، وهذا قطعا ليس من ألفاظ العرب قبل نزول القرآن). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص548): (مثال ذلك: أن «المرجئة» لما عدلوا عن معرفة كلام الله تعالى، ورسوله r، أخذوا يتكلمون في مسمى «الإيمان»، و «الإسلام»، وغيرهما: «بطرق ابتدعوها»، مثل: أن يقولوا: «الإيمان في اللغة»: هو «التصديق»، والرسول r إنما خاطب الناس بلغة العرب لم يغيرها، فيكون مراده بالإيمان «التصديق»؛ ثم قالوا: و«التصديق» إنما يكون بالقلب واللسان، أو بالقلب، فالأعمال ليست من الإيمان، ثم عمدتهم في أن الإيمان: هو «التصديق»، قوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف:17]؛ أي: بمصدق لنا!).اهـ
2) ومما يدل على عدم الترادف: أنه يقال، للمخبر إذا «صدق»: «صدقه»([9])، ولا يقال: «آمنه»، ولا «آمن به»؛ بل يقال: «آمن له»، كما: قال تعالى: ]فآمن له لوط[ [العنكبوت: 26]، وقال تعالى: ]فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف[ [يونس: 83]، وقال تعالى: ]يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين[ [التوبة: 61].
قلت: ففرق بين المعدى: «بالباء»، والمعدى «باللام».([10])
فالأول: يقال للمخبر به.
والثاني: للمخبر.
* فكان تفسير: «الإيمان»، بأقررت: أقرب من تفسيره، بصدقت، مع الفرق بينهما، ولأن الفرق بينهما ثابت في المعنى.
قلت: فألفاظ الشرع إذا فسرها النبي r، لا يحتج، بأهل اللغة، ولا بغيرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص544): (ومما أن يعلم: أن الألفاظ الموجودة في القرآن، والحديث: إذا عرف تفسيرها، وما أريد بها من جهة النبي r، لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال؛ بأقوال أهل اللغة، ولا غيرهم).اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص550): (أنه يقال للمخبر إذا: «صدقته»: صدقه، ولا يقال: «آمنه»، ولا «آمن به»، بل يقال: «آمن له»، كما قال تعالى: ]فآمن له لوط[ [العنكبوت: 26]، وقال تعالى: ]فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه[ [يونس: 83]، وقال فرعون: ]آمنتم له قبل أن آذن لكم[ [الشعراء: 49]، وقالوا لنوح: ]أنؤمن لك واتبعك الأرذلون[ [الشعراء: 111]، وقال تعالى: ]قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين[ [التوبة: 61]، فقالوا: ]أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون[ [المؤمنون: 47]، وقال تعالى: ]وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون[ [الدخان:21]).اهـ
3) أنه ليس مرادفا للفظ: «التصديق» في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: «صدقت»، كما يقال: «كذبت»؛ فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: «صدق»، كما يقال: «كذب»، وأما لفظ: «الإيمان»، فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام: أن من أخبر عن مشاهدة؛ كقوله: طلعت الشمس، وغربت، أنه يقال: «آمناه»، كما يقال: «صدقناه»، ولهذا المحدثون والشهود ونحوهم؛ يقال: «صدقناهم»؛ وما يقال: «آمنا لهم»؛ فإن الإيمان: مشتق من: «الأمن»؛ فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر، كالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المخبر؛ ولهذا لم يوجد قط في القرآن، وغيره لفظ: «آمن له»، إلا في هذا النوع؛ والاثنان إذا اشتركا في معرفة الشيء يقال: صدق أحدهما صاحبه، ولا يقال: «آمن له»، لأنه لم يكن غائبا عنه ائتمنه عليه. ([11])
4) أن لفظ الإيمان في اللغة: لم يقابل بالتكذيب كلفظ: «التصديق»، فإنه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: «صدقت»، أو «كذبت»، ويقال: «صدقناه»، أو «كذبناه»، ولا يقال لكل مخبر: «آمنا له»، أو «كذبناه»؛ ولا يقال: «أنت مؤمن له»، أو «مكذب له»؛ بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر. يقال: «هو مؤمن أو كافر»، والكفر: لا يختص بالتكذيب؛ بل لو قال: أنا أعلم إنك صادق لكن لا أتبعك، بل أعاديك، وأبغضك، وأخالفك، ولا أوافقك، لكان كفره أعظم؛ فلما كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط، علم أن الإيمان ليس هو: «التصديق» فقط، بل إذا كان الكفر، يكون تكذيبا، ويكون مخالفة، ومعاداة، وامتناعا بلا تكذيب؛ فلا بد أن يكون الإيمان تصديقا، مع موافقة، وموالاة، وانقياد، لا يكفي مجرد التصديق.([12])
قلت: لذلك يجب من الإيمان بالرسول r، فيجب الإيمان: «به»، و«له» r، فلا بد أن يعرف هذا.
* فالرسول r يجب أن «يؤمن به»، و«يؤمن له»، فالإيمان به من حيث ثبوته، غيب عنا أخبرنا به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص553): (وهو نفسه يجب أن: «يؤمن به»، و«يؤمن له» r.
* فالإيمان به من حيث ثبوته غيب عنا أخبرنا به... وأما ما يجب من الإيمان له، فهو الذي يوجب طاعته.
* والرسول r يجب الإيمان: «به»، و«له»، فينبغي أن يعرف هذا، وأيضا؛ فإن طاعته: طاعة لله تعالى، وطاعة الله تعالى، من تمام الإيمان به).اهـ
* فكان تفسير الإيمان: بـ«أقررت» أقرب من تفسيره: «صدقت»، مع الفرق بينهما، ولأن الفرق بينهما ثابت في المعنى. ([13])
قلت: إذا؛ فإن الإيمان ليس مرادفا: «للتصديق» في المعنى.
فإن كان مخبرا عن مشاهدة، أو غيب؛ فيقال: له في اللغة: «صدقت»، كما يقال: له «كذبت»، فعكس: «صدقت»، «كذبت».
* لكن ليس كلمة: «مؤمن»، مرادفة: «لمصدق»، فمن قال: «السماء فوقنا»، قيل له: «صدقت»، كما يقال: «كذبت».
قلت: وأما لفظ الإيمان: فلا يستعمل، إلا في الخبر عن غائب؛ يعني: إذا عندما تقول: «صدق»، قد يخبر: بخبر عن شيء مشاهد، ومحسوس، وقد يخبر بشيء غيبي.
* لكن لما نقول: «آمن»، فلا تستعمل هذه الكلمة في اللغة: إلا في «التصديق» في الأمور الغيبية، ولا تستعمل كلمة: «آمن»، في «التصديق» بالأمور المحسوسة، والمشاهدة.
* ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص551)؛ لم يوجد في الكلام، أن من أخبر عن مشاهدة، كقوله: طلعت الشمس، غربت، أن يقال: «آمناه»، كما يقال: «صدقناه».
* فإن: «الإيمان»، مشتق من: «الأمن»، فإنما يستعمل فيما يؤتمن عليه المخبر، كالأمر الغائب الذي يؤمن عليه المخبر.
قلت: ولهذا لم يوجد قط في القرآن، وغيره، لفظ: «آمن له»، إلا في هذا النوع.
وهو الإيمان: بالوحي، وبالغيب، والإيمان بالنبي r الذي يوحى إليه، وهكذا.
ثانيا: أن لفظ: «الإيمان» في اللغة، لم يقابل «بالتكذيب».
فـ«آمن» ليس عكسها: «كذب»، كلفظ: «التصديق»، فتقول مثلا: «صدق»، أو «كذب».
فإنه من المعلوم في اللغة: أن كل مخبر، يقال: له «صدقت»، أو «كذبت»، ويقال: له «صدقناه»، أو «كذبناه»، ولا يقال: لكل مخبر: «آمنا له»، أو «كذبناه».
ولا يقال: أنت «مؤمن له»، أو «مكذب له».
قلت: بل المعروف في مقابلة: «الإيمان» لفظ: «الكفر»، يقال: «مؤمن» أو «كافر».
إذا «الكفر»، لا يختص: «بالتكذيب».
قلت: هاتان، نقطتان، مهمتان في تعريف: «الإيمان»، ومفهوم: «الإيمان» الصحيح في اللغة العربية.
* فيتضح لنا: أن «العلم»، و«المعرفة»، و«التصديق»؛ أي: قول القلب، إن لم يصاحب ذلك: «الانقياد»، و«الاستسلام»، و«الخضوع»، وهو عمل القلب، و«الجوارح»، لم يكن المرء مؤمنا.
قلت: بل تصديق هذا، شر من عدمه، لأنه ترك: «الانقياد»، مع أنه يعلم، وعنده معرفة، وهذا كفر عن علم. ([14])
قلت: والله تعالى شهد على قلوب اليهود، مع أنهم يعرفون الرسول r، وما أنزل إليه، كما يعرفون أبناءهم.
* فمن جهة: «المعرفة»، فاليهودي كان في قلبه: «معرفة» أن هذا رسول الله r؛ إذا: جعل، هو مسلم، أو كافر، هو: كافر، مع أنه يعرف، لكنه لم ينقاد. ([15])
فإن من الأدلة التي تدل على أن: «التصديق» لا ينفع، وكذلك: «المعرفة»، عند الله تعالى، إذا لم يكن هناك: «انقياد».
قلت: وإبليس معترف بالله تعالى، وأن الله هو الخالق، كما قال تعالى: ]خلقتني من نار[ [ص:76].
* فإبليس معترف: أن الله تعالى هو الذي خلقه، وأنه خلقه من نار، وأن لله تعالى العزة، وأنه حلف بها، قال تعالى: ]فبعزتك لأغوينهم أجمعين[ [ص:82].
وأثبت صفة العزة لله تعالى، فهل إبليس مؤمن، أو كافر؟، هو: كافر، لماذا؟ لأنه لم يخضع لله تعالى، ولم يستجب، وينقاد للأوامر، ويستسلم، ويسجد لآدم، فما نفعته معرفته فقط. ([16])
* والنبي r بين كيفية: «التصديق»، و«المعرفة» بـ«لا إله إلا الله»([17])، التي لا بد معها: من «الانقياد»، و«الإخلاص»، و«اليقين»، و«التصديق» بها.
* فقال النبي r: (من قال وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (26)، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (1113)، و(1114)، و(1115)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص65 و69)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص6)، وابن منده في «الإيمان» (32) من طريق الوليد بن مسلم أبي بشر قال: سمعت: حمران بن أبان بقول: سمعت عثمان بن عفان t به.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (5827) عن أبي ذر t، بلفظ: (ما من عبد قال: لا إله، إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة).
* وهناك أحاديث، وجدنا فيها ألفاظ مهمة جدا.
* مثل: قوله r: (من شهد أن لا إله، إلا الله مخلصا من قلبه، دخل الجنة).
أخرجه أحمد في «المسند» (22060)، والحميدي في «المسند» (369)، وابن حبان في «صحيحه» (200)، وابن منده في «الإيمان» (111)، و(112)، والطبراني في «المعجم الكبير» (1636) عن جابر بن عبد الله t.
وإسناده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (2355).
* وقوله r: (صدقا من قلبه؛ إلا حرمه الله على النار).
أخرجه البخاري في «صححيه» (128) عن أنس بن مالك t.
* وقوله r: (لا يلقى الله بهما عبد، غير شاك، إلا دخل الجنة).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (27)؛ عن أبي هريرة t.
* وقوله r: (فمن لقيت من وراء هذا الحائط: شهد أن لا إله، إلا الله، مستيقنا بها قلبه، فبشره بالجنة).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (31).
قلت: فهذه الروايات، تدل دلالة، واضحة، على أنه لا بد من هذه الشروط في: «لا إله إلا الله»، وهي: «اليقين»، و«عدم الشك»، و«الإخلاص»، و«الصدق»، و«الانقياد».([18])
قال الإمام ابن بلبان / في «الإحسان» (ج1 ص431)؛ ذكر: البيان، بأن الجنة: إنما تجب لمن شهد الله تعالى، بالوحدانية، وكان ذلك عن يقين من قلبه، لا أن الإقرار بالشهادة يوجب الجنة للمقر بها دون أن يقر بها بالإخلاص.
وقال الإمام ابن بلبان / في «الإحسان» (ج1 ص430)؛ ذكر: البيان بأن الجنة: إنما تجب لمن أتى بما وصفنا عن يقين من قلبه، ثم مات عليه.
وقال الحافظ القرطبي / في «المفهم» (ج1 ص204): (باب: لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب؛ هذه الترجمة تنبيه على فساد: «مذهب المرجئة» القائلين: بإن التلفظ بالشهادتين: كاف في الإيمان، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده، بل هو: مذهب معلوم الفساد من الشريعة، لمن وقف عليها، ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق، بالإيمان الصحيح، وهو باطل قطعا).اهـ
قلت: فلا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب، والإخلاص، والعلم، وعدم الشك، والانقياد، والعمل. ([19])
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج2 ص471): (وقد اعترض على استدلالهم بأن الإيمان في اللغة عبارة عن: «التصديق» بمنع الترادف بين التصديق والإيمان، وهب أن الأمر يصح في موضع، فلم قلتم: إنه يوجب الترادف مطلقا؟ وكذلك اعترض على دعوى الترادف بين الإسلام والإيمان، ومما يدل على عدم الترادف: أنه يقال للمخبر إذا صدق: «صدقه»، ولا يقال: «آمنه»، ولا: «آمن به»، بل يقال: «آمن له»، كما: قال تعالى: ]فآمن له لوط[ [العنكبوت: 26]، وقوله تعالى: ]فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه[ [يونس:83]، وقال تعالى: ]يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين[ [التوبة: 61]، ففرق بين المعدى: «بالباء»، والمعدى: «باللام»، فالأول: يقال للمخبر به، والثاني: للمخبر، ولا يرد كونه يجوز أن يقال: «ما أنت بمصدق لنا»، لأن دخول: «اللام»، لتقوية العامل، كما إذا تقدم المعمول، أو كان العامل اسم فاعل، أو مصدرا، على ما عرف في موضعه.
* فالحاصل: أنه لا يقال قط: «آمنته»، ولا: «صدقت له»، وإنما يقال: «آمنت له»، كما يقال: «أقررت له»، فكان تفسيره: «بأقررت»، أقرب من تفسيره: «بصدقت»، مع الفرق بينهما، ولأن الفرق بينهما ثابت في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب، يقال له في اللغة: «صدقت»، كما يقال له: «كذبت»، فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: «صدقت».
* وأما لفظ الإيمان، فلا يستعمل إلا في الخبر عن الغائب، فيقال لمن قال: طلعت الشمس، «صدقناه»، ولا يقال: «آمنا له»، فإن فيه أصل معنى: «الأمن»، و«الائتمان» إنما يكون في الخبر عن الغائب، فالأمر الغائب هو الذي يؤتمن عليه المخبر، ولهذا لم يأت في القرآن وغيره لفظ: «آمن له»، إلا في هذا النوع، ولأنه لم يقابل لفظ الإيمان قط بالتكذيب كما يقابل لفظ: «التصديق»، وإنما يقابل بالكفر، والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق، ولكن لا أتبعك، بل أعاديك وأبغضك وأخالفك، لكان كفره أعظم، فعلم أن الإيمان ليس هو: «التصديق» فقط، ولا الكفر: هو التكذيب فقط، بل إذا كان الكفر يكون تكذيبا، ويكون مخالفة، ومعاداة بلا تكذيب، فكذلك الإيمان، يكون تصديقا، وموافقة، وموالاة، وانقيادا، ولا يكفي مجرد التصديق). اهـ
قلت: ولأنه لم يقابل لفظ الإيمان: قط، بالتكذيب، كما يقابل لفظ التصديق، وإنما يقابل بالكفر. ([20])
*والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق، ولكن لا اتبعك، بل أعاديك، وأبغضك، وأخالفك، لكان كفره أعظم.
* فعلم أن الإيمان: ليس هو «التصديق» فقط، ولا الكفر: هو التكذيب فقط.
بل إذا كان الكفر يكون تكذيبا، ويكون مخالفة، ومعاداة بلا تكذيب.
* فكذلك الإيمان: يكون تصديقا، وموافقة، وموالاة، وانقيادا، ولا يكفي مجرد التصديق. ([21])
* إذا فالتفسير الصحيح؛ لقوله تعالى: خبرا عن إخوة يوسف: ]وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين[ [يوسف:17]؛ معناه: أنك لا تقر بخبرنا، ولا تثق به، ولا تطمئن إليه، ولو كنا صادقين، لأنهم: لم يكونوا عنده ممن يؤتمن على ذلك، فلو صدقوا لم يأمن لهم. ([22])
قلت: وهذا القدر هو: الذي خفي على من جعل الإيمان: هو «التصديق»!.
قال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص45): (فالتصديق: إنما يتم بأمرين: لا يكون المرء مصدقا؛ إلا بهما جميعا:
أحدهما: اعتقاد الصدق. ([23])
والثاني: محبة القلب، وانقياده.
* ولهذا قال تعالى؛ لإبراهيم: ]يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا[ [الصافات:104].
وإبراهيم عليه السلام: كان معتقدا لصدق رؤياه من حين رآها، فإن رؤيا الأنبياء وحي، وإنما جعله مصدقا، لها بعد أن فعل ما أمر به.
* وكذلك؛ قوله r: «والفرج يصدق ذلك، أو يكذبه»([24])، فجعل التصديق عمل الفرج، لا ما يتمنى القلب، والتكذيب تركه لذلك، وهذا صريح في أن: «التصديق»، لا يصح إلا بالعمل).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص44)؛ عن اليهود: (فهؤلاء قد أقروا بألسنتهم: إقرارا، مطابقا؛ لمعتقدهم أنه نبي، ولم يدخلوا بهذا «التصديق»، والإقرار في الإيمان؛ لأنهم لم يلتزموا طاعته، والانقياد لأمره.
* ومن هذا كفر: «أبي طالب»، فإنه عرف حقيقة المعرفة: أنه صادق، وأقر بذلك بلسانه، وصرح به في شعره، ولم يدخل بذلك في الإسلام.
* فالتصديق إنما يتم بأمرين:
أحدهما: اعتقاد الصدق، والثاني: محبة القلب وانقياده).اهـ
قلت: والمعنى الصحيح، للإيمان في اللغة: هو الإقرار القلبي، ويكون الإقرار: باعتقاد القلب، أي: تصديقه بالأخبار، وعمل القلب؛ أي: إذعانه، وانقياده، للعمل، والأوامر. ([25])
* وهذا التعريف للإيمان: عليه أئمة الحديث، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية /، حيث بين معنى الإيمان اللغوي، وهذا من آرائه السديدة، واختياراته الموفقة؛ حيث اختار؛ معنى: «الإقرار» للإيمان.
قلت: لأنه رأى أن لفظة: «أقر» أصدق في الدلالة، والبيان، على معنى: الإيمان الشرعي، من غيرها، لأدلة علمية.
* ورد بتحقيق علمي، قول من ادعى: أن الإيمان: هو التصديق، أو هو مرادف للتصديق، وذكر فروقا بينهما، تمنع دعوى الترادف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291): (ومعلوم: أن الإيمان: هو «الإقرار»؛ لا مجرد «التصديق»، و«الإقرار»: ضمن قول القلب: الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو: الانقياد). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291): (فكان تفسيره؛ يعني: الإيمان، بلفظ «الإقرار»، أقرب من تفسيره؛ بلفظ: «التصديق»؛ مع أن بينهما فرقا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291)؛ في رده على من ادعى الترادف بين الإيمان، والتصديق: (إنه؛ يعني: الإيمان، ليس مرادفا للتصديق في المعنى.
* فإن كل مخبر عن مشاهدة، أو غيب، يقال له في اللغة: «صدقت»، كما يقال: «كذبت».
فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: «صدقت»، كما يقال: «كذب»، وأما لفظ الإيمان: فلا يستعمل؛ إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام، أن من أخبر عن مشاهدة؛ كقوله: طلعت الشمس، وغربت، أنه يقال: «آمناه»، كما يقال: «صدقناه».
* ولهذا؛ المحدثون، والشهود، ونحوهم، يقال: «صدقناهم»، وما يقال: «آمنا لهم»؛ فإن الإيمان مشتق من: «الأمن»، فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر؛ كالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المخبر.
ولهذا لم يوجد قط في القرآن، وغيره، لفظ: «آمن له»؛ إلا في هذا النوع).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص357): (لكن دعواكم: أن الإيمان هو: «التصديق»، وإن تجرد عن جميع أعمال القلوب، غلط).اهـ
قلت: و«الإقرار» هذا: هو الإلتزام بالدين، وليس هو مجرد: التصديق، فلفظ؛ «الإقرار»: يتناول الإلتزام، والتصديق([26])، ولا بد منهما في الإيمان. ([27])
قال تعالى: ]وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين[ [آل عمران: 81].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص708): (إلا أن يقال: أراد تصديق القلب واللسان جميعا، مع «المعرفة»، و«الإقرار»؛ ومراده «بالإقرار» الالتزام لا التصديق؛ كما قال تعالى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين[ [آل عمران: 81]، فالميثاق: المأخوذ على أنهم يؤمنون به وينصرونه وقد أمروا بهذا، وليس هذا «الإقرار» تصديقا؛ فإن الله تعالى لم يخبرهم بخبر؛ بل أوجب عليهم إذا جاءهم ذلك الرسول أن يؤمنوا به وينصروه، فصدقوا بهذا «الإقرار» والتزموه، فهذا هو إقرارهم).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص525): (وهذه الأعمال: إذا عملها الإنسان، مخلصا لله تعالى؛ فإنه يثيبه عليها، ولا يكون ذلك؛ إلا مع «إقراره بقلبه»: أنه: «لا إله إلا الله»، و«أن محمدا رسول الله»، فيكون معه من الإيمان هذا «الإقرار»).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص515): (وأما الإيمان؛ فأصله: تصديق، وإقرار، ومعرفة.
* فهو من باب قول القلب: المتضمن عمل القلب؛ والأصل فيه: التصديق، والعمل تابع له.
فلهذا: فسر النبي r: الإيمان، بإيمان القلب، وبخضوعه، وهو الإيمان: بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى المصرية» (ص148): (أصل الإيمان في القلب، وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار القلب بالتصديق، والحب، والانقياد.
* ولا بد أن يظهر: موجبه، ومقتضاه على الجوارح، فالأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب، ودليل عليه، وشاهد له، وشعبته مجموع الإيمان المطلق، وبعض له، وما في القلب، هو الملك، والأعضاء جنوده).اهـ
قلت: فمسألة التلازم بين إيمان القلب، وإيمان الجوارح، فهي واضحة.
* فشيخ الإسلام ابن تيمية /: يأبى تفسير، الإيمان: بالتصديق، لعدة أمور ذكرها، وناقشها، في كتابه المشهور «الإيمان الأوسط»، وقد رد على من عرف الإيمان بالتصديق، فالرد الإجمالي:
1) أن الإيمان في اللغة: ليس مرادفا للتصديق، وإما هو؛ معنى: الإقرار.
2) أن الإيمان، وإن كان في اللغة: هو التصديق، فالتصديق: يكون بالقلب، واللسان، وسائر الجوارح.
3) أن الإيمان، إذا فسر بالتصديق، فليس: هو مطلق التصديق، بل هو تصديق خاص، مقيد بقيود، اتصل اللفظ بها.
4) أن الإيمان، وإن كان هو: التصديق، فالتصديق التام، الذي يقوم بالقلب، ولا بد الواجب من أعمال القلوب والجوارح؛ فإنها لوازم الإيمان التام، وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم.
5) أن لفظ الإيمان: بقي على معناه في اللغة، ولكن الشارع زاد فيه أحكاما.
6) أن الشارع نقل المعنى في اللغة إلى الشرع.
