الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / سير القافلة لتأدية صلاة الفريضة على الراحلة
سير القافلة لتأدية صلاة الفريضة على الراحلة
سلسلة من شعار أهل الحديث
|
44 |
سير القافلة
لتأدية
صلاة الفريضة على الراحلة
دراسة أثرية منهجية علمية في جواز صلاة الفريضة على الراحلة في السفر والحضر عند الحاجة والضرورة في الخوف في الحرب، أو من اللصوص في الطرق، أو من القتل، أو الخوف بنزوله يحصل له الضرر في الغالب، أو يخاف من خروج وقت الصلاة، أو وجود المطر، أو الوحل، أو ازدحام السيارات في الطريق، أو يريد أن يصل إلى عمله في الوقت المناسب، أو بموعد للعلاج، أو غير ذلك من الضرورات والحاجات في هذه الحياة التي تفرج وتيسر على المسلم في سفره وحضره، والله ولي التوفيق.
تأليف:
العلامة المحدث الفقيه
فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه وجعل الجنة مثواه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
جوهرة نادرة
قال الإمام شيخنا ابن عثيمين / في «الشرح الممتع» (ج4 ص159): (الرجل إذا خالفك بمقتضى الدليل عنده؛ لا بمقتضى العناد ينبغي أن تزداد محبة له!). اهـ
وعن الإمام وكيع بن الجراح / قال: (أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم).
أثر حسن
أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص270)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص19)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص77)، وابن الجوزي في «التحقيق» (ج1 ص23).
وإسناده حسن.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فضة نادرة
فتوى
العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين /
في تحريم معاداة طلبة العلم في مسائل فقهية
سئل العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين /: هب أن رجلا خالف كثيرا من أهل العلم في مسألة خلافية هل يبغض هذا الشخص في الله، وهل تشن عليه الهجمات؟!.
فأجاب فضيلته: (لا، أبدا. لو خالف الإنسان جمهور العلماء في مسألة قام الدليل على الصواب بقوله فيها، فإنه لا يجوز أن نعنف عليه، ولا يجوز أن تحمى نفوس الناس دونه أبدا، بل يناقش هذا الرجل ويتصل به؛ كم من مسألة غريبة على أفهام الناس، ويظنون أن الإجماع فيها محقق، فإذا بحث الموضوع، وجد أن لقول هذا الرجل من الأدلة ما يحمل النفوس العادلة على القول بما قال به واتباعه!!!.
صحيح أن الظاهر أن يكون الصواب مع الجمهور هذا الغالب، لكن لا يعني ذلك أن الصواب قطعا مع الجمهور؛ قد يكون الدليل المخالف للجمهور حقا، وما دامت المسألة ليس فيها إجماعا؛ فإنه لا ينكر على هذا الرجل، ولا توغر الصدور عليه، ولا يغتاب، بل يتصل به ويبحث معه، ويناقش مناقشة يراد بها الحق. والله سبحانه وتعالى يقول: ]ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر[ [القمر:17]، كل من أراد الحق، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في العقيدة الواسطية: «من تدبر القرآن للهدى منه، تبين له طريق الحق») ([1]). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
لؤلؤة نادرة
فتوى
الإمام أحمد / على جواز
صلاة الفريضة على الراحلة للحاجة
نقل مهنا بن يحيى الشامي / في «المسائل» (ص235)؛ عن الإمام أحمد: (جواز صلاة المريض على الراحلة، إن كان يشق عليه النزول).
وهذه الرواية تدل على أنه يجوز للمريض، أو غيره إن شق عليه النزول عن الراحلة، الصلاة عليها الفريضة، وذلك لمكان المشقة. ([2])
وعن الإمام أحمد رواية أخرى في «المسائل» لمهنا (ص236): (أنه يجوز له الصلاة مطلقا) ([3])؛ يعني: صلاة الفريضة على الراحلة.
وقال ابن هانئ / في «المسائل» (ص92): (وسئل –يعني: الإمام أحمد- عن الصلاة على الراحلة؟؛ قال: يصلي عليها إذا خاف على ثيابه).
وقال ابن هانئ / في «المسائل» (ص92): (سألت: أبا عبدالله عن الرجل يكون على وضوء، وهو في الثلج كيف يصلي؟، قال: يصلي على دابته).
وقال ابن هانئ / في «المسائل» (ص92): (وسمعته يقول: الرجل يخوض الطين في السفر، ولا يقدر على أن يصلي؛ إلا على راحلته؟؛ قال: يومئ برأسه إيماء، ويجعل السجود أخفض من الركوع).
وقال ابن هانئ / في «المسائل» (ص94): (وسألته عن: القوم يكونون في السفر، وقد أصابهم مطر شديد، يصلون على دوابهم؟ قال الإمام أحمد: إذا كان ثلج ومطر، صلوا على دوابهم).
وقال ابن هانئ / في «المسائل» (ص118): (وسمعته يقول: قال إذا كان في سفر فمطرت السماء، والأرض مبتلة، هل يصلي الفريضة على الدابة؟، قال الإمام أحمد: لا بأس به، فعل ذلك النبي r، صلى الفريضة على راحلته).
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
درة نادرة
فتوى
شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين /
في جواز صلاة الفريضة في السيارة عند الحاجة والضرورة
قال شيخنا الفقيه محمد بن صالح العثيمين / في «الشرح الممتع» (ج7 ص304): (مسألة: لو خشي خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة، فإنه يجب عليه أن يصلي في الطريق، فينزل ويصلي، فإن لم يمكنه النزول للصلاة، فإنه يصلي ولو على السيارة؛ لأنه ربما يكون السير ضعيفا لا يمكنه أن يصل معه إلى مزدلفة قبل منتصف الليل، ولا يمكن أن ينزل ويصلي، لأن السير غير واقف، ففي هذه الحال إذا اضطر أن يصلي في السيارة فليصل، لأن النبي r صلى على راحلته([4]) في يوم من الأيام حينما كانت السماء تمطر، والأرض تسيل للضرورة، وعليه أن يأتي بما يمكنه من الشروط والأركان والواجبات). اهـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين /
في سقوط استقبال القبلة في الصلاة
للمسلم الذي يصلي على راحلته في صلاة الفرض، وصلاة النفل في السفر والحضر
قال شيخنا الفقيه محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص46)؛ معلقا على حديث تنفل النبي r على راحلته: (فيه دليل على أنه لا يجب على المتنفل أن يصرف الناقة حين تكبيرة الإحرام إلى القبلة، وأنه لا حرج عليه أن يبدأ الصلاة من أولها إلى آخرها وهو متجه حيث كان وجهه، وهذا هو القول الراجح؛ أنه لا يشترط استقبال القبلة عند ابتداء الصلاة؛ لعموم الأدلة، ... فاستقبال القبلة يسقط عند الضرورة في جميع الرواتب؛ بل يسقط عند الضرورة حتى في الفرائض؛ كما لو لحقه عدو؛ لقوله تعالى: ]فإن خفتم فرجالا أو ركبانا[ [البقرة: 239] يعني: إلى القبلة وإلى غيرها). اهـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
المدخل
ذكر الدليل
على مشروعية الأخذ بالرخص الشرعية في الدين
اعلم رحمك الله أنه لما كانت الرخصة من الأحكام الشرعية؛ كان من المناسب أن نتعرض بإيجاز لبيان الحكم الشرعي في جواز صلاة الفريضة على الراحلة في الحضر والسفر، إذ ما من حكم من الأحكام الشرعية إلا وروح التيسير، ورفع الحرج، وجانب الرخصة الشرعية، واضح فيها لما ثبت أمر: «الرخصة»، و«رفع الحرج»، و«التيسير» في الكتاب والسنة والآثار.([5])
قال تعالى: ]وما جعل عليكم في الدين من حرج[ [الحج: 78].
وقال تعالى: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185] .
وقال تعالى: ]ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج[ [المائدة: 6] .
وقال تعالى: ]ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا[ [البقرة: 286]
وقال تعالى: ]ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم[ [الأعراف: 157] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه؛ كما يحب أن تؤتى عزائمه).([6])
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه؛ كما يكره أن تؤتى معصيته). وفي رواية: (كما يحب أن تؤتى عزائمه، أو كما يكره أن تؤتى معصيته).([7])
وعن عبد الله بن مسعود t قال: (إن الله يحب أن تقبل رخصه؛ كما يحب أن تؤتى عزائمه)، وفي رواية: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه).([8])
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه؛ كما يحب أن تؤتى عزائمه). وفي رواية: (إن الله يحب أن تؤتى مياسيره).([9])
وذكر الحافظ البوصيري / هذه الآثار في «إتحاف الخيرة» (ج1 ص508)؛ تحت: باب في المسح على الخفين.
ولا يخفى أن المسح على الخفين رخصة من الله تعالى للأمة.
وعن مسروق / قال: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه؛ كما يحب أن تؤتى عزائمه).([10])
وبوب الإمام ابن أبي شيبة في «الآداب» (ص226): باب الأخذ بالرخص.
وعن إبراهيم التيمي /، قال: (إن الله يحب أن تؤتى مياسيره، كما يحب أن تطاع عزائمه).([11])
وعن عطاء بن أبي رباح / قال: (إذا تنازعك أمران، فاحمل المسلمين على أيسرهما).([12])
قلت: فهذه الأدلة تدل على رفع الحرج والإثم عن مخالفة التكاليف، وذلك بالعمل بالرخصة، وترك العزيمة، أو تقرر مغفرة ما يترتب على المخالفة من إثم وذنب؛ لأن الرخصة أصلها التخفيف عن المكلف، ورفع الحرج عنه، حتى يكون من ثقل التكاليف في سعة، واختيار الأولى للمكلف.([13])
والشاطبي / في «الموافقات» (ج1 ص210)؛ يقتصر على إباحة مخالفة الحكم الكلي العام، وهو العزيمة، ويرفع الحرج والإثم عن هذه المخالفة، أو يقرر العفو، والمغفرة عن المخالف.
فالرخص سببها الضرورة؛ لأن قد يطرأ على المكلف في حالة من الخطر، أو المشقة الشديدة تجعله يخاف من حدوث أذى بالنفس، أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال، أو بتوابعها.([14])
فيتعين عليه عندئذ، أو يباح له ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب أو تأخيره، أو فعل مصلحة، أو غير ذلك دفعا للضرر عنه في غالب الظن ضمن قيود الشرع. ([15])
قال الفقيه الشاطبي / في «الموافقات» (ج1 ص309): (الرخصة: أصلها التخفيف عن المكلف، ورفع الحرج عنه؛ حتى يكون من ثقل التكليف في سعة واختيار، بين الأخذ بالعزيمة، والأخذ بالرخصة). اهـ
وقال الفقيه الشاطبي / في «الموافقات» (ج1 ص309): (إن مقصود الشارع من مشروعية الرخصة الرفق بالمكلف عن تحمل المشاق؛ فالأخذ بها مطلقا موافقة لقصده). اهـ؛ أي: لقصد الشارع.
قلت: لذلك فترك الرخصة مع ظن سببها قد تؤدي إلى الانقطاع عن الاستباق إلى الخير، وإلى السآمة والملل، وترك الدوام، وكراهية العمل. ([16])([17])
فالرخصة منحة من الله تعالى، شرعت لدفع المشقة عن العباد.
قال الفقيه ابن رشد / في «بداية المجتهد» (ج1 ص200)؛ عن المفهوم من قصر الصلاة: (وهذا كله يدل على التخفيف، والرخصة، ورفع الحرج). اهـ
والرخصة: الإذن في الأمر بعد النهي عنه؛ يقال: رخص له في الأمر، وأرخص له فيه: إذا أذن له فيه بعد النهي عنه.
قال الفيومي اللغوي / في «المصباح المنير» (ص118): (والرخصة التسهيل في الأمر والتيسير، يقال: رخص الشرع لنا في كذا ترخيصا, وأرخص إرخاصا إذا يسره وسهله وفلان يترخص في الأمر أي لم يستقص، ورخص له في الأمر إذا أذن له فيه، قال النبي r: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه؛ كما يكره أن تؤتى معصيته)). اهـ
وقال الفقيه علاء الدين السمرقندي / في «ميزان الأصول» (ص55): (الرخصة فهي اسم لما تغير عن الأمر الأصلي؛ لعارض إلى تخفيف وتيسير([18])، ترفيها وتوسعة على أصحاب الأعذار، سواء كان التغيير في وصفه، أو في حكمه). اهـ
وقال الفقيه الأزهري / في «معجم تهذيب اللغة» (ج2 ص1385): (والرخصة: ترخيص الله للعبد في أشياء خففها عنه). اهـ
قلت: فمفهوم الرخصة؛ ما ثبت على خلاف دليل شرعي؛ لمعارض راجح، فليزم الوقف على حصول الراجح تيسيرا للمكلف في دينه.
قال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج1 ص204): (الرخصة؛ فما شرع لعذر شاق، استثناء من أصل كلي يقتضي المنع، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه). اهـ
وهذا من خصائص الرخص: أنها أحكام جزئية خاصة، شرعت على أحكام، فجواز الفطر للمريض، والمسافر، وإباحة الميتة للمضطر، والنطق بكلمة الكفر للمكره وغير ذلك؛ كلها أحكام جزئية خاصة؛ لأنها تطبق في شأن بعض المكلفين في بعض الحالات، وهي حالات السفر، والمرض، والإكراه، والضرورة، وهذه الأحكام الجزئية الخاصة تعد استثناء من أحكام كلية عامة تمنع الفطر في رمضان، وأكل الميتة، والنطق بكلمة الكفر، وتطبق على وجه العموم والإطلاق.([19])
قلت: وهذه الأحكام وغيرها يقتصر فيها على موضع الحاجة والضرورة؛ ذلك أنها أحكام جزئية خاصة، فهي أحكام تخص بعض المكلفين دون بعض، وتطبق في حالات خاصة.([20])
وبذلك كانت دائرة مع أسبابها وجودا وعدما، فإذا وجدت أسباب الترخيص جازت مخالفة التكليف الكلي العام.
وإذا انتفت هذه الأسباب وجب الرجوع إلى هذه الأحكام، فأسباب الترخيص تمنع من التكليف ببعض الأحكام الكلية العامة، أو تجيز مخالفته مع قيامه، وتمنع من العقاب على هذه المخالفة.([21])
والرخصة: باعتبار متعلقها الذي هو فعل المكلف، تكون واجبة، ومندوبة، ومباحة، وخلاف الأولى، وهو رأي جمهور الأصوليين الذين يقولون: إن الرخصة قد تكون مطلوبة الفعل على وجه اللزوم، أو على وجه الندب والاستحباب.([22])
1) فتكون واجبة كأكل المضطر مما حرم الله من المأكولات، وشربه مما حرم من المشروبات، فإن هذا الحكم ثبت بدليل، وهو قوله تعالى: ]ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة[ [البقرة: 195] مع قوله تعالى: ]فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه[ [البقرة: 173] وأصل حكمها الحرمة؛ لقوله تعالى: ]حرمت عليكم الميتة[ [المائدة: 3].
قلت: فوجوب أكل الميتة للمضطر رخصة؛ لأنه ثبت بدليل على خلاف دليل آخر لعذر، وهو الاضطرار إلى الأكل لحفظ الحياة، والحكم هنا وإن تغير من صعوبة، وهي الحرمة، إلى صعوبة وهي الوجوب، إلا أن وجوب الأكل موافق لغرض النفس في بقائها، ففيه سهولة من هذه الناحية، وسبب الحكم الأصلي: الخبث، ولذلك كان حراما.
2) وتكون الرخصة مندوبة؛ كالقصر في الصلاة الرباعية في السفر.
3) وتكون الرخصة مباحة؛ مثل: إباحة العرايا، والعرايا: بيع الرطب على رؤوس الأشجار خرصا بالتمر القديم، والخرص: التقدير.
قلت: فيشتري رطبها منه بتمر يابس، فإباحة العرايا حكم ثبت بقوله r: (رخص في العرايا بخرصها) ([23])، وهذا الدليل مخالف للدليل على حرمة الربا، وهذه المخالفة جوزت للحاجة إليها، استثناء من شرط التماثل، أو المساواة في البيوع الربوية، والتمر مال ربوي، والرطب ينتقص إذا جف فلم تتحقق المماثلة المطلوبة شرعا.
