الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / منح النفس لتعيين إفطار الصائم بغروب الشمس
منح النفس لتعيين إفطار الصائم بغروب الشمس
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
نعوذ بالله من البدع
درة نادرة
نكارة بدع هذا الزمان في تأخير الفطور
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص199): (في حديث؛ أبي هريرة: «لا يزال الدين ظاهرا» وظهور الدين مستلزم لدوام الخير؛ قوله: «ما عجلوا الفطر»، وما ظرفية أي مدة فعلهم ذلك امتثالا للسنة واقفين عند حدها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها.
«تنبيه»: من البدع المنكرة: ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعما ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة!، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة؛ لتمكين الوقت زعموا فأخروا الفطر وعجلوا السحور، وخالفوا السنة؛ فلذلك قل عنهم، الخير وكثر فيهم الشر، والله المستعان). اهـ
قلت: وهو حال جميع المسلمين اليوم إلا من رحم ربك، وقليل ما هم؛ فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام في واقع كثير من أتباعه وأدعيائه!!؛ اللهم غفرا.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
]ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران :102].
]ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].
]ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 و71].
أما بعد...
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ه، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فاعلم أن من السنة تعجيل الفطر بغروب الشمس لا زيادة على ذلك.
قال تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
قلت: ويتعين دخول الليل من غروب الشمس، ويتحقق للصائم الإفطار([1])، لقوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج21 ص98): (والله تعالى يقول: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]؛ وأول الليل مغيب الشمس كلها في الأفق عن أعين الناظرين). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج10 ص42): (أجمع العلماء على أنه إذا حلت صلاة المغرب فقد حل الفطر للصائم فرضا وتطوعا، وأجمعوا أن صلاة المغرب من صلاة الليل، والله تعالى يقول: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]).اهـ
وقال شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ج2 ص348): (قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام[ أي: أكملوا الصيام على وجه التمام؛ ]إلى الليل[؛ أي: إلى دخول الليل؛ وذلك بغروب الشمس؛ لقول النبي ه: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»؛ وبمجرد غروب الشمس – أي: غروب قرصها - يكون الإفطار؛ وليس بشرط أن تزول الحمرة، كما يظن بعض العوام؛ إذا الصوم محدود: من، وإلى؛ فلا يزاد فيه، ولا ينقص).اهـ
وعن محمد بن كعب قال: «أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر، وقد رحلت دابته، ولبس ثياب السفر، وقد تقارب غروب الشمس، فدعا بطعام فأكل منه ثم ركب، فقلت له: سنة؛ قال: نعم».
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج2 ص318)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص247)، والدارقطني في «السنن» (ج2 ص188) من طريق سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم، أخبرني محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «حديث إفطار الصائم ...» (ص22).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
فقوله: «وقد تقارب غروب الشمس»؛ يدل على أن الشمس لم تغرب بالكلية، بل يرى قرصها بقرب الأرض، وهذا يسمى غروبا؛ كما يدل عليه الأثر.([2])
قلت: فلا عبرة بهذا المستوى من الشمس، فإن النهار قد انتهى عند العرب، فيجوز للصائم أن يفطر، وإن كان قرص الشمس لم يغب عن الناظرين، وحلت صلاة المغرب، لأن المغرب في الأصل: موضع الغروب، فإذا وصلت الشمس جهة المغرب، وفي هذا المستوى من موضع الغروب، فهذا يسمى غروبا عند الصحابة ن، لأن الشمس بعدت، ودخلت في الغروب.([3])
قال الفقيه البهوتي / في «كشاف القناع» (ج1 ص235): (وقت المغرب: وهو في الأصل: مصدر غربت الشمس؛ بـ«فتح الراء وضمها» غروبا، ومغربا، ويطلق في اللغة: على وقت الغروب ومكانه). اهـ
قلت: فالمغرب سمي بذلك لفعلها وقت الغروب؛ إذ الغروب في اللغة البعد، أو وقته، أو مكانه فإذا كانت الشمس بعيدة في مستوى الغروب، فهي قد غربت، وإن كان قرصها لم يغب([4])، لأن هذا يسمى غروبا.([5])
قال الفقيه ابن أبي الفتح / في «المطلع» (ص57): (المغرب في الأصل: مصدر غربت الشمس غروبا، ومغربا، ثم سميت الصلاة مغربا). اهـ
وهذا يدل على أن بقية النهار بعد غروب الشمس يسمى ليلا، مع أن النهار لم يغب بالكلية، أي: أنه لا عبرة بوجود شيء من آخر النهار([6])، وذلك لأن العرب تسمي ذلك ليلا؛ حتى مع وجود النهار([7])، فافهم لهذا.
وعن أبي العالية /؛ أنه قال في الوصال في الصيام، قال: «قال الله تبارك وتعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187] وإذا جاء الليل فهو مفطر، ثم إن شاء صام وإن شاء ترك».
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص134)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص264).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج3 ص134).
قال الفقيه ابن رشد / في «بداية المجتهد» (ج1 ص337): (وأما التي تتعلق بزمان الإمساك؛ فإنهم اتفقوا على أن آخره غيبوبة الشمس، لقوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]). اهـ
وعن عمر بن الخطاب ط قال: قال رسول اللهه: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم».
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1954)، ومسلم في «صحيحه» (1100)، وأبو داود في «سننه» (7351)، والترمذي في «سننه» (ج2 ص38)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص252)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص35)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج4 ص227)، وابن الجارود في «المنتقى» (393)، والفريابي في «الصيام» (ص52) من طريق هشام بن عروه عن أبيه عن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه عمر ط به.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج5 ص290): (قال تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]، وقول النبي ه: «إذا أقبل الليل من هاهنا –وأشار إلى المشرق- وأدبر النهار من هاهنا –وأشار إلى المغرب- وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم»، فمن المعلوم أن قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]، يعني: من غابت عليه الشمس انتهى وقت صومه؛ وأن قول الرسول ه: «وغربت الشمس»، وأن من غربت عليه الشمس فقد انتهى صومه). اهـ
وعن عبد الله بن أبي أوفى، قال: «كنا مع النبي ه في سفر، فقال لرجل من القوم: انزل فاجدح لي بشيء وهو صائم، فقال: الشمس يا رسول الله! قال: انزل فاجدح لي، قال: فنزل فجدح له فشرب، وقال: ولو ترآها([8]) أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس، ثم أشار النبي ه بيده إلى المشرق، قال: إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا، فقد أفطر الصائم».
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن عبدالله بن أبي أوفى به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الشيخ الألباني / في «مختصر صحيح البخاري» (ج1 ص571): (زاد عبد الرزاق (4/226/7594): «ولوترآها أحد على بعيره لرآها، يعني: الشمس»، وسنده صحيح على شرط الشيخين).
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج3 ص412) وأقره؛ برواية ابن عيينة عن الشيباني عن ابن أبي أوفى ط وفيه: (قال: فلو نزا أحد على بعيره لرآها؛ (يعني: الشمس)، ثم أشار النبي ه بيده قبل المشرق).
قلت: وهذا الحديث يدل على أن النبي ه أفطر مع وجود قرص الشمس لم يغيب كله، وشدة ضيائها، لقوله: «يا رسول الله الشمس»، وقوله: (إن عليك نهارا)، وقوله: «ولو تراآها احد على بعيره لرآها؛ يعني الشمس!»، مع أنه قال: «فلما غابت الشمس»، فهذا يسمى عند العرب غروبا، وهو نهاية الشمس([9])، فافطن لهذا ترشد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج3 ص462): (والسنة تعجيل الفطور؛ لقوله تعالى: ]أتموا الصيام إلى الليل[ [االبقرة:187]، وقال ه: «إذا غربت الشمس فقد أفطر الصائم»، وأمر بلال لما غربت الشمس أن ينزل فيجدح لهم السويق). اهـ
قلت: والعبرة بغروب الشمس، أو قرب الغروب، ولا حاجة إلى أن يزول النور القوي، أو الحمرة، بل بمجرد ما يغيب قرص الشمس، أو قارب يفطر الصائم، كما فعل الصحابة الكرام.
قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج2 ص50): (وكان يعجل الفطر ويحض عليه، ... وكان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء، هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم ... وكان ه يفطر قبل أن يصلي).اهـ
وعن أيمن المكي قال: «دخلت على أبي سعيد الخدري ط، فأفطر على عرق([10])، وأنا أرى أن الشمس لم تغرب». وفي رواية: «فرآه يفطر قبل مغيب القرص!».
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص22)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق وكيع.
وأخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج4 ص196- فتح الباري)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق سفيان؛ كلاهما عن عبدالواحد بن أيمن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
عبدالواحد بن أيمن القرشي، قال ابن معين عنه: «ثقة»، وقال أبو حاتم: «ثقة»، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج7 ص24)، وقال الذهبي في «الكاشف» (ج2 ص191): «ثقة»، وروى له البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه»، وقال البزار: «مشهور ليس به بأس»، وقال النسائي: «ليس به بأس».([11])
وأيمن المكي القرشي، والد عبدالواحد بن أيمن، قال أبو زرعة: «ثقة»، ووافقه الذهبي، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج1 ص47)، وروى له البخاري في «صحيحه»،([12]) وقال ابن حجر في «التقريب» (ص157): «ثقة».
وقال العلامـة الشـيخ الألـبانـي / فـي «مـختصر صحـيح البخاري» (ج1 ص571): (وصله سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة (3/ 12)؛ بسند صحيح). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص196): (وصله سعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه، وقال: «دخلنا على أبي سعيد، فأفطر، ونحن نرى أن الشمس لم تغرب».
وذكره العيني في «عمدة القاري» (ج9 ص130)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص589).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج3 ص416): (وعن أيمن المكي: «أنه نزل على أبي سعيد الخدري، فرآه يفطر قبل مغيب القرص». رواه سعيد بن منصور). اهـ
قلت: أفطر أبو سعيد الخدري ط، وقرص الشمس لم يغيب([13])، بل لم يلتفت إلى موافقة من عنده على ذلك، بل طبق السنة في تعجيل الإفطار، وهذا هو الإتباع الذي يجب أن يتمسك به كل مسلم.([14])
قال الفقيه العيني / في «عمدة القاري» (ج9 ص130)؛ بعدما ذكر أثر أبي سعيد الخدري: (وجه ذلك أن أبا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيدا على ذلك، ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك، فلو كان يجب عنده إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك). اهـ
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج5 ص324): (ومعلوم أن من وافق سنة رسول الله ه، فهو الأصوب لا شك). اهـ
قال الفقيه ابن النقيب / في «عمدة السالك» (ص109): (والأفضل تعجيل الفطر إذا تحقق الغروب، ويفطر على تمرات وترا؛ فإن لم يجد فالماء أفضل). اهـ
وقال الفقيه المعبري / في «فتح المعين» (ص273): (وسن تعجيل فطر، إذا تيقن الغروب). اهـ
وعن سهل بن سعد الساعدي ط أن رسول اللهه قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر». وفي رواية: «ما عجلوا الإفطار». وفي رواية: «لا تزال هذه الأمة بخير ما عجلوا الإفطار».
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص241)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص711)، والترمذي في «سننه» (ج3 ص82)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3298)، وفي «الإغراب» (ص300 و301)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص541)، وابن القاسم في «الموطأ» (ص422)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص336 و337 و339)، والبغوي في «شرح السنة» (ج6 ص254)، وفي «مصابيح السنة» (ج2 ص72)، والحدثاني في «الموطأ» (ص413)، والفريابي في «الصيام» (ص50 و51)، وابن حبان في «صحيحه» (ج5 ص207 و208) من طريق أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي ط به.
قال أبو الفتوح الطائي / في «الأربعين» (ص146): (وفي الحديث: دلالة على استحباب تعجيل الفطر، والإشارة فيه إلى إزالة ما لحق الصائم من كلفة العبادة، ليكون وقوفه على بساط النجوى في صلاة المغرب التي تؤدى في وقت الإفطار على فراغ من مطالبات النفس، فيجد القلب في المناجاة كمال الروح والأنس، وعلى هذا يحمل قوله ه: «إذا حضر العشاء، فابدءوا بالعشاء»([15]». اهـ
وقال الإمام ابن دقيق العيد / في «إحكام الأحكام» (ص566): (تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب: مستحب باتفاق، ودليله: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»، وفيه دليل على المتشيعة، الذين يؤخرون إلى ظهور النجم. ولعل هذا هو السبب في كون الناس لا يزالون بخير ما عجلوا الفطر؛ لأنهم إذا أخروه كانوا داخلين في فعل خلاف السنة. ولا يزالون بخير ما فعلوا السنة). اهـ
وقال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج4 ص592): (قوله ه: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» أي: إذا تحققوا الغروب بالرؤية، أو بإخبار عدلين، أو عدل على الأرجح، وما ظرفية؛ أي: مدة فعلهم ذلك امتثالا للسنة واقفين عند حدودها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها). اهـ
قلت: فمتابعة رسول الله ه هي الطريق المستقيم.
وعن أبي هريرة ط قال: قال رسول الله ه: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر([16])، إن اليهود والنصارى يؤخرون». وفي رواية: «لا يزال الدين ظاهرا ما عجلوا الناس الإفطار، فإن اليهود والنصارى يؤخرون».
حديث حسن
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج2 ص763)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2313)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص541)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص450)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص431)، وابن حبان في «صحيحه» (ج5 ص207)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج1 ص76)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج20 ص23)، وضياء الدين المقدسي في «فضائل الأعمال» (ص257)، البيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص237)، وفي «شعب الإيمان» (ج7 ص492)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج3 ص285)، والفريابي في «الصيام» (ص48 و49)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص12)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (1089)، والخلال في «المجالس العشرة من أماليه» (53)، والسمسار في «مسند أبي هريرة» (ص48) من طرق عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة ط به.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «صحيح الجامع» (ج5 ص231).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
وأورده البوصيري في «مصباح الزجاجة» (ج2 ص20)، ثم قال: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
قلت: بل إسناده حسن، قال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (ج3 ص673): محمد بن عمرو؛ شيخ مشهور، «حسن الحديث» أخرج له الشيخان متابعة.
وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج5 ص101)، وفي «إتحاف المهرة» (ج16 ص121).
قلت: فلا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، ولم يؤخروا تأخير أهل الكتاب من اليهود والنصارى.([17])
والليل يبدأ بغروب الشمس، فيستحب له المبادرة بالإفطار امتثالا لأمر الله سبحانه تعالى؛ ولئلا يزيد في العبادة شيئا ليس منها, وفي هذا رد على الذين يؤخرون الافطار, ويزعمون أن هذا من محبة الخير ومن الورع, فهذا من فعل المبتدعة الذين لا يفطرون إلا حين تشتبك النجوم، وهذا من علامات الضلال, ومخالفة السنة، أحب العباد إلى الله سبحانه و تعالى أعجلهم فطرا.
قال الفقيه الشيخ البسام / في «توضيح الأحكام» (ج3 ص153): (ما يؤخذ من الحديثين:
1) استحباب تعجيل الفطر، وقد اتفق العلماء على استحباب تعجيل الفطر، إذا تحقق غروب الشمس برؤية، أو بخبر ثقة، أو غلب على ظنه الغروب.
2) أن تعجيل الفطر دليل على بقاء الخير عند من عجله، وزوال الخير عمن أخره.
3) الخير المشار إليه هو اتباع السنة، ولا شك أنه سبب خيري الدنيا والآخرة ... فالشارع الحكيم يطلب من المسلمين ألا يشابهوا أهل الكتاب في عباداتهم، فتعجيل الفطر شعار يفرق بين صيام أهل الإسلام، وأهل الكتاب، وبين سوء المخالفة، وحسن الاتباع، والاقتداء.
4) هذا الحديث من المعجزات النبوية؛ فإن تأخير الإفطار هو طريقة بعض الفرق الضالة). اهـ
وقال العلامة الصنعاني / في «سبل السلام» (ج2 ص304): (والحديث دليل على استحباب تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار من يجوز العمل بقوله، وقد ذكر العلة وهي مخالفة اليهود والنصارى). اهـ
قلت: وتأخير الفطر عن غروب الشمس صار شعارا لأهل البدع المخالفين، وسمة لهم([18])، والعياذ بالله.
قال الفقيه الطيبي / في «الكاشف» (ج4 ص179): (ويدخل في معناه: حديث سهل بن سعد ط الذي يتلوه «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»؛ لأن فيه مخالفة أهل الكتاب، وكانوا يؤخرون الإفطار إلى اشتباك النجوم، ثم صار في ملتنا شعارا لأهل البدع، وهذه هي الخصلة التي لم يرضها رسول الله ه). اهـ
وقال العلامة اللكنوي / في «التعليق الممجد» (ج2 ص204): (قوله: «والعامة»؛ أي: جمهور علماء أهل السنة خلافا؛ للشيعة المبتدعة حيث لم يفطروا حتى تشتبك النجوم). اهـ
قلت: والحكمة في تعجيل الفطر لأمور منها:
1) أن الله تعالى كريم، والكريم يحب أن يتمتع الناس بكرمه.
2) أن في ذلك مخالفة لأعداء الله تعالى في الخارج من اليهود والنصارى.
3) أن في ذلك مخالفة لأعداء الله تعالى في الداخل من الرافضة، والإباضية، والصوفية، والحزبية.
4) أن ذلك يقوي العبد على الطاعة، وعلى حاجاته، وأرحم به.
5) أن ذلك فيه اقتداء بالرسول ه، والتأسي به ه.
6) أن في ذلك ظهور الدين وعلوه.
7) أن في ذلك ظهور الخيرية في المسلمين.
8) أن في ذلك ظهور الخيرية في الفرد.
وعن حميد الطويل، عن أنس بن مالك ط: «أنه لم يكن ينتظر المؤذن في الإفطار، وكان يعجل الفطر».
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في «الصيام» (ص57) من طريق وهب بن بقية، أخبرنا خالد، عن حميد الطويل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: وتأخير الإفطار عن غروب الشمس؛ إنما يفعل ذلك الكفرة: من اليهود والنصارى في الخارج، والمبتدعة: من الرافضة والإباضية في الداخل.([19])
قال الفقيه الكلوذاني / في «الهداية» (ص101): (ويستحب له تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس). اهـ
وقال الفقيه ابن أبي القاسم / في «الواضح» (ج1 ص597): (بغروب الشمس قد انتهى صومه؛ وتم). اهـ
قلت: فمذهب أهل السنة من أهل العلم استحباب تعجيل الإفطار بغروب الشمس([20])، والله المستعان.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الكافي» (ص130): (ومن السنة تعجيل الفطر، وتأخير السحور، والنهار الواجب صومه هو من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس، فإذا استيقن الصائم مغيبها حل له الفطر). اهـ
وقال الإمام الشافعي /: (وأحب تعجيل الفطر، وتأخير السحور اتباعا لرسول الله ه).([21]) اهـ
لذلك أقدم كتابي هذا الذي بين أيدينا المسمى: بــ«منح النفس لتعيين إفطار الصائم بغروب الشمس»، وهو يحتوي على كل ما يتعلق بتعجيل الفطر بغروب الشمس، وما وردت في ذلك من آيات وأحاديث، وآثار وأقوال، والله ولي التوفيق.
هذا؛ وندعو الله تعالى أن يوفقنا لمزيد من خدمة الكتاب والسنة والآثار، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يتقبل منا إنه هو السميع العليم.
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
من تمسك بالسنة نجا
ذكر الدليل
على تعيين غروب الشمس الذي يسن للصائم تعجيل فطره عنده، وتعجيل فطره بمغيب قرص الشمس كله، وله تعجيل فطره أحيانا قبل مغيب قرص الشمس بيسير، وذلك عند تقارب غروبها، لأن الأمر فيه سعة؛ بل هذا يسمى غروبا في الدين فلا نحجر واسعا([22])
(1) قال تعالى: ]أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون[ [البقرة: 187].
والشاهد:
قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
قلت: ويتعين دخول الليل من غروب الشمس، ويتحقق للصائم الإفطار([23])، لقوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج21 ص98): (والله تعالى يقول: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]؛ وأول الليل مغيب الشمس كلها في الأفق عن أعين الناظرين). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج10 ص42): (أجمع العلماء على أنه إذا حلت صلاة المغرب فقد حل الفطر للصائم فرضا وتطوعا، وأجمعوا أن صلاة المغرب من صلاة الليل، والله تعالى يقول: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]).اهـ
وقال شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ج2 ص348): (قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام[ أي: أكملوا الصيام على وجه التمام؛ ]إلى الليل[؛ أي: إلى دخول الليل؛ وذلك بغروب الشمس؛ لقول النبي ه: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»؛ وبمجرد غروب الشمس – أي: غروب قرصها - يكون الإفطار؛ وليس بشرط أن تزول الحمرة، كما يظن بعض العوام؛ إذا الصوم محدود: من، وإلى؛ فلا يزاد فيه، ولا ينقص).اهـ
(2) وعن عبد الكريم بن أبي المخارق / قال: «من عمل النبوة: تعجيل الفطر، والاستيناء([24]) بالسحور».