قلت: فليسالإيمان عند أهل السنة: مجرد التصديق([28])، كما عند أهل البدع: من: «المرجئة» بجميع فرقهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص141): (والكرامية: توافق؛ «المرجئة» و«الجهمية» في أن إيمان الناس كلهم سواء، ولا يستثنون في الإيمان، بل يقولون: هو مؤمن حقا، لمن أظهر الإيمان). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص143): (وعند: «الجهمية» إذا كان العلم في قلبه، فهو كامل الإيمان، إيمانه: كإيمان النبيين، ولو قال، وعمل ماذا عسى أن يقول ويعمل، ولا يتصور عندهم: أن ينتفي عنه الإيمان؛ إلا إذا زال ذلك العلم قلبه). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص405): (ومن هنا يظهر خطأ قول: «جهم بن صفوان»، ومن اتبعه، حيث ظنوا: أن الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه، لم يجعلوا أعمال القلب من الإيمان).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص407)؛ عن ظن المرجئة: (ظنهم: أن الإيمان مجرد تصديق، وعلم فقط، ليس معه عمل، وحال، وحركة، وإرادة، ومحبة، وخشية في القلب، وهذا من أعظم غلط: «المرجئة» مطلقا).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص408): (ظنهم: أن كل من حكم الشارع، بانه كافر مخلد في النار، فإنما ذلك لأنه لم يكن في قلبه شيء من العلم، والتصديق، وهذا أمر خالفوا به الحس، والعقل، والشرع).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص406)؛ عن قول: «الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه»: (وهذا القول: مع أنه أفسد قول، قيل في «الإيمان»، فقد ذهب إليه كثير من: «أهل الكلام المرجئة».
وقد كفر السلف، كـ«وكيع بن الجراح»، و«أحمد بن حنبل»، و«أبي عبيد»، وغيرهم، من يقول بهذا القول).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص424): (من غلط: «المرجئة» ظنهم أن ما في القلب، من الإيمان، ليس إلا التصديق فقط، دون أعمال القلوب؛ كما تقدم: «جهمية المرجئية»).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ص292): (إن لفظ؛ الإيمان في اللغة: لم يقابل بالتكذيب؛ كلفظ التصديق؛ فإنه من المعلوم في اللغة: أن كل مخبر، يقال له: صدقت، أو كذبت، ويقال: صدقناه أو كذبناه، ولا يقال: لكل مخبر: آمنا له، أو كذبناه.
ولا يقال: أنت مؤمن له، أو مكذب له؛ بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال: هو مؤمن، أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب).اهـ
قلت: وقد بين شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص229)؛ خطأ عدد من أهل العلم([29])، الذين قالوا: أن الإيمان في اللغة: هو التصديق.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص229): (ثم إن كلمة: «صدقت» لا تعطي معنى: كلمة «آمنت»، فإن: «آمنت» تدل على طمأنينة بخبره: أكثر من: «صدقت».
ولهذا؛ لو فسر: «الإيمان»، بـ«الإقرار»، لكان أجود؛ فنقول: الإيمان: الإقرار، ولا إقرار؛ إلا بتصديق، فنقول: أقر به، كما نقول: آمن به، وأقر لهن كما تقول: آمن له).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص54): (فأهل السنة: مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده؛ كما لم ينفع إبليس؛ وفرعون وقومه، واليهود، والمشركين: الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول r؛ بل ويقرون به سرا وجهرا، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه، ولا نؤمن به).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص54): (فإن الإيمان ليس مجرد التصديق؛ وإنما هو: التصديق المستلزم للطاعة والانقياد.
وهكذا الهدى: ليس هو مجرد معرفة الحق وتبينه، بل هو: معرفته المستلزمة لاتباعه، والعمل بموجبه).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص54): (كما أن اعتقاد التصديق؛ وإن سمي تصديقا؛ فليس هو التصديق المستلزم للإيمان، فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته).اهـ
قلت: ولذلك نقول: لـ«عبيد الجابري»، فلا تنقل؛ أي: شيء في اللغة، بمثل: ما نقله: مثلا «الأصمعي»، أو: «الخليل»، أو من قلدهما في اللغة، فإن هؤلاء ممكن يخطئون أحيانا في اللغة، ويجتهدون حتى في نقل اللغة ما قبل الإسلام.
* بل ينقلون ما سمعوه من العرب في زمانهم، وما سمعوه في دواوين الشعر، وغير ذلك بغير إسناد، وهذا النقل معرض للخطأ بلا شك، وللاجتهاد.
ولذلك ما نقله عدد من أهل اللغة، أن الإيمان هو: التصديق، ليس بالصحيح. ([30])
قلت: ولم يعرف عن أهل اللغة جميعهم أنهم قالوا: أن الإيمان في اللغة: هو التصديق.
* فأين الإجماع على أن الإيمان: هو التصديق، بإجماع أهل اللغة قاطبة، بعد نزول القرآن، سيقولون يدل على ذلك، قوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف: 17]؛ أي: بمصدق لنا. ([31])
فيقال لهم: من نقل هذا الإجماع، ومن أين يعلم هذا الإجماع، وفي أي: كتاب ذكر هذا الإجماع من كتب السلف، أن الإيمان: هو التصديق، قبل نزول القرآن، وبعد نزول القرآن. ([32])
* لم يكن ذلك أبلغ من نقل الصحابة y، كافة للقرآن عن النبي r.
فالصحابة y فيما نقلوه عن العرب أولى.
قلت: ونحن لا حاجة لنا مع بيان الرسول r لما بعثه الله تعالى به من القرآن.
ولما فهمه الصحابة y لفظ القرآن، ومعناه صحيح.
قلت: فحصر «عبيد الجابري» الإيمان في: «التصديق»، يلزمه لوازم في غاية الفساد.
فإما أن يقول بها، فيتبين بطلان ما هو عليه من الباطل.
وإما أن يتكبر، فيعارض ويخالف مقولته، فيخرب علمه بيده.
ومن هذه اللوازم: الحكم بإسلام «إبليس»، و«فرعون»، و«أبي طالب»، و«اليهود»، وغيرهم، من الذين أظهروا: «التصديق» ولم يصدر عنهم هذا التكذيب. ([33])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص307): (والتصديق من الإيمان، ولا بد أن يكون مع التصديق شيء من حب الله تعالى، وخشية الله تعالى، وإلا فالتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك ليس إيمانا البتة، بل هو كتصديق: «فرعون»، و«اليهود»، و«إبليس»، وهذا هو الذي أنكره السلف على: «الجهمية»). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ج3 ص969): (ألا ترى أن نفرا من اليهود: جاؤوا إلى النبي r، وسألوه عن أشياء، فأخبرهم، فقالوا: نشهد أنك نبي، ولم يتبعوه، وكذلك: «هرقل»([34])، وغيره، فلم ينفعهم: هذا العلم، وهذا التصديق).اهـ
قلت: فتبين أن: «عبيدا الجابري» يقول أن الإيمان في اللغة، هو: «التصديق» المجرد، وقد وافق: «الجهمية»، و«الأشاعرة»، و«المرجئة».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص346): (ولا ريب: أن قول الجهمية أفسد من قولهم، من وجوه متعددة، شرعا، ولغة، وعقلا).اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص346): (وقول: «جهم» في الإيمان، قول خارج عن إجماع المسلمين قبله، بل السلف كفروا من يقول، بقول: «جهم» في الإيمان).اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص347): (قد نفى الله الإيمان عمن قال بلسانه، وقلبه، إذا لم يعمل، كما قال تعالى: ]قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم * إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون[ [الحجرات: 14-15]، فنفى الإيمان عمن سوى هؤلاء).اهـ
قلت: «فالجابري» هذا انتحل ما عند الخلف من اللي في الألفاظ، والإلحاد، والتحريف في النصوص، والخروج عن مراد السلف.
* وهذه المخالفة اقتضت مشاقة الرسول r، فمن شاق لم يتبع، ومن لم يتبع شنأ وحاد.
هذا وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من أهل السنة والجماعة؛ بمنه وكرمه، وأن يرينا الحق حقا، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا، ويرزقنا اجتنابه، إنه سميع مجيب.
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على أن: «عبيد بن عبد الله الجابري» يقول الآن؛ بمذهب: «المرجئة القديمة» بأن الإيمان: في اللغة؛ هو مجرد التصديق، وأن الإيمان لا يزول بالكلية، بترك: «جنس العمل»، وأنه لا يكفر، إلا من ترك النطق بالشهادتين، أو عدم اعتقادها، وأن من نطق بالشهادتين، وترك: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، فإنه لا يكفر، بل عنده أنه ناقص الإيمان، ما دام يعتقد بقلبه بالشهادتين، ولا يكفر؛ إلا بجحود ترك أركان الإسلام، والتكذيب فقط، وهذا مذهب: المرجئة قديما وحديثا
* قال عبيد بن عبد الله الجابري في كتابه: «التقرير الأحمد بشرح أصول السنة للإمام أحمد» (ص105): (الإيمان في اللغة معناه: «التصديق» ([35])، قال الله تعالى؛ فيما قصه علينا من خبر: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم الصلاة والسلام-، وبين أخوة يوسف -عليه الصلاة والسلام-: ]وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين[ [يوسف:17]؛ يعني: ما أنت بمصدق كلامنا!. ([36])
* والإيمان في الشرع عند أهل السنة: يعبرون عنه بعبارتين؛ عبارة بسط، وعبارة اختصار.
فالبسط هكذا: الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
* فمن القول باللسان: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ وقراءة القرآن، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، والدعاء.
* ومن الاعتقاد: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره، والإيمان بالبعث بعد الموت؛ إلى غير ذلك من أمور العقائد التي أخبر الله تعالى عنها، ورسوله r.
* ومن عمل الجوارح: الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، وصيام التطوع، والحج، وعيادة المريض، وغير ذلك من أعمال الطاعة والبر. ([37])
** وأما العبارة المختصرة: فهي عبارة الإمام أحمد / «قول وعمل»؛ فيعنون بالقول: قول القلب، وقول اللسان، وبالعمل: عمل القلب، وعمل الجوارح، لكن ما الفرق بين قول القلب، وعمله؟ عمل القلب، وقول القلب، فمثلا: اعتقادك أن الصلاة مفروضة عليك، وأن الصيام مفروض عليك، هذا هو اعتقاد قلبك، وعمله: حركة قلبك نحو أداء ما فرضه الله عليك، أو نحو أداء الطاعات من فرائض ومستحبات، هذا هو عمله، قول القلب، وعمل القلب، فقول القلب: اعتقاداته، وعمله: حركته، وعزيمته نحو الطاعات، والقربات من فرائض ومندوبات.
* وخلص الإمام / إلى أن الإيمان: يزيد وينقص؛ يعني: يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية؛ واستدل بهذا الحديث: «أكمل المؤمنين إيمانا... » إلى آخره؛ هذا الحديث دليل على أن المؤمنين متفاضلون في أعمالهم، وأن منهم الأكمل، ومنهم الأنقص، وهذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة؛ ويندرج تحت هذه المسألة بالإضافة إلى ما تقدم:
أولا: الأدلة على تعريف الإيمان، ومعناه كما قرره أئمة أهل السنة: فالأدلة على أن الإيمان قول، وعمل، واعتقاد، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية:
* من القرآن الكريم: قوله تعالى: ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون[ [الأنفال: 2-3].
]أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم[ [الأنفال:4].
* ومن سورة الحجرات: ]إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون[ [الحجرات:15].
* وما وجه الاستدلال من الآيتين؟ فوجه الاستدلال من آيات الأنفال: وصف الله تعالى المؤمنين؛ بخمس صفات:
1) وجل قلوبهم عند ذكر الله عز وجل، هذا عمل القلب.
2) زيادة إيمانهم عند تلاوة آياته من كتابه، أو ذكر آياته الكونية.
3) التوكل.
4) إقام الصلاة.
5) الإنفاق مما رزقهم الله تعالى؛ وهذه الأمور؛ منها: ما هو اعتقادي؛ ومنها: ما هو عملي؛ فالعملي: إقام الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله فريضة، أو نفلا؛ وأما آية الحجرات فالشاهد منها: ذكر الله عز وجل، الجهاد ضمن خصال الإيمان وهو عمل.
* وأما الأدلة من السنة: فهي إن لم تكن متواترة، فمستفيضة عن النبي r،ومنها: ما أخرجه الشيخان، عن ابن عباس ﭭ في قصة وفد عبد القيس y قالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر فصل، نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة: فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع، أمرهم: بالإيمان بالله وحده، قال: «أتدرون ما الإيمان بالله وحده» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس» الحديث.
* والشاهد منه -يا طلاب العلم وطالباته من المسلمين والمسلمات-: تفسير النبي r الإيمان بالأعمال الظاهرة من أفعال وأقوال؛ والإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصيى، وأهل السنة يقررون: أنه لا إيمان إلا بعمل، وأن العمل من حقيقة الإيمان ومسماه فهو منه، وعند التفصيل يقررون: أن الأعمال بالنسبة للإيمان ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يزول الإيمان بتركه، ما يزول الإيمان بزواله، فالشهادتان باتفاق ([38])، عدم الشهادتين يزول به الإيمان، والصلاة بخلاف على ما سيأتي - إن شاء الله تعالى-.
الصنف الثاني: ما تركه فسق؛ ينقص به كمال الإيمان الواجب، مثل: الزكاة، وصيام رمضان، والحج ([39])، فهذه لا يكفر من تركها، بل يفسق من تركها تهاونا، أما من تركها جحودا فإنه يكفر ([40])، إذا كان يعلم ذلك.
الصنف الثالث: ما تركه ينافي الكمال المستحب، ترك النوافل، فمن ترك النوافل فتركه إياها ينافي كمال الإيمان المستحب تفويت فضيلة.
* وهاهنا سؤال: ما مقصود الإمام أحمد / وغيره من أئمة السنة بذكر هذه المسألة؟
* مقصودهم الرد على: «المرجئة» سواء غلاة «المرجئة»، وهم القائلون: بأن الإيمان هو مجرد التصديق ([41])؛ أو «المرجئة المتوسطة»، وهم: «مرجئة الفقهاء» وهم القائلون: أن الإيمان قول واعتقاد، ويؤخرون العمل عن حقيقة الإيمان.
فبهذا التقرير وضح -إن شاء الله- الرد على طائفتي: «المرجئة»، وبان معتقد أهل السنة، ولله الحمد والمنة).اهـ كلام الجابري.
ﭑ ﭑ ﭑ
التمهيد
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على قمع الشبهة اللغوية؛ «للمرجئة العصرية»
على أن الإيمان في اللغة: هو التصديق، وبيان أن نصوص القرآن، والسنة إذا عرف تفسيرها، وما أريد بها من تفسير النبي r، وتفسير الصحابة y، لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال، بأقوال أهل اللغة، ولا غيرهم من بعدهم
* فيستدل: «المرجئة العصرية» على إخراج العمل من الإيمان؛ بشبهات لغوية تفسيرية، وبشبهات زعمت أنها علمية نقلية، وبشبهات تعليلية عقلية، وقد سبق بيان بطلانها.
قلت: وقد بينا أن مذهب: «المرجئة العصرية»، هو مذهب تلفيقي؛ فإنه يأخذ من نصوص الإيمان ما يراه موافقا لأصوله الفاسدة، التي بنى عليها ذلك المذهب الفاسد، ويكون أكثرها مقررا، من غير اعتماد على النصوص في الأصل، مدعيا أنه أهل الحق.
قلت: وقد بينا أن مذهب السلف أسلم، وأحكم، وأعلم.
* فهو من حيث أسلم؛ لأنه يجمع الأدلة كلها، ولا يضرب ببعضها البعض، ولا يعارض بالعقل صحيح النقل.
* وهو من حيث أحكم؛ لأنه يستدل بالمحكم، لا مطعن فيه، ولا ثغرة لناقد.
* وهو من حيث أحكم؛ لأنه أقرب عهدا بالكتاب والسنة.
قلت: وقد اعترض على استدلالهم، بأن الإيمان في اللغة: عبارة عن: «التصديق»، بمنع الترادف، بين التصديق والإيمان. ([42])
* ومما يدل على عدم الترادف: أنه يقال، للمخبر إذا صدق: «صدقه»([43])، ولا يقال: «آمنه، ولا «آمن به»؛ بل يقال: «آمن له»، كما: قال تعالى: ]فآمن له لوط[ [العنكبوت: 26]، وقال تعالى: ]فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف[ [يونس: 83]، وقال تعالى: ]يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين[ [التوبة: 61].
قلت: ففرق بين المعدى: «بالباء»، والمعدى «باللام».([44])
فالأول: يقال للمخبر به.
والثاني: للمخبر.
* فكان تفسير: «الإيمان»، بأقررت: أقرب من تفسيره، بصدقت، مع الفرق بينهما، ولأن الفرق بينهما ثابت في المعنى.
قلت: فألفاظ الشرع إذا فسرها النبي r، لا يحتج، بأهل اللغة، ولا بغيرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص544): (ومما أن يعلم: أان الألفاظ الموجودة في القرآن، والحديث: إذا عرف تفسيرها، وما أريد بها من جهة النبي r، لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال؛ بأقوال أهل اللغة، ولا غيرهم).اهـ
وقد بين شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين /، خطأ هؤلاء العلماء في قولهم: أن الإيمان في اللغة: هو التصديق فقط، فقال في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص229): (أكثر أهل العلم يقولون: إن الإيمان في اللغة: «التصديق»، ولكن في هذا نظر، لأن الكلمة إذا كانت بمعنى الكلمة؛ فإنها تتعدى بتعديها، ومعلوم: أن «التصديق» يتعدى بنفسه، والإيمان لا يتعدى بنفسه، فنقول؛ مثلا: «صدقته»، ولا تقول «آمنته»، بل تقول: «آمنت به»، أو «آمنت له».
* فلا يمكن أن نفسر فعلا، لا زما، لا يتعدى؛ إلا بحرف الجر، بفعل متعد ينصب المفعول به بنفسه، ثم إن كلمة: «صدقت» لا تعطي معنى كلمة: «آمنت»؛ فإن: «آمنت»: تدل على طمأنينة بخبره أكثر من: «صدقت».
* ولهذا: لو فسر: «الإيمان: بالإقرار»، لكان أجود؛ فنقول: الإيمان: الإقرار، ولا إقرار؛ إلا بتصديق، فتقول: «أقر به»، كما تقول: «آمن به»، و«أقر له»، كما تقول: «آمن له»). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص550): (ثم يقال: ليس هو مرادفا له، وذلك من وجوه:
أحدها: أنه يقال للمخبر إذا: «صدقته»: صدقه، ولا يقال: «آمنه»، ولا «آمن به»، بل يقال: «آمن له»، كما قال تعالى: ]فآمن له لوط[ [العنكبوت: 26]، وقال تعالى: ]فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه[ [يونس: 83]، وقال فرعون: ]آمنتم له قبل أن آذن لكم[ [الشعراء: 49]، وقالوا لنوح: ]أنؤمن لك واتبعك الأرذلون[ [الشعراء: 111]، وقال تعالى: ]قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين[ [التوبة: 61]، فقالوا: ]أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون[ [المؤمنون: 47]، وقال تعالى: ]وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون[ [الدخان:21].
* فإن قيل: فقد يقال: «ما أنت بمصدق لنا»، قيل: «اللام» تدخل على ما يتعدى بنفسه إذا ضعف عمله، إما بتأخيره، أو بكونه اسم فاعل، أو مصدرا، أو باجتماعهما، فيقال: «فلان يعبد الله»، و«يخافه ويتقيه»، ثم إذا ذكر باسم الفاعل، قيل: «هو عابد لربه»، «متق لربه»، «خائف لربه»، وكذلك تقول: «فلان يرهب الله»، ثم تقول: «هو راهب لربه»، وإذا ذكرت الفعل وأخرته، تقويه «باللام»، كقوله تعالى: ]وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون[ [الأعراف:154]، وقد قال تعالى: ]فإياي فارهبون[ [النحل:51]، فعداه بنفسه، وهناك ذكر: «اللام»، فإن هنا؛ قوله تعالى: ]فإياي[؛ أتم من قوله: فلي، وقوله، هنالك: ]لربهم[؛ أتم من قوله: «ربهم»، فإن الضمير المنفصل المنصوب، أكمل من ضمير الجر: «بالباء»، وهناك اسم ظاهر، فتقويته: «باللام» أولى، وأتم من تجريده؛ ومن هذا؛ قوله تعالى: ]إن كنتم للرؤيا تعبرون[ [يوسف: 43]، ويقال: عبرت رؤياه، وكذلك؛ قوله تعالى: ]وإنهم لنا لغائظون[ [الشعراء: 55]، وإنما يقال: «غظته»، لا يقال: «غظت له»، ومثله كثير، فيقول القائل: «ما أنت بمصدق لنا»، أدخل فيه: «اللام»؛ لكونه اسم فاعل، وإلا فإنما يقال: «صدقته»، لا يقال: «صدقت له»، ولو ذكروا الفعل، لقالوا: «ما صدقتنا»، وهذا بخلاف لفظ: «الإيمان»، فإنه تعدى إلى الضمير «باللام» دائما؛ لا يقال: «آمنته قط»، وإنما يقال: «آمنت له»، كما يقال: «أقررت له»، فكان تفسيره؛ بلفظ: «الإقرار» أقرب من تفسيره بلفظ:«التصديق» مع أن بينهما فرقا.
الثاني: أنه ليس مرادفا للفظ: «التصديق» في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة: «صدقت»، كما يقال: «كذبت»؛ فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: «صدق»، كما يقال: «كذب»، وأما لفظ: «الإيمان»، فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام: أن من أخبر عن مشاهدة؛ كقوله: طلعت الشمس، وغربت، أنه يقال: «آمناه»، كما يقال: «صدقناه»، ولهذا المحدثون والشهود ونحوهم؛ يقال: «صدقناهم»؛ وما يقال: «آمنا لهم»؛ فإن الإيمان: مشتق من: «الأمن»؛ فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر، كالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المخبر؛ ولهذا لم يوجد قط في القرآن، وغيره لفظ: «آمن له»، إلا في هذا النوع؛ والاثنان إذا اشتركا في معرفة الشيء يقال: «صدق»، أحدهما صاحبه، ولا يقال: «آمن له»، لأنه لم يكن غائبا عنه ائتمنه عليه، ولهذا قال: ]فآمن له لوط[ [العنكبوت: 26]، ]أنؤمن لبشرين مثلنا[ [المؤمنون: 47]، ]آمنتم له[ [طه: 71]، ]يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين[ [التوبة: 61]؛ فيصدقهم فيما أخبروا به مما غاب عنه، وهو مأمون عنده على ذلك، فاللفظ متضمن معنى: «التصديق»، ومعنى: «الائتمان والأمانة»؛ كما يدل عليه الاستعمال، والاشتقاق، ولهذا قالوا: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف: 17]؛ أي: لا تقر بخبرنا ولا تثق به، ولا تطمئن إليه، ولو كنا صادقين؛ لأنهم لم يكونوا عنده ممن يؤتمن على ذلك، فلو صدقوا لم يأمن لهم.
الثالث: أن لفظ الإيمان في اللغة: لم يقابل «بالتكذيب»، كلفظ: «التصديق»، فإنه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال له: «صدقت»، أو «كذبت»، ويقال: «صدقناه»، أو «كذبناه»، ولا يقال لكل مخبر: «آمنا له»، أو «كذبناه»؛ ولا يقال: «أنت مؤمن له»، أو «مكذب له»؛ بل المعروف في مقابلة: «الإيمان» لفظ: «الكفر». يقال: «هو مؤمن، أو كافر»، والكفر: لا يختص بالتكذيب؛ بل لو قال: أنا أعلم إنك صادق لكن لا أتبعك، بل أعاديك، وأبغضك، وأخالفك، ولا أوافقك، لكان كفره أعظم؛ فلما كان الكفر المقابل «للإيمان» ليس هو: «التكذيب» فقط، علم أن الإيمان ليس هو: «التصديق» فقط، بل إذا كان الكفر، يكون تكذيبا، ويكون مخالفة، ومعاداة، وامتناعا بلا تكذيب؛ فلا بد أن يكون الإيمان تصديقا، مع موافقة، وموالاة، وانقياد، لا يكفي مجرد «التصديق»؛ فيكون الإسلام: جزء مسمى الإيمان، كما كان الامتناع من الانقياد مع التصديق جزء مسمى الكفر، فيجب أن يكون كل مؤمن مسلما منقادا للأمر، وهذا هو العمل). اهـ
قلت: لذلك يجب من الإيمان بالرسول r، فيجب الإيمان: «به»، و«له» r، فلا بد أن يعرف هذا.
* فالرسول r يجب أن «يؤمن به»، و«يؤمن له»، فالإيمان به من حيث ثبوته، غيب عنا أخبرنا به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص553): (وهو نفسه يجب أن: «يؤمن به»، و«يؤمن له» r.