4) وتكون الرخصة خلاف الأولى وتركها أفضل؛ كفطر المسافر في نهار رمضان الذي لا يشق عليه الصوم مشقة قوية.([24])
قلت: فإذا عرض للمكلف ما يجعل العمل بالحكم الكلي ضررا شاقا، أو متعذرا؛ فإن الشارع يعتبرها ضرورة تبيح مخالفة الأحكام الكلية، ويستبدل بها أحكاما استثنائية، بها يتمكن المكلف من تأدية ما وجب عليه ولو في الجملة، وتزول هذه الأحكام الاستثنائية بزوال أسبابها، فيرخص الله تعالى للمكلف أن يترك الحكم المطالب به، إلى حكم طارئ تيسيرا، ورفعا للحرج، والمشقة بالرخصة دفعا للضرر.
قال تعالى: ]ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة[ [البقرة: 195].
قلت: وعلى هذا الأساس قعد الفقهاء([25]) قاعدة هامة من قواعد الأصول نصها: «الضرورات تبيح المحظورات»، وهي تعد من فروع القاعدتين الكليتين: «إذا ضاق الأمر اتسع»، و«الضرر يزال»([26])، وقد فرعوا على هذه القاعدة، وما يتصل بها فروعا كثيرة.([27])
قال تعالى: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185] .
وقال تعالى: ]يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا[ [النساء: 28] .
وقال تعالى: ]ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج[ [المائدة: 6] .
قلت: وهذه الآيات تدل على عدم وقوع المشقة غير المألوفة في التكاليف الشرعية.([28])
قال الفقيه الطبري / في «جامع البيان» (ج2 ص91): (يريد ربكم أيها المؤمنون –بما شرع لكم- التخفيف، والتسهيل عليكم، ولا يريد بكم الشدة، والمشقة عليكم).اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «فتح القدير» (ج3 ص470): (قوله تعالى: ]وما جعل عليكم في الدين من حرج[ [الحج: 78] أي: من ضيق وشدة، ما جعل عـليـهم حرجا بتكليـف ما يشق عليهم، ولكن كلـفهم بما يقدرون عليه، ورفع عنهم التكاليف التي فيها حرج). اهـ
وقال الفقيه ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج7 ص115): (الله تعالى يقول: ]وما جعل عليكم في الدين من حرج[ [الحج: 78]([29])، وقال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا وسعها[ [البقرة: 286]، وقال تعالى: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185] ولا حرج، ولا عسر، ولا تكليف ما ليس في الوسع). اهـ
وقال الفقيه العز بن عبد السلام / في «شجرة المعارف» (ص401): (أخبرنا ربنا أنه يريد بنا اليسر؛ أي: التخفيف والتسهيل، ولا يريد بنا العسر؛ أي: الشدة والمشقة، وأنه ربنا رحيم، تواب حكيم.
وليس من آثار اللطف والرحمة، واليسر والحكمة أن يكلف عباده المشاق بغير فائدة عاجلة، ولا آجلة). اهـ
قلت: فالدين أسس على اليسر([30]) والرفق، والعطف والتخفيف، والعذر هو الأصل في ذلك.([31])
قال تعالى: ]فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم[ [البقرة: 173] .
وقال تعالى: ]يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا[ [النساء: 28] .
وقال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا وسعها[ [البقرة: 286]؛ والمراد بالوسع هو: الطاقة والاستطاعة.
قلت: والذي رجحه المفسرون: عموم التخفيف في الشريعة، بناء على ضعف الإنسان أمام رغباته، وأمام مغريات الحياة وشهواتها، بالرحمة واليسر، ورفع المشقة، وإزالة الضرر.([32])
قال الإمام الزركشي / في «المنثور» (ج3 ص396): (الأخذ بالرخص والعزائم في محلها مطلوب راجح؛ فإذا قصد بالرخصة([33]) قبول فضل الله تعالى كان أفضل، وفي الحديث الصحيح: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه؛ كما يحب أن تؤتى عزائمه)؛ إذا ثبت هذا فمطلوب الشرع الوفاق، ورد الخلاف إليه). اهـ
قلت: ومن القواعد الكلية في التشريع الإسلامي: «المشقة تجلب التيسير».
وهي قاعدة متأصلة في أحكام الشرع الإسلامي يدل على تأصيلها([34])، كقوله تعالى: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185]، وقوله تعالى: ]وما جعل عليكم في الدين من حرج[ [الحج: 78].
قال الفقيه ابن نجيم / في «الأشباه والنظائر» (ص75): (قال العلماء: يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته). اهـ
قلت: فكل مأمور يشق على العباد فعله سقط الأمر به، وكل منهي شق عليه اجتنابه سقط النهي عنه.([35])([36])
فهذا الأمر يقع في الحرج، والحرج منفي في الشريعة المطهرة، لأن رفع الحرج من مقاصد الشريعة، وإن الشرع لم يأت بما يشق أو يعنت، بل شرع من الأحكام الأصلية، والرخص ما يتناسب مع أحوال المكلفين.
قلت: وإذا انتفت هذه الأسباب وجب الرجوع إلى هذه الأحكام، فأسباب الترخيص تمنع من التكليف ببعض الأحكام الكلية العامة، أو تجيز مخالفته مع قيامه، وتمنع من العقاب على هذه المخالفة، لأن ذلك ضرورة.([37])
قال تعالى: ]ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر[ [القمر: 17]؛ أي: سهلناه للناس في أحكامه.
وعن أبي هريرة t، عن النبي r قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه).([38])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص101): (سمى الدين يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله، لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم). اهـ
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي r قال: (أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة).([39])
وبوب البخاري / في «صحيحه» (ج1 ص23)؛ باب: الدين يسر.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما خير رسول الله r بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر؛ إلا اختار أيسرهما).([40])
قال الفقيه النووي / في «المنهاج» (ج15 ص83): (وما خير رسول الله r بين أمرين، إلا اختار أيسرهما)؛ فيه استحباب الأخذ بالأيسر، والأرفق). اهـ
وبوب عليه النووي / في «المنهاج» (ج15 ص83)؛ باب: مباعدته r للآثام واختياره من المباح أسهله.
وقال الفقيه القرطبي / في «المفهم» (ج6 ص118): (قولها: «وما خير رسول الله r بين أمرين، إلا اختار أيسرهما»؛ تعني: أنه كان إذا خيره أحد في شيئين يجوز له فعل كل واحد منهما، أو عرضت عليه مصلحتان؛ مال للأيسر منهما، وترك الأثقل أخذا بالسهولة لنفسه، وتعليما لأمته). اهـ
وعن ابن عباس ط قال: (خذ بأيسرهما عليك)، قال الله تبارك وتعالى: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185] .([41])
وعن مجاهد / قال: (خذ بأيسرهما عليك فإن الله لم يرد إلا اليسر).([42])
وعن النبي r قال: لمعاذ بن جبل، وأبي موسى الأشعري، لما بعثهما إلى اليمن: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا).([43])
قلت: فمن كان يفتي الناس؛ فينبغي أن يكون شعاره التيسير لا التعسير، والتبشير لا التنفير، اتباعا لوصية النبي r لمعاذ، وأبي موسى رضي الله عنهما.
وهذا يجعل العالم يستحضر الرخص، فإن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، ويقدر الأعذار والضرورات، ويبحث عن التيسير، ورفع الحرج، والتخفيف علضى العامة([44]): ]يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا[ [النساء: 28].
قلت: وقد رخص الشارع في النطق بالقول الكذب عند الضرورة والحاجة.
فعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت من المهاجرات الأول، اللاتي بايعن النبي r، أخبرته، أنها سمعت رسول الله r ، وهو يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرا وينمي خيرا). قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.([45])
قلت: رغم أن الكذب من قبائح الذنوب، وفواحش القلوب، وآفات اللسان، ومن علامات عدم الإيمان، بشهادة القرآن نفسه: ]إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله[ [النحل: 105]، وبتأكيد من النبي r نفسه، فقد رخص الشارع الحكيم في الحالات الثلاث التي نص عليها الحديث، لما فيها من جلب مصلحة، أو درء مفسدة.([46])
قلت: ووجدنا هذا التيسير في التطبيق العملي لدى النبي r، وصحابته y في منهج التيسير على أنفسهم وعلى غيرهم، ومن ذلك في جواز صلاة الفريضة على الراحلة في السفر والحضر([47])؛ كما سوف يأتي ذكر الأدلة في هذا الحكم.
فعن جابر بن عبد الله t عن النبي r قال: (عليكم برخصة الله الذي رخص لكم).([48])
قال الإمام ابن دقيق العيد / في «إحكام الأحكام» (ج2 ص225): (وقوله r: «عليكم برخصة الله التي رخص لكم»؛ دليل على أنه يستحب التمسك بالرخصة إذا دعت الحاجة إليها. ولا تترك على وجه التشديد على النفس والتنطع والتعمق).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
التمهيد
في
أن الفقيه هو الذي يعرف مواقع الخلاف، لا حفظ مجرد الخلاف،
فإن المقلدة بجميع أنواعهم في هذا الزمان يحفظون الخلاف، لكن
لا يعرفون مواقع الخلاف، فهم يذكرون الإجماع في بعض الأحكام
بجهل بالغ في الفقه الإسلامي
فبإحكام النظر في هذا المعنى يترشح الناظر في الفقه أن يبلغ درجة الفقه ليحصل على معرفة مواقع الخلاف([49])، ومواقع الإجماع ليتبين له الحق في معرفة مواضع الاختلاف، ومواضع الإجماع في كل مسألة تعرض له في الدين.([50])
قلت: لذلك جعل العلماء العلم معرفة مواقع الخلاف، ومواقع الإجماع، لا مجرد حفظ الخلاف([51])، وحفظ الإجماع؛ أي: المراد فهم الخلاف وتتبعه في مظانه، ومعرفة حقيقته على الجادة، وكذلك الإجماع معرفته على الحقيقة لا بالتقليد والظن!.
وقد نبه السلف على هذا الأصل في الفقه، وبينوا أن الذي لا يعرف مواقع الخلاف؛ فإنه لا يشم رائحة الفقه في الدين.
فعن سعيد بن أبي عروبة / قال: «من لم يسمع الاختلاف فلا تعدوه عالما».([52])
وعن قتادة / قال: «من لم يعرف الاختلاف لم يشم رائحة الفقه بأنفه».([53])
وعن هشام بن عبيد الله الرازي / قال: «من لم يعرف اختلاف القراء فليس بقارئ، ومن لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه».([54])
وعن عطاء بن أبي مسلم الخراساني / قال: «لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس، حتى يكون عالما باختلاف الناس؛ فإن لم يكن كذلك رد من العلم ما هو أوثق من الذي في يده».([55])
وعن أيوب السختياني / يقول: «أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما باختلاف العلماء، وأمسك الناس عن الفتيا أعلمهم باختلاف العلماء».([56])
وعن سفيان بن عيينة / قال: «أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما باختلاف العلماء».([57])
وعن ابن القاسم قال: «سئل مالك، قيل له: لمن تجوز الفتوى؟ قال: لا تجوز الفتوى إلا لمن علم ما اختلف الناس فيه قيل له: اختلاف أهل الرأي؟ قال: لا، اختلاف أصحاب محمد r».([58])
وعن يحيى بن سلام /: «لا ينبغي لمن لا يعرف الاختلاف أن يفتي».([59])
وعن قبيصة بن عقبة / قال: «لا يفلح من لا يعرف اختلاف الناس».([60])
قلت: فهذه الآثار تنبيه على المعرفة بمواقع الخلاف، لكي لا يدعي متعالمبإجماع أهل العلم في مسألة فقهية.
قال الشاطبي / في «الموافقات» (ج5 ص123): (وحاصله معرفة مواقع الخلاف، لا حفظ مجرد الخلاف، ومعرفة ذلك إنما تحصل بما تقدم من النظر؛ فلا
بد منه لكل مجتهد). اهـ
قلت: وهذه درجة عظمى في العلم؛ إنما تتحقق بمعرفة مواقع الاختلاف عند وجوده، ومعرفة الحق فيه بالترجيح بالأدلة الشرعية الصحيحة.([61])
يظهر هذا فيمن له القدرة على الترجيح؛ فإنه إذا لم يعلم اختلافهم وأدلة كل؛ ربما كان ما في يده من علم أضعف مدركا مما لم يقف عليه من العلم، فإذا عرف الخلاف، ومدرك كل أمكنه الترجيح وإصابة الحق، فلا يأخذ ضعيفا ويترك قويا.
قلت: لذلك فلن يفقه المرء كل الفقه حتى يعرف وجه الخلاف، ووجه الإجماع في القرون الفاضلة، والدهور الغابرة، والعصور الحاضرة!.
فقد كان السلف من الصحابة، والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره؛ فإذا رأى أنها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب، والسنة، والآثار.([62])
فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى / قال: «أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي r، أراه قال: في هذا المسجد، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا».([63])
وعن الأوزاعي / قال: «العلم ما جاء عن أصحاب([64]) محمد r، وما لم يجئ عن واحد منهم فليس بعلم».([65])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب أنعمت فزد
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
]ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران :102].
]ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].
]ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 و71].
أما بعد...
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن أهل الحديث قد ابتلوا في غابر الزمان، وحاضره بفئام من الناس، تطاولوا
عليهم، وسودوا في ذمهم القرطاس، ولم يرقبوا فيهم إلا، ولا ذمة، بل أرادوا الطعن بهم، والوقيعة فيهم ليشوهوا بهي صورهم عند العامة.([66])
قال تعالى: ]كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون[ [التوبة: 8].
وقال تعالى: ]لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون[ [التوبة: 10].
وهؤلاء نسجوا على منوال أسلافهم ممن طعنوا بعلماء الحديث، فتراهم يلمزونهم تلميحا تارة، ويقدحون فيهم تصريحا تارة أخرى، وليس ذلك منهم؛ إلا لينفروا نشأ الأمة منهم، متبعين في ذلك شتى الطرق، والأساليب الماكرة التي تخدم أهدافهم، وتنفذ مآربهم، سالكين طريقة الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر!.
قال تعالى: ]ومكر أولئك هو يبور[ [فاطر: 10].
وقال تعالى: ]ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله[ [فاطر: 43].
وقال تعالى: ]قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون[ [التوبة: 52].
قلت: والناظر بتأمل، وروية يرى دليل ذلك عيانا، في أمثلة صريحة لا يستطيع لها نكرانا!، فنرى أن موجة هجوم المبتدعة وأذيالهم، قد بدأت تأخذ مسارا آخر، إذ لما كشف الله سبحانه حقيقتهم، وأظهر مكنون قلوبهم، علم أهل السنة أن بضاعة هؤلاء في سوق الحق كاسدة، وأن تلبيساتهم، وتدليساتهم لا تنطلي، إلا على ذوي العقول، والآراء الفاسدة.
فيمم أهل التحزب الخائبون وجوههم، وريشوا سهامهم، نحو أهل الحديث من دعاة السنة، لا يألون جهدا في تسويد الردود عليهم، وتوجيه الطعون إليهم، بعبارات ماكرة، وكلمات ممجوجة، ورسالات بالحق محجوجة.
قلت: وإذا نظرت أخي المسلم نظرة تأمل، وتفحص ترى أن غالب من رفع عقيرته بالرد على أهل الحديث هم: أهل البدع والأهواء، والانحراف عن السنة، وترك نهج التوحيد الصافي، والبضاعة المزجاة في المنهج السلفي الأثري، والله المستعان.
ولما تكشفت لنا أهداف العصبة الردية التي تحركها دوافع حزبية تنوعت دوافعها، ولكنها اجتمعت على محاربة الدعوة السلفية المباركة، وحفر الأخاديد في طريق المد الدعوي السلفي الذي تشهده الساحة الإسلامية، وذلك في صورة تجريح دعاتها، فلم نلق لهم بالا؛ لأننا لا نريد مراء، ولا جدالا، ولثقتنا بالله تعالى أنه سيعيد مكرهم عليهم وبالا: ]ومكر أولئك هو يبور[ [فاطر:10]، فأنظرناهم لعلهم يرجعون، وبالتواصي بالحق يقتنعون، أو يتذكرون فيرعون ... ولكنهم أرادوا أن يعيدوها جذعة؛ لأن نار الحقد، والحسد، والبغضاء في قلوبهم لم تنطفئ، وكيف يخمد أوارها وفيها ينفخ ذوو الشهوات، والشبهات، ويمنونهم: ]يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا[ [النساء:120]، فأصدروا الفتاوى للمقلد المخالفة للشرع وقد ملؤوها منكرا من القول، وزورا لعلهم يروجون على المخدوعين من الهمج الرعاع.