أثر صحيح
أخرجه أبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص299)، والبغوي في «شرح السنة» تعليقا (ج6 ص254)، والقعنبي في «الموطأ» (ص321)، والحدثاني في «الموطأ» (ص412) من طريق مالك –وهو في «الموطأ» (ج1 ص158) رواية يحيى- قال: سمعت عبد الكريم بن أبي المخارق به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج2 ص290).
(3) وعن محمد بن كعب قال: «أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر، وقد رحلت دابته، ولبس ثياب السفر، وقد تقارب غروب الشمس، فدعا بطعام فأكل منه ثم ركب، فقلت له: سنة؛ قال: نعم».
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج2 ص318)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص247)، والدارقطني في «السنن» (ج2 ص188) من طريق سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم، أخبرني محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «حديث إفطار الصائم ...» (ص22).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
فقوله: «وقد تقارب غروب الشمس»؛ يدل على أن الشمس لم تغرب بالكلية، بل يرى قرصها بقرب الأرض، وهذا يسمى غروبا؛ كما يدل عليه الأثر.([25])
قلت: فلا عبرة بهذا المستوى من الشمس، فإن النهار قد انتهى عند العرب، فيجوز للصائم أن يفطر، وإن كان قرص الشمس لم يغب عن الناظرين، وحلت صلاة المغرب، لأن المغرب في الأصل: موضع الغروب، فإذا وصلت الشمس جهة المغرب، وفي هذا المستوى من موضع الغروب، فهذا يسمى غروبا عند الصحابة ن، لأن الشمس بعدت، ودخلت في الغروب.([26])
قال الفقيه البهوتي / في «كشاف القناع» (ج1 ص235): (وقت المغرب: وهو في الأصل: مصدر غربت الشمس؛ بـ«فتح الراء وضمها» غروبا، ومغربا، ويطلق في اللغة: على وقت الغروب ومكانه). اهـ
قلت: فالمغرب سمي بذلك لفعلها وقت الغروب؛ إذ الغروب في اللغة البعد، أو وقته، أو مكانه فإذا كانت الشمس بعيدة في مستوى الغروب، فهي قد غربت، وإن كان قرصها لم يغب([27])، لأن هذا يسمى غروبا.([28])
قال الفقيه ابن أبي الفتح / في «المطلع» (ص57): (المغرب في الأصل: مصدر غربت الشمس غروبا، ومغربا، ثم سميت الصلاة مغربا). اهـ
وقال الفقيه أبو إسحاق الحنبلي / في «المبدع» (ج1 ص343): (المغرب: وهو في الأصل مصدر غربت الشمس؛ بـ«فتح الراء»، و«ضمها» غروبا، ومغربا، ويطلق في اللغة على وقت الغروب، ومكانه، فسميت هذه بذلك لفعلها في هذا الوقت). اهـ
وقال الفقيه المرغيناني / في «الهداية» (ج1 ص308): (ووقت الصوم من حين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس؛ لقوله تعالى: ]وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر[ [البقرة: 187] إلى أن قال: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]، والخيطان: بياض النهار، وسواد الليل). اهـ
وقال الفقيه ابن مودود / في «الاختيار» (ج1 ص137): (ووقت الصوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، لقوله تعالى: ]وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر[ [البقرة: 187]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «شرح عمدة الأحكام» (ص331): (الصيام هو: الإمساك عن أشياء مخصوصة، وهي المفطرات من الأكل والشرب والجماع، وتوابعها، في وقت مخصوص، وهو من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس). اهـ
ومنه؛ قول الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص62): (والعرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص63): (فدل على أن قرب الشيء قد يعبر به عنه، والمراد مفهوم). اهـ
قلت: فهذا قرب قرص الشمس من الأرض، يعتبر هذا القرب غروبا، لأن العرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه.([29])
ومن هذا قول الله تعالى: ]فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن [ [الطلاق: 2]، وهذا على القرب عند الجميع.
ومنه؛ قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
وهذا يدل على أن بقية النهار بعد غروب الشمس يسمى ليلا، مع أن النهار لم يغب بالكلية، أي: أنه لا عبرة بوجود شيء من آخر النهار([30])، وذلك لأن العرب تسمي ذلك ليلا؛ حتى مع وجود النهار([31])، فافهم لهذا.
(4) وعن أبي العالية /؛ أنه قال في الوصال في الصيام، قال: «قال الله تبارك وتعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187] وإذا جاء الليل فهو مفطر، ثم إن شاء صام وإن شاء ترك».
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص134)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص264).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج3 ص134).
قال الفقيه ابن رشد / في «بداية المجتهد» (ج1 ص337): (وأما التي تتعلق بزمان الإمساك؛ فإنهم اتفقوا على أن آخره غيبوبة الشمس، لقوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]). اهـ
وقـال الـعـلامـة الـشيخ عـبد الرحمـن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ص87): (قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]؛ أي: الإمساك عن المفطرات إلى الليل، وهو غروب الشمس). اهـ
وقال الفقيه الرازي / في «التفسير الكبير» (ج5 ص95): (كلمة «إلى» لانتهاء الغاية، فظاهر الآية أن الصوم ينتهي عند دخول الليل، وذلك لأن غاية الشيء مقطعه ومنتهاه، وإنما يكون مقطعا ومنتهى إذا لم يبق بعد ذلك). اهـ
وقال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج3 ص118): (]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187] أي: صوم كل يوم إلى الليل؛ أي: إلى ظهور الظلمة من قبل المشرق، وذلك بغروب الشمس، وكلمة «إلى» تفيد أن الإفطار عند غروب الشمس). اهـ
قلت: ومنه؛ فيما اعتبروا في حصول الليل زوال آثار الشمس، وسموا ذلك ليلا، كذلك اعتبروا زوال الليل عند ظهور آثار الشمس عند المشرق، وسموا ذلك صباحا مع وجود شيء من الليل، وهو آخر الليل ومنتهاه، بل اعتبر بعض الصحابة، والتابعين أن الليل لا ينتهي إلا بطلوع الشمس مع وجود النهار قبل طلوع الشمس من المشرق، لقوله تعالى: ]وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر[ [البقرة: 187]، وحكى الشافعية: عن الأعمش، وابن راهويه أنهما جوزا الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الشمس.([32])
وحكى أبو حامد: عن حذيفة بن اليمان، وأبي موسى الأشعري، وأبي مجلز، والأعمش؛ أنهم قالوا آخر الليل طلوع الشمس، وهو أول النهار، قالوا: وصلاة الصبح من صلوات الليل؛ قالوا وللصائم أن يأكل حتى تطلع الشمس.([33])
وحكي عن الأعمش؛ أنه قال: عن صلاة الفجر؛ هي من صلوات الليل، وإنما قبل طلوع الشمس من الليل يحل فيه الأكل للصائم.([34])
وقال المفسر أبو حيان / في «البحر المحيط» (ج2 ص85): (وروي عن علي ط؛ «أنه صلى الصبح بالناس؛ ثم قال: الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود»؛ ومما قادهم إلى هذا القول أنهم يرون أن الصوم إنما هو في النهار، والنهار عندهم من طلوع الشمس إلى غروبها). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «أحكام القرآن» (ج1 ص453)؛ بعدما ذكر حديث حذيفة: (فدل حديث حذيفة على أن أول وقت الصيام من طلوع الشمس، وأن ما قبل طلوع الشمس، ففي حكم الليل). اهـ
وقال الإمام الطبري / في «تفسيره» (ج3 ص524): (وعلة من قال هذا القول: أن الوقت إنما هو النهار دون الليل، قالوا: وأول النهار طلوع الشمس، كما أن آخره غروبها.
قالوا: ولو كان أوله طلوع الفجر، لوجب أن يكون آخره غروب الشفق قالوا: وفي إجماع الحجة على أن آخر النهار غروب الشمس دليل واضح، على أن أوله طلوعها.
قالوا: وفي الخبر عن النبي ه؛ أنه تسحر بعد طلوع الفجر أوضح الدليل على صحة قولنا). اهـ
وقال المفسر القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج2 ص319): (وقالت طائفة: ذلك بعد طلوع الفجر، وتبينه في الطرق والبيوت، روي ذلك عن عمر، وحذيفة، وابن عباس، وطلق بن علي، وعطاء بن أبي رباح، والأعمش سليمان، وغيرهم أن الإمساك يجب بتبيين الفجر في الطرق، وعلى رءوس الجبال). اهـ
وقال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج1 ص214): (واعلم أن الفجر الذي يحرم به على الصائم الطعام، والشراب، والجماع هو الفجر الصادق المستطير المنتشر في الأفق سريعا، لا الفجر الكاذب المستطيل). اهـ
وقال المفسر ابن عطية / في «المحرر الوجيز» (ج2 ص92): (وروي عن عثمان بن عفان، وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، وطلق بن علي، وعطاء بن أبي رباح، والأعمش، وغيرهم أن الإمساك يجب بتبين الفجر في الطرق، وعلى رؤوس الجبال).اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «أحكام القرآن» (ج1 ص453): (فدل ما ذكرنا على أن الدخول في الصيام من طلوع الفجر، وعلى أن الخروج منه بدخول الليل، وكان قوله عز وجل: ]إلى الليل[؛ غاية لم يدخلها في الصيام بما بين لنا على لسان رسول الله ه). اهـ
وقال الإمام البغوي / في «معالم التنزيل» (ج1 ص215): (قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]؛ فالصائم يحرم عليه الطعام والشراب بطلوع الفجر الصادق، ويمتد إلى غروب الشمس، فإذا غربت حصل الفطر). اهـ
وقال المفسر ابن جزي / في «تفسير القرآن» (ص47): (قوله تعالى: ]إلى الليل[؛ أي: إلى أول الليل، وهو غروب الشمس). اهـ
قلت: ومذهب جماهير العلماء أن صلاة الصبح من صلوات النهار، فكيف تؤدي في هذا الزمان في الليل على حسب «التقويم الفلكي»، فتكون عندهم صلاة الصبح من صلوات الليل!، اللهم سلم سلم.
قال تعالى: ]وأقم الصلاة طرفي النهار[ [هود: 114].
والمراد بالطرف الأول: صلاة الصبح في قول المفسرين، وقد أضاف الله تعالى إلى النهار، ولأننا وجدنا ضياء النهار يطرأ على ظلمة الليل في الفجر، كما طرأت ظلمة الليل على ضياء النهار في المغرب.([35])
وقال الفقيه ابن العربي / في «أحكام القرآن» (ج1 ص92): (قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]؛ فشرط ربنا تعالى إتمام الصوم حتى يتبين الليل، كما جوز الأكل حتى يتبين النهار، ولكن إذا تبين الليل فالسنة تعجيل الفطر).اهـ
وقال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج1 ص214): (فإذا تحقق طلوع الفجر الثاني، وهو الصادق حرم على الصائم الطعام، والشراب، والجماع إلى غروب الشمس، وهو قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]؛ يعني: منتهى الصوم إلى الليل، فإذا دخل الليل حصل الفطر). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «فتح القدير» (ج1 ص165): (قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]؛ فيه التصريح بأن للصوم غاية هي الليل، فعند إقبال الليل من المشرق، وإدبار النهار من المغرب، يفطر الصائم ويحل له الأكل والشرب، وغيرهما). اهـ
وقال الفقيه الماوردي / في «الحاوي الكبير» (ج2 ص30): (ومذهب الشافعي ومالك، وأبي حنيفة، أنها من صلاة النهار، وأول صلاة النهار طلوع الفجر لقوله تعالى: ]وأقم الصلاة طرفي النهار[ [هود: 114]، والمراد بالطرف الأول صلاة الصبح في قول جميع المفسرين). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «روضة الطالبين» (ج1 ص182): (مذهبنا ومذهب جماهير العلماء أن صلاة الصبح من صلوات النهار). اهـ
قلت: فالذين أمروا الناس أن يصلوا صلاة الفجر([36]) في ظلمة الليل؛ أي: قبل طلوع الفجر الصادق؛ على حسب «التقويم الفلكي»، وهو متقدم على «التقويم الشرعي» بزمن ليس باليسير؛ لم يوافقوا السلف بقولهم أن صلاة الفجر من الليل الذي يراد به بعد طلوع الفجر الصادق؛ وهو الضياء، ولم يوافقوا العلماء الذين قالوا أن صلاة الفجر من صلاة النهار!.
قلت: فلغة العرب واسعة عند السلف الصالح، وأن ما قبل طلوع الشمس يسمى ليلا عند العرب، فافطن لهذا ترشد.([37])
قال تعالى: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185].
قال الفقيه الماوردي / في «الحاوي الكبير» (ج2 ص29): (قال قوم: هي من صلاة الليل –يعني: صلاة الفجر- حكي ذلك عن حذيفة بن اليمان، والشعبي، والحسن بن صالح ... -والأعمش([38])- لأنه لما كان ما بعد غروب الشمس من الليل اقتضى أن يكون ما قبل طلوعها من الليل). اهـ
وقال الفقيه الحطاب / في «مواهب الجليل» (ج2 ص33): (ويحكى عن الأعمش: «أنها من صلاة الليل»، وأن ما قبل طلوع الشمس يحل فيه الطعام والشراب للصائم نقل ذلك ابن الصباغ في «شامله»). اهـ
(5) وعن عمر بن الخطاب ط قال: قال رسول الله ه: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم».
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1954)، ومسلم في «صحيحه» (1100)، وأبو داود في «سننه» (7351)، والترمذي في «سننه» (ج2 ص38)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص252)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص35)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج4 ص227)، وابن الجارود في «المنتقى» (393)، والفريابي في «الصيام» (ص52)، وابن حبان في «صحيحه» (3504)، والجصاص في «أحكام القرآن» (ج1 ص284)، والحميدي في «المسند» (20)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2058)، والبغوي في «شرح السنة» (1735)، وفي «معالم التنزيل» (ج1 ص215)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص590)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج21 ص98)، وفي «الاستذكار» (ج10 ص42) من طريق هشام بن عروه عن أبيه عن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه عمر ط به.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج5 ص290): (قال تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]، وقول النبي ه: «إذا أقبل الليل من هاهنا –وأشار إلى المشرق- وأدبر النهار من هاهنا –وأشار إلى المغرب- وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم»، فمن المعلوم أن قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]، يعني: من غابت عليه الشمس انتهى وقت صومه؛ وأن قول الرسول ه: «وغربت الشمس»، وأن من غربت عليه الشمس فقد انتهى صومه). اهـ
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج2 ص160): (قوله ه: «فقد أفطر الصائم»؛ معناه: أنه قد صار في حكم المفطر، وإن لم يأكل، وقيل: معناه؛ أنه قد دخل في وقت الفطر، وحان له أن يفطر، كما قيل: أصبح الرجل إذا دخل في وقت الصبح، وأمسى، وأظهر كذلك). اهـ
وقال الحافظ ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص103): (قوله ه: «إذا غربت الشمس فقد أفطر الصائم»؛ أي: حل وقت فطره). اهـ
قلت: وأجمع العلماء على أنه إذا غربت الشمس فقد حل فطر الصائم، ولا ينتظر الأذان([39]) اللهم غفرا.
قال الإمام ابن الملقن / في «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» (ج5 ص310): (في الحديث دلالة واضحة على استحباب تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب، وقد اتفق العلماء عليه). اهـ
وقال الفقيه ابن القطان / في «مسائل الإجماع» (ج1 ص294): (وأجمعوا أنه إذا حلت صلاة المغرب([40]) حل الفطر). اهـ
(6) وعن سهيل بن عمرو ط قال: «لقد رأيت رسول الله ه يفطر في شهر رمضان، ويخيل إلى الشمس لم تغرب من تعجيل فطره».
حديث حسن
أخرجه أبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى» (ج3 ص171) من طريقين عن محمد بن عمر العامري عن ابن مرسا قال: سمعت سهيل بن عمرو ط به.
قلت: وهذا سنده حسن.
فقوله: «ويخيل إلى الشمس لم تغرب»؛ فهذا يدل على أن النبي ه يفطر، وقرص الشمس لم يغب بالكلية، وهذا في حكم الغروب المعروف بين العرب، فانتبه.
(7) وعن عبد الله بن أبي أوفى ط، قال: كنا مع رسول اللهه في سفر وهو صائم، فلما غربت الشمس، قال لبعض القوم: يا فلان، قم فاجدح لنا، فقال: يا رسول الله، لو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله، فلو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: إن عليك نهارا، قال: انزل فاجدح لنا، فنزل فجدح لهم، فشرب النبي ه ثم قال: «إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا، فقد أفطر الصائم». وفي رواية: «إذا غابت الشمس من هاهنا، وجاء الليل من هاهنا([41]) فقد أفطر الصائم»، وفي رواية: «وأمر بلالا»، وفي رواية: «قال: يا رسول الله الشمس، قال: انزل فاجدح لي»، وفي رواية: «لو انتظرت حتى تمسي، قال انزل فاجدح لنا».
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1955 و1958 و2941)، ومسلم في «صحيحه» (1101)، وأحمد في «المسند» (19395)، و(19399)، أبو داود في «سننه» (2352)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3297)، وابن حبان في «صحيحه» (3511)، و(3512)، والحميدي في «المسند» (ج2 ص312)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص590) من طرق عن سليمان الشيباني قال: سمعت عبدالله بن أبي أوفى ط فذكره.
قلت: فالنبي ه لم ينظر إلى وجود قرص الشمس نظرا تاما، لذلك أعرض ه عن قول بلال ط حين قال: «يا رسول الله الشمس»، واعتبر ه غيبوبة الشمس، مع أنها لم تغب كلها في الأرض([42])، والله المستعان.
قال الفقيه ابن العربي / في «القبس» (ج2 ص479)؛ معلقا على الحديث: (فأنكر الرجل سرعة الفطر، فأعلمه النبي ه أن ذلك هو الحق!). اهـ
قلت: وهذا كله يدل على شدة تعجيل النبي ه للإفطار.
وقال الحافظ السيوطي / في «الديباج» (ج3 ص200): (قوله: «إن عليك نهارا»: إنما قال ذلك؛ لأنه رأى آثار الضياء، والحمرة التي بعد غروب الشمس، فظن أن الفطر لا يحل إلا بعد ذهاب ذلك). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وموضع الدلالة منه ما يشعر به سياقه من مراجعة الرجل له بكون الشمس لم تغرب في جواب طلبه لما يشير به فهو ظاهر في أنه كان ه صائما). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن حصول الغروب لا يلزم منه أن يتحقق غروب قرص الشمس بالكلية، أي: أن قرص الشمس لم يغب بالكلية، بل يرى عيانا، وهذا يسمى غروبا عند العرب، لأن لا عبرة بنهاية الشمس، فافطن لهذا.
قال الإمام ابن الملقن / في «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» (ج5 ص12): (الإشارة في الأول إلى جهة المشرق، وفي الآخر إلى جهة المغرب، وهما متلازمان في الوجود: إذ لا يقبل الليل إلا إذا أدبر النهار). اهـ
قلت: فإذا أقبل الليل؛ أي: ظلامه من جهة المشرق، وأدبر النهار؛ أي: ضياؤه من جانب المغرب، فقد أفطر الصائم.
فهذا إقبال الظلام، وإدبار النهار، وهو حل وقت فطر الصائم.([43])
قال الـعلامـة أبـو عبد الرحـمـن الـعـظـيم آبـادي / في «عون المعبود» (ج6 ص478): (قوله ه «إذا جاء الليل من هاهنا»: أي: من جهة المشرق، وقوله ه: «وذهب النهار من هاهنا»؛ أي: من جهة المغرب). اهـ
قلت: ووجه الدلالة أن النبي لما تحقق عنده غروب الشمس، أي: نهايتها، _ وإن كان قرص الشمس يرى _ لم يطلب مزيدا على ذلك، ولا التفت إلى موافقة من عنده من الصحابة الكرام على ذلك؛ بقوله: «يا رسول الله الشمس، فقال ه له: انزل فاجدح لي، فنزل فجدح له([44]) فشرب!»، فلو كان يجب الإمساك حين غياب قرص الشمس بالكلية لفعل ذلك، فعتبر ه أن ذلك غروبا، بقوله ه: «وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم»؛ أي: دخل في وقت الفطر.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وفي الحديث استحباب تعجيل الفطر، وأنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقا، بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر). اهـ
(8) وعن عبد الله بن أبي أوفى، قال: «كنا مع النبي ه في سفر، فقال لرجل من القوم: انزل فاجدح لي بشيء وهو صائم، فقال: الشمس يا رسول الله! قال: انزل فاجدح لي، قال: فنزل فجدح له فشرب، وقال: ولو ترآها([45]) أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس، ثم أشار النبي ه بيده إلى المشرق، قال: إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا، فقد أفطر الصائم».
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن عبدالله بن أبي أوفى ط به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الشيخ الألباني / في «مختصر صحيح البخاري» (ج1 ص571): (زاد عبد الرزاق (4/226/7594): «ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني: الشمس»، وسنده صحيح على شرط الشيخين).
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج3 ص412) وأقره؛ برواية ابن عيينة عن الشيباني عن ابن أبي أوفى ط وفيه: (قال: فلو نزا أحد على بعيره لرآها؛ (يعني: الشمس)، ثم أشار النبي ه بيده قبل المشرق).