* فالإيمان به من حيث ثبوته غيب عنا أخبرنا به... وأما ما يجب من الإيمان له، فهو الذي يوجب طاعته.
* والرسول r يجب الإيمان: «به»، و«له»، فينبغي أن يعرف هذا، وأيضا؛ فإن طاعته: طاعة لله تعالى، وطاعة الله تعالى، من تمام الإيمان به).اهـ
* فالحاصل: أنه لا يقال قط: «آمنته»، ولا: «صدقت له»، وإنما يقال: «آمنت له»، كما يقال: «أقررت له».
* فكان تفسير الإيمان: بـ«أقررت» أقرب من تفسيره: «صدقت»، مع الفرق بينهما، ولأن الفرق بينهما ثابت في المعنى. ([45])
فإن كل مخبر عن مشاهدة، أو غيب، يقال له في اللغة: «صدقت»، كما يقال له: «كذبت»، فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: «صدقت».
* وأما لفظ الإيمان: فلا يستعمل، إلا في الخبر عن الغائب، فيقال لمن قال: طلعت الشمس: «صدقناه»، ولا يقال: «آمنا له».
فإن فيه أصل؛ معنى: الأمن، والائتمان: إنما يكون في الخبر عن الغائب، فالأمر الغائب هو الذي يؤتمن عليه المخبر.
قلت: فمنع الترادف بين الإيمان، والتصديق: ووجهه، أن تصرف فعل: «صدق» يخالف تصرف فعل: «آمن».([46])
* وكذلك؛ فالإيمان: من الأمن، ولذا فهو: يكون عن الغائب، ونحو ذلك؛ مما يدخله الريب.
قلت: والتصديق يتناول جميع الأخبار، ثم إن كان الإيمان: هو ضد الكفر، فالكفر لا يختص بالتكذيب والجحود، بل يشمل غير ذلك، في حين، أن التصديق لا يقابل؛ إلا الكفر، والجحود. ([47])
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ج2 ص471): (وقد اعترض على استدلالهم بأن الإيمان في اللغة عبارة عن: «التصديق» بمنع الترادف بين التصديق والإيمان، وهب أن الأمر يصح في موضع، فلم قلتم: إنه يوجب الترادف مطلقا؟ وكذلك اعترض على دعوى الترادف بين الإسلام والإيمان، ومما يدل على عدم الترادف: أنه يقال للمخبر إذا صدق: «صدقه»، ولا يقال: «آمنه»، ولا: «آمن به»، بل يقال: «آمن له»، كما: قال تعالى: ]فآمن له لوط[ [العنكبوت: 26]، وقوله تعالى: ]فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه[ [يونس:83]، وقال تعالى: ]يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين[ [التوبة: 61]، ففرق بين المعدى: «بالباء»، والمعدى: «باللام»، فالأول: يقال للمخبر به، والثاني: للمخبر، ولا يرد كونه يجوز أن يقال: «ما أنت بمصدق لنا»، لأن دخول: «اللام»، لتقوية العامل، كما إذا تقدم المعمول، أو كان العامل اسم فاعل، أو مصدرا، على ما عرف في موضعه.
* فالحاصل: أنه لا يقال قط: «آمنته»، ولا: «صدقت له»، وإنما يقال: «آمنت له»، كما يقال: «أقررت له»، فكان تفسيره: «بأقررت»، أقرب من تفسيره: «بصدقت»، مع الفرق بينهما، ولأن الفرق بينهما ثابت في المعنى، فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب، يقال له في اللغة: «صدقت»، كما يقال له: «كذبت»، فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: «صدقت».
* وأما لفظ الإيمان، فلا يستعمل إلا في الخبر عن الغائب، فيقال لمن قال: طلعت الشمس، «صدقناه»، ولا يقال: «آمنا له»، فإن فيه أصل معنى: «الأمن»، و«الائتمان» إنما يكون في الخبر عن الغائب، فالأمر الغائب هو الذي يؤتمن عليه المخبر، ولهذا لم يأت في القرآن وغيره لفظ: «آمن له»، إلا في هذا النوع، ولأنه لم يقابل لفظ الإيمان قط بالتكذيب كما يقابل لفظ: «التصديق»، وإنما يقابل بالكفر، والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق، ولكن لا أتبعك، بل أعاديك وأبغضك وأخالفك، لكان كفره أعظم، فعلم أن الإيمان ليس هو: «التصديق» فقط، ولا الكفر: هو التكذيب فقط، بل إذا كان الكفر يكون تكذيبا، ويكون مخالفة، ومعاداة بلا تكذيب، فكذلك الإيمان، يكون تصديقا، وموافقة، وموالاة، وانقيادا، ولا يكفي مجرد التصديق). اهـ
* ولهذا؛ لم يأت في القرآن، وغيره لفظ: «آمن له»، إلا في هذا النوع.
قلت: ولأنه لم يقابل لفظ الإيمان: قط، بالتكذيب، كما يقابل لفظ التصديق، وإنما يقابل بالكفر. ([48])
*والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق، ولكن لا اتبعك، بل أعاديك، وأبغضك، وأخالفك، لكان كفره أعظم.
* فعلم أن الإيمان: ليس هو «التصديق» فقط، ولا الكفر: هو التكذيب فقط.
بل إذا كان الكفر يكون تكذيبا، ويكون مخالفة، ومعاداة بلا تكذيب.
* فكذلك الإيمان: يكون تصديقا، وموافقة، وموالاة، وانقيادا، ولا يكفي مجرد التصديق. ([49])
* إذا فالتفسير الصحيح؛ لقوله تعالى: خبرا عن إخوة يوسف: ]وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين[ [يوسف:17]؛ معناه: أنك لا تقر بخبرنا، ولا تثق به، ولا تطمئن إليه، ولو كنا صادقين، لأنهم: لم يكونوا عنده ممن يؤتمن على ذلك، فلو صدقوا لم يأمن لهم. ([50])
قلت: وهذا القدر هو: الذي خفي على من جعل الإيمان: هو «التصديق»!.
قال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص45): (فالتصديق: إنما يتم بأمرين: لا يكون المرء مصدقا؛ إلا بهما جميعا:
أحدهما: اعتقاد الصدق. ([51])
والثاني: محبة القلب، وانقياده.
* ولهذا قال تعالى؛ لإبراهيم: ]يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا[ [الصافات:104].
وإبراهيم عليه السلام: كان معتقدا لصدق رؤياه من حين رآها، فإن رؤيا الأنبياء وحي، وإنما جعله مصدقا، لها بعد أن فعل ما أمر به.
* وكذلك؛ قوله r: «والفرج يصدق ذلك، أو يكذبه»([52])، فجعل التصديق عمل الفرج، لا ما يتمنى القلب، والتكذيب تركه لذلك، وهذا صريح في أن: «التصديق»، لا يصح إلا بالعمل).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص44)؛ عن اليهود: (فهؤلاء قد أقروا بألسنتهم: إقرارا، مطابقا؛ لمعتقدهم أنه نبي، ولم يدخلوا بهذا «التصديق»، والإقرار في الإيمان؛ لأنهم لم يلتزموا طاعته، والانقياد لأمره.
* ومن هذا كفر: «أبي طالب»، فإنه عرف حقيقة المعرفة: أنه صادق، وأقر بذلك بلسانه، وصرح به في شعره، ولم يدخل بذلك في الإسلام.
* فالتصديق إنما يتم بأمرين:
أحدهما: اعتقاد الصدق، والثاني: محبة القلب وانقياده).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص44): (ونحن نقول: الإيمان هو «التصديق»، ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له، ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيمانا؛ لكان «إبليس»، و«فرعون، وقومه»، و«قوم صالح»، و«اليهود» الذين عرفوا أن محمدا رسول الله، كما يعرفون أبناءهم: «مؤمنين مصدقين».
* وقد قال تعالى: ]فإنهم لا يكذبونك[ [الأنعام: 33]؛ أي: يعتقدون أنك صادق، ]ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون[ [الأنعام: 33]، والجحود لا يكون إلا بعد معرفة الحق، قال تعالى: ]وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا[ [النمل: 14]، وقال موسى؛ لفرعون: ]لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر[ [الإسراء: 102]، وقال تعالى، عن اليهود: ]يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون[ [البقرة: 146].
* فهؤلاء: قد أقروا بألسنتهم إقرارا مطابقا لمعتقدهم أنه نبي، ولم يدخلوا بهذا التصديق، والإقرار في الإيمان، لأنهم لم يلتزموا طاعته، والانقياد لأمره).اهـ
قلت: ويصر: «المرجئة»، و«الأشاعرة»، منهم: على قولهم في الإيمان: أنه «التصديق».
* وعمدتهم في ذلك: ما ذكره أبو بكر الباقلاني في كتابه: «التمهيد» (ص346) بقوله: (فإن قالوا: فخبرونا ما الإيمان عندكم؟، قيل؛ الإيمان: هو «التصديق» بالله، وهو العلم، والتصديق يوجد القلب.
فإن قال: فما الدليل على ما قلتم؟، قيل: إجماع أهل اللغة قاطبة([53]) على أن الإيمان: قبل نزول القرآن، وبعثة النبي r، هو «التصديق»، لا يعرفون في اللغة إيمانا غير ذلك، ويدل على ذلك، قوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف:17]؛ أي: بمصدق لنا). اهـ
قلت: وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: «الإيمان الكبير» (ص323)؛ قول أبي بكر الباقلاني هذا، ثم قال: (وهذا عمدة من نصر قول: «الجهمية» في مسألة الإيمان) ([54]).اهـ
قلت: فقوله أن الإيمان في اللغة؛ قبل نزول القرآن، هو: «التصديق»، فلم يذكر من نقل الإجماع على الوجه الصحيح، وفي أي: كتاب ذكر هذا الإجماع!.
ثم من المقصود بأهل اللغة: هل المقصود نقلتها، كـ«الأصمعي»، و«الخليل» ونحوهما، أو المتكلمون بها؟.
* أما علماء اللغة: فهؤلاء لا ينقلون كل ما كان قبل افسلام بإسناد.
وإنما ينقلون ما سمعوه من العرب في زمانهم، أو سمعوه في دواوين الشعر، فهم يجتهدون في نقل اللغة، فممكن يصيبون، وممكن أن يخطئون على حسب اجتهادهم. ([55])
قلت: ولا نعلم لفظ الإيمان في اللغة: أنه «التصديق» عند العرب، فضلا عن أن يكونوا أجمعوا عليه!.
ثم لو فرض ان أبا بكر الباقلاني نقل عن واحد؛ أو اثنين منهم: أن الإيمان: هو «التصديق»، فكيف يعد هذا إجماعا؟!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص322)؛ في معرض رده على الباقلاني: (إن دعواه أن الإيمان في اللغة: هو «التصديق»، لم يؤيدها بشاهد من كلام العرب، وإنما دعمها بما ينقض دعواه؛ وذلك أنه قال: «ومنه قولهم: فلان مؤمن بالشفاعة، وفلان لا يؤمن بعذاب القبر، وهذا قطعا ليس من ألفاظ العرب قبل نزول القرآن). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص548): (مثال ذلك: أن «المرجئة» لما عدلوا عن معرفة كلام الله تعالى، ورسوله r، أخذوا يتكلمون في مسمى «الإيمان»، و «الإسلام»، وغيرهما: بطرق ابتدعوها، مثل: أن يقولوا: «الإيمان في اللغة»: هو «التصديق»، والرسول r إنما خاطب الناس بلغة العرب لم يغيرها، فيكون مراده بالإيمان «التصديق»؛ ثم قالوا: و«التصديق» إنما يكون بالقلب واللسان، أو بالقلب، فالأعمال ليست من الإيمان، ثم عمدتهم في أن الإيمان: هو «التصديق»، قوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف:17]؛ أي: بمصدق لنا!.
* فيقال لهم: «اسم الإيمان»، قد تكرر ذكره في القرآن والحديث أكثر من ذكر سائر الألفاظ، وهو أصل الدين، وبه يخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ ويفرق بين السعداء والأشقياء، ومن يوالي ومن يعادي، والدين كله تابع لهذا؛ وكل مسلم محتاج إلى معرفة ذلك؛ أفيجوز أن يكون الرسول r قد أهمل بيان هذا كله. ووكله إلى هاتين المقدمتين؟.
* ومعلوم أن الشاهد الذي استشهدوا به على أن الإيمان: هو «التصديق» أنه من القرآن، ونقل معنى الإيمان متواتر عن النبي r أعظم من تواتر لفظ الكلمة، فإن الإيمان يحتاج إلى معرفة جميع الأمة فينقلونه، بخلاف كلمة من سورة، فأكثر المؤمنين لم يكونوا يحفظون هذه السورة، فلا يجوز أن يجعل بيان أصل الدين مبنيا على مثل هذه المقدمات، ولهذا كثر النزاع والاضطراب بين الذين عدلوا عن صراط الله المستقيم، وسلكوا السبل، وصاروا من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، ومن الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، فهذا كلام عام مطلق).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص545): (واسم الإيمان، والإسلام، والنفاق، والكفر، هي أعظم من هذا كله؛ فالنبي r قد بين المراد بهذه الألفاظ بيانا لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق، وشواهد: استعمال العرب ونحو ذلك؛ فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء إلى بيان الله تعالى، ورسوله r، فإنه شاف كاف؛ بل معاني هذه الأسماء معلومة من حيث الجملة للخاصة والعامة، بل كل من تأمل ما تقوله: «الخوارج»، و«المرجئة»، في معنى الإيمان علم بالاضطرار أنه مخالف للرسول r، ويعلم بالاضطرار، أن طاعة الله تعالى، ورسوله r من تمام الإيمان).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص546): (وأهل البدع: إنما دخل عليهم الداخل، لأنهم أعرضوا عن هذه الطريق، وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها.
* إما في دلالة الألفاظ، وإما في المعاني المعقولة، ولا يتأملون بيان الله تعالى، ورسوله r، وكل مقدمات تخالف بيان الله تعالى، ورسوله r، فإنها تكون ضلالا).اهـ
قلت: وهذا ينقض دعوى الإجماع في أن الإيمان: هو «التصديق».
أما إن كان المقصود بأهل اللغة؛ هم: الصحابة y، والتابعون لهم بإحسان، فهؤلاء لم ينقل عنهم: أنهم، قالوا: أن الإيمان؛ بمعنى: «التصديق» فقط.
* ثم إن العرب؛ هم: الرسول r، والصحابة y، والتابعون لهم بإحسان، لم ينقلوا الكلام المسموع عن العرب في عهدهم، أن الإيمان: هو «التصديق»، بل نقلوا عن العرب ما يدل على أنهم قصدوا بالإيمان غير «التصديق».
قلت: والإيمان له في الشرع معان خاصة، فلا بد من الرجوع إلى المقصود به في الكتاب، والسنة.
* مثل: الصلاة، والزكاة، والحج؛ هي معاني نقلت من المعنى اللغوي إلى معنى زائد على الأصل اللغوي ذاك هو المعنى الشرعي لها.
وفي القرآن: لم يرد ذكر إيمان بمطلق غير مفسر، وإنما ورد لفظ الإيمان فيه:
* إما مقيدا.
* وإما مطلقا مفسرا.
* فالمقيد: كقوله تعالى: ]يؤمنون بالغيب[ [البقرة: 3].
وقوله تعالى: ]فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه[ [يونس:83].
* والمطلق المفسر: كقوله تعالى: ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم[ [الأنفال: 1].
وقوله تعالى: ]إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون[ [الحجرات:15].
وقوله تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء:64].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص330): (وكل إيمان مطلق: في القرآن، فقد يبين فيه أنه لا يكون الرجل مؤمنا، إلا: «بالعمل مع التصديق»، فقد بين في القرآن: أن الإيمان لا بد فيه من: «عمل مع التصديق»، كما ذكر مثل ذلك في اسم: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص549): (إن لفظ الإيمان: تكرر في القرآن، والحديث أكثر من غيره من الألفاظ، والإيمان: أصل الدين، وكل مسلم يحتاج إلى معرفته، فلا بد أن يؤخذ معنى: الإيمان، من جميع موارده لا من آية واحدة).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص42): (قوله تعالى: ]فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى[ [القيامة: 31-32]، فلما كان الإسلام تصديق الخبر، والانقياد للأمر، جعل تعالى له ضدين: عدم التصديق، وعدم الصلاة، وقابل التصديق بالتكذيب، والصلاة بالتولي، فقال تعالى: ]ولكن كذب وتولى[؛ فكما أن المكذب كافر، فالمتولي عن الصلاة كافر، فكما يزول الإسلام بالتكذيب، يزول بالتولي عن الصلاة، قال سعيد عن قتادة: ]فلا صدق ولا صلى[؛ لا صدق بكتاب الله، ولا صلى لله، ولكن كذب بآيات الله، وتولى عن طاعته: ]أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى[ [القيامة: 34-35]؛ وعيد على أثر وعيد).اهـ
قلت: فقد تبين بطلان ما احتجت به: «المرجئة العصرية»، و«المرجئة القديمة»، ومن جاء بعد ممن وافقهم من «الأشاعرة»، و«الماتريدية»، وغيرهم، من قوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف:17]؛ أي: بمصدق لنا، وقولهم: إن الإيمان مرادف للتصديق، فقد رددنا عليهم، وبينا فساد تفسيرهم للآية، وقمعنا شبهاتهم، وأنهم خالفوا في ذلك؛ تفسير الرسول r، والصحابة y، والتابعين الكرام.([56])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص547): (ولهذا تكلم أحمد / في «رسالته» المعروفة، في الرد على من تمسك بما يظهر له من القرآن([57])، من غير استدلال ببيان: الرسول r، والصحابة، والتابعين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص124): (والمرجئة الذين قالوا: الإيمان تصديق القلب، وقول اللسان، والأعمال ليست منه.
* كان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها، ولم يكن قولهم؛ مثل: قول: «جهم بن صفوان».
فعرفوا: أن الإنسان لا يكون مؤمنا، إن لم يتكلم بالإيمان، مع قدرته عليه، وعرفوا أن: «إبليس»، و«فرعون»، وغيرهما، كفار مع تصديق قلوبهم.
* لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان، لزمهم قول: «جهم بن صفوان»، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم: دخول أعمال الجوارح أيضا، فإنها لازمة لها).اهـ
قلت: و«المرجئة العصرية»: كلما قام لهم الدليل: حرفوا السبيل، إما يعرضوا عنه تفويضا، أو يحرفوه تأويلا. ([58])
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص193): (فما امتحن الإسلام بمحنة قط؛ إلا وسببها التأويل؛ فإن محنته: إما من المتأولين، وإما أن يسلط عليهم الكفار، بسبب ما ارتكبوا من التأويل، وخالفوا ظاهر التنزيل، وتعللو بالأباطيل). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على بطلان؛ تفسير: «عبيد الجابري» للإيمان: أنه؛ بمعنى: «التصديق» فقط في اللغة، وذلك لما فيه من موافقة: «المرجئة»، و«الجهمية»، و«الماتريدية»، و«الأشاعرة»، ولما يظهر فيه من اللوازم؛ أن: «إبليس»، و«فرعون وقومه»، و«اليهود»، و«النصارى» من المؤمنين؛ لأنهم صدقوا بقولهم في الباطن، دون: «الإقرار»، و«الانقياد»، و«العمل»، ولأنه يستلزم: «عدم عمل القلب»، مع «اعتقاد الصدق» فقط، بمعنى: الإيمان، هو : «التصديق»، وهذا باطل، لأن الإيمان: ليس مجرد: «التصديق»، بل هو: «التصديق» المستلزم، للطاعة، والإنقياد، والإقرار، مع العمل، وإذا زال عمل القلب، مع بقاء اعتقاد التصديق فقط، فهذا موضع المعركة، بين أهل السنة، وبين أهل الإرجاء، فلا ينفع التصديق، مع انتفاء عمل القلب، والإقرار، والانقياد
* قال عبيد بن عبد الله الجابري في كتابه: «التقرير الأحمد بشرح أصول السنة للإمام أحمد» (ص105): (الإيمان في اللغة معناه: «التصديق»، قال الله تعالى؛ فيما قصه علينا من خبر: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم الصلاة والسلام-، وبين أخوة يوسف -عليه الصلاة والسلام-: ]وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين[ [يوسف:17]؛ يعني: ما أنت بمصدق كلامنا).اهـ
* فقول عبيد الجابري: (الإيمان في اللغة معناه: «التصديق»...)؛ يعني: مجرد «التصديق».([59])
* فهذا قول: «الأشاعرة» تماما، وهو القول الثاني، لأبي الحسن الأشعري، ووافقه جمهور الأشاعرة؛ كالباقلاني، وهو يعد من كبار علماء الكلام، ومن أئمة الأشاعرة، حيث هذب كلام أبي الحسن الأشعري، وسعى في نشر مذهبه.
* وهو: أن الإيمان تصديق القلب، أو معرفته فقط، مجردة من الأعمال، سواء أعمال القلب: من خوف، أو رجاء، أو أعمال الجوارح من: «صلاة»، أو «زكاة»، أو «صيام»، أو «حج»، أو غير ذلك. ([60])
* وتختلف تعبيرات: «الأشاعرة» في هذا الموضع، فتارة يقولون؛ هو: «المعرفة»، كقول: «جهم بن صفوان السمرقندي»، وتارة يقولون؛ هو: «التصديق».([61])
قلت: ولا يخفى الفرق بين عبارتي التصديق، والمعرفة، غير أن حقيقة، قول الأشاعرة: هو أن التصديق؛ بمعنى: المعرفة.
فقول الجهمية: أن الإيمان هو المعرفة، وما عداها: من تصديق القلب، وإقراره، ومن القول والعمل، فغير داخل في الإيمان.
قلت: وهذا قول: «جهم بن صفوان»، ولا زم قوله، أن: «إبليس»، و«فرعون»، ومن عرف الله تعالى وعاند، وسب الله تعالى، وسب رسول الله r، وعاداهما، وأهان المصحف، أنه مؤمن. ([62])
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص578): (هذا: «أبو جهل» قد عرف بقلبه، وعلم أن محمدا رسول الله، فيلزم صاحب هذه المقالة، أن يلحقه في الإيمان، بأهل بدر، والحديبية، وأصحاب الشجرة، من أهل بيعة الرضوان.
غضب الله تعالى على صاحب هذه المقالة: وأصلاه نارا خالدا فيها، فإنه لم يفرق بين الحق والباطل، ولا بين المؤمن والكافر، ولا بين الصالح والطالح).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص317): (ولهذا؛ تجد: «المعتزلة»، و«المرجئة»، و«الرافضة»، وغيرهم، من أهل البدع: يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم، وما تأولوه من اللغة.
* ولهذا تجدهم: لا يعتمدون على أحاديث النبي r، والصحابة، والتابعين، وأئمة المسلمين؛ فلا يعتمدون لا على السنة، ولا على إجماع السلف وآثارهم.
وإنما يعتمدون: على العقل واللغة، وتجدهم لا يعتمدون على كتب التفسير المأثور والحديث، وآثار السلف). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص318): (وإذا تدبرت حججهم، وجدت دعاوى، لا يقوم عليها دليل، والقاضي أبو بكر الباقلاني: نصر قول: «جهم» في: «مسألة الإيمان»، متابعة: «لأبي الحسن الأشعري»، وكذلك: أكثر أصحابه).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص321): (وأبو الحسن الأشعري: نصر قول ([63]): «جهم» في الإيمان).اهـ
* وكذلك أبو المعالي الأشعري، يقول: «الإيمان: هو التصديق»، كما نقل عنه، شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» (ج7 ص96).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «النبوات» (ج1 ص580): (وأما الأشعري: فالمعروف عنه، وعن أصحابه: أنهم يوافقون: «جهما» في قوله في الإيمان، وأنه مجرد تصديق القلب، أو معرفة القلب؛ لكن قد يظهرون مع ذلك: قول أهل الحديث، ويتأولونه). اهـ
وقال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص581): (فإن هؤلاء: «مرجئة» أهل ضلال، وزيغ، وعدول عن الملة). اهـ
وعن الإمام وكيع / قال: (القدرية: يقولون، الأمر مستقبل، إن الله لم يقدر المصائب والأعمال، والمرجئة: يقولون، القول يجزئ من العمل، والجهمية: يقولون: المعرفة تجزئ من القول والعمل، قال وكيع: وهو كله كفر).