فتراهم يبحثون عن زلة ليجعلوا منها العلة، وعن عثرة ليدعوا إلى النفرة، وتراهم يجعلون من الحبة قبة، ومن النملة فيلا!.
وتراهم يمضغون الهواء بعد أن عجزوا عن استنبات بذور حقدهم، وحسدهم فيه، اللهم غفرا.
وتراهم ينسجون من الرمال حبالا، ويجعلون من أعواد الخيزران جبالا، وظنوا أنهم شوهوا سمعة البرآء، ولطخوا صورة الذين جعلوا هجرتهم لله تعالى، ولرسولهr.
فأولئك سحقا لهم سحقا، ومحقا لهم محقا، وتعسا لهم تعسا، فأولى لهم ثم أولى لهم.
أقول: لقد أصبح أمرا مألوفا اليوم أن يطفو فلان، ويشار إليه بالبنان إذا نازل عظيما!، أو أهان كريما!.
وكم رأينا أمثال هؤلاء الذين أعماهم حب الظهور، وأصيبوا بداء العظمة قاموا يتطاولون على أهل العلم، وطلبة العلم؛ فكان ردهم عليهم بدون أدب، ونيلهم منهم بكل وقاحة، هو القبر الذي حفروه لأنفسهم بأيديهم، فلم تقم لهم بعدها قائمة، وعلى نفسها جنت براقش: ]ليقضي الله أمرا كان مفعولا[ [الأنفال:44].
قال الحافظ ابن رجب / في « الفرق بين النصيحة والتعيير» (ص25): (وأما إذا كان مراد الراد بذلك إظهار عيب من رد عليه، وتنقصه، وتبيين جهله، وقصوره في العلم – بزعمه -، ونحو ذلك كان محرما، سواء كان رده لذلك في وجه من رد عليه، أو في غيبته، وسواء كان في حياته، أو بعد موته، وهذا داخل فيما ذمه الله تعالى في كتابه، وتوعد عليه في الهمز واللمز). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «الفرق بين النصيحة والتعيير» (ص22): (وأما بيان خطأ من أخطأ من العلماء قبله، إذا تأدب في الخطاب، وأحسن في الرد والجواب فلا حرج عليه، ولا لوم يتوجه إليه). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «الفرق بين النصيحة والتعيير» (ص29): (وأما إشاعة، وإظهار العيوب فهو مما حرمه الله، ورسوله، قال الله تعالى: ]إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون [[النور:19]، فلهذا كان إشاعة الفاحشة مقترنة بالتعيير، وهما من خصال الفجار، لأن الفاجر لا غرض له في زوال المفاسد، ولا في اجتناب المؤمن للنقائص والمعايب، إنما غرضه في مجرد إشاعة العيب في أخيه المؤمن، وهتك عرضه، فهو يعيد ذلك ويبديه، ومقصوده تنقص أخيه المؤمن في إظهار عيوبه، ومساويه للناس ليدخل عليه بذلك الضرر في الدنيا!). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «الفرق بين النصيحة والتعيير» (ص30): (وأما الحامل للفاجر على إشاعة السوء وهتكه، فهو القسوة والغلظة، ومحبته إيذاء أخيه المؤمن، وإدخال الضرر عليه، وهذه صفة الشيطان الذي يزين لبني آدم الكفر، والفسوق، والعصيان ليصيروا بذلك من أهل النيران، كما قال تعالى: ]إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحـاب السعير[ [فاطر:6] ... فشتان بين من قصده النصيحة، وبين من قصده الفضيحة، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلا على من ليس من ذوي العقول الصحيحة). اهـ
قلت: ومـن أعـظـم القـربـات إلى الله تعالى توحيد الكلمة على شـرع الله تعالى،
وإشاعة الألفة والمحبة والأخوة([67]) بين المسلمين، ومراعاة ما أوجبه الله تعالى علينا من الحقوق تجاه إخواننا، وهذا لا يأتي إلا بعد علم، ومعرفة، واطلاع.
ولنتدارك أخطاء التي يقع فيها الآمرون بالمعروف في نصحهم، فتتحول النصيحة إلى تعيير!، والإصلاح إلى تنفير!، والصفاء إلى تعكير!.([68])
قلت: وقد ثبتت النصوص النبوية في تثبيت دعائم الأخوة، وإشاعة المحبة، والمودة، والوئام، وقد تلقتها قلوب الصحابة بمبدأ التلقي للتنفيذ والتطبيق، وعاشتها حياة كريمة، رقت فيها القلوب، وصفت فيها النفوس، وسمت فيها المشاعر.
قال تعالى: ]والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض[ [التوبة:71].
قلت: والمفروض أن يكون الأخ واثقا من أخيه، مطمئنا إليه، فلا يؤول كلامه إلا بخير ما دام يجد في الكلام مجالا للتأويل الحسن.
قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم[ [الحجرات:12].
يقول الله تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة، والتخون للأهل، والأقـارب، والنــاس في غيـر مـحـلـه، لأن بعـض ذلـك يـكون إثـمـا مـحـضا، فليجتنب كثير منه احتياطا.([69])
قال الحافظ ابن رجب / في « الفرق بين النصيحة والتعيير » (ص26): (ومن حمل كلامه، والحال على ما ذكر، فهو ممن يظن بالبريء الظن السوء، وذلك من الظن الذي حرمه الله، ورسوله r، وهو داخل في؛ قوله سبحانه وتعالى: ]ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا[ [النساء:112]، فإن الظن السوء ممن لا يظهر منه - أعني هذا الظان - أمارات السوء، مثل: كثرة البغي، والعدوان، وقلة الورع، وإطلاق اللسان، وكثرة الغيبة، والبهتان، والحسد للناس، على ما آتاهم الله من فضله والامتنان، وشدة الحرص على المزاحمة على الرئاسات قبل الأوان، فمن عرفت منه هذه الصفات التي لا يرضى بها أهل العلم والإيمان، فإنه إنما يحمل تعرضه للعلماء، ورده عليهم على الوجه الثاني فيستحق حينئذ مقابلته بالهوان، ومن لم تظهر منه أمارات بالكلية تدل على شيء، فإنه يجب أن يحمل كلامه على أحسن محملاته، ولا يجوز حمله على أسوأ حالاته. وقد قال عمر t: (لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا)([70]). اهـ
قلت: فالعلة إذا تتبع الأخ، وسوء الظن به([71])، اللهم غفرا.
وهذه العلة الأساسية والأولى في أتباع الجماعات الحزبية، فإنهم في تمزيق الأخوة، وتشتيت الأحباب، وذهاب الألفة، والمودة بينهم، إنما هو في لسانهم البتار!، فلم يرحموا المسلمين، بل ولم يرحموا أنفسهم، كما هو مشاهد منهم في اختلافاتهم مع بعض، وهذا عقاب الله تعالى لهم.
فعن جرير بن عبد الله t عن النبي r قال: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله
عز وجل)، وفي رواية: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس).([72])
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).([73])
وعن أبي هريرة t قال: سمعت أبا القاسم الصادق المصدوق r يقول: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي).([74])
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من لا يرحم لا يرحم).([75])
قال ابن حجر / في «الإمتاع» (ص67):
إن من يرحم من في الأرض قد |
آن أن يرحمه من في السما |
فارحم الخلق جميعا إنما |
يرحم الرحمن فينا الرحما |
قال تعالى: ]إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي[ [يوسف:53].
قلت: فإذا أراد العبد أن يتخلق بخلق الرحمة على الناس، احتاج إلى أن يمكن
له في الصدر الذي هو ساحة القلب، فمن كان أوسع صدرا، كان أوسع رحمة للناس ... فإذا اتسع صدره([76])، وجد كل خلق من الأخلاق الحميدة ناحية في صدره، وتمكنت منه، وسهل على القلب إنفاذ أوامر الله تعالى، ورسوله r... فينشرح الصدر على قدر توسع الرحمة فيه، فمبتدأ الرحمة أن يعمل العبد في توسيع الصدر حتى تصير له الأخلاق الحميدة، فتشرق منه أنوار الكتاب والسنة، فيعيش غنيا بالله تعالى ما عاش، وبالله التوفيق.
قلت: فإذا رحمك الرحمن صلحت للدعوة إلى الله، وتفرغت للعلم النافع، والعمل الصالح، وإذا لم ترحم لم تصلح للدعوة إلى الله تعالى، ولم تتفرغ للعلم النافع، والعمل الصالح، اللهم سلم سلم.
فالرحمة رقة في القلب، وحساسية في الضمير، وإرهاف في الشعور تستهدف الرأفة بالآخرين، والشفقة عليهم من أن يتعرضوا للبلاء، والضرر، والاختلاف المهلك، وتسلط أعداء السنة عليهم.
ولنعلم أن الرحمة خلق إسلامي كريم حث عليه النبي r في أحاديث كثيرة.
قلت: وعلى هذا فمن ابتلي بشيء من مكر الحزبية، فليتق الله تعالى، ويستعين به، ويصبر فإن العاقبة له.
قال الحافظ ابن رجب / في « الفرق بين النصيحة والتعيير» (ص37): (ومن بلي بشيء من هذا المكر، فليتق الله، ويستعين به، ويصبر، فإن العاقبة للتقوى، كما قال الله تعالى بعد أن قص قصة يوسف، وما حصل له من أنواع الأذى بالمكر، والمخادعة: ]وكذلك مكنا ليوسف في الأرض[ [يوسف:21]، وقال الله تعالى حكاية عنه أنه قال لإخوته: ]أنا يوسف وهـذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين[ [يوسف:90]، وقال تعالى في قصة موسى عليه السلام، وما حصل له، ولقومه من أذى فرعون وكيده، قال لقومه: ]استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين[ [الأعراف:128]، وقد أخبر الله تعالى أن المكر يعود وباله على صاحبه، قال تعالى: ]استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا[ [فاطر:43]، وقال تعالى: ]وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون[ [الأنعام:123]، والواقع يشهد بذلك، فإن من سبر أخبار الناس، وتواريخ العالم وقف على أخبار من مكر بأخيه فعاد مكره عليه، وكان ذلك سببا لنجاته وسلامته على العجب العجاب).([77]) اهـ
قلت: وهؤلاء لهم النصيب الأوفر في هذا الكلام، لأنهم أهل مكر([78])، ويظهرون مكرهم في صورة نصح، اللهم سلم سلم.
قال الحافظ ابن رجب / في «الفرق بين النصيحة والتعيير» (ص31): (وعقوبة من أشاع السوء على أخيه المؤمن، وتتبع عيوبه، وكشف عورته، أن يتبع الله عورته، ويفضحه، ولو في جوف بيته). اهـ
وقـال الحافظ ابن رجب / في « الفرق بين النصيحة والتعيير» (ص34) فيمن يظهر النصح، ويبطن التعيير والأذى، وأن ذلك من صفات المنافقين: (ومن أخرج التعيير وأظهر السوء وإشاعته في قالب النصح وزعم أنه إنما يحمله على ذلك العيوب، إما عاما أو خاصا، وكان في الباطن إنما غرضه التعيير والأذى، فهو من إخوان المنافقين الذين ذمهم الله في كتابه، في مواضع، فإن الله تعالى ذم من أظهر فعلا أو قولا حسنا، وأراد به التوصل إلى غرض فاسد يقصده في الباطن، وعد ذلك من خصال النفاق؛ كما في سورة براءة التي هتك فيها المنافقين وفضحهم بأوصافهم الخبيثة: ]والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون «107» لا تقم فيه أبدا...[ [التوبة:107]، وقال تعالى: ]لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم[ [آل عمران:188]، وهذه الآية نزلت في اليهود، لما سألهم النبي r عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره، وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك عليه وفرحوا بما أتوا من كتمانه، وما سألهم عنه.
كذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما، وحديثه بذلك مخرج في «الصحيحين».([79])
وعن أبي سعيد الخدري t قال: (أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله r إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله r، فإذا قدم رسول
الله اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت هذه الآية).([80])
فهذه الخصال، خصال اليهود والمنافقين، وهو أن يظهر الإنسان في الظاهر قولا أو فعلا، وهو في الصورة التي ظهر عليها حسن، ومقصوده بذلك التوصل إلى غرض فاسد، فيحمده على ما أظهر من ذلك الحسن، ويتوصل هو به إلى غرضه الفاسد الذي هو أبطنه، ويفرح بحمده على ذلك الذي أظهر أنه حسن، وفي الباطن شيئ، وعلى توصله في الباطن إلى غرضه السيء، فتتم له الفائدة، وتنفذ له الحيلة بهذا الخداع!!.
ومن كانت هذه صفته فهو داخل في هذه الآية ولابد، فهو متوعد بالعذاب
الأليم، ومثال ذلك: أن يريد الإنسان ذم رجل وتنقصه، وإظهار عيبه لينفر الناس عنه؛ إما محبة لإيذائه أو لعداوته، أو مخافة من مزاحمته على مال أو رياسة أو غير ذلك من الأسباب المذمومة، فلا يتوصل إلى ذلك إلا بإظهار الطعن فيه بسبب ديني، مثل: أن يكون قد رد قولا ضعيفا من أقوال عالم([81]) مشهور فيشيع بين من يعظم ذلك العالم، أن فلانا يبغض هذا العالم ويذمه ويطعن عليه فيغر بذلك كل من يعظمه، ويوهمهم أن بغض الراد وأذاه من أعمال القرب، لأنه ذب عن ذلك العالم، ورفع الأذى عنه، وذلك قربة إلى الله عز وجل وطاعته؛ فيجمع هذا المظهر للنصح بين أمرين قبيحين محرمين:
أحدهما: أن يحمل رد هذا العالم القول الآخر على البغض، والطعن، والهوى،
وقد يكون إنما أراد به النصح للمؤمنين، وإظهار ما لا يحل له كتمانه من العلم.
والثاني: أن يظهر الطعن عليه ليتوصل بذلك إلى هواه، وغرضه الفاسد في قالب النصح، والذب عن علماء الشرع.
وبمثل هذه المكيدة كان ظلم بني مروان وأتباعهم يستميلون الناس إليهم، وينفرون قلوبهم عن علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين وذريتهم y أجمعين).اهـ
قلت: ولو تتبعـنا ذيـول مشـكلـة الـمقلد المتعصـب لوجدناها نابعة مـن عوامل
عدة:
منها: شعوره بالحسد.
ومنها: تحريض من جهات أخرى لها مصلحة في الطعن بالدعوة السلفية.
ومنها: حب الظهور في الرد على فلان، وفلان.
ومنها: لعله يعوض ما في قلبه من حقد، وغل، وغير ذلك.
قال تعالى: ]وكل إنسان ألزمناه طآئره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا[ [الإسراء:13].
واعلم أنه لا بد لكل نعمة من حاسد، ولكل حق من جاحد ومعاند ... وهذه بضاعته المزجاة ... وعقله المكدود يعرض على عقول العالمين، وإلقائه نفسه، وعرضه بين مخالب الحاسدين، وأنياب البغاة المعتدين، فاستهدف لسهام الراشقين، واستعذر إلى الله تعالى من الزلل ثم إلى عباده المؤمنين ... فلا يعرف من المعروف، ولا ينكر من المنكر إلا ما وافق إرادته، وهاتف هواه، يستطيل على أولياء الرسول r وحزبه بأصغريه، ويجالس أهل الإرجاء والجهالة، ويزاحمهم بركبتيه، قد ارتوى من ماء آجن.([82])
قلت: وقد تبين لي من كتابات هؤلاء في الأحكام في الأصول والفروع أنهم من القوم الذين يحكمون الدين بآراء الرجال، وبحسب عادات البلدان، وهذا الذي اعتادوه، وتربوا عليه، فقلدوا آباءهم، وقالوا بقول مشايخهم بدون نظر في الأدلة الشرعية، وهذا خروج عن الصراط المستقيم.
قـال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص233): (فأما من لم
يعرف إلا قول عالم واحد وحجته؛ دون قول العالم الآخر وحجته؛ فإنه من العوام المقلدين([83])؛ لا من العلماء الذين يرجحون ويزيفون). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رفع الملام» (ص89): (فلا بد أن نؤمن بالكتاب كله, ونتبع ما أنزل إلينا من ربنا جميعه، ولا نؤمن ببعض الكتاب، ونكفر ببعض، وتلين قلوبنا لاتباع بعض السنة، وتنفر عن قبول بعضها بحسب العادات والأهواء, فإن هذا خروج عن الصراط المستقيم, إلى صراط المغضوب عليهم والضالين). اهـ
قلت: والأصل أن نفتي الناس بالدليل أولا، ثم نحتج بأقوال العلماء الذين وافقوا الدليل، فلا نحتج بأقوال العلماء بدون دليل، فإن العلماء يحتج لهم بالأدلة الشرعية، ولا يحتج بهم على الأدلة الشرعية، فافهم هذا ترشد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص202): (وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة: النص والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقدر مقدماته بالأدلة الشرعية، لا بأقوال بعض العلماء؛ فإن أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية، ولا يحتج بها على الأدلة الشرعية). اهـ
قلت: فعلى المتعصب المقلد أن يفهم ذلك جيدا، و إلا هلـك مـع من هلك من
المقلدين، اللهم سلم سلم.
