القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / يأبى الله العظيم أن لا يصح إلا كتابه الكريم

2023-11-29

صورة 1
يأبى الله العظيم أن لا يصح إلا كتابه الكريم

 

 

 

 

يأبى الله العظيم

أن لا يصح إلا كتابه الكريم

 

بيان وتوضيح

من الشيخ ناصـر الدين الألبانــي رحمـــــه الله في

 التثبت من كتبـه القديمـة والجديـدة بالنسبـــة

لنقل الأحاديث منها الصحيحة والضعيفـــــــــــــــة

 

تأليف

فضيلة الشيخ فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري

ومعه:

حوار مع المقلدين للشيخ الألباني رحمه الله في

تصحيح الأحاديث وغيرها بدون تثبت

 
  مستطيل: زوايا مستديرة: فالآن حمي الوطيس

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

عونك يا رب يسر

درة نادرة

توطئة

 

قال الإمام ابن رجب رحمه الله في ((القواعد)) (ص3): (ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه). اهـ

قال أبو عبدالرحمن الأثري: صدق رحمه الله أبى الله تعالى أن تكون العصمة لغير كتابه العزيز، اللهم غفرا.

ولعلنا بعد هذا يحق لنا أن نقول: إن هذه الدراسة في هذه الرسالة الإحصائية الجادة، المعتمدة على الاستقصاء، والتأني للوصول إلى الصواب فيما كتب الشيخ الألباني رحمه الله من الكتب في تخريج الأحاديث وغيرها، وأن لا يقلد فيها إلا بعد التثبت فيما صح، أو لم يصح، بل هي الطريق الأقوم، والسبيل الأسلم لتقويم الكتب المصنفة في دين الله تعالى، وأن لا يقلد مصنفوها إلا بعد التثبت فيها، لأن الأمر دين، اللهم سلم سلم.

قال العماد الأصفهانـي: (إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يوم إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء
 

النقص على جملة البشر).([1])

قلت: فلا يوجد كتاب غير كتاب الله تعالى أتم، فأبى الله تعالى أن يتم إلا كتابه الكريم.

وعن الإمام الشافعي رحمه الله قال: (لقد ألفت هذه الكتب، ولم آل فيها ولابد أن يوجد فيها الخطأ([2])؛ لأن الله تعالى يقول:]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء:82]، فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة، فقد رجعت عنه).

أثر حسن

أخرجه ابن حجر في ((توالي التأنيس)) (ص107) من طريق عثمان بن محمد بن شاذان حدثنا أحمد بن عثمان ثنا محمد بن الحسن ثنا يحيى بن عبدالباقي ثنا محمد بن عامر عن البويطي قال: سمعت الشافعي به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن الربيع بن سليمان قال: (قرأت ((كتاب الرسالة المصرية)) على الشافعي نيفا وثلاثين مرة؛ فما من مرة إلا كان يصححه، ثم قال الشافعي في آخره: أبي الله أن يكون كتاب صحيح غير كتابه، قال الشافعي: يدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء:82].

أثر حسن

أخرجه البيهقي في ((مناقب الشافعي)) (ج2 ص36) من طريق أبي عبدالرحمن السلمي قال: سمعت أبا الحسن القصار الفقيه يقول: سمعت ابن أبي حاتم يقول: سمعت الربيع بن سليمان به.

قلت: وهذا سنده حسن.

 

والله ولي التوفيق

 

%%%%%%%

 

بسم الله الرحمن الرحيم

ربي زدني علما

المقدمة

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران:102].

]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].

]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70-71].

أما بعد،،

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي مـحـمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فهذه رسالة صغيرة أثرية أقدمها نصيحة للمسلمين في توضيح الأحاديث التي يخرجها الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في كتبه للتثبت فيها قبل نشرها بين الناس بواسطة الكتب، أو الصحف، أو الأشرطة، أو الإذاعات، أو غير ذلك.

وذلك حتى يكون المسلم الكريم متثبتا مما صح، أو لم يصح من حديث رسول الله r  لاسيما أني وجدت الناس ينقلون الأحاديث التي صححها الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله([3]) تقليدا له دون تنقيب، أو تدقيق، أو بحث فيها، بل دون أن يعلموا تراجع الشيخ الألباني رحمه الله عن أحاديث صححها، فضعفها.

قلت: وهذا دأب علماء السنة([4])، فإنهم يعترفون بأخطائهم، ويقرون بزلاتهم، وتقصيرهم، لأن هذا دين، وأمانة، وعدل، فعلى الناس الإتباع، وترك الهوى، والتعصب للرجال، فإن فعلوا فقد وافقوا أمر الله تعالى، وشهدوا على أنفسهم بالحق, وعدلوا في الدين، ولم يعارضوا أمر الله بأهوائهم.([5])

قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا[ [النساء:135].

وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون[ [المائدة:8].

وقال تعالى: ]وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون[ [الأنعام:152].

قلت: فالعبد إذا اتصف بالعدل لم يترك لمولاه سبحانه وتعالى حقا واجبا عليه إلا أداه، ولم يترك شيئا مما نهاه عنه إلا اجتنبه، لأن الحق حاكم على كل أحد.

وفي ذلك يقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله: (ويحك يا يعقوب لا تكتب كل ما تسمع مني، فإنني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا، وأرى الرأي غدا، وأتركه بعد غد).

وفي رواية: (فإننا بشر نقول القول اليوم، ونرجع عنه غدا).([6])

قلت: وهذا يدل على أنهم بشر يخطئون ويصيبون، فلابد من النظر فيما يقولون، وما يفعلون في الدين، فلا نكتب عنهم إلا بعد التثبت فيه هل وافق الكتاب والسنة، أو لم يوافق الكتاب والسنة، فإن ذلك من الدين، ولا يحملنك الهوى والتعصب لآراء الرجال، وبغض المسلمين بسبب ذلك، وهذا ليس طريق العلم اللهم غفرا.

قلت: إذا فالحق أن يتبع، وهو أمانة أمر الله تعالى بذلك.

قال تعالى: ]إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها[ [النساء:58].

قلت: فيحرم على المقلد للشيخ الألباني رحمه الله في التصحيح، أو التضعيف للأحاديث أن يكتم العلم الذي عنده بعد معرفته فيما أخطأ فيه الشيخ في الأحاديث التي صححها من غيره من أهل العلم من أهل الصنعة، أو عرف تراجع الشيخ الألباني رحمه الله عن هذه الأحاديث التي صححها، لأن الأمر أمانة.

قلت: والشيخ الألباني رحمه الله الذي قام بإيضاح الصحيح، والضعيف من الأحاديث قد سلخ من عمرة خمسين عاما([7]) منكبا فيها على كتب أهل الحديث تخريجا، ودراسة، وبحثا، وتأليفا حتى أصبح رحمه الله من أكبر المحدثين في عصرنا، ولكن جهده الطيب يبقى جهدا بشريا قابلا للخطأ والصواب، وهو إن شاء الله مأجور على كل حال.

وقد رأيت للشيخ الألباني رحمه الله الأحاديث الكثيرة في كتبه صححها، أو حسنها ثم تراجع عنها فضعفها منها:

1) ((من صلى علي حين يصبح عشرا، وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة).

حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في ((صحيح الترغيب والترهيب)) برقم (659) من الطبعة الثانية.

ثم تراجع عن تحسينه، فحذفه من الطبعة الأولى الجديدة، وأودعه في ((ضعيف الترغيب)) برقم (396) و((الضعيفة)) (5788)، والله ولي التوفيق.

2) ((من قال: اللهم إني أشهدك، وأشهد ملائكتك، وحملة عرشك، وأشهد من في السموات، ومن في الأرض أنك أنت الله...)).

صححه الشيخ الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) (267- الطبعة الرابعة).