قلت: وهذا الحديث يدل على أن النبي ه أفطر مع وجود قرص الشمس لم يغيب كله، وشدة ضيائها، لقوله: «يا رسول الله الشمس»، وقوله: (إن عليك نهارا)، وقوله: «ولو تراآها احد على بعيره لرآها؛ يعني الشمس!»، مع أنه قال: «فلما غابت الشمس»، فهذا يسمى عند العرب غروبا، وهو نهاية الشمس([46])، فافطن لهذا ترشد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج3 ص462): (والسنة تعجيل الفطور؛ لقوله تعالى: ]أتموا الصيام إلى الليل[ [االبقرة:187]، وقال ه: «إذا غربت الشمس فقد أفطر الصائم»، وأمر بلال لما غربت الشمس أن ينزل فيجدح لهم السويق).اهـ
قلت: فمن فقه العبد تعجيل فطره، وتأخير سحوره، والله المستعان.
قال العلامة الشيخ الألباني / في «مختصر صحيح البخاري» (ج1 ص571): (كأنه يقول: الشمس لا يزال ضوؤها ظاهرا، فلو تمهلت قليلا حتى يذهب، ويدخل الليل، يشير إلى قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل[ [البقرة:187]؛ كأنه كان يظن أن الليل لا يتحقق بعد غروب الشمس مباشرة، وإنما بعد انتشار الظلام شرقا وغربا، فافهمه النبي ه بأنه يكفي في ذلك أول الظلام من جهة المشرق، بعد غروب الشمس فورا، وهذه فائدة هامة قد يجهلها كثير من الخاصة([47])، فضلا عن جماهير العامة، فعض عليها بالنواجذ). اهـ
قلت: والعبرة بغروب الشمس، أو قرب الغروب، ولا حاجة إلى أن يزول النور القوي، أو الحمرة، بل بمجرد ما يغيب قرص الشمس، أو قارب يفطر الصائم، كما فعل الصحابة الكرام.
قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج2 ص50): (وكان يعجل الفطر ويحض عليه، ... وكان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء، هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم ... وكان ه يفطر قبل أن يصلي).اهـ
وقال الإمام أحمد /: (تعجيل الفطر يستحب).([48])
(9) وعن أيمن المكي قال: «دخلت على أبي سعيد الخدري ط، فأفطر على عرق([49])، وأنا أرى أن الشمس لم تغرب». وفي رواية: «فرآه يفطر قبل مغيب القرص!».
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص22)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق وكيع.
وأخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج4 ص196- فتح الباري)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق سفيان؛ كلاهما عن عبدالواحد بن أيمن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
عبدالواحد بن أيمن القرشي، قال ابن معين عنه: «ثقة»، وقال أبو حاتم: «ثقة»، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج7 ص24)، وقال الذهبي في «الكاشف» (ج2 ص191): «ثقة»، وروى له البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه»، وقال البزار: «مشهور ليس به بأس»، وقال النسائي: «ليس به بأس».([50])
وأيمن المكي القرشي، والد عبدالواحد بن أيمن، قال أبو زرعة: «ثقة»، ووافقه الذهبي، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج1 ص47)، وروى له البخاري في «صحيحه»، ([51]) وقال ابن حجر في «التقريب» (ص157): «ثقة».
وقـال الـعـلامـة الـشيـخ الألـباني / في «مخـتـصر صـحـيح البخاري» (ج1 ص571): (وصله سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة (3/ 12)؛ بسند صحيح). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج4 ص196): (وصله سعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه، وقال: «دخلنا على أبي سعيد، فأفطر، ونحن نرى أن الشمس لم تغرب».
وذكره العيني في «عمدة القاري» (ج9 ص130)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص589).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج3 ص416): (وعن أيمن المكي: «أنه نزل على أبي سعيد الخدري، فرآه يفطر قبل مغيب القرص». رواه سعيد بن منصور). اهـ
قلت: أفطر أبو سعيد الخدري ط وقرص الشمس لم يغيب([52])، بل لم يلتفت إلى موافقة من عنده على ذلك، بل طبق السنة في تعجيل الإفطار، وهذا هو الإتباع الذي يجب أن يتمسك به كل مسلم.([53])
قال الفقيه العيني / في «عمدة القاري» (ج9 ص130)؛ بعدما ذكر أثر أبي سعيد الخدري: (وجه ذلك أن أبا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيدا على ذلك، ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك، فلو كان يجب عنده إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك). اهـ
(10) وعن أبي سعيد الخدري ط: «أنه أفطر حين غاب قرص الشمس».
أثر صحيح
أخرجه البخاري تعليقا في «صحيحه» (ج4 ص196)، وذكره ابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص194)، وابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص101).
وبوب البخاري في «صحيحه» (ج4 ص196)؛ باب: متى يحل فطر الصائم.
قلت: فمرة أن أبا سعيد الخدري ط أفطر قبل غياب قرص الشمس، ومرة أفطر حين غاب قرص الشمس([54])، وهذا الأمر واسع، فمن أفطر قبل غياب قرص الشمس بقليل، فلا ينكر عليه، ومن أفطر حين غاب قرص الشمس، فلا ينكر عليه؛ فهذا، وهذا ثبت عن النبي ه، والصحابة ن؛ لأنه يسمى غروبا في عهدهم، فلا نحجر واسعا.
قال ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج21 ص67): (من السنة تعجيل الفطر، وتأخير السحور، والتعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس).اهـ
وقال الفقيه ابن بلبان / في «أخصر المختصرات» (ص147): (وسن تعجيل فطر، وتأخير سحور). اهـ
وقال الفقيه الحجاوي / في «زاد المستقنع» (ص83): (وسن تأخير سحور، وتعجيل فطر على رطب؛ فإن عدم فتمر، فإن عدم فماء). اهـ
قلت: فيسن تعجيل فطره إذا تحقق غروب الشمس على رطب، أو تمر، أو ماء، أو غير ذلك، لما ثبت في السنة النبوية، والآثار السلفية.([55])
قال الإمام ابن قدامة / في «المقنع» (ص65): (ويستحب تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، وأن يفطر على التمر، إن لم يجد فعلى الماء). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج3 ص150): (ويسن تعجيل الفطر على تمر، وإلا فماء). اهـ
قلت: فتعجيل الفطر بعد تيقن غروب الشمس بتمر، أو ماء، أو غير ذلك مستحب في الشريعة المطهرة.([56])
قلت: ويجوز الفطر بناء على غلبة الظن بغروب الشمس؛ ودليل ذلك: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (1823) عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: «أفطرنا على عهد النبي ه يوم غيم، ثم طلعت الشمس»، فأنهم لم يفطروا على علم؛ لكن أفطروا على غلبة الظن، وأنهم لو أفطروا على علم ما طلعت الشمس.
قال الفقيه الشيخ البسام / في «توضيح الأحكام» (ج3 ص153): (قال تعالى: «ثم أتموا الصيام إلى الليل» [البقرة: 187]، فهذا يقتضي أن الإفطار عند غروب الشمس، فقد أجمعوا على أن الصوم ينقضي، ويتم بتمام الغروب، وأن السنة أن يفطر إذا تحقق الغروب، وأن له الفطر بغلبة الظن اتفاقا، إقامة له مقام اليقين). اهـ
قلت: وهذه قاعدة شرعية عظيمة في تعيين الغروب الذي يفطر عليه الصائم حتى بغلبة الظن، لأن الأصل هنا دخول الليل بغروب الشمس، ولو بالظن وذهاب النهار، ولا عبرة بالنور الباقي، والصفرة في السماء، فافهم لهذا ترشد.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج5 ص322): (هذا الحديث فيه تعجيل الإفطار، لكن قال العلماء رحمهم الله: بشرط أن يتيقن، أو يغلب على ظنه غروب الشمس؛ فـــ«يتيقن» إذا أمكنه المشاهدة؛ أو يغلب على ظنه إذا لم يمكنه المشاهدة؛ كما لو كان هناك غيم، أو حال بينه وبينها جبل، أو ما أشبه ذلك). اهـ
قلت: فإذا تيقن أن الشمس غربت، فيفطر، وإذا غلب على ظنه أنها غربت، فيفطر.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج5 ص324): (ومعلوم أن من وافق سنة رسول الله ه، فهو الأصوب لا شك). اهـ
قال الفقيه ابن النقيب / في «عمدة السالك» (ص109): (والأفضل تعجيل الفطر إذا تحقق الغروب، ويفطر على تمرات وترا؛ فإن لم يجد فالماء أفضل). اهـ
وقال الفقيه المعبري / في «فتح المعين» (ص273): (وسن تعجيل فطر، إذا تيقن الغروب). اهـ
(11) وعن سهل بن سعد الساعدي ط أن رسول اللهه قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر». وفي رواية: «ما عجلوا الإفطار». وفي رواية: «لا تزال هذه الأمة بخير ما عجلوا الإفطار».
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص241)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص711)، والترمذي في «سننه» (ج3 ص82)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3298)، وفي «الإغراب» (ص300 و301)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص541)، وابن القاسم في «الموطأ» (ص422)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص336 و337 و339)، والبغوي في «شرح السنة» (ج6 ص254)، وفي «مصابيح السنة» (ج2 ص72)، والحدثاني في «الموطأ» (ص413)، والفريابي في «الصيام» (ص50 و51)، وابن حبان في «صحيحه» (ج5 ص207 و208)، ومالك في «الموطأ» (ج1 ص288)، والشافعي في «السنن المأثور» (ص323)، وفي «المسند» (614)، وفي «الأم» (ج1 ص97)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص237)، وفي «السنن الصغرى» (649)، وفي «معرفة السنن» (2182)، وفي «فضائل الأوقات» (138)، وفي «شعب الإيمان» (ج7 ص489)، والقعنبي في «الموطأ» (ص321)، والمخلص في «المخلصيات» (ج2 ص368)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج6 ص170 و230)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج3 ص274)، وعبد بن حميد في «المنتخب» (ج1 ص415)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص300)، وأبو يعلى في «المسند» (7511)، وعبد الغني المقدسي في «فضائل رمضان» (ص80)، والسمعاني في «معجم الشيوخ» (ج1 ص461)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226)، والسلفي في «المشـيخـة الـبغدادية» (2439)، وضـيـاء الـدين المقـدسي في «فـضـائـل الأعـمـال» (ص254)، والدارمي في «المسند» (1699)، وابن الأبار في «المعجم» (ص391)، وأبو نعيم في «المستخرج» (2239)، وفي «حلية الأولياء» (ج7 ص136)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج20 ص24)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (9037)، وفي «المسند» (91)، وسفيان الثوري في «حديثه» (ص155)، والخلعي في «الخلعيات» (ص329)، والروياني في «مسند الصحابة» (ج2 ص124)، والجوهري في «مسند الموطأ» (ص371)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج3 ص304)، وفي «الحدائق» (ج2 ص247)، والطائي في «الأربعين الطائية» (ص145)، وأبو الحسن الإسكندراني في «الأربعين» (ص153)، وأبو سعد النيسابوري في «الأربعين» (ق/23/ط)، وابن أبي مريم في «جزء مما أسند سفيان الثوري من حديثه» (ص155)، والشجري في «الأمالي» (ج1 ص269)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج52 ص299)، والعلائي في «إثارة الفوائد» (ج2 ص472)، والخطيب في «الفصل للوصل» (ج2 ص693 و694 و695)، وفي «تاريخ بغداد» (ج4 ص422)، وفخر الدين ابن البخاري في «مشيخته» (ق/512/ط)، والذهبي في «معجم الشيوخ» (ج1 ص158 و351)، وأبو عبد الله الرازي في «مشيخته» (ص160)، وابن جماعة في «رباعيات مسلم بن الحجاج» (ص158)، وابن عبد الهادي الحنبلي في «النهاية في اتصال الرواية» (ص210)، والحربي في «غريب الحديث» (ج2 ص557)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص593)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج3 ص119)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (590)، و(591)، والمحاملي في «الأمالي» (ص41)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (ص128) من طريق أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي ط به.
قال أبو الفتوح الطائي / في «الأربعين» (ص146): (وفي الحديث: دلالة على استحباب تعجيل الفطر، والإشارة فيه إلى إزالة ما لحق الصائم من كلفة العبادة، ليكون وقوفه على بساط النجوى في صلاة المغرب التي تؤدى في وقت الإفطار على فراغ من مطالبات النفس، فيجد القلب في المناجاة كمال الروح والأنس، وعلى هذا يحمل قوله ه: «إذا حضر العشاء، فابدءوا بالعشاء»([57]». اهـ
وقال الإمام ابن دقيق العيد / في «إحكام الأحكام» (ص566): (تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب: مستحب باتفاق، ودليله: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»، وفيه دليل على المتشيعة، الذين يؤخرون إلى ظهور النجم. ولعل هذا هو السبب في كون الناس لا يزالون بخير ما عجلوا الفطر؛ لأنهم إذا أخروه كانوا داخلين في فعل خلاف السنة. ولا يزالون بخير ما فعلوا السنة). اهـ
وقال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج4 ص592): (قوله ه: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» أي: إذا تحققوا الغروب بالرؤية، أو بإخبار عدلين، أو عدل على الأرجح، وما ظرفية؛ أي: مدة فعلهم ذلك امتثالا للسنة واقفين عند حدودها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها). اهـ
وقال الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج2 ص237): (وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي ه وغيرهم: استحبوا تعجيل الفطر، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق). اهـ
وقال العلامة الصنعاني / في «التنوير» (ج11 ص184): (قوله ه: «لا يزال الناس بخير»؛ في دينهم: «ما عجلوا الفطر»؛ لأنه تقدم أنه من سنن المرسلين وطرائقهم). اهـ
قلت: فالأفضل هو تقديم الفطر على الصلاة؛ لأنه موافق لرسول الله ه، وصحابته الكرام.
قال الفقيه المناوي / في «فيض القدير» (ج2 ص1428): (قوله ه: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»؛ أي: ما داوموا على هذه السنة؛ لأن تعجيله بعد تيقن الغروب من سنن المرسلين فمن حافظ عليه تخلق بأخلاقهم؛ ولأن فيه مخالفة أهل الكتاب في تأخيرهم إلى اشتباك النجوم وفي ملتنا شعار أهل البدع؛ فمن خالفهم واتبع السنة لم يزل بخير). اهـ
قلت: فمتابعة رسول الله ه هي الطريق المستقيم.
وقال أبو الوليد الباجي / في «المنتقى» (ج1 ص42): (قوله ه: «لا يزال الناس بخير»؛ يريد ه لا يزالون بخير في أمر دينهم ما فعلوا ذلك على سنة، وسبيل، وتعجيل الفطر: أن لا يؤخر بعد غروب الشمس على وجه التشدد، والمبالغة، واعتقاد أنه لا يجزئ الفطر عند غروب الشمس على حسب ما تفعله اليهود). اهـ
قلت: فيستمر الناس في الخير، ويقترن بهم الخير الديني، والخير الدنيوي؛ بتعجيلهم الفطر؛ أي: مدة تعجيلهم الفطر.([58])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «فتح ذي الجلال والإكرام» (ج7 ص109): (يؤخذ من هذا أن ما يفعله بعض المتعمقين من تأخير الأذان بعد غروب الشمس بدقائق احتياطا أنه لا يصح، بل هذا مما ينهى عنه، ويقال: أنه فوت الخير على نفسه، وعلى غيره، لقول النبي ه: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»، وقوله ه: «ما عجلوا الفطر»؛ مشروط بالعلم بغروب الشمس، أو الظن بغروبها، بمعنى: أنه لابد أن يعلم أنها غابت، أو يغلب على ظنك أنها غابت). اهـ
قلت: وتأخير الفطر من الصائم في شهر رمضان سبب لحصول الشر، يؤخذ هذا من المفهوم، فالمنطوق هو: أن المعجل بخير، فالمفهوم أن غير المعجل بشر.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «فتح ذي الجلال والإكرام» (ج7 ص114): (أن تأخير الفطر سبب لحصول الشر، يؤخذ هذا من المفهوم، فالمنطوق هو: أن المعجل بخير، فالمفهوم أن غير المعجل بشر، ومنه نأخذ أن من يؤخر الفطور من أهل البدع، فهم في شر، لأن الرسول ه يقول: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»، والمراد بالخير هنا الخير الديني الذي يعود على القلب بالانشراح والنور، وليس المراد بالخير الدنيوي). اهـ
قلت: ويؤخذ من هذا كراهة التنطع في الدين؛ لأن تعجيل الفطر ينافي التنطع، والمتنطع هو الذي يقول: لا أفطر إلا أن يؤذن مؤذن الحي الذي أنا فيه، وبعض الجهلة يرى الشمس غابت بعينيه، ولكن ما سمع المؤذن، فيقول لا أفطر حتى يؤذن المؤذن، والله المستعان.([59])
قال القاضي حسين المغربي / في «البدر التمام» (ج2 ص403): (الحديث فيه دلالة على أن الأفضل الموافق للسنة التي بسببها ينال الخير، ويندفع الشر؛ هو تعجيل الإفطار، إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية، أو بإخبار من يجوز العمل بقوله). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «شرح عمدة الأحكام» (ص337): (فأفضل الصيام تأخير السحور، وتعجيل الفطر). اهـ
وقال الفقيه الطيبي / في «الكاشف» (ج4 ص180): (إذا أقبل الليل فليفطر الصائم، وذلك أن الخيرية منوطة بتعجيل الإفطار). اهـ
قلت: فإذا غربت الشمس، فليفطر الصائم، وذلك أن الخيرية منوطة بتعجيل الإفطار([60])، والله المستعان.
قال تعالى: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185].
قلت: فكل ما فيه خير للعباد، ورحمة، وتيسير لهم فهو في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ه، وآثار الصحابة الكرام.
قال القـاضـي عـيـاض / في «إكمال المعلم» (ج4 ص33): (وقوله ه: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»؛ ظاهره أنه عليه السلام أشار أن فساد الأمور يتعلق بتغير هذه السنة التي هي تعجيل الفطر، وأن تأخيره، ومخالفة السنة في ذلك؛ كالعلم على فساد الأمور). اهـ
وقال الإمام المازري / في «المعلم» (ج2 ص32): (قوله ه: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»؛ ظاهره أنه ه أشار إلى أن فساد الأمور يتعلق بتغير هذه السنة التي هي تعجيل الفطر، وأن تأخيره ومخالفة السنة في ذلك؛ كالعلم على فساد الأمور). اهـ
وقال الحافظ السيوطي / في «الديباج» (ج3 ص198): (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر: لما فيه من المحافظة على السنة، فإذا خالفوها إلى البدعة كان ذلك علامة على إفساد يقعون فيه). اهـ
قلت: فلا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، ولم يؤخروه تأخير أهل الكفر في الخارج، وأهل البدع في الداخل، اللهم غفرا.
(12) وعن أبي هريرة ط قال: قال رسول الله ه: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر([61])، إن اليهود والنصارى يؤخرون». وفي رواية: «لا يزال الدين ظاهرا ما عجلوا الناس الإفطار، فإن اليهود والنصارى يؤخرون».
حديث حسن
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج2 ص763)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2313)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص541)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص450)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص431)، وابن حبان في «صحيحه» (ج5 ص207)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج1 ص76)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج20 ص23)، وضياء الدين المقدسي في «فضائل الأعمال» (ص257)، البيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص237)، وفي «شعب الإيمان» (ج7 ص492)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج3 ص285)، والفريابي في «الصيام» (ص48 و49)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص12)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (1089)، والخلال في «المجالس العشرة من أماليه» (53)، والسمسار في «مسند أبي هريرة» (ص48) من طرق عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة ط به.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «صحيح الجامع» (ج5 ص231).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
وأورده البوصيري في «مصباح الزجاجة» (ج2 ص20)، ثم قال: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
قلت: بل إسناده حسن، قال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (ج3 ص673): محمد بن عمرو؛ شيخ مشهور، «حسن الحديث» أخرج له الشيخان متابعة.
وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج5 ص101)، وفي «إتحاف المهرة» (ج16 ص121).
والحـديـث حـسـنـه الشـيخ الألـبـاني في «صـحـيح الترغيب والترهيب» (ج1 ص622).
وأخرجه ابن أبي صقر في «مشيخته» (ص92) من طريق خالد بن يزيد حدثنا حريث بن أبي مطر عن عامر عن مسروق، وأبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول اللهه: «لا يزال الدين ظاهرا ما عجلوا بالإفطار إن اليهود والنصارى يؤخرون».
وإسناده ضعيف.
قلت: فلا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، ولم يؤخروا تأخير أهل الكتاب من اليهود والنصارى.([62])
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «الإمداد» (ج2 ص381): («وتعجيل فطر»؛ أي: يستحب للصائم تعجيل الفطر, إذا غربت الشمس فإنه يبادر بالفطر؛ لقوله ه: «إذا أقبل الليل من هاهنا, وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»([63]), ولأن الله سبحانه تعالى حدد الإفطار ببداية الليل, قال تعالى: ]وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون[ [البقرة: 187].
والليل يبدأ بغروب الشمس، فيستحب له المبادرة بالإفطار امتثالا لأمر الله سبحانه تعالى؛ ولئلا يزيد في العبادة شيئا ليس منها, وفي هذا رد على الذين يؤخرون الافطار, ويزعمون أن هذا من محبة الخير ومن الورع, فهذا من فعل المبتدعة الذين لا يفطرون إلا حين تشتبك النجوم، وهذا من علامات الضلال, ومخالفة السنة، أحب العباد إلى الله سبحانه و تعالى أعجلهم فطرا). اهـ
قال الفقيه الشيخ البسام / في «توضيح الأحكام» (ج3 ص153): (ما يؤخذ من الحديثين:
1) استحباب تعجيل الفطر، وقد اتفق العلماء على استحباب تعجيل الفطر، إذا تحقق غروب الشمس برؤية، أو بخبر ثقة، أو غلب على ظنه الغروب.