قال تعالى: ]فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم[ [النساء:140].
قال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي / في «تفسيره» (ج2 ص198): (وقد بين الله لكم - فيما أنزل عليكم - حكمه الشرعي عند حضور مجالس الكفر والمعاصي ... ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين لإبطال آيات الله ونصر كفرهم، وكذلك المبتدعون على اختلاف أنواعهم، فإن احتجاجهم على باطلهم يتضمن الاستهانة بآيات الله لأنها لا تدل إلا على حق، ولا تستلزم إلا صدقا، بل وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق([84]) التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتقتحم حدوده التي حدها لعباده، ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم «حتى يخوضوا في حديث غيره» أي: غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها). اهـ
وقال المفسر المراغي / في «تفسيره» (ج5 ص184): (وفي الآية دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يدل على التنقص والاستهزاء بالأدلة الشرعية، والأحكام الدينية كما يقع من أسراء التقليد([85]) الذين استبدلوا آراء العلماء بالكتاب والسنة، ولم يبق في أيديهم إلا قال إمام مذهبنا كذا، وقال فلان من أتباعه كذا ... وجعلوا رأي إمامهم مقدما على ما نطق به الكتاب، وأرشدت إليه السنة). اهـ
قلت: ومن قعد معهم فهو شريك معهم في الإثم، والله المستعان.
قلت: والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فهذه القاعدة توضح الألفاظ العامة في الحكم، وأن معاني الآيات تتناول أشياء كثيرة لدخول ما هو مثلها ونظيرها في الحكم عموما، لأنها ذكرت على سبيل المثال لـتوضـيح الألفاظ العامة، وليست معاني الألفاظ والآيات مـقصورة عليها بحكم مخصوص على أناس معينين، لأن القرآن الكريم إنما نزل لهداية أول الأمة وآخرها.
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «القواعد الحسان» (ص7)
عن هذه القاعدة: (وهذه القاعدة نافعة جدا، بمراعاتها يحصل للعبد خير كثير وعلم غزير، وبإهمالها وعدم ملاحظتها يفوته علم كثير، ويقع في الغلط والارتباك الخطير).اهـ
قلت: وزعم البعض أننا ننزل بمثل هذه الآيات في غير محلها وهذا فهم خاطئ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فمن الخطأ أن يفهم من هذا الكلام ما يفصل بين المسلمين والقرآن الكريم، فيحتج بالقرآن على المسلمين، كما يحتج به على الكافرين إذا كانت هناك مشابهة في أصل المخالفة، فافهم هذا ترشد.([86])
وقد احتج العلماء بآيات في إبطال التقليد، وإن كانت في الكفار، لأن ذلك وقع من جهة المشابهة فقط، فافطن لهذا([87])، مثل: قوله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون[ [البقرة:170].
قال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص134) بعد أن ساق بعض الآيات في إبطال التقليد: (وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أؤلئك من جهة الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد، كما لو قلد رجل فكفر وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها، كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا، وإن اختلفت الآثام فيه). اهـ
وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون[ [آل عمران:118].
قلت: فالله تبارك وتعالى نهى أهل الإسلام عن اتخاذ المنافقين، أو المشركين، أو المبتدعين بطانة وصحبة، لأنهم يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن، وإدخال الفساد عليهم، وبما يستطيعون من المكر والخديعة لما يحملونه من البغض الشديد لهم، وما تخفي صدورهم أكبر، أي: وما تكن صدورهم أكبر مما قد أبدوا بألسنتهم.
وقد بين الله تبارك وتعالى الآيات للعقول السليمة، وأظهر لهم الدلالات الواضحة التي يتميز بها بين الولي والعدو، ومن يصح أن يتخذ بطانة وصحبة، ومن لا يصح أن يتخذ بطانة وصحبة لخيانته وفساده، وسوء عاقبة مباطنته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص263): (ثم إن هؤلاء الذين يقولون على الله بغير علم إذا قيل لهم: ]اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا[ [البقرة:170] فليس عندهم علم؛ بل عندهم اتباع سلفهم وهو الذي اعتادوه وتربوا عليه([88](). اهـ
وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «الشرح الممتع» (ج1 ص25): (الأحكام لا تثبت إلا بالدليل). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المجموع» (ج1 ص46): (ينبغي أن لا يقتصر في فتواه –يعني: المفتي- على قوله: في المسألة خلاف، أو قولان، أو وجهان، أو روايتان، أو يرجع إلى رأي القاضي، ونحو ذلك، فهذا ليس بجواب، ومقصود المستفتي بيان ما يعمل به، فينبغي أن يجزم له بما هو الراجح، فإن لم يعرفه توقف حتى يظهر، أو يترك الإفتاء).اهـ
قلت: وبناء عليه فإنه لا يصح للمفتي أن يفتي إلا بما يعلم أنه حق، وبما يترجح عنده بالدليل، لأن الفتوى شأنها عظيم، وخطرها جسيم، فهي توقيع عن الله تعالى، ودخول بين الله تعالى وبين خلقه، والقائم بها معرض للخطأ، فعليه أخذ الحيطة، والحذر، وعدم الإقدام عليها إلا بعد التأهل لها مع شدة المراقبة لله تعالى، وملازمة التقوى، والورع، وأهل العلم الربانيين.([89])
قلت: ولهذا كان السلف يتحاشونها، ويود كل واحد منهم أن يكفيه غيره، والله
المستعان.
وقال العلامة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر / – في شروط من يحق له الفتيا -: (واعتبر الشيخ تقي الدين – يعني: ابن تيمية – وابن الصلاح الاستفاضة بأنه أهل للفتيا، ورجحه النووي في الروضة، ونقله عن أصحابه – إلى أن قال: فعلى هذا لا يكتفى بمجرد انتسابه إلى العلم، ولو بمنصب تدريس أو غيره، لا سيما في هذا الزمان الذي غلب فيه الجهل، وقل فيه طلب العلم، وتصدى فيه جهلة الطلبة للقضاء والفتيا!).([90]) اهـ
ولذلك فإن معرفة أهل العلم الشرعي الذين يرجع إليهم في الفتن، والنوازل، والأحكام، والقضاء من أهم أسباب الإستقرار والأمن، ومن أعظم ما يساهم في رفع البلاء، والفتن، ونصر المسلمين على عدوهم في الخارج، والداخل.
فهذه العادات وإن كانت منهم فلا يعتريها عندهم إجمال، ولا إشكال، ولا يحل لأحد مخالفتها.
وهؤلاء شأنهم شأن بعض الأعراب الذين يعظمون العادات الجارية التي يأمر بها المطاعون، ويغضبون لها إذا انتهكت أعظم من غضبهم لحرمات الله تعالى إذا انتهكت، وهذا ضلال مبين.([91])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج5 ص130): (بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله تعالى، كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة). اهـ
قلت: فالواجب أن يجعل ما أنزله الله من الكتاب والسنة أصلا في جميع الأمور، ثم يرد ما تكلم فيه الناس إلى ذلك.
لذلك ترى فتاوى الراسخين في العلم المقتفين لأثر الصحابة الكرام، والتابعين مطابقة لألفاظ القرآن والسنة، يتحرون ذلك غاية التحري، فحصلت لهم السلامة، ومن حاد عن سبيلهم، حصل له الخطأ والزلل، والتناقض والاضطراب.
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص170): (ينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص مهما أمكنه؛ فإنه يتضمن الحكم والدليل مع البيان التام ، فهو حكم مضمون له الصواب، متضمن للدليل عليه في أحسن بيان، وقول الفقيه المعين ليس كذلك، وقد كان الصحابة، والتابعون، والأئمة الذين سلكوا على منهاجهم، يتحرون ذلك غاية التحري، حتى خلفت من بعدهم خلوف رغبوا عن النصوص، واشتقوا لهم ألفاظا غير ألفاظ النصوص، فأوجب ذلك هجر النصوص.
ومعلوم أن تلك الألفاظ لا تفي بما تفي به النصوص من الحكم والدليل وحسن البيان، فتولد من هجران ألفاظ النصوص، والإقبال على الألفاظ الحادثة، وتـعـليق الأحـكام بـهـا عـلـى الأمة من الـفسـاد مـا لا يـعلـمه إلا الله، فألفاظ النصوص
عصمة، وحجة، بريئة من الخطأ، والتناقض، والتعقيد، والاضطراب)([92]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص263): (ثم إن
هؤلاء الذين يقولون على الله بغير علم إذا قيل لهم: ]اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا[ [البقرة:170] فليس عندهم علم؛ بل عندهم اتباع سلفهم وهو الذي اعتادوه وتربوا عليه! ([93]».اهـ
قلت: لذلك لا يعذر المقلد على نفسه، والجاني على غيره في اقتحامه على هذا الحكم، وذلك لعدم دقته في البحث، فلا يعذر كل من تأول تأويلا خاطئا، أي: لا عذر لأحد في خطئ ركبه حسبه هدى، فقد بينت الأمور، وثبتت الحجة، وانقطع العذر.
قال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص22): (وذلك أن السنة والجماعة قد أحكما أمر الدين كله، وتبين للناس، فعلى الناس الإتباع). اهـ
قلت: فهناك صنف من الناس متبع لأهوائه، وآرائه، وخواطره، وعادة قومه، وتراه يرد ما هو أوضح من الصبح من سنن رسول الله r، وأشهر من الشمس: برأي دخيل، واستحسان ذميم، وظن فاسد، ونظر مشوب بالهوى، فهل يعذر مثل هذا؟!.([94])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج20 ص251): (وليس لأحد أن يعارض الحديث عن النبي r بقول أحد من الناس). اهـ
وقال الحافظ ابن حزم / في «النبذ» (ص114): (والتقليد حرام، ولا يحل لأحد أن يأخذ بقول أحد بلا برهان). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص42): (وبالتقليد أغفل من أغفل منهم). اهـ
قال تعالى: ]ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد[ [الممتحنة:6].
قلت: والمقلد آثم، وإن أصاب الحق، لأنه يفتي الناس بدون اجتهاد دقيق في الأدلة، والأحكام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «القواعد النورانية» (ص206): (كما لو حكم الحاكم بغير اجتهاد، فإنه آثم وإن كان قد صادف الحق). اهـ
وقال الحافظ ابن حزم / في «النبذ» (ص120): (وأما من قلد دون النبي r، فإن صادف أمر النبي r به فهو عاص لله تعالى، آثم بتقليده، ولا سلامة، ولا أجر له على موافقته للحق، وما يدري كيف هذا؟، فإنه لم يقصد إلى الحق، وإن أخطأ فيه أثم إثمين، إثم تقليده، وإثم خلافه للحق، ولا أجر له البتة، ونعوذ بالله من الخذلان). اهـ
قلت: فلا أجر لمن قلد دون النبي r، وإن أصاب الحق.
وقد جزم غير واحد من أهل العلم على أن من نقل حديثا عن النبي r، وهو لا يعلم حاله: أنه آثم، فيدخل في ذلك الكتاب، والوعاظ، والقصاص، والخطباء، وغـيرهم ممن ينقل الأحاديث، ويبثهـا بين الناس، وهو لا يعلم حالها إلا عن طريق التقليد؛ لأنه أقدم على رواية الحديث من غير علم.
قال الحافظ العراقي / في «الباعث على الخلاص» (ص93): (وإن اتفق أنه نقل حديثا صحيحا؛ كان آثما في ذلك([95])؛ لأنه ينقل ما لا علم له به، وإن صادف الواقع([96])؛ كان آثما بإقدامه على ما لا يعلم). اهـ
قلت: وهذا عين الصواب؛ لأنه قفا ما لا علم له به، وقد قال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولـئك كان عنه مسؤولا[ [الإسراء:36].
قلت: فيجب على كل عالم، وطالب، وخطيب، وواعظ، ومؤلف، وكاتب أن لا يحدثوا الناس إلا بما عرف مخرجه وصحته، وإلا؛ فلهم حظ وافر من أحاديث الوعيد الثابتة عن النبي r.
وقال الحافظ العراقي / في «الباعث على الخلاص» (ص95): (ولو نظر أحدهم في بعض التفاسير المصنفة لا يحل له النقل منها، لأن كتب التفسير فيها الأقوال المنكرة والصحيحة، ومن لا يميز صحيحها من منكرها لا يحل له الاعتماد على الكتب.
وأيضا فكثير من المفسرين ضعفاء النقل، كمقاتل بن سليمان، والكلبي، والضحاك بن مزاحم، وكذا كثير من التفاسير عن ابن عباس لا تصح عنه لضعف رواتها.
وليت شعري! كيف يقدم من هذه حاله على تفسير كتاب الله؟ أحسن أحواله أن لا يعرف سقيمه من صحيحه، بل يزيد أحدهم فيحدث لنفسه أقوالا لو نقلت عن المجانين لاستقبحت منهم). اهـ
وقال الحافظ العراقي / في «الباعث على الخلاص» (ص96) عن الأئمة الذين يتوقفون عن الإجابة في الدين: (فإذا كان مثل هؤلاء الأئمة يتوقف أحدهم عن الخوض في تفسير حديث رسول الله r خيفة أن يكون المراد منه غير ذلك، فكيف بمن لا يعرف له تعلم شيء من العلم عن أهله؟!.([97])
وأيضا فلا يحل لأحد ممن هو بهذا الوصف أن ينقل حديثا من الكتب، بل لو من الصحيحين([98]) ما لم يعتمد على من يعلم ذلك من أهل الحديث). اهـ
وقال ابن خير / في «فهرسته» (ص16): (وقد اتفق العلماء رحمهم الله على أنه لا يصح لمسلم أن يقول: قال رسول الله r كذا ... حتى يكون عند ذلك القول مرويا، ولو على أقل وجوه الروايات؛ لقول رسول الله r: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)، وفي بعض الروايات: (من كذب علي...) مطلقا دون تقييد). اهـ
قلت: فإذا تقرر هذا في النفوس، وقبلت به القلوب، وعلم أن أهل الحسد لابد لنا من استئصال شأفتهم، والقضاء على أمرهم، وذلك إما بالقلم واللسان، أو بغير ذلك.
فهذه، وتلك من الأسباب التي دعتني لكتابة هذا الكتاب في مشروعية صلاة الفريضة في الراحلة بأدلة السنة، والآثار، والأخبار، علما بأنني لم آت بجديد، وإنما اعتمدت على كتب أئمة الهدى، والدين من أهل الأثر، كما هي عادتي، والله الموعد.
وهذه تنبيهات من رأس القلم؛ لقمع دعاوى من تعدى وظلم، قد ينقلها ناقل، ويتقبلها قابل، ويتهوك فيها جاهل، فيتحير عاقل، فيصيب قوما بجهالة، فترتد على محدثها ومبتدعها بالندامة، والملامة، والويل يوم القيامة.
ولذلك رأيت تسطيرها؛ لتكون قوة للمسترشد، وبيانا للمتحير، وتبصرة للمهتدي، ومقتلا للخراصين، ونصحا لإخواننا المسلمين.
ولكن لا تغرنكم البرقة؛ فإنها فجر كاذب، ولا تهولنكم المفاجأة، فإن الجهابذة ينخلونهم نخلا، فيبقى اللباب، ويعيش على النخالة دواب.
اللهم فعياذا ممن قصر في العلم والدين باعه، وطالت في الجهل وأذى عبادك ذراعه فهو لجهله يرى الإحسان إساءة، والسنة بدعة، والعرف نكرا، ولظلمه يجزي بالحسنة سيئة كاملة، وبالسيئة الواحدة عشرا، قد اتخذ بطر الحق وغمط الناس سلما إلى ما يحبه من الباطل ويرضاه.([99])
اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.