أثر صحيح
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص585) من طريق إسحاق بن داود قال: سمعت أبا موسى الأزدي بطرسوس، يقول: قال وكيع به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن أبي رجاء قال: سمعت وكيع بن الجراح يقول: (ليس بين كلام: «الجهمية»، و«المرجئة»: كبير فرق، قالت الجهمية: الإيمان المعرفة بالقلب، وقالت المرجئة: الإقرار باللسان).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص660-مسند ابن عباس) من طريق عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي قال: سمعت أبا رجاء يقول: سمعت وكيعا به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص637)؛ وجدت في كتاب: أبي /، قال: أخبرت، أن الفضيل بن عياض قال: (يقول أهل الإرجاء: الإيمان؛ قول بلا عمل!، ويقول الجهمية: الإيمان المعرفة، بلا قول، ولا عمل!، ويقول أهل السنة: الإيمان المعرفة، والقول، والعمل، فمن قال: الإيمان: قول وعمل؛ فقد أخذ بالوثيقة، ومن قال: الإيمان: قول بلا عمل؛ فقد خاطر، لأنه لا يدري أيقبل إقراره، أو يرد عليه بذنوبه، وقال: فضيل: قد بينت لك، إلا أن تكون أعمى). ([64])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ج2 ص701): (بعض: «الجهمية»، و«المرجئة»، القائلين؛ بأن الإيمان: هو المعرفة، والقول، بلا عمل من أعمال القلب). اهـ
وعن الإمام وكيع / قال: (يقول أهل السنة: الإيمان؛ قول وعمل، والمرجئة تقول: الإيمان: قول بلا عمل، والجهمية يقولون: الإيمان المعرفة).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج5 ص999)، والآجري في «الشريعة» (259)، و(304)، والعدني في «الإيمان» (29)، من طريق أبي بكر الحميدي قال: سمعت وكيع بن الجراح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وبوب الإمام اللالكائي في «الاعتقاد» (ج5 ص996)؛ سياق ما نقل من مقابح مذاهب المرجئة.
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: (ومجرد الإتيان بلفظ: الشهادة، من غير علم بمعناها، ولا عمل بمقتضاها: لا يكون به المكلف مسلما، بل هو حجة على ابن آدم.
* خلافا لمن زعم: أن الإيمان، مجرد الإقرار، «كالكرامية»، ومجرد التصديق، «كالجهمية».
وقد أكذب الله تعالى المنافقين، فيما أتوا به، وزعموه من الشهادة، وأسجل على كذبهم، مع أنهم أتوا بألفاظ مؤكدة، بأنواع من التأكيدات) ([65]).اهـ
قلت: فإن المؤمن الصادق: ينقاد لله تعالى ظاهرا وباطنا، إخلاصا ومحبة لله تعالى، ونيلا لرضاه، وظفرا بجنته، وثوابه، وخوفا من عقابه وعذابه.
وقال عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص635)؛ وجدت في كتاب: أبي / قال: أخبرت: أن الفضيل بن عياض / قال: (يقول أهل البدع: الإيمان: الإقرار بلا عمل، والإيمان واحد، وإنما يتفاضل الناس بالأعمال، ولا يتفاضلون بالإيمان، ومن قال ذلك، فقد خالف الأثر، ورد على رسول الله r... وتفسير من يقول: الإيمان لا يتفاضل، يقول: إن الفرائض ليست من الإيمان، فميز أهل البدع: العمل من الإيمان([66])، وقالوا: إن فرائض الله عز وجل ليس من الإيمان، ومن قال ذلك؛ فقد أعظم الفرية، أخاف أن يكون جاحدا للفرائض، رادا على الله عز وجل أمره).
وقال عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص636)؛ وجدت في كتاب: أبي / قال: أخبرت: أن الفضيل بن عياض / قال: (ولو كان الأمر كما يقولون؛ لكان من عصى، وارتكب المعاصي، والمحارم، لم يكن عليه سبيل، وكان إقراره يكفيه من العمل، فما أسوأ هذا من قول وأقبحه، فإنا لله وإنا إليه راجعون).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص494): (ولا ريب: أن المعصية قد تكون سببا للكفر، كما قال بعض السلف: «المعاصي بريد الكفر»؛ فينهى عنها خشية أن تفضي إلى الكفر المحبط؛ كما قال تعالى: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ [النور: 63]؛ وهي الكفر، وإبليس خالف أمر الله تعالى، فصار كافرا؛ وغيره أصابه عذاب أليم).اهـ
وقال الإمام أبو يعلى / في «الإيمان» (ص356): (قالت الأشعرية: الإيمان، هو التصديق في اللغة، والشريعة جميعا، وإن الأفعال، والأعمال، من شرائع الإيمان، لا في نفس الإيمان.
* وقال المرجئة، والكرامية([67]): الإيمان، هو التصديق باللسان، وهو الإقرار بالشهادتين، دون طمأنينة القلب.
* ويفيد هذا أن الأفعال، ليست من الإيمان، ولا من شرائعه، وأنه إذا أتى بالشهادتين، فهو كامل الإيمان، وإن لم يأت بالأفعال.
* وقالت الجهمية: الإيمان: هو المعرفة بالله فحسب). اهـ
قلت: فقول: «عبيد الجابري»، أن الإيمان: هو «التصديق»، في اللغة، فقد وافق: «الجهمية»، و«الأشاعرة»، لأن الأشاعرة يقولون: أن الإيمان هو: «التصديق»، الذي؛ بمعنى: «المعرفة». ([68])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص317): (وقد عدلت: «المرجئة» في هذا الأصل، عن بيان الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، والتابعين لهم بإحسان.
* واعتمدوا على رأيهم، وعلى ما تأولوه بفهمهم اللغة، وهذه طريقة أهل البدع).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص351): (ومنهم: من يقول بقول: «المرجئة» إنه التصديق، بالقلب واللسان).اهـ
قلت: وهذا أيضا قول: «الماتريدية»، بأن الإيمان: هو «التصديق»، وأما قول اللسان عندهم؛ فهو: دليل عليه، وليس داخلا فيه، وأما العمل، فغير داخل في الإيمان، وليس من مسماه.
* والمرجئة المحضة، وهي: «الجهمية»، تقول: الإيمان، هو المعرفة الخاصة([69])؛ أي: إذا عرفت ربك بقلبك، فهذا هو الإيمان.
* والمرجئة العصرية: فتحوا بابا للمرجئة المحضة، الذين هم: «الجهمية»، حتى قالوا: الأعمال ليست مطلوبة أصلا.
* والمرجئة العصرية تقول: إن الأعمال، لا تدخل في مسمى الإيمان، وإن كانت الأعمال مطلوبة. ([70])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج1 ص152): (واختلف الناس في الإيمان، فمنهم من قال: إن الإيمان هو مجرد «التصديق والإقرار»، وهذا لا يتفاوت، فالناس فيه سواء، وهذا مذهب: «الجهمية المرجئة» الغلاة في الإرجاء، ولا شك أن هذا القول ليس بصحيح من وجهين:
الوجه الأول: أن قولهم: إن الإيمان هو مجرد «التصديق» ليس بصحيح؛ لأن النصوص ظاهرة في أن الأعمال من الإيمان.
الوجه الثاني: أن قولهم: إن «التصديق» لا يتفاوت غير صحيح أيضا؛ لأن إقرار القلب يتفاوت؛ فإن خبر الواحد لا يساوي خبر الإثنين في الطمأنينة إليه، فلو أخبرك شخص بخبر، وأنت تطمئن إلى هذا الشخص، وتثق بكلامه، ثم أخبرك آخر، فإن ثقتك تزداد، فإذا أخبرك ثالث تزداد أيضا.
* ولهذا قسم العلماء رحمهم الله: اليقين إلى ثلاثة أقسام: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، كما دل على ذلك القرآن، قال الله تعالى: ]كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين[ [التكاثر: 5-7]، وقال الله تعالى في القرآن: ]وإنه لحق اليقين [ [الحاقة: 51]، وقال في حال المحتضرين: ]إن هذا لهو حق اليقين[ [الواقعة:95]).اهـ
وقال الإمام أحمد /؛ وقد ذكرت عنده المرجئة، وقيل له: (إنهم يقولون إذا عرف الرجل ربه بقلبه، فهو مؤمن، فقال: «المرجئة»: لا تقول هذا، بل: «الجهمية» تقول بهذا، المرجئة تقول: حتى يتكلم بلسانه، وإن لم تعمل جوارحه، و«الجهمية»: تقول إذا عرف ربه بقلبه، وإن لم تعمل جوارحه، وهذا كفر، إبليس قد عرف ربه، فقال: ]رب بما أغويتني[ [الحجر: 39]، قلت: فالمرجئة: لما كانوا يجتهدون، وهذا قولهم، قال: البلاء). ([71])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص413): (والمرجئة ثلاثة أصناف:
الذين يقولون: الإيمان مجرد ما في القلب، ثم من هؤلاء: من يدخل فيه أعمال القلوب، وهم أكثر: «فرق المرجئة».
* كما قد ذكر أبو الحسن الأشعري: أقوالهم في كتابه، وذكر فرقا كثيرة يطول ذكرهم، لكن ذكرنا جمل أقوالهم.
ومنهم: من لا يدخلها في الإيمان، كـ«جهم» ومن اتبعه، كـ«الصالحي»، وهذا الذي نصره، هو وأكثر أصحابه.
والقول الثاني: من يقول: هو مجرد قول اللسان، وهذا لا يعرف لأحد، قبل: «الكرامية».
والثالث: تصديق القلب، وقول اللسان، وهذا هو المشهور عن: «أهل الفقه والعبادة» منهم.
وهؤلاء غلطوا من وجوه).اهـ
* وهذه خلاصة الأقوال: في «الإيمان»، ومنها يتبين أن ضلال الفرق في مسألة: «الإيمان» يتفاوت؛ فأبعدهم عن الحق: «الجهمية»، ثم ما آل إليه مذهب: «الأشاعرة»، ومذهب: «الماتريدية»، ومذهب: «المرجئة» من مناصرة مذهب: «جهم بن صفوان السمرقندي» في الإيمان.
قلت: والمعنى الصحيح، للإيمان في اللغة: هو الإقرار القلبي، ويكون الإقرار: باعتقاد القلب، أي: تصديقه بالأخبار، وعمل القلب؛ أي: إذعانه، وانقياده، للعمل، والأوامر. ([72])
* وهذا التعريف للإيمان: عليه أئمة الحديث، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية /، حيث بين معنى الإيمان اللغوي، وهذا من آرائه السديدة، واختياراته الموفقة؛ حيث اختار؛ معنى: «الإقرار» للإيمان.
قلت: لأنه رأى أن لفظة: «أقر» أصدق في الدلالة، والبيان، على معنى: الإيمان الشرعي، من غيرها، لأدلة علمية.
* ورد بتحقيق علمي، قول من ادعى: أن الإيمان: هو التصديق، أو هو مرادف للتصديق، وذكر فروقا بينهما، تمنع دعوى الترادف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291): (ومعلوم: أن الإيمان: هو «الإقرار»؛ لا مجرد «التصديق»، و«الإقرار»: ضمن قول القلب: الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو: الانقياد). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291): (فكان تفسيره؛ يعني: الإيمان، بلفظ «الإقرار»، أقرب من تفسيره؛ بلفظ: «التصديق»؛ مع أن بينهما فرقا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291)؛ في رده على من ادعى الترادف بين الإيمان، والتصديق: (إنه؛ يعني: الإيمان، ليس مرادفا للتصديق في المعنى.
* فإن كل مخبر عن مشاهدة، أو غيب، يقال له في اللغة: صدقت، كما يقال: كذبت.
فمن قال: السماء فوقنا، قيل له: صدقت، كما يقال: كذب، وأما لفظ الإيمان: فلا يستعمل؛ إلا في الخبر عن غائب، لم يوجد في الكلام، أن من أخبر عن مشاهدة؛ كقوله: طلعت الشمس، وغربت، أنه يقال: آمناه، كما يقال: صدقناه.
* ولهذا؛ المحدثون، والشهود، ونحوهم، يقال: صدقناهم، وما يقال: آمنا لهم؛ فإن الإيمان مشتق من الأمن، فإنما يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر؛ كالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المخبر.
ولهذا لم يوجد قط في القرآن، وغيره، لفظ: آمن له؛ إلا في هذا النوع).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص357): (لكن دعواكم: أن الإيمان هو: «التصديق»، وإن تجرد عن جميع أعمال القلوب، غلط).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص358): (لكن الشارع ضم إليه أمورا، إما في الحكم، وإما في الحكم والاسم.
* وهذا القول قد سلم صاحبه أن حكم الإيمان المذكور في الكتاب، والسنة، لا يثبت بمجرد تصديق القلب؛ بل لا بد من تلك الشرائط.
وعلى هذا فلا يمكنه جعل الفاسق مؤمنا، إلا بدليل يدل على ذلك، لا بمجرد قوله: «إن معه تصديق القلب»).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص329): (...أن القرآن ليس فيه ذكر إيمان مطلق غير مفسر؛ بل لفظ الإيمان فيه إما مقيد، وإما مطلق مفسر.
«فالمقيد» كقوله: ]يؤمنون بالغيب[ [البقرة:3]، وقوله تعالى: ]فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه[ [يونس:83]، و «المطلق المفسر» كقوله تعالى: ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم...[ [الأنفال:2] الآية. وقوله تعالى: ]إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون[ [الحجرات:15]، ونحو ذلك، وقوله تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء:65]، وأمثال هذه الآيات: وكل إيمان مطلق في القرآن؛ فقد يبين فيه أنه لا يكون الرجل مؤمنا، إلا بالعمل مع التصديق؛ فقد بين في القرآن أن الإيمان لا بد فيه من عمل مع التصديق، كما ذكر مثل ذلك في اسم: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»).اهـ
وقال الإمام ابن قتيبة / في «تفسير غريب القرآن» (ص9): (وأما إيمان العبد بالله تعالى: فتصديقه به قولا، وعقدا، وعملا).اهـ
قلت: و«الإقرار» هذا: هو الإلتزام بالدين، وليس هو مجرد: التصديق، فلفظ؛ «الإقرار»: يتناول الإلتزام، والتصديق([73])، ولا بد منهما في الإيمان. ([74])
قال تعالى: ]وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين[ [آل عمران: 81].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص708): (إلا أن يقال: أراد تصديق القلب واللسان جميعا، مع «المعرفة»، و«الإقرار»؛ ومراده «بالإقرار» الالتزام لا التصديق؛ كما قال تعالى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين[ [آل عمران: 81]، فالميثاق: المأخوذ على أنهم يؤمنون به وينصرونه وقد أمروا بهذا، وليس هذا «الإقرار» تصديقا؛ فإن الله تعالى لم يخبرهم بخبر؛ بل أوجب عليهم إذا جاءهم ذلك الرسول أن يؤمنوا به وينصروه، فصدقوا بهذا «الإقرار» والتزموه، فهذا هو إقرارهم).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص525): (وهذه الأعمال: إذا عملها الإنسان، مخلصا لله تعالى؛ فإنه يثيبه عليها، ولا يكون ذلك؛ إلا مع «إقراره بقلبه»: أنه: «لا إله إلا الله»، و«أن محمدا رسول الله»، فيكون معه من الإيمان هذا «الإقرار»).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص515): (وأما الإيمان؛ فأصله: تصديق، وإقرار، ومعرفة.
* فهو من باب قول القلب: المتضمن عمل القلب؛ والأصل فيه: التصديق، والعمل تابع له.
فلهذا: فسر النبي r: الإيمان، بإيمان القلب، وبخضوعه، وهو الإيمان: بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى المصرية» (ص148): (أصل الإيمان في القلب، وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار القلب بالتصديق، والحب، والانقياد.
* ولا بد أن يظهر: موجبه، ومقتضاه على الجوارح، فالأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب، ودليل عليه، وشاهد له، وشعبته مجموع الإيمان المطلق، وبعض له، وما في القلب، هو الملك، والأعضاء جنوده).اهـ
قلت: فمسألة التلازم بين إيمان القلب، وإيمان الجوارح، فهي واضحة.
* فشيخ الإسلام ابن تيمية /: يأبى تفسير، الإيمان: بالتصديق، لعدة أمور ذكرها، وناقشها، في كتابه المشهور «الإيمان الأوسط»، وقد رد على من عرف الإيمان بالتصديق، فالرد الإجمالي:
1) أن الإيمان في اللغة: ليس مرادفا للتصديق، وإما هو؛ معنى: الإقرار.
2) أن الإيمان، وإن كان في اللغة: هو التصديق، فالتصديق: يكون بالقلب، واللسان، وسائر الجوارح.
3) أن الإيمان، إذا فسر بالتصديق، فليس: هو مطلق التصديق، بل هو تصديق خاص، مقيد بقيود، اتصل اللفظ بها.
4) أن الإيمان، وإن كان هو: التصديق، فالتصديق التام، الذي يقوم بالقلب، ولا بد الواجب من أعمال القلوب والجوارح؛ فإنها لوازم الإيمان التام، وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم.
5) أن لفظ الإيمان: بقي على معناه في اللغة، ولكن الشارع زاد فيه أحكاما.
6) أن الشارع نقل المعنى في اللغة إلى الشرع.
* فقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية /: في تعريف الإيمان في اللغة، أنه بمعنى: الإقرار، وناقش من جعل التصديق مرادفا للإيمان، وبين أن مع التسليم بذلك، فلا يخرج، عن أمرين اثنين:
الأول: أن التصديق ليس بالقلب فقط، بل: «بالقول والعمل» أيضا، وفي الحديث الصحيح، عن النبي r قال: (والفرج يصدق ذلك، ويكذبه) ([75])، فجعل: «التصديق»: عمل الفرج، لا ما يتمنى القلب، والتكذيب تركه لذلك، وهذا صريح في أن: «التصديق» لا يصح؛ إلا بالعمل. ([76])
والثاني: أن الإيمان، وإن كان هو التصديق، فهو تصديق مخصوص، كالصلاة في اللغة الدعاء، إلا أنها في لغة الشارع، دعاء، وعمل مخصوص.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص128): (بل القرآن والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق، وهذا في القرآن أكثر بكثير من معنى الصلاة والزكاة، فإن تلك إنما فسرتها السنة، والإيمان بين معناه الكتاب والسنة وإجماع السلف). اهـ
* وقد أجمع السلف الصالح على أن الإيمان: قول وعمل... قول اللسان، واعتقاد القلب، وعمل الجوارح.
قال الإمام الشافعي / في كتاب «الأم»: (كان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم، يقولون: أن الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر).([77])
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج3 ص19): (فهذه الأصول الستة([78]): هي أصول الدين كله، هي أصول إسلامنا وديننا كله، فمن أتى بها مع الأعمال الظاهرة: صار مسلما مؤمنا، ومن لم يأت بها؛ فلا إسلام له، ولا إيمان له).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدرب» (ج1 ص49): (وعليه أيضا: مع هاتين الشهادتين؛ أن يؤدي الفرائض؛ فعليه أن يؤدي الصلوات الخمس، وعليه أن يؤدي الزكاة، وعليه أن يصوم رمضان، وعليه أن يحج البيت، وعليه أن يؤدي كل ما فرضه الله تعالى عليه، فلا بد من هذا.
* ولا بد من تجنبه ما حرم الله تعالى عليه، فإن أتى بناقض من نواقض الإسلام كفر، ولو أتى بالشهادتين، فإن المنافقين يقولون الشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، لكنهم في الباطن يكذبون؛ يكذبون الرسول r، ويكذبون الله تعالى فيما قال،: فصاروا كفارا في الدرك الأسفل من النار). اهـ
وعن الإمام إسحاق بن راهويه / قال: (غلت المرجئة حتى صار من قولهم: أن قوما يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود لها: إنا لا نكفره([79])، نرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقر، فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم، ثم هم أصناف).([80])
قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص21)؛ بعد إن ذكر قول إسحاق بن راهويه: (يعني: في أنهم مرجئة، وظاهر هذا: أنه يكفر بترك هذه الفرائض).اهـ
قلت: وهذا التأصيل العقدي من السلف، هو قاصم ظهر: «عبيد الجابري» المرجئ، الذي لا يكفر بترك هذه الفرائض!، ويقرر لمن ترك هذه الأصول، أنه ناقص الإيمان.
وعن معقل بن عبيد الله العبسي قال: قدمت المدينة، فجلست إلى نافع([81])، فقلت: يا أبا عبد الله! إن لي إليك حاجة، فقال: سر أم علانية؟ فقلت: لا؛ بل سر. قال: رب سر لا خير فيه، قلت: ليس من ذاك. فلما صلينا صلاة العصر؛ قام، وأخذ بيدي، وخرج من الخوخة([82])، ولم ينتظر القاص، فقال: حاجتك؟ قال: قلت: أخلني من هذا، قال: تنح يا عمرو، قال: ذكرت له بدوء قولهم، فقال: قال رسول الله r: (أمرت أن أضربهم بالسيوف حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله؛ عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، قال: فقلت له: إنهم يقولون: نحن نقر بأن الصلاة فريضة ولا نصلي، وأن الخمر حرام ونحن نشربها، وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نفعل؟ قال: فنتر([83]) يده من يدي، ثم قال: من فعل هذا؛ فهو كافر).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص382)، والخلال في «السنة» (ج5 ص31)، والطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص645-مسند ابن عباس) من طريق خالد بن حيان الكندي، وعمر بن خالد الرقي، كلاهما: عن معقل بن عبيد الله العبسي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن معقل بن عبيد الله العبسي قال: (لقيت الزهري: فأخبرته بقولهم؛ يعني: المرجئة، فقال: سبحان الله، أوقد أخذ الناس في الخصومات).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص382)، والخلال في «السنة» (ج5 ص31)، والطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص645-مسند ابن عباس) من طريق عمر بن خالد الرقي، وخالد بن حيان الكندي، كلاهما: عن معقل بن عبيد الله العبسي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: (الإيمان: المعرفة بالقلب، والإقرار باللسان، والتفضيل بالعمل).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص580) من طريق محمد بن علي بن الحسن حدثنا إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص616): (وقد تقدم: أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع، سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان، أو جزءا من الإيمان).اهـ
قلت: فالإيمان إذا ليس هو مجرد تصديق بالقلب، أو اللسان، أو إظهار الإيمان وادعائه، بل إن للإيمان، لوازم يلزم صاحبه، وشروط، وأركان، ومقتضيات يقتضيها لا يتحقق الإيمان، ولا يصح إلا بها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص160): (بين الله تعالى: أن الإيمان له لوازم، وله أضداد، موجودة تستلزم ثبوت لوازمه، وانتفاء أضداده).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتح المجيد» (ص35): (قوله: «من شهد أن لا إله إلا الله»؛ أي: من تكلم بها عارفا لمعناها، عاملا بمقتضاها، باطنا، وظاهرا، فلا بد في الشهادتين من: العلم، واليقين، والعمل بمدلولها، كما قال الله تعالى: ]فاعلم أنه لا إله إلا الله[ [محمد:19].
* وقال تعالى: ]إلا من شهد بالحق وهم يعلمون[ [الزخرف:86]، أما النطق بها من غير معرفة؛ لمعناها، ولا يقين، ولا عمل بما يقتضيه، من نفي الشرك، وإخلاص القول والعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب، والجوارح، فغير نافع بالإجماع).اهـ
* وبين الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص661)؛ عن مذهب: «المرجئة» في الإيمان، حيث قال: (فيمن كان من قوله: الإيمان قول بلا عمل، وفيمن كان من مذهبه: أن الشرائع ليست من الإيمان، وأن الإيمان: أما هو التصديق بالقول، دون العمل المصدق بوجوبه).اهـ
قلت: فموضوع المعركة: بين أهل السنة، وبين أهل الإرجاء، هذا النوع من الكفر([84])، فهم لا يثبتون من الكفر؛ إلا كفر التكذيب، وكفر الجحود!. ([85])
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ /: (وأصل الإسلام، وأساسه: أن ينقاد العبد لله تعالى بالقلب، والأركان مذعنا له بالتوحيد) ([86]).اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ /: (ومجرد التلفظ: بالشهادتين، لا يكفي في الإسلام، بدون العمل: بمعناها، واعتقاده: إجماعا)([87]).اهـ
قلت: وهذا يدل على أن العبد، لم يكن مؤمنا إلا بما اجتمع فيه هذه الثلاثة الأشياء، وهي: التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح. ([88])
فعن أبي سلمة الخزاعي / قال: (قال: مالك بن أنس، وشريك، وأبو بكر بن عياش، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد؛ الإيمان: المعرفة، والإقرار، والعمل).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1368)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (647)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1096)، والخلال في «السنة» (1006)، و(1249)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (568) من طريق أحمد بن حنبل قال: حدثنا أبو سلمة الخزاعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص362): (والمرجئة: وإن قالوا، إن الإيمان يتضمن الإسلام، فهم يقولون: الإيمان هو: تصديق القلب واللسان.