2) أن تعجيل الفطر دليل على بقاء الخير عند من عجله، وزوال الخير عمن أخره.
3) الخير المشار إليه هو اتباع السنة، ولا شك أنه سبب خيري الدنيا والآخرة ... فالشارع الحكيم يطلب من المسلمين ألا يشابهوا أهل الكتاب في عباداتهم، فتعجيل الفطر شعار يفرق بين صيام أهل الإسلام، وأهل الكتاب، وبين سوء المخالفة، وحسن الاتباع، والاقتداء.
4) هذا الحديث من المعجزات النبوية؛ فإن تأخير الإفطار هو طريقة بعض الفرق الضالة). اهـ
وقال العلامة الصنعاني / في «سبل السلام» (ج2 ص304): (والحديث دليل على استحباب تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار من يجوز العمل بقوله، وقد ذكر العلة وهي مخالفة اليهود والنصارى). اهـ
قلت: وتأخير الفطر عن غروب الشمس صار شعارا لأهل البدع المخالفين، وسمة لهم([64])، والعياذ بالله.
قـال الـفـقيـه الـطـيبي / في «الكاشف» (ج4 ص179): (ويدخل في معناه: حديث سهل بن سعد ط الذي يتلوه «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»؛ لأن فيه مخالفة أهل الكتاب، وكانوايؤخرون الإفطار إلى اشتباك النجوم، ثم صار في ملتنا شعارا لأهل البدع، وهذه هي الخصلة التي لم يرضها رسول الله ه). اهـ
وقـال الـعـلامـة الـلـكـنوي / في «التعليق الممجد» (ج2 ص204): (قوله: «والعامة»؛ أي: جمهور علماء أهل السنة خلافا؛ للشيعة المبتدعة حيث لم يفطروا حتى تشتبك النجوم). اهـ
وقال العلامة الـسنـدي / في «كـفـاية الحـاجة» (ص673): (قوله ه: «ما عجلوا الإفطار»؛ أي: مدة تعجيلهم، فما ظرفية، والمراد: مالم يؤخروا عن أول وقته بعد تحقق الوقت). اهـ
وقال الفقيه ابن العربي / في «عارضة الأحوذي» (ج3 ص218): (من دخل في وقت الفطر فقد خرج عن وقت الصوم، ففعله فيه لا معنى له). اهـ
قلت: فتعجيل الفطور سنة متبعة فيها التمييز الصريح بين أهل السنة، وبين أهل الكفر في الخارج، وأهل البدعة في الداخل؛ لأن الله تعالى يأمر بمثل هذه السنن لما فيها من مخالفة الديانات الكفرية، والديانات البدعية، فيتفرد الدين الإسلام بهذه السنن العظيمة، وبهذا التميز العظيم في أحكامه، ونظامه للعباد في الحياة الدنيا.
وقال العلامة السندي / في «كفاية الحاجة» (ص673): (قوله ه: «فإن اليهود يؤخرون»؛ تعليل لما ذكر بأن فيه مخالفة لأعداء الله تعالى، فما دام الناس يراعون مخالفة أعداء الله تعالى ينصرهم الله، ويظهر دينهم). اهـ
وقال الفقيه المناوي / في «فيض القدير» (ج2 ص1424): (تعجيل الصائم بالإفطار بعد تحقق الغروب، ولا يؤخر لاشتباك النجوم، كما يفعله أهل الكتاب). اهـ
قلت: فتعجيل الفطر، وتأخير السحور من خصائص هذه الأمة، لأنها تخالف الكفرة، والمبتدعة الذين يزعمون أن تأخير الفطر بعد غروب الشمس، أو لاشتباك النجوم([65])، هو الأفضل.
قال الفقيه الطيبي / في «الكاشف» (ج4 ص185): (في هذا التعليل دليل على أن قوام الدين الحنيفي على مخالفة الأعداء من أهل الكتابين، وأن في موافقتهم ثلما للدين، قال الله تعالى: ]يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم[ [المائدة: 51]). اهـ
وقال المفسر البـيـضـاوي / في «تحـفـة الأبـرار» (ج1 ص515): (لما اشتمل تعجيل الفطر على مخالفة أهل الكتاب؛ فإنهم يؤخرونه إلى اشتباك النجوم). اهـ
وقال العلامة القاري / في «مرقاة المفاتيح» (ج4 ص478): (قوله ه: «لا يزال الناس بخير»؛ أي: موصوفين بخير كثير، أو المراد بالخير ضد الشر والفساد، «ما عجلوا الفطر»؛ أي: ما داموا على هذه السنة، ويسن تقديمه على الصلاة للخبر الصحيح به). اهـ
قلت: فالتعجيل للفطر بغروب الشمس فيه مخالفة لأهل الكتاب؛ فإنهم يؤخرون الفطر، ثم صار ذلك عادة أهل البدع في الإسلام.
وقال الفقيه الشربيني / في «مغني المحتاج» (ج1 ص635): (ويسن تعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس لخبر الصحيحين: «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر»، ولما في ذلك من مخالفة اليهود والنصارى؛ ويكره أن يؤخره). اهـ
وقال الفقيه الدردير / في «الشرح الكبير» (ج1 ص378): (وتعجيل فطر بعد تحقق الغروب قبل الصلاة، وندب كونه على رطبات، فتمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء). اهـ
وقال الحافظ البيهقي / في «فضائل الأوقات» (ص296): (وإنما استحب تأخير السحور ما دام يعلم بقاء الليل، وإنما استحب تعجيل الفطر إذا علم غروب الشمس، فقد ورد التغليظ على من أفطر قبل غروب الشمس). اهـ
وقال الإمام ابن المنذر / في «الإقناع» (ج1 ص200): (ويستحب تعجيل الإفطار؛ لقول النبي ه: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»، ويستحب تأخير السحور، ويجب أن يفطر على تمر، فإن لم يجد فعلى ماء).اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «الكافي» (ج1 ص350): (فصل: ووقت الصوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، لقول الله تعالى: ]وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل[ [البقرة: 187]، ... ويجوز الأكل والشرب إلى الفجر؛ للآية، والخبر). اهـ
(13) وعن أبي عطية الوادعي قال: دخلت أنا ومسروق، على عائشة فقلنا: يا أم المؤمنين، رجلان من أصحاب محمد ه، أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال: قلنا عبد الله؛ يعني: ابن مسعود قالت: كذلك كان يصنع رسول الله ه). والآخر: أبو موسى ط وفي رواية: «رجلان من أصحاب محمد ه، كلاهما لا يألوا عن الخير».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (1099)، وابن أبي مريم في «مما أسند سفيان الثوري من حديثه» (280)، وأبو داود في «سننه» (2354)، والترمذي في «سننه» (702)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2471)، وفي «السنن الصغرى» (ج4 ص144)، والفريابي في «الصيام» (ص60 و61)، والبغوي في «شرح السنة» (ج6 ص254)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص48)، وابن راهويه في «المسند» (1480)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج3 ص119)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص273) من طريق الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي عطية الوادعي به.
قال الفقيه المحلي / في «كنز الراغبين» (ج2 ص98): (ويسن تعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس على التمر، وإلا فماء). اهـ
وقال الإمام القيرواني / في «رسالته» (ص176): (ومن السنة تعجيل الفطر، وتأخير السحور). اهـ
قلت: فإذا غربت الشمس، فأفطر؛ لأن تعجيل الفطر بالغروب من الفضائل، وهو من السنة النبوية.([66])
قلت: والحكمة في تعجيل الفطر لأمور منها:
1) أن الله تعالى كريم، والكريم يحب أن يتمتع الناس بكرمه.
2) أن في ذلك مخالفة لأعداء الله تعالى في الخارج من اليهود والنصارى.
3) أن في ذلك مخالفة لأعداء الله تعالى في الداخل من الرافضة، والإباضية، والصوفية، والحزبية.
4) أن ذلك يقوي العبد على الطاعة، وعلى حاجاته، وأرحم به.
5) أن ذلك فيه اقتداء بالرسول ه، والتأسي به ه.
6) أن في ذلك ظهور الدين وعلوه.
7) أن في ذلك ظهور الخيرية في المسلمين.
8) أن في ذلك ظهور الخيرية في الفرد.
قال الفقـيـه ابـن الـصـواف / في «الخـصـال الـصغير» (ص50): (وفضائل الصوم: تقديم الإفطار، وتأخير السحور). اهـ
وقال الفقيه النفراوي / في «الفواكة الدواني» (ج1 ص468): (ومن السنة تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب بغروب جميع قرص الشمس لمن ينظره، أو دخول الظلمة، وغلبة الظن بالغروب لمن لم ينظر قرص الشمس). اهـ
قلت: والمراعى في ذلك غيبوبة جرمها، وقرصها المستدير، دون أثرها وشعاعها، ... ولا عبرة بمغيب الحمرة في السماء عمن في الأرض، ولو غابت في خلف الجبال، فينظر إلى جهة المشرق، فإذا طلعت الظلمة كان دليلا على مغيب الشمس، ولا عبرة بطلوع الحمرة في رؤوس الجبال، فالمراعى غييوبة قرص الشمس في الجبال والسهول، لأن الغروب الشرعي هو غروب جميع قرص الشمس.([67])
قال الفقيه الحطاب / في «مواهب الجليل» (ج2 ص24): (ولا خلاف أن أول وقتها غروب الشمس، وأجمعت الأمة على أنه لا يجوز فعلها قبل الغروب بحال).اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج3 ص161): (مجرد غيبوبة القرص يدخل به وقت صلاة المغرب، كما يفطر الصائم بذلك، وهذا إجماع من أهل العلم: حكاه ابن المنذر، وغيره). اهـ
قلت: فلا عبرة ببقاء الحمرة الشديدة في السماء بعد سقوط قرص الشمس، وغيبوبته عن الأبصار.([68])
قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج3 ص163): (وقد أجمع العلماء على أن تعجيل المغرب في أول وقتها أفضل). اهـ
وقال الفقيه ابن أبي القاسم / في «الواضح» (ج1 ص172): (أما دخول وقت المغرب؛ بغروب الشمس: فإجماع من أهل العلم، لا نعلم فيه خلافا). اهـ
وقال الفقيه ابن جزي / في «القوانين الفقهية» (ص68): (المغرب: فأول وقتها: غروب الشمس إجماعا). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الكافي» (ص34): (المغرب؛ فلا وقت لها إلا وقت واحد عند غيبوبة الشمس، ودخول الليل). اهـ
وقال الفقيه الهيتمي / في «المنهج القويم» (ج1 ص312): (وأول وقت المغرب بالغروب؛ لجميع قرص الشمس إجماعا، ويبقى حتى يغيب الشفق الأحمر). اهـ
قلت: والمراد غروب ما ذكر غروبا لم تعد بعده؛ أي: الشمس، فهذا غروب الشمس، وهو وقت دخول صلاة المغرب، وجواز إفطار الصائم.([69])
قال الفقيه الأنصاري / في «تحفة الطلاب» (ص149): (فوقت المغرب من الغروب([70]) إلى مغيب الشفق). اهـ
وقال الفقيه ابن شاس / في «عقد الجواهر» (ج1 ص80): (ووقت المغرب يدخل بغروب الشمس). اهـ
وقال الفقيه ابن تميم / في «مختصره» (ج2 ص25): (المغرب: وأول وقتها إذا غربت الشمس، وآخره إذا غاب الشفق الأحمر([71]». اهـ
وقال الفقيه الشيرازي / في «المهذب» (ج1 ص179): (وأول وقت المغرب إذا غابت الشمس). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «الكافي» (ج1 ص69): (صلاة المغرب: وأول وقتها إذا غابت الشمس، وآخره إذا غاب الشفق الأحمر). اهـ
وقال الـفقيـه الشربينـي / في «مـغـني المحتاج» (ج1 ص190): (والمغرب: يدخل وقتها بالغروب لخبر جبريل، سميت بذلك لفعلها عقب الغروب؛ وأصل الغروب البعد، يقال غرب بفتح الراء إذا بعد، والمراد تكامل الغروب، ويعرف في العمران بزوال الشعاع من رءوس الجبال وإقبال الظلام من المشرق). اهـ
وقال الفقيه العيني / في «شرح سنن أبي داود» (ج2 ص282): (أول وقتها بمجرد غروب الشمس). اهـ
قلت: وهذا بالإجماع.([72])
قال الفقيه السبكي / في «المنهل العذب» (ج3 ص273): (استحباب المبادرة بصلاة المغرب، وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم، وعلى أن تأخيرها سبب لزوال الخير، وتعجيلها سبب لاستجلابه، وقد عكست الروافض([73]) فجعلت تأخير صلاة المغرب إلى اشتباك النجوم مستحبا، والإجماع، والأحاديث ترده!). اهـ
قال تعالى: ]فاستبقوا الخيرات[ [البقرة: 178].
(14) وعن حميد الطويل قال: «كنا عند أنس بن مالك ط وكان صائما فدعا بعشائه، فالتفت ثابت البناني ينظر إلى الشمس، وهو يرى أن الشمس لم تغب، فقال أنس لثابت: لو كنت عند عمر ط لأحفظك». يعني: لغضب عليك.
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في «الصيام» (ص56) من طريق محمد بن عبد الأعلى، حدثنا معتمر بن سليمان التيمي قال سمعت حميد الطويل([74]) به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
(15) وعن قيس بن أبي حازم قال: «أتي عمر بن الخطاب بإناء فيه شراب عند الفطر، فقال لرجل: اشرب لعلك من المسوفين، تقول سوف سوف([75])».
أثر حسن
أخرجه الفريابي في «الصيام» (ص56)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص23) من طريق عبد الواحد بن غياث، حدثنا أبو عوانة، عن بيان بن بشر الأحمسي، عن قيس بن أبي حازم به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فلا تكونوا من المسوفين بفطركم، ولا تنتظروا الأذان بفطركم، فإذا غربت الشمس فأفطروا، فإن ذلك من السنة، اللهم غفرا.
(16) وعن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: «كنت جالسا عند عمر، إذ جاءه راكب من أهل الشام، فطفق عمر يستخبره عن حالهم، فقال: هل يعجل أهل الشام الإفطار؟ قال: نعم، قال: لن يزالوا بخير ما فعلوا ذلك، ولم ينتظروا النجوم انتظار أهل العراق». وفي رواية: «ولم يتنطعوا تنطع أهل العراق».
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص225)، والفريابي في «الصيام» (ص54 و55)، والجوهري في «أماليه» (ج8 ص613 –كنز العمال) من طرق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكر هذا الأثر ابن الأثير في «النهاية» (ج5 ص74)؛ ثم قال: «لم يتنطعوا»؛ أي: يتكلفوا القول والعمل ... ويستحب للصائم أن يعجل الفطر بتناول القليل من الفطور).
قلت: وترى ممن ينتسب إلى العلم يفتي أن المعتبر في الفطر غروب الشمس لا الأذان، ثم تراه يفطر على الأذان الحالي الذي هو على «التقويم الفلكي»!، فخالف السنة، وتنطع في الدين ووافق الكفرة، والمبتدعة!، ولابد والله المستعان.
قال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج4 ص593): (وأما ما يفعله الفلكيون، أو بعضهم من التمكين بعد الغروب بدرجة، فمخالف للسنة، فلذا قل الخير، والله يوفقنا إلى سواء السبيل). اهـ
وقال المفسر الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج1 ص293): (وقوله ه: «إذا غابت الشمس فقد أفطر الصائم»؛ يوجب أن يكون مفطرا بغروب الشمس أكل أو لم يأكل؛ لأن الصوم لا يكون بالليل). اهـ
وقال المفسر الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج1 ص293): (ولا خلاف في أنه إذا غابت الشمس فقد انقضى وقت الصوم، وجاز للصائم الأكل والشرب والجماع، وسائر ما حظره عليه الصوم). اهـ
قلت: فالوقت الذي هو نهاية الصوم؛ هو دخول الليل، وذلك بغروب الشمس.
وقال الفقيه ابن العربي / في «أحكام القرآن» (ج1 ص93): (إذا تبين الليل سن الفطر شرعا، أكل، أو لم يأكل؛ فإن ترك([76]) الأكل لعذر، أو لشغل جاز). اهـ
(17) وعن حميد الطويل، عن أنس بن مالك ط: «أنه لم يكن ينتظر المؤذن في الإفطار، وكان يعجل الفطر».
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في «الصيام» (ص57) من طريق وهب بن بقية، أخبرنا خالد، عن حميد الطويل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: وتأخير الإفطار عن غروب الشمس؛ إنما يفعل ذلك الكفرة: من اليهود والنصارى في الخارج، والمبتدعة: من الرافضة والإباضية في الداخل.([77])
قال الفقيه الكلوذاني / في «الهداية» (ص101): (ويستحب له تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس). اهـ
وقال الفقيه ابن أبي القاسم / في «الواضح» (ج1 ص597): (بغروب الشمس قد انتهى صومه؛ وتم). اهـ
قلت: فمذهب أهل السنة من أهل العلم استحباب تعجيل الإفطار بغروب الشمس([78])، والله المستعان.
قال الفقيه الصاوي / في «بلغة السالك» (ج1 ص182): (غروب الشمس؛ أي: من غروب؛ أي مغيب جميع قرصها، وهذا هو الغروب الشرعي الذي يترتب عليه جواز الدخول في الصلاة، وجواز الفطر للصائم). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الكافي» (ص130): (ومن السنة تعجيل الفطر، وتأخير السحور، والنهار الواجب صومه هو من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس، فإذا استيقن الصائم مغيبها حل له الفطر). اهـ
وقال الفقيه الشيرازي / في «المهذب» (ج1 ص602): (ويستحب أن يعجل الفطر([79])، إذا تحقق غروب الشمس). اهـ
وقال الإمام الشافعي /: (وأحب تعجيل الفطر، وتأخير السحور اتباعا لرسول الله ه).([80]) اهـ
وقال الفقيه الماوردي / في «الحاوي الكبير» (ج3 ص443): (تعجيل الفطر إذا تيقن غروب الشمس مسنون). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «روضة الطالبين» (ج2 ص368): (من سنن الصوم، تعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس، وأن يفطر على تمر، فإن لم يجد، فعلى الماء). اهـ
(18) وعن أبي رجاء قال: «كان ابن عباس يبعث مرتقبا يرقب الشمس، فإذا غابت أفطر، وكان يفطر قبل الصلاة([81])».
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في «الصيام» (ص58)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص227) من طريقين عن عوف بن أبي جميلة حدثنا أبو رجاء به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص104).
وأخرجه الفريابي في «الصيام» (ص58) من طريق إسحاق بن يوسف، حدثنا عوف بن أبي جميلة، عن أبي رجاء قال: «كنت أشهد ابن عباس عند الإفطار في رمضان فيضع طعامه، ثم يبعث مرتقبا يرقب الشمس، فإذا قال: قد وجبت قال: كلوا. قال: وكنا نفطر قبل الصلاة عند ابن عباس في رمضان».
وإسناده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص21) من طريق زياد بن الربيع عن أبي جمرة الضبعي: «أنه كان يفطر مع ابن عباس في رمضان، فكان إذا أمسى، بعث ربيبا له يصعد ظهر الدار، فلما غربت الشمس أذن فيأكل، ونأكل فإذا فرغ أقيمت الصلاة فيقوم يصلي، ونصلي معه».
وإسناده صحيح.
قال ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج10 ص41): (وقد روي عن ابن عباس، وطائفة أنهم كانوا يفطرون قبل الصلاة). اهـ
قلت: فلا تفطروا حين يبدو الظلام، فإن ذلك فعل اليهود والنصارى في الخارج، وفعل الرافضة والحزبية في الداخل([82])، اللهم سلم سلم.
(19) وعن علقمة، قال: «أتي عبد الله بجفنة، فقال للقوم: «ادنوا فكلوا» فاعتزل رجل منهم، فقال له عبد الله: ما لك؟ قال: إني صائم، فقال عبد الله: «هذا، والذي لا إله غيره، حين حل الطعام لآكل».
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص22) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(20) وعن مجاهد، قال: «إني كنت لآتي ابن عمر بفطره، فأغطيه استحياء من الناس أن يروه([83]»).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص22) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه الفريابي في «الصيام» (ص58) من طريق جرير، عن منصور، عن مجاهد قال: «كنت آتي ابن عمر بشرابه، وإني لأخفيه من الناس من تعجيله إفطاره».
وإسناده صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226) من طريق ابن عيينة، عن منصور، أو ليث، عن مجاهد قال: «إن كنت لآتي ابن عمر بالقدح عند فطره فأستره من الناس، وما به إلا الحياء يقول: من سرعة ما يفطر».
وإسناده صحيح.
قلت: فمن السنة التبكير في الإفطار([84])، والله المستعان.
(21) وعن عمرو بن ميمون /، وهو من أكبر التابعين قال: «كان أصحاب محمد ه أعجل الناس إفطارا، وأبطأهم سحورا».