كتبه
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
وهو حسبي
ذكر الدليل على مشروعية صلاة الفريضة على الراحلة راكبا حيثما توجهت به يومئ برأسه إيماء للركوع والسجود في السفر والحضر عند الحاجة في الخوف، والمطر، والطين، والغبار، والحر، والبرد، والرياح، والإزدحام، وغير ذلك لرفع الحرج والمشقة عن المسلم([100]) في الدين
1) عن نافع: (أن ابن عمر كان يجمع بين صلاة المغرب، والعشاء الآخرة في السفر، وهو على ظهر([101]) - أي: راكبا على راحلته-، ويقول ابن عمر: كان رسول الله r إذا عجلت به حاجة، جمع بينهما)؛ يعني: يصلي r على دابته الفريضة.
حديث صحيح
أخرجه أبو أمية الطرسوسي في «مسند عبدالله بن عمر» (ص38) من طريق أبي نعيم فضل بن دكين، حدثنا شيبان بن عبدالرحمن، عن يحيى بن أبي كثير، عن نافع به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين.
وهذا الحديث يدل على جواز صلاة الفريضة على الراحلة، من قوله: «يجمع بين صلاة المغرب، والعشاء»؛ يعني: الفريضة للحاجة.
وهذا هو المتبادر إلى الفهم الصحيح من لفظ الجمع، وظاهر صلاة الفريضة.
وهذه رخصة للأمة.
2) وعن يعلى بن مرة t: (أنهم كانوا مع النبي r في مسيرة، فانتهوا إلى مضيق، فحضرت الصلاة، فمطروا، السماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فأذن([102]) رسول الله r وهو على راحلته، وأقام، فتقدم على راحلته فصلى بهم، يومئ إيماء: يجعل السجود أخفض من الركوع).
وفي رواية: (فقام المؤذن فأذن فأقام، ثم تقدم النبي r فصلى بنا على راحلته، وصلينا خلفه على رواحلنا).
وفي رواية: (فأمر بلالا فأذن وأقام).
حديث حسن لغيره
أخرجه الترمذي في «سننه» (413)، وأحمد في «المسند» (17573)، والدولابي في «الأسماء والكنى» (ج1 ص220)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (257)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص7)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج11 ص182)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج7 ص333)، وحرب الكرماني في «المسائل» (1239)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج23 ص59)، وابن العربي في «عارضة الأحوذي» (ج2 ص202)، والدارقطني في «السنن» (ج2 ص219 و220)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج4 ص1055)، وابن شاهين في «الأفراد» (5)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج19 ص59)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج22 ص663) من طرق عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة، عن أبيه، عن جده يعلى بن مرة t به.
قلت: وهذا سنده لا بأس به.
قال الحافظ النووي في «المجموع» (ج3 ص106): «رواه الترمذي بإسناد جيد»، وجود الحافظ النووي أيضا إسناده في «الخلاصة» (823)، وأقره الشيخ أحمد شاكر في «تعليقه على سنن الترمذي» (ج2 ص268).
وذكره ابن حجر في «الإصابة» (ج10 ص407)، وفي «إتحاف المهرة» (ج13 ص720)، وفي «فتح الباري» له أيضا (ج2 ص79)، وابن قدامة في «المغني» (ج1 ص635)، وابن تيمية في «شرح العمدة» (ج2 ص530).
وقال الحافظ الترمذي: (والعمل على هذا عند أهل العلم، وبه يقول أحمد، وإسحاق). ([103])
وقال شيخنا الفقيه محمد بن صالح العثيمين / في «الشرح الممتع» (ج4 ص346): (وفي هذا الحديث أنهم يصلون جماعة، وعلى هذا، فيتقدم الإمام عليهم حتى في الرواحل؛ لأن هذا هو السنة في موقف الإمام). اهـ
وقال شيخنا الفقيه محمد بن صالح العثيمين / في «الشرح الممتع» (ج4 ص344): (فالرواحل أقسامها أربعة:
1 ـ سيارات.
2 ـ حيوان.
3 ـ طائرات.
4 ـ سفن). اهـ
قلت: فيجوز للمسلم في الحضر والسفر أن يصلي على راحلته صلاة الفريضة إذا احتاج إلى ذلك؛ مثل: في المطر، والوحل، والطين، والمرض، وغير ذلك. ([104])
قال الإمام أبو داود / في «المسائل» (ص76): (قلت: لأحمد؛ القوم في الغزو يصلون؛ فتشغب الدواب، فيثب بعضها على بعض، فيقوم الرجل بينه، وبين صاحبه ذراعان، أو ثلاثا، فلم ير به بأسا، قال: قلت؛ هكذا أحب إليك يصلون، أو فرادى؟،قال: هكذا، أليس صلاة الخوف يذهبون ويجيئون). اهـ
قلت: فيصح تأدية صلاة الفرض على الراحلة من أي عذر تيسيرا على المسلم.
قال الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج1 ص466): (وكذلك روي عن أنس بن مالك t أنه صلى في ماء وطين على دابته). اهـ
وبوب الحافظ الترمذي في «السنن» (ج1 ص465)؛ باب: ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين والمطر.
قلت: وهذا الحكم يدخل في قوله تعالى: ]ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى[ [النساء: 102]؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (ج1 ص635): (وجملة ذلك أنه إذا كان في الطين، والمطر، ولم يمكنه السجود على الأرض، إلا بالتلوث بالطين، والبلل بالماء، فله الصلاة على دابته، يومئ بالركوع والسجود، وإن كان راجلا أومأ بالسجود أيضا، ولم يلزمه السجود على الأرض).اهـ
وقال أبو بكر ابن العربي / في «عارضة الأحوذي» (ج2 ص201): (حديث يعلى ضعيف السند؛ صحيح المعنى، ولكن الصلاة على الدابة في الطين بالإيماء للفريضة صحيحة إذا خاف من خروج الوقت، ولم يقدر على النزول لضيق الموضع، أو لأنه غلبه الطين والماء). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «المقنع» (ص39): (وتجوز صلاة الفرض على الراحلة خشية التأذي بالوحل). اهـ
وقال الإمام ابن تميم / في «المختصر» (ج2 ص342): (يجوز فعل الفرض على الراحلة خوف التأذي بالمطر، أو الوحل). اهـ
وهذا مذهب الحنابلة؛ قال الفقيه المرداوي / في «الإنصاف» (ج2 ص311): (وهذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وقطع به كثير منهم). اهـ
وكذلك نقل أبو داود في «المسائل» (ص76)؛ بقوله: (قلت: لأحمد؛ الرجل يكون في السرية، ويكون الثلج كثيرا؛ لا يقدر يسجد عليه الرجل؛ قال: يصلي على دابته).
وقال أبو داود في «المسائل» (ص76): (قلت: لأحمد؛ يكون مطر، فيخاف أن تبتل ثيابه؟؛ قال: يصلي على دابته).
3) وعن أنس بن مالك t قال: (كنا مع رسول الله r في سفر فأصابنا مطر ورداغ([105])، فأمرنا رسول الله r أن نصلي على ظهور رواحلنا، ففعلنا).
حديث لا بأس به
ومعناه: صحيح
أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج28 ص86) من طريق أبي جعفر محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمس، نا المحاربي عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك t به.
وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج28 ص86)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص386) من طريق ابن المبارك، وإسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن أبي مريم الغساني حدثني ضمرة ومهاجر إبنا حبيب قالا : (خرج رسول الله r في سرية، فصلى بأصحابه على ظهر، فاقتحم رجل من الناس، فصلى على الأرض، فقال r: خالف، خالف الله به، فما مات الرجل حتى خرج من الإسلام).
وهذا مرسل، ومعناه: صحيح.
4) وعن أنس بن سيرين قال: (أقبلنا مع أنس بن مالك t من الكوفة، حتى إذا كنا بأطيط([106]) أصبحنا، والأرض طين وماء، فصلى المكتوبة على دابته، ثم قال: ما صليت المكتوبة قط على دابتي قبل اليوم).
أثر صحيح
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج1 ص208)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج23 ص60) من طرق عن أبان بن يزيد العطار، وحماد بن سلمة، ثنا أنس بن سيرين به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن أبي القاسم في «الواضح» (ج1 ص254).
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج2 ص162 و163)؛ ثم قال: رواه الطبراني في «الكبير» ورجاله ثقات.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص530): (وعن أنس بن مالك t: «أنه صلى بهم المكتوبة على دابته، والأرض طين»؛ ذكره أحمد وغيره، وقد رواه الدارقطني مرفوعا؛ إلا أنه قال: «المحفوظ عن أنس فعله غير مرفوع»، ولم ينقل عن صحابي خلافه) ([107]). اهـ
5) وعن أنس بن سيرين قال: (كنت مع أنس بن مالك t في يوم مطير حتى إذا كنا بأطيط، والأرض فضفاض([108])، صلى بنا على حماره صلاة العصر، يومئ برأسه إيماء، وجعل السجود أخفض من الركوع).
أثر صحيح
أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (ج2 ص573 و574)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص 516)، والخطابي في «غريب الحديث» (ج2 ص510) من طريق هشام بن حسان، عن أنس بن سيرين به.
قلت: وهذا إسناده صحيح، وقد صححه الدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» (ج12 ص5).
وقال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج12 ص5): (والمحفوظ عن أنس بن سيرين عن أنس، فعله، غير مرفوع).
وأشار إليه ابن حجر في «اتحاف المهرة» (ج1 ص426)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الوسطى» (ج3 ص47)، وابن القطان في «الوهم والإيهام» (ج2 ص506)؛ وصوابه موقوفا عن أنس بن مالك t.
وتابعه معمر، عن عاصم الأحول قال: سمعت أنس بن مالك t يقول: (إنه كان يسير في ماء وطين، فحضرت الصلاة المكتوبة، فلم يستطع أن يخرج من ذلك الماء، قال: وخشينا أن تفوتنا الصلاة، فاستخرنا الله، واستقبلنا القبلة، فأومأنا على دوابنا إيماء).
أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (ج2 ص574) من طريق معمر عن عاصم الأحول به.
وإسناده صحيح.
قال الفقيه ابن القاسم / في «الإحكام» (ج1 ص403): (وثبت عن أنس t من فعله، ولم ينقل عن غيره خلاف ([109]) في أن الفرض يصح على الراحلة واقفة كانت أو سائرة، خشية التأذي بوحل، أو مطر، أو ثلج، أو برد. فإن قدر على نزول بلا ضرر لزمه.
وكذا إن خاف انقطاعا عن رفقته بنزوله، أو على نفسه من عدو ونحوه، أو عجز عن ركوب إن نزل.
قال في الإختيارات: تصح صلاة الفرض على الراحلة خشية الانقطاع عن الرفقة، أو حصول ضرر بالمشي، أو تبرز الخفرة، وعليه الاستقبال، وما يقدر عليه من شروط، وأركان، وواجبات، وما لا يقدر عليه لا يكلف به). اهـ
وقال الفقيه الكلوذاني / في «الهداية» (ص53): (وتجوز صلاة الفرض على الراحلة؛ لأجل التأذي بالمطر، والوحل). اهـ
وقال الفقيه الجراعي / في «غاية المطلب» (ص115): (ويصلي راكبا فريضة؛ لأذى مطر، أو وحل). اهـ
وقال الفقيه ابن قائد / في «هداية الراغب» (ص53): (وتصح مكتوبة على راحلة واقفة، أو سائرة خشية تأذ؛ أي: الخوف التضرر بوحل، ونحوه؛ كمطر، وثلج، وبرد). اهـ
وقد قال بجواز الجماعة على الدابة الإمام محمد بن الحسن / عند اشتداد الخوف.
وقد قال بجواز الصلاة فرادى على الدابة الإمام أبو حنيفة، والإمام أبو يوسف.([110])
6) وعن عطاء بن أبي رباح / قال: (لا يصلي الرجل المكتوبة على الدابة، مقبلا إلى البيت، ولا مدبرا عنه، إلا أن يكون مريضا، أو خائفا، فليصل على دابته مقبلا إلى البيت غير مدبر عنه). ([111])
يعني: عند الحاجة يجوز أن يصلي على دابته المكتوبة.
7) وعن أنس بن سيرين قال: (تلقينا أنس بن مالك t حين قدم الشام، فتلقيناه بعين التمر([112])، فرأيته يصلي على حمار ووجهه ذاك الجانب. وأومأ همام عن يسار القبلة، فقلت له: رأيتك تصلي لغير القبلة، قال: لولا أني رأيت رسول الله r يفعله لم أفعله). وفي رواية: (فصلى المكتوبة على دابته).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1100)، ومسلم في «صحيحه» (702)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج1 ص208) من طريق همام، وحماد بن سلمة؛ كلاهما: عن أنس بن سيرين به.
قلت: فقد رأى أنس بن مالك t النبي r يصلي على راحلته صلاة الفريضة يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع لجبهته أي شيء.
وهذا يدل على الاقتداء بأفعال النبي r، كما نقتدي بأقواله.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص577): (وفيه الرجوع إلى أفعاله r كالرجوع إلى أقواله من غير عرضة للاعتراض عليه r). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص577): (فعلى هذا كأن أنسا t قاس الصلاة على الراحلة، بالصلاة على الحمار). اهـ
قلت: فالصلاة على الراحلة من جهة السنة.
8) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله r إذا عجل به السير، جمع بين المغرب والعشاء).
وفي رواية: (كان إذا جد به السير).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1668)، ومسلم في «صحيحه» (702) من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما به.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (1091)، و(1092)، ومسلم في «صحيحه» (703) من طريق الزهري قال: أخبرني سالم بن عبدالله، عن أبيه ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله r يجمع بين المغرب والعشاء، إذا جد به السير).
قال ابن عباس رضي الله عنهما في: مسألة الجمع بين الصلاتين: (أراد أن لا يحرج أمته). ([113])
قلت: جد به السير: اشتد، واهتم به، وأسرع. ([114])
وهذا الحديث يدل أن النبي r إذا جد به السير لا يستطيع النزول عن الراحلة أحيانا، فكان يصلي الفريضة على الراحلة، ويجمع بين الصلوات للحاجة إلى الإسراع، فلا يقف للصلاة لكي لا يتأخر عن الوصول في وقته المناسب.
قلت: وقد دلت النصوص الأخرى على ذلك من فعل النبي r، ومن فعل الصحابة رضي الله عنهم لرفع الحرج عن الأمة.
أعجله السير: استعجل من أجل السير مع الركبان أو لأمر آخر من الحاجات، والضرورات.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص573): (قوله: «رأيت رسول الله r إذا أعجله السير»؛ يؤخذ منه تقييد جواز التأخير بمن كان على ظهر سير). اهـ
وقوله: «يومئ»؛ يشير بحركة رأسه إلى الركوع والسجود، وهو يصلي الفريضة، أو النافلة.
وبوب الحافظ البخاري في «صحيحه» (ج2 ص574)؛ باب: الإيماء على الدابة.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص574): (قوله: «باب الإيماء على الدابة»؛ أي: للركوع والسجود([115]) لمن لم يتمكن من ذلك، وبهذا قال الجمهور، وروى أشهب عن مالك /: «أن الذي يصلي على الدابة لا يسجد بل يومئ»). اهـ
9) وعن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يصلي بالليل على راحلته حيثما توجهت به).
أثر حسن
أخرجه السراج في «حديثه» (1505)، و(1986)، والشحامي في «الأحاديث السباعيات الألف» (ص91) من طريق محمد بن بكار، أنبأنا عطاف بن خالد المخزومي، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قال الفقيه البهوتي / في «الروض المربع» (ج1 ص268): (ويصح الفرض على الراحلة، واقفة، أو سائرة خشية التأذي بوحل، أو مطر، ونحوه... وكذا إن خاف انقطاعا عن رفقته بنزوله، أو على نفسه، أو عجز عن ركوب إن نزل، وعليه الاستقبال وما يقدر عليه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص528): (فصل وأما العذر في الراحلة؛ فثلاثة أسباب: الخوف، والوحل، والمرض.
فأما الخوف: فمثل الذي يخاف في نزوله من عدو، أو من انقطاعه عن الرفقة الذين لا يحتبسون له، أو لا يمكنه النزول؛ لكونه على مركوب لا ينزله عنه إلا إنسان، وليس هناك من ينزله عنه، أو يمكنه النزول، ولا يمكنه الصعود، ولا يقدر على المشي، أو يخاف انفلات الدابة بنزوله، ونحو ذلك مما يخاف في نزوله ضررا في نفسه، أو ماله؛ فإنه يصلي على حسب حاله، كما يصلي الخائف من العدو.
السبب الثاني: الوحل؛ فإذا خاف التأذي في بدنه، أو ثيابه بالوحل، والمطر، والثلج بأن لا يمكنه بسط شيء عليه.
إما لكثرته وأذاه للبسط، أو لعدم البسط، ولا يمكنه الوقوف عليه إلا بضرر؛ فإنه يصلي على الراحلة، بأن يستقبل القبلة، ويقف إن كان مسيره إلى غير القبلة، وإن كان جهة مسيره إلى القبلة؛ فقال أصحابنا: يصلي في حال سير الدابة كما يصلي في السفينة.
السبب الثالث: المرض؛ فعنه([116]): أنه ليس بعذر في الصلاة على الراحلة؛ نص عليه([117]) مفرقا بينه وبين الوحل... وعنه([118]) أن المريض يصلي على الدابة لأن المشقة عليه في نزوله أعظم من مشقة التلوث بالطين). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الشرح الممتع» (ج4 ص346): (إذا خاف انقطاعا عن رفقته يصلي على الراحلة ولو مع الأمن، لأن الإنسان إذا انقطع عن رفقته فلربما يضيع، وربما يحصل له مرض، أو نوم، أو ما أشبه ذلك فيتضرر، فإذا قال: إن نزلت على الأرض وبركت البعير، وصليت فاتت الرفقة، وعجزت عن اللحاق بهم، وإن صليت على بعيري؛ فإني أدركهم. نقول له: صل على البعير ]لا يكلف الله نفسا إلا وسعها[ [البقرة: 286] ]وما جعل عليكم في الدين من حرج[ [الحج: 78]). اهـ
10) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في جمع النبي r: (أراد أن لا يحرج أمته). ([119])
قلت: فالنبي r رفع الحرج عن هذه الأمة في العبادات مطلقا. ([120])
11) وعن جابر بن زيد / قال: في الرجل تدركه الصلاة - يعني: الفريضة- في الماء والطين، قال: (يومئ إيماء([121])، ويجعل السجود أخفض من الركوع).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص516) من طريق عبدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن زيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (ج1 ص635): (وفعله - يعني: الصلاة على الدابة- جابر بن زيد، وأمر به طاوس، وعمارة بن غزية). اهـ
12) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله r يجمع بين صلاة الظهر والعصر، إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1056) من طريق الحسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قوله: (على ظهر سير)؛ أي: راكبا سائرا على دابته في السفر، وهذا بمعنى: إذا جد به السير.
قلت: وهذا يدل على أن النبي r كان أحيانا يصلي صلاة الفريضة على ظهر دابته([122]) إذا جد به السير للحاجة إلى الصلاة على الدابة، أراد بذلك أن لا يحرج أمته في العبادات.
وبوب عليه الحافظ البخاري في «صحيحه» (ج1 ص373)؛ باب: الجمع في السفر بين المغرب والعشاء.
ومنه: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (1054) عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله r كان يسبح([123]) على ظهر راحلته).
والشاهد: (على ظهر راحلته)، وهذا مثل: (على ظهر سير)، وليس كلمة: (ظهر) مقحمة في الحديث، كما ظن البعض، وأحاديث صلاة النبي r الفريضة على ظهر دابته ثابتة عند الضرورة، والحاجة، فافهم لهذا.
وبوب الحافظ البخاري في «صحيحه» (ج1 ص370)؛ باب: صلاة التطوع على الدواب وحيثما توجهت به.
وبوب الإمام البخاري في «صحيحه» (ج1 ص371)؛ باب: الإيماء على الدابة.
وقال تعالى: ] لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة[ [الأحزاب: 21].
13) وعن عبد الله بن أنيس t قال: (بعثني رسول الله r إلى خالد بن سفيان الهذلي، وكان نحو عرنة وعرفات، فقال: اذهب فاقتله، قال: فرأيته وحضرت صلاة العصر، فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني، وبينه ما إن أؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي، وأنا أصلي أومئ إيماء نحوه). وفي رواية: (فخفت أن يكون بيني، وبينه محاولة تشغلني عن الصلاة، فصليت وأنا أمشي أومئ إيماء). وفي رواية: (فصليت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي الركوع والسجود).
حديث صحيح
أخرجه أبو داود في «سننه» (1249)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص496)، و(ج6 ص472)، وابن خزيمة في «صحيحه» (982)، و(283)، و(983)، وأبو يعلى في «المسند» (ج2 ص201)، وابن حبان في «صحيحه» (ج16 ص114)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص38)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج9 ص28)، وأبو نعيم في «دلائل النبوة» (445) من طريق إبراهيم بن سعد، وعبد الوارث بن سعيد كلاهما عن محمد بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه t به، فذكروه مطولا، وقد اتفقوا على اللفظ المذكور أعلاه في الشاهد: (فصليت وأنا أمشي أومئ إيماء).
قلت: وهذا سنده حسن.
وقال ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص656): رواه أحمد، وأبو داود بإسناد جيد.
وقال ابن حجر في «فتح الباري» (ج2 ص437): وإسناده حسن.
وقال النووي في «الخلاصة» (2622): حديث حسن.
وهذا الحديث مما تراجع الشيخ الألباني /عن تضعيفه؛ فصححه.
قال الشيخ الألباني / في «التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان» (ج10 ص236): «صحيح لغيره».
وقال الشيخ الألباني / في «ضعيف أبي داود» الأم (ج2 ص42): (عن ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه قال:بعثني رسول الله r إلى خالد بن سفيان الهذلي ... (*)
في الحاشية: (*) نقل إلى «الصحيح»؛ فقد قال الشيخ /: لينقل إلى «الصحيح»، وانظر: «الصحيحة» (3293). انظره ثمة برقم: (1135/م)
وفي كتاب: «الإعلام بآخر أحكام الألباني الإمام» (ص 137): (الحكم الأول: ضعيف؛ «الإرواء» (589)، «ضعيف أبي داود» (124).
الحكم الأخير: (صحيح)؛ «السلسلة الصحيحة» (2981)، «صحيح الموارد» (490)، «صحيح أبي داود» (1135/م)).اهـ
وإبراهيم بن سعد: «ثقة حجة»، وهو أثبت الناس في محمد بن إسحاق.
وعبدالوارث بن سعيد البصري: «ثقة ثبت».
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص256)، وفي «دلائل النبوة» (ج4 ص42) من طريق أبي جعفر عبدالله بن محمد النفيلي، ثنا محمد بن سلمة الباهلي، عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله يعني ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه عبد الله بن أنيس t قال: (دعاني رسول الله r... فذكره؛ وفيه: فصليت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي الركوع والسجود).
وإسناده صحيح.
وأبو جعفر النفيلي: «ثقة حافظ»، ومحمد بن سلمة الباهلي: «ثقة».
والنفيلي: زاد في الإسناد رجلا، والزيادة من الحافظ مقبولة؛ كما هو مقرر في أصول الحديث. ([124])
قال الحافظ الخطيب / في «الكفاية» (ج2 ص245): (قال الجمهور من الفقهاء، وأصحاب الحديث: زيادة الثقة مقبولة, إذا انفرد بها، ولم يفرقوا بين زيادة يتعلق بها حكم شرعي، أو لا يتعلق بها حكم). اهـ
قلت: وقد حدث الثقات من أصحاب: محمد بن إسحاق بالحديث الموصول، وهو المحفوظ، والقول قولهم في هذا الحديث في موضع الشاهد.
وبقية الروايات قد اضطرب في إسنادها، فلا تصح.
وقصة بعث عبدالله بن أنيس سرية وحده لقتل خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي أمر مستفيض عند أهل المغازي والسير، يتناقله العلماء بلا نكير، وهو ثابت في السنة النبوية.
وهذه القصة ذكرها ابن حجر في «فتح الباري» (ج2 ص437)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج2 ص713).
وأخرجه الطبري في «تاريخ الملوك» (ج2 ص208) من طريق محمد بن حميد الرازي قال: حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبدالله بن أنيس t به.
هكذا: رواه الرازي مرسلا، والرازي هذا ضعيف الحديث، كثير المناكير، فروايته منكرة.
قلت: ورواية أبي جعفر النفيلي أولى، وهي المعتمدة، لأنها من رواية: الثقات، وهي موصولة.
وأخرجه ابن هشام في «السيرة النبوية» (ج6 ص30) من طريق زياد بن عبدالله البكائي عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: قال عبدالله بن أنيس t به.
هكذا: رواه البكائي مرسلا، بإسقاط ابن عبدالله بن أنيس من الإسناد، فالإسناد منقطع لا يصح.
ورواية: الثقات هي المعتمدة في هذا الباب، وهي أولى من رواية: البكائي.
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص1496) من طريق يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن إدريس الكوفي عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن بعض ولد عبدالله بن أنيس عن آل عبدالله بن أنيس به.
وفي إسناده جهالة، فلا يصح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص223)، و(ج7 ص349) من طريق عبدالله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير: أن رسول الله r فذكره.
هكذا: رواه عبدالله بن إدريس مرسلا، وهو ضعيف لا يصح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص539): (يجوز أن يصلي ماشيا طالبا للعدو في المكتوبة، كما فعل عبدالله بن أنيس t، فكذلك في النافلة([125]) في عموم السفر). اهـ
14) وعن الوليد بن مسلم الدمشقي قال: ذكرت للأوزاعي صلاة شرحبيل بن السمط t، وأصحابه على ظهر الدابة، فقال: (كذلك الأمر عندنا إذا تخوف الفوت([126]». واحتج الوليد بن مسلم الدمشقي؛ بقول النبي r: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة).
أخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا بصيغة الجزم (ج2 ص436)، والفزاري في «السير» (ج2 ص505)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج1 ص441)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج2 ص372 و373) من طريق الوليد بن مسلم الدمشقي به.
وإسناده صحيح.
وذكره العيني في «عمدة القاري» (ج5 ص358).
وأخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص385) من طريق ابن أبي مريم حدثنا ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني قال: (كنا في بعض المغازي، وعلينا شرحبيل بن السمط t ([127])، فأصابنا ذات ليلة خوف، فحضرت صلاة الصبح، فأمرنا أن نصلي على دوابنا إيماء برؤوسنا ففعلنا؛ إلا الأشتر([128]) إنه نزل من بيننا، فصلى، فمر به شرحبيل، فقال: مخالف خالف الله بك).
وإسناده لا بأس به.
قال الحافظ العيني / في «عمدة القاري» (ج5 ص359): (قوله: «كذلك الأمر»؛ أي: أداء الصلاة - يعني: الفريضة- على ظهر الدابة بالإيماء، وهو الشأن والحكم عند خوف فوات الوقت، أو فوات العدو، أو فوات النفس). اهـ
وقال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج2 ص714): (فجمعوا بين دليلي وجوب الصلاة، ووجوب الإسراع: فصلوا ركبانا؛ لأنهم لو نزلوا للصلاة لكان فيه مضادة للأمر بالإسراع، وصلاة الراكب مقتضية للإيماء، فطابق الحديث الترجمة). اهـ
وقال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج2 ص713): (قوله: «كذلك الأمر»؛ أي: أداء الصلاة - يعني: الفريضة- على ظهر الدابة بالإيماء هو الشأن، والحكم عندنا إذا تخوف الرجل الفوت). اهـ
وقال الإمام العيني / في «عمدة القاري» (ج17 ص396): (قوله: «عليه»؛ أي: على الظهر، وهو الإبل الذي يحمل عليه ويركب، يقال: عند فلان ظهر؛ أي: إبل). اهـ
وقال الإمام الكرماني / في «الكواكب الدراري» (ج6 ص54): (قوله: «كذلك الأمر»؛ أي: أداء الصلاة - يعني: الفريضة- على ظهر الدابة بالإيماء هو: الشأن، والحكم عند خوف فوات الوقت، أو فوات العدو، أو فوات النفس). اهـ
قلت: والمقصود إذا احتاج المصلي أن يصلي صلاة الفريضة على الراحلة فيجوز؛ يومئ إيماء برأسه للركوع والسجود. ([129])
وقال الإمام ابن المنذر / في «الأوسط» (ج5 ص42): (كل من أحفظ عنه من أهل العلم يقول: إن المطلوب يصلي على دابته - يعني: الفريضة- ، كذلك قال عطاء بن أبي رباح، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور). اهـ
قلت: وهذا يدل على جواز صلاة الفريضة راكبا على الدابة، أو السيارة، أو الطائرة، أو السفينة، أو القطار، أو غير ذلك للحاجة الشرعية.
فإذا جد السير بالمسلم في السفر مثلا، أو يخاف من أمر من الأمور في السفر، أو الحضر من أي خوف كان: في الحرب، أو اللصوص في الطريق، أو القتل، أو بنزوله الضرر في الغالب، أو خروج وقت الصلاة، أو المطر، أو الوحل، أو ازدحام السيارات في الطريق، أو يريد أن يصل في الوقت المناسب للمنطقة التي يريدها، أو موعد للعلاج، أو غير ذلك من الضرورات، والحاجات التي تفرج، وتيسر على المسلم في سفره وحضره.
قال الإمام ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص544): (فبان بهذا الخبر أنهم كانوا طالبين حين صلوا ركبانا). اهـ
قلت: فإذا احتاجالناس الصلاة على الدواب، حل لهم أن يصلوا ركبانا قبل أي جهة كانوا؛ يومئون إيماء برأسهم للركوع والسجود، ولا يجعلون جبهتهم على شيء للسجود.
وقال الإمام ابن حبيب من المالكية /: (هو في سعة، وإن كان طالبا لا ينزل، ويصلي إيماء؛ لأنه مع عدوه لم يصل إلى حقيقة أمن) ([130]). اهـ
وقال الإمام ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص545): (فكذلك سوغ للطالب أن يصلي في الوقت راكبا بالإيماء، ويكون تركه للركوع، والسجود المفترض؛ كترك الذين صلوا ببني قريظة الوقت الذى هو فرض). اهـ
قلت: فأحل الله تعالى لك إذا كنت خائفا، أو ضرورة، أو حاجة أن تصلي صلاة الفريضة، أو صلاة النافلة وأنت راكب، أو تمشي، أو تسعى، وتومئ إيماء حيث كان وجهك للقبلة، أو لغير القبلة.
15) وعن مكحول؛ أن شرحبيل بن حسنة t أغار على شماسة، وذلك في وجه الصبح، قال: (صلوا على ظهر دوابكم، فمر برجل قائم يصلي بالأرض، قال: ما هذا؟ يخالف؛ خالف الله به، فإذا هو الأشتر([131]».
أثر حسن لغيره
أخرجه ابن المبارك في «الجهاد» (255)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج56 ص380) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثه مكحول فذكره.
وإسناده حسن في المتابعات.
وتابعه عمرو بن أبي سلمة قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني سابق البربري قال: كنت مع مكحول بدانق، قال: فكتب إلى الحسن يسأله عن الرجل يطلب عدوه، فلم يبرح حتى جاء كتابه، فقرأت كتاب الحسن: إن كان هو الطالب، نزل فصلى على الأرض، وإن كان هو المطلوب صلى على ظهر.
قال الأوزاعي: (فوجدنا الأمر على غير ذلك؛ قال شرحبيل بن حسنة t؛ لأصحابه: لا تصلوا صلاة الصبح إلا على ظهر([132])، فنزل الأشتر، فصلى على الأرض، فمر به شرحبيل، فقال: مخالف، خالف الله به، قال: فخرج الأشتر في الفتنة، وكان الأوزاعي يأخذ بهذا الحديث في طلب العدو).
أخرجه ابن عبدالبر في «التمهيد» (ج15 ص286)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج2 ص373) من طريق محمد بن جرير قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الرقي قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج2 ص437)، والعيني في «عمدة القاري» (ج5 ص359).
وأخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج2 ص246)، وفي «تفسير القرآن» (ج3 ص931)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج20 ص5)، وابن المبارك في «الجهاد» (256)، والفزاري في «السير» (ج2 ص503 و514) عن الأوزاعي عن سابق البربري به، وفيه: (وإن كانوا يطلبون صلوا على دوابهم).