وأما الجهمية: فيجعلونه تصديق القلب.
* فلا تكون الشهادتان، ولا الصلاة، ولا الزكاة، ولا غيرهن من الإيمان.
وقد تقدم ما بينه الله تعالى، ورسوله r: من أن الإسلام داخل في الإيمان، فلا يكون الرجل مؤمنا حتى يكون مسلما، كما أن الإيمان داخل في الإحسان، فلا يكون محسنا حتى يكون مؤمنا).اهـ
قلت: فلا بد إذا من التفصيل في تعريف الإيمان في اللغة، ولا يكفي القول فيه التصديق المجمل.
* والحقيقة، فإن مآل مقولة: «عبيد الجابري» في: «الإيمان» على هذه الطريقة، قاض، بإخراج العمل عن حقيقة الإيمان الشرعي، والمصير إلى مذهب: «المرجئة» في أصل مذهبهم الفاسد.
قلت: فليس الإيمان عند أهل السنة: مجرد التصديق([89])، كما عند أهل البدع: من: «المرجئة» بجميع فرقهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص141): (والكرامية: توافق؛ «المرجئة» و«الجهمية» في أن إيمان الناس كلهم سواء، ولا يستثنون في الإيمان، بل يقولون: هو مؤمن حقا، لمن أظهر الإيمان). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص143): (وعند: «الجهمية» إذا كان العلم في قلبه، فهو كامل الإيمان، إيمانه: كإيمان النبيين، ولو قال، وعملماذا عسى أن يقول ويعمل، ولا يتصور عندهم: أن ينتفي عنه الإيمان؛ إلا إذا زال ذلك العلم قلبه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص510): (قالت: الخوارج، والمعتزلة؛ الطاعات كلها من الإيمان، فإذا ذهب بعضها ذهب بعض الإيمان؛ فذهب سائره، فحكموا بأن صاحب الكبيرة ليس معه شيء من الإيمان.
* وقالت: المرجئة، والجهمية؛ ليس الإيمان إلا شيئا واحدا، لا يتبعض، أما مجرد تصديق القلب؛ كقول: «الجهمية»، أو تصديق القلب واللسان؛ كقول: «المرجئة» قالوا: لأنا إذا أدخلنا فيه الأعمال صارت جزءا منه، فإذا ذهبت، ذهب بعضه، فيلزم إخراج ذي الكبيرة من الإيمان، وهو قول: «المعتزلة»، و«الخوارج»).اهـ
وعن أبي عبد الرحيم محمد بن أحمد بن الجراح الجوزجاني؛ قال: كتب إلي أحمد بن حنبل: (أحسن الله إلينا وإليك في الأمور كلها، وسلمك وإيانا من كل سوء برحمته «واتفقا من هاهنا»: أتاني كتابك تذكر فيه ما يذكر من احتجاج من احتج من المرجئة، واعلم رحمك الله أن الخصومة في الدين ليست من طريق أهل السنة، وأن تأويل من تأول القرآن بلا سنة تدل على معناها، أو معنى ما أراد الله عز وجل، أو أثر، «قال المروذي: أو أثر عن أصحاب الرسول r»، ويعرف ذلك بما جاء عن النبي r، أو عن أصحابه، فهم شاهدوا النبي r، وشهدوا تنزيله، وما قصه له القرآن، وما عني به، وما أراد به، وخاص هو أو عام، فأما من تأوله على ظاهر بلا دلالة من رسول الله r، ولا أحد من أصحابه، فهذا تأويل أهل البدع، لأن الآية قد تكون خاصة، ويكون حكمها حكما عاما، ويكون ظاهرها على العموم، فإنما قصدت لشيء بعينه، ورسول الله r المعبر عن كتاب الله عز وجل، وما أراد وأصحابه y أعلم بذلك منا لمشاهدتهم الأمر).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (ج5 ص23) من طريق عبد الله بن عبيد الطرسوسي قال: ثنا محمد بن حاتم المروزي قال: ثنا أبو عبد الرحيم محمد بن أحمد بن الجراح قال: كتب إلي أحمد بن حنبل فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «الفتاوى» (ج7 ص390).
* والمرجئة العصرية: زعمت أن معنى: الإيمان: هو التصديق بالإجماع، وترد وتبطل كل قول: يعارض هذا التعريف.
ولماذا تذهب: «المرجئة» إلى هذا التعريف؛ لكي نقول: لا كفر، إلا بجحود، وتكذيب، واعتقاد.
* لذلك تارك «جنس العمل»: لا يكفر عند: «المرجئة العصرية»!([90]).([91])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص288): (مثال ذلك: أن «المرجئة» لما عدلوا عن معرفة كلام الله تعالى، ورسوله r: أخذوا يتكلمون في مسمى: «الإيمان»، و «الإسلام»، وغيرهما؛ بطرق ابتدعوها، مثل: أن يقولوا: الإيمان في اللغة: هو التصديق، والرسول r: إنما خاطب الناس بلغة العرب، لم يغيرها؛ فيكون مراده بالإيمان: التصديق، ثم قالوا: والتصديق، إنما يكون بالقلب، واللسان، أو بالقلب؛ فالأعمال ليست من الإيمان).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص548): (وهذه من عقائد: «المرجئة»، وأقوالهم؛ كأصحاب: «بشر المريسي»، الذين يقولون: بأن الإيمان: هو التصديق؛ لأن الإيمان في اللغة: هو التصديق، وما ليس بتصديق، فليس بإيمان، ويزعم أن التصديق: يكون بالقلب، وباللسان جميعا).اهـ
قلت: فعند شيخ الإسلام ابن تيمية / تعريف: «المرجئة الخامسة»؛ أن الإيمان: هو مجرد التصديق. ([92])
قلت: فهذا خداع فاضح، ومكر واضح، لدفع ما وقعت فيه «المرجئة العصرية» من إدانات وإلزامات بدعية خطيرة.
وقال الإمام محمد بن نصر المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص392): (وقد وهمت في تفسيره؛ يعني: «الإيمان»، فتأولوه على غير تأويله، قلة معرفة منهم: بلسان العرب، وغور كلام النبي r).اهـ
قلت: و«عبيد الجابري» هذا أخذ ألفاظ السلف، وخلطها بعقيدة: «المرجئة»، فجاء بالعجائب، والمتناقضات، بل كذب على عقيدة السلف في الإيمان، وذلك ليس: لـ«عبيد الجابري»؛ أي: إمام في شرحه: «للإيمان»، فوقع في الباطل، ولابد. ([93])
فعن الإمام الشافعي / قال: (كل من تكلم بكلام في الدين، أو في شيء من هذه الأهواء، ليس فيه إمام متقدم من النبي r، وأصحابه، فقد أحدث في الإسلام حدثا).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «مناقب الشافعي» (ج2 ص335) من طريق سهل بن نعيم قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
* فمن أحدث حدثا في الإسلام، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله تعالى منه صرفا، ولا عدلا، نعوذ بالله من الخذلان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص544): (والمرجئة: أخرجوا العمل الظاهر عن الإيمان، فمن قصد منهم: إخراج أعمال القلوب أيضا، وجعلها: هي التصديق، فهذا ضلال بين، ومن قصد إخراج العمل الظاهر، قيل لهم: العمل الظاهر لازم للعمل الباطن لا ينفك عنه، وانتفاء الظاهر دليل انتفاء الباطن).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص71): (وكل قول: يتفرد به المتأخر، ولم يسبقه إليه أحد منهم: فإنه يكون خطأ، كما قال الإمام أحمد: إياك أن تقول في مسألة ليس لك فيها إمام) ([94]).اهـ
عن معقل بن عبيد الله العبسي، قال: (حججت، فدخلت على: «عطاء بن أبي رباح» في نفر من أصحابي، فإذا هو يقرأ: سورة يوسف، قال: فسمعته يقول؛ هذا الحرف: ]حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا[ [يوسف: 110]، مخففة؛ قال: قلت له: إن لنا إليك حاجة، فأخلنا، ففعل، فأخبرته: أن قوما قبلنا قد أحدثوا، وتكلموا، وقالوا: إن الصلاة، والزكاة ليستا من الدين، فقال عطاء: أوليس الله تعالى يقول: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة[ [البينة: 5]؛ فالصلاة، والزكاة من الدين).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص382)، والخلال في «السنة» (ج5 ص30) من طريق أحمد بن حنبل قال: ثنا خالد بن حيان الكندي قال: ثنا معقل بن عبيد الله العبسي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الإمام محمد بن أسلم الطوسي([95]) / في «الإيمان» (ج9 ص247 و248-الحلية): (فالمرجئة، والجهمية، قياسهما: قياس واحد: فإن: «الجهمية» زعمت: أن الإيمان المعرفة، فحسب، بلا إقرار ولا عمل، و«المرجئة» زعمت: أنه قول بلا تصديق قلب، ولا عمل؛ فكلاهما: «شيعة: إبليس»، وعلى زعمهم: «إبليس مؤمن»؛ لأنه عرف ربه سبحانه، ووحده، حين قال: ]فبعزتك لأغوينهم أجمعين[ [ص: 82]، وحين قال: ]إني أخاف الله رب العالمين[ [المائدة: 28]، وحين قال ]رب بما أغويتني[ [الحجر: 39]؛ فأي: قوم أبين ضلالة، وأظهر جهلا، وأعظم بدعة، من قوم يزعمون: أن إبليس مؤمن!، فضلوا عن جهة قياسهم، يقيسون على الله تعالى دينه، والله تعالى لا يقاس عليه دينه، فما عبدت الأوثان، والأصنام؛ إلا بالقايسين؛ فاحذروا: يا أمة محمد r القياس على الله في دينه، واتبعوا، ولا تبتدعوا، فإن دين الله تعالى: استنان، واقتداء، واتباع، لا قياس، وابتداع).اهـ
وقال الإمام الطبري / في «معالم الدين» (ص190): (المعنى: الذي يستحق به؛ اسم: مؤمن بالإطلاق: هو الجامع لمعاني الإيمان، وذلك أداء جميع فرائض الله تعالى ذكره: من معرفة، وإقرار، وعمل).اهـ
وقال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص649): (الإيمان: هو التصديق: غير أن التصديق، معنيان: أحدهما؛ قول، والآخر: عمل).اهـ
وقال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص649): (فكذلك: القول في الإيمان: إنما هو: اسم للتصديق، الذي معناه: ما ذكرنا، من الإقرار، والعمل).اهـ
* فالإيمان: هو الأساس، والقاعدة التي تبنى عليها الأعمال؛ فلا عمال؛ إلا بالنية، ولا عمل؛ إلا بالإيمان، ولأن أعظم ما جاء به الوحي، هو الإيمان بالله تعالى، ورسوله r.
* والإيمان: أصله، التصديق، والاعتراف، والإقرار بالقلب، ثم تتبعه أعمال القلوب، وأعمال الجوارح.
* فإن الذي قرره أئمة الحديث: أن الإيمان قول وعمل.
1) قول القلب: وهو التصديق، والإقرار، والاعتراف.
2) وقول اللسان: وهو الذكر، وتلاوة القرآن، وغير ذلك.
3) وعمل القلب: كالنية، والإخلاص، والمحبة، والصدق، والتوكل، والرهبة، والرغبة، وغير ذلك.
4) وعمل الجوارح: كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وغير ذلك.
وقال الإمام محمد بن أسلم الطوسي / في «الإيمان» (ج9 ص246-الحلية): (فإذا آمن القلب، وشهد اللسان: عملت الجوارح، فأطاعت أمر الله تعالى، وعملت بعمل الإيمان، وأدت حق الله تعالى عليها في فرائضه، وانتهت عن محارم الله تعالى، إيمانا، وتصديقا؛ بما في القلب، ونطق به اللسان، فإذا فعل ذلك كان مؤمنا).اهـ
وقال الإمام محمد بن أسلم الطوسي / في «الإيمان» (ج9 ص246-الحلية): (ترون أنه قد بين أن إيمانه يعرف بالعمل، لا بالقول، وقد بين أن الإيمان الذي في القلب ينفعه إذا عمل بعمل الإيمان؛ فإذا عمل بعمل الإيمان تتبين علامة إيمانه أنه مؤمن).اهـ
قلت: فلا يتحقق الإيمان: إلا بالأقوال، والأعمال، كما دلت على ذلك النصوص: من الكتاب، والسنة، والآثار. ([96])
وعن الإمام أبي ثور / قال: (لم يكن مؤمنا؛ إلا بما اجتمعوا عليه من هذه الثلاثة الأشياء؛ وذلك أنه إذا جاء بالثلاثة أشياء، فكلهم يشهد؛ أنه مؤمن، فقلنا بما اجتمعوا عليه من: التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، وعمل بالجوارح).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1370) من طريق أحمد بن جعفر قال: حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص388)؛ معلقا على أثر أبي ثور: (يعني: الإمام أبو ثور /، أنه لا يكون مؤمنا؛ إلا إذا التزم بالعمل، مع الإقرار، وإلا فلو أقر، ولم يلتزم العمل لم يكن مؤمنا.
* وهذا الاحتجاج الذي ذكره: أبو ثور، هو دليل على وجوب الأمرين، «الإقرار والعمل»، وهو يدل على أن؛ كلا: منهما من الدين، وأنه لا يكون مطيعا لله تعالى، ولا مستحقا للثواب، ولا ممدوحا، عند الله تعالى، ورسوله r، إلا بالأمرين جميعا).اهـ
وعن الإمام الحسن البصري / قال: (إن الإيمان ليس بالتحلي، ولا بالتمني، إنما الإيمان ما وقر في القلب، وصدقه العمل).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «الإيمان» (93)، وفي «المصنف» (ج11 ص22)، و(ج13 ص504)، وعبد الله بن أحمد في «زوائد الزهد» (1488)، وابن المبارك في «الزهد» (1565)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1093)، و(1094)، والخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (56)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (363) من طرق عن الحسن البصري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «الإيمان الكبير» (ص555).
وقوله: (ليس الإيمان بالتمني)؛ يعني: بالكلام.
وقوله: (بالتحلي)؛ يعني: أن يصير حلية ظاهرة له، فيظهره من غير حقيقة من قلبه.
ومعناه: ليس هو ما يظهر من القول، ولا من الحلية الظاهرة.
* ولكن ما وقر في القلب، وصدقته الأعمال، فالعمل يصدق: أن في القلب إيمانا، وإذا لم يكن عمل، كذب أن في قلبه إيمانا، لأن ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم. ([97])
* وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج8 ص229)؛ أن جهما، جعل الإيمان مجرد معرفة القلب، كما سبق.
* وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا في «الإيمان الكبير» (ص430)؛ أن المرجئة، تقول: أن الصلاة، والزكاة ([98]): ليستا من الإيمان.
قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج3 ص351): (الإيمان بالله: هو مجموع هذه الخصال، من القول والعمل، كما على ذلك أصحاب رسول الله r، والتابعون، وتابعوهم كلهم).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص54): (وها هنا أصل آخر: وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل.
* والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد.
وقول اللسان، وهوالتكلم بكلمة الإسلام.
* والعمل قسمان:
1) عمل القلب، وهو نيته وإخلاصه.
2) وعمل الجوارح).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص660): (ولهذا فسر النبي r: «الإيمان»: في حديث: «وفد عبد القيس»، «بالشهادتين»، و«الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصوم»).اهـ
وعن الإمام أبي ثور / قال: (فلما لم يكن بالإقرار إذا لم يكن معه التصديق مؤمنا، ولا بالتصديق إذا لم يكن معه الإقرار مؤمنا، حتى يكون مصدقا بقلبه، مقرا بلسانه، فإذا كان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، كان عندهم مؤمنا، وعند بعضهم لا يكون، حتى يكون مع التصديق عمل، فيكون بهذه الأشياء إذا اجتمعت مؤمنا).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1370) من طريق أحمد بن جعفر قال: حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص349) عن أهل الأهواء: (بل ينصرون ما يظهر من أقوالهم بما تلقوه عن المتكلمين، من: «الجهمية»، ونحوهم من أهل البدع، فيبقى الظاهر قول السلف، والباطن قول: «الجهمية» الذين هم أفسد الناس مقالة في الإيمان).اهـ
قلت: فيظن من لا يعرف حقيقة الإيمان، مثل: «عبيد الجابري» أن هذا هو مذهب السلف الصالح الذي دل عليه الكتاب والسنة، وهو خلاف ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص366): (فالمتأخرون الذين نصروا قول: «جهم» في مسألة الإيمان، يظهرون قول السلف في هذا([99])، وفي الاستثناء، وفي انتفاء الإيمان الذي في القلب، حيث نفاه القرآن ونحو ذلك، وذلك كله موافق للسلف في مجرد اللفظ، وإلا فقولهم في غاية المباينة: لقول السلف؛ ليس في الأقوال أبعد عن السلف منه).اهـ
قلت: فمن لم يكن متبعا سبيل السلف الصالح، كان متبعا غير سبيلهم، ولا بد.
وهذا يدل على أن سبيلهم من الواجبات، فليس لأحد أن يخرج عما أجمعوا عليه، في مسائل الإيمان، وغيرها. ([100])
وعن الإمام أبي ثور / قال: (فأما الطائفة التي زعمت: أن العمل ليس من الإيمان؛ فيقال لهم: ما أراد الله تعالى من العباد؛ إذ قال لهم: ]أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة[ [البقرة: 43]؛ إلا إقرارا بذلك، أو الإقرار والعمل؟، فإن قالت: إن الله أراد الإقرار، ولم يرد العمل، فقد كفرت عند أهل العلم، من قال: إن الله لم يرد من العباد: أن يصلوا، ولا يؤتوا الزكاة، فإن قالت: أراد منهم الإقرار والعمل، قيل: فإذا كان أراد منهم الأمرين جميعا، لم زعمتم أنه يكون مؤمنا بأحدهما: دون الآخر، وقد أرادهما جميعا).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1370) من طريق أحمد بن جعفر، وأحمد بن حمدان، كلاهما: عن إدريس بن عبد الكريم المقرئ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن الإمام الأوزاعي / قال: (الإيمان اسم يجمع، كما يجمع هذه اسم الأديان؛ وتصديقه: العمل، فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدق ذلك بعمله، فذلك العروة الوثقى، التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه، ولم يعرف بقلبه، ولم يصدق بعمله، لم يقبل منه، وكان في الآخرة من الخاسرين).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1371)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1097)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص255)، والخلال في «السنة» (1025) من طريق معاوية بن عمرو قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فالله تعالى أراد بالأمرين جميعا، وهما: الإقرار بجميع ما أمر الله تعالى به، والعمل بذلك([101]).([102])
فعن الإمام عبد الله بن عبيد بن عمير / قال: (الإيمان بالله تعالى مع العمل، والعمل مع الإيمان، ولا يصلح هذا، إلا مع هذا، حتى يقدمان على الخير؛ إن شاء الله).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي الدنيا في «محاسبة النفس» (86)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1361)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (68)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص354) من طريق هارون بن إبراهيم البربري قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فالإيمان والعمل: قرينان، لا يصلح كل واحد منهما، إلا مع صاحبه. ([103])
* وليس بين أهل العلم خلاف في عبد قال: أشهد أن الله تعالى واحد، وأن ما جاءت به الرسل حق، وأقر بجميع الشرائع، ثم قال: ما عقد قلبي على شيء من هذا، ولا أصدق به، أنه ليس بمسلم. ([104])
فعن الإمام زيد بن أسلم / قال: (لا بد لهذا الدين من أربع: دخول في دعوة المسلمين، ولا بد من الإيمان، وتصديق بالله، وبالمرسلين، أولهم وآخرهم، والجنة والنار، والبعث بعد الموت، ولا بد من أن تعمل عملا صالحا، تصدق به إيمانك).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (31085)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1364)، وابن العديم في «تاريخ حلب» (ج9 ص3991) من طريق الفضل بن دكين أبي نعيم قال: حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن أبي يحيى الأعرج قال: قلت؛ لحذيفة بن اليمان t: ما النفاق؟ قال: (الذي يتكلم بالإسلام، ولا يعمل به).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص642-مسند ابن عباس)، وأحمد في «الإيمان» (478)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (783)، و(801)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص382) من طريق المؤمل بن إسماعيل، ويحيى بن عيسى، ووكيع، عن سفيان الثوري، والأعمش؛ كلاهما: عن ثابت بن أبي المقدام عن أبي يحيى الأعرج به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص643): (فمعنى: النفاق؛ إنما هو إظهار المرء بلسانه قولا، ما هو مستبطن خلافه).اهـ
وقال عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص636)؛ وجدت في كتاب: أبي /، قال: أخبرت، أن الفضيل بن عياض قال: (ويقول أهل السنة: إن الله عز وجل قرن العمل بالإيمان، وأن فرائض الله عز وجل من الإيمان، قالوا: ]والذين آمنوا وعملوا الصالحات[ [محمد: 2]؛ فهذا موصول: العمل بالإيمان).
قلت: وهذه الآثار شديدة على: «المرجئة العصرية»، وحجة عليهم.
قال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص643): (كان الإيمان: عندنا، قولا باللسان؛ بما يحقن به المرء دمه، وعملا بالجوارح، بما يستوجب بالعمل به، حقيقة اسم الإيمان). اهـ
وقال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص666): (فإن كان الإيمان: كما قلت؛ بالإطلاق، إنما هو: المعرفة بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، واجتناب الكبائر، وترك الإصرار على الصغائر). اهـ
وقال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص685): (اسم الإيمان المطلق، إنما هو: للمعرفة بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، دون بعض ذلك). اهـ
* وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز /: من شهد أن لا إله إلا الله، واعتقد بقلبه، ولكن ترك جميع العمل، هل يكون مسلما؟.
فأجاب فضيلته: (لا، ما يكون مسلما حتى يوحد الله بعمله، يوحد الله بخوفه ورجائه، ومحبته، والصلاة، ويؤمن أن الله أوجب كذا وحرم كذا. ولا يتصور... ما يتصور أن الإنسان المسلم يؤمن بالله يترك جميع الأعمال، هذا التقدير لا أساس له. لا يمكن يتصور أن يقع من أحد... نعم لأن الإيمان يحفزه إلى العمل الإيمان الصادق... نعم).([105]) اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: عن العمل: (لا، هو جزء، ما هو بشرط، هو جزء من الإيمان، الإيمان قول وعمل وعقيدة؛ أي: تصديق، والإيمان يتكون من القول والعمل والتصديق؛ عند أهل السنة والجماعة).([106]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص384): (وهكذا: أهل البدع، لا تجد أحدا، ترك بعض السنة، التي يجب التصديق بها، والعمل؛ إلا وقع في بدعة، ولا تجد صاحب بدعة، إلا ترك شيئا من السنة). اهـ
قلت: فما ابتدع أناس من البدع، إلا تركوا من السنن مثلها، ثم بعد ذلك تقع بينهم العداوة والبغضاء.
قال تعالى: ]فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء[ [المائدة: 14].
قلت: ويلزم من قول: «عبيد الجابري» أن الإيمان: هو التصديق، فيلزم أن يكون العبد مسلما، ولو لم يتكلم بالشهادتين، ولا أتى بشيء من الأعمال الصالحة!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص365): (ثم قولكم: كل مؤمن مسلم، إن كنتم تريدون بالإيمان: تصديق القلب فقط.
* فيلزم أن يكون الرجل مسلما، ولو لم يتكلم بالشهادتين، ولا أتى بشيء من الأعمال المأمور بها، وهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة من دين الإسلام).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص402): (فإن الإيمان: أصله الإيمان الذي في القلب، ولا بد فيه من شيئين:
1) تصديق بالقلب.
2) وإقراره ومعرفته.