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص398)، والفريابي في «الصيام» (ص59)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج3 ص154-الزوائد)، والخلعي في «الخلعيات» (ص329) من طريق سفيان الثوري، وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن حجر في «فتح الباري» (ج4 ص199)، والنووي في«المجموع» (ج6 ص326)، واللكنوي في «التعليق الممجد» (ج2 ص204).
وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج3 ص154) ثم قال: رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله رجال الصحيح.
وذكره ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص104)، واللكنوي في «التعليق الممجد» (ج2 ص204).
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص118)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج3 ص154-الزوائد) من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حريث، قال: «كان أصحاب رسول الله ه، أعجل الناس إفطارا، وأبطأهم سحورا».
وإسناده لا بأس به في المتابعات.
وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج3 ص154) ثم قال: رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله رجال الصحيح.
قلت: فإذا ابتدع الناس بدعة تأخير الفطر عن غروب الشمس، فقل لهم هل أنتم أهدى، وأفضل من أصحاب رسول الله ه، إذا إنكم لمتمسكون بطرف ضلالة، لأنكم خالفتم أصحاب رسول الله ه، فإنهم كانوا يعجلون الإفطار، وأنتم تؤخرون الإفطار؛ فوافقتم اليهود، والنصارى، والرافضة فوقعتم في الشر: ]فسوف يلقون غيا[ [مريم: 59]، اللهم غفرا.
قال تعالى: ]فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم[ [البقرة: 59].
فعن عبد الله بن مسعود ط قال: «لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد ه، ومن أكابرهم، فإذا أتاهم من قبل أصاغرهم([85]) هلكوا». وفي رواية: «لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم من أصحاب محمد ه، ومن أكابرهم، فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا».
أثر صحيح
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص120) من طريق سفيان الثوري.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج9ص120) من طريق معمر.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج9ص120) من طريق شعبة.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج9ص120) من طريق زيد بن حبان.
كلهم عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود ط به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه عبد الله بن المبارك في «الزهد» (815)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص616 و617)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص77)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص249)، وابن الأعرابي في «المعجم» (926)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج7ص311)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص49)، والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص155)، وفي «نصيحة أهل الحديث» (6)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص164)، واللالكائي في «الاعتقاد» (101) من طرق عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود ط به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فهذه قاعدة نافعة للمسلمين في أخذ العلم من أصحاب رسول الله ه، وأخذه من علماء السنة، فإن فعلوا ذلك كانوا صالحين متماسكين في دينهم، وأن يجتنبوا أخذ العلم من أهل الأهواء والبدع من أصحاب الشهادات، وأصحاب التعالم، وأصحاب القصص، وأصحاب الخطابة: ]ويضل الله الظالمين[ [إبراهيم: 27].
فعن عبد الله بن مسعود ط قال: «أنتم أهدى أم أصحاب محمد ه إنكم متمسكون بطرف ضلالة».([86])
وعن عبد الله بن مسعود ط قال: «إذا وقع الناس في الشر فقل لا أسوة لي بالشر».([87])
قلت: وليس الخطأ أن تقعوا في الشر، ولكن الخطأ أن تستمروا على الشر، والله المستعان.
قال تعالى: ]يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار[ [النور: 37].
وعن علقمة قال: «كنا عند عبد الله بن مسعود ط؛ فأتي بشراب، فقال: اسق فلانا، قال: إني صائم، حتى عرضه على القوم كلهم، فكلهم، يقول: إني صائم. قال: هات ولكني لست بصائم. قال: ثم نظر في وجوههم، فقال: ]يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار[ [النور: 37]».([88])
وعن عبد الله بن مسعود ط، قال: «إن الإثم حواز القلوب، فما حز في قلب أحدكم شيء فليدعه».([89])
والمراد: لا ترتكب ما لم يثبت في الدين من المخالفات التي تحك في صدرك، ولم يطمئن عليها قلبك؛ لما فيها من الشعور بالذنب، والإثم، والعياذ بالله.([90])
قلت: فتعلموا من هذه الآثار، ومن تعلم منكم فليعمل بما علم، والله المستعان.
فعن عبد الله بن مسعود ط قال: «السعيد من وعظ بغيره».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (3645)، وابن وهب في «القدر» (ص61 و63)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1047)، والفريابي في «القدر» (140)، والآجري في «الشريعة» (361)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج4 ص214 –إتحاف المهرة)، والطبراني في «المعجم الكبير» (3044)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1402)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (2644)، وابن حبان في «صحيحه» (6177)، وأبو داود في «الزهد» (170) من طرق عن ابن مسعود ط به.
قلت: فعلى الناس أن يتحروا رؤية غروب الشمس، فإذا غربت أفطروا مباشرة، ولم ينتظروا الأذان الحالي الذي يؤذن على «التقويم الفلكي»، لأنه متأخر عن غروب الشمس، لأن للفطر وقتا كوقت الصلاة تماما، وإلا وقعوا في البدعة التي وقع فيها اليهود والنصارى، والرافضة والحزبية، وهي تأخير الإفطار عن غروب الشمس، اللهم سلم سلم.
فعن عبد الله بن مسعود ط قال: «كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة».([91])
قلت: وهؤلاء يصلون ولكن لم ينتفعوا بصلاتهم من الناحية التأثر بها، وطلب الزيادة بمعرفة السنة جملة وتفصيلا، والله المستعان؟!.
فعن عبد الله بن مسعود ط قال: «من لم تأمره صلاته بالمعروف، وتنهه عن المنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا».([92])
وعن عبد الله بن مسعود ط قال: «لا تنفع الصلاة إلا من أطاعها». وفي رواية: «إن فلانا كثير الصلاة؛ قال: فإنها لا تنفع إلا من أطاعها»، ثم قرأ: ]إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر [ [العنكبوت: 45].([93])
والمراد: أن العبد إذا صلى عليه أن يتق الله تعالى في صلاته، فيحسنها بالعلم، ولا يسيء إليها بالجهل، فإن فعل ذلك انتفع بصلاته، لأنه موافق لصفة صلاة النبي ه([94])، فهذا قد أطاع صلاته، وحافظ على صفتها المأمور بها، وطاعة الصلاة بعد ذلك سوف تنهاه عن المحرمات، والبدع، والمنكرات من تأخير الإفطار، وغير ذلك.
وعن قتادة والحسن، قالا: في قوله تعالى: ]إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر[ [العنكبوت: 45] من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فإنه لا يزداد من الله بذلك إلا بعدا».([95]) وفي رواية: «ولا يزداد الله عليه بها إلا غصبا».
قال تعالى: ]إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر[ [العنكبوت: 45].
قلت: إنما الصلاة التي تنهى المصلي عن الفحشاء والمنكر، هي التي توافق صفة صلاة النبي ه، فإذا لم تنهك صلاتك عن فحشاء، ولا منكر، فإنك لست تصلي صفة صلاة النبي ه.
ومن صلى صلاة لم تأمره بالمعروف، وتنهه عن المنكر، لم تزده صلاته من الله تعالى إلا بعدا، لاغتراره بنفسه، وصلاته على ما فيها من نقص وخلل، والله المستعان.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله تعالى: ]إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر[ [العنكبوت: 45]؛ قال: «في الصلاة منتهى، ومزدجر عن معاصي الله تعالى».([96])
قال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي / في «تفسيره» (ص632): (قوله تعالى: ]إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر[ [العنكبوت: 45] والفحشاء: كل ما استعظم، واستفحش من المعاصي التي تشتهيها النفوس، والمنكر: كل معصية تنكرها العقول، والفطر.
ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها، وشروطها، وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل، أو تنعدم رغبته في الشر.
فبالضرورة، مداومتها، والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها.
وثم في الصلاة مقصود أعظم من هذا، وأكبر، وهو ما اشتملت عليه من ذكر الله، بالقلب، واللسان، والبدن). اهـ
قلت: ومعنى هذا أن الله تعالى أخبر أن الصلاة ناهية عن الفحشاء، والمنكر فمن أقامها ثم لم ينته عن المعاصي لم تكن صلاته بالصفة التي وصفها الله تعالى لنبيه ه، وهي وبال عليه يوم القيامة.([97])
قلت: إذا من أخر الإفطار إلى ما بعد غروب الشمس، فقد خالف النبي ه، والصحابة الكرام في تعجيل الإفطار مع غروب الشمس، فهذا لا يفلح أبدا.
قلت: فعليك بمذهب السلف الصالح في أحكام الدين، والاقتداء بهم فيه واتباعهم جملة وتفصيلا.([98])
قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
قلت: فأمر القرآن باتباع سبيل المؤمنين في الأصول والفروع، وقد عجلوا الفطر وخالفوا اليهود والنصارى، فيجب اتباعهم، ومن لم يتبعهم في ذلك، فقد ترك سبيلهم، ومن ترك سبيلهم فله وعيد شديد، والعياذ باللـه.
قلت: ووجه الاستدلال بها([99])؛ أنه تعالى توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يوجب اتباع سبيلهـم، وإذا أجمعوا على أمر كان سبيـلا لهم؛ فيكون اتباعه واجبا على كل واحد منهم، ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة.([100])
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1065): (لأنه ليس بين اتباع غير سبيلهم، وبين اتباع سبيلهم؛ قسم ثالث، وإذا حرم الله تعالى اتباع غير سبيل المؤمنين، وجب اتباع سبيلهم). اهـ
قلت: وهذا وعيد من اللـه تعالى لمن يحيد عن منهج الصحابة الكرام في الأصول، والفروع([101])، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص194): (فهكذا مشاقة الرسول
قلت: وقد أمرنا بالاقتداء بهم، والتمسك بما كانوا عليه في الدين... لأنهم لا يثبتون أحكام الدين في الأصول والفروع إلا بأدلة من الكتاب، أو السنة، أو الآثار.
قال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص301): (علامة من أراد الله تعالى به خيرا سلوك هذا الطريق كتاب اللـه، وسنن رسول الله ه، وسنن أصحابه ن، ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد). اهـ
وقال الإمام الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص210): (فإن كنتم من المؤمنين، وعلى منهاج أسلافهم، فاقتبسوا العلم من آثارهم، واقتبسوا الهدى من سبيلهم، وارضوا بهذه الآثار إماما، كما رضي القوم بها لأنفسهم إماما). اهـ
(22) وعن عبد الرحمن بن يزيد، قال: «كنا مع عبد الله في طريق مكة، فلما غربت الشمس قال: هذا غسق الليل، ثم أذن، ثم قال: هذا والله الذي لا إله إلا هو وقت هذه الصلاة».([103])
قال الحافظ البيهقي في «فضائل الأوقات» (ص294): ما يستحب من تعجيل الفطر وتأخير السحور.
(23) وعن عبد الله بن يزيد، قال: «لم أر أحدا كان أعجل إفطارا من سعيد بن المسيب، كان لا ينتظر مؤذنا، ويؤتى بقدح من ماء؛ فيشربه بنفس واحد، لا يقطعه حتى يفرغ منه».
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص158)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج1 ص395) من طريق حاتم بن إسماعيل، عن عبد الله بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال ابن عبد البر: وهذا أصح عن سعيد بن المسيب.
(24) وعن إبراهيم النخعي / قال: «إن من السنة تعجيل الإفطار».
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص23) من طريق وكيع، عن أبي العنبس عمرو بن مروان، قال: سمعت إبراهيم النخعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الفقيه السمرقندي في «تحفة الفقهاء» (ص52): (وأما أول وقت المغرب فحين تغرب الشمس بلا خلاف). اهـ
قلت: فدل هذا على إجماع العلماء على أن إذا غربت الشمس دخل وقت صلاة المغرب، ودخل فطر الصائم([104])، والله المستعان.
قال العلامة الشوكاني / في «الدر البهية» (ج1 ص454): (ويندب تعجيل الفطر، وتأخير السحور). اهـ
وقال الحافظ أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج3 ص157): (التعجيل احفظ للقوة، وارفع للمشقة وأوفق للسنة، وأبعد عن الغلو والبدعة). اهـ
قلت: ويظهر الفرق هنا بين أهل السنة، وبين أهل البدعة.
قال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج4 ص37): (بقايا شعاع الشمس، وما بعد مغيبها لا يلتفت إليه، ولا يستحقه أمد الصوم، وأن مغيب قرصها أوجب الفطر ودخل الليل، أو أن التعجيل بالإفطار أولى وأحق). اهـ
قلت: فتعجيل الفطر من خصائص هذه الأمة، ولا تزال بخير ما دامت تحافظ على هذه السنة.([105])
قال الفقيه العيني / في «شرح سنن أبي داود» (ج2 ص285): (أن التأخير لما كان سببا لزوال الخير كان التعجيل سببا لاستجلابه). اهـ
(25) وعن عروة بن عياض، يخبر عبد العزيز بن عبد الله أنه: «يؤمر أن يفطر الإنسان قبل أن يصلي، ولو على حسوة».
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص227) من طريق ابن جريج قال: سمعت عروة بن عياض، يخبر عبد العزيز بن عبد الله به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص104).
قلت: وهذه الآثار موافقة لما ثبت في السنة النبوية من الأمر بتعجيل الإفطار بغروب الشمس، ولا ينتظر الأذان، والله ولي التوفيق.
قال الحافظ ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج6 ص240): (ومن السنة تعجيل الفطر، وتأخير السحور، وإنما هو مغيب الشمس عن أفق الصائم، ولا مزيد).اهـ
وقال الحافظ ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج6 ص241): (وتعجيل الفطر قبل الصلاة، والأذان أفضل). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج10 ص40): (وفي هذا فضل تعجيل الفطر، وكراهة تأخيره). اهـ
قلت: فمن سنن الصوم تعجيل الفطر عند غروب الشمس، وقبل الصلاة.([106])
قلت: وهذا يدل على أن إجماع الصحابة ن على تعجيل الفطر قبل صلاة المغرب، ولم يتأخروا عن ذلك.([107])
قال الفقيه الدمياطي / في «إعانة الطالبين» (ج2 ص384): (ولما صح أن الصحابة ن كانوا أعجل الناس إفطارا، وأبطأهم سحورا، وإنما كان الناس بخير ما عجلوه، لأنهم لو أخروه لكانوا مخالفين السنة، والخير ليس إلا في اتباعها:
وكل خير في اتباع من سلف، * * وكل شر في ابتداع من خلف). اهـ
(26) وعن ابن عوسجة قال: «كان علي يأمرنا أن نفطر قبل الصلاة، ويقول: إنه أحسن لصلاتكم».([108])
تنبيه: ضعف أثر عمر، وعثمان رضي الله عنهما في تأخير الفطر بعد الصلاة!.
عن حميد بن عبد الرحمن: «أن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان؛ كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا، ثم يفطران بعد الصلاة، وذلك في رمضان».
أثر ضعيف
أخرجه مالك في «الموطأ» (696)، والشافعي في «الأم» (ج2 ص97)، وفي «المسند» (ج1 ص478)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص300)، والبغوي في «شرح السنة» (ج6 ص255)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص225)، والقعنبي في «الموطأ» (ص322)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص238)، وفي «معرفة السنن» (ج6 ص286)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (ص128)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج20 ص24)، والحدثاني في «الموطأ» (ص413) من طريق ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن به.
قلت: وهذا سنده ضعيف؛ لانقطاعه.([109])
وذكره الهندي في «كنز العمال» (ج8 ص612).
(27) وعن حاجب بن عمر قال: كنت أسمع الحكم بن الأعرج يسأل: درهما أبا هند؟([110]) فيقول درهم: «كنت أقبل من السوق فيتلقاني الناس منصرفين، قد صلى بهم معقل بن يسار ط؛ فأتمارى غربت الشمس، أو لم تغرب».
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص329) من طريق معاذ بن معاذ، عن حاجب بن عمر به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وهذا الصحابي معقل بن يسار المزني ط([111]) يصلي بالناس، ولم تغرب الشمس بالكلية، مما يدل على أن وجود قرص الشمس، أو بعضه يسمى غروبا عند السلف.
(28) وعن عبد الرحمن بن يزيد، قال: «كان عبد الله ط، يصلي المغرب، ونحن نرى أن الشمس طالعة قال: فنظرنا يوما إلى ذلك فقال: ما تنظرون؟ قالوا: إلى الشمس، قال عبد الله: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة، ثم قال: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]، فهذا دلوك الشمس».
أثر صحيح
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص274)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص489) من طريق جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، وعمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين، وقد صححه العيني في «نخب الأفكار» (ج3 ص23)، والدارقطني في «العلل» (ج5 ص214).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، بهذه السياقة، ووافقه الذهبي.
وبهذا الوجه ذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (12856).
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص154 و155) من طريق حفص بن غياث عن الأعمش قال: ثنا إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وفي آخره ذكر حفص بن غياث: (أنه قيل للأعمش: قيل حدثكم عمارة أيضا؟ قال: نعم). وهذا تصريح بالتحديث من الأعمش من إبراهيم، وعمارة، ثم عنعنة الأعمش عن شيوخ أكثر عنهم تحمل على السماع، مثل: إبراهيم النخعي، وغيره، وهذه الرواية منها([112])، فتفطن لذلك.
قال الذهبي / في «الميزان» (ج2 ص224)؛ عن الأعمش: (وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف، ولا يدري به، فمتى قال: حدثنا فلا كلام، ومتى قال: «عن» تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان؛ فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال). اهـ
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9131) من طريق زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «صلى عبد الله المغرب، فلما انصرف جعلنا نلتفت، فقال: ما لكم تلتفتون؟ قلنا: نرى أن الشمس طالعة، فقال: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة، ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل».
وإسناده صحيح.
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص50)؛ ثم قال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
وأخرجه المخلص في «المخلصيات» (1594) من طريق ابن نمير قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عبدالرحمن بن يزيد قال: «صلينا مع عبد الله ط المغرب، فجعلنا نلتفت ننظر نرى أن الشمس طالعة، فقال عبد الله ط: ما تنظرون؟ قالوا: نرى أن الشمس طالعة، فقال: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة، ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] وقال: هذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل».
وإسناده صحيح.
قلت: فهذا ابن مسعود ط يرى أن الشمس قد غربت، وهي لم تغب بالكلية، وهذا الغروب عند العرب من وجه.
واحتج عليهم ابن مسعود ط بقوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ والدلوك: الميل، وهذه الشمس قد مالت جهة المغرب، وكادت أن تغيب، ولم تغب فهذا يسمى غروبا أيضا عند العرب.
فالشاهد: «ونحن نرى أن الشمس طالعة»؛ فهذا يسمى غروبا عند العرب، ولذلك اعتبر ابن مسعود ط أن هذا المستوى للشمس من الأرض دخول وقت صلاة المغرب؛ لأنها مالت جهة الغروب، وأوشكت أن تلامس الأرض، فصلى صلاة المغرب؛ لأن وقتها دخل شرعا، وصلى خلفه أصحابه، وهم فقهاء الأمة من التابعين، ولم ينكر أحد منهم عليه، ولم يتخلفوا عن الصلاة خلف ابن مسعود ط، فافهم لهذا ترشد.
وقد تبين في لفظ قال: «صلى ابن مسعود بأصحابه المغرب حين غربت الشمس»؛ مع أنها كانت طالعة في اللفظ الأول.
أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص155) من طريق أبي الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: قال: عبد الرحمن بن يزيد: «صلى ابن مسعود بأصحابه المغرب حين غربت الشمس, ثم قال: هذا، والذي لا إله إلا هو، وقت هذه الصلاة».
وإسناده صحيح، وهذا الحديث؛ هو الحديث الأول سواء بسواء كلاهما من رواية عبد الرحمن بن يزيد، فافطن لهذا.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص154 و155) من طريق عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، عن الأعمش، قال: ثنا إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: «صلى عبد الله بأصحابه صلاة المغرب, فقام أصحابه يتراءون الشمس؛ فقال: ما تنظرون؟ قالوا ننظر, أغابت الشمس([113]). فقال عبد الله: هذا, والله الذي لا إله إلا هو وقت هذه الصلاة , ثم قرأ عبد الله ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] وأشار بيده إلى المغرب فقال: هذا غسق الليل، وأشار بيده إلى المطلع, فقال: هذا دلوك الشمس).
وإسناده صحيح.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص136)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9132) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: «صلى عبد الله ذات يوم، وجعل رجل ينظر هل غابت الشمس؟ فقال عبد الله: ما تنظرون هذا؟ والله الذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة؛ يقول الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل».
وإسناده صحيح، وليس اختلافا على الأعمش بل للأعمش فيه شيخان: وهما: عمارة بن عمير، وإبراهيم النخعي، وكلاهما يرويه عن عبد الرحمن بن يزيد.
وذكر لفظه الدارقطني في «العلل» (ج5 ص213 و214)؛ من حديث عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله ط: «أنه صلى المغرب فلما انصرف جعلنا نتلفت فقال ما لكم، قلنا نرى أن الشمس طالعة؛ فقال: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة؛ ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ ثم قال: يرويه الأعمش واختلف عنه؛
فرواه زائدة، وجرير، وابن مسهر، والثوري، وأبو شهاب، وأبو معاوية ومندل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله.
وخالفهم شعبة: فرواه عن الأعمش، عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد.