ولكن تبين للشيخ الألباني رحمه الله فضعفه، كما في ((الصحيحة)) (ج1 ص535- طبعة مكتبة المعارف)، حيث قال –تحت الرقم المذكور: (استدراك: وإذا ترجح أنه حميد المولى المكي، فالإسناد حينئذ ضعيف، لا يصح؛ لأنه مجهول، كما في ((التقريب))؛ لأنه لم يرو عنه غير زيد بن الحباب، فينبغي نقله من هنا إلى الكتاب الآخر تحت الرقم المشار إليه آنفا [((الضعيفة)) رقم (1041)]، إلا أن يأتي ما يقويه([8])، وهذا ما لم نجده الآن). اهـ

3) ((إذا ولج الرجل بيته؛ فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا، بسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا، ثم ليسلم على أهله)).

صححه الشيخ الألباني رحمه الله في تخريج ((الكلم الطيب)) (61).

ثم تراجع فضعفه، وحذفه من ((صحيح الكلم الطيب)) (الطبعة الثامنة)، وغير ذلك من الأحاديث التي صححها الشيخ الألباني رحمه الله ثم ضعفها.([9])

قلت: فمن ألف كتابا مقلدا الشيخ الألباني رحمه الله في تصحيح الأحاديث، وانتشر الكتاب بين المسلمين، ثم تبين فيما بعد أن به خطأ بالنسبة لهذه الأحاديث وجب عليه أن يرجع، وأن يبين ذلك للمسلمين، فإن كتمه، وأخفاه حاسبه الله تعالى على ذلك في الدنيا والآخرة([10])([11]) كائنا من كان.

قلت: فليحذر امرؤ يسيء الظن بنا، فإياكم والظن، وإن بعض الظن إثم، نعوذ بالله من حالة تقربنا من سخطه، وأليم عذابه.

وقولي في ذلك ما قاله الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه العظيم ((موضح أوهام الجمع والتفريق)) (ج1 ص5 و6) فقد قال: (ولعل بعض من ينظر فيما سطرناه، ويقف على ما لكتابنا هذا ضمناه يلحق سيئ الظن بنا، ويرى أنا عمدنا للطعن على من تقدمنا، وإظهار العيب لكبراء شيوخنا وعلماء سلفنا، وأنى يكون ذلك وبهم ذكرنا، وبشعاع ضيائهم تبصرنا، وباقتفائنا واضح رسومهم تميزنا، وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيزنا، وما مثلهم ومثلنا إلا ما ذكر أبو عمرو ابن العلاء، قال: ((ما نحن فيمن مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال)).

ولما جعل الله تعالى في الخلق أعلاما، ونصب لكل قوم إماما، لزم المهتدين بمبين أنوارهم، والقائمين بالحق في اقتفاء آثارهم، ممن رزق البحث والفهم وإنعام النظر في العلم؛ بيان ما أهملوا، وتسديد ما أغفلوا.

إذ لم يكونوا معصومين من الزلل، ولا آمنين من مقارفة الخطأ والخطل، وذلك حق العالم على المتعلم، وواجب على التالي للمتقدم). اهـ

وقال البيهقي رحمه الله في ((دلائل النبوة)) (ج1 ص47): (وعادتي – في كتبي المصنفة في الأصول والفروع – الاقتصار من الأخبار على ما يصح منها دون ما لا يصح، أو التمييز بين ما يصح منها وما لا يصح؛ ليكون الناظر فيها من أهل السنة على بصيرة مما يقع الاعتماد عليه، لا يجد من زاغ قلبه من أهل البدع عن قبول الأخبار مغمزا فيما اعتمد عليه أهل السنة من الآثار.

ومن أنعم النظر في اجتهاد أهل الحفظ في معرفة أحوال الرواة، وما يقبل من الأخبار، وما يرد – علم أنهم لم يألوا جهدا في ذلك، حتى إذا كان الابن يقدح في أبيه إذا عثر منه على ما يوجب رد خبره، والأب في ولده، والأخ في أخيه، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا تمنعه في ذلك شجنة رحم ولا صلة مال، والحكايات عنهم في ذلك كثيرة، وهي في كتبي المصنفة في ذلك مكتوبة.

ومن وقف على تمييزي في كتبي بين صحيح الأخبار وسقيمها، وساعده التوفيق، علم صدقي فيما ذكرته.

ومن لم ينعم النظر في ذلك، ولم يساعده التوفيق – فلا يغنيه شرحي لذلك، وإن أكثرت، ولا إيضاحي له، وإن بلغت، كما قال الله عز وجل: ﴿وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون﴾ [يونس:101]. اهـ

قلت: وهذه تنبيهات من رأس القلم؛ لقمع دعاوى من تعدى في دين الله تعالى، قد ينقلها ناقل، ويتقبلها قابل، ويتهوك فيها جاهل مقلد، فيتحير عاقل، فيصيب قوما بجهالة؛ فترتد على محدثها بالندامة والملامة، والويل يوم القيامة.

ولذلك رأيت تسطيرها؛ لتكون قوة للمسترشد، وبيانا للمتحير، وتبصرة للمهتدي، ومقتلا للخراصين، ونصحا لإخواننا المسلمين.

قلت: لذلك لا تغرنكم البرقة، فإنها فجر كاذب، ولا تهولنكم المفاجأة؛ فإن أهل الحديث ينخلونهم نخلا، فيبقى اللباب، ويعيش على النخالة دواب.

قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله في ((الاختلاف في اللفظ)) (ص20): (وكان آخر ما وقع من الاختلاف أمرا خص بأصحاب الحديث الذين لم يزالوا بالسنة ظاهرين، وبالاتباع قاهرين يداجون بكل بلد، ولا يداجون، ويستتر منهم بالنحل ولا يستترون، ويصدعون بحقهم الناس ولا يستغشون، ولا يرتفع بالعلم إلا من رفعوا، ولا يتضع فيه إلا من وضعوا، ولا تسير الركبان إلا بذكر من ذكروا... لم أر لنفسي عذرا في ترك ما أوجبه الله علي بما وهب من فضل المعرفة([12]) في أمر استفحل بأن قصر مقصر فتكلفت بمبلغ علمي ومقدار طاقتي ما رجوت أن يقضي بعض الحق عني لعل الله ينفع به فإنه بما شاء نفع، وليس على من أراد الله بقوله أن يسأله الناس بل عليه التبصير وعلى الله التيسير.

وسيوافق قولي هذا من الناس ثلاثة:

رجلا منقادا سمع قوما يقولون فقال كما قالوا فهو لا يرعوي، ولا يرجع؛ لأنه لم يعتقد الأمر بنظر فيرجع عنه بنظر.([13])

ورجلا تطمح به عزة الرياسة، وطاعة الإخوان، وحب الشهرة فليس يرد عزته، ولا يثني عنانه إلا الذي خلقه إن شاء، لأن في رجوعه إقراره بالغلط، واعترافه بالجهل، وتأبى عليه الأنفة، وفي ذلك أيضا تشتت جمع، وانقطاع نظام واختلاف إخوان عقدتهم له النحلة، والنفوس لا تطيب بذلك إلا من عصمه الله ونجاه.

ورجلا مسترشدا يريد الله بعمله لا تأخذه فيه لومة لائم، ولا تدخله من مفارق وحشة، ولا تلفته عن الحق أنفة فإلي هذا بالقول قصدنا وإياه أردنا). اهـ

اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.

وصلى الله، وسلم على نبينا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

                                                            كتبه

أبو عبدالرحمن فوزي الحميدي الأثري

 

ذكر الدليل على أن من دأب الشيخ

الألباني رحمه الله أنه إذا نصح على

خطأ في تصحيح بعض الأحاديث تراجع عنها،وهذا من

إنصافه في الدين، فهل المقلدة على هذا الإنصاف؟!

 

لقد كان من دأب الشيخ الألباني رحمه الله أنه إذا نبه على خطأ في تصحيح بعض الأحاديث تراجع عنها، وهذا يدلك على إنصافه وتقواه.

فيقول الشيخ الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) (ج2 ص5): (فأنا – بفضل الله – أرجع إلى الحق إذا بدا لي من غيري مهما كان شأنه، وكتبي وتراجعي عما تبين لي من خطئي أكبر شاهد على ما أقول([14])). اهـ

قلت: بل ولا يخشى في ذلك أحدا من الناس ممن يستغلون ذلك في الطعن فيه، أو التشويش عليه عند العامة.