* ويقال لهذا: قول القلب، فلا بد فيه من قول القلب وعمله، ثم قول البدن وعمله.
* ولا بد فيه من عمل القلب، مثل: حب الله تعالى، ورسوله r، وخشية الله تعاىل، وحب ما يحبه الله تعالى، ورسوله r، وبغض ما يبغضه الله تعالى، ورسوله r، وإخلاص العمل لله تعالى وحده، وتوكل القلب على الله تعالى وحده، وغير ذلك من أعمال القلوب، التي أوجبها الله تعالى، ورسوله r، وجعلها من الإيمان).اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص405): (ومن هنا يظهر خطأ قول: «جهم بن صفوان»، ومن اتبعه، حيث ظنوا: أن الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه، لم يجعلوا أعمال القلب من الإيمان).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص407)؛ عن ظن المرجئة: (ظنهم: أن الإيمان مجرد تصديق، وعلم فقط، ليس معه عمل، وحال، وحركة، وإرادة، ومحبة، وخشية في القلب، وهذا من أعظم غلط: «المرجئة» مطلقا).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص408): (ظنهم: أن كل من حكم الشارع، بانه كافر مخلد في النار، فإنما ذلك لأنه لم يكن في قلبه شيء من العلم، والتصديق، وهذا أمر خالفوا به الحس، والعقل، والشرع).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص406)؛ عن قول: «الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه»: (وهذا القول: مع أنه أفسد قول، قيل في «الإيمان»، فقد ذهب إليه كثير من: «أهل الكلام المرجئة».
وقد كفر السلف، كـ«وكيع بن الجراح»، و«أحمد بن حنبل»، و«أبي عبيد»، وغيرهم، من يقول بهذا القول).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص424): (من غلط: «المرجئة» ظنهم أن ما في القلب، من الإيمان، ليس إلا التصديق فقط، دون أعمال القلوب؛ كما تقدم: «جهمية المرجئية»).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ص292): (إن لفظ؛ الإيمان في اللغة: لم يقابل بالتكذيب؛ كلفظ التصديق؛ فإنه من المعلوم في اللغة: أن كل مخبر، يقال له: صدقت، أو كذبت، ويقال: صدقناه أو كذبناه، ولا يقال: لكل مخبر: آمنا له، أو كذبناه.
ولا يقال: أنت مؤمن له، أو مكذب له؛ بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال: هو مؤمن، أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب).اهـ
قلت: وقد بين شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص229)؛ خطأ عدد من أهل العلم([107])، الذين قالوا: أن الإيمان في اللغة: هو التصديق.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص229): (ثم إن كلمة: «صدقت» لا تعطي معنى: كلمة «آمنت»، فإن: «آمنت» تدل على طمأنينة بخبره: أكثر من: «صدقت».
ولهذا؛ لو فسر: «الإيمان»، بـ«الإقرار»، لكان أجود؛ فنقول: الإيمان: الإقرار، ولا إقرار؛ إلا بتصديق، فنقول: أقر به، كما نقول: آمن به، وأقر لهن كما تقول: آمن له).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص54): (فأهل السنة: مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب،وهو محبته وانقياده؛ كما لم ينفع إبليس؛ وفرعون وقومه، واليهود، والمشركين: الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول r؛ بل ويقرون به سرا وجهرا، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه، ولا نؤمن به).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص54): (فإن الإيمان ليس مجرد التصديق؛ وإنما هو: التصديق المستلزم للطاعة والانقياد.
وهكذا الهدى: ليس هو مجرد معرفة الحق وتبينه، بل هو: معرفته المستلزمة لاتباعه، والعمل بموجبه).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصلاة» (ص54): (كما أن اعتقاد التصديق؛ وإن سمي تصديقا؛ فليس هو التصديق المستلزم للإيمان، فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته).اهـ
قلت: ولذلك نقول: لـ«عبيد الجابري»، فلا تنقل؛ أي: شيء في اللغة، بمثل: ما نقله: مثلا «الأصمعي»، أو: «الخليل»، أو من قلدهما في اللغة، فإن هؤلاء ممكن يخطئون أحيانا في اللغة، ويجتهدون حتى في نقل اللغة ما قبل الإسلام.
* بل ينقلون ما سمعوه من العرب في زمانهم، وما سمعوه في دواوين الشعر، وغير ذلك بغير إسناد، وهذا النقل معرض للخطأ بلا شك، وللاجتهاد.
ولذلك ما نقله عدد من أهل اللغة، أن الإيمان هو: التصديق، ليس بالصحيح. ([108])
قلت: ولم يعرف عن أهل اللغة جميعهم أنهم قالوا: أن الإيمان في اللغة: هو التصديق.
* فأين الإجماع على أن الإيمان: هو التصديق، بإجماع أهل اللغة قاطبة، بعد نزول القرآن، سيقولون يدل على ذلك، قوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف: 17]؛ أي: بمصدق لنا. ([109])
فيقال لهم: من نقل هذا الإجماع، ومن أين يعلم هذا الإجماع، وفي أي: كتاب ذكر هذا الإجماع من كتب السلف، أن الإيمان: هو التصديق، قبل نزول القرآن، وبعد نزول القرآن. ([110])
* لم يكن ذلك أبلغ من نقل الصحابة y، كافة للقرآن عن النبي r.
فالصحابة y فيما نقلوه عن العرب أولى.
قلت: ونحن لا حاجة لنا مع بيان الرسول r لما بعثه الله تعالى به من القرآن.
ولما فهمه الصحابة y لفظ القرآن، ومعناه صحيح.
قلت: فحصر «عبيد الجابري» الإيمان في: «التصديق»، يلزمه لوازم في غاية الفساد.
فإما أن يقول بها، فيتبين بطلان ما هو عليه من الباطل.
وإما أن يتكبر، فيعارض ويخالف مقولته، فيخرب علمه بيده.
ومن هذه اللوازم: الحكم بإسلام «إبليس»، و«فرعون»، و«أبي طالب»، و«اليهود»، وغيرهم، من الذين أظهروا: «التصديق» ولم يصدر عنهم هذا التكذيب. ([111])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص307): (والتصديق من الإيمان، ولا بد أن يكون مع التصديق شيء من حب الله تعالى، وخشية الله تعالى، وإلا فالتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك ليس إيمانا البتة، بل هو كتصديق: «فرعون»، و«اليهود»، و«إبليس»، وهذا هو الذي أنكره السلف على: «الجهمية»). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ج3 ص969): (ألا ترى أن نفرا من اليهود: جاؤوا إلى النبي r، وسألوه عن أشياء، فأخبرهم، فقالوا: نشهد أنك نبي، ولم يتبعوه، وكذلك: «هرقل»([112])، وغيره، فلم ينفعهم: هذا العلم، وهذا التصديق).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص332): (والقلب عليه: واجبان، لا يصير مؤمنا؛ إلا بهما جميعا: واجب المعرفة والعلم، وواجب الحب؛ والانقياد، والاستسلام فكما لا يكون مؤمنا إذا لم يات: بواجب العلم، والاعتقاد، لا يكون مؤمنا، إذا لم يأت بواجب الحب، والانقياد، والاستسلام، بل إذا ترك هذا الواجب مع علمه ومعرفته به، كان أعظم كفرا، وأبعد عن الإيمان).اهـ
* فمذهب: «المرجئة» أن الإيمان عقد في القلب فقط، ولا يدخلون العمل في مسماه، ويرون أن مجرد التصديق هو الإيمان!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص326): (فإن قيل: هذا يقدح في العلم باللغة قبل نزول القرآن، قيل: فليكن؛ ونحن لا حاجة بنا مع بيان الرسول r لما بعثه الله تعالى به من القرآن؛ أن نعرف اللغة: قبل نزول القرآن، والقرآن نزل بلغة قريش، والذين خوطبوا به كانوا عربا، وقد فهموا ما أريد به: وهم الصحابة y، ثم الصحابة بلغوا لفظ القرآن، ومعناه: إلى التابعين حتى انتهى إلينا، فلم يبق بنا حاجة إلى أن تتواتر عندنا تلك اللغة من غير طريق تواتر القرآن، لكن لما تواتر القرآن لفظا ومعنى، وعرفنا أنه نزل بلغتهم؛ عرفنا أنه كان في لغتهم لفظ السماء والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر، ونحو ذلك على ما هو معناها في القرآن، وإلا فلو كلفنا نقلا متواترا لآحاد هذه الألفاظ من غير القرآن؛ لتعذر علينا ذلك في جميع الألفاظ، لا سيما إذا كان المطلوب: أن جميع العرب كانت تريد باللفظ هذا المعنى، فإن هذا يتعذر العلم به، والعلم بمعاني القرآن ليس موقوفا على شيء من ذلك؛ بل الصحابة y بلغوا معاني القرآن، كما بلغوا لفظه، ولو قدرنا أن قوما سمعوا كلاما أعجميا، وترجموه لنا بلغتهم؛ لم نحتج إلى معرفة اللغة التي خوطبوا بها أولا). اهـ
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن /: (ومجرد الإتيان بلفظ الشهادة، من غير علم بمعناها، ولا عمل بمقتضاها: لا يكون به المكلف مسلما).([113])([114]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص644) عن الإيمان: (إذا ذهب نقص عن الأكمل، ومنه إذا ذهب: ذهب عن الكمال، ومنه ما إذا ذهب: ذهب الإيمان بالكلية، وهو القول والاعتقاد). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «كشف الشبهات» (ص126): (لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شي من هذا لم يكن الرجل مسلما. فإن عرف التوحيد ولم يعمل به، فهو كافر معاند؛ كـ«فرعون»، و«إبليس»، وأمثالهما). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ص86): (فإذا خلا العبد: عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا... فإن حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد، وذلك إنما يتم بالفعل، لا بالقول فقط؛ فمن لم يفعل لله تعالى شيئا فما دان لله دينا، ومن لا دين له فهو كافر). اهـ
وقال الحافظ أبو عبيد / في «الإيمان» (ص65): (فلم يجعل الله تعالى للإيمان حقيقة إلا بالعمل على هذه الشروط، والذي يزعم أنه بالقول خاصة يجعله مؤمنا حقا، وإن لم يكن هناك عمل، فهو معاند لكتاب الله والسنة). اهـ
* وسئل العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: شهادة أن لا إله إلا الله هي مفتاح دين الإسلام، وأصله الأصيل؛ فهل من نطق بها فقط؛ دخل في دائرة المسلمين؛ دون عمل يذكر؟ وهل الأديان السماوية - غير دين الإسلام الذي جاء به محمد r: جاءت بنفس هذا الأصل الأصيل؟.
فأجاب فضيلته: (من نطق بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله؛ حكم بإسلامه بادي ذي بدء، وحقن دمه:
فإن عمل بمقتضاها ظاهرا وباطنا؛ فهذا مسلم حقا، له البشرى في الحياة الدنيا والآخرة.
* وإن عمل بمقتضاها ظاهرا فقط؛ حكم بإسلامه في الظاهر، وعومل معاملة المسلمين، وفي الباطن هو منافق، يتولى الله حسابه.
وأما إذا لم يعمل بمقتضى: «لا إله إلا الله»، واكتفى بمجرد النطق بها، أو عمل بخلافها؛ فإنه يحكم بردته، ويعامل معاملة المرتدين.
* وإن عمل بمقتضاها في شيء دون شيء؛ فإنه ينظر: فإن كان هذا الذي تركه يقتضي تركه الردة؛ فإنه يحكم بردته، كمن ترك الصلاة متعمدا، أو صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله. وإن كان هذا الذي تركه لا يقتضي الردة؛ فإنه يعتبر مؤمنا ناقص الإيمان بحسب ما تركه؛ كأصحاب الذنوب التي هي دون الشرك.
وهذا الحكم التفصيلي جاءت به جميع الشرائع السماوية).([115]) اهـ
وقال عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص634)؛ وجدت في كتاب: أبي /، قال: أخبرت، أن الفضيل بن عياض قال: (والله لا تكون مؤمنا؛ حقا، مستكمل الإيمان؛ حتى تؤدي ما افترض الله عز وجل عليك، وتجتنب ما حرم الله عليك، وترضى بما قسم الله لك، ثم تخاف مع هذا: أن لا يقبل الله عز وجل منك.
* ووصف فضيل الإيمان بأنه: قول وعمل، وقرأ: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة[ [البينة: 5]؛ فقد سمى الله عز وجل: دينا قيمة: بالقول، والعمل؛ فالقول: الإقرار بالتوحيد، والشهادة للنبي r بالبلاغ.
والعمل: أداء الفرائض واجتناب المحارم، فالدين: التصديق بالعمل) ([116]).
وعن إبراهيم بن الأشعث البخاري قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: (أهل الإرجاء يقولون: الإيمان؛ قول لا عمل، وتقول الجهمية: الإيمان المعرفة، بلا قول، ولا عمل، ويقول أهل السنة: الإيمان: المعرفة، والقول، والعمل).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص660-مسند ابن عباس)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (627)، و(785) من طريق محمد بن علي بن الحسن المروزي قال: سمعت إبراهيم بن الأشعث يقول: سمعت الفضيل بن عياض به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الإمام ابن القيم / في «عدة الصابرين» (ص206): (الايمان: قول وعمل، والقول: قول القلب واللسان، والعمل: عمل القلب والجوارح.
* وبيان ذلك: أن من عرف الله بقلبه، ولم يقر بلسانه لم يكن مؤمنا، كما قال تعالى: عن قوم فرعون: ]وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم[ [النمل: 14]، وكما قال تعالى: عن قوم عاد، وقوم صالح: ]وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين[ [العنكبوت: 38]، وقال موسى لفرعون: ]لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر[ [الإسراء: 102].
* فهؤلاء: حصل لهم قول القلب: وهو المعرفة والعلم، ولم يكونوا بذلك مؤمنين، وكذلك: من قال بلسانه ما ليس في قلبه لم يكن بذلك مؤمنا، بل كان من المنافقين، وكذلك: من عرف بقلبه، وأقر بلسانه، لم يكن بمجرد ذلك مؤمنا، حتى يأتى بعمل القلب من الحب والبغض، والموالاة والمعاداة، فيحب الله تعالى، ورسوله r، ويوالى أولياء الله تعالى، ويعادى أعداءه، ويستسلم بقلبه لله وحده، وينقاد لمتابعة رسوله r وطاعته، والتزام شريعته ظاهرا وباطنا.
* وإذا فعل ذلك لم يكف في كمال إيمانه، حتى يفعل ما أمر به، فهذه الأركان الأربعة: هي أركان الإيمان، التي قام عليها بناؤه، وهي ترجع إلى علم وعمل).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرد على الشاذلي» (ص208): (مذهب الصحابة y، وجماهير السلف من التابعين، لهم بإحسان، وعلماء المسلمين: أن الإيمان قول، وعمل؛ أي: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتح المجيد» (ص348): (فلا ينفع القول، والتصديق، بدون العمل، فلا يصدق الإيمان الشرعي، على الإنسان؛ إلا باجتماع الثلاثة: التصديق بالقلب وعمله، والقول باللسان، والعمل بالأركان: وهذا قول: أهل السنة والجماعة، سلفا وخلفا). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن قاسم / في «حاشية الدرة المضية» (ص71): (إيماننا معشر السلف: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، فإن من لم يقر بلسانه مع القدرة، فليس بمؤمن، ومن أقر بلسانه، ولم يعتقد بقلبه، فهو منافق، وليس بمؤمن، ومن لم يعمل بالقلب والجوارح، فليس بمؤمن، فمذهب السلف: أن الإيمان قول اللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان). اهـ
قلت: فـ«مرجئة الزمان»، جمعوا بين المتناقضات جهلا؛ منهم: بحقيقة قول السلف الأوائل في الإيمان، فوافقوا السلف في الظاهر، فقالوا: الإيمان: قول وعمل، ثم نقضوا قولهم، فوافقوا: «المرجئة» في حقيقة قولهم([117])، فقالوا: الإيمان هو التصديق، والعمل شرط كمال في الإيمان، فصححوا: إيمان العبد بدونه، فرجعوا إلى حقيقة قول: «المرجئة» في مسائل الإيمان.
قال العلامة الشيخ ابن باز /؛ جوابا لمن سأله عن قول ابن حجر: إن السلف اعتبروا العمل شرط كمال في الإيمان؟.
فقال: (لا، هو جزء، ما هو بشرط، هو جزء من الإيمان، الإيمان: قول وعمل، وعقيدة؛ أي: تصديق.
ثم سئل: هناك من يقول: بأنه داخل في الإيمان، لكنه شرط كمال؟.
فقال: لا، لا، ما هو بشرط كمال، جزء، جزء من الإيمان، هذا قول: «المرجئة»، المرجئة: يرون الإيمان: قول، وتصديق فقط) ([118]).اهـ
* لذلك: فمن لم يكن في قلبه التصديق، والإقرار، والخوف، والرجاء، لم يسموه مؤمنا([119])، ولا يسمون إبليس مؤمنا بالله، وإن كان مصدقا بوجوده وربوبيته، ولا يسمون فرعون مؤمنا، وإن كان عالما بأن الله تعالى بعث موسا عليه السلام، ولا يسمون اليهود مؤمنين بالقرآن، والرسول r، وكانوا يعرفون أنه حق، كما يعرفون أبناءهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص328): (وقوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف: 17]، قد تكلمنا عليها في غير هذا الموضع، فإن هذا استدلال بالقرآن، وليس في الآية ما يدل على أن المصدق مرادف للمؤمن، فإن صحة هذا المعنى بأحد اللفظين لا يدل على أنه مرادف للآخر). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص329): (أنه لو فرض: أن الإيمان في اللغة: التصديق؛ فمعلوم أن الإيمان ليس هو التصديق بكل شيء، بل بشيء مخصوص، وهو ما أخبر به الرسول r، وحينئذ، فيكون الإيمان في كلام الشارع أخص من الإيمان في اللغة.
* ومعلوم أن الخاص ينضم إليه قيود لا توجد في جميع العام، كالحيوان إذا أخذ بعض أنواعه، وهو الإنسان كان فيه المعنى العام، ومعنى اختص به، وذلك المجموع ليس هو المعنى العام.
فالتصديق الذي هو الإيمان؛ أدنى أحواله أن يكون نوعا من التصديق العام، فلا يكون مطابقا له في العموم، والخصوص من غير تغيير اللسان، ولا قلبه؛ بل يكون الإيمان في كلام الشارع مؤلفا من العام والخاص كالإنسان الموصوف بأنه حيوان وأنه ناطق).اهـ
قلت: ولم يصب من قال أن العرب لا يعرفون اللغة، إيمانا غير التصديق، ومن أين له هذا النفي الذي لا تمكن الإحاطة به، بل هو قول بلا علم. ([120])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص314): (ولا بد في تفسير القرآن والحديث: من أن يعرف ما يدل على مراد الله تعالى، ورسوله r من الألفاظ، وكيف يفهم كلامه، فمعرفة العربية التي خوطبنابها مما يعين على أن نفقه مراد الله تعالى، ورسوله r بكلامه.
* وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني؛ فإن عامة ضلال، أهل البدع: كان بهذا السبب؛ فإنهم صاروا يحملون كلام الله تعالى، ورسوله r على ما يدعون أنه دال عليه، ولا يكون الأمر كذلك، ويجعلون هذه الدلالة حقيقة، وهذه مجازا.
* كما أخطأ: «المرجئة» في اسم: «الإيمان»، جعلوا لفظ: «الإيمان» حقيقة في مجرد التصديق، وتناوله للأعمال مجازا).اهـ
قلت: وقول: «المرجئة العصرية»، أن الإيمان: هو التصديق، فهذا لا ينفعهم، بل هو عليهم، لا لهم، لأن الحقيقة: هي اللفظ الذي يدل بإطلاق قرينة.
وقد تبين أن لفظ الإيمان، حيث أطلق في الكتاب والسنة، دخلت فيه الأعمال، إنما يدعي خروجها منه: «المرجئة العصرية».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص315): (ولو قدر أنه أريد بلفظ: «الإيمان»، مجرد: «التصديق»؛ فلم يقع ذلك، إلا مع قرينة... وأيضا، فليس لفظ: «الإيمان» في دلالته على الأعمال المأمور بها بدون لفظ: «الصلاة»، و«الصيام»، و«الزكاة»، و«الحج»؛ في دلالته على: «الصلاة الشرعية»، و«الصيام الشرعي»، و«الحج الشرعي».
* سواء قيل: إن الشارع نقله، أو أراد الحكم دون الاسم، أو أراد الاسم، وتصرف فيه تصرف أهل العرف، أو خاطب بالاسم مقيدا، لا مطلقا).اهـ
قلت: ومحصل ذلك أن الحقيقة الشرعية، للإيمان ليست هي الحقيقة اللغوية، بل هي أخص منها، بسبب ما انضاف إليها من القيود.
* وهذا يدل على أن العبد لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق، فلا بد أن يعمل بموجب ذلك التصديق.
قال تعالى ]إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا[ [الحجرات: 15].
وقال تعالى ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم[ [الأنفال: 2].
قلت: فقد بين الله تعالى أن التصديق الذي لا يكون العبد مؤمنا، إلا به، هو أن يكون تصديقا على هذا الوجه، وهذا بين في القرآن والسنة، من تغيير اللغة، ولا نقل لها. ([121])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص330): (بل القرآن والسنة مملوءان؛ بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان، إلا بالعمل مع التصديق.
* وهذا في القرآن: أكثر بكثير من معنى: «الصلاة»، و«الزكاة»؛ فإن تلك إنما فسرتها السنة، و«الإيمان»، بين معناه: الكتاب، والسنة، وإجماع السلف).اهـ
قلت: وعلى لازم: «عبيد الجابري» بقوله: أن الإيمان: هو التصديق، الذي هو بمعنى المعرفة.
على لازم قوله هذا، أن الكفار في الآخرة: يعرفون ربهم، ويصدقون به، فإن كان مجرد التصديق، أو مجرد المعرفة: إيمانا، كانوا مؤمنين في الآخرة على الحقيقة.
قال تعالى ]كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء[ [الملك: 8-9].
قلت: ففي الدنيا كذبوا بالله تعالى، وبتنزيل القرآن ظاهرا، وأما في الآخرة، فعرفوا ذلك، ظاهرا، وباطنا، واعترفوا بذلك.
قال تعالى ]ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون[ [الأنعام: 30].
قلت: فالإيمان في الآخرة لا ينفع، وإنما الثواب على الإيمان في الدنيا.
رغم أن الكفار كانوا في الدنيا مصدقين بالرب سبحانه، ومع هذا لم ينفعهم هذا التصديق المجرد، أو المعرفة المجردة.
قال تعالى ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف: 87].
قلت: حتى فرعون كان في باطنه مصدقا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص359): (ونصوص القرآن في غير موضع تدل على أن الكفار كانوا في الدنيا مصدقين بالرب سبحانه.
حتى فرعون الذي أظهر التكذيب، كان في باطنه مصدقا، قال تعالى: ]وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا[ [النمل: 14]، وكما قال موسى لفرعون: ]قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر[ [الإسراء: 102] ومع هذا لم يكن مؤمنا).اهـ
* ولما؛ قال تعالى، عن فرعون: ]آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل[ [يونس: 90].
قال تعالى: ]آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين[ [يونس: 91]، فوصفه الله تعالى بالمعصية، ولم يصفه بعدم التصديق؛ وبعدم المعرفة، أو العلم في الباطن، كما قال تعالى: ]فعصى فرعون الرسول[ [المزمل: 16].
قلت: ومن لازم قول: «عبيد الجابري» هذا، أن: «إبليس» من المؤمنين، لأنه مصدق بالله تعالى، وعارف به، وهو يعلم أنه هو الله تعالى.
* وقد قال تعالى، عن إبليس: ]فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين [ [ص:73-74].
قلت: فلم يصفه الله تعالى؛ إلا بالإباء والاستكبار، ولم يصفه الله تعالى بعدم التصديق، والمعرفة، وبعدم العلم.
* فالشارع خاطب الصحابة y بلغة العرب، وهي: اللغة التي يعرفوها، وقد جرى عرفهم في اللغة: أن يكون في لغتهم التصديق الذي، لا بد معه العمل بموجب ذلك التصديق. ([122])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص332): (وقد تواتر أنه أراد، بـ«الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج» معانيها المعروفة.