قلت: وما جاء عن شرحبيل بن حسنة t في هذا الأثر عليه السلف؛ منهم: الإمام الأوزاعي وغيره.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص437): (فلعل ثابتا كان مع أخيه شرحبيل في ذلك الوجه). اهـ
قلت: فإن اشتد الأمر، صلوا ركبانا إيماء حيث كانت وجوههم؛ فإن لم يقدروا، تركوا الصلاة حتى يأمنوا في الخوف. ([133])
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج5 ص244): (والخوف الذي للمصلي أن يصلي من أجله المكتوبة ماشيا راجلا، وراكبا جائلا: الخوف على المهمة عند السلة، والمسايفة في قتال من أمر بقتاله من عدو للمسلمين، أو محارب، أو طلب سبع، أو جمل صائل، أو سيل سائل، فخاف الغرق فيه، وكل ما الأغلب من شأنه هلاك المرء منه إن صلى صلاة الأمن، فإنه إذا كان ذلك كذلك، فله أن يصلي صلاة شدة الخوف حيث كان وجهه يومئ إيماء لعموم كتاب الله تعالى: ]فإن خفتم فرجالا أو ركبانا[ [البقرة: 239]، ولم يخص الخوف على ذلك على نوع من الأنواع، بعد أن يكون الخوف صفته ما ذكرت). اهـ
قلت: وهذا على العموم في الخوف الذي يجوز للمصلي أن يصلي على أي نوع من أنواع الخوف في الحرب، أو في السفر، أو في الحضر، أو غير ذلك.
فعن عطاء بن أبي رباح / قال: في قوله تعالى: ]فإن خفتم فرجالا أو ركبانا[ [البقرة: 239] ، قال: (إذا كان خائفا صلى على أي حال كان). ([134])
16) وعن رجاء بن حيوة عن ثابت بن السمط قال: (كان في سفر في خوف، فصلوا ركبانا، فالتفت فرأى الأشتر([135]) قد نزل، قال: ماله، قالوا: نزل يصلي، فقال: خالف، خولف به، فخرج الأشتر في الفتنة).
أثر صحيح
أخرجه أبو إسحاق الفزاري في «السير» (ج2 ص502) من طريق ابن عون عن رجاء بن حيوة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره العيني في «عمدة القاري» (ج5 ص259).
قال الإمام ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص544): (فبان بهذا الخبر أنهم كانوا طالبين حين صلوا ركبانا). اهـ
قلت: فإن المضطر في السفر، أو الحضر، فيصلي راكبا على دابته، أو راحلته، أو سيارته، أو غير ذلك يومئ إيماء برأسه أينما توجه. ([136])
قال تعالى: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ [النور:63].
فعن سفيان الثوري / قال: (وجدت الأمر الاتباع). ([137])
قال أبو إسحاق الفزاري / في «السير» (ج2 ص503)؛ عن الأوزاعي قال: (إذا خاف الطالبون إن نزلوا بالأرض فوت العدو صلوا حيث وجهوا على كل حال).([138])
وقال الفزاري / في «السير» (ج2 ص501)؛ عن الأوزاعي قال: (كنا نصلي على ظهورها حيث توجهت بنا، المكتوبة).
قلت: فتصلي حيث توجهت، راكبا وماشيا، وحيث توجهت بك دابتك إيماء برأسك لصلاة الفريضة.
قال الإمام ابن المنير / في «المتواري» (ص114): (فإنما استدل البخاري بالطائفة التي صلت؛ فظهر له أنها لم تنزل، لأن النبي r إنما أمرهم بالاستعجال إلى بني قريظة.
والنزول ينافي مقصود الجد في الوصول، فمنهم: من بنى على أن النزول للصلاة معصية للأمر الخاص بالجد، فتركها إلى أن فات وقتها لوجود المعارضين، ومنهم: من جمع بين دليلي وجوب الصلاة، ووجوب الإسراع في هذا السير، فصلى راكبا.
ولو فرضناها صلت نازلة لكان ذلك مضادة لما أمر به r. وهذا لا يظن بأحد من الصحابة على قوة أفهامهم، وحسن اقتدائهم). اهـ
قلت: والأثر الذي ذكره الحافظ البخاري يدل على ذلك، ويؤكد بالقياس أيضا. ([139])
قلت: وفيه دليل على مشروعية صلاة الفريضة على الدابة، ويرخص في ذلك من أجل الإسراع في السير.
وبوب الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ج2 ص436)؛ باب: صلاة الطالب([140]) والمطلوب([141]) راكبا وإيماء.
قال الحافظ العيني / في «عمدة القاري» (ج5 ص358)؛ أي: هذا باب في بيان صلاة الطالب، وصلاة المطلوب.
قلت: فصاحب الحاجة صلاته راكبا أولى من صلاته نازلا.
فالمضطر يصلي على دابته، ولا ينزل ويصلي بالأرض إلا في مكان آمن في المنطقة؛ مثل: محطات البترول وغيرها.
قلت: وإذا اشتد الخوف عليه، ويخاف الضرر عموما، فيجوز للمسلم أن يصلي في سيارته وهي تسير للضرورة.
فإذا خاف الطالب أن يفوته العدو، فيجوز له أن يصلي راكبا وإيماء. ([142])
وإذا المطلوب من العدو خاف الاستيلاء عليه، فيجوز أن يصلي راكبا وإيماء.
قلت: ولا فرق بين المطلوب، والطالب في الصلاة على الدابة. ([143])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص437): (فإنه قيده بخوف الفوت ولم يستثن طالبا من مطلوب). اهـ
قلت: وإذا خاف أن تفوته الصلاة، فيجوز أن يصلي راكبا في سيارته للحاجة، فيومئ إيماء حيث كان وجهه في السفر، والحضر، والله ولي التوفيق.
17) عن رجاء بن حيوة الكندي قال: (كان ثابت بن السمط، أو السمط بن ثابت في مسير في خوف، فحضرت الصلاة، فصلوا ركبانا، فنزل الأشتر([144])، فقال: ما له؟ قالوا: نزل فصلى، قال: ما له خالف؛ خولف به!).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص508) من طريق وكيع قال: حدثنا ابن عون، عن رجاء بن حيوة الكندي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج2 ص437)، والعيني في «عمدة القاري» (ج5 ص359).
18) وعن عطاء بن أبي رباح / قال: (إذا كان الإنسان في ماء لا يستطيع أن يخرج منه، فليصل، وليومئ برأسه إيماء، ولا يسجد).
أثر صحيح
أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (ج2 ص574 و575) من طريق منصور، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
19) وعن عطاء بن أبي رباح / قال: (لا يصلي الرجل المكتوبة على الدابة، مقبلا إلى البيت، ولا مدبرا عنه، إلا أن يكون مريضا، أو خائفا، فليصل على دابته مقبلا إلى البيت غير مدبر عنه).
أثر صحيح
أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (ج2 ص572 و573) من طريق ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
20) وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: قوم مسافرون أمامهم مطر، يصلون على دوابهم؟ قال: نعم، إن شاءوا، قلت: أيمسحون بالتراب إذا لم يجدوا ماء؟ قال: نعم([145]).
أثر صحيح
أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (ج2 ص573) من طريق ابن جريج به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وبوب عبدالرزاق في «المصنف» (ج2 ص572)؛ باب: هل يصلي المكتوبة على الدابة إلى القبلة، وإلى غيرها، وكيف الصلاة؟. يعني: على الراحلة.
21) وقال أبو إسحاق الفزاري / في «السير» (ج2 ص520)؛ قلت: للأوزاعي: (رجل أصابته جنابة، وخشي على نفسه الموت من البرد، والثلج، وليست به جراحة، أيتيمم ويصلي؟. قال: نعم).
وقال الفزاري / في «السير» (ج2 ص520): (وسألت: هشام بن عروة وغيره عن ذلك، فقالوا: مثل ذلك)؛ يعني: يتيمم ويصلي.
وقال أبو إسحاق الفزاري / في «السير» (ج2 ص620): وسئل الأوزاعي عمن انتبه من نومته، وغفلته، وهو جنب، فأشفق إن اغتسل، وتوضأ طلعت الشمس أو غابت؟. قال الأوزاعي: (يتيمم، ويصلي الصلاة قبيل فوات وقتها).
وقال الوليد بن مسلم: فذكر ذلك: لإبراهيم بن محمد الفزاري؛ فأخبرني عن سفيان الثوري؛ أنه قال: (يتيمم ويصلي). ([146])
22) وعن عامر الشعبي / قال: (الذي في الماء، والطين يومئ إيماء).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص90) من طريق ابن فضيل، عن حصين عن عامر به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
ﭑ ﭑ ﭑ
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
جوهرة نادرة........................................................................................... |
5 |
2) |
فتوى العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين في تحريم معاداة طلبة العلم في مسائل فقهية.................................... |
6 |
3) |
فتوى الإمام أحمد على جواز صلاة الفريضة على الراحلة للحاجة........................................................................................... |
8 |
4) |
فتوى شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين في جواز صلاة الفريضة في السيارة عند الحاجة والضرورة........................ |
10 |
5) |
فتوى شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين في سقوط استقبال القبلة في الصلاة للمسلم الذي يصلي على راحلته في صلاة الفرض، وصلاة النفل في السفر والحضر..................... |
11 |
6) |
ذكر الدليل على مشروعية الأخذ بالرخص الشرعية في الدين |
12 |
7) |
التمهيد في أن الفقيه هو الذي يعرف مواقع الخلاف، لا حفظ مجرد الخلاف، فإن المقلدة بجميع أنواعهم في هذا الزمان يحفظون الخلاف، لكن لا يعرفون مواقع الخلاف، فهم يذكرون الإجماع في بعض الأحكام بجهل بالغ في الفقه الإسلامي.............................................................................................. |
32 |
8) |
المقدمة..................................................................................................... |
38 |
9) |
ذكر الدليل على مشروعية صلاة الفريضة على الراحلة راكبا حيثما توجهت به يومئ برأسه إيماء للركوع والسجود في السفر والحضر عند الحاجة في الخوف، والمطر، والطين، والغبار، والحر، والبرد، والرياح، والإزدحام، وغير ذلك لرفع الحرج والمشقة عن المسلم في الدين......................................... |
67 |
([2]) وانظر: «المغني» لابن قدامة (ج2 ص326)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج2 ص530)، و«الفروع» لابن مفلح (ج1 ص377)، و«الإنصاف» للمرداوي (ج2 ص312)، و«المبدع» لأبي إسحاق ابن مفلح (ج2 ص104).
([3]) وانظر: «المغني» لابن قدامة (ج2 ص326)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج2 ص530)، و«الفروع» لابن مفلح (ج1 ص377)، و«الإنصاف» للمرداوي (ج2 ص312).
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص173)، والترمذي في «سننه»؛ في «الصلاة»، باب: «ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين والمطر» (411) عن يعلى بن مرة t.
وقال النووي / في «الخلاصة» (283): إسناده جيد.
([5]) ولو ذهبت أستعرض كل أبواب الأحكام الشرعية لرأينا ذلك بارزا جليا، وهذا من تيسير الدين على المسلمين في الدنيا والدين.
وانظر: «الفروق» للقرافي (ج4 ص205 و206)، و«قواعد الأحكام» للعز بن عبد السلام (ج2 ص5 و7)، و«شرح القواعد الفقهية» للزرقاء (ص159).
أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (354)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج11 ص323)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج6 ص276)، وأبو الجهم في «جزئه» (ص55)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج12 ص278)، والواحدي في «التفسير الوسيط» (ج1 ص274)، والبزار في «المسند» (990-كشف الأستار).
وإسناده حسن.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج10 ص107 و112)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص200)، وفي «شعب الإيمان» (ج5 ص398)، والبزار في «المسند» (ج12 ص250)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص1462)، وابن خزيمة في «صحيحه» (950)، والروياني في «المسند» (ج2 ص421)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج3 ص1040)، والكلاباذي في «معاني الأخبار» تعليقا (ص320)، وابن حبان في «صحيحه» (2740)، و(3568)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (ج2 ص151)، وابن المقرئ في «المعجم» (ص386)، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (ج10 ص345)، وابن المديني في «حديثه» (ص177)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (5302)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج43 ص543).
وإسناده حسن.
وأورده البوصيري / في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص462)؛ ثم قال: رواه أبو يعلى الموصلي، ورجاله ثقات.
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (6522)، و(6523)، وفي «الآداب» (190)، و(191)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج10 ص103)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج4 ص207)، وابن المديني في «حديثه» (ص179)، ومسدد في «المسند» (ج1 ص510- إتحاف الخيرة).
وإسناده صحيح، وقد صححه ابن طاهر في كلامه على: «أحاديث الشهاب» كما في «تخريج أحاديث الكشاف» لابن حجر (ج3 ص72 و73).
وقال البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج1 ص510): هذا إسناد رجاله ثقات.
أخرجه ابن المديني في «حديثه» (ص180)، وابن أبي شيبة في «الآداب» (ص227)، ومسدد في «المسند» (ج1 ص509-إتحاف الخيرة).
وإسناده صحيح.
وقال البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج1 ص509): هذا إسناد رجاله ثقات.
أخرجه ابن المديني في «حديثه» (ص180)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (2006)، وفي «الآداب» (ص227)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (4093).
وإسناده صحيح.
([14]) قلت: وعلى هذا الأساس قعد الفقهاء قاعدة فقهية هامة من قواعد الأصول نصها: «الضرورات تبيح المحظورات»، وقاعدة: «إذا ضاق الأمر اتسع»، وقاعدة: «الضرر يزال».
([15]) وانظر: «الرخص الشرعية» للدكتور عمر عبد الله (ص89)، و«قواعد الأحكام» للعز بن عبد السلام (ج2 ص5)، و«الموافقات» للشاطبي (ج2 ص10 و11)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج2 ص225)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (ج1 ص55)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج1 ص414)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص216).
([17]) قلت: فإذا جهل المرء فقه الرخصة، فبسبب الجهل بذلك يقع غلط عظيم على الشريعة يوجب من الحرج، والمشقة، والتكليف مالا سبيل إليه.
وانظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (ج3 ص10)، و«قواعد الأحكام» للعز بن عبد السلام (ج1 ص5).
([18]) وهذه الرخص تقع في مقابلة العزائم، وما يزال العمل بها جاريا عند الفقهاء؛ ليقام دليلها تخفيفا عن المكلف.
([19]) وانظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (ج1 ص126)، و«الأشباه والنظائر» لابن نجيم (ص75)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (ج3 ص234)، و«تبيين الحقائق» للزيلعي (ج1 ص215)، و«الأشباه والنظائر» للسيوطي (ص156)، و«شجرة المعارف» للعز بن عبد السلام (ص401)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص159).
([20]) وانظر: «الحاشية على كنز الراغبين» لعميرة (ج2 ص142)، و«قواعد الأحكام» للعز بن عبد السلام (ج1 ص79)، و«الفروق» للقرافي (ج4 ص205 و206).
([26]) وهي الرخص العارضة للأفراد في حالة الضرورة أو عند المشقة، أو عند الحاجة، وهي الرخص التي اعتنى بها الفقهاء، بل اقتصروا عليها في تمثيل الرخصة اعتمادا على الكتاب والسنة؛ كقوله تعالى: ]إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه[ [البقرة: 173]، في إباحة أكل الميتة للمضطر.
([27]) وانظر: «الأشباه والنظائر» للسيوطي (ص84)، و«الأشباه والنظائر» لابن نجيم (ص85)، و«موسوعة القواعد الفقهية» للبورنو (ج6 ص263)، و«الأشباه والنظائر» لابن السبكي (ج1 ص45).
قال القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج6 ص108): (قوله تعالى: ]وما جعل عليكم في الدين من حرج[ [الحج: 78] أي: من ضيق في الدين). اهـ
([30]) واليسر يأتي بمعنى: اللين والانقياد، والسهولة، فجعل الله تعالى الدين واسعا حين رخص في أحكامه.
انظر: «معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج6 ص155)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص261)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج2 ص304).
([31]) وانظر: «الإحكام» للآمدي (ج4 ص357)، و«تفسير القرآن» للعز بن عبد السلام (ج1 ص250)، و«الإشارة إلى الإيجاز» له (ص68)، و«قواعد الأحكام» له أيضا (ص363)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (ج3 ص1305)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج6 ص108)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج3 ص470)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج6 ص498).
([33]) فالإنسان عابد لله تعالى بالرخصة، وما يكون محققا لهذه العبودية في استمرار وإحسان، ومتابعة لسنة النبي r ، ومنها التوازن، واختيار الأيسر حفاظا على النفس، وأداء في حدود الطاقة، فهو الأولى بالاتباع.
([34]) فتكليف النفس أكثر من وسعها خارج عن المعتاد؛ أي: هذه المشقة خارجة عن المعتاد.
قال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا وسعها[ [البقرة: 286].
ويترتب عليها سقوط الواجب، أو تأخيره إلى أن تزول المشقة، طبقا للقاعدة: (المشقة تجلب التيسير).