فيقول الشيخ الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) (ج2 ص190): (ولذلك بادرت إلى إخراجه في هذا الكتاب؛ تبرئه للذمة، وأداء للأمانة العلمية([15])، ولو أن ذلك قد يفتح الطريق لجاهل، أو حاقد إلى الطعن، والغمز، واللمز، فلست أبالي بذلك ما دمت أني أقوم بواجب ديني أرجو ثوابه من الله وحده). اهـ

والله ولي التوفيق

%%%%%%%

 

ذكر الدليل على تراجع الشيخ الألباني

رحمه الله عن تصحيحه لكثير من الأحاديث

في كتبه، فلماذا المقلدة يذكرون تصحيح الشيخ للأحاديث

دون تثبت وبحث؟!، بل لماذا لا يحذفونها من كتبهم، لأنها ضعيفة، ويخبرون الناس بذلك، وذلك لأنه بشر رحمه الله يخطئ ويصيب

 

 

لقد تراجع الشيخ الألباني رحمه الله عن كثير من الأحاديث التي خرجها في كتبه، كتخريجه على ((مشكاة المصابيح))، و((غاية المرام))، وتخريجه لـ((صحيح ابن خزيمة))، و((الجامع الصحيح))، و((صحيح الترغيب والترهيب))، و((السلسلة الصحيحة))، وغيرها من الكتب.([16])

يقول الشيخ الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) (ج6 ص1167) عن تخريج كتاب ((مشكاة المصابيح)) الأول: (وكان تعليقا سريعا اقتضته ظروف خاصة، لم تساعدنا على استقصاء طرق الحديث كما هي عادتنا...). اهـ

ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في ((الضعيفة)) (ج3 ص538): (وهذا وقد كنت حسنت الحديث فيما علقته على ((المشكاة) رقم: (2251 -2252)، وكانت تعليقات سريعة لضيق الوقت؛ فلم يتح لي يومئذ مثل هذا التوسع في التتبع، والتخريج الذي يعين على التحقيق، والكشف عن أخطاء الرواة، وأقوال الأئمة فيهم، وفي أحاديثهم المنكرة منها، والله هو المسؤول أن يغفر لي خطئي، وعمدي وكل ذلك عندي([17])). اهـ

ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) (ج6 ص1167): عن تخريج كتاب ((مشكاة المصابيح)) الثاني: (تنبيه: على ضوء هذا البيان، والتحقيق، والتفصيل أرجو من إخواني الكرام الذين قد يجدون في بعض مؤلفاتي القديمة ما قد يخالف ما هنا أن يعدلوه، ويصوبوه على وفق ما هنا؛ كمثل ما في ((غاية المرام))...).اهـ

قلت: من دأب الشيخ الألباني رحمه الله أنه إذا نبه على خطأ في تصحيح بعض الأحاديث تراجع عنها، وهذا يدلك على إنصافه وتقواه.

فيقول الشيخ الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) (ج2 ص5): (فأنا – بفضل الله – أرجع إلى الحق إذا بدا لي من غيري مهما كان شأنه، وكتبي وتراجعي عما تبين لي من خطئي أكبر شاهد على ما أقول). اهـ

قلت: لذلك يجب على المسلم الكريم أن يكون على علم، ومعرفة بكتب الشيخ الألباني رحمه الله الجديد منها، والقديم؛ لأنه رحمه الله قد تراجع عن كثير من الأحاديث بعد ظهور بعض الكتب الحديثية.

فيقول الشيخ الألباني رحمه الله في ((مقدمة صحيح الترغيب)) (ج1 ص4 و7) – بعد أن ذكر بعض المطبوعات، والمصورات من الكتب الحديثية التي لم تكن معروفة من قبل -: (فأقول: هذه المصادر كانت من الأسباب التي فتحت لي طريقا جديدا للتحقيق علاوة على ما كنت قدمت، فقد وقفت فيها على طرق، وشواهد، ومتابعات([18]) لكثير من الأحاديث التي كنت قد ضعفتها تبعا للمنذري وغيره، أو استقلالا بالنظر في أسانيد مصادرها التي ذكرها هو، أو سواه فقويتها بذلك، وأنقذتها من الضعف الذي كان ملازما لأسانيد مصادرها المذكورة في الكتاب إلى فوائد أخرى لا يمكن حصرها.

وقد نبهت على بعضها بالحواشي... وعلى العكس من ذلك فقد ساعدتني بعض الطرق المذكورة في المصادر الجديدة على اكتشاف علل كثير من الأحاديث التي قواها المؤلف أو غيره: كالشذوذ، والنكارة والانقطاع، والتدليس، والجهالة([19])، ونحوها كما ساعدتني على تبين خطأ عزوه إلى بعضها؛ كأن يطلق العزو للنسائي الذي يعني: (( السنن الصغرى))، والصواب أنه في ((السنن الكبرى)) له أو أن يعزو للطبراني مطلقا، ويعني: ((المعجم الكبير)) له وهو خطأ صوابه ((المعجم الأوسط)) له ونحو ذلك، ومن قبل لم يكن ممكنا الوقوف على هذه المصادر التي جدت وسميت آنفا بعضها.

وكذلك ساعدني ذلك على تصحيح بعض الأخطاء الهامة التي ترتب عليها أحيانا تضعيف الحديث الصحيح براو ضعيف.. إلى غير ذلك من أخطاء أخرى ما كانت تظهر لولا هذه المراجع، هذا ما يتعلق بالمصادر العلمية التي صدرت حديثا.

وأما ما يتعلق بالآراء، والأفكار؛ فالإنسان بحكم كونه خلق ضعيفا وساعيا مفكرا فهو في ازدياد من الخير سواء كان ماديا، أو معنويا على ما يشاء الله عز وجل، ولذلك تتجدد أفكاره، وتزداد معلوماته، وهذا أمر مشاهد في كل العلوم، ومنها علم الحديث القائم على معرفة الألوف من تراجم الرجال، وما قيل فيهم جرحا، وتعديلا، والاطلاع على آلاف الطرق والأسانيد، فلا غرابة إذن أن يختلف قول الحافظ الواحد في الراوي الواحد، والحديث الواحد في المسألة الواحدة، كما هو معلوم في أقوال الأئمة، ولا داعي لضرب الأمثلة؛ فهي معروفة، فبالأولى أن يكون لأحدنا من الباحثين أكثر من قول واحد في الراوي الواحد والحديث... ([20])). اهـ

ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في مقدمة ((الضعيفة)) (ج1 ص3): (ولما كان من طبيعة البشر التي خلقهم الله عليها العجز العلمي المشار إليه في قوله تعالى:﴿ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء﴾ [البقرة:255]، كان بدهيا جدا أن لا يجمد الباحث عند رأي، أو اجتهاد له قديم إذا ما بدا له أن الصواب في غيره من جديد؛ ولذلك نجد في كتب العلماء أقوالا قد تعارضت عن الإمام الواحد في الحديث وتراجم رواته، وفي الفقه، وبخاصة عن الإمام أحمد، وقد تميز في ذلك الإمام الشافعي بما اشتهر عنه أن له مذهبين: قديما وحديثا، وعليه فلا يستغربن القارئ الكريم تراجعي عن بعض الآراء، والأحكام التي يرى بعضها في هذا المجلد تحت الحديث (65) عند الكلام على حديث: ((لا تذبحوا إلا مسنة))، وغير ذلك من الأمثلة؛ فإن لنا في ذلك بالسلف أسوة حسنة، وإن مما يساعد على ذلك فوق ما ذكرت من العجز البشري – أننا نقف ما بين آونة وأخرى على مطبوعات جديدة كانت أصولها في عالم المخطوطات، أو المصورات، بعيدة عن متناول أيدي الباحثين والمحققين إلا ما شاء الله منها لمن شاء، فيساعد ذلك من كان مهتما بالوقوف على هذه المطبوعات، والاستفادة منها على التحقيق أكثر من ذي قبل، وهذا وذاك هو السر في بروز كثير من التصحيحات والتعديلات على بعض ما يطبع من مؤلفاتي الجديدة، أو ما يعاد طبعه منها كهذا المجلد الذي بين يديك، وينتقدني لذلك بعض الجهلة الأغرار، كذاك السقاف([21]) – هداه الله -، ومن الشواهد على ذلك ما تفضل الله به علي ووفقني إليه: أنني رفعت من هذا المجلد إلى ((الأحاديث الصحيحة)) حديثين اثنين – إلى أن قال -: وقد يقع مثله في غير هذين الحديثين كما يمكن أن يقع عكس ذلك تماما، فرحم الله عبدا دلني على خطئي، وأهدى إلي عيوبي؛ فإن من السهل علي – بإذنه تعالى وتوفيقه- أن أتراجع عن خطأ تبين لي وجهه، وكتبي التي تطبع لأول مرة، وما يجدد طبعه منها أكبر شاهد على ذلك). اهـ

ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) (ج6 ص3): (وحتى يكون إخواننا القراء الأفاضل على اطلاع لما قلت، ومعرفة لما أشرت أذكر – في هذه المقدمة الوجيزة - أهم ما وقع لي في هذا المجلد من أحاديث وروايات([22])، ومباحث علمية: من ذلك – قيما أرى – بعض الأحاديث أو المسائل التي ظهر لي مني ابتداء – أو بدلالة غيري – فيما تغير رأي، أو اختلاف اجتهاد، أو خطأ انكشف لي فيما بعد؛ كمثل الأحاديث ذوات الأرقام: (2520 و2551 و2576 و2639 و2658 و2723 و2764 و2813 و2878 و2883) وغيرها). اهـ

وقوله رحمه الله: (وغيرها) يتبين لك أن الشيخ الألباني رحمه الله لم يتقيد بهذه الأرقام التي ذكرها، وإنما هذه الأرقام على سبيل المثال، وإلا حكم على كثير من الأحاديث، وتراجع عنها أما بالصحة، أو الضعف.

قلت: فينبغي للمسلم الكريم التنبه لذلك، ولا يغتر بنقل المقلدة لتصحيح الشيخ الألباني للأحاديث، إلا بعد التثبت، فلا يعتمدوا عليهم، ذلك لأن الشيخ الألباني رحمه الله قد تراجع عن كثير من الأحاديث الصحيحة قد ضعفها.

قال الشيخ الألباني رحمه الله في ((صحيح سنن أبي داود([23]))) (ج1 ص9): (هذا؛ ولابد لي قبل الختام من التنبيه على أمر مهم، وهو أنه قد يرى بعض القراء في كتب هذا المشروع وغيرها بعض الاختلاف في المراتب الموضوعة لبعض الأحاديث، بين كتاب وآخر، فيصحح الحديث، أو الإسناد – فمثلا – في أحدها، ويضعف في آخر.

فأرجو أن يتذكروا أن ذلك مما لابد أن يصدر من الإنسان، لما فطر عليه من الخطأ والنسيان، وقد أشار إلى ذلك الإمام أبو حنيفة النعمان – عليه الرضوان – حين قال لتلميذه الهمام أبي يوسف: (يا يعقوب لا تكتب كل ما تسمع مني؛ فإني قد أرى الرأي اليوم، وأتركه غدا، وأرى الرأي غدا، وأتركه بعد غد)... ذكرت هذا التنبيه راجيا أن لا يتسرع أحد من القراء إذا ما وجد شيئا من ذلك الاختلاف –وهو واجده حتما – إلى توجيه سهام النقد، والاعتراض بعد أن ذكر بالأسباب...([24])).اهـ

قلت: فأهل الحديث لهم السبق في التنقير عن الأحاديث التي تروى، والتنقيب عن معادنها، والتثبت من صحتها، أو ضعفها.

فعن أسماء بن الحكم الفزاري قال سمعت عليا t يقول: إني كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله r حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني به، فإذا حدثني عنه غيره حلفته، فإن حلف صدقته).

وفي رواية: (وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته).([25])

وعن سليمان بن موسى قال: (لقيت طاوسا، فقلت: حدثني فلان كيت وكيت، قال: إن كان صاحبك مليا – ثقة ضابطا - فخذ عنه).([26])

قال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((تذكرة الحفاظ)) (ج1 ص10) - عن علي بن أبي طالب y -: (كان إماما عالما متحريا في الأخذ بحيث أنه يستحلف من يحدثه بالحديث). اهـ

وقال الحافظ الحاكم في ((معرفة علوم الحديث)) (ص132): (وكذلك جماعة من الصحابة، والتابعين، وأتباع التابعين، ثم عن أئمة المسلمين كانوا يبحثون، وينقرون عن الحديث إلى أن يصح لهم). اهـ

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج8 ص424): عن مسروح أبي شهاب، سألت أبى عنه، وعرضت عليه بعض حديثه، فقال: لا أعرفه، وقال: (يحتاج
 

أن يتوب إلى الله عز وجل من حديث باطل رواه عن الثوري).

قال الذهبي معقبا على ذلك في ((ميزان الاعتدال)) (ج4 ص97): (إي والله هذا هو الحق، إن كل من روى حديثا يعلم أنه غير صحيح، فعليه التوبة، أو يهتكه).([27])

وقال البيهقي رحمه الله في ((جزء الجويباري)) (ص227) معلقا على حديث: (فزجر المصطفى r في هذا الخبر عن الكلام في كتاب الله بالرأي، وسنته r مقيسة عليه حتى لا يحل لأحد أن يقول: قال رسول الله r إلا بعد التثبت، والعلم به، كما لا يحل لأحد أن يقول في كتاب الله برأيه إلا بعد المعرفة به، وسماع ممن يعرفه... أعاذنا الله من الكلام في كتابه بالرأي، أو رواية أحاديث رسول r من غير تثبت؛ لئلا نكون داخلين في قوله r: (من كذب علي متعمدا). اهـ

فعن محمد بن النضر الحارثي رحمه الله قال: (أول العلم الإنصات له، ثم الاستماع له، ثم حفظه، ثم العمل به، ثم بثه). اهـ

أثر صحيح

أخرجه أحمد في ((الزهد)) (ص441)، والخطيب في ((الجامع)) (327)، والبيهقي في ((المدخل)) (581)، وفي ((شعب الإيمان)) (ج4 ص419)، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم)) (759)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (ج8 ص217) من طريقين عن محمد بن النضر الحارثي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وهناك ظاهرة خطيرة شاعت، وذاعت لابد من التنبيه عليها: وهو أن كثيرا من طلبة العلم الذين شدوا شيئا من المعرفة في هذا العلم، وظنوا بأنفسهم أنهم قد بلغوا الغاية فيها، يتصدون لتحقيق الكتب، وتخريج ما فيها من أحاديث، ويصدرون الأحكام عليها، بحسب ما عندهم من العلم!، وقد وقع لهم في أثناء ذلك أخطاء كثيرة، وأحكام غير متزنة، ونتائج مبنية على قصور في الاطلاع، فهؤلاء ينبغي لهم أن لا يقحموا أنفسهم في هذا المجال إلا بعد أن يتمرسوا على يد من هو أقدر منهم فيه، وأوسع اطلاعا، وأمهر في معرفة دقائق هذا العلم وخفاياه.

قلت: فكم من مؤلف حاطب ليل، وجارف سيل، وناقد لا يفرق بين الصحيح، والضعيف، ويظن أن كل ذهب لامع، ويأتي ببعض الحجج الواهية في تصحيحه للحديث، التي تؤديه للهاوية!.([28])

قلت: لذلك فلا بد للمتأهل من الاجتهاد والنظر، ولا يقلد المسلم هؤلاء،
 

ومن نحا نحوهم في التصحيح، فكم حكم فلان بالصحة لما لا يرتقي عن رتبه الحسن!.([29])

قلت: وعلى كل حال: ليست هذه الأحاديث صالحة للاعتماد عليها حتى يتمسك بها في إثبات أحكام الدين، وقد أخطأ أناس في هذه الأحاديث عن نهج الصواب فيها، حيث اغتروا بكثرة طرقها الموجودة في الكتب المسندة، وحكموا بها، وتمسكوا بها في مقام المناقشة، وأحدثوا أحكاما بها تخالف الكتاب والسنة.

فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من الضعيف على التفصيل، ولا لهم خبرة حقيقة بالمروي المنقول، ولا لهم خبرة بالنقلة، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف، ولا يميزون بينها.([30])

ولذا أردت في هذه الرسالة اللطيفة أن نتعبد الله تعالى بما شرعه في كتابه، وفيما ثبت وصح عن رسول الله r، فلا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتعبد الله تعالى إلا بما شرع.

ولقد رأيت للمقلدة كتبا منتشرة أكثروا فيها من ذكر الأحاديث التي لم تصح في هذه الأيام.

وهي إما أنها ضعيفة، أو منكرة، ويذكرونها مخرجة عزوا إلى الكتب المسندة أو غيرها، فلا يشرحون عللها، ولا يجمعون أسانيدها، ولا ألفاظها، ولا يفصلون في تخريجها لتعلم حقيقتها، ولا يحكمون عليها بما يبين حالها، من صحة، أو ضعف، وإنما يكتفون بعزوها تقليدا فيها لبعض أهل العلم في التصحيح، أو التحسين، وبسبب هذه التقليد([31]) حصل به لبس للحق بالباطل، فتقام البدعة على أنها سنة، ويظنون أنهم بريئون بذلك من الإثم، وقد أدوا الذي عليهم في الدين بدون الاجتهاد الكافي في التفتيش، والتنقيب عن الأحاديث جملة وتفصيلا.

قلت: وليس المقلد المتعصب من أهل العلم، وإن ألف الكتب، وإن أفتى الناس واشتهر بذلك، وإن يعين في مركز اجتماعي في البلد ما دام يتعصب لآرائه، ومذهبه، ويروي الأحاديث الضعيفة بدون تثبت فيها، ولا يرجع عنها، فهذا قنع بمحض التقليد([32])، والعياذ بالله.

فعن الإمام الشافعي رحمه الله قال: (أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله r لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس).([33])

وقال ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج2 ص11): (قال أبو عمر، وغيره من العلماء: أجمع الناس على أن المقلد ليس معدودا من أهل العلم، وأن العلم معرفة الحق بدليله.

وهذا كما قال أبو عمر؛ فإن الناس لا يختلفون أن العلم: هو المعرفة الحاصلة عن الدليل، وأما بدون الدليل، فإنما هو تقليد). اهـ

فقد تضمن هذان الإجماعان: إخراج المتعصب بالهوى، والمقلد الأعمى عن زمرة العلماء، وسقوطهما، باستكمال من فوقهما الفروض من ورثة الأنبياء.([34])

وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في ((شرح كتاب الكلم الطيب)) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المقدمة (ص14): (ولسنا نرى التساهل في رواية شيء من الأحاديث الضعيفة دون بيان ضعفها، ولا فرق عندنا في ذلك بين أحاديث الأحكام، وأحاديث الفضائل؛ إذ الكل شرع، فإنه لا يخفى على أهل العلم أن الأحاديث الضعيفة الواردة في هذا الكتاب مثلا، تفيد من حيث دلالتها استحباب ما تضمنته من الأدعية والأذكار، وما أوردها من أوردها إلا بذلك، ومن المعلوم أن الاستحباب حكم شرعي لا يثبت إلا بنص ثابت اتفاقا، فكيف يراد إثباته فيما نحن فيه بالحديث الضعيف). اهـ

وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في ((شرح كتاب الكلم الطيب)) (ص16): (أنصح لكل من وقف على هذا الكتاب وغيره، آلا يبادر إلى العمل بما فيه من الأحاديث، إلا بعد التأكد من ثبوته([35])). اهـ

وقال الشيخ أحمد شاكر: (والذي أراه: أن بيان الضعف في الحديث الضعيف واجب في كل حال؛ لأن ترك بيانه يوهم المطلع عليه أنه حديث صحيح، خصوصا إذا كان الناقل له من علماء الحديث الذي يرجع إلى قوله في ذلك).([36]) اهـ

قلت: فهذه عبارات العلماء قد أفادت بوجود المنكرات، والمضعفات في الكتب المدونة ارتكزت في أذهان البعض أن كل حديث في هذه الكتب يروى، وهو محتج به في الشريعة!.

فالمؤلف المتساهل في كتبه، ورسائله في إيراد الأحاديث الضعيفة لا يسوغ الاعتماد على ما يورده من الأحاديث التي مصادرها تشعر بضعفها دون الرجوع إلى ما قاله أهل الحديث في ذلك جملة وتفصيلا.

قلت: لذلك لا يجوز للمؤلف، أو المحقق أن يعمل بما شاء في التصحيح، والتحسين في الأحاديث عن طريق التقليد من قبل العلماء من غير نظر فيها، فيكتفي في العمل بمجرد كون هذا العالم صححها!، أو هذا العالم حسنها!، أو ذهب إلى ثبوتها بعض أهل العلم!، فيعمل بما يشاء من الأحاديث عن طريق التقليد؛ حيث رأى ذلك وفق إرادته، أو هواه، أو يصححه تقليدا لتصحيح هذا العالم بدون علم بما يقتضي علم الحديث، وهذا حرام باتفاق العلماء.

قلت: ومن هنا يقع المقلد في التساهل في تصحيح الأحاديث أو تحسينها، فيتساهل في طلب الاجتهاد الصحيح في نقد الأحاديث، وطلب الأدلة على تصحيحها، أو تحسينها بدون الرجوع إلى الطرق الصحيحة في الحكم عليها، ومن ثم يحصل الخلل، بل لعله يتساهل في طلب الرخص في التصحيح والتحسين، فيورد أي حديث في مؤلفاته بعذر أن عالما قد صححه، أو حسنه تقليدا لع بغير علم، فهذا هو التمسك بالشبه، طلبا للترخص المذموم، فمن فعل ذلك فقد هان عليه دينه، وهو متجوز في دينه، وهو آثم.([37])

قلت: ومن جمع في مؤلفاته هذه الترخص، فقد جمع زلل العلماء في التصحيح والتحسين، ثم أخذ بها فقد ذهب دينه.([38])

فلذلك لا يعتد بهؤلاء وبمؤلفاتهم في تصحيح، أو تحسين الأحاديث، واستنباط الأحكام منها، لأنهم من أهل التساهل المفرط.([39])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج18 ص51): (فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله، كذلك من لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم).اهـ

وقال الناجي رحمه الله في ((الرسالة)) (ص20)، عن مثل هذا الافتراء في الدين: (ولا يعرف لمدعيه فيه سلف، ولا يقدر أحد أن ينقله عن عالم، أو كتاب معتمدين، بل ولا سمع به في  غير زماننا الذي كثر فيه الجهل، وقل فيه العلم.

ولا يظن أن الجهل يبلغ بصاحبه إلى مثل هذه، ]وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم[ [النور:15]، و((لو يعطى الناس بدعواهم)) الحديث وفيه: ((البينة على المدعي))([40]) وفي حديث اللعان المشهور: ((البينة أو حد في ظهرك))([41]).

فمدعي هذا الأمر المحال يلزمه إقامة البينة والبرهنة عليه، وإلا قوبل وترتب عليه ما يستحقه، وهيهات أن يزاد في شيء متفق عليه أو ينقص منه، ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس:32]...

والكذب: هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، ولو كان سهوا فضلا عن التعمد.

ومن أصر على هذه الدعوى الباطلة بعد تعريف العلماء له ببطلانها صار متعمدا آثما فاسقا مجروحا، وأي سماء تظل، وأي أرض تقل، من تكلم في شيء بغير علم فضل وأضل، وزل وأزل، ولا شك أن ذلك حرام، ولو وافق الصواب باتفاق، كالحكم والإفتاء والتعبد بلا علم فضلا عن هذا المكذب البين العجاب، والافتراء المختلق على النسب الشريف الذي تروح على بعضه الرقاب!.