ورواه حفص بن غياث، عن الأعمش بتصحيح القولين جميعا؛ فقال: عن إبراهيم وعمارة عن عبد الرحمن بن يزيد؛ فصحت الأقاويل كلها.
ورواه سلمة بن كهيل، وإبراهيم بن مهاجر عن عبد الرحمن بن يزيد، وهو صحيح عنه). اهـ
وأخرجه الدارقطني في «العلل» (ج5 ص215) من طريق زفر، عن أشعث عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: «كنت مع عبد الله بن مسعود فلما غربت الشمس قال هذا والذي لا إله إلا غيره حين حل لكل أكل ثم نزل فصلى المغرب ثم أقسم أن هذا وقتها».
قال الدارقطني: ورواه سلمة بن كهيل، وإبراهيم بن مهاجر عن عبد الرحمن بن يزيد وهو صحيح عنه.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص136)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9134)، و(9137) من طريقين عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد به.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص135)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9133) من طريق هشيم عن الشيباني سليمان بن أبي سلميان عن عبد الرحمن بن الأسود عن عمه عبد الرحمن بن يزيد به.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص311): وإسناده صحيح.
قال العيني / في «نخب الأفكار» (ج3 ص213): (أي قد روي ما ذكرنا من أن وقت المغرب عقب غروب الشمس أيضا عن الصحابة، فأخرج ذلك عن أربعة منهم، وهم: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وعثمان بن عفان ن... وأما أثر عبد الله بن مسعود؛ فأخرجه من أربع طرق صحاح:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن عمر بن حفص أحد مشايخ البخاري ومسلم، عن أبيه حفص بن غياث بن طلق، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي.
وأخرجه البيهقي في سننه بإسناده: عن الأعمش، عن إبراهيم وعمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «كان ابن مسعود يصلي المغرب، ونحن نرى أن الشمس طالعة، قال: فنظرنا يوما إلى ذلك، فقال: ما تنظرون؟ قالوا: إلى الشمس، فقال عبد الله: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة، ثم قال: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ فهذا دلوك الشمس».
قوله: «هل حدثكم عمارة أيضا؟ قال: نعم»؛ أراد أنهم سألوا الأعمش أن أثر ابن مسعود هذا حدثكم به عمارة أيضا؟ قال: نعم.
وأخرجه الطبراني بهذا الإسناد: ثنا محمد بن علي الصائغ، ثنا سعيد بن منصور، ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «صلى عبد الله ذات يوم، فجعل رجل ينظر، هل غابت الشمس؟ فقال: ما تنتظرون؟! هذا والذي لا إلا غيره ميقات هذه الصلاة، فيقول الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[؛ فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل). اهـ
قلت: ولا شك أن تفسير ابن مسعود ط مقدم على تفسير غيره من الصحابة في هذا الباب، بالإضافة إلى موافقته لتفسير السنة النبوية أيضا، وآثار الصحابة الكرام في غروب الشمس في هذا المستوى من الأرض بطلوعها؛ أي: بارتفاعها عن الأرض من جهة الغروب.([114])
قلت: ولنترك ابن مسعود ط يتحدث عن نفسه في مجال التفسير.
فعن مسروق، قال: قال عبد الله بن مسعود ط: «والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه».([115])
وعن شقيق بن سلمة، قال: قال ابن مسعود ط فقال: «والله لقد أخذت من في رسول اللهه بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي ه أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم».
قال شقيق: «فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك».([116])
وعن أبي الأحوص، قال: «كنا في دار أبي موسى مع نفر من أصحاب عبد الله، وهم ينظرون في مصحف، فقام عبد الله، فقال أبو مسعود: ما أعلم رسول الله ه ترك بعده أعلم بما أنزل الله من هذا القائم، -يعني: ابن مسعود- فقال أبو موسى: أما لئن قلت ذاك، لقد كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا».([117])
قلت: فمثل هذا حري أن يقدم تفسيره للآية الكريمة، وهي ]أقم الصلاة لدلوك الشمس [ [الإسراء: 78].
إذا: فتبين أن مراد الآية الكريمة: بأن «الدلوك: الميل»؛ أي: ميل الشمس جهة الغروب.
قلت: فمجرد ميل الشمس جهة الغروب يشعر بغروبها؛ أي: عقب الميل يسمى غروبا، وإن لم تغب بالكلية.
قلت: فهذا تفسير ابن مسعود ط للآية: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس [ [الإسراء: 78]، فإن الدلوك في الآية يسمى زوالا.
ولا يتنافى هذا التفسير مع زوال الشمس في الظهيرة؛ لأن الآية تعني: أيضا زوال الشمس في وقت الظهر، وذلك لأن معنى الدلوك هو: الميل، فعند زوال الشمس يسمى ميلا، وعند غروب الشمس يسمى ميلا، فانتبه.([118])
وهذا من اختلاف التنويع، فيكون معنى الدلوك: الزوال، والغروب، فافهم لهذا ترشد.([119])
(29) وعن الأسود بن يزيد النخعي قال: «كنت جالسا مع عبد الله ط في بيته، فوجبت الشمس، فقال عبد الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] ثم قال: هذا والله الذي لا إله غيره، حين أفطر الصائم، وبلغ وقت هذه الصلاة».
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص136) من طريق علي بن مسهر، عن الشيباني، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص226)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص252) من طريق أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الأسود قال: «كان عبد الله ط يصلي المغرب حين تغرب الشمس، ويقول: هذا والذي لا إله إلا هو وقت هذه الصلاة».
وإسناده صحيح.
وأخرجه الحربي في «غريب الحديث» (ج2 ص879) من طريق أبي السائب, حدثنا وكيع, عن عمرو بن حسان, أخبرني عبد الرحمن بن الأسود, عن أبيه: (أن عبد لله بن مسعود ط نظر إلى الشمس حين غربت ونشأ الليل فقال: هذا وقت المغرب).
وإسناده صحيح.
(30) وعن أبي عبيدة بن عبد الله، يقول: «كان ابن مسعود يصلي المغرب إذا غاب حاجب الشمس([120]) ويحلف: والذي لا إله غيره إنه للوقت الذي قال الله عز وجل ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]»، وفي رواية: «إن عبد الله بن مسعود: يصلي المغرب حين يغرب حاجب الشمس».
أثر ضعيف
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج1 ص553)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص137)، والبيهقي في «معرفة السنن» (ج2 ص196)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص230)، ومسدد في «المسند» (ج2 ص65-إتحاف الخيرة)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص24) من طرق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع أبا عبيدة بن عبد الله به.
قلت: وهذا سنده ضعيف، فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئا، وكان يوم توفى أبوه ابن سبع سنين، فلم يدركه أيضا للتحديث عن أفعاله([121])، فنتبه.
لذلك قال البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج2 ص65): هذا إسناد رجاله ثقات.
وأخرجه مجاعة بن الزبير في «حديثه» (ص95)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص24) من طريق قتادة عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود به.
قلت: وهذا سنده ضعيف كسابقه.
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج15 ص24) من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: قد ذكر لنا أن ابن مسعود ط ... فذكره.
قلت: وهذا من باب الاختلاف على ابن مسعود ط.
وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج1 ص553) من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن بعض أصحاب ابن مسعود به.
قلت: وهذا سنده ضعيف لجهالة أصحاب ابن مسعود، فهو منقطع.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9138) من طريق عمرو بن مرة.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9942) من طريق يحيى بن أبي كثير؛ كلاهما عن أبي عبيدة بن عبد الله به.
وإسناده ضعيف كما سبق.
قال ابن رشد / في «بداية المجتهد» (ج2 ص51): (وأما التي تتعلق بزمان الإمساك: فإنهم اتفقوا على أن آخره غيبوبة الشمس؛ لقوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]). اهـ
وقال الشنقيطي / في «أضواء البيان» (ج1 ص454): (وأول وقت صلاة المغرب غروب الشمس، أي: غيبوبة قرصها بإجماع المسلمين، وفي حديث جابر، وابن عباس في إمامة جبريل: «فصلى المغرب حين وجبت الشمس»، وفي حديث سلمة بن الأكوع ط أن رسول الله ه «كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب». أخرجه الشيخان، والإمام أحمد، وأصحاب السنن الأربع إلا النسائي، والأحاديث بذلك كثيرة). اهـ
وقال الشيخ الألباني / في «الصحيحة» (ج5 ص300): (وهذه من السنن المتروكة في بلاد الشام، ومنها عمان، فإن داري في جبل هملان من جبالها، أرى بعيني طلوع الشمس وغروبها، وأسمعهم يؤذنون للمغرب بعد غروب الشمس بنحو عشر دقائق، علما بأن الشمس تغرب عمن كان في وسط عمان، ووديانها قبل أن تغرب عنا! وعلى العكس من ذلك، فإنهم يؤذنون لصلاة الفجر قبل دخول وقتها بنحو نصف ساعة. فإنا لله وإنا إليه راجعون). اهـ
وقال الشيخ الألباني / في «الصحيحة» (ج7 ص1303): (فالفجر: عند سطوع النور الأبيض وانتشاره في الأفق، والظهر: عند زوال الشمس عن وسط السماء، والعصر: عند صيرورة ظل الشيء مثله، بالإضافة إلى ظل الزوال، والمغرب: عند غروب الشمس وسقوطها وراء الأفق، والعشاء: عند غروب الشفق الأحمر). اهـ
(31) وعن ابن مسعود ط ، قال: «دلوك الشمس: غروبها، تقول العرب إذا غربت الشمس: دلكت الشمس». وفي رواية: «دلوك الشمس حين تغيب».
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص384)، وفي «المصنف» (2096)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص235 و236)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص323)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص363)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص22)، وابن وهب في «تفسير القرآن» (ج1 ص137)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9128)، و(2129) و(9130)، و(9136)، و(9137)، و(9138)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2341)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص135 و136)، وابن مردويه في «تفسير القرآن» (ج9 ص410-الدر المنثور)، والبغوي في «الجعديات» (2313)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص155)، والدارقطني في «العلل» (ج5 ص214)، والبيهقي في «معرفة السنن» (2356)، و(2357) من طرق عن ابن مسعود ط به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص311)؛ ثم قال: وإسناده حسن.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص410)، وابن حجر في «إتحاف المهرة» (282)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج6 ص120)، والواحدي في «الوسيط» (ج3 ص120).
قال الثعلبي / في «تفسيره» (ج6 ص120): (ودليل هذا التأويل: حديث عبد الله بن مسعود ط: (إنه كان إذا غربت الشمس صلى المغرب، وأفطر إن كان صائما)، ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو أن هذه الساعة لميقات هذه الصلاة؛ وهي التي قال الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس [ [الإسراء: 78]). اهـ
(32) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «دلوكها: غروبها».
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص384 و385)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (6328)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص23) من طريق سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره الواحدي في «الوسيط» (ج3 ص120)، والبغوي في «معالم التنزيل» (ج3 ص128).
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (6336) من طريق سعيد بن جبير عن عبد الله، وابن عباس رضي الله عنهما قالا: (دلوكها حين تغرب).
وإسناده صحيح، وسعيد بن جبير لم يدرك ابن مسعود، لكن الأثر الذي قبله يشهد له.
قال ابن المنذر في «الأوسط» (ج1 ص14): وقد روينا عن علي، وابن مسعود، وجماعة أنهم قالوا: دلوكها: غروبها.
(33) وعن علي بن أبي طالب ط ، قال: «دلوكها: غروبها».
أثر حسن
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص336)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2342)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج9 ص411-الدر المنثور)، وفي «الأوسط» (ج1 ص14) من طريقين عن علي بن أبي طالب ط.
قلت: وهذا سنده حسن.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص411)، والواحدي في «الوسيط» (ج3 ص120).
وعن ابن عباس ط قال: (دلوكها: زوالها).
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص183)، وابن المنذر في «الأوسط» (937)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص364)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص25)، وابن وهب في «تفسير القرآن» (ج1 ص137)، والطبراني في «المعجم الكبير» (1371)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (6334) من طريق حصين، وأبي كدينة، وهشيم، وشعبة، وأبي عوانة، وخالد بن عبد الله عن مغيرة عن الشعبي عن ابن عباس ط به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص412)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج6 ص120).
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج5 ص27) من طريق الزهري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (دلوك الشمس: زيغها بعد نصف النهار).
وهذا إسناد منقطع؛ لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس.
انظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج1 ص23).
وأخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص11)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص235)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص10)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (ص345)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص358)، والقعنبي في «الموطأ» (ص88)، والحدثاني في «الموطأ» (ص62) من طريق داود بن حصين قال: أخبرني مخبر أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول: «دلوك الشمس، إذا فاء الفيء».
قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (ج1 ص271): (المخبر ههنا عكرمة ... وكان مالك يكتم اسمه لكلام سعيد ابن المسيب فيه).
فإن كان المخبر هو: «عكرمة مولى ابن عباس»؛ فإن رواية داود بن الحصين عن عكرمة متكلم فيها.
انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج8 ص380 و380).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «دلوك الشمس: زوالها». وفي رواية: «دلوك الشمس: زياغها بعد نصف النهار». وفي رواية: «دلوك الشمس: ميلها». أي: وقت الزوال.
أثر صحيح
أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص11)، وعبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص384)، وفي «المصنف» (ج1 ص534)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص10)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص236)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص322)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص25)، والقعنبي في «الموطأ» (ص87)، وأبو الجهم في «جزئه» (ص42)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص364)، وابن بكار في «حديثه» (ص170)، والحدثاني في «الموطأ» (ج92)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (ص345) من طريق نافع، وسالم بن عبد الله به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص412).
وقال البزار في «المسند» (ج12 ص257): وهذا الحديث إنما يروى موقوفا عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وعن مجاهد / قال: «دلوكها: زيغها حين تزيغ».
أثر صحيح
أخرجه آدم بن أبي إياس في «التفسير» (ص440) من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره الثعلبي في «الكشف والبيان» (ج6 ص120).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «دلوك الشمس: ميلها».
أثر حسن لغيره
أخرجه محمد بن الحسن في «الموطأ» (ص345) من طريق مالك عن داود بن الحصين عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات، ودواد بن الحصين يروي عن عكرمة كما في رواية.
قال ابن العربي / في «أحكام القرآن» (ج3 ص1219): (وقد روى مالك في «الموطأ» عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: دلوك الشمس: ميلها). اهـ
وقال الإمام محمد بن الحسن / في «الموطأ» (ص345): (هذا قول ابن عمر، وابن عباس، وقال: عبد الله بن مسعود دلوكها: غروبها، وكل حسن). اهـ
وعن الحسن البصري / قال: في قوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس [ [الإسراء: 78]، قال: «دلوك الشمس إذا زالت عن بطن السماء، وكان لها فيء في الأرض».
أثر حسن لغيره
أخرجه ابن وهب في «تفسير القرآن» (ج2 ص120) من طريق الليث بن سعد أن الحسن البصري به.
قلت: وهذا سنده لا بأس به.
وذكره الثعلبي في «الكشف والبيان» (ج6 ص120).
قال الواحدي / في «الوسيط» (ج3 ص120): (قوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس [؛ دلوك الشمس زوالها، وميلها في وقت الظهر، وكذلك ميلها للغروب هو دلوكها أيضا، قال المبرد: دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها عند العرب). اهـ
قلت: فمعنى الدلوك في كلام العرب الزوال والميل عند الظهيرة، وعند الغروب.([122])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى – قسم التفسير» (ج15 ص11): (مثال ذلك: قوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل [ [البقرة: 187]، فسر: ((الدلوك)) بالزوال، وفسر: بالغروب، وليس بقولين؛ بل اللفظ يتناولهما معا؛ فإن الدلوك: هو الميل، ودلوك الشمس ميلها، ولهذا الميل: مبتدأ ومنتهى، فمبتدؤه الزوال، ومنتهاه الغروب، واللفظ متناول لهما بهذا الاعتبار). اهـ
قلت: فالآية عامة من ذلك كله، وهي دالة على معنيين.
أحدهما: الزوال.
والثاني: الغروب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى – قسم التفسير» (ج15 ص11): (هذا استعماله في حقيقته المتضمنة للأمرين جميعا، فتأمله فإنه موضوع عظيم النفع، وقل ما يفطن له، وأكثر آيات القرآن دالة على معنيين فصاعدا فهي من هذا القبيل).([123])اهـ
(34) وعن أنس بن مالك ط: «أن رسول الله ه خطب أصحابه ذات يوم وقد كادت الشمس أن تغرب، فلم يبق منها إلا شيء يسير وفي راوية: [إلا شف يسير]، فقال: والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما، مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه، وما نرى من الشمس إلا يسيرا».([124])
والشاهد: «إلا شيء يسير ... وما نرى من الشمس إلا يسيرا»؛ وهذا بمعنى الغروب عند العرب.([125])
والشف: بقية النهار لما يرى من يسير من الشمس، لقوله: «وما نرى من الشمس إلا يسيرا»؛ أي: قد بقيت منها بقية، وهذا في حكم الغروب عند العرب.
وشفا كل شيء حرفه، قال تعالى: ]وكنتم على شفا حفرة[ [آل عمران: 103].
قال ابن الأثير / في «النهاية» (ج2 ص271): (وفي حديث أنس ط «أن النبي ه خطب أصحابه يوما، وقد كادت الشمس تغرب ولم يبق منها إلا شف»؛ أي شىء قليل. الشف والشفا والشفافة: بقية النهار).اهـ
وقال الرازي / في «مختار الصحاح» (ص145): (يقال للرجل عند موته، وللقمر عند امحاقه، وللشمس عند غروبها ما بقي منه إلا شفا؛ أي: قليل). اهـ
وقال الحربي / في «غريب الحديث» (ج2 ص818): (قال أبو نصر: يقال: بقي من الشمس شفا: أي شيء([126]». اهـ
وقال الحربي / في «غريب الحديث» (ج2 ص819): (سمعت ابن الأعرابي يقول: أشفت الشمس على الغيوب, وشفت وضرعت, وضجعت, ودلكت).اهـ
وقال ابن منظور / في «لسان العرب» (ج19 ص166): (شفت الشمس تشفو: قاربت الغروب). اهـ
قلت: وهذا يعني أنها غربت، ودخل وقت صلاة المغرب، ووقت إفطار الصائم.
قال القلقشندي / في «صبح الأعشى» (ج2 ص367): (أما الطبيعي: فالليل من لدن غروب الشمس، واستتارها بحدبة الأرض إلى طلوعها، وظهورها من الأفق، والنهار من طلوع نصف قرص الشمس من المشرق إلى غيبوبة نصفها في الأفق في المغرب، وسائر الأمم يستعملونه كذلك.
وأما الشرعي: فالليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني، وهو المراد بالخيط الأبيض من قوله تعالى: ]وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر [ [البقرة: 187]، والنهار من الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وبذلك تتعلق الأحكام الشرعية من الصوم، والصلاة، وغيرهما). اهـ
قال تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا [ [الكهف: 17].
قلت: وهذه الآية الكريمة تدل على أن الشمس لم تغب بالكلية عن أهل الكهف لطلوعها جهة المغرب ووجودها، وقد سمى الله تعالى ذلك غروبا؛ بقوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال[؛ فسمى الله ذلك غروبا، وهي ترى بالعين، لقوله تعالى: ]وترى الشمس[؛ أي: وتراها إذا غربت؛ أي: وهي طالعة تقرضهم؛ أي: تميل عنهم، ولا تميل عنهم –أي: تتحرك- إلا إذا كانت طالعة وتزول، وتميل.([127])
أما إذا اختفت بالكلية؛ فكيف تقرضهم، وتميل، وتتحرك عن الكهف، إذا إذا غابت بالكلية فلا حاجة أن تميل عنه.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «في قوله تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال [ [الكهف: 17]؛ قال: تميل عنهم، وفي قوله: ]تقرضهم[ قال: تذرهم».
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص235)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص185)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج9 ص507-الدر المنثور) من طريق معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص507)، وفي «الاتقان» (ج2 ص25)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص143).
وعن مجاهد /قال: «في قوله: ]تقرضهم [ [الكهف: 17]؛ قال: تتركهم ذات الشمال».
أثر صحيح
أخرجه آدم بن إياس في «تفسير القرآن» (ص446)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص507-الدر المنثور)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص212)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2352)، والفريابي في «تفسير القرآن» (ج8 ص406-الفتح)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج9 ص507-الدر المنثور)، والبخاري في «صحيحه» تعليقا (ج8 ص406)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج4 ص243) من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص212) من طريق حجاج عن ابن جريج عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص507)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص143)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج8 ص406).
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج5 ص143): (هذا دليل على أن باب هذا الكهف من نحو الشمال؛ لأنه تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه ]ذات اليمين [أي: يتقلص الفيء يمنة ... وقوله تعالى: ]تزاور[؛ أي: تميل ... ولو كان من ناحية القبلة لما دخل منها شيء عند الطلوع ولا عند الغروب). اهـ
وعن قتادة / قال: «في قوله تعالى: ]تزاور عن كهفهم ذات اليمين[ [الكهف: 17] , قال: تميل عن كهفهم ذات اليمين».