([36]) كذلك عموم البلوى، والمراد بها: شيوع البلاء بحيث يتعذر على الإنسان أن يتخلص منه، أو يبتعد عنه، فعفى الشرع عن ذلك في غالبها لما في اجتنابه من المشقة.
وعموم البلوى يكون في أمور العبادة، كما يكون في قضايا التعامل مع الناس، بحيث لو أخذ بأصل الحكم فيها، لأدى إلى المشقة والعسر، أو تعطيل المصالح، وهو نوع من المشقة، وعموم البلوى عذرا للناس في الدين.
وانظر: «الأشباه والنظائر» للسيوطي (ص92).
([37]) انظر: «الأخذ بالرخصة» للتارزي (ص423 و424)، و«الموافقات» للشاطبي (ج1 ص204)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ص68)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج1 ص477)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ج1 ص309)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج3 ص470 و471).
أخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا (ص12)، ووصله في «الأدب المفرد» (387)، وأخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص236)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج11 ص227)، وفي «المعجم الأوسط» (1006)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (569)، والحربي في «غريب الحديث» (ج1 ص291)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (4098)، و(4099)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج1 ص293) من طريق محمد بن إسحاق قال: أخبرنا داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث عند ابن المنذر في «تفسيره» (ج1 ص293).
وقال ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص127): إسناده حسن.
وكذا حسنه الشيخ الألباني في «صحيح الجامع» (ج1 ص94).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج1 ص724).
([40]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج4 ص230)، و(ج8 ص198)، ومسلم في «صحيحه» (ج7 ص80)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص250)، ومالك في «الموطأ» (ج2 ص903)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (6530)، وفي «الآداب» (198).
قلت: فالأخذ بالرخص من طاعة الله تعالى.
وبوب عليه ابن أبي شيبة في «الآداب» (ص226): باب الأخذ بالرخص.
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج2 ص571).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج2 ص254).
([44]) فإفتاء المقلدة على التقاليد والعادات في بلدانهم؛ فيما ظهر لهم عن طريقها بأن ليس هنا تيسير ولا تعسير، وإنما هو اتباع للدلالة بزعمهم.
فهذا قول مخالف لوصايا الرسول r في يسر الدين، وهو مخالف أيضا لطبائع الناس، ووقائع الحياة.
([46]) فتناول الدين غالب أحكام التشريع بالتيسير بمختلف تصرفات الإنسان تحت حدود الشرع على حسب الحاجيات والضرورات في الحياة الدنيا.
([47]) وهذا التفويت للحكم في بعض الوقت لما يجر من منفعة أكبر للمكلف ... فهو من باب الإقدام على الفعل الممنوع ضرورة؛ لتخفيف، مقصد شرعي فيه نفع أكبر للمكلف، ويعتبر توسعة للناس، ورحمة لهم.
قال تعالى: ]يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا[ [النساء: 28].
([50]) وبسبب تقليدهم في مسائل الخلاف ارتكزوا في أخطاء كثيرة في فتاويهم في الدين، وسموا ذلك بـ«الفقه المقارن»؛ أي: بمجرد ذكرهم الخلاف أمام العامة والإكثار منه بلا فائدة تذكر، إلا تشوش العامة بذلك، وهذا بدعة في الإسلام، والله المستعان.
([51]) يعني: وبسبب جهل المقلدة في هذا العصر بمواقع الخلاف؛ فإما أن ينقلوا الخلافيات بدون فهم، مع وجود إجماع السلف في ذلك، وإما أن ينقلوا الإجماع عن تقليد في مسألة، وهناك اختلاف فيها بين العلماء!، فهؤلاء يحفظون الخلاف بدون معرفة فقه الخلاف، فافطن لهذا.
لذلك ارتكزوا في أخطاء كثيرة في فتاويهم في الدين.
أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1521)، و(1536)، والدوري في «التاريخ» (ج4 ص281).
وإسناده صحيح.
وذكره الشاطبي في «الموافقات» (ج5 ص123).
أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1520)، و(1522).
وإسناده لا بأس به.
وذكره الشاطبي في «الموافقات» (ج5 ص122).
أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1523).
وإسناده حسن.
وذكره الشاطبي في «الموافقات» (ج5 ص122).
أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1524).
وإسناده لا بأس به.
وذكره الشاطبي في «الموافقات» (ج5 ص122).
أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1525).
وإسناده حسن.
وذكره الشاطبي في «الموافقات» (ج5 ص123).
أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1527).
وإسناده حسن.
وذكره الشاطبي في «الموافقات» (ج5 ص123).
أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1529).
وإسناده صحيح.
وذكره الشاطبي في «الموافقات» (ج5 ص123).
أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1537).
وإسناده حسن.
وذكره الشاطبي في «الموافقات» (ج5 ص123).
([61]) لأنه بدون ذلك لا يمكنه ترجيح جانب الحق في المسألة مالم يقف على أدلة، فضرورة معرفة مواقع الخلاف في الفقه.
أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (58)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج6 ص110)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص23)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1120)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (800)، و(801)، وأبو خيثمة في «العلم» (21)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص248)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص817)، والآجري في «أخلاق العلماء» (76).
وإسناده صحيح.
([67]) قلت: والأخوة حرمة يجب الوقوف عندها، وقد جعلها رسول الله r شرطا لدخول الجنة، كما في حديث أبي هريرة t، أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص74).
([68]) وقد بينت ذلك جملة وتفصيلا في كتابي: (تحفة الأخيار في تأليف قلوب الأبرار) ولله الحمد والمنة.
قلت: ولا سبيل لتقوية الروابط الشرعية إلا في تقريب القلوب قولا وفعلا.
أخرجه المحاملي في «الأمالي» (ص395) من طريق نافع بن عامر الجمحي عن سليمان بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب t به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وتابعه سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب به.
أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج44 ص360)، والخطيب في «المتفق والمفترق» (ج1 ص305) من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب به.
وذكره ابن كثير في «تفسيره» (ج4 ص227).
([72]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج10 ص348)، ومسلم في «صحيحه» (2319)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص358 و361 و365).
أخرجه أبو داود في «سننه» (4941)، والترمذي في «سننه» (1924)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص160)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص175).
أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (376)، وأبو داود في «سننه» (ج5 ص232)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص323) بإسناد حسن.
([76]) وإذا ضاق صدره لم تستقر الرحمة فيه، وملك نفسه بقوة الهوى، وسلطان الشيطان، فعامل الخلق بالغضب، لأن الشيطان يريه ذلك، حتى يأخذ من الشبهات بتضييع الأمانات، وتعطيل الفرائض، ومنع الحقوق، والتعصب للآراء، ويعرض عن المواعظ والنصائح، ونسيان الموت والمعاد، والحساب بين يدي الله تعالى، اللهم سلم سلم.
([78]) فقد مكروا قديما وحديثا بأهل العلم وطلبتهم، والله المستعان.
وقد عاد مكرهم عليهم وبالا، وقد هزموا شر هزيمة في الآونة الأخيرة على يدي علماء الدعوة السلفية وطلبتهم، والواقع يشهد بذلك.
([84]) فأدخل الشيخ السعدي في هذه الآية أهل البدع وأهل المعاصي، رغم أنها نزلت في أهل الكفر؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فافهم لهذا ترشد.
([86]) وانظر: «هدية السلطان إلى مسلمي بلاد اليابان» للمعصومي (ص83)، و«القواعد الحسان بتفسير القرآن» للشيخ السعدي (ص7) القاعدة الثانية: (العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب).
([88]) قلت: فالمقلد لم يأت بشيء جديد عن قومه، فهذا الذي تربى عليه، واعتاده في بلده من سنين طويلة، اللهم غفرا.
([89]) ولذلك لا تغتر بالذين يفتون في التلفاز، أو الجرائد، أو الصحف، فإن أكثرهم من الجهال، وإن أطلق عليهم بالشيوخ، أو العلماء، أو المفكرين، فإن هؤلاء أبعد الناس من المشيخة، والعلم، والفكر السليم ... والإطلاق على هؤلاء بالشيوخ، أو العلماء إنما هذا أشبه بالصوري الشكلي، والله المستعان.
([90]) «الاجتهاد والتقليد» (ص47).
قلت: وهؤلاء عرفوا الطريق الموصل إلى المناصب... فيذهب مثلا إلى المغرب وغيرها... ثم يأتي بالشهادة الأكاديمية!... ثم ينصب قاضيا، أو مديرا، أو خطيبا، أو غير ذلك، والله المستعان.
([92]) قلت: فالواجب على من يؤصل للدعوة إلى الله، ويقعد لها أن يترك العادات في قومه، ولابد عليه من التفتيش والتنقيب، والله الحسيب!.
([93]) ولا يحل للمفتي أن يفتي في المسألة بقوله: «اختلف العلماء»، أو «اختلف الفقهاء»؛ لأن ذلك قاعدة المتعالمين في الدعوة، اللهم غفرا.
([94]) وانظر: «الحجة في بيان المحجة» لأبي القاسم الأصبهاني (ج2 ص510)، و«شرح السنة» للبربهاري (ص22).
قلت: فنظر المقلد قاصر على الصور لا يتجاوزها إلى الحقائق، فهو محبوس سجن التقليد، مقيد بقيود العادات.
([95]) هذه عقوبة له، لأنه يتكلم في دين الله تعالى بغير علم، والمفروض أنه لا ينقل شيئا في الدين لا الحديث الصحيح ولا غيره، بل عليه السكوت، ويلزم أهل العلم، لأنه جاهل.
ولأنه جمع الجهل، ورقة الدين، ثم يدعي دعاوى باطلة أنه من الدعاة!، أو العلماء!، أو طلبة العلم!.
([96]) بل وإن صادف الحق، فهو آثم.
قال الحافظ البيهقي / في «المدخل إلى السنن الكبرى» (ص94 – الباعث): (قد يكون المراد بالخبر من يقول فيه برأيه من غير معرفة منه بأصول العلم وفروعه، فتكون موافقته للصواب – وإن وافقه من حيث لا يعرفه – غير محمودة).اهـ
([97]) قلت: فهذا يوقع الناس في شيء من الاعتقادات السيئة، والأحكام الباطلة بسبب تحديثه بالأحاديث الضعيفة، اللهم سلم سلم.
وانظر: «الباعث على الخلاص من حوادث القصاص» للعراقي (ص98).
([98]) قلت: وهكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية /، وهذا القول شديد على المقلدة للصحيحين مطلقا، لظنهم أن كل ما في الصحيحين من قسم الصحيح، وهذا جهل في دين الله تعالى، لأن هذه الكتب المصنفة من المخلوقين لا تفلت من الخطأ أبدا، لأن الله تعالى كتب على بني آدم الخطأ، وهو من طبيعتهم، ولا يصح مطلقا إلا كتاب الله تعالى.
وصدق الإمام الشافعي /حيث قال: (أبى الله أن تكون العصمة لغير كتابه) اللهم غفرا.
انظر: «مسند أبي يعلى» (ج1 ص22)، و«منهاج السنة» لابن تيمية (ج7 ص216).
([100]) ويتيمم في الراحلة إذا لم يكن على وضوء.
خاصة في الحج فإن الناس يصلون صلاة الفريضة في سيارتهم عند الإزدحام ما بين عرفة ومزدلفة، وغير ذلك من الأماكن التي يكثر فيها الإزدحام للحاجة ودفع المشقة عنهم.
([102]) ومعنى قوله: (أذن)؛ يعني: (أمر المؤذن)؛ كما في رواية؛ وهذا يعرف أيضا في لغة العرب، كما يقال: أعطى الخليفة فلانا ألفا، وإنما باشر العطاء غيره، ونسب إلى الخليفة لكونه أمره.
([103]) قلت: فقد رخص أهل العلم في تأدية صلاة الفريضة على الراحلة عند الحاجة يومئ إيماء للركوع والسجود.
وانظر: «الحاشية على مراقي الفلاح» للطحطاوي (ص407 و408)، و«رد المحتار» لابن عابدين (ج2 ص591 و592 و593 و595)، و«المبسوط» للسرخسي (ج1 ص418 و419)، و«تبيين الحقائق» للزيلعي (ج1 ص440 و441)، و«المغني» لابن قدامة (ج1 ص635 و636)، و«الواضح» لابن أبي القاسم (ج1 ص255)، و«السير» للفزاري (ج2 ص501).
المضيق: هو المكان الضيق.
المراد بالسماء: هنا المطر.
البلة: بكسر الباء الموحدة، وتشديد اللام: النداوة.
انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج10 ص209)، و«تاج العروس» للزبيدي (ج6 ص413)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (ج2 ص160).
([104]) وانظر: «الإرشاد» لابن أبي موسى (ج1 ص206)، و«المختصر» لابن تميم (ج2 ص343 و344)، و«زاد المستقنع في اختصار المقنع» للحجاوي (ص58)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج2 ص528)، و«تجريد العناية» لابن اللحام (ص48)، و«الشرح الممتع» لشيخنا ابن عثيمين (ج4 ص346)، و«المسائل» لأبي داود (ص76)، و«الروض المربع» للبهوتي (ج1 ص268)، و«الإحكام في شرح أصول الأحكام» لابن قاسم (ج1ص403).
([105]) الرداغ: كجبال؛ جمع: الردغة، محركة، وتسكن: الماء والطين، والوحل الشديد.
وانظر: «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص782).
([106]) وهو موضع بين البصرة، والكوفة، بطريق العراق مما يلي الشام.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص576)، و«معجم البلدان» للحموي (ج1 ص218).
([110]) وانظر: «مراقي الفلاح في شرح نور الإيضاح» لابن عمار (ص237 و407)، و«رد المحتار على الدر المختار» لابن عابدين (ج2 ص591 و592 و593 و595)، و«المبسوط» للسرخسي (ج1 ص418 و419)، و«تبيين الحقائق» للزيلعي (ج1 ص440 و441).
وهو على مذهب أبي حنيفة /.
([113]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1107)، ومسلم في «صحيحه» (705).
قلت: فالمسافر إذا احتاج لصلاة الفريضة على الدابة، فيجوز له أن يصلي عليها للحاجة، ورفع الحرج عن نفسه.
([115]) وذهب عدد من الفقهاء: أن يكون الإيماء في السجود أخفض من الركوع ليكون البدل على وفق الأصل.
والحديث يدل على الإيماء مطلقا في الركوع والسجود معا، كما قال بعض الفقهاء.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص574).
([122]) قلت: وهذا خلاف ما يظنه المقلدة في هذا الزمان أن النبي r كان فقط يصلي النافلة على ظهر دابته!.
([124]) انظر: «المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي» لابن جماعة (ص225 و226)، و«الكفاية في معرفة أصول علم الرواية» للخطيب (ج2 ص253).
([126]) يعني: يفوته العدو، وكذلك تفوته الصلاة، أو فوت الوقت، أو فوت موعد، أو فوت أي أمر من الأمور.
فيصلي المسلم على راحلته يومئ برأسه أينما توجه.
([127]) وهو شرحبيل بن السمط الكندي؛ له صحبة.
انظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (ج4 ص248)، و«الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (ج2 ص143)، و«أسد الغابة» لابن الأثير (ج2 ص391).
([128]) هذا لقب: لمالك بن الحارث النخعي.
انظر: «السير» للذهبي (ج4 ص134)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج27 ص126)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج10 ص11).
([129]) وانظر: «تحفة الباري» للأنصاري (ج2 ص38)، و«الاستذكار» لابن عبدالبر (ج7 ص81)، و«التمهيد» له (ج15 ص279)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج2 ص544).
([131]) قال ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج56 ص380): (وكان الأشتر ممن سعى في الفتنة، وألب على عثمان t، وشهد حصره).اهـ
([135]) هذا لقب: لمالك بن الحارث النخعي.
انظر: «السير» للذهبي (ج4 ص134)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج27 ص126)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج10 ص11).
([136]) وانظر: «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج2 ص545)، و«المتواري على أبواب البخاري» لابن المنير (ص114)، و«جامع البيان» للطبري (ج4 ص388).
([138]) قلت: فكانوا إذا خشوا العدو، أو غيره صلوا الفريضة على دوابهم ركبانا، يومئون إيماء برؤوسهم للركوع والسجود.
([139]) فصلوا ركبانا، وهذا دل عليه الأثر في الباب الذي ذكره الحافظ البخاري.
وانظر: «المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح» لابن أبي صفرة (ج1 ص441).
([143]) وانظر: «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج2 ص544)، و«المتواري على أبواب البخاري» لابن المنير (ص114)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج15 ص283).