قال تعالى: ]ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون[ [النحل:25].

وقال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ((43)) بالبينات والزبر[ [النحل:43-44].

وقال تعالى: ]وفوق كل ذي علم عليم[ [يوسف:76].

وهذه الأمة المحمدية لا تجتمع على ضلالة، غير أن الجاهل إذا لزم غلط، واتبع هواه ذهبت دنياه وآخرته، واستفاد مقت الله وسخطه.

وذكر أبو عبدالرحمن السلمي في كتاب ((عيوب النفس))([42]) عن مضر القارئ قال: (لنحت الجبال بالأظافير أهون من مخالفة الهوى إذا تمكن في النفس).

فـ((بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين، بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات، بئس العبد عبد طمع يقوده، بئس العبد عبد هوى يضله، بئس العبد عبد رغب يذله).([43])

وبالجملة فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل). اهـ

وقال العلامة اللكنوي الهندي رحمه الله في ((الإجوبة الفاضلة)) (ص140): (لا يجوز الاحتجاج في الأحكام بكل ما في الكتب المذكورة وأمثالها من غير تعمق يرشد إلى التمييز لما مر أنها مشتملة على الصحاح، والحسان، والضعاف، فلابد من التمييز بين الصحيح لذاته، أو لغيره، أو الحسن لذاته، أو لغيره، فيحتج به، وبين الضعيف بأقسامه، فلا يحتج به، فيأخذ الحسن من مظانه، والصحيح من مظانه، ويرجع إلى تصريحات النقاد الذين عليهم الاعتماد وينتقد بنفسه إن كان أهلا لذلك، فإن لم يوجد شيء من ذلك توقف فيما هنالك).([44]) اهـ

قلت: فلا يجوز الاحتجاج في الدين بجميع ما في الكتب من أحاديث من غير وقفة ونظر.

وقال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله في ((فتح الباقي)) (ج1 ص107): (من أراد الاحتجاج بحديث من السنن، أو من المسانيد إن كان متأهلا لمعرفة ما يحتج به من غيره، فلا يحتج به حتى ينظر في اتصال إسناده وأحوال رواته، وإلا فإن وجد أحدا من الأئمة صححه، أو حسنه، فله تقليده، وإلا فلا يحتج به). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (السبيل لمن أراد الاحتجاج بحديث من ((السنن الأربعة)) لاسيما ((سنن ابن ماجه))، و((مصنف ابن أبي شيبة))، و((مصنف عبدالرزاق))، مما الأمر فيه أشد، أو بحديث من ((المسانيد)) لأن هذه لم يشترط جامعوها الصحة والحسن: أنه إن كان أهلا للنقل، والتصحيح، فليس له أن يحتج بشيء من القسمين حتى يحيط به.

وإن لم يكن أهلا لذلك: فإن وجد أهلا لتصحيح، أو تحسين قلده، وإلا: فلا يقدم على الاحتجاج كحاطب ليل، فلعله يحتج بالباطل، وهو لا يشعر؟!!!).([45]) اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((منهاج السنة)) (ج4 ص81): (لو تناظر فقيهان في مسألة من مسائل الفروع لن تقم الحجة على المناظر إلا بحديث يعلم أنه مسند إسنادا تقوم به الحجة، أو يصححه من يرجع إليه في ذلك، فإذا لم يعلم إسناده، ولا أثبته أئمة النقل فمن أين يعلم). اهـ

وعلى هذا نستطيع أن نقول: إن الأحاديث التي يوردها أهل العلم في كتبهم غير معزوة إلى مصدر، ولا منسوبة إلى مخرج معتمد، ينبغي الكشف عنها من مظانها لمعرفة حالها من الصحة، أو الضعف، ولا يسوغ الركون إليها لمجرد روايته لها لما علمت أن فيها الضعيف والمنكر.([46])

قلت: لذلك لا يسوغ الاعتماد على الأحاديث التي تورد في الكتب على هذه الطريقة في التصحيح دون الرجوع إلى معرفة حالها من كتب التخاريج والعلل والرجال، وذلك لأن فيها الحديث الصحيح، والضعيف.

قلت: فصنع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يدعو إلى البحث، والفحص عن الأحاديث التي يذكرها الناس في كتبهم.([47])

ولعل المتدبر يعلم مما نقلنا أن ما ارتكز في أذهان الناس أن كل حديث في كتب الشيخ الألباني رحمه الله محتج به، وهو صحيح.

قلت: وكان الأولى بهم البحث في تخريج الأحاديث([48])، وعدم التقليد، لأن التقليد آفة العلم، وكان السلف يبحثون عن الأحاديث، فإن لم يعرفوها على التفصيل سئلوا عنها الأعلم بها.

قلت: وللأسف أن بعض أهل العلم مع جلالة قدره، ويقظته البالغة في الدين، فإن المرء ليعجب منه كيف يروي الأحاديث الضعيفة في كتبه، أو أشرطته، أو خطبه من غير أن ينبه عليها، بل لا يسأل عنها من هو أعلم منه بعلم الحديث، فيبين له صحيحها من ضعيفها، فينال الأجر من الله تعالى، والله ولي التوفيق.

قال ابن الجوزي رحمه الله في ((الموضوعات)) (ج1 ص31): (وقد كان قدماء العلماء يعرفون صحيح المنقول من سقيمه، ومعلوله من سليمه، ثم يستخرجون حكمه، ويستنبطون علمه، ثم طالت طريق البحث من بعدهم فقلدوهم فيما نقلوا، وأخذوا عنهم ما هذبوا، فكان الامر متحاملا إلى أن آلت الحال إلى خلف لا يفرقون بين صحيح وسقيم، ولا يعرفون نسرا من ظليم، ولا يأخذون الشئ من معدنه، فالفقيه منهم يقلل التعليق في خبر حدثنا خبر خبره، والمتعبد ينصب لأجل حديث لا يدرى من سطره، والقاص يروى للعوام الأحاديث المنكرة، ويذكر لهم ما لو شم ريح العلم ما ذكره، فيخرج العوام من عنده يتدارسون الباطل). اهـ

وقال الخطيب البغدادي رحمه الله في ((الكفاية)) (ص141): (أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب على إرادتهم كتب الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو، والخطأ من روايات المجروحين والضعفاء، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنبا، والثابت مصروفا عنه مطرحا، وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين، والأعلام من أسلافنا الماضين). اهـ

 

والحمد لله أولا، وآخرا على توفيقه وهداه، وهو وحده المستعان لا إله غيره، ولا رب سواه.

وسبحانك الله، وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

 

الرقم

الموضوع

الصفحة

1

توطئه: يأبى الله تعالى العصمة لكتاب غير كتابه...................

2

2

جميع الكتب المؤلفة قديما وحديثا فيها الخطأ، وفيها الصواب........

3

3

لابد من هذه الكتب المؤلفة فيها ما يخالف الكتاب والسنة.........

3

4

المقدمة.......................................................

5

5

تحريم تقليد العلماء في تصحيح الأحاديث وتضعيفها مطلقا.........

6

6

وجوب التثبت في الأحاديث من حيث الصحة والضعف...........

6

7

وجوب العدل في الأحاديث.....................................

6

8

العلماء بشر يخطئون ويصيبون في الدين...........................

7

9

الشارع يأمر بالأمانة في الدين...................................

7

10

يحرم على المقلد للشيخ الألباني رحمه الله في التصحيح والتضعيف للأحاديث...................................................

8

11

ذكر بعض الأحاديث التي صححها الشيخ الألباني ثم ضعفها.......

9

12

يجب على من ألف كتابا، وعلم ما فيه من الأحاديث الضعيفة أن يتراجع عنها، وإن صحت عند بعض العلماء......................

10

13

يجب إحسان الظن بأهل العلم، وطلبة العلم إذا نقدوا بعض الأحاديث الضعيفة في كتب العلماء..............................