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص400)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص211) من طريق معمر، وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن قتادة / قال: «في قوله تعالى: ]تقرضهم ذات الشمال[ [الكهف: 17], قال: تدعهم ذات الشمال».
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص400)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص211) من طريق معمر، وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن سعيد بن جبير / قال: «في قوله تعالى: ]تزاور عن كهفهم[ [الكهف: 17] تميل».
أثر حسن
أخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص211 و212) من طريق محمد بن مسلم عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن سعيد بن جبير / قال: «في قوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم [ [الكهف: 17]؛ قال: تتركم ذات الشمال».
أثر حسن
أخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص212) من طريق محمد بن مسلم عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فإذا طلعت الشمس مالت عن كهفهم ذات اليمين؛ يعني: يمين الكهف، وإذا غربت تمر بهم ذات الشمال؛ يعني: شمال الكهف لا تصيبه ... فتميل عنهم الشمس طالعة، وغاربة، لا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرها، وتغير ألوانهم، وهم كانوا في متسع من الكهف، ينالهم فيه برد الريح، ونسيم الهواء.
قال تعالى: ]وهم في فجوة منه [ [الكهف: 17]؛ أي: من الكهف، والفجوة: متسع في مكان.([128])
قال المفسر الثعلبي / في «الكشف والبيان» (ج6 ص159): (قوله تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا [ [الكهف: 17]؛ أي: تتزاور ... تميل عنهم الشمس طالعة وغاربة وجارية). اهـ
قال المفسر الواحدي / في «الوسيط» (ج3 ص139): (قوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم [ [الكهف: 17]؛ أي: تعدل عنهم وتتركهم ... وتميل عنهم الشمس طالعة وغاربة). اهـ
وقال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج3 ص159): (]وترى الشمس إذا طلعت تزاور [ [الكهف: 17]؛ أي: تميل وتعدل ... ]وإذا غربت تقرضهم[؛ أي: تتركهم وتعدل عنهم ... فلا تقع الشمس عليهم عند الطلوع، ولا عند الغروب، ولا عند الاستواء). اهـ
وقال العلامة السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج5 ص17): (]وترى الشمس[؛ أي: حفظهم الله تعالى من الشمس، فيسر لهم غارا إذا طلعت الشمس، تميل يمينا، وعند غروبها تميل عنه شمالا([129])، فلا ينالهم حرها فتفسد أبدانهم بها).اهـ
وقال المفسر القرطبي / في «جامع لأحكام القرآن» (ج10 ص368): (قوله تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين[؛ أي: أي ترى أيها المخاطب الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم. والمعنى: إنك لو رأيتهم لرأيتهم كذا، لا أن المخاطب رآهم على التحقيق. «تتزاور» تتنحى وتميل، من الازورار. والزور الميل ... وقوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم[، قرأ الجمهور بالتاء على معنى تتركهم، قاله مجاهد، وقال قتادة: تدعهم. النحاس: وهذا معروف في اللغة، حكى البصريون أنه يقال: قرضه يقرضه إذا تركه، والمعنى: أنهم كانوا لا تصيبهم شمس ألبتة كرامة لهم، وهو قول ابن عباس. يعني: أن الشمس إذا طلعت مالت عن كهفهم ذات اليمين، أي يمين الكهف، وإذا غربت تمر بهم ذات الشمال، أي: شمال الكهف، فلا تصيبهم في ابتداء النهار، ولا في آخر النهار... فكانت الشمس تميل عنهم طالعة وغاربة وجارية لا تبلغهم لتؤذيهم بحرها، وتغير ألوانهم وتبلي ثيابهم). اهـ
وقال المفسر ابن جرير / في «جامع البيان» (ج3 ص262)؛ عن غروب الشمس: (كما أن آخر النهار ابتداء غروبها دون أن يتتام غروبها). اهـ
والشاهد: قوله: «دون أن يتتام غروبها»، وهذا يدل أنها لم تغرب بالكلية، فقد بقي منها شيء لم يتم سقوط قرص الشمس كله، وهذا قول في لغة العرب.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ه: «إذا طلع حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى ترتفع، وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصـلاة
حتى تغيب».([130])
قلت: فذكر النبي ه صفة الغروبين في حديث واحد:
الأول: الغروب مع ظهور قرص الشمس؛ بقوله ه: «إذا طلع حاجب الشمس»؛ والحاجب: هنا هو: الحاجب الأسفل من قرص الشمس.
الثاني: الغروب الكلي، وهو خفاء قرص الشمس؛ بقوله ه: «فأخروا الصلاة حتى تغيب». أي: بالكلية.
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص178): قوله ه: «وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تغيب»؛ أي: عن الصلاة عند بدء القرص في الغروب). اهـ
قلت: ويبدأ نزول قرص الشمس من الأسفل، وهو طالع، وهذا الحاجب السفلي، فسمى النبي ه ذلك غروبا؛ إلى أن يغيب؛ أي: يسقط قرص الشمس بالكلية، وهذا يسمى غروبا أيضا. ([131])
قلت: وقرص الشمس عليه دائرتان:
إحداهما: حمراء، وهي التي تلي القرص، والأخرى بيضاء، وهي بعد الحمراء، والحمراء أول ما تنزل من الأسفل ثم تليها في النزول البيضاء، ثم يلي البيضاء نزول القرص، وهذا كله غروب عند السلف، والخلف.([132])
وهذا يدل على أن غروب الشمس له ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: ارتفاع([133]) قرص الشمس بيسير عن الأرض.
الدرجة الثانية: طلوع نصف قرص الشمس عن الأرض.
الدرجة الثالثة: اختفاء قرص الشمس بالكلية في الأرض.([134])
وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: «ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» .([135])
فقوله ه: «وحين تضيف الشمس للغروب» ؛ أي: قاربت الغروب، واقتربت من الأرض بملامسة الحاجب السفلي منها، فسمى ذلك غروبا مع وجودها طالعة.([136])
ثم ذكر ه: الغروب الكلي الذي هو سقوط القرص، بقوله ه: «حتى تغرب» ، وهذا الغروب الثاني للشمس.
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص401): (قوله ه: «وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» ؛ قال بعضهم: «حين تضيف الشمس للغروب» ؛ أي: حين يغيب حاجبها الأسفل، فيكون مدة هذا الوقت ما بين شروع قرنها الأسفل في الغروب إلى أن يتم غروب قرنها الأعلى). اهـ
وقال الإمام أبو عبيد / في «غريب الحديث» (ج1 ص19): (معناه: إذا مالت للغروب، يقال منه: ضافت تضيف إذا مالت، وضفت فلانا؛ أي: ملت إليه ونزلت به). اهـ
وقال الحافظ أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص459): (قوله ه: «حين تضيف الشمس للغروب»؛ أي: تميل للغروب، يقال: ضافت، تضيف؛ إذا مالت). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص183): (من بعد صلاة العصر إلى أن تضيف الشمس للغروب، فقيل: إلى أن يبدو قرصها بالغروب، وقيل: إلى أن يكون بينها، وبين الغروب مقدار رمح، قياسا على أول النهار، وهذا ظاهر حديث: «وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب».([137]) اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص401)؛ عن ارتفاع الشمس عن حدبة الأرض في الغروب: (قوله ه: «حين تضيف»؛ حين يبقى بينها، وبين الغروب([138]) مقدار رمح([139])، من أجل أن تتساوى مع النهي حين طلوعها). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص394): (فهي: من الفجر إلى أن تطلع الشمس، ومن طلوعها إلى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، ومن صلاة العصر حتى يبقى بينها، وبين الغروب مقدار رمح، ومن ذلك الوقت إلى الغروب). اهـ
ويؤيد هذا التفسير:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ه: «لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها».([140]) وفي رواية: «ولا عند غروبها».
فقوله: «ولا غروبها» «ولا عند غروبها»، أي: المقصود قبل الغروب الكلي، لأن النهي عن الصلاة النافلة عند بدء القرص في الغروب، كما في الرواية: «ولا عند غروبها»؛ لأنه الوقت الذي يسجد فيه الكفار للشمس؛ كالمودعين لها، وعند ظهورها يسجدون؛ كالمستقبلين لها، فالنبي ه سمى ذلك: غروبا، بقوله ه: «ولا غروبها».
والرواية الثانية أوضح: «ولا عند غروبها»؛ أي: في أثناء غروبها.
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص178)؛ عن النهي عن الصلاة حتى تغرب: (ولكنه نهى عن ذلك؛ أي: عن الصلاة عند بدء القرص في الغروب؛ لأنه الوقت الذي يسجد فيه الكفار للشمس؛ كالمودعين لها، وعند ظهروها يسجدون؛ كالمستقبلين لها). اهـ
وقال العلامة ابن باز / في «تعليقه على صحيح البخاري» (ج2 ص175): (وهذا أمر متواتر عن النبي ه، والسر أن أمة من المشركين يعبدون الشمس، فنهى عن ذلك لما فيه من التشبه، وسدا للذريعة، والوقت الضيق أشد عند الطلوع، وعند الغروب([141])، ويستثنى من ذلك عند العلماء الفائتة لقوله ه: «من نام عن الصلاة...»، وهكذا على الصحيح ما كان لها سبب؛ لأنه يكون بعيد عن التشبه). اهـ
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص62): (عند طلوع الشمس وعند غروبها). اهـ
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ه: «إذا طلع حاجب الشمس، فدعوا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس، فدعوا الصلاة حتى تغيب، ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان».([142])
قلت: فسماه النبي ه غروب الشمس، مع أنه الوقت المنهي عنه قبيل([143]) غروبها، لقوله ه: «إذا غاب حاجب الشمس»؛ مع قوله ه: «ولا غروبها»، وهذا عين الغروب.([144])
والحاجب الأعلى هو: أول ما يبدو من طلوع الشمس، والحاجب الأسفل هو: أول ما يغيب من الشمس عند الغروب.
قال الحافظ أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص458): (وحاجب الشمس، أو ل ما يبدو منها في الطلوع، وهو أول ما يغيب منها). اهـ
أي: حاجب الشمس السفلي.
وقال الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج3 ص180): (قوله ه: «إذا بدا حاجب الشمس»؛ بدا: هنا غير مهموز؛ أي: ظهر وارتفع، وحاجبها أول ما يظهر منها، وهو الصحيح، وقيل قرناها أعلاها، وحواجبها نواحيها([145])). اهـ
قلت: فحاجب الشمس السفلي هو: طرف قرص الشمس الأسفل الذي يلامس الأرض عند الغروب، وهي طالعة، وهذا غروب عند الصحابة الكرام.
قال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج2 ص261): (وفي الحديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وغروبها، وهو مجمع عليه في الجملة، واقتصر فيه على حالتي الطلوع والغروب). اهـ
وبوب الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج6 ص266): باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها.
قلت: فسمى النووي رحمه الله ذلك غروبا، وهو قبل غروب الشمس بالكلية.
ويؤيده:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ه: «إذا بدا حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تغيب».([146])
قلت: فذكر النبي حاجبين للشمس؛ الحاجب الأعلى، والحاجب الأسفل.
قلت: قوله ه: «لا تحروا»؛ أي: لا تقصدوا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا وغروبها.
وهذا الحديث مفسر للسابق، أي: لا تكره الصلاة بعد الصلاتين؛ إلا لمن قصد طلوع الشمس وغروبها.
فإذا صلى عبد فريضة أو غيرها في هذا الوقت، فهذا غير قاصد بصلاته عند طلوع الشمس ولا عند غروبها([147])، فافطن لهذا.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ه: «لا تتحروا طلوع الشمس ولا غروبها، فتصلوا عند ذلك».([148])
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «نهى رسول الله ه أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها».([149])
فقولها: «وغروبها»؛ أي: الغروب الذي قبل الغروب الثاني؛ أي: قبل اختفاء قرص الشمس، لأن النهي عن الصلاة في هذا المستوى من الشمس، أي: وهي طالعة، قبل أن تغرب بالكلية، وهذا واضح من الأدلة السابقة أيضا.
وبوب الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج2 ص366): باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها.
قلت: وفي هذه الأحاديث ذكر العلماء الغروبين معا.
قلت: والمنع من الصلاة في طلوع الشمس وغروبها، فقط للنوافل، وأما تأدية الفرائض، وما لها سبب، فيجوز الصلاة في النهي، لأنه يكون بعيد عن التشبه بعبادة الكفار للشمس عند الطلوع، وعند الغروب، ولأن المقصود من النهي في الأحاديث تأدية صلاة التطوع([150])، فانتبه.
قال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج3 ص203)؛ عن النهي: (وهذا كله عندنا، وعند جمهور العلماء فى النوافل). اهـ
وقال الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج3 ص178): (التنفل في هذين الوقتين لغير سبب منهي عنه). اهـ
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص398): (قوله ه: «لا تحروا» أن من لم يتحر الصلاة في هذا الوقت، وإنما صلى لسبب معلوم، فلا بأس.
ووجه ذلك: أن الرجل إذا تحرى الصلاة في هذا الوقت صار مشبها للكافرين الذين يسجدون عند طلوع الشمس وعند غروبها، فإذا كان للصلاة سبب زال هذا المحذور؛ إذ إن الصلاة في هذه الحال حيث كان لها سبب فتسند إلى السبب، ويتبين فيها جليا: أنه لا مشابهة، وأنه لولا هذا السبب ما صلى.
وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمهم الله جميعا). اهـ
قلت: فما كان ذا سبب، فإن المصلي إذا قام به لا يعد متحريا لطلوع الشمس وغروبها. ([151])
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص395): (قد دلت السنة على جواز فعل ذوات الأسباب في وقت النهي، وأن كل صلاة لها سبب؛ فلا حرج أن تصليها وقت النهي؛ كتحية المسجد، وصلاة الراتبة إذا فاتت؛ كما لو فاتته راتبة الفجر فيصليها بعد الصلاة؛ وكما لو فاتته راتبة الظهر، وقد جمع إليها العصر؛ فإنه لا بأس أن يصلي راتبة الظهر بعد صلاة العصر؛ لأن ذلك له سبب). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص176): (ويستثنى من ذلك عدة أمور:
أولا: إذا حضر مسجد الجماعة بعد أن صلى الصبح فإنه يصلي معهم؛ لأن النبي ه صلى ذات يوم صلاة الصبح في مسجد «الخير» في منى، فلما انصرف إذا برجلين لم يصليا، فقال: «ما منعكما؟» قالا: يا رسول الله، صلينا على رحالنا. قال: «ذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافل».
ثانيا: سنة الفجر بعد صلاة الفجر؛ فإنه يروى عن النبي ه من حديث قيس بن فهد: «أنه رآه يصلي بعد الفجر فنهاه أو استفهمه، فقال: هما الركعتان قبل الفجر»؛ فأقره.
ثالثا: ركعة الطواف؛ لعموم حديث: «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت، وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار».
رابعا: الصلاة الفائتة؛ لقول النبي ه: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها»، فلو ذكرت بعد صلاة الفجر أنك صليت البارحة العشاء بلا وضوء فإنك تصليها قضاء بعد صلاة الصبح؛ لعموم الحديث.
خامسا: سنة الظهر إذا جمعت إليها العصر؛ لأنه يصلي الركعتين اللتين بعد الظهر يصليها بعد العصر المجموعة.
سادسا: إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب، وصادف ذلك - أي: وقت النهي- عند قيام الشمس فإنه يصلي الركعتين.
فهذه ستة أشياء مستثناة على المشهور من المذاهب.
والصواب: أن جميع ماله سبب مستثنى، وأن ماله سبب فهو جائز، ودليل ذلك:
أن الرسول ه قاله في حديث ابن عمر: «لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها»، فدل هذا على: أن النهي إنما يكون على من صبر وانتظر حتى إذا كان عند شروق الشمس أو غروبها قام فصلى؛ لأنه في هذه الحال يشبه حال الكفار الذين يسجدون لها إذا طلعت، وإذا غربت). اهـ
وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: «كنا نصلي المغرب مع النبي ه، فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله».([152])
قوله ه: «مواقع نبله»؛ إذا رميت بعيدا، ووقعت أي: حيث تقع.([153])
وهذا يدل على سرعة النبي ه في تأدية صلاة المغرب في ضوء آخر النهار، وفي هذا الوقت يفطر الصائم في هذا المستوى من النهار لتعجيل فطره، ولإصابة السنة، ولا يؤخر إلى ظهور الليل، لأن ذلك خلاف السنة، والله ولي التوفيق.
هذا آخر ما وفقني اللـه سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الجزء النافع المبارك -إن شاء اللـه - سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى اللـه وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد للـه رب العالمين.
([1]) وانظر: «الإشراف على مذاهب العلماء» لابن المنذر (ج3 ص156).
والفطر: ابتداء بالأول، واستئناف حال أخرى غير الصوم، وكل شيء ابتدأته فقد فطرته، وموضوعه هنا: قطع الصوم الشرعي بالأكل والشرب.
انظر: «الاقتضاب في غريب الموطأ» لليفرني (ج1 ص325).
([2]) قلت: وهذا كله واسع؛ فمن شاء أفطر قبل الصلاة على وجود قرص الشمس بيسير من الأرض أحيانا، ومن شاء أفطر بمغيب قرص الشمس كله، وكل ذلك من تحقق غروب الشمس، ولا بأس من فعل هذا، وهذا، والله ولي التوفيق.
انظر منه؛ «الموطأ» للإمام محمد بن الحسن (ج2 ص205).
([3]) وانظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص246)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص230)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج6 ص3225).
([7]) ومثله: غروب الشمس عند الصحابة الكرام يطلق عليه غروبا مع وجود قرص الشمس بيسير في آخر النهار، والله المستعان.
([9]) قلت: ولا يلتفت إلى من لم يفقه هذا الحكم في تعجيل الإفطار على هذه الطريقة في هذا العصـر، لأن النبي ه أفطر ولم يلتفت إلى قول بلال ط ، والله المستعان.
([11]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج18 ص447)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج6 ص343)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج6 ص19)، و«التاريخ» للدوري (ج2 ص376).
([12]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج3 ص451)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج1 ص318)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج1 ص284)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج1 ص345).
([13]) قلت: ولا يستطيع أحد ممن يزعم أنه يعجل الفطر في هذا الزمان ممن ينتسب إلى العلم؛ أن يفطر وقرص الشمس لم يغيب، لأن يصيبه وسواس في نفسه، هل صومه صحيح، أو لا؟!، بل هؤلاء لم يفطروا بغروب الشمس بالكلية؛ لأنهم يفطرون مع الأذان الذي هو متأخر عن غروب الشمس، اللهم غفرا.
([17]) وانظر: «الحاشية على شرح الخرشي» للعدوي (ج3 ص18)، و«مرقاة المفاتيح» للقاري (ج4 ص478)، و«المنتقى في شرح الموطأ» للباجي (ج2 ص42)، و«القبس» لابن العربي (ج2 ص478).
([22]) قلت: وتنطع الفلكيون، ومن تابعهم ممن ينتسب إلى العلم في تأخير الفطر للصائم إلى الأذان على حسب «التقويم الفلكي!»، الذي يكون معه بعض سواد الليل، فخالفوا السنة!، وهم يظنون على السنة!، اللهم غفرا.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص199): (تنبيه؛ من البدع المنكرة: ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان ... وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا فأخروا الفطر وعجلوا السحور وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير وكثر فيهم الشر). اهـ
([23]) وانظر: «الإشراف على مذاهب العلماء» لابن المنذر (ج3 ص156).
والفطر: ابتداء بالأول، واستئناف حال أخرى غير الصوم، وكل شيء ابتدائه فقد فطرته، وموضوعه هنا: قطع الصوم الشرعي بالأكل والشرب.
انظر: «الاقتضاب في غريب الموطأ» لليفرني (ج1 ص325).
([25]) قلت: وهذا كله واسع؛ فمن شاء أفطر قبل الصلاة على وجود قرص الشمس بيسير من الأرض أحيانا، ومن شاء أفطر بمغيب قرص الشمس كله، وكل ذلك من تحقق غروب الشمس، ولا بأس من فعل هذا، وهذا، والله ولي التوفيق.
انظر: منه؛ «الموطأ» للإمام محمد بن الحسن (ج2 ص205).
([26]) وانظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص246)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص230)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج6 ص3225).
([31]) ومثله: غروب الشمس عند الصحابة الكرام يطلق عليه غروبا مع وجود قرص الشمس بيسير في آخر النهار، والله المستعان.
([33]) وانظر: «المجموع» للنووي (ج3 ص45)، و«مواهب الجليل» للحطاب (ج2 ص33)، و«الحاوي الكبير» للماوردي (ج2 ص29).
([35]) وانظر: «الحاوي الكبير» للماوردي (ج2 ص30)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ص391)، و«جامع البيان» للطبري (ج12 ص603)، و«تفسير القرآن» لعبد الرزاق (ج1 ص314)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج8 ص148).
([36]) قلت: لذلك هذه صلاة مخالفة للسلف، والخلف، وتعتبر صلاة قيام الليل، لأنها شرعت في سواد الليل، والأفضل فيها أن تؤدى في ثلث الليل الأخير، كما هو حال تأدية بما تسمى بـ«صلاة الفجر» في هذا الزمان، إنا لله وإنا إليه راجعون.
([37]) وانظر: «الحاوي الكبير» للماوردي (ج2 ص29 و30)، و«مواهب الجليل» للحطاب (ج2 ص33)، و«روضة الطالبين» للنووي (ج1 ص182)، و«المجموع» له (ج3 ص45)، و(ج2 ص305).
([38]) وقد ثبت عنهم هذا الحكم؛ كما بينته في هذا الكتاب بأسانيد صحيحة، ومن نقل العلماء عنهم، والله ولي التوفيق.
([43]) وانظر: «تحفة الباري» للأنصاري (ج2 ص527)، و«الكواكب الدراري» للكرماني (ج9 ص124)، و«فيض الباري» للكشميري (ج4 ص102)، و«تحفة الأحوذي» للمباركفوري (ج3 ص384)، و«عون المعبود» لأبي عبدالرحمن العظيم آبادي (ج6 ص478).
([44]) قوله ه: «فاجدح»؛ بالجيم ثم حاء المهملة، والجدح تحريك السويق بالماء، ويحرك حتى يستوي بالعود يقال له: المجدح، مجنح الرأس يخاض به الأشربة وتستوي، والجدح: خلط الشئ بغيره، والمجدحة: الملعقة.
انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص197)، و«عون المعبود» لأبي عبدالرحمن العظيم آبادي (ج6 ص479)، و«معالم السنن» للخطابي (ج2 ص161)، و«النهاية في غريب الحديث» لأبن الأثير (ج1 ص239)، و«المعلم بفوائد مسلم» للمازري (ج2 ص33)، و«المفصح» لابن هشام (ص87).
([46]) قلت: ولا يلتفت إلى من لم يفقه هذا الحكم في تعجيل الإفطار على هذه الطريقة في هذا العصـر، لأن النبي ه أفطر ولم يلتفت إلى قول بلال ط، والله المستعان.
([47]) ممن يدعي أنه صاحب علم، فيفتي جماهير العامة بخلاف السنة، وهو يظن أنه على السنة، فوقع في الجهل المركب، وهو لا يشعر، اللهم غفرا.
لذلك يجب على العبد أن يبحث عن الآثار الصحيحة التي تبين له الحكم الصحيح في الدين.
([50]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج18 ص447)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج6 ص343)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج6 ص19)، و«التاريخ» للدوري (ج2 ص376).
([51]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج3 ص451)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج1 ص318)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج1 ص284)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج1 ص345).
([52]) قلت: ولا يستطيع أحد ممن يزعم أنه يعجل الفطر في هذا الزمان ممن ينتسب إلى العلم؛ أن يفطر وقرص الشمس لم يغيب، لأن يصيبه وسواس في نفسه، هل صومه صحيح، أو لا؟!، بل هؤلاء لم يفطروا بغروب الشمس بالكلية؛ لأنهم يفطرون مع الأذان الذي هو متأخر عن غروب الشمس، اللهم غفرا.
([54]) قلت: والعجب ممن ينتسب إلى العلم يفتي الناس أن يفطروا على غروب الشمس، فإذا هو يفطر على الأذان الحالي، وهو متأخر عن غروب الشمس بزمن ليس باليسير، فخالف السنة، ووافق المبتدعة، لأنه يفطر على «التقويم الفلكي»، والله المستعان.
([55]) وانظر: «غاية المطلب» لأبي بكر الجراعي (ص178)، و«هداية الراغب» لابن قائد (ص298)، و«الروض المربع» للبهوتي (ص236)، و«كشاف القناع» له (ج2 ص153)، و«الذخيرة» للقرافي (ج2 ص332)، و«الكافي» لابن قدامة (ج1 ص360)، و«الإحكام شرح أصول الأحكام» لابن القاسم (ج2 ص249)، و«الحاشية على كنز الراغبين» للقليوبي (ج2 ص98)، و«منهاج الطالبين» للنووي (ج2 ص98)، و«المختصر» لخليل (ج1 ص204)، و«كفاية الطالب الرباني» للمنوفي (ج1 ص555).
([56]) وانظر: «نهاية المحتاج» للرملي (ج3 ص150)، و«الوسيط» للغزالي (ج1 ص424)، و«كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار» للحصني (ص189)، و«غاية الاختصار» لأبي شجاع (ص189)، و«المنهج القويم» للهيتمي (ج2 ص364)، و«الحاشية» للجرهزي (ج2 ص364)، و«فتح المعين» للمعبري (ص273)، و«الحاشية على منهج الطلاب» للجمل (ج3 ص532)، و«بلغة السالك» للصاوي (ج1 ص517)، و«فتح الوهاب» للأنصاري (ج1 ص210)، و«تجريد العناية» لابن اللحام (ص83)، و«شرح منتهى الإرادات» للبهوتي (ج1 ص455)، و«الذخيرة» للقرافي (ج1 ص393)، و«المختصر» للخرقي (ج1 ص613)، و«الحاشية على كفاية الطالب» للعدوي (ج1 ص555)، و«الحاشية على منهج الطلاب» للجمل (ج3 ص532)، و«بلغة السالك» للصاوي (ج1 ص517).
([58]) وانظر: «فتح ذي الجلال والإكرام» لشيخنا ابن عثيمين (ج7 ص109)، و«إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج4 ص32)، و«المكمل إكمال الإكمال» للسنوسي (ج4 ص32)، و«المفهم» للقرطبي (ج3 ص157).
([62]) وانظر: «الحاشية على شرح الخرشي» للعدوي (ج3 ص18)، و«مرقاة المفاتيح» للقاري (ج4 ص478)، و«المنتقى في شرح الموطأ» للباجي (ج2 ص42)، و«القبس» لابن العربي (ج2 ص478).
([66]) وانظر: «الثمر الداني» للآبي (ص176)، و«شرح مختـصر خليل» للخرشي (ج3 ص17)، و«الحاشية على شرح الخرشي» للعدوي (ج3 ص17)، و«تبيين الحقائق» للزيلعي (ج2 ص211)، و«فيض القدير» للمناوي (ج2 ص1416)، و«رمز الحقائق» للعيني (ج1 ص135)، و«النهر الفائق» لابن نجيم (ج2 ص5)، و«الحاشية على منهج الطلاب» للجمل (ج3 ص432).
([67]) وانظر: «مواهب الجليل» للحطاب (ج2 ص24)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج3 ص661)، و«عقد الجواهر الثمينة» لابن شاس (ج1 ص80)، و«منهاج الطالبين» للنووي (ج1 ص167)، و«المبدع في شرح المقنع» لأبي إسحاق الحنبلي (ج1 ص343)، و«الحاشية على كفاية الطالب» للعدوي (ج1 ص315)، و«كفاية الطالب الرباني» للمنوفي (ج1 ص315)، و«الثمر الداني» للآبي (ص57)، و«أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري» للخطابي (ج1 ص445)، و«شرح سنن النسائي» للسيوطي (ج2 ص258)، و«الحاشية على سنن النسائي» للسندي (ج2 ص258).
([69]) انظر: «إعانة الطالبين» للدمياطي (ج1 ص185)، و«السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار» للشوكاني (ج1 ص421)، و«الهداية» للمرغيناني (ج1 ص92)، و«الشـرح الكبير» للدردير (ج1 ص118)، و«فتح المعين» للمعبري (ص87 و273)، و«فتح الوهاب» للأنصاري (ج1 ص54)، و«كفاية النبيه» لابن الرفعة (ج2 ص338)، و(ج6 ص369)، و«تجريد العناية» لابن اللحام (ص30)، و«الهداية» للكلوذاني (ص28)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج1 ص236)، و«الحاشية على كنز الراغبين» لعميرة (ج2 ص99)، و«جواهر الإكليل» للآبي (ج1 ص46)، و«بلغة السالك» للصاوي (ج1 ص182).
([71]) الشفق الأحمر؛ أي: الذي يرى في المغرب من بقايا شعاع الشمس، وبغيابه يخرج وقت المغرب، ويدخل وقت العشاء.
وانظر: «المنتقى» للباجي (ج1 ص15)، و«الفواكه الدواني» للنفراوي (ج1 ص169)، و«إرشاد السالك» لابن عسكر (ص32)، و«المبسوط» للسرخسي (ج1 ص144).
([72]) وانظر: «شرح سنن أبي داود» للعيني (ج2 ص282)، و«المنهل العذب المورود» للسبكي (ج3 ص234)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج3 ص161).
([74]) وتصحف: «الطويل» إلى «الحارث»؛ ولعل الناسخ أخطأ في نسبته، لأن من شيوخ المعتمر؛ حميد الطويل، ولا يوجد من شيوخه حميد الحارث.
انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص250).
([79]) ولأن في تعجيل الفطر، وتأخير السحور قوة لجسده، ومعونة لأداء عبادته.
انظر: «الحاوي الكبير» للماوردي (ج3 ص444).
([82]) وانظر: «فيض القدير» للمناوي (ج2 ص1427)، و«التعليق الممجد» للكنوي (ج2 ص204)، و«سبل السلام» للصنعاني (ج2 ص304)، و«الكاشف» للطيبي (ج4 ص179)، و«الإمداد» للشيخ الفوزان (ج2 ص381)، و«القبس» لابن العربي (ج2 ص478)، و«إكمال إكمال المعلم» للآبي (ج4 ص32)، و«المنتقى شرح الموطأ» للباجي (ج2 ص42).
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص136)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج3 ص142)، وعبد الرزاق في «المصنف» (5408)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص79)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج2 ص8).
وإسناده صحيح.
وأورده الهيثمي في «الزوائد» (ج1 ص189)، ثم قال: وله إسنادان أحدهما رجاله رجال الصحيح؛ رواه عن الأسود عن عبد الله بن مسعود.
قلت: بل له ثلاثة أسانيد.
أخرجه أبو داود في «الزهد» (127)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج7 ص104- تحفة الأشراف)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص166)، وابن المبارك في «الزهد» (501)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص177)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص310)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج8 ص3609).
وإسناده صحيح.
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص163)، وأبو داود في «الزهد» (133)، وابن أبي حاتم في «الزهد» (32)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (5434)، وهناد في «الزهد» (934)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص134)، والعدني في «المسند» (1590- المطالب العالية).
وإسناده صحيح، وقد صححه ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (ج2 ص96)، والشيخ الألباني في «الصحيحة» (2613).
وقال العراقي في «المغني» (ج1ص17): موقوفا على ابن مسعود.
وقال الهيثمي في «الزوائد» (ج1ص80)؛ رجاله ثقات.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (126)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (205)، والمروزي في «السنة» (836)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (191).
وإسناده صحيح.
أخرجه أحمد في «الزهد» (199)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص103)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج5 ص159-الدر المنثور)، وأبو داود في «الزهد» (134)، والطبري في «جامع البيان» (ج18 ص409)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (3264)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج7 ص27).
وإسناده صحيح، وقد صححه ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج6 ص290).
وقال العراقي في «المغني» (ج1 ص134): وإسناده صحيح.
وقال الهيثمي في «الزوائد» (ج2 ص261): رجاله رجال الصحيح.
أخرجه أبو داود في «الزهد» (165)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص163)، والطبري في «جامع البيان» (ج18 ص408)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج9 ص3066)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (3263)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج5 ص159-الدر المنثور)، وعبد الرزاق في «تفسيره» (ج2 ص98).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج5 ص159).
([94]) قلت: أما إذا كان جاهلا بصفة الصلاة، فإنه لم ينتفع بها، لأنه مخل فيها، فهذا لابد أن يقع في المحرمات، والبدع، والمنكرات ولابد، كما هو مشاهد من عامة المصلين في البلدان الإسلامية، وذلك بسبب جهلهم بشروط، وأركان، وواجبات الصلاة.
فهذا المصلي الجاهل لم يطع الصلاة، وما دام كذلك فلم يتأثر بها، لأنها مخالفة لصفة صلاة النبي ه، بناء على ذلك لم تنهه صلاته عن فعله للمخالفات الشرعية.
فالصلاة التي تنهى العبد عن الفحشاء والمنكر هي ما وافقت قوله ه: «صلوا كما رأيتموني أصلي»؛ وإلا فلا؟!.
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج7 ص30)، وأحمد في «الزهد» (ص324)، والطبري في «جامع البيان» (ج18 ص410).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج9 ص3066)، والطبري في «جامع البيان» (ج18 ص408).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج5 ص159).
([98]) قلت: وعليك بمجانبة كل مذهب، لا يذهب إليه السلف الصالح في أصول الدين وفروعه.
وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص24).
([99]) قلت: وأول من احتج بهذه الآية هو الإمام الشافعي ، ولعله كان أول من احتج للإجماع بنص من الكتاب، وبها احتج أكثر علماء الأصول.
([100]) وانظر: «أحكام القرآن» للشافعي (ج1 ص53)، و«الرسالة» له (ص475)، و«العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1064)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص155)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل ابن تيمية (ج1 ص615)، و«الإحكام» للآمدي (ج1 ص200).
([102]) قلت: وزعموا بئسما زعموا: أن أقوال غير المذاهب المختلفة درست، وذهبت، فحكموا على من يخالف هذا المذاهب بالضلال، والشذوذ، فضيعوا آثار الصحابة الكرام وفقههم، وإجماعهم في الدين، ونسبوا إلى الخلافيات المذهبية؛ الحفظ والصحة، وكأنها بمنزلة الذكر الذي تكفل الله بحفظه، فاعتبر!.
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص264 و365) من وجهين.
وأورده الهيثمي في «الزوائد» (ج1 ص311)؛ ثم قال: وإسناده صحيح.
وأورده الهيثمي في «الزوائد» (ج1 ص311)؛ ثم قال: وإسناده حسن.
([104]) وانظر: «المخلص الفقهي» للشيخ الفوزان (ج1 ص105)، و«فتح ذي الجلال والإكرام» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص23)، و«فيض القدير» للمناوي (ج2 ص794 و795)، و«الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» لابن الملقن (ج5 ص309)، و«إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق العيد (ص566).
([105]) وانظر: «إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج4 ص32)، و«مكمل إكمال الإكمال» للسنوسي (ج4 ص32)، و«المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (ج3 ص157)، و«مختصر سنن أبي داود» للمنذري (ج3 ص235)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (ج4 ص217).
([106]) وانظر: «كنز الراغبين» للمحلي (ج2 ص98)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (ج4 ص217)، و«مشكاة المصابيح» للتبريزي (ج4 ص791)، و«الحاشية على كنز الراغبين» للقليوبي (ج2 ص98)، و«الغرر البهية» للأنصاري (ج3 ص584)، و«جواهر الإكليل» للآبي (ج1 ص204)، و«كفاية الطالب الرباني» للمنوفي (ج1 ص555)، و«مرقاة المفاتيح» للقاري (ج4 ص478)، و«سبل السلام» للصنعاني (ج2 ص305)، و«التنوير» له (ج11 ص98)، و«الحاشية على مراقي الفلاح» للطحطاوي (ج14 ص631)، و«القوانين الفقهية» لابن جزي (ص138)، و«فيض القدير» للمناوي (ج2 ص1424).
([114]) وانظر: «الكاشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص120)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج7 ص81)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج7 ص2342)، و«جامع البيان» للطبري (ج5 ص22)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج3 ص128)، و«تفسير القرآن» لابن وهب (ج1 ص137)، و«تفسير القرآن» لسعيد بن منصور (ج6 ص135).
([118]) فلما مالت الشمس جهة الغروب، وزالت وأصحبت بالقرب من الأرض، فهذا يسمى غروبا عند العرب، وإن كانت طالعة لم تغب بالكلية.
([119]) فهذه الآية تعني دخول وقت صلاة الظهر، ودخول وقت صلاة المغرب، والله ولي التوفيق.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن أبي زمنين (ج3 ص34)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص120)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص1412)، و«الصحاح» للجوهري (ج4 ص1584)، و«الوسيط» للواحدي (ج3 ص120)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج21 ص21)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج10 ص196)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج6 ص70).
([120]) فقوله: «إذا غاب حاجب الشمس ... حين يغرب حاجب الشمس»؛ رواية شاذة، لأن جميع الروايات الثابتة عن ابن مسعود كان يصلي وقد غربت الشمس، وهي طالعة، فالشمس غربت، أو وهي طالعة بمعنى واحد بالنسبة للغروب، فانتبه.
([121]) وانظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص1174)، و«تهذيب التهذيب» له (ج5 ص76)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج14 ص61)، و«التاريخ» للدوري (ج2 ص288).
([122]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص1412)، و«الصحاح» للجوهري (ج4 ص1584)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج10 ص191) و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج6 ص70)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج21 ص21)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج4 ص195)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج3 ص128).
([123]) ثم ذكر المثال المذكور أعلاه.
قلت: وهذا يعرفه من درس أصول التفسير على يد علماء السنة.
وانظر: «التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج4 ص401).
أخرجه البزار في «المسند» (ج7 ص81-تفسير ابن كثير)، وسمويه في «فوائده» (ص77)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج7 ص121).
وذكره السيوطي في «الجامع الكبير» (ج10 ص616).
وأورده ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج7 ص81) ثم قال: (هذا حديث مداره على خلف بن موسى بن خلف العمي عن أبيه، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: ربما أخطأ). اهـ
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص311)، ثم قال: رواه البزار عن طريق خلف بن موسى عن أبيه، وقد وثقا، وبقية رجاله رجال الصحيح.
([125]) وانظر: «الجامع الكبير» للسيوطي (ج10 ص616)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص144 و145)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج19 ص166)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج11 ص291).
([126]) وهذا وإن بقى من الشمس يسيرا ترى بالعيون، إلا أنه عند العرب في حكم الغروب، فانتبه.
وانظر: «تهذيب اللغة» للأزهري (ج11 ص291)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج4 ص165).
([127]) وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج5 ص143)، و«جامع البيان» لابن جرير (ج15 ص212)، و«تغليق التعليق» لابن حجر (ج4 ص244)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج10 ص368)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج7 ص2352)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج5 ص121)، و«الوسيط» للواحدي (ج3 ص139)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج6 ص107)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص159)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج31 ص89).
([128]) انظر: «الوسيط في تفسير القرآن» للواحدي (ج3 ص139)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج21 ص86)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج10 ص241)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج3 ص154)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص159)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج15 ص222)، و«تذكرة الأريب» لابن الجوزي (ج1 ص314)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج6 ص107)، و«تفسير المشكل من غريب القرآن» للقيسـي (ص142)، و«تأويل مشكل القرآن» لابن قتيبة (ص264)، و«جامع البيان» لابن جرير (ج15 ص212).
([129]) قلت: فهي تميل وتتحرك عنه شمالا لوجودها، أما إذا اختفت بالكلية، فكيف تميل عن الكهف؟!: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
([131]) وانظر: «التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج4 ص401)، و«السنن» للترمذي (ج2 ص318)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص196)، و«تغليق التعليق» له (ج3 ص195)، و«الصيام» للفريابي (ص56).
([133]) قدر أهل العلم هذا الارتفاع بمقدار رمح.
انظر: «شرح صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص183).
([134]) وانظر: «شرح صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص183)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (ج10 ص489)، و(ج4 ص247)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج1 ص235)، و«المصنف» لعبدالرزاق (ج4 ص226)، و«المصنف» لابن أبي شيبة (ج4 ص22)، و«المستدرك» للحاكم (ج4 ص274)، و«صبح الأعشى» للقلقشندي (ج2 ص367)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج3 ص416)، و«الصيام» للفريابي (ص56).
([136]) وانظر: «إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج3 ص181)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج2 ص208 و209 و211)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج2 ص260 و261)، و«التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج4 ص401).
([137]) قلت: فالميل هذا في نفسه يسمى غروبا عند العرب.
وانظر: «المعلم بفوائد مسلم» للمازري (ج1 ص311)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج7 ص2343)، و«المصنف» لابن أبي شيبة (ج2 ص336)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج1 ص14)، و«الوسيط» للواحدي (ج3 ص120)، و«تفسير القرآن» لعبدالرزاق (ج1 ص384)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص120)، و«جامع البيان» للطبري (ج15 ص22).
([139]) قلت: وفي هذا القدر من ارتفاع الشمس من الأرض يسمى غروبا عند العرب، وهذا الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة والآثار.
([144]) وانظر: «عمدة القاري» للعيني (ج2 ص234 و236)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج3 ص265 و266)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج2 ص258)، و«فيض الباري» للكشميري (ج1 ص316)، و«المنهاج» للنووي (ج2 ص366).
([145]) فحواجب الشمس: نواحيها؛ الحاجب الأعلى، والحاجب الأسفل، وغير ذلك.
انظر: «عمدة القاري» للعيني (ج4 ص234).
قال الجوهري رحمه الله في «الصحاح» (ج1 ص107): (حواجب الشمس نواحيها). اهـ
([150]) وانظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج3 ص203)، و«التعليق على صحيح البخاري» للشيخ ابن باز (ج2 ص175)، و«أعلام الحديث» للخطابي (ج1 ص437)، و«إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج3 ص203)، و«مكمل إكمال الإكمال» للسنوسي (ج3 ص178)، و«المفهم» للقرطبي (ج2 ص457)، و«التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج4 ص395)، و«المعلم بفوائد مسلم» للمازري (ج1 ص310).