وأراد بالإيمان ما بينه، بكتابه، وسنة رسوله، من أن العبد لا يكون مؤمنا، إلا به، كقوله تعالى: ]إنما المؤمنون إخوة[ [الأنفال:2].
وهذا متواتر في القرآن، والسنن، ومتواتر أيضا، أنه لم يكن يحكم لأحد بحكم الإيمان، إلا أن يؤدي الفرائض). اهـ
قلت: فلا يجوز إخراج لفظ الإيمان عما دل عليه الكتاب، والسنة، وإجماع السلف، إلى لفظ التصديق: بمجرد عن العمل، والإقرار. ([123])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص335): (وإذا كان الله تعالى: إنما أنزل القرآن بلغة العرب؛ فهي لا تعرف التصديق، والتكذيب، وغيرهما من الأقوال، إلا ما كان معنى ولفظا، أو لفظا، يدل على معنى.
* ولهذا لم يجعل الله تعالى أحدا مصدقا، للرسل بمجرد العلم، والتصديق الذي في قلوبهم، حتى يصدقوهم بألسنتهم).اهـ
قلت: فتبين أن: «عبيدا الجابري» يقول أن الإيمان في اللغة، هو التصديق المجرد، وقد وافق: «الجهمية»، و«الأشاعرة»، و«المرجئة».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص346): (ولا ريب: أن قول الجهمية أفسد من قولهم، من وجوه متعددة، شرعا، ولغة، وعقلا).اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص346): (وقول: «جهم» في الإيمان، قول خارج عن إجماع المسلمين قبله، بل السلف كفروا من يقول، بقول: «جهم» في الإيمان).اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص347): (قد نفى الله الإيمان عمن قال بلسانه، وقلبه، إذا لم يعمل، كما قال تعالى: ]قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم * إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون[ [الحجرات: 14-15]، فنفى الإيمان عمن سوى هؤلاء).اهـ
قلت: «فالجابري» هذا انتحل ما عند الخلف من اللي في الألفاظ، والإلحاد، والتحريف في النصوص، والخروج عن مراد السلف.
* وهذه المخالفة اقتضت مشاقة الرسول r، فمن شاق لم يتبع، ومن لم يتبع شنأ وحاد.
فالمرجئة الخامسة: أصلوا أصولا فاسدة في مسائل الإيمان، وهؤلاء لهم نصيب، وحظ، وشبه بالمبتدعة الأولى التي أصلت أصولا، وبدعت من خالفها.
* ولذلك وقع لهم من الاشتباه والاضطراب والتناقض في أقوالهم، فهم يوجبون أقوالا، ثم ينكرونها إذا رد عليهم، فهم في أمر مريج. ([124])
قلت: وحقيقة الإيمان؛ عند «الأشاعرة»، و«المتريدية»؛ تنحصر أيضا في التصديق.
فأين نجد تعريف: «المرجئة العصرية» بأن الإيمان هو التصديق، تجده عند: «الأشاعرة»، و«الماتريدية». ([125])
قلت: فلا يظن الظان اكتفاءه؛ بمجرد إيمان: ليس معه العمل الصالح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (ج7 ص112): (أن ما يقوم بالقلب: من تصديق، وحب الله تعالى، ورسوله r، وتعظيم، لا بد أن يظهر على الجوارح، وكذلك بالعكس.
ولهذا يستدل بانتفاء اللازم الظاهر، على انتفاء الملزوم الباطن). اهـ
قلت: إن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص424): (ظنهم أن الإيمان الذي في القلب، يكون تاما بدون شيء من الأعمال.
* ولهذا يجعلون الأعمال: ثمرة الإيمان ومقتضاه، بمنزلة السبب مع المسبب، ولا يجعلونها لازمة له.
والتحقيق: أن إيمان القلب التام، يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر). اهـ
قلت: والإيمان التام، هو: الصحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص553): (وبهذا تعرف أن من آمن قلبه، إيمانا جازما، امتنع أن لا يتكلم بالشهادتين مع القدرة، فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص562): (فإنه يمتنع أن يكون إيمان تام في القلب، بلا قول، ولا عمل ظاهر).اهـ
* يعني: يمتنع أن يكون إيمان صحيح في القلب، بلا قول، أي: بدون الشهادتين، وبدون عمل صالح.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص582): (فلا يتصور، مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب أن تعدم الأعمال الظاهرة الواجبة.
بل يلزم من وجود هذا كاملا، وجود هذا كاملا، كما يلزم من نقص هذا، نقص هذا.
* إذ تقدير: إيمان تام في القلب، بلا ظاهر، من قول، وعمل، كتقدير: موجب تام، بلا موجبه، وعلة تامة بلا معلولها، وهذا ممتنع).اهـ
* وسئل العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: ما الدليل على مشروعية شروط شهادة: «لا إله إلا الله»، من العلم، والانقياد، والصدق، والاخلاص، والمحبة، والقبول، واليقين، وما الحكم فيمن يقولك (تكفي شهادة: «لا إله إلا الله»؛ بمجرد قولها دون هذه الشروط)؟.
فأجاب فضيلته: (هذا أما أنه مضلل، يريد تضليل الناس، وإما أنه جاهل يقول ما لا يعلم، فـ«لا إله إلا الله» ليست مجرد لفظ، بل لا بد لها من معنى ومقتضى، ليست مجرد لفظ يقال باللسان، والدليل على ذلك؛ قوله r: «من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله»([126])، وقوله r: «فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»([127])؛ قيدها بهذه القيود، وقول النبي r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»([128])، إلا بحق: «لا إله إلا الله»، فلم يكتف بمجرد قولهم: «لا إله إلا الله»، إذا لم يلتزموا بحقها، وهو العمل بمقتضاها، ومعرفة معناها، فليست: «لا إله إلا الله» مجرد لفظ يقال باللسان، ومن هذه الأدلة تؤخذ هذه الشروط التي ذكرها أهل العلم) ([129]).اهـ
قلت: فهل يقال بعد هذا كله أن من ترك جميع الأعمال أنه ناقص الإيمان، وأنه لا يكفر إلا بالجحود، وترك اعتقاد القلب!. ([130])
* يعني: يمتنع أن يكون إيمان صحيح في القلب، بلا قول؛ أي: بدون الشهادتين، وبدون الأعمال الصالحة الظاهرة.
وقال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ص118): (الإيمان: لا يتم لأحد، حتى يكون مصدقا بقلبه، وناطقا بلسانه، وعاملا بجوارحه).اهـ
* يعني: لا يصح الإيمان، إلا بالتصديق بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح. ([131])
الذي هو: اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج14 ص121)؛ في شرح حديث: «وإن في الجسد مضغة»: (فبين r: أن صلاح القلب، مستلزم لصلاح الجسد، فإذا كان الجسد غير صالح، دل على أن القلب غير صالح، والقلب المؤمن صالح؛ فعلم أن من يتكلم بالإيمان، ولا يعمل به، لا يكون قلبه مؤمنا).اهـ
قلت: فإذا كان الباطن صالحا، كان الظاهر كذلك، وإذا كان الباطن فاسدا كان الظاهر كذلك فاسدا بحسبه، لأن الإيمان أصله في القلب وهو:
قول القلب: من الإقرار والتصديق والعلم.
وعمل القلب: من الإذعان والانقياد والاستسلام.
* والإيمان المطلوب شرعا: هو الإيمان الظاهر والباطن، وتلازم عمل القلب، بعمل الجوارح؛ لأنه لا يصح إيمان العبد بواحد دون الأخرى.
فمن زعم وجود العمل في قلبه دون جوارحه؛ لا يثبت له اسم الإيمان؛ لأن الأعمال، والأقوال الظاهرة، من لوازم الإيمان التي لا تنفك عنه. ([132])
قال تعالى: ]لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها y ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون[ [المجادلة:22].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج14 ص121): (وأما إذا لم يظهر أثر ذلك لا بقوله، ولا بفعله قط، فإنه يدل على أنه ليس في القلب إيمان، وذلك أن الجسد تابع للقلب؛ فلا يستقر شيء في القلب، إلا ظهر موجبه، ومقتضاه على البدن ولو بوجه من الوجوه). اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج1 ص210): (أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه المحرمات، واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه.
* فإن كان قلبه سليما، ليس فيه إلا محبة الله تعالى، ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله تعالى، وخشية الوقوع فيما يكرهه؛ صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوقي الشبهات حذرا من الوقوع في المحرمات.
* وإن كان القلب فاسدا، قد استولى عليه اتباع هواه، وطلب ما يحبه، ولو كرهه الله تعالى، فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب).اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج1 ص210): (فإن أعمال الجوارح لا تستقيم، إلا باستقامة القلب، ومعنى استقامة القلب: أن يكون ممتلئا من محبة الله تعالى، ومحبة طاعته، وكراهة معصيته... وحركات الجسد تابعة لحركة القلب وإرادته.
* فإن كانت حركته، وإرادته لله تعالى وحده، فقد صلح، وصلحت حركات الجسد كله، وإن كانت حركة القلب، وإراداته لغير الله تعالى، فسد، وفسدت حركات الجسد، بحسب فساد حركة القلب.
ومعنى هذا: أن كل حركات القلب، والجوارح: إذا كانت كلها لله تعالى، فقد كمل إيمان العبد بذلك ظاهرا وباطنا، ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح حركات الجوارح؛ فإذا كان القلب صالحا، ليس فيه إلا إرادة الله تعالى، وإرادة ما يريده، لم تنبعث الجوارح؛ إلا فيما يريده الله تعالى).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص348): (ففي القرآن، والسنة، من نفي الإيمان عمن لم يأت بالعمل، مواضع كثيرة، كما نفى فيها الإيمان عن المنافق). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص355): (فالسلف يقولون: «ترك الواجبات الظاهرة، دليل على انتفاء الإيمان الواجب من القلب».
لكن قد يكون ذلك بزوال عمل القلب، الذي هو حب الله تعالى، ورسوله r، وخشية الله تعالى، ونحو ذلك). اهـ
* فالأعمال الصالحة، من لوازم الإيمان.
قلت: والأدهى من ذلك، والأمر بتأثر بتلك الفكرة الساذجة، دعاة بزعمهم يدعون إلى: «أصول الدعوة السلفية»، فتراهم مع الأسف يتمسكون بهذا المعتقد الباطل في الإرجاء، ويتكلفون التنقيب عن أدلة له، بتعسف، وتكلف، ولي لأعناق النصوص، وإخضاعها، لتوافق ذلك المعتقد الباطل.
* وجرهم ذلك للتدليس، بنقل بعض العبارات الموهمة من علماء ربانيين، عرفوا بصفاء المنهج، وصحة المعتقد، ليمعنوا في التضليل، ويوغلوا في التلبيس، فيكتب عليهم وزرها، ووزر من اعتقدها، وعمل بمقتضاها إلى يوم القيامة.
وهذا القسم: انطلق في دعوته، بلا منهج واضح، ولا تصور اعتقادي متكامل، فلم يتناول الأمور بالتأصيل العلمي، والنظر إلى النصوص مجتمعة.
* بل سلك في ذلك مسلكا عقيما من مسالك أهل البدع والأهواء، فتشابهت عليه نصوص الكتاب والسنة، كما تشابهت على أهل البدع والأهواء، بل تشابهت عليه عبارات العلماء.
فواجه الخوارج: بزعمه، بأصول، وقواعد فاسدة، لا يملك ردها، إلا بجهل بالغ في: «مسائل الإيمان»، فهرب بزعمه من بدعة الخوارج، ليقع في بدعة: «الإرجاء».
وأخذ يسند هذا الواقع المنحرف إلى أهل السنة، جهلا منه، ويؤصله بقواعد بدعية، فاحيا بدعة مذهب المرجئة.
قلت: فمن أخطأ الدليل ضل السبيل، ذلك لأن المبتدع غير متبع، في تحرير المسائل العلمية وتحقيقها. ([133])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التفسير الكبير» (ج1 ص163): (وذلك أن عمدته في الباطل، لا على ما تلقاه عن الرسول r، بل على ما رآه، أو ذاقه، ثم إن وجد السنة، توافقه، وإلا لم يبال بذلك، فإذا وجدها تخالفه: أعرض عنها، تفويضا، أو حرفها تأويلا، فهذا هو الفرقان بين المؤمن السني، والمنافق البدعي).اهـ
قلت: فبثوا فيهم عداوة السنة وأهلها بالتدريج، فردوهم على أعقابهم خاسرين.
* فالجابري: هذا تترس، وراء مذهب السلف في الإيمان، وخلط الحابل بالنابل، وجاء بإفك عظيم.
وأنه ليس على مذهب أهل السنة، لما جاء فيه من عقائد باطلة، وتقريره مذهب المرجئة.
* والحقيقة أن هذا نوع من الهوى الذي يردي بصاحبه، لأنه شبيه بالكلب الذي لا يترك عرقا، ولا مفصلا، إلا دخله.
ولهذا نقول: «المرجئة العصرية»، أن دعوتكم، واعتقادكم، يدعوا إلى: «الإرجاء»، وغيره من الاعتقادات الباطلة.
قلت: فينبغي أن لا تنفروا من ردودنا عليكم؛ بمثل: نفور الوحوش، كيف؛ وهي مسطرة في دروسكم، وكتبكم، والكل يقرؤها، وتحت انظار الناس.
* ولذلك من تدبر ردود([134]) الإمام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، والعلامة ابن باز، وغيرهم، في مسألة الإيمان، على المرجئة، إنما يعنون بكلامهم على هؤلاء أيضا.
قلت: وليعلم طالب الحجة: أن الله تعالى مع الذين اتقوا، والذين هم يحسنون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج1 ص335): (جعلوا هذا علما مقولا، ودينا مقبولا، يردون به نصوص الكتاب والسنة... سببه الكسل في طلب الحجج، أو معرفة الحق بالرجال، لم يكن بنا حاجة إلى كشف هذه المقالات، والتحريفات، والتأويلات الفاسدة). اهـ
قلت: فالمعركة محتدمة، ومخازي القوم، وتحريفاتهم كثيرة في العلم، والعاقبة للتقوى، وما توفيقي إلا بالله. ([135])
* فانتحلوا لاتباعهم الفكر الإرجائي منهجا، وضحكوا عليهم، بقولهم: هذا هو مذهب السلف، فغروهم بهذا حتى أصبح بعد مدة يسيرة الإلحاد في الاعتقاد شائعا في مذهبهم، مثل: تحريفهم للأسماء والصفات، وتحريفهم في مسائل الإيمان، وغير ذلك، فزرعوا شرا عظيما في الشباب السطحي، فـ«لله» المشتكى من غربة الإسلام في هذا الزمان. ([136])
قال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج2 ص556): (لا يصح الدين: إلا بالتصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، مثل: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وما أشبه ذلك).اهـ
وقال الحافظ البغوي / في «شرح السنة» (ج1 ص11): (لن يكون الدين في محل القبول والرضا، إلا بانضمام التصديق إلى العمل).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص334): (فلا إيمان: إلا بعمل، ولا عمل إلا بعقد). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص82): (حقيقة الدين: هو الطاعة والانقياد، وذلك إنما يتم بالفعل، لا بالقول فقط، فمن لم يفعل لله تعالى شيئا، فما دان لله تعالى دينا، ومن لا دين له، فهو كافر). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص124): (الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره: قول اللسان، وعمل الجوارح، وباطنه: تصديق القلب، وانقياده، ومحبته).اهـ
وعن الإمام أحمد / قال: (أما؛ ما ذكرت من قول من يقول: «إنما الإيمان: قول»، هذا قول: «أهل الإرجاء»، وهو قول محدث، لم يكن عليه سلفنا، ومن نقتدي به).
أثر حسن
أخرجه الخلال في «السنة» (1101) من طريق محمد بن المنذر بن عبد العزيز قال: ثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: أملى علينا أبو عبد الله فذكره.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن إبراهيم بن موسى الفراء قال: سئل ابن عيينة؛ عن الإرجاء، فقال: (الإرجاء، على وجهين: قوم أرجوا أمر علي، وعثمان ﭭ، فقد مضى أولئك، فأما: المرجئة: اليوم، فهم: قوم يقولون: الإيمان قول، بلا عمل، فلا تجالسوهم، ولا تؤاكلوهم، ولا تشاربوهم، ولا تصلوا معهم، ولا تصلوا عليهم).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص659-مسند ابن عباس) من طريق عبد الله بن عمر الرازي قال: سمعت إبراهيم بن موسى الرازي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن الإمام أحمد / قال: (وإنما استعملت الأمة السنة من النبي r، ومن أصحابه y؛ إلا من دفع ذلك من أهل البدع، والخوارج، وما يشبههم، فقد رأيت إلى ما قد خرجوا.
وأما من زعم: أن الإيمان الإقرار؛ فما يقول: في المعرفة؟، هل: يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار؟ وهل يحتاج إلى أن يكون مصدقا بما أقر؟، وهل يحتاج أن يكون مصدقا بما عرف؟، فإن زعم أنه يحتاج: إلى المعرفة، مع الإقرار؛ فقد زعم أنه من شيئين، وإن زعم: أنه يحتاج: أن يكون مقرا، ومصدقا بما عرف؛ فهو: من ثلاثة أشياء، فإن جحد، وقال: لا يحتاج إلى المعرفة، والتصديق؛ فقد قال قولا عظيما، فكذلك العمل مع هذه الأشياء).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (ج5 ص24 و25) من طريق عبد الله بن عبيد الله الطرسوسي قال: ثنا محمد بن حاتم المروزي قال: ثنا أبو عبد الرحيم محمد بن أحمد بن الجراح قال: كتب إلي أحمد بن حنبل فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
* فالأئمة؛ مثل: أحمد، وغيره، فقد عرفوا باطل مذهب: «المرجئة» في الإيمان، وهو أن الإيمان: لا يذهب بعضه، ويبقى بعضه، فلا يكون؛ إلا شيئا واحدا.
* لذلك الإمام أحمد / ذكر أنه لا بد في الإيمان: من المعرفة، والتصديق، والإقرار، والإذعان، الذي هو الانقياد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص393 و394): (وأحمد، وأبو ثور، وغيرهما؛ من الأئمة: كانوا قد عرفوا؛ أصل قول: «المرجئة»، وهو أن الإيمان: لا يذهب بعضه، ويبقى بعضه، فلا يكون إلا شيئا واحدا، فلا يكون ذا عدد: اثنين، أو ثلاثة؛ فإنه إذا كان له عدد؛ أمكن ذهاب بعضه، وبقاء بعضه، بل لا يكون إلا شيئا واحدا.
* ولهذا؛ قالت الجهمية: إنه شيء واحد في القلب، وقالت الكرامية: إنه شيء واحد على اللسان([137])، كل ذلك: فرارا من تبعض الإيمان، وتعدده... وأحمد ذكر أنه: لا بد من المعرفة، والتصديق، مع الإقرار، وقال: إن من جحد المعرفة، والتصديق؛ فقد قال: قولا عظيما).اهـ
وعن معقل بن عبيد الله العبسي قال: (قدم علينا: «سالم الأفطس» بالإرجاء، فعرضه، فنفر منه أصحابنا نفارا شديدا، وكان أشدهم: نفارا: «ميمون بن مهران»، و«عبد الكريم بن مالك الجزري»، فأما: عبد الكريم؛ فإنه عاهد الله تعالى؛ ألا يؤويه وإياه سقف بيت، إلا المسجد).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص382)، والخلال في «السنة» (ج5 ص29 و30)، والطبري في «تهذيب الآثار» (ج2 ص645-مسند ابن عباس) من طريق خالد بن حيان الكندي، وعمر بن خالد الرقي؛ كلاهما: عن معقل بن عبيد الله العبسي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكر ابن تيمية في «الإيمان الكبير» (ص192).
وقال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص648): (وكذلك كل من قامت عليه حجة الله تعالى: بوحدانيته، وشرائعه، فإنه غير خارج، مع قيام الحجة عليه بها، من الإيمان، أو الكفر). اهـ
وبوب الإمام الخلال في «السنة» (ج5 ص19)؛ جامع: الإيمان، والتسليم، والتمسك؛ بما روي عن النبي r في ذلك، وما قال الله عز وجل: في كتابه مما عليهم فيه من الحجة.
قلت: وقد أخطأ عدد من أهل العلم؛ حيث جعلوا؛ الإيمان: هو التصديق على ظاهر اللغة، فلا تغتر.
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الصغرى» (ص249)؛ إذ قال: (الإيمان: اسم، ومعناه التصديق([138])، قال الله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين[ [يوسف:17]، يريد: بمصدق لنا).اهـ
وقال الإمام محمد بن نصر المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص695): (قالوا: والإيمان في اللغة: هو التصديق) ([139]). اهـ
وقال الرازي اللغوي / في «مختار الصحاح» (ص11): (الإيمان: التصديق).اهـ
وقال الخليل اللغوي / في «العين» (ج1 ص108): (والإيمان: التصديق نفسه، وقوله تعالى: ]وما أنت بمؤمن لنا[ [يوسف:17]، أي: بمصدق).اهـ
وقال الجرجاني اللغوي / في «التعريفات» (ص60): (الإيمان: في اللغة؛ التصديق بالقلب) ([140]).اهـ
وقال الجوهري اللغوي / في «الصحاح» (ج5 ص2071): (والإيمان: التصديق).اهـ
وقال ابن الأثير اللغوي / في «النهاية في غريب الحديث» (ج1 ص173): (الإيمان: التصديق). اهـ
قلت: فعرف الإيمان في اللغة، وكان أشهر التعارف، وأكثرها، انتشارا، عند اختلاف أهل العلم، هو أن الإيمان: هو التصديق!، وقد بينا خطأ هذا التعريف، فيما سبق.
قلت: فـ«المرجئة العصرية»؛ يجعلون الإيمان المنجي من النار: تصديق القلب، وإن لم يأت بالعمل مع القدرة عليه.
* واعلم أن إطلاق عدد من علماء السنة: التصديق، على الإيمان، لا يعنون به، ما قصدته: «المرجئة»، و«الأشعرية»، و«الماتريدية»، وغيرهم، ممن يجعلون الإيمان: هو التصديق المجرد، ويحصرون الإيمان فيه.
* بل عنوا بالتصديق: الإذعاني المستلزم للانقياد، ظاهرا وباطنا، بلا شك. ([141])
قال الإمام محمد بن نصر المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص695)؛ وهو يذكر الاختلاف الواقع، بين أهل السنة: في مسألة، الفرق بين الإيمان، والإسلام: (قالوا: والإيمان في اللغة؛ هو التصديق، والإسلام في اللغة: هو الخضوع، فأصل الإيمان: هو التصديق بالله، وما جاء من عنده، وإياه، أراد النبي r بقوله: «الإيمان أن تؤمن بالله»، وعنه يكون الخضوع لله، لأنه إذا صدق بالله خضع له، وإذا خضع أطاع، فالخضوع عن التصديق، وهو أصل الإسلام، ومعنى؛ التصديق هو: المعرفة بالله، والاعتراف له بالربوبية، بوعده، ووعيده، وواجب حقه، وتحقيق ما صدق به من القول، والعمل، والتحقيق في اللغة؛ تصديق الأصل، فمن التصديق بالله يكون الخضوع لله، وعن الخضوع تكون الطاعات، فأول ما يكون عن خضوع القلب لله الذي أوجبه التصديق، من عمل الجوارح: الإقرار باللسان، لأنه لما صدق بأن الله ربه خضع لذلك بالعبودية مخلصا، ثم ابتدأ الخضوع باللسان، فأقر بالعبودية مخلصا؛ كما قال الله عز وجل؛ لإبراهيم: ]أسلم قال أسلمت[ [البقرة: 131]؛ أي: أخلصت بالخضوع لك).اهـ
وقال العلامة الشيخ حافظ الحكمي / في «معارج القبول» (ج2 ص594): (من قال من أهل السنة في الإيمان: هو التصديق على ظاهر اللغة، أنهم إنما عنوا التصديق الإذعاني المستلزم، للانقياد ظاهرا، وباطنا بلا شك، لم يعنوا: مجرد التصديق، فإن: «إبليس» لم يكذب في أمر الله تعالى له بالسجود، وإنما؛ أبى: عن الانقياد كفرا، واستكبارا). اهـ
وقال الإمام الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج2 ص685): (ولا يدفع: مع ذلك: ذو معرفة، بكلام العرب، صحة القول بأن: الإيمان: التصديق، فإذا كان الإيمان في كلامها: التصديق، والتصديق يكون بالقلب، واللسان، والجوارح، وكان تصديق القلب: العزم والإذعان، وتصديق اللسان: الإقرار، وتصديق الجوارح: السعي والعمل، كان المعنى الذي به يستحق العبد: المدح، والولاية من المؤمنين، هو إتيانه بهذه المعاني الثلاثة.
* وذلك؛ أنه لا خلاف، بين الجميع: أنه لو أقر، وعمل على غير علم منه، ومعرفة بربه سبحانه، أنه لا يستحق اسم: مؤمن، وأنه لو عرف، وعلم، وجحد بلسانه، وكذب وأنكر: ما عرف من توحيد ربه سبحانه، أنه غير مستحق اسم: مؤمن.
فإذا كان ذلك: وكان صحيحا، أنه غير مستحق غير المقر: اسم مؤمن، ولا المقر غير العارف مستحق ذلك، كان كذلك غير مستحق ذلك بالإطلاق، العارف المقر غير العامل، إذ كان ذلك أحد معاني: الإيمان، التي بوجود جميعها في الإنسان، يستحق اسم: مؤمن بالإطلاق).اهـ
قلت: وهذا ليس فيه موافقة: لـ«عبيد الجابري» المرجئ، لأنه هو يقول في تعريف: الإيمان في اللغة، التصديق، يعني: المجرد، ولم يفصل في تعريف الإيمان في اللغة؛ بمثل: تفصيل أهل السنة والجماعة في تعريفهم للإيمان في اللغة. ([142])
قلت: وأكبر من ذلك من قال: أن الإيمان: هو التصديق، ونقل الاتفاق عليه بين: أهل اللغة، وبين أهل التفسير، وفي ذلك نظر أيضا، لأن من أهل اللغة: لم يعرف أن الإيمان: هو التصديق.
* ثم أهل اللغة، وأهل التفسير بالدرجة الأولى؛ هم: الصحابة، والتابعون لهم بإحسان، لم يفسروا الإيمان: أنه التصديق، كما سبق ذكر ذلك، فهذا النقل للاتفاق خطأ بلا شك.
قال الأزهري اللغوي / في «تهذيب اللغة» (ج15 ص368): (اتفق أهل العلم؛ من اللغويين، وغيرهم، أن الإيمان معناه: التصديق... وقال الله تعالى: حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام، لأبيهم: ]وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين[ [يوسف:17]، لم يختلف: أهل التفسير، أن معناه: وما أنت بمصدق لنا). اهـ
وقال ابن منظور اللغوي / في «لسان العرب» (ج13 ص27): (واتفق أهل العلم من اللغويين، وغيرهم: أن الإيمان معناه: التصديق) ([143]). اهـ
قلت: ومن أهل اللغة، لم يعرف، بأن الإيمان: هو التصديق، وهذا يدل على أن المسألة خلافية، بين أهل اللغة.
قال الفيروزآبادي اللغوي / في «القاموس المحيط» (ص1186): (الإيمان: الثقة، وإظهار الخضوع، وقبول الشريعة). اهـ
وقال ابن منظور اللغوي / في «لسان العرب» (ج13 ص26): (وحد الزجاج /: الإيمان، فقال: الإيمان: إظهار الخضوع، والقبول للشريعة، ولما أتى به النبي r، واعتقاده، وتصديقه بالقلب، فمن كان على هذه الصفة، فهو مؤمن، مسلم غير مرتاب، ولا شاك، وهو الذي يرى أن: أداء الفرائض واجب عليه، لا يدخله في ذلك ريب). اهـ
قلت: وهذا يدل أن الإيمان: ليس هو مجرد: «التصديق» عند عدد من أهل اللغة، بل عنوا: «التصديق» الإذعاني المستلزم؛ للانقياد ظاهرا، وباطنا بلا شك، الذي لا بد فيه من العمل.
ﭑ ﭑ ﭑ
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
أهل السنة والجماعة في ردهم على المخالف، يحكمون عليه: بما تكلم به لسانه، وبما كتبه بيده............................................................... |
2 |
2) |
فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في كفر من رفض إجماع الصحابة y، والسلف، وأئمة أهل الحديث، البين الدلالة في الأصول، والفروع من جهة آثارهم الصحيحة، لأنه إجماع قطعي الدلالة، أخذوه عن الرسول r، وهو وحي، يوحى إليه من الله تعالى في الدين........................................................................................................ |
3 |
3) |
لا يصلى خلف المرجئة العصرية.......................................................... |
6 |
4) |
الـمقدمة....................................................................................................
|
8 |
5) |
ذكر الدليل على أن: «عبيد بن عبد الله الجابري» يقول الآن؛ بمذهب: «المرجئة القديمة» بأن الإيمان: في اللغة؛ هو مجرد التصديق، وأن الإيمان لا يزول بالكلية، بترك: «جنس العمل»، وأنه لا يكفر، إلا من ترك النطق بالشهادتين، أو عدم اعتقادها، وأن من نطق بالشهادتين، وترك: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، فإنه لا يكفر، بل عنده أنه ناقص الإيمان، ما دام يعتقد بقلبه بالشهادتين، ولا يكفر؛ إلا بجحود ترك أركان الإسلام، والتكذيب فقط، وهذا مذهب: المرجئة قديما وحديثا..................................................................................................... |
42 |
6) |
ذكر الدليل على بطلان؛ تفسير: «عبيد الجابري» للإيمان: أنه؛ بمعنى: «التصــديق» فقط في اللغة، وذلك لما فيه من موافقة: «المرجئة»، و«الجهمية»، و«الماتريدية»، و«الأشاعرة»، ولما يظهر فيه من اللوازم؛ أن: «إبليس»، و«فرعون وقومه»، و«اليهود»، و«النصارى» من المؤمنين؛ لأنهم صدقوا بقولهم في الباطن، دون: «الإقرار»، و«الانقياد»، و«العمل»، ولأنه يستلزم: «عدم عمل القلب»، مع «اعتقاد الصدق» فقط، بمعنى: الإيمان، هو : «التصديق»، وهذا باطل، لأن الإيمان: ليس مجرد: «التصديق»، بل هو: «التصديق» المستلزم، للطاعة، والإنقياد، والإقرار، مع العمل، وإذا زال عمل القلب، مع بقاء اعتقاد التصديق فقط، فهذا موضع المعركة، بين أهل السنة، وبين أهل الإرجاء، فلا ينفع التصديق، مع انتفاء عمل القلب، والإقرار، والانقياد............................................ |
69 |
أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص435)، والطبري في «تفسير القرآن» (ج8 ص88)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص318)؛ بإسناد حسن.
([4]) قلت: فالرجل ظهر منه أنه يجازف في أحكام الدين عن غير علم وبرهان، بل بالظنون، والتهور المفرط، والله المستعان.
([5]) قلت: وهذا الاضطراب، والتناقض يدل على فساد معتقده، ومنهجه في مسائل الإيمان، لأن معتقد أهل السنة والجماعة ليس فيه؛ أي: اضطراب وتناقض.
([9]) فيقال للمخبر: إذا صدقه، «صدقه»، ولا يقال: «آمنه»، و«آمن به»، بل يقال: «آمن له»، فلفظ: الإيمان يتعدى إلى الضمير «باللام» دائما، فلا يقال: «آمنته»، ولا «صدقت له»، وإنما يقال: «آمنت له»، كما يقال: «أقررت له».
وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص550).
([10]) ولمن جوز أن يقال: «ما أنت بمصدق لنا»، لأن دخول: «اللام»، لتقوية العامل، كما إذا تقدم المعمول، أو كان العامل اسم فاعل، أو مصدرا، على ما عرف في موضعه.
وانظر: «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج2 ص472)، و«الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص551).
([11]) وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص551)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص229)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج2 ص471).
([12]) وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص552)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص229)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج2 ص471).
([13]) ليس مرادفا له في المعنى: فإن كل مخبر عن مشاهدة، أو غيب، يقال له في اللغة: «صدقت»، كما يقال: «كذبت».
* أما لفظ الإيمان: فلا يستعمل، إلا في الخبر الغائب، فلو قال: طلعت الشمس، أو غربت، فلا يقال: «آمناه»، كما يقال: «صدقناه»، لأن الإيمان: مشتق من الأمن.
فإنما استعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر، كالأمر الغائب، ولهذا لا يوجد في القرآن، وغيره قط: «آمن له»؛ إلا في هذا النوع.
([17]) والمقصود: بالشهادة، كما لا يخفى، ليس مجرد: «النطق» بها، بل «التصديق» من معانيها، و«إخلاص» العبادة لله فيها، و«الانقياد» لها، و«العمل» بمقتضاها.
([18]) وانظر: «المفهم» للقرطبي (ج1 ص204)، و«تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ (ج1 ص114 و115 و117 و148 و205)، و«الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج8 ص574)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (ج3 ص449 و450)، و«فتح المجيد» للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ج1 ص120)، و«الدر النضيد» للشيخ الحمدان (ص5)، و«الملخص في شرح كتاب التوحيد» للشيخ الفوزان (ص29 و31 و54).
([20]) فلفظ الإيمان: لم يقابل بالتكذيب؛ كلفظ: «التصديق»، وإنما مقابل الإيمان: «الكفر»، أن الكفر ليس هو: «التكذيب» فقط.
* فكذلك ما يقابله، وهو الإيمان، ليس هو: «التصديق» فقط.
([24]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص2304)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2047) من حديث ابن عباس، وأبي هريرة ﭭ.
([25]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص291)، و«الإيمان الكبير» له (ص707 و708 و709 و713)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص229)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص337 و338)، و«الصلاة» لابن القيم (ص60 و61 و62).
قلت: فالتصديق بدون انقياد في الشرع لا ينفع في الإيمان، فتنبه.
([26]) وقد يراد «بالإقرار»، بمجرد التصديق، بدون التزام الطاعة جملة وتفصيلا، وهذا قول: «المرجئة»، اللهم غفرا.
([31]) وهذا التعريف: مما تكلم الناس به، بعد عصر الصحابة y، فلا يلتفت إلى هذا التعريف، وسوف يأتي الرد عن ذلك.
([32]) وأين التواتر الموجود عن العرب القاطبة، قبل نزول القرآن، أنهم لا يعرفون، للإيمان، معنى غير التصديق.
([33]) وانظر: «الصارم المسلول على شاتم الرسول» لابن تيمية (ج3 ص967 و969)، و«الفتاوى» له (ج18 ص272)، و«الشريعة» للآجري (ج2 ص686)، و«قواعد في بيان حقيقة الإيمان» للشيخاني (ص153).
([34]) يشير إلى قصة: «هرقل»، وهي موجودة في: «الجامع الصحيح» للبخاري (402)؛ وفيها، أنه قال: (وقد كنت أعلم أنه خارج).
([35]) فقوله: «أن الإيمان في اللغة: هو التصديق»، لا يصح في اللغة، كما سوف يأتي تفصيل ذلك.
* وتعريف: أن الإيمان: هو «التصديق» فقط، هو مذهب المبتدعة: من «الجهمية»، و«الأشعرية»، و«الكرامية»، و«الماتريدية»، و«المرجئة القديمة».
* وقد بين أئمة الحديث: أن الإيمان في اللغة، ليس هو: «التصديق» فقط، فلا يكفي مجرد: «التصديق».
([36]) وتفسير: «عبيد الجابري»، لهذه الآية: «بالتصديق»، هذا باطل قطعا، وهو مخالف لتفسير السلف من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان.
* والمعنى الصحيح، للإيمان في اللغة: هو التصديق، والإقرار، والاعتقاد، والإذعان، والانقياد للعمل والأوامر.
وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص707 و807 و709 و713).
* وأما تعريفه: بمجرد «التصديق» فهذا قول أهل البدع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الكبير» (ص351): (ومنهم: من يقول، بقول: «المرجئة»، إنه: التصديق بالقلب واللسان). اهـ
([38]) فعند «الجابري» من نطق «بالشهادتين»، واعتقدها بقلبه، ولو لم يعمل بجوارحه؛ أي: طاعة، فإن عنده لا يكفر، بل هو ناقص الإيمان، وهذا قول: «المرجئة القديمة».
([39]) وقد صرح: «الجابري» في موضع، أن تارك الصلاة لا يكفر.
* لذلك عنده: لو ترك «الصلاة»، و«الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج»، وجميع الأعمال، لا يكفر!، والله المستعان.
([40]) وهذا يدل أن «الجابري»، لا يكفر إلا بالجحود، وهذا قول: «المرجئة»، قديما وحديثا، وسوف يأتي الرد عليه.
([41]) فـ«عبيد الجابري»، هنا: يقر أن مذهب: «المرجئة»، هو قولهم: أن الإيمان: هو مجرد «التصديق»، فوقع في مذهبهم، وهو لا يشعر، وذلك لجهله بمذهب: أهل السنة، في مسائل الإيمان على التفصيل، فوقع في الفخ، ولابد.
([42]) والإيمان: أصله في اللغة؛ من الأمن الذي هو ضد: الخوف؛ ومنه: قوله تعالى: ]فآمن[ [العنكبوت: 26]؛ أي: صار داخلا في الأمن.
وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص553).
([43]) فيقال للمخبر: إذا صدقه، «صدقه»، ولا يقال: «آمنه»، و«آمن به»، بل يقال: «آمن له»، فلفظ: الإيمان يتعدى إلى الضمير «باللام» دائما، فلا يقال: «آمنته»، ولا «صدقت له»، وإنما يقال: «آمنت له»، كما يقال: «أقررت له».
وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص550).
([44]) ولمن جوز أن يقال: «ما أنت بمصدق لنا»، لأن دخول: «اللام»، لتقوية العامل، كما إذا تقدم المعمول، أو كان العامل اسم فاعل، أو مصدرا، على ما عرف في موضعه.
وانظر: «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج2 ص472)، و«الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص551).
([45]) ليس مرادفا له في المعنى: فإن كل مخبر عن مشاهدة، أو غيب، يقال له في اللغة: «صدقت»، كما يقال: «كذبت».
* أما لفظ الإيمان: فلا يستعمل، إلا في الخبر الغائب، فلو قال: طلعت الشمس، أو غربت، فلا يقال: «آمناه»، كما يقال: «صدقناه»، لأن الإيمان: مشتق من الأمن.
فإنما استعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر، كالأمر الغائب، ولهذا لا يوجد في القرآن، وغيره قط: «آمن له»؛ إلا في هذا النوع.
* والإيمان: مصدر آمن، وهو مأخوذ من مادة: «أ، م، ن»، والأمان، وهو ضد الخوف.
وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص551).
([48]) فلفظ الإيمان: لم يقابل بالتكذيب؛ كلفظ: «التصديق»، وإنما مقابل الإيمان: «الكفر»، أن الكفر ليس هو: «التكذيب» فقط.
* فكذلك ما يقابله، وهو الإيمان، ليس هو: «التصديق» فقط.
([52]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص2304)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2047) من حديث ابن عباس، وأبي هريرة ﭭ.
([53]) فدعوى الإجماع: في أن الإيمان، هو «التصديق»، فهي دعوى بغير دليل، فلا تصح، وسوف يأتي تبيين ذلك أيضا.
([57]) وهذا الكتاب: للإمام أحمد /، وهو كتاب مفرد، سماه كتاب: «طاعة الرسول r».
وانظر: «الطرق الحكمية» لابن القيم (ص102).
والكتاب ذكره ابن النديم في «الفهرست» (ص285).
([58]) فما خلفوه كم هائل من شبهات، وتأويلات باطلة، سببها قصور أفهامهم، وقلة علم، وجهل بالغ، وهوى هالك، وبكسل في طلب الحجج، ومعرفة الحق بالرجال.
وانظر: «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج1 ص335).
([59]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291): (ومعلوم: أن الإيمان: هو «الإقرار»؛ لا مجرد «التصديق»، و«الإقرار»: ضمن قول القلب: الذي هو: «التصديق»، وعمل القلب الذي هو: «الانقياد»).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291): (فكان تفسيره؛ يعني: «الإيمان»، بلفظ «الإقرار»، أقرب من تفسيره؛ بلفظ: «التصديق»؛ مع أن بينهما فرقا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص291)؛ في رده على من ادعى الترادف بين الإيمان، والتصديق: (إنه؛ يعني: الإيمان، ليس مرادفا «للتصديق» في المعنى).اهـ
([61]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج2 ص94)، و(ج7 ص509 و543 و550)، و«التسعينية» له (ص160)، و«الإيمان الكبير» له أيضا (ص318 و319 و321).
([63]) ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية في «الإيمان الكبير» (ص362)؛ أن الباقلاني: نصر أيضا قول: «جهم بن صفوان» في مسألة الإيمان.
([67]) والكرامية: بفتح الكاف، وتشديد الراء، وهم: أتباع محمد بن كرام السجستاني.
انظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي (ج4 ص21)، و«الملل والنحل» للشهرستاني (ج1 ص154)، و«الفصل» لابن حزم (ج3 ص188)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص140 و141).
([69]) ومرجئة الفقهاء: مقصودهم بالمعرفة مع القول: التصديق بالقلب، مع الإقرار باللسان فقط، وهو المشهور في مذهبهم.
أخرجه الخلال في «السنة» (ج3 ص571).
وإسناده صحيح.
وانظر: «المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل» (ج1 ص73).
([72]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص291)، و«الإيمان الكبير» له (ص707 و708 و709 و713)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص229)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص337 و338)، و«الصلاة» لابن القيم (ص60 و61 و62).
قلت: فالتصديق بدون انقياد في الشرع لا ينفع في الإيمان، فتنبه.
([73]) وقد يراد «بالإقرار»، بمجرد التصديق، بدون التزام الطاعة جملة وتفصيلا، وهذا قول: «المرجئة»، اللهم غفرا.
([75]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص2304)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2046 و2047) من حديث ابن عباس، وأبي هريرة ﭭ.
* ومعناه: أنه قد يحقق الزنى بالفرج، وقد لا يحققه، بأن لا يولج الفرج، وإن قارب ذلك.
وانظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص206).
([76]) وانظر: «الصلاة» لابن القيم (ص60 و61 و62).
قلت: وسوف يأتي الرد على من ادعى الإجماع على أن الإيمان في اللغة: هو «التصديق»، في آخر هذا الباب، وقد سبق أيضا.
أخرجه اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (1593).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «الإيمان» (ص197)، وكما في «الفتاوى» (ج7 ص208 و209)، وابن رجب في «فتح الباري» (ج1 ص5).
أخرجه الكرماني في «المسائل» (ص377).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج1 ص21).
([82]) واحدة الخوخ والخوخة: كوة في البيت تؤدي إليه الضوء، والخوخة مخترق ما بين كل دارين لم ينصب عليها باب، بلغة أهل الحجاز.
انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج3 ص14).
([84]) وإن حوصروا، وألزموا، وألقموا حجرا بكثرة الحجج في ثبوت هذا النوع من الكفر، حرفوا النصوص لأجله، والله المستعان.
([85]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص327)، و(ج12 ص18)، و«منهاج السنة» له (ج5 ص251)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (ج1 ص367)، و«طريق الهجرتين» له (ص395)، و«الفصل في الملل والنحل» لابن حزم (ج2 ص215 و238).
([90]) والمرجئة العصرية: تدافع عن عقيدتها الإرجائية، وأن الإيمان: هو التصديق القلبي؛ كما صرح: «ربيع المدخلي»، و«عبيد الجابري».
([93]) وانظر: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج2 ص60)، و«مناقب الإمام أحمد» لابن الجوزي (ص187)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج21 ص291).
([94]) وإمام: «عبيد الجابري» في تقريره للإرجاء، هو بمثل: «جهم بن صفوان»، و«بشر المريسي»، وغيرهما من أئمة الضلالة، اللهم غفرا.
([95]) هو أبو الحسن محمد بن أسلم الطوسي: أحواله مشتهرة مشهورة، وشمائله مسطرة مذكورة، كان بالآثار مقتديا، وعن الآراء منتهيا، أعطي بيانا وبلاغة، نقض على المخالفين بتبيانه.
انظر: «حلية الأولياء» لأبي نعيم (ج9 ص238).
([101]) فلا يجوز أن يكون بإحدهما مؤمنا، إذا ترك الآخر، لأن الله تعالى أراد بالأمرين جميعا.
* فلو قال العبد: أقر، ولا أعمل، لم يطلق له اسم الإيمان.
وفيما بينا من هذا ما يكتفى به، ونسأل الله التوفيق.
([109]) وهذا التعريف: مما تكلم الناس به، بعد عصر الصحابة y، فلا يلتفت إلى هذا التعريف، وسوف يأتي الرد عن ذلك.
([110]) وأين التواتر الموجود عن العرب القاطبة، قبل نزول القرآن، أنهم لا يعرفون، للإيمان، معنى غير التصديق.
([111]) وانظر: «الصارم المسلول على شاتم الرسول» لابن تيمية (ج3 ص967 و969)، و«الفتاوى» له (ج18 ص272)، و«الشريعة» للآجري (ج2 ص686)، و«قواعد في بيان حقيقة الإيمان» للشيخاني (ص153).
([112]) يشير إلى قصة: «هرقل»، وهي موجودة في: «الجامع الصحيح» للبخاري (402)؛ وفيها، أنه قال: (وقد كنت أعلم أنه خارج).
([120]) ولو صدق به: مع العمل؛ بخلاف مقتضاه، لم يقولوا: هو مؤمن به أيضا.
فلا يوجد دليل يدل على ما ادعوه في لغة العرب، أن الإيمان: هو التصديق فقط.
([122]) وهذا يدل على أنه لا يكتفى بالتصديق المجرد؛ بل لا أكتفي بتصديق القلب واللسان، فضلا عن تصديق القلب وحده.
بل لا بد أن يعمل بموجب ذلك التصديق.
وانظر: «الإيمان الكبير» لابن تيمية (ص331).
([125]) وانظر: «الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية» لأبي عذبة (ص40)، و«تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد» للبيجوري (ص30)، و«المسايرة» لابن الهمام (173).
([131]) وتصديق القلب: هو الاعتقاد، ويشمل ذلك: أعمال القلوب، كالحب، والخوف، والرجاء، والخشية، والتقوى، واليقين، وغير ذلك.
والنطق باللسان: هو قول اللسان، والكلمة: وأعظمها شهادة: «أن لا إله إلا الله»، و«أن محمدا رسول الله».
وعمل الجوارح: وهو سائر ما تقوم به الأعضاء من الأعمال الصالحة.
([135]) فتغلل الفكر الإرجائي في: «أتباع المرجئة العصرية» حتى أصبح شعارا ودثارا، والمذهب المرتضى عندهم.
([136]) فهذا الإرجاء، ليس شعارا للإسلام، وإنما هو من البدع المحدثة في الإسلام، التي ضحك بها المرجئيون على أتباعهم السذج في البلدان الإسلامية.
فجعلوا هذه البدعة الشنيعة من مذهب السلف، والسنة الحقيقية تركوها ظهريا.
([137]) قال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج2 ص165): (وأصل كل فتنة؛ إنما هو: من تقديم الرأي: على الشرع، والهوى: على العقل). اهـ
([138]) وإن قال الإمام ابن بطة /: أنه التصديق، فلا يعني به ما قصده: «المرجئة» وغيرهم، ممن يجعلون الإيمان، هو: التصديق، ويحصرون الإيمان فيه، فانتبه.
لكن قوله أن الإيمان: هو التصديق، فيه نظر.
* ولهذا صرح الإمام ابن بطة / في «الإبانة الصغرى» (ص249)؛ بأن هذا التصديق، لا بد أن يجتمع فيه ثلاثة أركان، حيث قال: (والتصديق بذلك: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان).اهـ
([140]) وهذه اجتهادات من أهل اللغة، كلها فيها نظر، لأنه لم يثبت ذلك في لغة العرب، كما سبق ذلك، وفي الحقيقة: أن كل واحد يقلد الثاني في، أن الإيمان: هو التصديق، فأول من قلدوه هو: «الخليل» في كتابه «العين» (ج1 ص108).
([141]) فإن إبليس: لم يكذب بأمر الله تعالى: لما أمره بالسجود، وإنما أبى الإذعان، والانقياد؛ لأمر الله تعالى، واستكبر عن ذلك الأمر، وكفر.