10

14

ذكر الدليل على أن من دأب الشيخ الألباني رحمه الله أنه إذا نصح على خطأ في تصحيح بعض الأحاديث تراجع عنها، وهذا من إنصافه في الدين، فهل المقلدة على هذا الإنصاف..................

14

الرقم

الموضوع

الصفحة

15

ذكر الدليل على تراجع الشيخ الألباني رحمه الله عن تصحيحه لكثير من الأحاديث في كتبه، فلماذا المقلدة يذكرون تصحيح الشيخ للأحاديث دون تثبت وبحث؟! بل لماذا لا يحذفونها من كتبهم، لأنها ضعيفة، ويخبرون الناس بها، وذلك لأنه بشر رحمه الله يخطئ ويصيب……………………………………….

15

 



([1]) انظر ((مؤلفات سعيد حوى)) للهلالي (ص21).

([2]) قلت: أين القوم عن هذا الكلام؟!، اللهم غفرا.

([3]) بل وغيره من أهل العلم.

([4]) قلت: وهذا الذي ذكرته يجعلني أشير إلى المدعو ((السقاف)) الجهمي المبتدع الذي يدعي أن رجوع أهل العلم عن خطئهم، فيصححون مرة، ويضعفون مرة في كتبهم أن ذلك من التناقضات!، بل هذا من الدين، واتباع العلم الصحيح، وتأدية للأمانة، وهذا مما لا يخفى على من له أدنى اشتغال بعلوم السنة، اللهم غفرا.

     لكن هذا يوافق لدى المبتدعة شهوة شيطانية يعالجون بها كمد الحسرة من ظهور السنة وأهلها، ولهم في الإيذاء وقائع مشهودة على مر التاريخ، لكنها تنتهي بخذلانهم، والله الموعد!.

     وانظر: ((مرويات دعاء ختم القرآن)) للشيخ بكر بن عبدالله (ص261).

([5]) وانظر: ((التفسير)) لابن كثير (ج3 ص412).

([6]) نقله عنه الشعراني في ((الميزان)) (ج1 ص62).

([7]) بل قال رحمه الله: (قد قضيت في عمري في علم الحديث بتخريج الأحاديث بخمسين عاما، لكن من الممكن أن يأتي طلاب علم فيستدرك علي بعض الأحاديث!). بتصرف

     ((شريط مسجل)) بصوت الشيخ (تسجيلات الهدى والنور).

([8]) فالشيخ الألباني رحمه الله أحيانا بمجرد ما يجد ما يقوي الحديث، يصححه، أو يحسنه، دون أن ينظر إلى نكارة الإسناد، أو المتن، وهذا التصحيح فيه نظر، لذلك لابد من البحث والتنقيب فيما يقويه الشيخ الألباني رحمه الله بمجموع الطرق، أو الشواهد، فإن كثيرا منها من قسم الضعيف، والله المستعان.

     وعلى سبيل المثال: حديث: ((من تمام التحية المصافحة)). جود إسناده الشيخ الألباني رحمه الله، كما في ((الصحيحة)) (338) باعتبار طرقه، حيث قال: (وهو حديث جيد باعتبار طرقه، ولعلنا نفرد له فصلا خاصا إن شاء الله). اهـ

     فتراجع عن تقويته للحديث بمجموع الطرق، فضعفه وأودعه في ((الضعيفة)) (1288)، حيث قال الشيخ الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) (ج1 ص52- ط مكتبة المعارف): (ثم تتبعت طرقه، فتبين لي أنها شديدة الضعف، لا تصح للاعتبار، وتقوية الحديث بها، ولذلك أوردته في السلسلة الأخرى (1288). اهـ

([9]) وانظر: ((النصيحة في بيان الأحاديث التي تراجع عنها الشيخ الألباني في الصحيحة)) للحاي، و((500 حديث مما تراجع عنها العلامة المحدث الألباني في كتبه)) لأبي مالك، و((التنبيهات المليحة على ما تراجع عنه العلامة المحدث الألباني في الأحاديث الضعيفة أو الصحيحة)) للغريب، و((تراجع العلامة الألباني فيما نص عليه تصحيحا وتضعيفا)) لأبي الحسن.

([10]) فمحقت منه بركة العلم في الدنيا، والعذاب يوم القيامة.

([11]) لأن الحديث الضعيف لا يعمل به لا في أحكام الدين، ولا في فضائل الأعمال، فلا تغتر بمن يقول ذلك، فتنبه.

     قلت: فلا يفيد المقلد للعلماء في التصحيح، أو التضعيف للأحاديث، اللهم غفرا.

     ثم أن الأحاديث الضعيفة التي في فضائل الأعمال لا حاجة إليها في الدين، لأن في الأحاديث الصحيحة ما يغني عنها، فالأولى أن نستغني بالصحيح عن الضعيف في فضائل الأعمال.

([12]) قال تعالى: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه﴾ [آل عمران:187]، وقال تعالى: ﴿إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولـئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (159) إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولـئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم﴾ [البقرة:159 و160].

([13]) وهذا هو حال المقلد الذي يقلد دينه الرجال، ويعرض عن الكتاب والسنة، والله المستعان.

([14]) قلت: وتراجع الشيخ الألباني رحمه الله عن هذه الأحاديث لا يغض من منزلته، ويقلل من شأنه، بل هذا لا يزيده إلا تواضعا، وافتقارا أمام الله تعالى، ورفعة عنده، وله الأجر على كل حال، أخطأ أم أصاب.

([15]) هل برئ هؤلاء المقلدة من الذمة، وأدوا الأمانة العلمية؟!، كما فعل الشيخ الألباني رحمه الله، اللهم غفرا.

([16]) وهذا من إنصاف أهل العلم، بل ذلك من النصيحة في الدين للأتباع، فهل من مدكر!.

([17]) بل كان من نصح الشيخ الألباني رحمه الله في الدين أنه إذا نبه على خطأ في تصحيح حديث تراجع عنه، وهذا يدلك على إنصافه وتقواه.

([18]) قلت: ولذلك أحيانا لا يكفي عزو الحديث، والحكم عليه بذلك، بل لابد من جمع طرقه، وألفاظه حتى يتبين صوابه، أو خطؤه.

     فعن الإمام يحيى بن معين رحمه الله قال: (لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه)، وفي رواية: (لو لم نكتب الحديث من مئة وجه ما وقعنا على الصواب).

     أخرجه الخطيب في ((الجامع لأخلاق الراوي)) (1699)، وابن حبان في ((المجروحين)) (ج1 ص33)، والخليلي في ((الإرشاد)) (ج2 ص595) بإسناد صحيح.

     وعن الإمام أحمد رحمه الله قال: (الحديث إذا لم يجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضا).

     أخرجه الخطيب في ((الجامع لأخلاق الراوي)) (1700) بإسناد حسن.

     وذكره ابن الصلاح في ((المقدمة)) (ص91).

([19]) قلت: فإذا تأكدنا تفرد راو – مثلا -، أو مخالفته من خلال الجمع والمقارنة، فلذلك يمنع النقاد من تصحيحه، فقارن بين طرقه، وألفاظه بعين فاحصة، ونظرة ناقدة، يتبين لك الصحيح منه، والضعيف سندا، أو متنا، أو كلاهما.

     وانظر: ((الجامع لأخلاق الراوي)) للخطيب (ج2 ص295)، و((الفروسية)) لابن القيم (ص64)، و((توضيح الأفكار)) للصنعاني (ج1 ص234).

([20]) إذا كان كذلك فلماذا يضيق قلب المقلد إذا نقدنا حديثا صححه الشيخ الألباني فضعفناه، اللهم غفرا.

([21]) قلت: وقد افتضح أمر السقاف الجهمي المبتدع هذا، وانكشف حاله، وظهر للقريب، والبعيد ما عرف به من الزيغ والجهل والضلال.

     والسقاف هذا قد اجتر معلوماته هذه التي يلقيها شبها على الناس من فتات ألقاه إليه معاونه الذي تبناه وتبنى شبهاته، وهو المدعو شعيب الأرناؤوط الأشعري الهالك.

     فالأشعري هذا قد اتخذ من هذا السقاف صديقا، يسير معه في المكر بالشيخ الألباني رحمه الله والسلفيين، ويشير عليه، ويدله على المأمرات، ليشوش من ليس له قدم راسخة في علوم الحديث، ويشوش الرعاع على السلفيين، فينشرها هذا السقاف الجهمي في كتبه على أنها من بنات أفكاره، وهي من أفكار شعيب الأرناؤوط الأشعري الهالك، ليشفي غله، وحقده على الشيخ الألباني رحمه الله، والسلفيين، ويسلم المدعو شعيب من النقد والتجريح، ويحتفظ في الوقت نفسه باحترام العلماء، لأنه عندهم بريء من ذلك كله، لا كتب، ولا قال شيئا!، لكن ﴿فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض﴾ [الرعد:17].

([22]) قلت: وتظهر براعة طالب الحديث في هذا الفن الشريف في الأحاديث التي تعددت أسانيدها، ولا يخلو واحد منها من مقال، فلابد له أن يمعن النظر في تلك الأسانيد، ويدرسها دراسة دقيقة وافية، ويتأكد من أن هذه الطرق فيها من الضعف ما يحتمل، فيصحح متن الحديث، أو يحسنه، أو يضعفه على حسب قواعد علم الحديث.

([23]) ((طبعة مكتبة التربية العربي لدول الخليج)) الطبعة الأولى، سنة (1409هـ).

([24]) قلت: والشيخ الألباني رحمه الله هنا يشير إلى عدم التقليد، بل ولا يرضى بذلك إلا بعد التثبت، وقد ذكر أثر الإمام أبي حنيفة رحمه الله في ذلك، والله المستعان.

([25]) أثر صحيح.

     أخرجه الترمذي في ((سننه)) (406) و(3006)، وابن ماجه في ((سننه)) (1395)، وأحمد في ((المسند)) (47) و(56)، والحميدي في ((المسند)) (1)، والبغوي في ((شرح السنة)) (1015).

     وإسناده صحيح.

([26]) أثر صحيح.

     أخرجه مسلم في ((مقدمة صحيحه)) (ج1 ص15) وإسناده صحيح.

([27]) قلت: والأمر هذا في المصنفات في التواريخ، والسير، والتفسير، والفقه، وأصول الفقه، والعقائد، وفضائل الأعمال وغيرها، فليس كل ما في هذه المصنفات هو صحيح، بل فيها أيضا الضعيف، والمنكر، والموضوع، وما لا أصل له.

     قال العراقي في ((ألفيته)) (ص20):

وليعلم الطالب أن السيرا

 

 

تجمع ما صح، وما قد أنكرا

والقصد ذكر ما أتى أهل السير

 

 

بل وإن إسناده لم يعتبر

 

([28]) قلت: ولو أبيح مثل هذا المبدأ في إيراد الأحاديث على هذه الطريقة بدعوى الغاية الحسنة في تصحيح الأحاديث، لارتفع الأمان عن السنة المطهرة لاحتمال أم يكون كل حديث منها من ذلك السبيل!.

([29]) قلت: وهكذا نجد أي مؤلف يورد في كتبه بعض الأحاديث على هذه الطريقة، وهي غريبة، أو ضعيفة، أو منكرة دون أن ينبه عليها، والله المستعان.

     فلا يجوز للمسلم أ، يعتمد عليها، لأنها ضعيفة لا يحتج بها.

([30]) قلت: ومنهم من يذكر هذه الأحاديث الضعيفة، ويجعل العهدة على العالم المصحح!.

     وربما جمع بابا من الأحاديث الصحيحة، والضعيفة، ويجعل العهدة على العالم المصحح!.

     قلت: وهو لا يسلم من المسئولية أمام الله تعالى في الدنيا والآخرة.

([31]) بل والتعصب لمؤلف، أو بلد، أو مذهب، أو عالم، يترتب من جرائه التساهل في ذكر الأحاديث الضعيفة لنصرة ما تعصب له، اللهم غفرا.

([32]) قلت: ومنهم من يقلد التقليد المحض، يدل على ذلك أقواله وأفعاله، ثم يقول أنا لا أقلد، والله المستعان.

([33]) انظر: ((الرسالة)) له (ص424 و425).

     ونقله عنه ابن القيم في ((إعلام الموقعين)) (ج4 ص40).

([34]) انظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (ج2 ص11).

([35]) انظر أيها المقلد واسمع، اللهم غفرا.

([36]) انظر: ((مقدمة صحيح الجامع)) (ج1 ص50).

([37]) قلت: وهذه بلية، وآفة بائقة منيت بها الأمة الإسلامية – لا سيما في الآونة الأخيرة – لبعد أفرادها عن الدين ومصادره الحديثية.

     ومما لا يخفى على أحد أن الأحاديث الضعيفة – بجميع أقسامها – قد عملت في الأمة الإسلامية عملا سيئا، فقد انحرفت عبادة كثير من المسلمين بسبب تلكم الأحاديث الضعيفة، والله المستعان.

     قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في ((مقدمة صحيح الترغيب)) (ص23): (والحقيقة أن تساهل العلماء برواية الأحاديث الضعيفة ساكتين عنها قد كان من أكبر الأسباب القوية التي حملت الناس على الابتداع في الدين، فإن كثيرا من العبادات، التي عملها كثير منهم اليوم إنما أصلها اعتمادهم على الأحاديث الواهية، بل الموضوعة). اهـ

([38]) قلت: فلا يحكم على الأحاديث بالصحة، أو الضعف إلا من جمع الأدلة ونظر في عللها، وألفاظها، وأسانيدها، وله دراية، ورواية فيها.

     فأما من لم يتم له ذلك، ولم يكن عالما بما وصفنا فلا يحل له أن يحكم على الأحاديث بالصحة أو الضعف.

     فمن لا خبرة له فيها، فلا يجوز له الإقدام عليها، فمن أقدم فهو آثم، وله وعيد شديد في الدنيا والآخرة.

([39]) وهؤلاء لا يعتد بمؤلفاتهم عند أولي النهى، فما يقع في مؤلفاتهم من ثناء القصاص والوعاظ عليها، بل وثناء الرعاع العامة لا يعتد به.

     قلت: وهؤلاء ليسوا بحجة في الدين، ولا يقبل ثناءهم على هذه المؤلفات، لأن ثناءهم من غير علم بما فيها من خلل في الأحاديث وغيرها.

     قلت: والمقصود أن على أمثال هؤلاء أن لا يركبوا رؤوسهم، فيقلدوا العالم في كل ما صححه، أو حسنه، وهذا هو هوى النفس والتشهي.

([40]) أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (4277)، ومسلم في ((صحيحه)) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

([41]) أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (2526).

([42]) ((عيوب النفس)) (25).

([43]) وانظر: ((جامع الترمذي)) (2448).

([44]) أي ذلك العالم المميز بين الصحيح والضعيف.

([45]) نقله العلامة علي القاري في ((المرقاة شرح المشكاة)) (ج1 ص21).

([46]) فلا ينبغي للمسلم أن ينقل منها حديثا إلا بعد المراجعة، والتنقيب، بل بعضها يغلب فيه ذكر الأحاديث الموضوعة.

     قلت: فالحديث الذي لا يصح، لا يصح الالتفات إليه، ولا الاستشهاد به في الفضائل وغير ذلك.

     والمؤمن لا يتصور منه هذا الأمر، فيكذب على رسول الله r المبلغ عن الله تعالى، ثم يزعم ذلك: نصرة منه للشريعة المطهرة، وتأييدا لصاحبها.

([47]) قلت: لأن مؤلفيها انصرفوا عن الاشتغال بعلم الحديث، فيوردون فيها أثناء كلامهم أحاديث بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، وبعضها منكر، أو موضوع.

([48]) والبعض! لا يتحاشى عن النقل من كل كتاب، وعن كل من هب ودب!.

     وهذا القصور في البحث عن تخريج الأحاديث، ففيها ما فيها مما لا يليق بمثلهم، ولا يصح أن يقولوا صححه فلان تقليدا له بدون تثبت، والله المستعان.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan