الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / تدقيق المطالعة لفطر الصائم والشمس طالعة
تدقيق المطالعة لفطر الصائم والشمس طالعة
|
تدقيق المطالعة
لفطر الصائم والشمس طالعة
دراسة أثرية منهجية في تعيين غروب الشمس الذي يسن للصائم عنده تعجيل فطره، وتأدية صلاة المغرب في هذا الغروب، وهو قبل مغيب قرص الشمس بيسير، وذلك عند تقارب غروبها، وهذا يعتبر من تعجيل الصائم لفطره الذي أمر به في السنة النبوية والآثار الصحابية، فطبق هذه السنة، ولا تنتظر على ذلك موافقة أحد على وجه الأرض!: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185].
ومعه:
إجماع الصحابة ومن تابعهم بإحسان على أن الصائم له أن يفطر قبل مغيب الشمس عند تقارب غروبها.
بالإضافة:
إلى موافقة علماء الفلك للإدلة في درجات الغروب
تأليف
العلامة الشيخ فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري
غفر الله له، ولشيخه، وللمسلمين
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
وبه استعين
ذكر الدليل على أن الإسلام سوف يعود في آخر الزمان غريبا بين الناس في البلدان الإسلامية في أحكام أصوله وفروعه، فإذا كان كذلك فلابد أن يعم الجهل في الناس([1])؛ لغربة أحكام الدين عندهم من جميع الوجوه خاصة في المساجد، فيتعبدون الله تعالى بالمخالفات الشرعية، وينكرون الأحكام الشرعية الصحيحة، ولا يعملون بها لغربتها عندهم في بلدانهم إلا القليل منها ولا يكفي ذلك في الإسلام
عن أبي هريرة t، قال: قال رسول الله r: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء). وفي رواية: (إن الدين بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (145)، وابن ماجه في «سننه» (3986)، وابن منده في «الإيمان» (423)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص160 و165)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج11 ص307)، وفي «شرف أصحاب الحديث» (ص23)، وفي «موضح الأوهام» (ج1 ص141 و142)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج3 ص156)، وتمام الرازي في «الفوائد» (ج5 ص113)، والدينوري في «المجالسة» (ج3 ص225)، وبحشل في «تاريخ واسط» (ص132)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج5 ص226)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص101)، والآجري في «صفة الغرباء» (4)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص389)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (1051)، وأبو نعيمفي «المسند المستخرج» (ج1 ص212)، وابن راهويه في «المسند» (ج1 ص382)، والخليلي في «الإرشاد» (ج2 ص658)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج4 ص469)، وابن حزم في «الإحكام» (ج8 ص37)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج1 ص157)، وأبو يعلى في «المسند» (ج11 ص52)، وابن عدي في «الكامل» (ج2 ص462)، والبيهقي في «الزهد الكبير» (204)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج13 ص237)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص298) من طرق عن أبي هريرة t به.
قلت: وهذا الحديث يبين رجوع الجهل بأحكام الإسلام مرة ثانية، وإن كانوا ينتسبون إليه، فطريقتهم في العبادة غريبة عن الإسلام؛ لفساد طرقهم في العبادات، والدعوات، والمعاملات، والعقائديات، فهم يتعبدون في الإسلام على ما تهوى أنفسهم في المساجد وغيرها.([2])
وبوب الحافظ أبو نعيم / في «المسند المستخرج» (ج1 ص212)؛ باب: الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا.
قال الإمام ابن رجب / في «كشف الكربة» (ص6): (أعمل الشيطان مكائده على المسلمين وألقى بأسهم بينهم، وأفشى بينهم فتنة الشبهات والشهوات، ولم تزل هاتان الفتنتان تتزايدان شيئا فشيئا حتى استحكمت مكيدة الشيطان وأطاعه أكثر الخلق، فمنهم من دخل في طاعته في فتنة الشبهات، ومنهم من دخل في فتنة الشهوات، ومنهم من جمع بينهما). اهـ
قلت: وهذا الحديث يفيد أن قلة من الناس يعرفون أحكام الإسلام، وأكثرهم لا يعرفون أحكامه لجهلهم به، فهم ينتسبون إلى الإسلام لكن لا يعرفون الإسلام الصحيح لإعراضهم عن تعلم العلم الشرعي.
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج1 ص299): (فتأملنا هذه الآثار، فوجدنا الإسلام دخل على أشياء ليست من أشكاله، فكان بذلك معها غريبا لا يعرف، كما يقال لمن نزل على قوم لا يعرفونه: إنه غريب بينهم، ثم أخبر رسول الله r أنه يعود كذلك). اهـ
وعن أحمد بن عاصم الأنطاكي / قال: (أضر المعاصي عملك الطاعات بالجهل هو أضر عليك من المعاصي بالجهل).([3])
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص219): (وإنما غربتهم –يعني: أهل السنة- بين الأكثرين، الذين قال الله عز وجل فيهم: ]وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله[ [الأنعام: 116]). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص222): (وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة، ذات أتباع ورئاسات ومناصب وولايات، ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول r فإن نفس ما جاء به يضاد أهواءهم ولذاتهم، وما هم عليه من الشبهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم، والشهوات التي هي غايات مقاصدهم وإراداتهم). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص223): (فإذا أراد المؤمن ... وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضلالات، وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله r وأصحابه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص224)؛ عن صاحب السنة: (فهو غريب في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعدا ولا معينا فهو عالم بين جهال). اهـ
قلت: لذلك أكثر هؤلاء يعملون أعمالا يحسبون أنها من الإسلام، وليست هي من الإسلام في شيء([4])، فابتغوا دينا غير الإسلام، فلا تقبل هذه الأعمال([5]) وإن كثرت فيهم لمخالفتها للشريعة المطهرة.
قال تعالى: ]ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[ [آل عمران: 85].
وقال تعالى: ]إن الدين عند الله الإسلام[ [آل عمران: 19].
وقال تعالى: ]ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه[ [البقرة: 130].
وقال تعالى: ]وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا[ [الفرقان: 23].
وعن أحمد بن عاصم الأنطاكي / قال: (أنفع الأعمال ما سلمت من آفاتها وكانت مقبولة منك).([6])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص292): (ولهذا لما بدأ الإسلام غريبا لم يكن غيره من الدين مقبولا). اهـ
قلت: فيقل من يعرف أحكام الإسلام على التفصيل في الأصول والفروع([7])، وهذا هو الإسلام الغريب بين الناس في البلدان الإسلامية([8])، ولهذا قال r: (وسيعود كما بدأ غريبا).
فعن أحمد بن عاصم الأنطاكي /، قال: (إني أدركت من الأزمنة زمانا عاد فيه الإسلام غريبا كما بدأ، وعاد وصف الحق فيه غريبا كما بدأ).([9])
قلت: فهذا وصف أهل زمانه؛ فكيف بما حدث بعده من الضلالات، والمنكرات التي لم تخطر بباله، ولم تدر في خياله!.
قال الإمام ابن رجب / في «كشف الكربة» (ص7): (فلما دخل أكثر الناس في هاتين الفتنتين أو إحداهما أصبحوا متقاطعين متباغضين بعد أن كانوا إخوانا متحابين متواصلين، فإن فتنة الشهوات عمت غالب الخلق ففتنوا بالدنيا وزهرتها وصارت غاية قصدهم، لها يطلبون، وبها يرضون، ولها يغضبون، ولها يوالون، وعليها يعادون.
وأما فتنة الشبهات، والأهواء المضلة؛ فبسببها تفرق أهل القبلة وصاروا شيعا وكفر بعضهم بعضا، وأصبحوا أعداء وفرقا وأحزابا بعد أن كانوا إخوانا؛ قلوبهم على قلب رجل واحد، فلم ينج من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية). اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «كشف الكربة» (ص14)؛ عن صاحب السنة: (لغربته بين أهل الفساد من أهل الشبهات([10]) والشهوات([11]». اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: (واعرف ما قص العلماء عن أصحابه –يعني: أصحاب النبي- وأحوالهم وأعمالهم. لعلك أن تعرف الإسلام والكفر؛ فإن الإسلام اليوم غريب، وأكثر الناس لا يميز بينه وبين الكفر، وذلك هو الهلاك الذي لا يرجى معه فلاح).([12]) اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ / في «مصباح الظلام» (ج2 ص355): (وقد عفت آثار العلم، واشتدت غربة الإسلام حتى خاض في هذه المباحث، وتصدى للرد على علماء الأمة من لا يعرف حقيقة الإسلام، ولم يميز بين حق الله، وحق عباده، وأوليائه من الأنام). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ /: (فاجتهد في طلب العلم وتعليمه، والدعوة إلى دين الله وسبيله، فإنك في زمان قبض فيه العلم وفشا الجهل، وبدل الدين، وغيرت السنن، لا سيما أصول الدين، وعمدة أهل الإسلام واليقين).([13]) اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح الكافية الشافية» (ج4 ص238): (الغربة ليست غربة الوطن، ولكنها غربة الدين، وهذه أشد من غربة الوطن، إذ إن غريب الوطن ربما تزول غربته بما يحصل له من الفرح والسرور وتجدد الإخوان والأصحاب، لكن غربة الدين هي البلاء، وهي التي تحتاج إلى صبر). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد» (ج1 ص306): (من تأمل ما عليه الناس اليوم في كثير من البلدان الإسلامية تبين له ترك التوحيد، وغربة الدين). اهـ
قلت: وغلب الإثم على أكثر النفوس؛ لظهور الجهل، وخفاء العلم، فصار: المعروف منكرا، والمنكر معروفا، وتصير السنة بدعة، والبدعة سنة، ونشأ في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطمست الأعلام، واشتدت غربة الإسلام، اللهم سلم.([14])
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص222)؛ عن ظهور الإسلام أولا: (ثم أخذ –يعني: الإسلام- في الاغتراب والترحل، حتى عاد غريبا كما بدأ، بل الإسلام الحق الذي -كان عليه رسول الله r وأصحابه- هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره، وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة، فالإسلام الحقيقي غريب جدا، وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس). اهـ
قلت: رحم الله الإمام ابن القيم، كيف لو عاش في عصرنا هذا؟!.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج3 ص80): (فكل من أعرض عن الطريقة السلفية الشرعية الإلهية، فإنه لابد أن يضل ويتناقض، ويبقى في الجهل المركب أو البسيط). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج3 ص157): (لا ريب أن إظهار الحق ونشره في هذا العصر، ودعوة الناس إليه يعتبر من الأمور الغريبة، وذلك لاستحكام غربة الإسلام، وقلة دعاة الحق، وكثرة دعاة الباطل، وهذا مصداق ما أخبر به نبينا ورسولنا محمد r حيث قال في الحديث الصحيح: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء) ([15])). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج23 ص192): (ولا سيما في هذا العصر، الذي اشتدت فيه غربة الإسلام، وكثر فيه دعاة الباطل، وانتشرت فيه أنواع الإفساد في غالب المعمورة، واختلط الحابل بالنابل، والظالم بالمظلوم، والمفسد بالمصلح، والجاهل بالعالم، فإن هذا العصر شديد الغربة، شديد الاختلاط، شديد البلاء إلا من عصم الله ووفقه). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: (فإذا كان الإسلام يعود كما بدأ، فما أجهل من استدل بكثرة الناس([16])).([17]) اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
شيخ الإسلام ابن تيمية / في أن من اتبع الصحابة في الأصول والفروع فقد حصل على الرضوان من الله تعالى ودخل الجنة، ومن خالفهم
فقد وقع في سخط الله تعالى ودخل النار
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص28): (قال تعالى: ]والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان y ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم[ [التوبة: 100]، فجعل التابعين لهم بإحسان مشاركين لهم فيما ذكر من الرضوان والجنة([18])، وقد قال تعالى: ]والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم[ [الأنفال: 75]، وقال تعالى: ]والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم[، وقال تعالى: ]وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم[ [الجمعة: 3]؛ فمن اتبع السابقين الأولين كان منهم، وهم خير الناس بعد الأنبياء). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
عن أبي هريرة t، قال: قال رسول الله r: (إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب). أخرجه البخاري في «صحيحه» (6137)
ذكر الدليل
على وجوب التقيد بما عليه الصحابة السابقون من أحكام الإسلام
في الأصول والفروع؛ لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد،
ولم يبلغ درجة التمكن في العلم الشرعي
فهذا الضابط([19]) من الأسس الأصولية في قضية الاجتهاد في أحكام الدين في الأصول والفروع، لأنه يلزم المبتدئ، والمقصر في العلم الذي لم يبلغ مرتبة الاجتهاد، ولم يبلغ درجة التمكن في العلم؛ أن يتبع آثار الصحابة الكرام، وينضبط بحكمهم، ومنهجهم، ودعوتهم، وذلك حتى لا ينفرد عنهم بفهم ليس له فيه سلف من الصحابة y
قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص26): (وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغا لم يخالف إجماعا؛ لأن كثيرا من أصول المتأخرين محدث مبتدع في الإسلام مسبوق بإجماع السلف على خلافه والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ
وقال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة y فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص24)؛ عن تفضيل السلف على الخلف: (ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم خيرا، وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين وأعمالهم في جميع علوم الدين وأعماله؛ كالتفسير، وأصول الدين، وفروعه، والزهد، والعبادة، والأخلاق، والجهاد، وغير ذلك؛ فإنهم أفضل ممن بعدهم كما دل عليه الكتاب والسنة؛ فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير، وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم. وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوما). اهـ
وقال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص301): (علامة من أراد الله تعالى به خيرا سلوك هذا الطريق كتاب اللـه، وسنن رسول الله r، وسنن أصحابه y، ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد). اهـ
وقال الإمام الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص210): (فإن كنتم من المؤمنين، وعلى منهاج أسلافهم، فاقتبسوا العلم من آثارهم، واقتبسوا الهدى من سبيلهم، وارضوا بهذه الآثار إماما، كما رضي القوم بها لأنفسهم إماما). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (فتارة يحكون الإجماع ولا يعلمون إلا قولهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (يحكون إجماعا ونزاعا ولا يعرفون ما قال السلف في ذلك ألبتة؛ بل قد يكون قول السلف خارجا عن أقوالهم). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «شرح السنة» (ص351): (فموقف المسلم من صحابة رسول الله r احترامهم، والترضي عنهم، والاقتداء بهم، واتباعهم، والدفاع عن أعراضهم، هذا هو موقف المسلم من صحابة رسول الله r). اهـ
وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص421): (فالله الله في نفسك، وعليك بالأثر، وأصحاب الأثر، والتقليد([20])؛ فإن الدين إنما هو بالتقليد؛ يعني: للنبي r، وأصحابه رضوان الله عليهم، ومن قبلنا لم يدعونا في لبس، فقلدهم واسترح، ولا تجاوز الأثر، وأهل الأثر!). اهـ
وقال الإمام ابن القيم /: (فالصحابة y أخذوا عن رسول الله r ألفاظ القرآن ومعانيه، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني أعظم من عنايتهم بالألفاظ، يأخذون المعاني أولا، ثم يأخذون الألفاظ).([21]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج5 ص560): (وأما تخصيص اتباعهم –يعني: الصحابة- بأصول الدين دون فروعه فلا يصح؛ لأن الاتباع عام). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص474): (وتقليدهم –يعني: الصحابة - اتباع لهم، ففاعله ممن y). اهـ
وقال المفسر الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص23): (القول إذا ظهر عن جماعة من الصحابة واستفاض، ولم يوجد له منهم مخالف؛ فهو إجماع، وحجة على من بعدهم). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج1 ص355): (فإنهم أصحاب رسول الله r، ولا مخالف لهم منهم، وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم، ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم؛ لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم، والنفس تسكن إليهم؛ فأين المهرب عنهم دون سنة، ولا أصل وبالله التوفيق). اهـ
وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص273): (من ثبت على قول رسول الله r وأمره، وأمر أصحابه، ولم يتخط أحدا منهم، ولم يجاوز أمرهم، ووسعه ما وسعهم، ولم يرغب عن طريقتهم ومذهبهم، وعلم أنهم كانوا على الإسلام الصحيح، والإيمان الصحيح، فقلدهم دينه واستراح، وعلم أن الدين إنما هو بالتقليد([22])، والتقليد لأصحاب محمد r). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص567): (وكل من خالف ما جاءت به الرسل عليهم السلام فهو ضال، من أي الطوائف كان، فإن الله بعثهم بالحق، والمعقول الصريح دائما يوافق ما جاءت به الرسل عليهم السلام لم يخالف العقل الصريح شيئا مما جاءت به الرسل عليهم السلام). اهـ
قال تعالى: ]لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين[ [آل عمران:164].
وقال تعالى: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص26): (والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص227): (ومعلوم أن السابقين الأولين أعظم اهتداء واتباعا للآثار النبوية فهم أعظم إيمانا وتقوى وأما آخر الأولياء: فلا يحصل له مثل ما حصل لهم). اهـ
وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص83): (الأساس الذي تبنى عليه الجماعة، هم: أصحاب محمد r، وهم أهل السنة والجماعة، فمن لم يأخذ عنهم فقد ضل وابتدع). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص186): (هذه الأحاديث قد رواها الثقات فنحن نرويها، ونؤمن بها. ولا نفسرها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص15): (وديانتنا التي بها ندين: التمسك بكتاب الله عز وجل وبسنة نبيه r، وما روي عن الصحابة، والتابعين، وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص18): (نعول فيما اختلفنا فيه على كتاب الله تعالى وسنة نبيه r، وإجماع المسلمين، وما كان في معناه، ولا نبتدع في دين الله تعالى بدعة لم يأذن الله تعالى بها، ولا نقول على الله ما لا نعلم). اهـ
وقال الإمام أحمد / في «أصول السنة» (ص7): (أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله r، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص118): (ما جاء عن النبي r من نقل الثقات، وجاء عن الصحابة وصح عنهم؛ فهو علم يدان به، وما أحدث بعدهم ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم؛ فبدعة وضلالة).اهـ
قلت: وهم خير القرون بنص الرسول r عنهم، وإجماعهم حجة ملزمة، لأنه مقتضى الكتاب والسنة.
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص173):
واعــــلــــم بـــــأن طــــريقـــهـــــم عكــس |
|
|
الـــطــــريق الـــمـــســـتــقــيم لمن له عينان
|
وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص301): (والجماعة: ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله r). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «شرح السنة» (ص301): (وأول الجماعة، ومقدم الجماعة: صحابة رسول الله r، الذين هم أفضل القرون، ما اجتمع عليه صحابة رسول الله r فهو الجماعة، ومن بعدهم من كان على الحق فهو الجماعة، فالذي على الحق يسمى جماعة، ولو كان واحدا، ولو كان الناس كلهم على خلافه، إذا ليس المراد بالجماعة الكثرة، بل المراد بالجماعة من كانوا على الحق، ولو كانوا طائفة يسيرة). اهـ
وقال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص435): (واعلم أن الدين إنما هو التقليد([23])، والتقليد لأصحاب محمد r). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص66): (والمقصود: أن كثيرا من المتأخرين لم يصيروا يعتمدون في دينهم لا على القرآن ولا على الإيمان الذي جاء به الرسول r بخلاف السلف؛ فلهذا كان السلف أكمل علما وإيمانا، وخطؤهم أخف، وصوابهم أكثر). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص67): (فعلى كل مؤمن أن لا يتكلم في شيء من الدين إلا تبعا لما جاء به الرسول r، ولا يتقدم بين يديه؛ بل ينظر ما قال فيكون قوله تبعا لقوله، وعمله تبعا لأمره فهكذا كان الصحابة y ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين؛ فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله، ولا يؤسس دينا غير ما جاء به الرسول r وإذا أراد معرفة شيء من الدين والكلام فيه نظر فيما قاله الله والرسول فمنه يتعلم، وبه يتكلم، وفيه ينظر ويتفكر، وبه يستدل فهذا أصل أهل السنة، وأهل البدع لا يجعلون اعتمادهم في الباطن ونفس الأمر على ما تلقوه عن الرسول r؛ بل على ما رأوه أو ذاقوه ثم إن وجدوا السنة توافقه وإلا لم يبالوا بذلك، فإذا وجدوها تخالفه أعرضوا عنها تفويضا أو حرفوها تأويلا؛ فهذا هو الفرقان بين أهل الإيمان والسنة وأهل النفاق والبدعة).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص156): (قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا، وسنة نبينا، وما جاء عن الصحابة y والتابعين، وأئمة المسلمين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «مختصر الفتاوى المصرية» (ص556): (فمن ظن أنه يأخذ من الكتاب والسنة بدون أن يقتدي بالصحابة، ويتبع غير سبيلهم فهو من أهل البدع والضلال). اهـ
وقال قوام السنة الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص237): (أخذ رسول الله r السنة عن الله عز وجل، وأخذ الصحابة عن رسول الله r، وأخذ التابعون عن الصحابة الذين أشار إليهم رسول الله r بالاقتداء بهم، ثم أشار الصحابة إلى التابعين من بعدهم). اهـ
وقال قوام السنة الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص364): (وشعار أهل السنة اتباعهم السلف الصالح، وتركهم كل ما هو مبتدع محدث). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (وأما المتأخرون الذين لم يتحروا متابعتهم، وسلوك سبيلهم، ولا لهم خبرة بأقوالهم وأفعالهم، بل هم في كثير مما يتكلمون به في العلم، ويعملون به لا يعرفون طريق الصحابة والتابعين في ذلك من أهل الكلام والرأي والزهد والتصوف.
فهؤلاء تجد عمدتهم في كثير من الأمور المهمة في الدين إنما هو عما يظنونه من الإجماع، وهم لا يعرفون في ذلك أقوال السلف ألبتة، أو عرفوا بعضها ولم يعرفوا سائرها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (وهم –يعني: المتأخرين- إذا ذكروا إجماع المسلمين لم يكن لهم علم بهذا الإجماع؛ فإنه لو أمكن العلم بإجماع المسلمين لم يكن هؤلاء من أهل العلم به؛ لعدم علمهم بأقوال السلف؛ فكيف إذا كان المسلمون يتعذر القطع بإجماعهم في مسائل النزاع بخلاف السلف فإنه يمكن العلم بإجماعهم كثيرا). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «ذم التأويل» (ص40): (والإجماع حجة قاطعة فإن الله لا يجمع أمة محمد عليه السلام على ضلالة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رسالته» (ص24): (يجب اتباع طريقة السلف من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فإن إجماعهم حجة قاطعة، وليس لأحد أن يخالفهم فيما أجمعوا عليه، لا في الأصول، ولا في الفروع). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «لمعة الاعتقاد» (ص39): (وقد أمرنا بالاقتفاء لآثارهم، والاهتداء بمنارهم، وحذرنا المحدثات، وأخبرنا أنها من الضلالات). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص175): (ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد r، ويؤثرون كلام الله على كلام غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد r على هدي كل أحد ... والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين، وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص257): (أتدري -أيها المتعالم- من السلف؟!؛ السلف هم الرسول r، والخلفاء الراشدون، والصحابة y، والتابعون لهم بإحسان من أئمة الهدى والحق، فكيف تكون طريقة الخلف أهدى منهم!). اهـ ]إن هذا لشيء يراد[ [ص: 6].
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القواعد المثلى» (ص288): (الحق بلا ريب فيما كان عليه النبي r وأصحابه y وسلف الأمة
وأئمتها). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص288): (مخالفة النبي r، وأصحابه y، وسلف الأمة؛ لا شك أنه هو الباطل والضلال). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص346): (من قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة). اهـ
قلت: فمصادر المعرفة في أحكام الدين في الأصول والفروع موقوفة على هذه الأصول الثلاثة عند السلف الصالح، فعنها يصدرون، ومنها ينهلون، إذ لا حاجة لهم إلى غيرها في تلك المطالب، فقد ضمن الله لعباده فيها الهدى والنور، والعصمة من الغي والضلال، وفيها الكفاية والرحمة والذكرى لمن طلب الحق وصح قصده: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص136): (وأما الأمور الإلهية، والمعارف الدينية؛ فهذه العلم فيها مأخذه عن الرسول؛ فالرسول أعلم الخلق بها، وأرغبهم في تعريف الخلق بها، وأقدرهم على بيانها وتعريفها، فهو فوق كل أحد في العلم والقدرة والإرادة، وهذه الثلاثة بها يتم المقصود). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص134): (والمفترقة من أهل الضلال تجعل لها دينا وأصول دين قد ابتدعوه برأيهم، ثم يعرضون على ذلك القرآن والحديث، فإن وافقه احتجوا به اعتضادا لا اعتمادا، وإن خالفه فتارة يحرفون الكلم عن مواضعه ويتأولونه على غير تأويله، وهذا فعل أئمتهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص130): (جماع الفرقان بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، وطريق السعادة والنجاة، وطريق الشقاوة والهلاك: أن يجعل ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب اتباعه وبه يحصل الفرقان والهدى والعلم والإيمان، فيصدق بأنه حق وصدق وما سواه من كلام سائر الناس يعرض عليه، فإن وافقه فهو حق، وإن خالفه فهو باطل وإن لم يعلم هل وافقه أو خالفه لكون ذلك الكلام مجملا لا يعرف مراد صاحبه أو قد عرف مراده ولكن لم يعرف هل جاء الرسول r بتصديقه أو تكذيبه، فإنه يمسك فلا يتكلم إلا بعلم، والعلم ما قام عليه الدليل، والنافع منه ما جاء به الرسول r). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ] السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه [ [التوبة:100].
درة نادرة
إن احتج متعالم علينا بما عليه الفقهاء المتأخرون فنحتج عليه بما كان عليه الصحابة السابقون !
قال العلامة الشيخ حمد بن ناصر آل معمر / في «الرد على القبوريين» (ص129): (فإن احتج أحد علينا بما عليه المتأخرون؛ قلنا: الحجة بما عليه الصحابة، والتابعون، والذين هم خير القرون؛ لا بما عليه الخلف الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج17 ص334): (لكن كثيرا من المتكلمين أو أكثرهم لا خبرة لهم بما دل عليه الكتاب، والسنة، وآثار الصحابة والتابعين لهم بإحسان؛ بل ينصر مقالات يظنها دين المسلمين بل إجماع المسلمين، ولا يكون قد قالها أحد من السلف؛ بل الثابت عن السلف مخالف لها).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص69): (فلما طال الزمان خفي على كثير من الناس ما كان ظاهرا لهم، ودق على كثير من الناس ما كان جليا لهم؛ فكثر من المتأخرين مخالفة الكتاب والسنة ما لم يكن مثل هذا في السلف). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص66): (والمقصود: أن كثيرا من المتأخرين لم يصيروا يعتمدون في دينهم لا على القرآن ولا على الإيمان الذي جاء به الرسول r بخلاف السلف؛ فلهذا كان السلف أكمل علما وإيمانا، وخطؤهم أخف وصوابهم أكثر). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (وأما المتأخرون الذين لم يتحروا متابعتهم، وسلوك سبيلهم، ولا لهم خبرة بأقوالهم وأفعالهم، بل هم في كثير مما يتكلمون به في العلم، ويعملون به لا يعرفون طريق الصحابة والتابعين في ذلك من أهل الكلام والرأي والزهد والتصوف.
فهؤلاء تجد عمدتهم في كثير من الأمور المهمة في الدين إنما هو عما يظنونه من الإجماع، وهم لا يعرفون في ذلك أقوال السلف ألبتة، أو عرفوا بعضها ولم يعرفوا سائرها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص25): (وهم –يعني: المتأخرين- إذا ذكروا إجماع المسلمين لم يكن لهم علم بهذا الإجماع؛ فإنه لو أمكن العلم بإجماع المسلمين لم يكن هؤلاء من أهل العلم به؛ لعدم علمهم بأقوال السلف؛ فكيف إذا كان المسلمون يتعذر القطع بإجماعهم في مسائل النزاع بخلاف السلف فإنه يمكن العلم بإجماعهم كثيرا). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «فتح رب البرية» (ص24): (أن السلف هم ورثة الأنبياء والمرسلين، فقد تلقوا علومهم من ينبوع الرسالة الإلهية، وحقائق الإيمان). اهـ
وقال الإمام ابن القيم /: (فكانت نصوص رسول الله r أجل في صدورهم وأعظم في قلوبهم من أن يعارضوها بقول أحد من الناس). ([24]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم /: (كان السلف يشتد عليهم معارضة النصوص بآراء الرجال، ولا يقرون على ذلك). ([25]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رسالته» (ص24): (يجب اتباع طريقة السلف من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فإن إجماعهم حجة قاطعة، وليس لأحد أن يخالفهم فيما أجمعوا عليه، لا في الأصول، ولا في الفروع). اهـ
قلت: والمتعالم إلتمس في تفسير الآيات، والأحاديث في الدين سبيل المتأخرين في التحقيق، وهؤلاء دون مستوى تحقيق السلف، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص436): (ومن آتاه الله علما وإيمانا؛ علم أنه لا يكون عند المتأخرين من التحقيق إلا ما هو دون تحقيق السلف لا في العلم، ولا في العمل). اهـ
قلت: فالعلم ما كان عليه السلف الصالح؛ لكن هؤلاء ما بين مقصر أو قاصر، أو متعالم أو جاهل في التحقيق في علم السلف، اللهم غفرا.
قلت: وهؤلاء هم الحيارى؛ من التحير وهو الوقوع في الحيرة، وهي: التردد، والاضطراب، وعدم الاهتداء، وهم المتهوكون؛ من التهوك وهو: الذي يقع في كل أمر.([26])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص236): (وعلم أن الضلال والتهوك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، وإعراضهم عما بعث الله به محمدا r من البينات). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص230): (وحقيقة الأمر: أن كل طائفة تتأول ما يخالف نحلتها ومذهبها فالمعيار على ما يتأول وما لا يتأول هو المذهب الذي ذهبت إليه، والقواعد التي أصلتها فما وافقها أقروه ولم يتأولوه وما خالفها فإن أمكنهم دفعه وإلا تأولوه). اهـ
وقال الإمام الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص216): (إن الذي يريد الشذوذ عن الحق، يتبع الشاذ من قول العلماء، ويتعلق بزلاتهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص409): (بعض الخائضين بالتأويلات الفاسدة يتشبث بألفاظ تنقل عن بعض الأئمة، وتكون إما غلطا أو محرفة). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج11 ص321): (الجاهل لا يعلم رتبة نفسه، فكيف يعرف رتبة غيره). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص259): (فالإنسان ظالم جاهل([27])). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص275): (وأما إن أضاف أحد إلى الشريعة ما ليس منها من أحاديث مفتراة أو تأول النصوص بخلاف مراد الله ونحو ذلك؛ فهذا من نوع التبديل؛ فيجب الفرق بين الشرع المنزل، والشرع المؤول، والشرع المبدل). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص567): (وعند التنازع يجب الرد إلى الله والرسول وليس فعل غير الرسول حجة على الإطلاق). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص259): (يحرم اتباع من يتكلم بغير علم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص274): (ليس اتباع أحدهم واجبا على جميع الأمة؛ كاتباع الرسول r). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «الفتاوى» (ج3 ص219): (ومن أعظم الجرائم الفتوى بغير علم؛ فكم ضل بها من ضل، وهلك بها من هلك). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص271): (إذن: فيشترط لهذا التتبع أن يكون بعلم وإنصاف، فإن كان بجهل فإنه لا يمكن أن يعرف أنه مطابق؛ لأنه جاهل، والجاهل كيف يعرف أن هذا المذهب مطابق لما دل عليه الكتاب والسنة). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ]أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم[ [التوبة:109].
رب يسر
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
]ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران :102].
]ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].
]ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 و71].
أما بعد...
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فاعلم أن من السنة تعجيل الفطر بغروب الشمس حتى لو كانت طالعة في مكان المغرب في المستوى المطلوب في الشرع([28])، لا زيادة على ذلك.
1) قال تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
قلت: ويتعين دخول الليل من غروب الشمس، ويتحقق للصائم الإفطار([29])، لقوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
وأول الليل مغيب الشمس؛ أي: وصول الشمس مكان الغروب.([30])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص63): (فدل على أن قرب الشيء قد يعبر به عنه، والمراد مفهوم). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج10 ص42): (أجمع العلماء على أنه إذا حلت صلاة المغرب فقد حل الفطر للصائم فرضا وتطوعا، وأجمعوا أن صلاة المغرب من صلاة الليل، والله تعالى يقول: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]).اهـ
قلت: ودخول الليل، وذلك بغروب الشمس، وليس بشرط أن تغيب في الأفق عن أعين الناظرين، كما يظن البعض، بل لو تقارب غروب الشمس يكفي للإفطار والصلاة، فافهم لهذا.([31])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص62): (والعرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه). اهـ
2) وعن محمد بن كعب قال: (أتيت أنس بن مالك t في رمضان وهو يريد السفر، وقد رحلت دابته، ولبس ثياب السفر، وقد تقارب غروب الشمس([32])، فدعا بطعام فأكل منه ثم ركب، فقلت له: سنة؛ قال: نعم).
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج2 ص318)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص247)، والدارقطني في «السنن» (ج2 ص188) من طريق سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم، أخبرني محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «حديث إفطار الصائم ...» (ص22).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
فقوله: «وقد تقارب غروب الشمس»؛ يدل على أن الشمس لم تغرب بالكلية، بل يرى قرصها بقرب الأرض، وهذا يسمى غروبا؛ كما يدل عليه الأثر، وهذا مطابق لظاهر القرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار السلفية.([33])
قلت: فلا عبرة بهذا المستوى من الشمس، فإن النهار قد انتهى عند العرب، فيجوز للصائم أن يفطر، وإن كان قرص الشمس لم يغب عن الناظرين، وحلت صلاة المغرب، لأن المغرب في الأصل: موضع الغروب، فإذا وصلت الشمس في جهة المغرب، وفي هذا المستوى من موضع الغروب، فهذا يسمى غروبا عند الصحابة y، لأن الشمس بعدت، ودخلت في الغروب.([34])
قال الفقيه البهوتي / في «كشاف القناع» (ج1 ص235): (وقت المغرب: وهو في الأصل: مصدر غربت الشمس؛ بـ«فتح الراء وضمها» غروبا، ومغربا، ويطلق في اللغة: على وقت الغروب ومكانه). اهـ
قلت: فالمغرب سمي بذلك لفعلها وقت الغروب؛ إذ الغروب في اللغة البعد، أو وقته، أو مكانه فإذا كانت الشمس بعيدة في مستوى الغروب، فهي قد غربت، وإن كان قرصها لم يغب([35])، لأن هذا يسمى غروبا.([36])
قال الفقيه ابن أبي الفتح / في «المطلع» (ص57): (المغرب في الأصل: مصدر غربت الشمس غروبا، ومغربا، ثم سميت الصلاة مغربا). اهـ
وهذا يدل على أن بقية النهار بعد غروب الشمس يسمى ليلا، مع أن النهار لم يغب بالكلية، أي: أنه لا عبرة بوجود شيء من آخر النهار([37])، وذلك لأن العرب تسمي ذلك ليلا؛ حتى مع وجود النهار([38])، فافهم لهذا.
3) وعن أبي العالية /؛ أنه قال في الوصال في الصيام، قال: (قال الله تبارك وتعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187] وإذا جاء الليل فهو مفطر، ثم إن شاء صام وإن شاء ترك).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص134)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص264).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج3 ص134).
قال الفقيه ابن رشد / في «بداية المجتهد» (ج1 ص337): (وأما التي تتعلق بزمان الإمساك؛ فإنهم اتفقوا على أن آخره غيبوبة الشمس، لقوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]). اهـ
قلت: وبيان السنة للقرآن: هو تفسير للوحي بوحي، فهي الأصل الأصيل في هذا الباب، وكل طرق التفسير الأخرى فرع عليها؛ فإذا عرف تفسير القرآن من جهة السنة كان الفيصل، ولم يحتج معه إلى نوع آخر.([39])
4) وعن عمر بن الخطاب t قال: قال رسول الله r: (إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1954)، ومسلم في «صحيحه» (1100)، وأبو داود في «سننه» (7351)، والترمذي في «سننه» (ج2 ص38)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص252)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص35)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج4 ص227)، وابن الجارود في «المنتقى» (393)، والفريابي في «الصيام» (ص52) من طريق هشام بن عروه عن أبيه عن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه عمر t به.
قلت: وأنت إذا نظرت إلى طلوع الشمس في الأفق في جهة المغرب، رأيت ظلمة من جهة المشرق، وهذه علامة تدل على أن الشمس قد غربت، وإن كانت طالعة، لقوله: (إذا أقبل الليل من هاهنا)؛ أي: ظلامة من جهة المشرق، ولا يقبل الليل إلا إذا أدبر النهار، فإذا أدبر النهار تحققنا من غروب الشمس، وإن كانت الشمس ظاهرة للناظرين، ومعرفة ذلك بوجود الظلمة في جهة المشرق، وهي علامة على غروب الشمس، وهذا متحقق في الواقع للناس، إذا فإذا أقبل الليل، وأدبر النهار فقد أفطر الصائم، وحلت صلاة المغرب.([40])
قلت: وهذا موافق للقرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار السلفية، وموافقته لأصل من أصول الشريعة الغراء: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185] .
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج5 ص290): (قال تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]، وقول النبي r: (إذا أقبل الليل من هاهنا –وأشار إلى المشرق- وأدبر النهار من هاهنا –وأشار إلى المغرب- وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)، فمن المعلوم أن قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]، يعني: من غابت عليه الشمس انتهى وقت صومه؛ وأن قول الرسول r: «وغربت الشمس»، وأن من غربت عليه الشمس فقد انتهى صومه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج3 ص462): (والسنة تعجيل الفطور؛ لقوله تعالى: ]أتموا الصيام إلى الليل[ [االبقرة:187]، وقال r: (إذا غربت الشمس فقد أفطر الصائم)، وأمر بلالا لما غربت الشمس أن ينزل فيجدح لهم السويق). اهـ
قلت: والعبرة بغروب الشمس، أو قرب الغروب، ولا حاجة إلى أن يزول النور القوي، أو الحمرة، بل بمجرد ما يغيب قرص الشمس، أو قارب يفطر الصائم، كما فعل الصحابة الكرام.
5) وعن عبد الله بن أبي أوفى t، قال: (كنا مع النبي r في سفر، فقال لرجل من القوم: انزل فاجدح لي بشيء وهو صائم، فقال: الشمس يا رسول الله! قال: انزل فاجدح لي، قال: فنزل فجدح له فشرب، وقال: ولو ترآها([41]) أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس، ثم أشار النبي r بيده إلى المشرق، قال: إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا، فقد أفطر الصائم).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن عبدالله بن أبي أوفى به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الشيخ الألباني / في «مختصر صحيح البخاري» (ج1 ص571): (زاد عبد الرزاق (4/226/7594): «ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني: الشمس»، وسنده صحيح على شرط الشيخين).
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج3 ص412) وأقره؛ برواية ابن عيينة عن الشيباني عن ابن أبي أوفى t وفيه: (قال: فلو نزا أحد على بعيره لرآها؛ (يعني: الشمس)، ثم أشار النبي r بيده قبل المشرق).
قلت: وهذا الحديث يدل على أن النبي r أفطر مع وجود قرص الشمس لم يغيب كله، وشدة ضيائها، لقوله: (يا رسول الله الشمس)، وقوله: (إن عليك نهارا)، وقوله: (ولو تراآها احد على بعيره لرآها؛ يعني الشمس!)، مع أنه قال: (فلما غابت الشمس)، فهذا يسمى عند العرب غروبا، وهو نهاية الشمس([42])، فافطن لهذا ترشد.
قلت: وهذا الحديث يدل على أن الرسول r أفطر على أمر غير معتاد لبلال بن رباح t، وهو إفطاره r مع وجود قرص الشمس، وأن المعتاد عند بلال t هو إفطار النبي r مع مغيب قرص الشمس بالكلية([43])، فأراد النبي r أن يعلم الصحابة الكرام y أن تعجيل الفطر بهذا المستوى من الشمس من الدين، وهذا من باب التيسير على الأمة، وهو موافق لأصول من أصول الشريعة الغراء: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185]، وقد عمل بذلك الصحابة الكرام، وهم أعلم الناس بأحكام الشريعة المطهرة.([44])
قلت: وهنا يريد الصحابي أن يفسر الحديث المجمل في ألفاظه؛ بقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس)([45])، ويبين حكم غروب الشمس بهذا المستوى، وأن تفسير الصحابي الحاضر في موقع الحادثة مع النبي r أولى من غيره ممن لم يكن حاضرا مع النبي r، وهذا فيه رد على من فسر طلوع الشمس بالحمرة في الأفق: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
قلت: وهذا يدل أيضا على أن الأرض كانت غير مستوية؛ ليرى الناظر الشمس بوقوفه على قدمه، بل لابد أن يحتاج الناظر إلى أرض مرتفعة ليراها([46])؛ لقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس)، فافطن لهذا.
قلت: وأضف إليه قول بلال بن رباح t: (الشمس يا رسول الله!)، وقوله: (إن عليك نهارا)([47])، وأنه إذا وجد النهار لابد أن توجد الشمس طالعة في الأفق، والصحابة الكرام y هم عرب، ويتكلمون باللغة العربية، ويعرفون حقيقة النهار ووجوده، ويكون ذلك مع طلوع الشمس لا مع غيبوبتها بالكلية، فافطن لهذا.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (قوله: (إن عليك نهارا) يحتمل أن يكون المذكور كان يرى كثرة الضوء من شدة الصحو فيظن أن الشمس لم تغرب ويقول لعلها غطاها شيء من جبل ونحوه). اهـ
قلت: والصحيح أن الشمس غطاها شيء من سهل، أو تل، أو مرتفع، ونحو ذلك، وهذا يدل أنها لم تغب بالكلية، فهي خلف هذا المرتفع لقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها)، لأن لو تحقق لبلال بن رباح t أن الشمس قد غربت بالكلية ما توقف عن الجدح، وإنما توقف عن الجدح لطلوع قرص الشمس فوق الأرض، وهذا ظاهر لمن تدبر الحديث.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وأما قول الراوي: (وغربت الشمس)؛ فإخبار منه بما في نفس الأمر، وإلا فلو تحقق الصحابي أن الشمس غربت([48]) ما توقف؛ لأنه حينئذ يكون معاندا([49])، وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة([50])). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص234): (القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج إلى أقوال أهل اللغة).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص186): (من كان أعظم اتباعا لكتابه الذي أنزله، ونبيه الذي أرسله؛ كان أعلم فرقانا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص236): (لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل، ورأي، وقياس). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص231): (النزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا، كخلاف الخوارج، والرافضة، والقدرية، والمرجئة).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ
وقال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ
وقال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص301): (علامة من أراد الله تعالى به خيرا سلوك هذا الطريق كتاب اللـه، وسنن رسول الله r، وسنن أصحابه y، ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد). اهـ
وقال الإمام الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص210): (فإن كنتم من المؤمنين، وعلى منهاج أسلافهم، فاقتبسوا العلم من آثارهم، واقتبسوا الهدى من سبيلهم، وارضوا بهذه الآثار إماما، كما رضي القوم بها لأنفسهم إماما). اهـ
قلت: فعليك بمذهب السلف الصالح في أحكام الدين، والاقتداء بهم فيه واتباعهم جملة وتفصيلا. ([51])
قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
قلت: فأمر القرآن باتباع سبيل المؤمنين في الأصول والفروع فيجب اتباعهم، ومن لم يتبعهم في ذلك، فقد ترك سبيلهم، ومن ترك سبيلهم؛ فله وعيد شديد، والعياذ باللـه.
قلت: ووجه الاستدلال بها([52])؛ أنه تعالى توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يوجب اتباع سبيلهـم، وإذا أجمعوا على أمر كان سبيـلا لهم؛ فيكون
اتباعه واجبا على كل واحد منهم، ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة.([53])
والآية تدل أيضا على أن كل من اتبع غير سبيل المؤمنين، فقد شاق الرسول r، ومن شاق الرسول r اتبع غير سبيل المؤمنين، فلا يتحقق اتباع الرسول r؛ إلا باتباع سبيل المؤمنين أصحاب رسول اللـه r، ولزوم ما كانوا عليه من الدين: اعتقادا، وتلقيا وعبادة، ومعاملات، ودعوة؛ باتباع أقوالهم، وفتاويهم المنقولة عنهم بنقل الثقات.([54])
قلت: وهذا دليل على أن الإجماع حجة، لا يجوز مخالفته، كما لا يجوز مخالفة الكتاب والسنة، وجعل الله تعالى جزاء الذي يخالف الإجماع الوعيد الشديد، لأن الوعيد إنما ترتب في الآية الكريمة على من اتصف بمشاقة([55]) الرسول r، واتباع سبيل غير المؤمنين، وهم الصحابة الكرام، فمن خالف إجماعهم من بعدما تبين له الحق، واطلع عليه، وعمل بخلافه، وسلك سبيل العناد([56])، فقد اتبع غير سبيلهم، ولذلك جعل جزاءه الوعيد الشديد، وهذا على سبيل المبالغة، والتوكيد، وتفظيع الأمر وتشنيعه، اللهم سلم سلم.
قلت: والآية عامة في كل من خالف طريق المسلمين من السلف والخلف.([57])
قلت: والآية قرنت بين مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين في استحقاق الإضلال، وصلي جهنم، ومشاقة الرسول r متلازمة مع اتباع غير سبيل المؤمنين، كما أن اتباع سبيل المؤمنين متلازم مع اتباع سبيل الرسول r؛ وعلى هذا علماء السلف.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1064): (فوجه الدلالة: أن الله تعالى توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين، فدل على أن اتباع سبيلهم واجب). اهـ
قلت: والآية جعلت مخالفة سبيل المؤمنين سببا لتولي سبل الضلال، وصلي جهنم، كما دلت على أن اتباع الرسول r، وهو من أعظم أصول الإسلام مستلزما لسلوك سبيل المؤمنين موجبا له، وسبيل المؤمنين هو أقوال، وأفعال الصحابة الكرام؛ دل على هذا؛ قوله تعالى:] آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون[
[البقرة:285]، والمؤمنون كانوا في عهد الرسول r هم الصحابة y.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1065): (لأنه ليس بين اتباع غير سبيلهم، وبين اتباع سبيلهم؛ قسم ثالث، وإذا حرم الله تعالى اتباع غير سبيل المؤمنين، وجب اتباع سبيلهم). اهـ
قلت: وهذا وعيد من اللـه تعالى لمن يحيد عن الصحابة الكرام في الأصول، والفروع([58])، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص194): (فهكذا مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم؛ وهذا ظاهر، ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا؛ فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم. فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك؛ وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الرسولr قلنا: لأنهما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون؛ فإنه يكون منصوصا عن الرسول r، فالمخالف لهم مخالف للرسول r؛ كما أن المخالف للرسول r مخالف للـه؛ ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول r: وهذا هو الصواب.([59])
فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول r، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، ويعلم الإجماع. فيستدل به؛ كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص وهو دليل ثان مع النص). اهـ
قلت: فالله تعالى توعد باتباع غير سبيل المؤمنين بضمه إلى مشاقة الرسول r التي هي كفر فيحرم([60])؛ إذ لا يضم المباح إلى حرام في الوعيد، وإذا حرم اتباع غير سبيلهم وجب اتباع سبيلهم؛ لأنه لا مخرج عنهما؛ أي: أنه لا توجد واسطة بينهما، ويلزم من وجوب اتباع كون الإجماع حجة.([61])
قلت: والمشاقة: هي أن يكون واحد في شق؛ أي : في جانب، والآخر في جانب آخر، فمشاق الرسول في جانب غير الرسول r؛ أي: منازعه، ومخالفه فيما جاء به عن ربه سبحانه وتعالى.
وسبيل المرء؛ يختاره لنفسه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فسبيل المؤمنين إذن: ما يختارونه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فيصدق عليه ما يجمع عليه.
قلت: وإذا ثبت هذا لزم من المقلد أن يتبع غير سبيل الرسول r، بل ومشاقته r؛ واتباع غير سبيل المؤمنين أيضا بما جاء من حكم في الأصول، أو الفروع، والله المستعان.
قال تعالى: ]ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة[ [البقرة:195].
وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
والظاهر أن مضمون الآية: إن من يشاقق الرسول r، ويخالف المؤمنين في اتباعه، ويتبع غيره في الاعتقادات الفاسدة، وينشرها بين الناس، فيدخل في الوعيد كائنا من كان، لقوله تعالى: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
ومنه؛ لقوله تعالى: ]يوم ندعوا كل أناس بإمامهم[ [الإسراء:71]، أي: أئمة الضلالة، وغيرهم، الذين اتبعوا من الأحكام على غير سبيل الصحابة الكرام.
فقوله تعالى: ]نوله ما تولى[ [النساء:115]؛ أي: نجعله واليا لما تولاه من الضلال، فيضله ويتركه بينه، وبين ما اختار لنفسه من الضلال المبين([62])، والعياذ باللـه.
قلت: ولا شك أن مخالفة المبتدع ما أجمع عليه السلف، والأئمة في أحكام الدين، هذا ضلال، وزيغ، وانحراف، لا مجرد أن هذا الرجل خالف؛ كما يقال: ولكن الأمر أعظم من ذلك، وهو ترك المبتدع الإجماع في الأحكام وهذه هي مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين، فهو متوعد له بالنار، فافطن لهذا ترشد.
قال الإمام أبو عمرو الداني / في «الرسالة الوافية» (ص189): (ومن قولهم: إن من فرائض الدين؛ لزوم جماعة المسلمين، وترك الشذوذ عنهم، والخروج من جملتهم؛ قال الله تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان الدليل» (ص204): (فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم؛ إلا لهم أقوال وأفعال خفي عليهم فيها السنة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان الدليل» (ص205): (وهذا باب واسع لا يحصى مع أن ذلك لا يغض من أقدارهم ولا يسوغ اتباعهم فيها، كما قال سبحانه: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59] ). اهـ
وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج5 ص136): (إذا ثبت هذا، فلا بد من النظر في أمور تنبني على هذا الأصل:
منها: أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليدا له وذلك؛ لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدا بها؛ لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتا، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين.
ومنها: أنه لا يصح اعتمادها خلافا([63]) في المسائل الشرعية). اهـ
6) وعن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي، قال حدثني وفدنا [وهم: من الصحابة] الذين قدموا على النبي r، (كان بلال t يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله ما بقي من رمضان بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله r، فيأتينا بالسحور ... ويأتينا بفطرنا وإنا لنقول: ما نرى الشمس ذهبت كلها، فيقول بلال t: ما جئتكم حتى أكل رسول الله r؛ يضع في الجفنة فيلقم منها). وفي رواية: (وإنا لنقول: إنا لنتمارى في وقوع الشمس لما نرى من الاسفار).
حديث حسن
أخرجه الروياني في «المسند» (742)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج1 ص115)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (3279)، وابن هشام في «السيرة النبوية» (ج4 ص85) من طريق إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي به مطولا.
وذكره ابن حجر في «الإصابة» (ج5 ص210)؛ في ترجمة عطية بن سفيان ثم قال: (وأصحها رواية إبراهيم بن سعد عنه: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان([64])،حدثني: وفدنا الذين قدموا على النبي r بإسلام ثقيف، وقدموا عليه في رمضان... فذكر الحديث). اهـ
وذكره الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج2 ص495) من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن عيسى عن عطية بن سفيان به. ومن طريق أحمد بن خالد الذهبي: عن ابن إسحاق، عن عيسى، عن عطية: حدثنا وفدنا؛ [أي: من الصحابة الذين كانوا مع النبي r]؛ ثم قال ابن حجر: (ورواية أحمد بن خالد أشبه بالصواب، فإن عطية بن سفيان تابعي معروف). اهـ
وذكره الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج5 ص32) من طريق ابن إسحاق: حدثني عيسى بن عبد الله، عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم [وهم: من الصحابة] قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله r ما بقي من شهر رمضان بفطورنا وسحورنا فيأتينا بالسحور ... ويأتينا بفطرنا، وإنا لنقول ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد، فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله r، ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها). اهـ
قلت: وهذا سنده حسن، وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسه، وجهالة الوفد لا تضر، لأن جهالة الصحابة y لا تضر في الحديث، لأنهم كلهم عدول، كما هو مقرر في أصول الحديث.([65])
وقد أثبت صحة الحديث الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج4 ص454)، و(ج5 ص210).
وقال الحافظ النووي / في «التقريب» (ج1 ص403): (والصحابة y كلهم عدول). اهـ
وقال الحافظ العراقي / في «التقييد والإيضاح» (ج1 ص578): (أن الصحابة الذين ثبتت صحبتهم كلهم عدول). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص158): (وجهالة الصحابي لا تضر، بخلاف غيره). اهـ
وقال العلامة الألباني / في «الصحيحة» (ج1 ص774): (وجهالة اسم الصحابي لا تضر، كما في المصطلح تقرر). اهـ
وقال الحافظ البوصيري / في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص438): رواه أبو يعلى واللفظ له، وابن ماجه مختصرا، ورواته ثقات.
وقال الحافظ البوصيري / في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص437): عن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي قال أنبأنا وفدنا [يعني: من الصحابة y] الذين كانوا قدموا على رسول الله r، وذكر الحديث.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج5 ص275)؛ أن رواية: إبراهيم بن سعد هي أصح الروايات، حيث رواها متصلة.
وكذلك رواية: زياد بن عبد الله البكائي وهو صاحب محمد بن إسحاق الذي أخذ ابن هشام «السيرة النبوية» عنه عن محمد بن إسحاق، حيث رواها متصلة أيضا؛ من حديث عطية بن سفيان، كما صوبه ابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج1 ص115).
قلت: وبقية الروايات([66])لا تصح لما فيها من تحريف، أو تصحيف، أو إرسال في السند، وليس هذا موضع بسطها.([67])
قلت: وقصة وفد ثقيف مشهورة عند أهل العلم قديما وحديثا في صومهم مع النبي r في رمضان.
فعن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة، قال: حدثنا وفدنا الذين قدموا على رسول الله r بإسلام ثقيف([68])، قال: (وقدموا عليه في رمضان، فضرب عليهم قبة في المسجد، فلما أسلموا صاموا ما بقي عليهم من الشهر).
حديث حسن
أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1760)، وابن هشام في «السيرة النبوية» (ج4 ص185)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج4 ص43)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج20 ص150) من طريق محمد بن إسحاق، حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان به مختصرا.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد صرح محمد بن إسحاق بسماعه من عيسى بن عبد الله، وكما في رواية إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق التي أشار إليها الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج5 ص275)؛ في ترجمة عطية بن سفيان بن ربيعة.
وقال محققو «سنن ابن ماجه» (ج2 ص642): (إسناده حسن إن شاء الله، محمد بن إسحاق وهو ابن يسار المطلبي قد صرح بسماعه من عيسى بن عبد الله كما في «السيرة النبوية» لابن هشام (4/185)، وكما في رواية إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق التي أشار إليها الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (5/275) في ترجمة عطية بن سفيان). اهـ
قلت: والشاهد قوله: (ما نرى الشمس ذهبت كلها)؛ حيث يدل على أن الصحابة y أفطروا مع بلال t في رمضان، والشمس قد قاربت الغروب، وهي طالعة في جهة المغرب، لم تغب بالكلية في الأرض.
وكذلك أفطر النبي r قبلهم والشمس طالعة وأخبر بلال t عن ذلك، بقوله: (ما جئتكم حتى أكل رسول الله r)؛ أي: أكل رسول الله r والشمس لم تغب بالكلية في الأرض.
قلت: وقد نقل العلماء حديث: قصة وفد ثقيف، وما فيه من إفطار النبي r وأصحابه y، والشمس طالعة، لم يغب قرص الشمس بالكلية، ولم ينكروا الحديث، بل أقروه؛ منهم: الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج5 ص32)، والحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج4 ص454)، و(ج5 ص210)، والحافظ البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص438)، والفقيه السهيلي في «الروض الأنف» (ج7 ص418)، والفقيه يحيى بن أبي بكر الحرضي في «بهجة المحافل» (ج2 ص28)، والفقيه المقريزي في «إمتاع الأسماع» (ج14 ص309).
7) وعن حذيفة t قال: سمعت رسول الله r يقول يوم الخندق: (شغلونا عن صلاة العصر، ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا)، قال: (ولم يصلها يومئذ حتى غابت الشمس([69]». يعني بالكلية.
حديث صحيح
أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (2891)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج2 ص27)، والبيهقي في «إثبات عذاب القبر» (170)، و(171)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج3 ص166)، وابن أبي الفوارس في «الفوائد» (ق/3/ط)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج14 ص66)، والبزار في «المسند» (388)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص321)، وفي «أحكام القرآن» (ج1 ص229) من طريق عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن حذيفة t به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص309)، ثم قال: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح.
8) ويؤيده: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (596)، و(598)، و(641)، و(4112) من طريق أبي سلمة قال: أخبرنا جابر بن عبد الله t (أن النبي r جاءه عمر بن الخطاب t يوم الخندق، فقال: يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب –يعني: وهي طالعة- وذلك بعد ما أفطر الصائم، فقال النبي r: والله ما صليتها، فنزل النبي r إلى بطحان وأنا معه، فتوضأ ثم صلى يعني العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب).
فقوله: (بعد ما أفطر الصائم)؛ فهذا يدل على أن الإفطار للصائم قد حدد بوقت محدد في الشرع، وهو فطره والشمس طالعة في جهة المغرب في الأفق، لقوله: (والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ يعني: لم تغيب بالكلية، بل كادت الشمس أن تغرب، وقد صلى النبي r في وقت غروب الشمس بالكلية، مع إثبات الغروب الأول، وهو قبل مغيب قرص الشمس حين أفطر الصائم، كما بين ذلك عمر بن الخطاب t، وأقره النبي r على ذلك.
وفي رواية لمسلم في «صحيحه» (631) قال عمر بن الخطاب t: (يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي العصر، حتى كادت أن تغرب الشمس).
قلت: ويؤكد ذلك ما بينه عبد الله بن مسعود t في هذا الغروب في يوم الخندق؛ وهو يرى الشمس طالعة بقوله t: (حتى احمرت الشمس، أو اصفرت)([70]) في الرواية الأخرى، وهذا المستوى من الشمس يسمى غروبا عند الصحابة y.
إذا فقوله: (بعدما أفطر الصائم)؛ أي: إذا كان المقصود بعد الغروب الكلي، فما الحاجة من تكرار قوله: (ثم صلى العصر بعد ما غربت الشمس)، فهذا يعني أن معنى قوله: (بعد ما أفطر الصائم)؛ أي: أن هذا هو المعروف عندهم بوقت إفطار الصائم([71])، وهو: (عندما كادت الشمس تغرب)؛ أي أن الشمس لم تغرب بالكلية، بل قرصها يرى وقد احمرت، واصفرت في الأفق بجهة المغرب، وقد دنت بالقرب من الأرض.
قلت: فعمر بن الخطاب t ذكر الغروبين معا في حديث واحد، الأول: غروب الشمس في الأفق، وهي طالعة، والثاني: الغروب الكلي، وهو سقوط قرص الشمس بالكلية.
فالوقت الأول: لإفطار الصائم، وهو وقت دخول صلاة المغرب أيضا.
والوقت الثاني: بعد إخفاء قرص الشمس.
ثم قوله t: (وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ فيكون ليس في ذكره أي فائدة لهذه العبادة إن كان بعد غروب الشمس بالكلية؛ فهو t أراد أن يبين وقت إفطار الصائم، وهذا يكون في الغروب الأول، ثم بين الغروب الثاني، لأنه كرر كلمة: (بعد ما غربت الشمس)، هذا في الغروب الثاني بالكلية، والنبي r صلى صلاة العصر في هذا الوقت؛ لأن المشركين شغلوه عنها فتأخر في صلاتها إلى أن غربت الشمس في الأرض، وهذا الغروب الثاني.
قلت: وهذا يبين أنه معروف عندهم إذا كادت الشمس تغرب، أن ذلك من الغروب، وهو وقت إفطار الصائم، وإلا ما فائدة لذكره t لوقت إفطار الصائم، إلا ليبين وقت الإفطار، ووقت الغروب الأول، ووقت الغروب الثاني الذي حصل بعد ذلك، وإلا لماذا كرر للغروبين؟!.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص123): (والذي يظهر لي أن الإشارة بقوله: (وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ إشارة إلى الوقت([72]) الذي خاطب به عمر t النبي r لا إلى الوقت الذي صلى فيه عمر t العصر، فإنه كان: (قرب الغروب)([73])، كما تدل عليه: (كاد)).اهـ
وبوب عليه الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ص98): باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت.
قلت: وتبويب الحافظ البخاري هذا يؤيد الحديث، وأنه بين أن وقت صلاة العصر قد انتهى، ودخل وقت صلاة المغرب بعدما أفطر الصائم، والشمس طالعة.
9) وعن أبي أيوب الأنصاري t قال: قال رسول الله r يقول: (صلوا المغرب حين فطر الصائم).
حديث حسن لغيره
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص421)، والدارقطني في «العلل» تعليقا (ج6 ص125)، والطيالسي في «المسند» (ج1 ص493) من طريق يزيد بن أبي حبيب قال: حدثني رجل سمع أبا أيوب t به، وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص290) من طريق ابن أبي ذئب عن أبي حبيبة عن أبي أيوب الأنصاري t به.
قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات، والشواهد.
قلت: ووقت صلاة العصر يمتد إلى قبيل اصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق عن الأرض بيسير بخمس دقائق تقريبا، وهذا دخول وقت صلاة المغرب، وإفطار الصائم.
10) وعن الحارث بن عمر الهذلي قال: (أن عمر بن الخطاب t كتب إلى أبي موسى الأشعري: كتبت إليك في الصلاة، وأحق ما تعاهد المسلمون أمر دينهم، وقد رأيت رسول الله r يصلي، حفظت من ذلك ما حفظت، ونسيت من ذلك ما نسيت، فصلى الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس حية، والمغرب لفطر الصائم، والعشاء ما لم يخف رقاد الناس، والصبح بغلس، وأطال فيها القراءة).
أثر حسن
أخرجه ابن راهويه في «المسند» (ج5 ص143 – المطالب العالية)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص456) من طريق ابن أبي ذئب عن مسلم بن جندب عن الحارث بن عمر الهذلي به.
قلت: وهذا سنده حسن، وله شواهد.
وذكره البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج2 ص41)، وعزاه لإسحاق بن راهويه.
11) وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي r قال: (وقت الظهر ما لم تحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ويسقط قرنها الأول، ووقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق).
وفي رواية: (فإذا صليتم العصر، فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (612)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص210)، وفي «المجتبى» (ج1 ص620)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص210)، وأبو داود في «سننه» (396)، وأبو عوانة في «صحيحه» (ج1 ص349)، وابن خزيمة في « صحيحه » (326)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج21 ص411)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج3 ص166)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج2 ص208)، والطيالسي في «المسند» (2363)، والسراج في « المسند » (2971)، وفي «حديثه» (1334)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص150)، وفي «أحكام القرآن» (ج1 ص171)، ومحمد بن الحسن في «الحجة» (ج1 ص9)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص560 و586)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص282)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص331)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج4 ص350)، وفي «مسند الشاميين» (ج3 ص363)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص366)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص406)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج8 ص27)، وابن الجوزي في «التحقيق» (318)، وفي «جامع المسانيد» (ج4 ص451)، وابن حبان في «صحيحه» (337) من طريق هشام الدستوائي، وهمام بن يحيى، وحجاج الباهلي، وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة عن قتادة سمع أبا أيوب عن عبد الله بن عمرو t فذكره بألفاظ عندهم.
قلت: واشتمل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما على زيادة صحيحة في المواقيت، وهي: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)، فوجب قبولها، والمصير إليها، وأن ابتداء وقت صلاة المغرب يدخل إذا اصفرت الشمس، أو احمرت في الأفق وهي طالعة، ولم تغب بالكلية، ولا سيما الحديث من قول النبي r، والأحاديث الأخرى فعل منه r.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج22 ص75): (وليس عن النبي r حديث من قوله في المواقيت الخمس أصح منه). اهـ
ومعناه: أن وقت صلاة العصر ينتهي إلى أن يرى الناس الشمس صفراء أو حمراء طالعة في جهة الغروب، ولا تكون كذلك حتى ترى طالعة بقرب الأرض بخمس دقائق تقريبا، وقد اصفرت الشمس، أو يقول القائل: قد احمرت الشمس، وهذا هو وقت صلاة المغرب.
قلت: وهذا فيه دليل على أن وقت صلاة العصر يمتد إلى إصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق بيسير عن الأرض بحوالي خمس دقائق، وهذا الوقت لا يضر في إفطار الصائم فيه، لأن اليوم يعتبر بهذا القدر عند الشارع قد انتهى، فلا عبرة بخمس دقائق أو أدنى من ذلك، كما تدل على ذلك الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة، ولله الحمد. ([74])
قال الإمام أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص235): (قوله r: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)؛ يعني: بقوله؛ ما لم تصفر: ما لم تدخلها صفرة، وظاهره: أن آخر وقت العصر قبل مخالطة الصفرة.
وهذا كما قال في حديث بريدة بن حصيب t: (ثم أمره بالعصر، والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة، يعني: في اليوم الثاني). ([75]) اهـ
وقال الإمام أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص236): (قوله r:
(ويسقط قرنها الأول)؛ ([76]) فيه إشكال([77]) وذلك: أن قرن الشمس أعلاها، وهو أول ما يبدو منها في الطلوع، وأول ما يسقط منها في الغروب، كما قال r في هذه الرواية في وقت الفجر: (ما لم يطلع قرن الشمس الأول). اهـ
وقال العلامة الوشتاني / في «إكمال إكمال المعلم» (ج2 ص541): (وقرن الشمس الأول أول ما يبدو منها، واحترز به عما يلي الأرض). اهـ
وقال العلامة السنوسي / في «مكمل إكمال الإكمال» (ج2 ص541): (قوله r: (إلى أن يطلع قرن الشمس الأول)؛ هو أول ما يبدو منها، واحترز به مما يلي الأرض). اهـ
قلت: فأول وقت صلاة المغرب، فقد ذكر في الأحاديث «الوقتين» أنه عند اصفرار الشمس، وهي طالعة؛ فهذا الوقت الأول، ثم عند غيبوبتها بالكلية، وفهذا الوقت الثاني، وهذا ظاهر في حديث: عبدالله بن عمرو (مالم تصفر الشمس)، وحديث: بريدة بن حصيب: (لم تخالطها صفرة)، وحديث: عبدالله بن مسعود y: (حتى احمرت الشمس، أو اصفرت». اهـ
قال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج2 ص573)؛ عن آخر وقت العصر: (وبالاصفرار قال جمهور أئمة الفتوى). اهـ؛ يعني: اصفرار الشمس.
وقال العلامة الوشتاني / في «إكمال إكمال المعلم» (ج2 ص543): (وبأنه الإصفرار قال الجمهور). ([78]) اهـ
وقال العلامة الوشتاني / في «إكمال إكمال المعلم» (ج2 ص543): (ولو قيل في الجمع بينهما إن المراد: بالإصفرار الغروب؛ لأنه يعني به مطلق الإصفرار، فاستظهر بجزء من النهار، كما استظهر بإمساك جزء من الليل في الصوم، وإن كان الأكل فيه جائزا، ويشهد بهذا الجمع قوله في «الأم»: (وقت العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول)، فجمع بين الإصفرار([79]) والغروب([80]) لكان للنظر فيه مجال). اهـ
قلت: فقوله r: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس).
قال الإمام الطحاوي / في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص242): (ففي هذا الأثر أن آخر وقتها، حين تصفر الشمس). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص243): (ثبت أن آخر وقتها - يعني: صلاة المغرب - هو غروب الشمس). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص243): (فكان من حجة من ذهب إلى أن آخر وقتها إلى أن تتغير الشمس). اهـ يعني: وهي طالعة.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج3 ص575): (ويدخل وقت العصر؛ إلى أن تصفر الشمس – وهذا وقت اختيار-، وإلى الغروب – وهذا وقت ضرورة -، فإذا غرب حاجب الشمس الأعلى دخل وقت المغرب([81])، إلى أن يغيب الشفق الأحمر؛ يعني: إلى أن يصير مكان الغروب أبيض ليس فيه حمرة). اهـ
قلت: فذكر شيخنا ابن عثيمين / وقتين لصلاة المغرب، فالوقت الأول عند اصفرار قرص الشمس، وهي طالعة، والوقت الثاني عند خفاء قرص الشمس بالكلية، فنأخذ بقوله هذا لأنه موافق للسنة، والآثار، وكفى.
قلت: فإذا اصفر قرص الشمس في جهة المغرب، وهي مرتفعة عن الأرض بيسير قبل أن تختفي بالكلية، فإنه يخرج وقت صلاة العصر، ويدخل وقت صلاة المغرب، وهذا أيضا عند إفطار الصائم.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج3 ص578): (قوله r: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ويسقط قرنها الأول)؛ يفهم منه أن وقت الضرورة ما بين اصفرار الشمس، وسقوط القرن). اهـ
12) وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن رجلا أتى النبي r، فسأله عن مواقيت الصلاة، فقال: (اشهد معنا الصلاة، فأمر بلالا فأذن بغلس، فصلى الصبح حين طلع الفجر، ثم أمره بالظهر حين زالت الشمس عن بطن السماء، ثم أمره بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره بالمغرب حين وجبت الشمس، ثم أمره بالعشاء حين وقع الشفق، ثم أمره الغد فنور بالصبح، ثم أمره بالظهر فأبرد، ثم أمره بالعصر والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة، ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع الشفق، ثم أمره بالعشاء عند ذهاب ثلث الليل، أو بعضه).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (613)، والترمذي في «سننه» (152)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص206)، وفي «السنن الصغرى» (ج1 ص258)، وابن ماجه في «سننه» (667)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج2 ص254)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج2 ص216)، وابن خزيمة في «صحيحه» (323)، وأبو عوانة في «صحيحه» (ج1 ص373)، وابن دقيق العيد في «الإمام» (ج4 ص16 و17)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج2 ص210)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج8 ص26)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص560)، وأبو علي الطوسي في «مختصر الأحكام» (137)، وابن حبان في «صحيحه» (ج4 ص359)، وابن الجارود في «المنتقى» (151)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص148)، وفي «أحكام القرآن» (285)، والروياني في «المسند» (14)، والسراج في «المسند» (974)، وفي «حديثه» (1337)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص262)، وابن الجوزي في «التحقيق» (316)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص349)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص374)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص405) من طريق علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه به.
قلت: فذكر النبي r أولا الغروب الكلي بقوله r: (ثم أمره بالمغرب حين وجبت الشمس)، ثم أمره مرة ثانية بالغروب، والشمس طالعة، وهو نهاية وقت صلاة العصر، بقوله r: (ثم أمره بالعصر، والشمس بيضاء نقية، لم تخالطها صفرة)؛ أي: إذا اصفرت الشمس دخل وقت صلاة المغرب، وهذا يسمى عند العرب غروبا.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج2 ص599): (الصحابة y عرب، ويعرفون اللسان العربي، ويعرفون مدلوله.
فإذا لم يرد عنهم تفسير القرآن، أو السنة بخلاف ظاهرها، فهم قد أخذوا بظاهرها بإجماعهم). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص239): (وإن كان الكلام كلام الله تعالى، وفسره الرسول r.
فالرسول r أعلم الناس بمراد الله عز وجل، فالعقل يقتضي أن نجريه على ظاهره؛ لأن المتكلم به قد علم المعنى، وعبر بما تكلم به). اهـ
13) عن عبد الله بن مسعود t قال: (حبس المشركون رسول الله صلى عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس، أو اصفرت). وهي طالعة.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (628)، وابن ماجه في «سننه» (686)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص392)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص297)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص246)، وفي «المسند» (301)، والترمذي في «سننه» (181)، والطيالسي في «المسند» (364)، والبزار في «المسند» (ج5 ص388)، وأبو نعيم في «المستخرج على صحيح مسلم» (ج2 ص229)، وفي «حلية الأولياء» (ج4 ص165)، و(ج5 ص35)، وأبو يعلى في «المسند» (ج8 ص547)، و(ج9 ص196)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (163)، والطبري في «جامع البيان» (ج2 ص573 و574)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص368)، والسراج في «المسند» (545)، و(546)، والشاشي في «المسند» (ج2 ص301 و302)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج48 ص465)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص174)، وفي «أحكام القرآن» (ج1 ص228)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج4 ص86)، وابن الجوزي في «التحقيق» (348)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص460)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص480)، وفي «إثبات عذاب القبر» (199)، والرافعي في «أخبار قزوين» (ج1 ص125) من طريق زبيد اليامي عن مرة بن شراحيل عن عبد الله بن مسعود t به.
قلت: فقوله: (احمرت الشمس)؛ يعني: وقت غروب الشمس، وهو وقت صلاة المغرب، فبين t أن الشمس وهي طالعة في الأفق، وذلك في رؤيته أن الشمس احمرت واصفرت، وهي في الأفق بيسير عن الأرض، فرآها على هذا المستوى، وهو غروب الشمس الأول.
قلت: فهذه الأحاديث تدل على أن وقت صلاة العصر يمتد إلى غروب الشمس، وهو اصفرار الشمس وهي طالعة في الأفق مرتفعة عن الأرض بيسير بخمس دقائق تقريبا، وهذا الغروب الأول عند العرب، والغروب الثاني عند اختفاء قرص الشمس في الأرض.
قلت: فإذا اصفرت الشمس في الأفق، فإنه يخرج وقت صلاة العصر، ويدخل وقت صلاة المغرب، وهذا أيضا عند إفطار الصائم.
قلت: فوقت المغرب: إذا غربت الشمس، وأفطر الصائم، وقتا واحدا لم يزل عليه النبي r، والصحابة y في حياتهم.
14) وعن أبي سهيل نافع بن مالك الأصبحي عن أبيه مالك بن أبي عامر الأصبحي: (أن عمر بن الخطاب t كتب إلى أبي موسى t: أن صل الظهر، إذا زاغت الشمس، والعصر والشمس بيضاء نقية، قبل أن يدخلها صفرة([82])، وأن صل المغرب إذا غربت الشمس).
أثر صحيح
أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص7)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج1 ص536)، والقعنبي في «الموطأ» (ص84)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص370)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص463)، وفي «الخلافيات» (ج2 ص196 و197)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص6)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص375)، والحدثاني في «الموطأ» (ص43 و44)، وابن بكير في «الموطأ» (ق/13/ط) من طرق عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وله شواهد.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج5 ص4): وهو حديث متصل ثابت عن عمر بن الخطاب t.
وأخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص6 و7)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج1 ص535 و536 و537)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص319)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص328)، وابن أبي أسامة في «المسند» (ج2 ص41 – إتحاف الخيرة)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص6 و7)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص445)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص462)، والقعنبي في «الموطأ» (ص85)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص193)، وهشام بن عمار في «عوالي مالك» (8)، والحنائي في «الحنائيات» (297)، والحدثاني في «الموطأ» (ص59) من طرق عن عمر بن الخطاب t به... فذكره بألفاظ عندهم.
قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج2 ص50): (وكان يعجل الفطر ويحض عليه، ... وكان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء، هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم ... وكان t يفطر قبل أن يصلي).اهـ
15) وعن أيمن المكي قال: (دخلت على أبي سعيد الخدري t، فأفطر على عرق([83])، وأنا أرى أن الشمس لم تغرب). وفي رواية: (فرآه يفطر قبل مغيب القرص!).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص22)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق وكيع.
وأخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج4 ص196- فتح الباري)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق سفيان؛ كلاهما عن عبدالواحد بن أيمن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
وعبدالواحد بن أيمن القرشي، قال ابن معين عنه: «ثقة»، وقال أبو حاتم: «ثقة»، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج7 ص24)، وقال الذهبي في «الكاشف» (ج2 ص191): «ثقة»، وروى له البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه»، وقال البزار: «مشهور ليس به بأس»، وقال النسائي: «ليس به بأس».([84])
وأيمن المكي القرشي، والد عبدالواحد بن أيمن، قال أبو زرعة: «ثقة»، ووافقه الذهبي، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج1 ص47)، وروى له البخاري في «صحيحه»،([85]) وقال ابن حجر في «التقريب» (ص157): «ثقة».
وقال العلامـة الشـيخ الألـبانـي / فـي «مـختصر صحـيح البخاري» (ج1 ص571): (وصله سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة (3/ 12)؛ بسند صحيح). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص196): (وصله سعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه، وقال: (دخلنا على أبي سعيد، فأفطر، ونحن نرى أن الشمس لم تغرب». يعني: لم تغرب بالكلية.
وذكره العيني في «عمدة القاري» (ج9 ص130)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص589).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج3 ص416): (وعن أيمن المكي: «أنه نزل على أبي سعيد الخدري، فرآه يفطر قبل مغيب القرص». رواه سعيد بن منصور). اهـ
قلت: أفطر أبو سعيد الخدري t، وقرص الشمس لم يغيب([86])، بل لم يلتفت إلى موافقة من عنده على ذلك، بل طبق السنة في تعجيل الإفطار، وهذا هو الإتباع الذي يجب أن يتمسك به كل مسلم.([87])
قال الفقيه العيني / في «عمدة القاري» (ج9 ص130)؛ بعدما ذكر أثر أبي سعيد الخدري: (وجه ذلك أن أبا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيدا على ذلك، ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك، فلو كان يجب عنده إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك). اهـ
16) وعن سهيل بن عمرو t قال: (لقد رأيت رسول الله r يفطر في شهر رمضان، ويخيل إلى الشمس لم تغرب من تعجيل فطره).
حديث حسن
أخرجه أبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى» (ج3 ص171) من طريقين عن محمد بن عمر العامري عن ابن مرسا قال: سمعت سهيل بن عمرو t به.
قلت: وهذا سنده حسن، وله شواهد.
فقوله: (ويخيل إلى الشمس لم تغرب)؛ فهذا يدل على أن النبي r يفطر، وقرص الشمس لم يغب بالكلية، وهذا في حكم الغروب المعروف بين العرب، فانتبه.
17) وعن أنس بن مالك t: (أن رسول الله r خطب أصحابه ذات يوم وقد كادت الشمس أن تغرب، فلم يبق منها إلا شيء يسير وفي راوية: [إلا شف يسير]، فقال: والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما، مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه، وما نرى من الشمس إلا يسيرا).([88])
والشاهد: (إلا شيء يسير ... وما نرى من الشمس إلا يسيرا)؛ وهذا بمعنى الغروب عند العرب.([89])
والشف: بقية النهار لما يرى من يسير من الشمس، لقوله: (وما نرى من الشمس إلا يسيرا)؛ أي: قد بقيت منها بقية، وهذا في حكم الغروب عند العرب.
وشفا كل شيء حرفه، قال تعالى: ]وكنتم على شفا حفرة[ [آل عمران: 103].
قال الحافظ ابن الأثير / في «النهاية» (ج2 ص271): (وفي حديث أنس t (أن النبي r خطب أصحابه يوما، وقد كادت الشمس تغرب ولم يبق منها إلا شف)؛ أي شيء قليل. الشف والشفا والشفافة: بقية النهار).اهـ
وقال اللغوي الرازي / في «مختار الصحاح» (ص145): (يقال للرجل عند موته، وللقمر عند امحاقه، وللشمس عند غروبها ما بقي منه إلا شفا؛ أي: قليل).اهـ
وقال الإمام الحربي / في «غريب الحديث» (ج2 ص818): (قال أبو نصر: يقال: بقي من الشمس شفا: أي شيء([90]». اهـ
وقال الإمام الحربي / في «غريب الحديث» (ج2 ص819): (سمعت ابن الأعرابي يقول: أشفت الشمس على الغيوب, وشفت وضرعت, وضجعت, ودلكت).اهـ
وقال ابن منظور / في «لسان العرب» (ج19 ص166): (شفت الشمس تشفو: قاربت الغروب). اهـ
قلت: وهذا يعني أنها غربت، ودخل وقت صلاة المغرب، ووقت إفطار الصائم.
قال القلقشندي / في «صبح الأعشى» (ج2 ص367): (أما الطبيعي: فالليل من لدن غروب الشمس، واستتارها بحدبة الأرض إلى طلوعها، وظهورها من الأفق، والنهار من طلوع نصف قرص الشمس من المشرق إلى غيبوبة نصفها في الأفق في المغرب، وسائر الأمم يستعملونه كذلك.
وأما الشرعي: فالليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني، وهو المراد بالخيط الأبيض من قوله تعالى: ]وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر [ [البقرة: 187]، والنهار من الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وبذلك تتعلق الأحكام الشرعية من الصوم، والصلاة، وغيرهما). اهـ
18) وعن حاجب بن عمر قال: كنت أسمع الحكم بن الأعرج يسأل: درهما أبا هند؟([91]) فيقول درهم: (كنت أقبل من السوق فيتلقاني الناس منصرفين، قد صلى بهم معقل بن يسار t؛ فأتمارى غربت الشمس، أو لم تغرب).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص329) من طريق معاذ بن معاذ، عن حاجب بن عمر به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وهذا الصحابي معقل بن يسار المزني t ([92]) يصلي بالناس، ولم تغرب الشمس بالكلية، مما يدل على أن وجود قرص الشمس، أو بعضه يسمى غروبا عند السلف.
19) وعن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (كان عبد الله t، يصلي المغرب، ونحن نرى أن الشمس طالعة قال: فنظرنا يوما إلى ذلك فقال: ما تنظرون؟ قالوا: إلى الشمس، قال عبد الله: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة، ثم قال: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]، فهذا دلوك الشمس).
أثر صحيح
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص274)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص489) من طريق جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، وعمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين، وقد صححه العيني في «نخب الأفكار» (ج3 ص23)، والدارقطني في «العلل» (ج5 ص214).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، بهذه السياقة، ووافقه الذهبي.
وبهذا الوجه ذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (12856).
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص154 و155) من طريق حفص بن غياث عن الأعمش قال: ثنا إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وفي آخره ذكر حفص بن غياث: (أنه قيل للأعمش: قيل حدثكم عمارة أيضا؟ قال: نعم). وهذا تصريح بالتحديث من الأعمش من إبراهيم، وعمارة، ثم عنعنة الأعمش عن شيوخ أكثر عنهم تحمل على السماع، مثل: إبراهيم النخعي، وغيره، وهذه الرواية منها([93])، فتفطن لذلك.
قال الذهبي / في «الميزان» (ج2 ص224)؛ عن الأعمش: (وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف، ولا يدري به، فمتى قال: حدثنا فلا كلام، ومتى قال: «عن» تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان؛ فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال). اهـ
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9131) من طريق زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «صلى عبد الله المغرب، فلما انصرف جعلنا نلتفت، فقال: ما لكم تلتفتون؟ قلنا: نرى أن الشمس طالعة، فقال: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة، ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل».
وإسناده صحيح.
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص50)؛ ثم قال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
وأخرجه المخلص في «المخلصيات» (1594) من طريق ابن نمير قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عبدالرحمن بن يزيد قال: (صلينا مع عبد الله t المغرب، فجعلنا نلتفت ننظر نرى أن الشمس طالعة، فقال عبد الله t: ما تنظرون؟ قالوا: نرى أن الشمس طالعة، فقال: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة، ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] وقال: هذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل).
وإسناده صحيح.
قلت: فهذا ابن مسعود t يرى أن الشمس قد غربت، وهي لم تغب بالكلية، وهذا الغروب عند العرب من وجه.
واحتج عليهم ابن مسعود t بقوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ والدلوك: الميل، وهذه الشمس قد مالت جهة المغرب، وكادت أن تغيب، ولم تغب فهذا يسمى غروبا أيضا عند العرب.
فالشاهد: (ونحن نرى أن الشمس طالعة)؛ فهذا يسمى غروبا عند العرب، ولذلك اعتبر ابن مسعود t أن هذا المستوى للشمس من الأرض دخول وقت صلاة المغرب؛ لأنها مالت إلى جهة الغروب، وأوشكت أن تلامس الأرض، فصلى صلاة المغرب؛ لأن وقتها دخل شرعا، وصلى خلفه أصحابه، وهم فقهاء الأمة من التابعين، ولم ينكر أحد منهم عليه، ولم يتخلفوا عن الصلاة خلف ابن مسعود t، فافهم لهذا ترشد.
وقد تبين في لفظ قال: (صلى ابن مسعود بأصحابه المغرب حين غربت الشمس)؛ مع أنها كانت طالعة في اللفظ الأول.
أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص155) من طريق أبي الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: قال: عبد الرحمن بن يزيد: «صلى ابن مسعود بأصحابه المغرب حين غربت الشمس, ثم قال: هذا، والذي لا إله إلا هو، وقت هذه الصلاة».
وإسناده صحيح، وهذا الحديث؛ هو الحديث الأول سواء بسواء كلاهما من رواية عبد الرحمن بن يزيد، فافطن لهذا.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص154 و155) من طريق عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، عن الأعمش، قال: ثنا إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (صلى عبد الله بأصحابه صلاة المغرب, فقام أصحابه يتراءون الشمس؛ فقال: ما تنظرون؟ قالوا ننظر, أغابت الشمس([94]). فقال عبد الله: هذا, والله الذي لا إله إلا هو وقت هذه الصلاة , ثم قرأ عبد الله ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] وأشار بيده إلى المغرب فقال: هذا غسق الليل، وأشار بيده إلى المطلع, فقال: هذا دلوك الشمس).
وإسناده صحيح.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص136)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9132) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (صلى عبد الله ذات يوم، وجعل رجل ينظر هل غابت الشمس؟ فقال عبد الله: ما تنظرون هذا؟ والله الذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة؛ يقول الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل).
وإسناده صحيح، وليس اختلافا على الأعمش بل للأعمش فيه شيخان: وهما: عمارة بن عمير، وإبراهيم النخعي، وكلاهما يرويه عن عبد الرحمن بن يزيد.
وذكر لفظه الدارقطني في «العلل» (ج5 ص213 و214)؛ من حديث عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله t: (أنه صلى المغرب فلما انصرف جعلنا نتلفت فقال ما لكم، قلنا نرى أن الشمس طالعة؛ فقال: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة؛ ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ ثم قال: يرويه الأعمش واختلف عنه؛
فرواه زائدة، وجرير، وابن مسهر، والثوري، وأبو شهاب، وأبو معاوية ومندل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله.
وخالفهم شعبة: فرواه عن الأعمش، عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد.
ورواه حفص بن غياث، عن الأعمش بتصحيح القولين جميعا؛ فقال: عن إبراهيم وعمارة عن عبد الرحمن بن يزيد؛ فصحت الأقاويل كلها.
ورواه سلمة بن كهيل، وإبراهيم بن مهاجر عن عبد الرحمن بن يزيد، وهو صحيح عنه). اهـ
وأخرجه الدارقطني في «العلل» (ج5 ص215) من طريق زفر، عن أشعث عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (كنت مع عبد الله بن مسعود فلما غربت الشمس قال هذا والذي لا إله إلا غيره حين حل لكل أكل ثم نزل فصلى المغرب ثم أقسم أن هذا وقتها).
قال الدارقطني: ورواه سلمة بن كهيل، وإبراهيم بن مهاجر عن عبد الرحمن بن يزيد وهو صحيح عنه.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص136)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9134)، و(9137) من طريقين عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد به.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص135)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9133) من طريق هشيم عن الشيباني سليمان بن أبي سلميان عن عبد الرحمن بن الأسود عن عمه عبد الرحمن بن يزيد به.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص311): وإسناده صحيح.
قال الإمام العيني / في «نخب الأفكار» (ج3 ص213): (أي قد روي ما ذكرنا من أن وقت المغرب عقب غروب الشمس أيضا عن الصحابة، فأخرج ذلك عن أربعة منهم، وهم: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وعثمان بن عفان y... وأما أثر عبد الله بن مسعود؛ فأخرجه من أربع طرق صحاح:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن عمر بن حفص أحد مشايخ البخاري ومسلم، عن أبيه حفص بن غياث بن طلق، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي.
وأخرجه البيهقي في سننه بإسناده: عن الأعمش، عن إبراهيم وعمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (كان ابن مسعود يصلي المغرب، ونحن نرى أن الشمس طالعة، قال: فنظرنا يوما إلى ذلك، فقال: ما تنظرون؟ قالوا: إلى الشمس، فقال عبد الله: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة، ثم قال: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ فهذا دلوك الشمس).
قوله: (هل حدثكم عمارة أيضا؟ قال: نعم)؛ أراد أنهم سألوا الأعمش أن أثر ابن مسعود هذا حدثكم به عمارة أيضا؟ قال: نعم). اهـ
20) وعن حميد الطويل قال: (كنا عند أنس بن مالك t وكان صائما فدعا بعشائه، فالتفت ثابت البناني ينظر إلى الشمس، وهو يرى أن الشمس لم تغب([95])، فقال أنس لثابت: لو كنت عند عمر t لأحفظك). يعني: لغضب عليك.([96])
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في «الصيام» (ص56) من طريق محمد بن عبد الأعلى، حدثنا معتمر بن سليمان التيمي قال سمعت حميد الطويل([97]) به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
21) وعن سويد بن غفلة قال: قال عمر بن الخطاب t: (صلوا هذه الصلاة – يعني: المغرب - والفجاج مسفرة).
أثر صحيح
أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص248) من طريق عبدالرحمن بن زياد قال: ثنا زهير بن معاوية عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص248) من طريق وهب قال: ثنا شعبة عن عمران بن مسلم فذكره مثله.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص249) من طريق حجاج قال: ثنا أبو عوانة عن عمران بن مسلم، فذكره مثله.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج5 ص324): (ومعلوم أن من وافق سنة رسول الله r، فهو الأصوب لا شك). اهـ
وقال الفقيه ابن النقيب / في «عمدة السالك» (ص109): (والأفضل تعجيل الفطر إذا تحقق الغروب، ويفطر على تمرات وترا؛ فإن لم يجد فالماء أفضل). اهـ
وقال الفقيه المعبري / في «فتح المعين» (ص273): (وسن تعجيل فطر، إذا تيقن الغروب). اهـ
22) وعن سهل بن سعد الساعدي tأن رسول الله r قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر). وفي رواية: (ما عجلوا الإفطار). وفي رواية: (لا تزال هذه الأمة بخير ما عجلوا الإفطار).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص241)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص711)، والترمذي في «سننه» (ج3 ص82)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3298)، وفي «الإغراب» (ص300 و301)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص541)، وابن القاسم في «الموطأ» (ص422)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص336 و337 و339)، والبغوي في «شرح السنة» (ج6 ص254)، وفي «مصابيح السنة» (ج2 ص72)، والحدثاني في «الموطأ» (ص413)، والفريابي في «الصيام» (ص50 و51)، وابن حبان في «صحيحه» (ج5 ص207 و208) من طريق أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي t به.
قال أبو الفتوح الطائي / في «الأربعين» (ص146): (وفي الحديث: دلالة على استحباب تعجيل الفطر، والإشارة فيه إلى إزالة ما لحق الصائم من كلفة العبادة، ليكون وقوفه على بساط النجوى في صلاة المغرب التي تؤدى في وقت الإفطار على فراغ من مطالبات النفس، فيجد القلب في المناجاة كمال الروح والأنس، وعلى هذا يحمل قوله r: (إذا حضر العشاء، فابدءوا بالعشاء)([98])). اهـ
وقال الإمام ابن دقيق العيد / في «إحكام الأحكام» (ص566): (تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب: مستحب باتفاق، ودليله: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)، وفيه دليل على المتشيعة، الذين يؤخرون إلى ظهور النجم. ولعل هذا هو السبب في كون الناس لا يزالون بخير ما عجلوا الفطر؛ لأنهم إذا أخروه كانوا داخلين في فعل خلاف السنة. ولا يزالون بخير ما فعلوا السنة). اهـ
وقال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج4 ص592): (قوله r: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) أي: إذا تحققوا الغروب بالرؤية، أو بإخبار عدلين، أو عدل على الأرجح، وما ظرفية؛ أي: مدة فعلهم ذلك امتثالا للسنة واقفين عند حدودها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها). اهـ
قلت: فمتابعة رسول الله r هي الطريق المستقيم.
23) وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر([99])، إن اليهود والنصارى يؤخرون). وفي رواية: (لا يزال الدين ظاهرا ما عجلوا الناس الإفطار، فإن اليهود والنصارى يؤخرون).
حديث حسن
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج2 ص763)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2313)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص541)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص450)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص431)، وابن حبان في «صحيحه» (ج5 ص207)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج1 ص76)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج20 ص23)، وضياء الدين المقدسي في «فضائل الأعمال» (ص257)، البيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص237)، وفي «شعب الإيمان» (ج7 ص492)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج3 ص285)، والفريابي في «الصيام» (ص48 و49)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص12)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (1089)، والخلال في «المجالس العشرة من أماليه» (53)، والسمسار في «مسند أبي هريرة» (ص48) من طرق عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة t به.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «صحيح الجامع» (ج5 ص231).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
وأورده البوصيري في «مصباح الزجاجة» (ج2 ص20)، ثم قال: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
قلت: بل إسناده حسن، قال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (ج3 ص673): محمد بن عمرو؛ شيخ مشهور، «حسن الحديث» أخرج له الشيخان متابعة.
وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج5 ص101)، وفي «إتحاف المهرة» (ج16 ص121).
قلت: فلا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، ولم يؤخروا تأخير أهل الكتاب من اليهود والنصارى.([100])
والليل يبدأ بغروب الشمس، فيستحب له المبادرة بالإفطار امتثالا لأمر الله سبحانه تعالى؛ ولئلا يزيد في العبادة شيئا ليس منها, وفي هذا رد على الذين يؤخرون الافطار, ويزعمون أن هذا من محبة الخير ومن الورع, فهذا من فعل المبتدعة الذين لا يفطرون إلا حين تشتبك النجوم، وهذا من علامات الضلال, ومخالفة السنة، أحب العباد إلى الله سبحانه و تعالى أعجلهم فطرا.
قال الفقيه الشيخ البسام / في «توضيح الأحكام» (ج3 ص153): (ما يؤخذ من الحديثين:
1) استحباب تعجيل الفطر، وقد اتفق العلماء على استحباب تعجيل الفطر، إذا تحقق غروب الشمس برؤية، أو بخبر ثقة، أو غلب على ظنه الغروب.
2) أن تعجيل الفطر دليل على بقاء الخير عند من عجله، وزوال الخير عمن أخره.
3) الخير المشار إليه هو اتباع السنة، ولا شك أنه سبب خيري الدنيا والآخرة ... فالشارع الحكيم يطلب من المسلمين ألا يشابهوا أهل الكتاب في عباداتهم، فتعجيل الفطر شعار يفرق بين صيام أهل الإسلام، وأهل الكتاب، وبين سوء المخالفة، وحسن الاتباع، والاقتداء.
4) هذا الحديث من المعجزات النبوية؛ فإن تأخير الإفطار هو طريقة بعض الفرق الضالة). اهـ
وقال العلامة الصنعاني / في «سبل السلام» (ج2 ص304): (والحديث دليل على استحباب تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار من يجوز العمل بقوله، وقد ذكر العلة وهي مخالفة اليهود والنصارى). اهـ
قلت: وتأخير الفطر عن غروب الشمس صار شعارا لأهل البدع المخالفين، وسمة لهم([101])، والعياذ بالله.
قال الفقيه الطيبي / في «الكاشف» (ج4 ص179): (ويدخل في معناه: حديث سهل بن سعد t الذي يتلوه (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)؛ لأن فيه مخالفة أهل الكتاب، وكانوا يؤخرون الإفطار إلى اشتباك النجوم، ثم صار في ملتنا شعارا لأهل البدع، وهذه هي الخصلة التي لم يرضها رسول الله r). اهـ
وقال العلامة اللكنوي / في «التعليق الممجد» (ج2 ص204): (قوله: «والعامة»؛ أي: جمهور علماء أهل السنة خلافا؛ للشيعة المبتدعة حيث لم يفطروا حتى تشتبك النجوم). اهـ
قلت: والحكمة في تعجيل الفطر لأمور منها:
1) أن الله تعالى هو الكريم، والكريم يحب أن يتمتع الناس بكرمه.
2) أن في ذلك مخالفة لأعداء الله تعالى في الخارج من اليهود والنصارى.
3) أن في ذلك مخالفة لأعداء الله تعالى في الداخل من الرافضة، والإباضية، والصوفية، والحزبية.
4) أن ذلك يقوي العبد على الطاعة، وعلى حاجاته، وأرحم به.
5) أن ذلك فيه اقتداء بالرسول r، والتأسي به r، وبصحابته y.
6) أن في ذلك ظهور الدين وعلوه.
7) أن في ذلك ظهور الخيرية في المسلمين.
8) أن في ذلك ظهور الخيرية في الفرد.
24) وعن حميد الطويل، عن أنس بن مالك t: (أنه لم يكن ينتظر المؤذن في الإفطار، وكان يعجل الفطر).
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في «الصيام» (ص57) من طريق وهب بن بقية، أخبرنا خالد، عن حميد الطويل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: وتأخير الإفطار عن غروب الشمس؛ إنما يفعل ذلك الكفرة: من اليهود والنصارى في الخارج، والمبتدعة: من الرافضة والإباضية والحزبية في الداخل.([102])
قال الفقيه الكلوذاني / في «الهداية» (ص101): (ويستحب له تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس). اهـ
وقال الفقيه ابن أبي القاسم / في «الواضح» (ج1 ص597): (بغروب الشمس قد انتهى صومه؛ وتم). اهـ
قلت: فمذهب أهل السنة من أهل العلم استحباب تعجيل الإفطار بغروب الشمس([103])، والله المستعان.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الكافي» (ص130): (ومن السنة تعجيل الفطر، وتأخير السحور، والنهار الواجب صومه هو من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس، فإذا استيقن الصائم مغيبها حل له الفطر). اهـ
وقال الإمام الشافعي /: (وأحب تعجيل الفطر، وتأخير السحور اتباعا لرسول الله r).([104]) اهـ
وعن نعيم بن حماد / قال: (من ترك حديثا معروفا فلم يعمل به, وأراد له علة أن يطرحه فهو مبتدع).
أثر صحيح
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386).
وإسناده صحيح.
وعن الزهري /: (الاعتصام بالسنة نجاة). وفي لفظ: (كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص56)، وابن المبارك في «الزهد» (ج1 ص281)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص44)، والأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص281)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص592)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص25)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص369)، والقاضي عياض في «الشفا» (ج2 ص14)، والبيهقي في «المدخل» (860)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص386)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ص143)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص404)، والدينوري في «المجالسة» (ج2 ص235)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص320)، والآجري في «الشريعة» (ص313).
وإسناده صحيح.
وعن الشافعي / قال: (إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله r, فقولوا بسنة رسول الله r, ودعوا ما قلت).
أثر صحيح
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386).
وإسناده صحيح.
وعن ابن خزيمة / قال: (ليس لأحد مع رسول الله r قول إذا صح الخبر عنه).
أثر صحيح
أخرجه محمد بن طاهر في «السماع» (ق/3/ط)، والبيهقي في «المدخل» (ج1 ص38)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386).
وإسناده صحيح.
وعن مجاهد / قال: (ليس أحد إلا يؤخذ من قوله، ويترك من قوله إلا النبي r).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «المدخل» (ص107)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص300)، وابن عبد البر في «الجامع» (ج2 ص91) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص176).
وإسناده صحيح.
وعن أحمد بن حنبل / قال: (من رد حديث رسول الله r فهو على شفا هلكة).
أثر صحيح
أخرجه الأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص192)، وابن الجوزي في «مناقب الإمام أحمد» (ص249)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص289)، واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (733).
وإسناده صحيح.
قلت: إنا نتبع، ولا نبتدع، ونقتدي، ولا نبتدي، ولن نضل ما تمسكنا بالآثار.
قال قوام السنة الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص237): (أخذ رسول الله r السنة عن الله عز وجل، وأخذ الصحابة عن رسول الله r، وأخذ التابعون عن الصحابة الذين أشار إليهم رسول الله r بالاقتداء بهم، ثم أشار الصحابة إلى التابعين من بعدهم). اهـ
وقال قوام السنة الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص364): (وشعار أهل السنة اتباعهم السلف الصالح، وتركهم كل ما هو مبتدع محدث). اهـ
قلت: فهذه الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة، وأئمة هذه الأمة التي تبين اتباع كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة نبيه r، وآثار السلف.
وقال الإمام ابن القيم /: (فالصحابة أخذوا عن رسول الله r ألفاظ القرآن ومعانيه، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني أعظم من عنايتهم بالألفاظ، يأخذون المعاني أولا، ثم يأخذون الألفاظ).([105]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص290): (وأما التأويل؛ بمعنى: صرف اللفظ عن مفهومه إلى غير مفهومه؛ فهذا لم يكن هو المراد بلفظ التأويل في كلام السلف ... وكان السلف ينكرون التأويلات التي تخرج الكلام عن مراد الله تعالى، ورسوله r؛ التي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه، فكانوا ينكرون التأويل الباطل الذي هو التفسير الباطل). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص567): (وكل من خالف ما جاءت به الرسل عليهم السلام فهو ضال، من أي الطوائف كان، فإن الله بعثهم بالحق، والمعقول الصريح دائما يوافق ما جاءت به الرسل عليهم السلام لم يخالف العقل الصريح شيئا مما جاءت به الرسل عليهم السلام). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التدمرية» (ص113): (وجهة الغلط أن التأويل الذي استأثر الله تعالى بعلمه هو الحقيقة التي لا يعلمها إلا هو، وأما التأويل المذموم، والباطل فهو تأويل أهل التحريف والبدع، الذين يتأولونه على غير تأويله، ويدعون صرف اللفظ عن مدلوله إلى غير مدلوله بغير دليل يوجب ذلك). اهـ
قال الإمام ابن القيم /: (انعقاد الإجماع المعلوم المتيقن على قبول هذه الأحاديث، وإثبات صفات الرب تعالى بها، فهذا لا يشك فيه من له أقل خبرة بالمنقول.
فإن الصحابة هم الذين رووا هذه الأحاديث، وتلقاها بعضهم عن بعض بالقبول، ولم ينكرها أحد منهم على من رواها، ثم تلقاها عنهم جميع التابعين من أولهم إلى آخرهم، ومن سمعها منهم تلقاها بالقبول، والتصديق لهم، ومن لم يسمعها منهم تلقاها عن التابعين كذلك، وكذلك تابع التابعين مع التابعين؛ هذا أمر يعلمه ضرورة أهل الحديث؛ كما يعلمون عدالة الصحابة y، وصدقهم، وأمانتهم، ونقلهم ذلك عن نبيهم r ... فإن الذين نقلوا هذا هم: الذين نقلوا أحاديث الصفات).([106]) اهـ
قلت: وهذا تقرير لإجماع الأمة على وجوب تلقي أحاديث الرسول r في الأصول والفروع بالقبول والتسليم، والعمل بما دلت عليه، والإيمان بها.
قلت: فالصحابة y، والتابعون الكرام: أجمعوا على تلقي أخبار الأصول والفروع بالقبول؛ مع الإيمان بمعانيها، وعدم تكلف السؤال عن تأويلها، وهذا هو الواجب في هذا الباب؛ أن تقر هذه النصوص الشرعية بإثبات حقائقها، وفهم معانيها.([107])
قلت: وعليه يكون العلماء الراسخون في العلم يعلمون التأويل الذي بمعنى التفسير والبيان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص285): (أن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله، ولا قال: هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه، ولا قال قط أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة المتبوعين: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها ولا يفهمها رسول الله r، ولا أهل العلم والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس وهذا لا ريب فيه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص112): (فإذا تنازع المسلمون في مسألة؛ وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله تعالى، والرسول r، فأي القولين دل عليه الكتاب والسنة وجب اتباعه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص204): (معارضة أقوال الأنبياء بآراء الرجال، وتقديم ذلك عليها، هو من فعل المكذبين للرسل، بل هو جماع كل كفر). اهـ
قلت: ومن الخطأ أن يلجأ إلى العقل والرأي مع وجود النقل، إلا إذا كان الخصم كافرا لا يؤمن بالنقل، وإذا كان العقل هو مناط التكليف والفهم والاستنباط فذلك لا يعني تقديمه على النقل.([108])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج1 ص170): (إن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته، وأن خبره مطابق لمخبره، فإن جاز أن تكون هذه الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلا صحيحا، وإذا لم يكن دليلا صحيحا لم يجز أن يتبع بحال، فضلا عن أن يقدم، فصار تقديم العقل على النقل قدحا في العقل بانتفاء لوازمه ومدلوله، وإذا كان تقديمه على النقل يستلزم القدح فيه، والقدح فيه يمنع دلالته، والقدح في دلالته يقدح في معارضته، كان تقديمه عند المعارضة مبطلا للمعارضة، فامتنع تقديمه على النقل، وهو المطلوب). اهـ
لذلك أقدم كتابي هذا الذي بين أيدينا المسمى: بــ«تدقيق المطالعة لفطر الصائم والشمس طالعة»، وهو يحتوي على كل ما يتعلق بتعجيل الفطر بغروب الشمس، وما وردت في ذلك من آيات وأحاديث، وآثار وأقوال، والله ولي التوفيق.
هذا؛ وندعو الله تعالى أن يوفقنا لمزيد من خدمة الكتاب والسنة والآثار، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يتقبل منا إنه هو السميع العليم.
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ] فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض[ [الرعد: 17]
وحسبنا الله ونعم الوكيل
ذكر الدليل من الكتاب والسنة والآثار
على سنية إفطار الصائم والشمس طالعة،
وتأدية صلاة المغرب والشمس ظاهرة
1) قال تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا [ [الكهف: 17].
قلت: وهذه الآية الكريمة تدل على أن الشمس لم تغب بالكلية عن أهل الكهف لطلوعها جهة المغرب ووجودها، وقد سمى الله تعالى ذلك غروبا؛ بقوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال[؛ فسمى الله ذلك غروبا، وهي ترى بالعين، لقوله تعالى: ]وترى الشمس[؛ أي: وتراها إذا غربت؛ أي: وهي طالعة تقرضهم؛ أي: تميل عنهم، ولا تميل عنهم –أي: تتحرك- إلا إذا كانت طالعة وتزول، وتميل.([109])
أما إذا اختفت بالكلية؛ فكيف تقرضهم، وتميل، وتتحرك عن الكهف، إذا إذا غابت بالكلية فلا حاجة أن تميل عنه.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (في قوله تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال [ [الكهف: 17]؛ قال: تميل عنهم، وفي قوله: ]تقرضهم[ قال: تذرهم).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص235)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص185)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج9 ص507-الدر المنثور) من طريق معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص507)، وفي «الاتقان» (ج2 ص25)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص143).
وعن مجاهد / قال: (في قوله: ]تقرضهم [ [الكهف: 17]؛ قال: تتركهم ذات الشمال).
أثر صحيح
أخرجه آدم بن إياس في «تفسير القرآن» (ص446)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص507-الدر المنثور)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص212)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2352)، والفريابي في «تفسير القرآن» (ج8 ص406-الفتح)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج9 ص507-الدر المنثور)، والبخاري في «صحيحه» تعليقا (ج8 ص406)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج4 ص243) من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص212) من طريق حجاج عن ابن جريج عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص507)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص143)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج8 ص406).
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج5 ص143): (هذا دليل على أن باب هذا الكهف من نحو الشمال؛ لأنه تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه ]ذات اليمين [أي: يتقلص الفيء يمنة ... وقوله تعالى: ]تزاور[؛ أي: تميل ... ولو كان من ناحية القبلة لما دخل منها شيء عند الطلوع ولا عند الغروب). اهـ
وعن قتادة / قال: (في قوله تعالى: ]تزاور عن كهفهم ذات اليمين[ [الكهف: 17] , قال: تميل عن كهفهم ذات اليمين).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص400)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص211) من طريق معمر، وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن قتادة / قال: (في قوله تعالى: ]تقرضهم ذات الشمال[ [الكهف: 17], قال: تدعهم ذات الشمال).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص400)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص211) من طريق معمر، وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن سعيد بن جبير / قال: (في قوله تعالى: ]تزاور عن كهفهم[ [الكهف: 17] تميل).
أثر حسن
أخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص211 و212) من طريق محمد بن مسلم عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن سعيد بن جبير / قال: (في قوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم [ [الكهف: 17]؛ قال: تتركهم ذات الشمال).
أثر حسن
أخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج15 ص212) من طريق محمد بن مسلم عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فإذا طلعت الشمس مالت عن كهفهم ذات اليمين؛ يعني: يمين الكهف، وإذا غربت تمر بهم ذات الشمال؛ يعني: شمال الكهف لا تصيبه ... فتميل عنهم الشمس طالعة، وغاربة، لا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرها، وتغير ألوانهم، وهم كانوا في متسع من الكهف، ينالهم فيه برد الريح، ونسيم الهواء.
قال تعالى: ]وهم في فجوة منه [ [الكهف: 17]؛ أي: من الكهف، والفجوة: متسع في مكان.([110])
قال المفسر الثعلبي / في «الكشف والبيان» (ج6 ص159): (قوله تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا [ [الكهف: 17]؛ أي: تتزاور ... تميل عنهم الشمس طالعة وغاربة وجارية). اهـ
قال المفسر الواحدي / في «الوسيط» (ج3 ص139): (قوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم [ [الكهف: 17]؛ أي: تعدل عنهم وتتركهم ... وتميل عنهم الشمس طالعة وغاربة). اهـ
وقال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج3 ص159): (]وترى الشمس إذا طلعت تزاور [ [الكهف: 17]؛ أي: تميل وتعدل ... ]وإذا غربت تقرضهم[؛ أي: تتركهم وتعدل عنهم ... فلا تقع الشمس عليهم عند الطلوع، ولا عند الغروب، ولا عند الاستواء). اهـ
وقال العلامة السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج5 ص17): (]وترى الشمس[؛ أي: حفظهم الله تعالى من الشمس، فيسر لهم غارا إذا طلعت الشمس، تميل يمينا، وعند غروبها تميل عنه شمالا([111])، فلا ينالهم حرها فتفسد أبدانهم بها).اهـ
وقال المفسر القرطبي / في «جامع لأحكام القرآن» (ج10 ص368): (قوله تعالى: ]وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين[؛ أي: أي ترى أيها المخاطب الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم. والمعنى: إنك لو رأيتهم لرأيتهم كذا، لا أن المخاطب رآهم على التحقيق. «تتزاور» تتنحى وتميل، من الازورار. والزور الميل ... وقوله تعالى: ]وإذا غربت تقرضهم[، قرأ الجمهور بالتاء على معنى تتركهم، قاله مجاهد، وقال قتادة: تدعهم. النحاس: وهذا معروف في اللغة، حكى البصريون أنه يقال: قرضه يقرضه إذا تركه، والمعنى: أنهم كانوا لا تصيبهم شمس ألبتة كرامة لهم، وهو قول ابن عباس. يعني: أن الشمس إذا طلعت مالت عن كهفهم ذات اليمين، أي يمين الكهف، وإذا غربت تمر بهم ذات الشمال، أي: شمال الكهف، فلا تصيبهم في ابتداء النهار، ولا في آخر النهار... فكانت الشمس تميل عنهم طالعة وغاربة وجارية لا تبلغهم لتؤذيهم بحرها، وتغير ألوانهم وتبلي ثيابهم).اهـ
وقال المفسر ابن جرير / في «جامع البيان» (ج3 ص262)؛ عن غروب الشمس: (كما أن آخر النهار ابتداء غروبها دون أن يتتام غروبها). اهـ
والشاهد: قوله: (دون أن يتتام غروبها)، وهذا يدل أنها لم تغرب بالكلية، فقد بقي منها شيء لم يتم سقوط قرص الشمس كله، وهذا قول في لغة العرب.
2) وقال تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
قلت: ويتعين دخول الليل من غروب الشمس، ويتحقق للصائم الإفطار([112])، لقوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
وأول الليل مغيب الشمس؛ أي: وصول الشمس مكان الغروب.([113])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص63): (فدل على أن قرب الشيء قد يعبر به عنه، والمراد مفهوم). اهـ
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج10 ص42): (أجمع العلماء على أنه إذا حلت صلاة المغرب فقد حل الفطر للصائم فرضا وتطوعا، وأجمعوا أن صلاة المغرب من صلاة الليل، والله تعالى يقول: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]).اهـ
قلت: فهذا قرب قرص الشمس من الأرض، يعتبر هذا القرب غروبا، لأن العرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه.([114])
ومن هذا قول الله تعالى: ]فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن [ [الطلاق: 2]، وهذا على القرب عند الجميع.
ومنه؛ قوله تعالى: ]ثمأتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
وهذا يدل على أن بقية النهار بعد غروب الشمس يسمى ليلا، مع أن النهار لم يغب بالكلية، أي: أنه لا عبرة بوجود شيء من آخر النهار([115])، وذلك لأن العرب تسمي ذلك ليلا؛ حتى مع وجود النهار([116])، فافهم لهذا.
قلت: ودخول الليل، وذلك بغروب الشمس، وليس بشرط أن تغيب في الأفق عن أعين الناظرين، كما يظن البعض، بل لو تقارب غروب الشمس يكفي للإفطار والصلاة، فافهم لهذا.([117])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص62): (والعرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه). اهـ
وقال الإمام محمد بن نصر المروزي في «السنة» (ص121): (وقال الله تبارك وتعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل[ [البقرة: 187]؛ ففسر([118]) النبي r بسنته كيف يجيء الليل لتمام الصيام). اهـ
قلت: وقد أجمع الصحابة الكرام على العمل بحكم فطر الصائم، والشمس طالعة في الأفق في جهة المغرب، وأجمعوا على دخول وقت صلاة المغرب بذلك؛ كما هو ظاهر في الآثار، وقد أجمع التابعون على اتباع الصحابة y فيما ورد عنهم من آثار من أقوالهم، وأفعالهم، والله المستعان.
قال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة y فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ
وقال المفسر الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص23): (القول إذا ظهر عن جماعة من الصحابة واستفاض، ولم يوجد له منهم مخالف؛ فهو إجماع، وحجة على من بعدهم). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج1 ص355): (فإنهم أصحاب رسول الله r، ولا مخالف لهم منهم، وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم، ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم؛ لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم، والنفس تسكن إليهم؛ فأين المهرب عنهم دون سنة، ولا أصل وبالله التوفيق). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج5 ص560): (وأما تخصيص اتباعهم –يعني: الصحابة- بأصول الدين دون فروعه فلا يصح؛ لأن الاتباع عام). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص474): (وتقليدهم –يعني: الصحابة - اتباع لهم، ففاعله ممن y). اهـ
قلت: وهذه الأثار صحيحة في غروب الشمس، وهي طالعة رواها جماعة من الصحابة y، وأصحاب الحديث فيما ورد في الآثار، ولم يتكلم أحد من الصحابة y، والتابعين الكرام في تأويلها بمثل تأويل المتعالمين، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رسالته» (ص24): (يجب اتباع طريقة السلف من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فإن إجماعهم حجة قاطعة، وليس لأحد أن يخالفهم فيما أجمعوا عليه، لا في الأصول، ولا في الفروع). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص82): (وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه؛ لسان النبي r). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص87): (فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها، على ما تعرف من معانيها). اهـ
3) وعن أبي العالية /؛ أنه قال في الوصال في الصيام، قال: (قال الله تبارك وتعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187] وإذا جاء الليل فهو مفطر، ثم إن شاء صام وإن شاء ترك).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص134)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص264).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج3 ص134).
قال الفقيه ابن رشد / في «بداية المجتهد» (ج1 ص337): (وأما التي تتعلق بزمان الإمساك؛ فإنهم اتفقوا على أن آخره غيبوبة الشمس، لقوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]). اهـ
وقـال الـعـلامـة الـشيخ عـبد الرحمـن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ص87): (قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]؛ أي: الإمساك عن المفطرات إلى الليل، وهو غروب الشمس). اهـ
وقال الفقيه الرازي / في «التفسير الكبير» (ج5 ص95): (كلمة «إلى» لانتهاء الغاية، فظاهر الآية أن الصوم ينتهي عند دخول الليل، وذلك لأن غاية الشيء مقطعه ومنتهاه، وإنما يكون مقطعا ومنتهى إذا لم يبق بعد ذلك). اهـ
وقال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج3 ص118): (]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187] أي: صوم كل يوم إلى الليل؛ أي: إلى ظهور الظلمة من قبل المشرق، وذلك بغروب الشمس، وكلمة «إلى» تفيد أن الإفطار عند غروب الشمس). اهـ
وقال المفسر ابن عطية / في «المحرر الوجيز» (ج2 ص92): (وروي عن عثمان بن عفان، وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، وطلق بن علي، وعطاء بن أبي رباح، والأعمش، وغيرهم أن الإمساك يجب بتبين الفجر في الطرق، وعلى رؤوس الجبال).اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «أحكام القرآن» (ج1 ص453): (فدل ما ذكرنا على أن الدخول في الصيام من طلوع الفجر، وعلى أن الخروج منه بدخول الليل، وكان قوله عز وجل: ]إلى الليل[؛ غاية لم يدخلها في الصيام بما بين لنا على لسان رسول الله). اهـ
وقال الإمام البغوي / في «معالم التنزيل» (ج1 ص215): (قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]؛ فالصائم يحرم عليه الطعام والشراب بطلوع الفجر الصادق، ويمتد إلى غروب الشمس، فإذا غربت حصل الفطر). اهـ
وقال المفسر ابن جزي / في «تفسير القرآن» (ص47): (قوله تعالى: ]إلى الليل[؛ أي: إلى أول الليل، وهو غروب الشمس). اهـ
وقال الفقيه ابن العربي / في «أحكام القرآن» (ج1 ص92): (قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]؛ فشرط ربنا تعالى إتمام الصوم حتى يتبين الليل، كما جوز الأكل حتى يتبين النهار، ولكن إذا تبين الليل فالسنة تعجيل الفطر).اهـ
وقال المفسر الخازن / في «لباب التأويل» (ج1 ص214): (فإذا تحقق طلوع الفجر الثاني، وهو الصادق حرم على الصائم الطعام، والشراب، والجماع إلى غروب الشمس، وهو قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]؛ يعني: منتهى الصوم إلى الليل، فإذا دخل الليل حصل الفطر). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «فتح القدير» (ج1 ص165): (قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187]؛ فيه التصريح بأن للصوم غاية هي الليل، فعند إقبال الليل من المشرق، وإدبار النهار من المغرب، يفطر الصائم ويحل له الأكل والشرب، وغيرهما). اهـ
4) وعن عبد الله بن أبي أوفى t، قال: كنا مع رسول الله r في سفر وهو صائم، فلما غربت الشمس، قال لبعض القوم: يا فلان، قم فاجدح لنا، فقال: يا رسول الله، لو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله، فلو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: إن عليك نهارا، قال: انزل فاجدح لنا، فنزل فجدح لهم، فشرب النبي r ثم قال: (إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا، فقد أفطر الصائم). وفي رواية: (إذا غابت الشمس من هاهنا، وجاء الليل من هاهنا([119]) فقد أفطر الصائم)، وفي رواية: (وأمر بلالا)، وفي رواية: (قال: يا رسول الله الشمس، قال: انزل فاجدح لي)، وفي رواية: (لو انتظرت حتى تمسي، قال انزل فاجدح لنا).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1955 و1958 و2941)، ومسلم في «صحيحه» (1101)، وأحمد في «المسند» (19395)، و(19399)، أبو داود في «سننه» (2352)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3297)، وابن حبان في «صحيحه» (3511)، و(3512)، والحميدي في «المسند» (ج2 ص312)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص590) من طرق عن سليمان الشيباني قال: سمعت عبدالله بن أبي أوفى t فذكره.
قلت: فالنبي r لم ينظر إلى وجود قرص الشمس نظرا تاما، لذلك أعرض r عن قول بلال حين قال: «يا رسول الله الشمس»، واعتبر r غيبوبة الشمس، مع أنها لم تغب كلها في الأرض([120])، والله المستعان.
قال الفقيه ابن العربي / في «القبس» (ج2 ص479)؛ معلقا على الحديث: (فأنكر الرجل سرعة الفطر، فأعلمه النبي r أن ذلك هو الحق!). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (قوله فاجدح بالجيم ثم الحاء المهملة والجدح تحريك السويق ونحوه بالماء بعود يقال له المجدح مجنح الرأس وزعم الداودي أن معنى قوله اجدح لي أي احلب وغلطوه في ذلك قوله إن عليك نهارا يحتمل أن يكون المذكور كان يرى كثرة الضوء من شدة الصحو فيظن أن الشمس لم تغرب ويقول لعلها غطاها شيء من جبل ونحوه أو كان هناك غيم فلم يتحقق غروب الشمس وأما قول الراوي وغربت الشمس فإخبار منه بما في نفس الأمر وإلا فلو تحقق الصحابي أن الشمس غربت ما توقف لأنه حينئذ يكون معاندا وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة). اهـ
قلت: وهذا كله يدل على شدة تعجيل النبي r للإفطار.
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وموضع الدلالة منه ما يشعر به سياقه من مراجعة الرجل له بكون الشمس لم تغرب في جواب طلبه لما يشير به فهو ظاهر في أنه كان r صائما). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن حصول الغروب لا يلزم منه أن يتحقق غروب قرص الشمس بالكلية، أي: أن قرص الشمس لم يغب بالكلية، بل يرى عيانا، وهذا يسمى غروبا عند العرب، لأن لا عبرة بنهاية الشمس في جهة المغرب بخمس دقائق عن الأرض، فافطن لهذا.
قال الإمام ابن الملقن / في «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» (ج5 ص12): (الإشارة في الأول إلى جهة المشرق، وفي الآخر إلى جهة المغرب، وهما متلازمان في الوجود: إذ لا يقبل الليل إلا إذا أدبر النهار). اهـ
قلت: فإذا أقبل الليل؛ أي: ظلامه من جهة المشرق، وأدبر النهار؛ أي: ضياؤه من جانب المغرب، فقد أفطر الصائم.
فهذا إقبال الظلام، وإدبار النهار، وهو حل وقت فطر الصائم.([121])
قال الـعلامـة أبـو عبد الرحـمـن الـعـظـيم آبـادي / في «عون المعبود» (ج6 ص478): (قوله r: (إذا جاء الليل من هاهنا): أي: من جهة المشرق، وقوله r: (وذهب النهار من هاهنا)؛ أي: من جهة المغرب). اهـ
قلت: ووجه الدلالة أن النبي لما تحقق عنده غروب الشمس، أي: نهايتها، _ وإن كان قرص الشمس يرى _ لم يطلب مزيدا على ذلك، ولا التفت إلى موافقة من عنده من الصحابة الكرام على ذلك؛ بقوله: (يا رسول الله الشمس، فقال r له: انزل فاجدح لي، فنزل فجدح له([122]) فشرب!)، فلو كان يجب الإمساك حين غياب قرص الشمس بالكلية لفعل ذلك، فعتبر r أن ذلك غروبا، بقوله r: (وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)؛ أي: دخل في وقت الفطر.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وفي الحديث استحباب تعجيل الفطر، وأنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقا، بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر). اهـ
5) وعن عبد الله بن أبي أوفى، قال: (كنا مع النبي r في سفر، فقال لرجل من القوم: انزل فاجدح لي بشيء وهو صائم، فقال: الشمس يا رسول الله! قال: انزل فاجدح لي، قال: فنزل فجدح له فشرب، وقال: ولو ترآها([123]) أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس، ثم أشار النبي r بيده إلى المشرق، قال: إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا، فقد أفطر الصائم).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226)من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن عبدالله بن أبي أوفى t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الشيخ الألباني / في «مختصر صحيح البخاري» (ج1 ص571): (زاد عبد الرزاق (4/226/7594): (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني: الشمس)، وسنده صحيح على شرط الشيخين).
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج3 ص412) وأقره؛ برواية ابن عيينة عن الشيباني عن ابن أبي أوفى t وفيه: (قال: فلو نزا أحد على بعيره لرآها؛ (يعني: الشمس)، ثم أشار النبي r بيده قبل المشرق).
قلت: وهذا الحديث يدل على أن النبي r أفطر مع وجود قرص الشمس لم يغيب كله، وشدة ضيائها، لقوله: (يا رسول الله الشمس)، وقوله: (إن عليك نهارا)، وقوله: (ولو تراآها احد على بعيره لرآها؛ يعني الشمس!)، مع أنه قال: (لما غابت الشمس)، فهذا يسمى عند العرب غروبا، وهو نهاية الشمس([124])، فافطن لهذا ترشد.
قلت: فمن فقه العبد تعجيل فطره، وتأخير سحوره، والله المستعان.
قلت: والعبرة بغروب الشمس، أو قرب الغروب، ولا حاجة إلى أن يزول النور القوي، أو الحمرة، بل بمجرد ما يغيب قرص الشمس، أو قارب يفطر الصائم، كما فعل الصحابة الكرام.
قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج2 ص50): (وكان يعجل الفطر ويحض عليه، ... وكان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء، هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم ... وكان r يفطر قبل أن يصلي). اهـ
قلت: وهذا الحديث يدل على أن الرسول r أفطر على أمر غير معتاد لبلال بن رباح t، وهو إفطاره r مع وجود قرص الشمس، وأن المعتاد عند بلال t هو إفطار النبي r مع مغيب قرص الشمس بالكلية([125])، فأراد النبي r أن يعلم الصحابة الكرام y أن تعجيل الفطر بهذا المستوى من الشمس من الدين، وهذا من باب التيسير على الأمة، وهو موافق لأصول من أصول الشريعة الغراء: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185]، وقد عمل بذلك الصحابة الكرام، وهم أعلم الناس بأحكام الشريعة المطهرة.([126])
قلت: وهنا يريد الصحابي أن يفسر الحديث المجمل في ألفاظه؛ بقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس)([127])، ويبين حكم غروب الشمس بهذا المستوى، وأن تفسير الصحابي الحاضر في موقع الحادثة مع النبي r أولى من غيره ممن لم يكن حاضرا مع النبي r، وهذا فيه رد على من فسر طلوع الشمس بالحمرة في الأفق: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
قلت: وهذا يدل أيضا على أن الأرض كانت غير مستوية؛ ليرى الناظر الشمس بوقوفه على قدمه، بل لابد أن يحتاج الناظر إلى أرض مرتفعة ليراها([128])؛ لقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس)، فافطن لهذا.
قلت: وأضف إليه قول بلال بن رباح t: (الشمس يا رسول الله!)، وقوله: (إن عليك نهارا)([129])، وأنه إذا وجد النهار لابد أن توجد الشمس طالعة في الأفق، والصحابة الكرام y هم عرب، ويتكلمون باللغة العربية، ويعرفون حقيقة النهار ووجوده، ويكون ذلك مع طلوع الشمس لا مع غيبوبتها بالكلية، فافطن لهذا.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (قوله: (إن عليك نهارا) يحتمل أن يكون المذكور كان يرى كثرة الضوء من شدة الصحو فيظن أن الشمس لم تغرب ويقول لعلها غطاها شيء من جبل ونحوه). اهـ
قلت: والصحيح أن الشمس غطاها شيء من سهل، أو تل، أو مرتفع، ونحو ذلك، وهذا يدل أنها لم تغب بالكلية، فهي خلف هذا المرتفع لقوله: (ولو ترآها أحد على بعيره لرآها)، لأن لو تحقق لبلال بن رباح t أن الشمس قد غربت بالكلية ما توقف عن الجدح، وإنما توقف عن الجدح لطلوع قرص الشمس فوق الأرض، وهذا ظاهر لمن تدبر الحديث.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وأما قول الراوي: (وغربت الشمس)؛ فإخبار منه بما في نفس الأمر، وإلا فلو تحقق الصحابي أن الشمس غربت([130]) ما توقف؛ لأنه حينئذ يكون معاندا([131])، وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة([132])). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ
وقال الحافظ العلائي / في «إجمال الإصابة» (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ
وقال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص301): (علامة من أراد الله تعالى به خيرا سلوك هذا الطريق كتاب اللـه، وسنن رسول الله r، وسنن أصحابه y، ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد). اهـ
وقال الإمام الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص210): (فإن كنتممن المؤمنين، وعلى منهاج أسلافهم، فاقتبسوا العلم من آثارهم، واقتبسوا الهدى من سبيلهم، وارضوا بهذه الآثار إماما، كما رضي القوم بها لأنفسهم إماما). اهـ
قلت: فعليك بمذهب السلف الصالح في أحكام الدين، والاقتداء بهم فيه واتباعهم جملة وتفصيلا. ([133])
قلت: وبيان السنة والأثر للقرآن حجة على أقوال العلماء، والمذاهب، والآراء، فلا يحل تقديم تفسير عالم، أو إمام، أو مذهب، أو تقرير عقل على تفسير السنة والأثر وعلى بيانهما، ولا يحل نصب الخلاف بين السنة والأثر، وبين قول مذهب، أو محاولة توفيق في شيء من ذلك، اللهم غفرا.
قال الإمام ابن القيم /: (وهكذا تجد كل مجادل في نصوص الوحي بالباطل، إنما يحمله على ذلك؛ كبر في صدره ماهو ببالغه).([134]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص234): (القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج إلى أقوال أهل اللغة).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص186): (من كان أعظم اتباعا لكتابه الذي أنزله، ونبيه الذي أرسله؛ كان أعلم فرقانا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص236): (لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل، ورأي، وقياس). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص231): (النزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «مختصر الفتاوى المصرية» (ص556): (فمن ظن أنه يأخذ من الكتاب والسنة بدون أن يقتدي بالصحابة، ويتبع غير سبيلهم فهو من أهل البدع والضلال). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص281): (ليس لأحد أن يدفع المعلوم من سنة رسول الله r بقول أحد من الخلق). اهـ
وقال الحافظ ابن حبان / في «صحيحه» (ج1 ص290): (العلماء ورثة الأنبياء» والأنبياء لم يورثوا إلا العلم، وعلم نبينا r سنته، فمن تعرى عن معرفتها لم يكن من ورثة الأنبياء). اهـ
6) وعن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي، قال حدثني وفدنا [وهم: من الصحابة] الذين قدموا على النبي r، (كان بلال t يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله ما بقي من رمضان بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله r، فيأتينا بالسحور ... ويأتينا بفطرنا وإنا لنقول: ما نرى الشمس ذهبت كلها، فيقول بلال t: ما جئتكم حتى أكل رسول الله r؛ يضع في الجفنة فيلقم منها). وفي رواية: (وإنا لنقول: إنا لنتمارى في وقوع الشمس لما نرى من الاسفار).
حديث حسن
أخرجه الروياني في «المسند» (742)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج1 ص115)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (3279)، وابن هشام في «السيرة النبوية» (ج4 ص85) من طريق إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي به مطولا.
وذكره ابن حجر في «الإصابة» (ج5 ص210)؛ في ترجمة عطية بن سفيان ثم قال: (وأصحها رواية إبراهيم بن سعد عنه: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان([135])،حدثني: وفدنا الذين قدموا على النبي r بإسلام ثقيف، وقدموا عليه في رمضان... فذكر الحديث). اهـ
وذكره الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج2 ص495) من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن عيسى عن عطية بن سفيان به. ومن طريق أحمد بن خالد الذهبي: عن ابن إسحاق، عن عيسى، عن عطية: حدثنا وفدنا؛ [أي: من الصحابة الذين كانوا مع النبي r]؛ ثم قال ابن حجر: (ورواية أحمد بن خالد أشبه بالصواب، فإن عطية بن سفيان تابعي معروف). اهـ
وذكره الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج5 ص32) من طريق ابن إسحاق: حدثني عيسى بن عبد الله، عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم [وهم: من الصحابة] قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله r ما بقي من شهر رمضان بفطورنا وسحورنا فيأتينا بالسحور ... ويأتينا بفطرنا، وإنا لنقول ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد، فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله r، ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها). اهـ
قلت: وهذا سنده حسن، وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسه، وجهالة الوفد لا تضر، لأن جهالة الصحابة y لا تضر في الحديث، لأنهم كلهم عدول، كما هو مقرر في أصول الحديث.([136])
والحديث أشار إليه أبو القاسم ابن منده في «المستخرج» (ج2 ص280).
وقال الحافظ البخاري / في «التاريخ الكبير» (ج7 ص10): (عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي؛ عن الوفد الذين جاؤوا النبي r). اهـ
وقد أثبت صحة الحديث الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج4 ص454)، و(ج5 ص210).
وقال الحافظ النووي / في «التقريب» (ج1 ص403): (والصحابة y كلهم عدول). اهـ
وقال الحافظ العراقي / في «التقييد والإيضاح» (ج1 ص578): (أن الصحابة الذين ثبتت صحبتهم كلهم عدول). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص158): (وجهالة الصحابي لا تضر، بخلاف غيره). اهـ
وقال العلامة الألباني / في «الصحيحة» (ج1 ص774): (وجهالة اسم الصحابي لا تضر، كما في المصطلح تقرر). اهـ
وقال العلامة الألباني / في «الصحيحة» (ج6 ص904): (وعلى هذا جرى إمام السنة أحمد بن حنبل / في مسنده، فإن فيه عشرات الأحاديث عن جماعة من الصحابة لم يسموا، يقول التابعي فيهم: عن بعض أصحاب النبي r، أو بعض من شهد النبي r). اهـ
قلت: وعطية بن سفيان([137]) هذا تابعي معروف، وابن الصحابي المعروف، وهو سفيان بن عبد الله الثقفي t الذي كان عامل عمر بن الخطاب رضي لله عنه على الطائف بعد عثمان بن أبي العاص t ([138])، ولم يأت بمنكر في هذا الحديث، ولذلك قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص681): (صدوق)، ووثقه الحافظ البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص438)، وذكره الحافظ ابن حبان في «الثقات» (ج5 ص216)؛ ثم قال: روى عن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وسكت عنه الحافظ البخاري في «التاريخ الكبير» (ج7 ص10)، والحافظ ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج6 ص382)؛ فمثله حسن الحديث([139])، فافطن لهذا.
قال الحافظ الخطيب / في «أصول الرواية» (ص149): (وترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له، أو برواية عدلين عنه). اهـ
قلت: وعيسى بن عبد الله بن مالك روى عنه أبو داود في «سننه»، والنسائي في «السنن الكبرى»، وابن ماجه في «سننه»، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج7 ص231)، وروى عنه جمع من الرواة، وقال الذهبي في (ج2 ص31): (وثق)، وسكت عنه الحافظ ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج6 ص280)؛ فمثله حسن الحديث([140])؛لأنه لم يأت بمنكر في الأحاديث التي رواها ووافق الثقات، فافهم لهذا ترشد.
قال الحافظ الخطيب / في «أصول الرواية» (ص149): (وترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له، أو برواية عدلين عنه). اهـ
وقال الحافظ العراقي / في «التقييد والإيضاح» (ج1 ص578): (والحق أنه إن كان معروفا بذكره في الغزوات أو فيمن وفد([141])من الصحابة أو نحو ذلك؛ فإنه تثبت صحبته وإن لم يرو عنه إلا راو واحد). اهـ
قلت: ولا يضر اختلاف الحديث([142]) على محمد بن إسحاق ما دام ترجح لنا صحة رواية: «عطية بن سفيان» على غيرها، كما بين ذلك الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج5 ص210)، وغيره من أهل العلم.
وقال الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج5 ص210): (عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي: تابعي معروف، اختلف في حديثه على ابن إسحاق اختلافا كثيرا، وأصحها رواية إبراهيم بن سعد عنه: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان، حدثني وفدنا الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإسلام ثقيف، وقدموا عليه في رمضان ... فذكر الحديث.
وأخرجه ابن ماجه، وقد تقدم بيان الاختلاف فيه في ترجمة علقمة الثقفي). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج4 ص454)؛ بعدما ذكر الاختلاف: (علقمة بن سفيان، وقيل: ابن سهيل الثقفي، وقيل: عطية بن سفيان، وقال يونس بن بكير في زيادات المغازي: حدثني إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري([143])، حدثني عبد الكريم، حدثني علقمة بن سفيان، قال: كنت في الوفد من ثقيف، فضربت لنا قبة، فكان بلال يأتينا بفطرنا من عند النبي r... الحديث .... وقال أحمد بن خالد الوهبي: عن ابن إسحاق، عن عيسى، عن عطية: حدثنا وفدنا.([144])
أخرجه ابن ماجه، ورواية أحمد بن خالد أشبه بالصواب، فإن عطية بن سفيان تابعي معروف). اهـ
وقال الحافظ البوصيري / في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص438): رواه أبو يعلى واللفظ له، وابن ماجه مختصرا، ورواته ثقات.
وقال الحافظ البوصيري / في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص437): عن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي قال أنبأنا وفدنا [يعني: من الصحابة y] الذين كانوا قدموا على رسول الله r، وذكر الحديث.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر / في «الإصابة» (ج5 ص275)؛ أن رواية: إبراهيم بن سعد هي أصح الروايات، حيث رواها متصلة.
وكذلك رواية: زياد بن عبد الله البكائي وهو صاحب محمد بن إسحاق الذي أخذ ابن هشام «السيرة النبوية» عنه عن محمد بن إسحاق، حيث رواها متصلة أيضا؛ من حديث عطية بن سفيان، كما صوبه ابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج1 ص115).
قلت: وبقية الروايات([145])لا تصح لما فيها من تحريف، أو تصحيف، أو إرسال في السند، وليس هذا موضع بسطها.([146])
قلت: وقصة وفد ثقيف مشهورة عند أهل العلم قديما وحديثا في صومهم مع النبي r في رمضان.
فعن عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة، قال: حدثنا وفدنا الذين قدموا على رسول الله r بإسلام ثقيف([147])، قال: (وقدموا عليه في رمضان، فضرب عليهم قبة في المسجد، فلما أسلموا صاموا ما بقي عليهم من الشهر).
حديث حسن
أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1760)، وابن هشام في «السيرة النبوية» (ج4 ص185)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج4 ص43)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج20 ص150) من طريق محمد بن إسحاق، حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية بن سفيان به مختصرا.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد صرح محمد بن إسحاق بسماعه من عيسى بن عبد الله، وكما في رواية إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق التي أشار إليها الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج5 ص275)؛ في ترجمة عطية بن سفيان بن ربيعة.
وقال محققو «سنن ابن ماجه» (ج2 ص642): (إسناده حسن إن شاء الله، محمد بن إسحاق وهو ابن يسار المطلبي قد صرح بسماعه من عيسى بن عبد الله كما في «السيرة النبوية» لابن هشام (4/185)، وكما في رواية إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق التي أشار إليها الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (5/275) في ترجمة عطية بن سفيان). اهـ
وقال الحافظ ابن أبي حاتم / في «الجرح والتعديل» (ج6 ص382): (عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي؛ عن الوفد الذين جاؤوا النبي r).اهـ
قلت: والشاهد قوله: (ما نرى الشمس ذهبت كلها)؛ حيث يدل على أن الصحابة y أفطروا مع بلال t في رمضان، والشمس قد قاربت الغروب، وهي طالعة في جهة المغرب، لم تغب بالكلية في الأرض.
وكذلك أفطر النبي r قبلهم والشمس طالعة وأخبر بلال t عن ذلك، بقوله: (ما جئتكم حتى أكل رسول الله r)؛ أي: أكل رسول الله r والشمس لم تغب بالكلية في الأرض.
قلت: وقد نقل العلماء حديث: قصة وفد ثقيف، وما فيه من إفطار النبي r وأصحابه y، والشمس طالعة، لم يغب قرص الشمس بالكلية، ولم ينكروا الحديث، بل أقروه؛ منهم: الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (ج5 ص32)، والحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج4 ص454)، و(ج5 ص210)، والحافظ البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج3 ص438)، والفقيه السهيلي في «الروض الأنف» (ج7 ص418)، والفقيه يحيى بن أبي بكر الحرضي في «بهجة المحافل» (ج2 ص28)، والفقيه المقريزي في «إمتاع الأسماع» (ج14 ص309).
قال الفقيه السهيلي / في «الروض الأنف» (ج7 ص418): (بلال ووفد ثقيف في رمضان: قال ابن إسحاق: وحدثني عيسى عن عبد الله بن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي، عن بعض وفدهم. قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله r ما بقي من رمضان بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله r فيأتينا بالسحور، وإنا لنقول إنا لنرى الفجر قد طلع فيقول قد تركت رسول الله r يتسحر لتأخير السحور ويأتينا بفطرنا، وإنا لنقول ما نرى الشمس كلها ذهبت بعد([148]). فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله r؛ ثم يضع يده في الجفنة فيلتقم منها). اهـ
وقال الفقيه يحيى بن أبي بكر الحرضي / في «بهجة المحافل» (ج2 ص28): (كان قدومهم على النبي r في شهر رمضان عند مرجعه من تبوك روى عن بعض وفدهم [وهم: من الصحابة] قال: (كان بلال يأتينا بعد أن اسلمنا بسحورنا، وإنا لنقول: أن الفجر قد طلع، فيقول: قد تركت رسول الله r !يتسحر، ويأتينا بفطورنا، وإنا لنقول: ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد([149]) فيقول: ما جئتكم حتى أكل رسول الله r ثم يضع يده في الجفنة فيلتقم منها ... (وإنا لنقول إن الفجر قد طلع)؛ أي: من شدة تأخير السحور كما هو السنة (بفطورنا)؛ بالفتح أيضا اسم لما يفطر به (ما نرى الشمس)؛ بالضم: أي ما نظنها (غربت)؛ أي من شدة تعجيل الفطر كما هو السنة). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج5 ص39)؛ فصل: قدوم وفد ثقيف على رسول الله r في رمضان من سنة تسع: (قال ابن إسحاق: وحدثني عيسى بن عبد الله، عن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله r ما بقي من شهر رمضان بفطورنا وسحورنا فيأتينا بالسحور فإنا لنقول إنا لنرى الفجر قد طلع؟ فيقول: قد تركت رسول الله r يتسحر لتأخير السحور، ويأتينا بفطرنا وإنا لنقول ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد([150])، فيقول ما جئتكم حتى أكل رسول الله r، ثم يضع يده في الجفنة فيلقم منها). اهـ
وقال الفقيه المقريزي / في «إمتاع الأسماع» (ج14 ص309): (وذكر في وفد ثقيف أيضا أن بلالا t كان يأتيهم بفطرهم، ويخيل أن الشمس لم تغب، فيقولون: ما هذا من رسول الله r إلا لننظر كيف إسلامنا، فيقولون: يا بلال ما غابت الشمس بعد؟([151])، فيقول بلال t: ما جئتكم حتى أفطر رسول الله r، وكان بلال t يأتيهم بالسحور). اهـ
7) وعن حذيفة t قال: سمعت رسول الله r يقول يوم الخندق: (شغلونا عن صلاة العصر، ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا)، قال: (ولم يصلها يومئذ حتى غابت الشمس([152])). يعني بالكلية.
حديث صحيح
أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (2891)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج2 ص27)، والبيهقي في «إثبات عذاب القبر» (170)، و(171)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج3 ص166)، وابن أبي الفوارس في «الفوائد» (ق/3/ط)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج14 ص66)، والبزار في «المسند» (388)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص321)، وفي «أحكام القرآن» (ج1 ص229) من طريق عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن حذيفة t به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص309)، ثم قال: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح.
8) ويؤيده: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (596)، و(598)، و(641)، و(4112) من طريق أبي سلمة قال: أخبرنا جابر بن عبد الله t «أن النبي r جاءه عمر بن الخطاب t يوم الخندق، فقال: يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب – يعني: وهي طالعة - وذلك بعد ما أفطر الصائم، فقال النبي r: والله ما صليتها، فنزل النبي r إلى بطحان وأنا معه، فتوضأ ثم صلى يعني العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب».
فقوله: (بعد ما أفطر الصائم)؛ فهذا يدل على أن الإفطار للصائم قد حدد بوقت محدد في الشرع، وهو فطره والشمس طالعة في جهة المغرب في الأفق، لقوله: (والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ يعني: لم تغيب بالكلية، بل كادت الشمس أن تغرب، وقد صلى النبي r في وقت غروب الشمس بالكلية، مع إثبات الغروب الأول، وهو قبل مغيب قرص الشمس حين أفطر الصائم، كما بين ذلك عمر بن الخطاب t، وأقره النبي r على ذلك.
وفي رواية لمسلم في «صحيحه» (631) قال عمر بن الخطاب t: (يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي العصر، حتى كادت أن تغرب الشمس).
قلت: ويؤكد ذلك ما بينه عبد الله بن مسعود t في هذا الغروب في يوم الخندق؛ وهو يرى الشمس طالعة بقوله t: (حتى احمرت الشمس، أو اصفرت)([153]) في الرواية الأخرى، وهذا المستوى من الشمس يسمى غروبا عند الصحابة y.
إذا فقوله: (بعدما أفطر الصائم)؛ أي: إذا كان المقصود بعد الغروب الكلي، فما الحاجة من تكرار قوله: (ثم صلى العصر بعد ما غربت الشمس)، فهذا يعني أن معنى قوله: (بعد ما أفطر الصائم)؛ أي: أن هذا هو المعروف عندهم بوقت إفطار الصائم([154])، وهو: (عندما كادت الشمس تغرب)؛ أي أن الشمس لم تغرب بالكلية، بل قرصها يرى وقد احمرت، واصفرت في الأفق بجهة المغرب، وقد دنت بالقرب من الأرض.
قلت: فعمر بن الخطاب t ذكر الغروبين معا في حديث واحد، الأول: غروب الشمس في الأفق، وهي طالعة، والثاني: الغروب الكلي، وهو سقوط قرص الشمس بالكلية.
فالوقت الأول: لإفطار الصائم، وهو وقت دخول صلاة المغرب أيضا.
والوقت الثاني: بعد إخفاء قرص الشمس.
ثم قوله t: (وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ فيكون ليس في ذكره أي فائدة لهذه العبادة إن كان بعد غروب الشمس بالكلية؛ فهو t أراد أن يبين وقت إفطار الصائم، وهذا يكون في الغروب الأول، ثم بين الغروب الثاني، لأنه كرر كلمة: (بعد ما غربت الشمس)، هذا في الغروب الثاني بالكلية، والنبي r صلى صلاة العصر في هذا الوقت؛ لأن المشركين شغلوه عنها فتأخر في صلاتها إلى أن غربت الشمس في الأرض، وهذا الغروب الثاني.
قلت: وهذا يبين أنه معروف عندهم إذا كادت الشمس تغرب، أن ذلك من الغروب، وهو وقت إفطار الصائم، وإلا ما فائدة لذكره t لوقت إفطار الصائم، إلا ليبين وقت الإفطار، ووقت الغروب الأول، ووقت الغروب الثاني الذي حصل بعد ذلك، وإلا لماذا كرر للغروبين؟!.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص123): (والذي يظهر لي أن الإشارة بقوله: (وذلك بعد ما أفطر الصائم)؛ إشارة إلى الوقت([155]) الذي خاطب به عمر t النبي r لا إلى الوقت الذي صلى فيه عمر t العصر، فإنه كان: (قرب الغروب)([156])، كما تدل عليه: (كاد».اهـ
وبوب عليه الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ص98): باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت.
قلت: وتبويب الحافظ البخاري هذا يؤيد الحديث، وأنه بين أن وقت صلاة العصر قد انتهى، ودخل وقت صلاة المغرب بعدما أفطر الصائم، والشمس طالعة.
9) وعن أبي أيوب الأنصاري t قال: قال رسول الله r يقول: (صلوا المغرب لفطر الصائم).
حديث حسن لغيره
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص421)، والدارقطني في «العلل» تعليقا (ج6 ص125)، والطيالسي في «المسند» (ج1 ص493) من طريق يزيد بن أبي حبيب قال: حدثني رجل سمع أبا أيوب t به، وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص290) من طريق ابن أبي ذئب عن أبي حبيبة عن أبي أيوب الأنصاري t به.
قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات، والشواهد.
وذكره الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج6 ص125)؛ وسكت عنه.
قلت: ووقت صلاة العصر يمتد إلى قبيل اصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق عن الأرض بيسير بخمس دقائق تقريبا، وهذا دخول وقت صلاة المغرب، وإفطار الصائم.
10) وعن الحارث بن عمر الهذلي قال: (أن عمر بن الخطاب t كتب إلى أبي موسى الأشعري: كتبت إليك في الصلاة، وأحق ما تعاهد المسلمون أمر دينهم، وقد رأيت رسول الله r يصلي، حفظت من ذلك ما حفظت، ونسيت من ذلك ما نسيت، فصلى الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس حية، والمغرب لفطر الصائم، والعشاء ما لم يخف رقاد الناس، والصبح بغلس، وأطال فيها القراءة).
أثر حسن
أخرجه ابن راهويه في «المسند» (ج5 ص143 – المطالب العالية)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص456) من طريق ابن أبي ذئب عن مسلم بن جندب عن الحارث بن عمر الهذلي به.
قلت: وهذا سنده حسن، وله شواهد.
وذكره البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج2 ص41)، وعزاه لإسحاق بن راهويه.
11) وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي r قال: (وقت الظهر ما لم تحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ويسقط قرنها الأول، ووقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق).
وفي رواية: (فإذا صليتم العصر، فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (612)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص210)، وفي «المجتبى» (ج1 ص620)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص210)، وأبو داود في «سننه» (396)، وأبو عوانة في «صحيحه» (ج1 ص349)، وابن خزيمة في « صحيحه » (326)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج21 ص411)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج3 ص166)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج2 ص208)، والطيالسي في «المسند» (2363)، والسراج في « المسند » (2971)، وفي «حديثه» (1334)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص150)، وفي «أحكام القرآن» (ج1 ص171)، ومحمد بن الحسن في «الحجة» (ج1 ص9)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص560 و586)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص282)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص331)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج4 ص350)، وفي «مسند الشاميين» (ج3 ص363)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص366)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص406)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج8 ص27)، وابن الجوزي في «التحقيق» (318)، وفي «جامع المسانيد» (ج4 ص451)، وابن حبان في «صحيحه» (337) من طريق هشام الدستوائي، وهمام بن يحيى، وحجاج الباهلي، وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة عن قتادة سمع أبا أيوب عن عبد الله بن عمرو t فذكره بألفاظ عندهم.
قلت: واشتمل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما على زيادة صحيحة في المواقيت، وهي: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)، فوجب قبولها، والمصير إليها، وأن ابتداء وقت صلاة المغرب يدخل إذا اصفرت الشمس، أو احمرت في الأفق وهي طالعة، ولم تغب بالكلية، ولا سيما الحديث من قول النبي r، والأحاديث الأخرى فعل منه r.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج22 ص75): (وليس عن النبي r حديث من قوله في المواقيت الخمس أصح منه). اهـ
ومعناه: أن وقت صلاة العصر ينتهي إلى أن يرى الناس الشمس صفراء أو حمراء طالعة في جهة الغروب، ولا تكون كذلك حتى ترى طالعة بقرب الأرض بخمس دقائق تقريبا، وقد اصفرت الشمس، أو يقول القائل: قد احمرت الشمس، وهذا هو وقت صلاة المغرب.
قلت: وهذا فيه دليل على أن وقت صلاة العصر يمتد إلى إصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق بيسير عن الأرض بحوالي خمس دقائق، وهذا الوقت لا يضر في إفطار الصائم فيه، لأن اليوم يعتبر بهذا القدر عند الشارع قد انتهى، فلا عبرة بخمس دقائق أو أدنى من ذلك، كما تدل على ذلك الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة، ولله الحمد. ([157])
قال الإمام أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص235): (قوله r: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)؛ يعني: بقوله؛ ما لم تصفر: ما لم تدخلها صفرة، وظاهره: أن آخر وقت العصر قبل مخالطة الصفرة.
وهذا كما قال في حديث بريدة بن حصيب t: (ثم أمره بالعصر، والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة، يعني: في اليوم الثاني). ([158]) اهـ
وقال الإمام أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص236): (قوله r: (ويسقط قرنها الأول)؛ ([159]) فيه إشكال([160]) وذلك: أن قرن الشمس أعلاها، وهو أول ما يبدو منها في الطلوع، وأول ما يسقط منها في الغروب، كما قال r في هذه الرواية في وقت الفجر: (ما لم يطلع قرن الشمس الأول). اهـ
وقال العلامة الوشتاني / في «إكمال إكمال المعلم» (ج2 ص541): (وقرن الشمس الأول أول ما يبدو منها، واحترز به عما يلي الأرض). اهـ
وقال العلامة السنوسي / في «مكمل إكمال الإكمال» (ج2 ص541): (قوله r: (إلى أن يطلع قرن الشمس الأول)؛ هو أول ما يبدو منها، واحترز به مما يلي الأرض). اهـ
قلت: فأول وقت صلاة المغرب، فقد ذكر في الأحاديث «الوقتين» أنه عند اصفرار الشمس، وهي طالعة؛ فهذا الوقت الأول، ثم عند غيبوبتها بالكلية، وفهذا الوقت الثاني، وهذا ظاهر في حديث: عبدالله بن عمرو (مالم تصفر الشمس)، وحديث: بريدة بن حصيب: (لم تخالطها صفرة)، وحديث: عبدالله بن مسعود y: (حتى احمرت الشمس، أو اصفرت». اهـ
قال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج2 ص573)؛ عن آخر وقت العصر: (وبالاصفرار قال جمهور أئمة الفتوى). اهـ؛ يعني: اصفرار الشمس.
وقال العلامة الوشتاني / في «إكمال إكمال المعلم» (ج2 ص543): (وبأنه الإصفرار قال الجمهور). ([161]) اهـ
وقال العلامة الوشتاني / في «إكمال إكمال المعلم» (ج2 ص543): (ولو قيل في الجمع بينهما إن المراد: بالإصفرار الغروب؛ لأنه يعني به مطلق الإصفرار، فاستظهر بجزء من النهار، كما استظهر بإمساك جزء من الليل في الصوم، وإن كان الأكل فيه جائزا، ويشهد بهذا الجمع قوله في «الأم»: (وقت العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول)، فجمع بين الإصفرار([162]) والغروب([163]) لكان للنظر فيه مجال). اهـ
قلت: فقوله r: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس).
قال الإمام الطحاوي / في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص242): (ففي هذا الأثر أن آخر وقتها، حين تصفر الشمس). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص243): (ثبت أن آخر وقتها - يعني: صلاة المغرب - هو غروب الشمس). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص243): (فكان من حجة من ذهب إلى أن آخر وقتها إلى أن تتغير الشمس). اهـ يعني: وهي طالعة.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج3 ص575): (ويدخل وقت العصر؛ إلى أن تصفر الشمس – وهذا وقت اختيار-، وإلى الغروب – وهذا وقت ضرورة -، فإذا غرب حاجب الشمس الأعلى دخل وقت المغرب([164])، إلى أن يغيب الشفق الأحمر؛ يعني: إلى أن يصير مكان الغروب أبيض ليس فيه حمرة). اهـ
قلت: فذكر شيخنا ابن عثيمين / وقتين لصلاة المغرب، فالوقت الأول عند اصفرار قرص الشمس، وهي طالعة، والوقت الثاني عند خفاء قرص الشمس بالكلية، فنأخذ بقوله هذا لأنه موافق للسنة، والآثار، وكفى.
قلت: فإذا اصفر قرص الشمس في جهة المغرب، وهي مرتفعة عن الأرض بيسير قبل أن تختفي بالكلية، فإنه يخرج وقت صلاة العصر، ويدخل وقت صلاة المغرب، وهذا أيضا عند إفطار الصائم.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج3 ص578): (قوله r: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ويسقط قرنها الأول)؛ يفهم منه أن وقت الضرورة ما بين اصفرار الشمس، وسقوط القرن). اهـ
12) وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن رجلا أتى النبي r، فسأله عن مواقيت الصلاة، فقال: (اشهد معنا الصلاة، فأمر بلالا فأذن بغلس، فصلى الصبح حين طلع الفجر، ثم أمره بالظهر حين زالت الشمس عن بطن السماء، ثم أمره بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره بالمغرب حين وجبت الشمس، ثم أمره بالعشاء حين وقع الشفق، ثم أمره الغد فنور بالصبح، ثم أمره بالظهر فأبرد، ثم أمره بالعصر والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة، ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع الشفق، ثم أمره بالعشاء عند ذهاب ثلث الليل، أو بعضه).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (613)، والترمذي في «سننه» (152)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص206)، وفي «السنن الصغرى» (ج1 ص258)، وابن ماجه في «سننه» (667)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج2 ص254)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج2 ص216)، وابن خزيمة في «صحيحه» (323)، وأبو عوانة في «صحيحه» (ج1 ص373)، وابن دقيق العيد في «الإمام» (ج4 ص16 و17)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج2 ص210)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج8 ص26)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص560)، وأبو علي الطوسي في «مختصر الأحكام» (137)، وابن حبان في «صحيحه» (ج4 ص359)، وابن الجارود في «المنتقى» (151)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص148)، وفي «أحكام القرآن» (285)، والروياني في «المسند» (14)، والسراج في «المسند» (974)، وفي «حديثه» (1337)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص262)، وابن الجوزي في «التحقيق» (316)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص349)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص374)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص405) من طريق علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه به.
قلت: فذكر النبي r أولا الغروب الكلي بقوله r: (ثم أمره بالمغرب حين وجبت الشمس)، ثم أمره مرة ثانية بالغروب، والشمس طالعة، وهو نهاية وقت صلاة العصر، بقوله r: (ثم أمره بالعصر، والشمس بيضاء نقية، لم تخالطها صفرة)؛ أي: إذا اصفرت الشمس دخل وقت صلاة المغرب، وهذا يسمى عند العرب غروبا.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج2 ص599): (الصحابة y عرب، ويعرفون اللسان العربي، ويعرفون مدلوله.
فإذا لم يرد عنهم تفسير القرآن، أو السنة بخلاف ظاهرها، فهم قد أخذوا بظاهرها بإجماعهم). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص239): (وإن كان الكلام كلام الله تعالى، وفسره الرسول r.
فالرسول r أعلم الناس بمراد الله عز وجل، فالعقل يقتضي أن نجريه على ظاهره؛ لأن المتكلم به قد علم المعنى، وعبر بما تكلم به). اهـ
13) عن عبد الله بن مسعود t قال: (حبس المشركون رسول الله صلى عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس، أو اصفرت). وهي طالعة.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (628)، وابن ماجه في «سننه» (686)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص392)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص297)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص246)، وفي «المسند» (301)، والترمذي في «سننه» (181)، والطيالسي في «المسند» (364)، والبزار في «المسند» (ج5 ص388)، وأبو نعيم في «المستخرج على صحيح مسلم» (ج2 ص229)، وفي «حلية الأولياء» (ج4 ص165)، و(ج5 ص35)، وأبو يعلى في «المسند» (ج8 ص547)، و(ج9 ص196)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (163)، والطبري في «جامع البيان» (ج2 ص573 و574)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص368)، والسراج في «المسند» (545)، و(546)، والشاشي في «المسند» (ج2 ص301 و302)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج48 ص465)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص174)، وفي «أحكام القرآن» (ج1 ص228)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج4 ص86)، وابن الجوزي في «التحقيق» (348)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص460)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص480)، وفي «إثبات عذاب القبر» (199)، والرافعي في «أخبار قزوين» (ج1 ص125) من طريق زبيد اليامي عن مرة بن شراحيل عن عبد الله بن مسعود t به.
قلت: فقوله: (احمرت الشمس)؛ يعني: وقت غروب الشمس، وهو وقت صلاة المغرب، فبين t أن الشمس وهي طالعة في الأفق، وذلك في رؤيته أن الشمس احمرت واصفرت، وهي في الأفق بيسير عن الأرض، فرآها على هذا المستوى، وهو غروب الشمس الأول.
قلت: فهذه الأحاديث تدل على أن وقت صلاة العصر يمتد إلى غروب الشمس، وهو اصفرار الشمس وهي طالعة في الأفق مرتفعة عن الأرض بيسير بخمس دقائق تقريبا، وهذا الغروب الأول عند العرب، والغروب الثاني عند اختفاء قرص الشمس في الأرض.
قلت: فإذا اصفرت الشمس في الأفق، فإنه يخرج وقت صلاة العصر، ويدخل وقت صلاة المغرب، وهذا أيضا عند إفطار الصائم.
قلت: فوقت المغرب: إذا غربت الشمس، وأفطر الصائم، وقتا واحدا لم يزل عليه النبي r، والصحابة y في حياتهم.
14) وعن أبي سهيل نافع بن مالك الأصبحي عن أبيه مالك بن أبي عامر الأصبحي: (أن عمر بن الخطاب t كتب إلى أبي موسى t: أن صل الظهر، إذا زاغت الشمس، والعصر والشمس بيضاء نقية، قبل أن يدخلها صفرة([165])، وأن صل المغرب إذا غربت الشمس).
أثر صحيح
أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص7)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج1 ص536)، والقعنبي في «الموطأ» (ص84)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص370)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص463)، وفي «الخلافيات» (ج2 ص196 و197)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص6)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص375)، والحدثاني في «الموطأ» (ص43 و44)، وابن بكير في «الموطأ» (ق/13/ط) من طرق عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وله شواهد.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج5 ص4): وهو حديث متصل ثابت عن عمر بن الخطاب t.
وأخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص6 و7)، وعبدالرزاق في «المصنف» (ج1 ص535 و536 و537)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص319)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص328)، وابن أبي أسامة في «المسند» (ج2 ص41 – إتحاف الخيرة)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص6 و7)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص445)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص462)، والقعنبي في «الموطأ» (ص85)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص193)، وهشام بن عمار في «عوالي مالك» (8)، والحنائي في «الحنائيات» (297)، والحدثاني في «الموطأ» (ص59) من طرق عن عمر بن الخطاب t به... فذكره بألفاظ عندهم.
قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج2 ص50): (وكان يعجل الفطر ويحض عليه، ... وكان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء، هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم ... وكان r يفطر قبل أن يصلي).اهـ
15) وعن أيمن المكي قال: (دخلت على أبي سعيد الخدري t، فأفطر على عرق([166])، وأنا أرى أن الشمس لم تغرب). وفي رواية: (فرآه يفطر قبل مغيب القرص!).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص22)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق وكيع.
وأخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج4 ص196- فتح الباري)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص195) من طريق سفيان؛ كلاهما عن عبدالواحد بن أيمن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
وعبدالواحد بن أيمن القرشي، قال ابن معين عنه: «ثقة»، وقال أبو حاتم: «ثقة»، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج7 ص24)، وقال الذهبي في «الكاشف» (ج2 ص191): «ثقة»، وروى له البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه»، وقال البزار: «مشهور ليس به بأس»، وقال النسائي: «ليس به بأس».([167])
وأيمن المكي القرشي، والد عبدالواحد بن أيمن، قال أبو زرعة: «ثقة»، ووافقه الذهبي، وذكره ابن حبان في «الثقات» (ج1 ص47)، وروى له البخاري في «صحيحه»،([168]) وقال ابن حجر في «التقريب» (ص157): «ثقة».
وقال العلامـة الشـيخ الألـبانـي / فـي «مـختصر صحـيح البخاري» (ج1 ص571): (وصله سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة (3/ 12)؛ بسند صحيح). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص196): (وصله سعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه، وقال: (دخلنا على أبي سعيد، فأفطر، ونحن نرى أن الشمس لم تغرب». يعني: لم تغرب بالكلية.
وذكره العيني في «عمدة القاري» (ج9 ص130)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص589).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج3 ص416): (وعن أيمن المكي: «أنه نزل على أبي سعيد الخدري، فرآه يفطر قبل مغيب القرص». رواه سعيد بن منصور). اهـ
قلت: أفطر أبو سعيد الخدري t، وقرص الشمس لم يغيب([169])، بل لم يلتفت إلى موافقة من عنده على ذلك، بل طبق السنة في تعجيل الإفطار، وهذا هو الإتباع الذي يجب أن يتمسك به كل مسلم.([170])
قال الفقيه العيني / في «عمدة القاري» (ج9 ص130)؛ بعدما ذكر أثر أبي سعيد الخدري: (وجه ذلك أن أبا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيدا على ذلك، ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك، فلو كان يجب عنده إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك). اهـ
16) وعن سهيل بن عمرو t قال: (لقد رأيت رسول الله r يفطر في شهر رمضان، ويخيل إلى الشمس لم تغرب من تعجيل فطره).
حديث حسن
أخرجه أبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى» (ج3 ص171) من طريقين عن محمد بن عمر العامري عن ابن مرسا قال: سمعت سهيل بن عمرو t به.
قلت: وهذا سنده حسن، وله شواهد.
فقوله: (ويخيل إلى الشمس لم تغرب)؛ فهذا يدل على أن النبي r يفطر، وقرص الشمس لم يغب بالكلية، وهذا في حكم الغروب المعروف بين العرب، فانتبه.
17) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (إذا طلع حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى ترتفع، وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصـلاة حتى تغيب).([171])
قلت: فذكر النبي r صفة الغروبين في حديث واحد:
الأول: الغروب مع ظهور قرص الشمس؛ بقوله r: (إذا غاب حاجب الشمس)؛ والحاجب: هنا هو: الحاجب الأسفل من قرص الشمس.
الثاني: الغروب الكلي، وهو خفاء قرص الشمس؛ بقوله r: (فأخروا الصلاة حتى تغيب). أي: بالكلية.
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص178): (قوله r: (وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تغيب)؛ أي: عن الصلاة عند بدء القرص في الغروب). اهـ
قلت: ويبدأ نزول قرص الشمس من الأسفل، وهو طالع، وهذا الحاجب السفلي، فسمى النبي r ذلك غروبا؛ إلى أن يغيب؛ أي: يسقط قرص الشمس
بالكلية، وهذا يسمى غروبا أيضا. ([172])
قلت: وقرص الشمس عليه دائرتان:
إحداهما: حمراء، وهي التي تلي القرص، والأخرى بيضاء، وهي بعد الحمراء، والحمراء أول ما تنزل من الأسفل ثم تليها في النزول البيضاء، ثم يلي البيضاء نزول القرص، وهذا كله غروب عند السلف، والخلف.([173])
وهذا يدل على أن غروب الشمس له ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: ارتفاع([174]) قرص الشمس بيسير عن الأرض.
الدرجة الثانية: طلوع نصف قرص الشمس عن الأرض.
الدرجة الثالثة: اختفاء قرص الشمس بالكلية في الأرض.([175])
18) وعن عقبة بن عامر الجهني t قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب). وفي رواية: (وحين تغيب الشمس إلى الغروب حتى تغرب).([176])
فقوله r: (وحين تضيف الشمس للغروب)؛ أي: قاربت الغروب، واقتربت من الأرض بملامسة الحاجب السفلي منها، فسمى ذلك غروبا مع وجودها طالعة، ويفسره اللفظ الآخر في نفس الحديث.([177])
ثم ذكر r: الغروب الكلي الذي هو سقوط القرص، بقوله r: «حتى تغرب» ، وهذا الغروب الثاني للشمس.
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص401): (قوله r: (وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» ؛ قال بعضهم: «حين تضيف الشمس للغروب)؛ أي: حين يغيب حاجبها الأسفل، فيكون مدة هذا الوقت ما بين شروع قرنها الأسفل في الغروب إلى أن يتم غروب قرنها الأعلى). اهـ
وقال الإمام أبو عبيد / في «غريب الحديث» (ج1 ص19): (معناه: إذا مالت للغروب، يقال منه: ضافت تضيف إذا مالت، وضفت فلانا؛ أي: ملت إليه ونزلت به). اهـ
وقال الحافظ أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص459): (قوله r: (حين تضيف الشمس للغروب)؛ أي: تميل للغروب، يقال: ضافت، تضيف؛ إذا مالت). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص183): (من بعد صلاة العصر إلى أن تضيف الشمس للغروب، فقيل: إلى أن يبدو قرصها بالغروب، وقيل: إلى أن يكون بينها، وبين الغروب مقدار رمح، قياسا على أول النهار، وهذا ظاهر حديث: (وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب)).([178]) اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص401)؛ عن ارتفاع الشمس عن حدبة الأرض في الغروب: (قوله r: (حين تضيف)؛ حين يبقى بينها، وبين الغروب([179]) مقدار رمح([180])، من أجل أن تتساوى مع النهي حين طلوعها). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص394): (فهي: من الفجر إلى أن تطلع الشمس، ومن طلوعها إلى ترتفع قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، ومن صلاة العصر حتى يبقى بينها، وبين الغروب مقدار رمح، ومن ذلك الوقت إلى الغروب). اهـ
ويؤيد هذا التفسير:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها).([181]) وفي رواية: (ولا عند غروبها).
فقوله: (ولا غروبها»)(ولا عند غروبها)، أي: المقصود قبل الغروب الكلي، لأن النهي عن الصلاة النافلة عند بدء القرص في الغروب، كما في الرواية: (ولا عند غروبها)؛ لأنه الوقت الذي يسجد فيه الكفار للشمس؛ كالمودعين لها، وعند ظهورها يسجدون؛ كالمستقبلين لها، فالنبي r سمى ذلك: غروبا، بقوله r: (ولا غروبها).
والرواية الثانية أوضح: (ولا عند غروبها)؛ أي: في أثناء غروبها.
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص178)؛ عن النهي عن الصلاة حتى تغرب: (ولكنه نهى عن ذلك؛ أي: عن الصلاة عند بدء القرص في الغروب؛ لأنه الوقت الذي يسجد فيه الكفار للشمس؛ كالمودعين لها، وعند ظهروها يسجدون؛ كالمستقبلين لها). اهـ
وقال العلامة ابن باز / في «تعليقه على صحيح البخاري» (ج2 ص175): (وهذا أمر متواتر عن النبي r، والسر أن أمة من المشركين يعبدون الشمس، فنهى عن ذلك لما فيه من التشبه، وسدا للذريعة، والوقت الضيق أشد عند الطلوع، وعند الغروب([182])، ويستثنى من ذلك عند العلماء الفائتة لقوله r: (من نام عن الصلاة...)، وهكذا على الصحيح ما كان لها سبب؛ لأنه يكون بعيد عن التشبه). اهـ
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص62): (عند طلوع الشمس وعند غروبها). اهـ
19) وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: (إذا طلع حاجب الشمس، فدعوا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس، فدعوا الصلاة حتى تغيب، ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان).([183])
قلت: فسماه النبي r غروب الشمس، مع أنه الوقت المنهي عنه قبيل([184]) غروبها، لقوله r: (إذا غاب حاجب الشمس)؛ مع قوله r: (ولا غروبها)، وهذا عين الغروب.([185])
والحاجب الأعلى هو: أول ما يبدو من طلوع الشمس، والحاجب الأسفل هو: أول ما يغيب من الشمس عند الغروب.
قال الحافظ أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج2 ص458): (وحاجب الشمس، أو ل ما يبدو منها في الطلوع، وهو أول ما يغيب منها). اهـ
أي: حاجب الشمس السفلي.
وقال الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج3 ص180): (قوله r: (إذا بدا حاجب الشمس)؛ بدا: هنا غير مهموز؛ أي: ظهر وارتفع، وحاجبها أول ما يظهر منها، وهو الصحيح، وقيل قرناها أعلاها، وحواجبها نواحيها([186]». اهـ
قلت: فحاجب الشمس السفلي هو: طرف قرص الشمس الأسفل الذي يلامس الأرض عند الغروب، وهي طالعة، وهذا غروب عند الصحابة الكرام.
قال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج2 ص261): (وفي الحديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وغروبها، وهو مجمع عليه في الجملة، واقتصر فيه على حالتي الطلوع والغروب). اهـ
وبوب الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج6 ص266): باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها.
قلت: فسمى النووي / ذلك غروبا، وهو قبل غروب الشمس بالكلية.
ويؤيده:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (إذا بدا حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تغيب).([187])
قلت: فذكر النبي r حاجبين للشمس؛ الحاجب الأعلى، والحاجب الأسفل.
قلت: قوله r: (لا تحروا)؛ أي: لا تقصدوا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا وغروبها.
وهذا الحديث مفسر للسابق، أي: لا تكره الصلاة بعد الصلاتين؛ إلا لمن قصد طلوع الشمس وغروبها.
فإذا صلى عبد فريضة أو غيرها في هذا الوقت، فهذا غير قاصد بصلاته عند طلوع الشمس ولا عند غروبها([188])، فافطن لهذا.
20) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: (لا تتحروا طلوع الشمس ولا غروبها، فتصلوا عند ذلك).([189])
21) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (نهى رسول الله r أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها).([190])
فقولها: (وغروبها)؛ أي: الغروب الذي قبل الغروب الثاني؛ أي: قبل اختفاء قرص الشمس، لأن النهي عن الصلاة في هذا المستوى من الشمس، أي: وهي طالعة، قبل أن تغرب بالكلية، وهذا واضح من الأدلة السابقة أيضا.
وبوب الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج2 ص366): باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها.
قلت: وفي هذه الأحاديث ذكر العلماء الغروبين معا.
قلت: والمنع من الصلاة في طلوع الشمس وغروبها، فقط للنوافل، وأما تأدية الفرائض، وما لها سبب، فيجوز الصلاة في النهي، لأنه يكون بعيد عن التشبه بعبادة الكفار للشمس عند الطلوع، وعند الغروب، ولأن المقصود من النهي في الأحاديث تأدية صلاة التطوع([191])، فانتبه.
قال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج3 ص203)؛ عن النهي: (وهذا كله عندنا، وعند جمهور العلماء فى النوافل). اهـ
وقال الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج3 ص178): (التنفل في هذين الوقتين لغير سبب منهي عنه). اهـ
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص398): (قوله r: (لا تحروا) أن من لم يتحر الصلاة في هذا الوقت، وإنما صلى لسبب معلوم، فلا بأس.
ووجه ذلك: أن الرجل إذا تحرى الصلاة في هذا الوقت صار مشبها للكافرين الذين يسجدون عند طلوع الشمس وعند غروبها، فإذا كان للصلاة سبب زال هذا المحذور؛ إذ إن الصلاة في هذه الحال حيث كان لها سبب فتسند إلى السبب، ويتبين فيها جليا: أنه لا مشابهة، وأنه لولا هذا السبب ما صلى.
وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمهم الله جميعا). اهـ
قلت: فما كان ذا سبب، فإن المصلي إذا قام به لا يعد متحريا لطلوع الشمس وغروبها. ([192])
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج4 ص395): (قد دلت السنة على جواز فعل ذوات الأسباب في وقت النهي، وأن كل صلاة لها سبب؛ فلا حرج أن تصليها وقت النهي؛ كتحية المسجد، وصلاة الراتبة إذا فاتت؛ كما لو فاتته راتبة الفجر فيصليها بعد الصلاة؛ وكما لو فاتته راتبة الظهر، وقد جمع إليها العصر؛ فإنه لا بأس أن يصلي راتبة الظهر بعد صلاة العصر؛ لأن ذلك له سبب). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص176): (ويستثنى من ذلك عدة أمور:
أولا: إذا حضر مسجد الجماعة بعد أن صلى الصبح فإنه يصلي معهم؛ لأن النبي r صلى ذات يوم صلاة الصبح في مسجد «الخير» في منى، فلما انصرف إذا برجلين لم يصليا، فقال: (ما منعكما؟) قالا: يا رسول الله، صلينا على رحالنا. قال: (ذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافل).
ثانيا: سنة الفجر بعد صلاة الفجر؛ فإنه يروى عن النبي r من حديث قيس بن فهد: (أنه رآه يصلي بعد الفجر فنهاه أو استفهمه، فقال: هما الركعتان قبل الفجر)؛ فأقره.
ثالثا: ركعة الطواف؛ لعموم حديث: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت، وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار).
رابعا: الصلاة الفائتة؛ لقول النبي r: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها)، فلو ذكرت بعد صلاة الفجر أنك صليت البارحة العشاء بلا وضوء فإنك تصليها قضاء بعد صلاة الصبح؛ لعموم الحديث.
خامسا: سنة الظهر إذا جمعت إليها العصر؛ لأنه يصلي الركعتين اللتين بعد الظهر يصليها بعد العصر المجموعة.
سادسا: إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب، وصادف ذلك - أي: وقت النهي- عند قيام الشمس فإنه يصلي الركعتين.
فهذه ستة أشياء مستثناة على المشهور من المذاهب.
والصواب: أن جميع ماله سبب مستثنى، وأن ماله سبب فهو جائز، ودليل ذلك:
أن الرسول r قاله في حديث ابن عمر: (لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها)، فدل هذا على: أن النهي إنما يكون على من صبر وانتظر حتى إذا كان عند شروق الشمس أو غروبها قام فصلى؛ لأنه في هذه الحال يشبه حال الكفار الذين يسجدون لها إذا طلعت، وإذا غربت). اهـ
22) وعن أنس بن مالك t: (أن رسول الله r خطب أصحابه ذات يوم وقد كادت الشمس أن تغرب، فلم يبق منها إلا شيء يسير وفي راوية: [إلا شف يسير]، فقال: والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما، مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه، وما نرى من الشمس إلا يسيرا).([193])
والشاهد: «إلا شيء يسير ... وما نرى من الشمس إلا يسيرا»؛ وهذا بمعنى الغروب عند العرب.([194])
والشف: بقية النهار لما يرى من يسير من الشمس، لقوله: «وما نرى من الشمس إلا يسيرا»؛ أي: قد بقيت منها بقية، وهذا في حكم الغروب عند العرب.
وشفا كل شيء حرفه، قال تعالى: ]وكنتم على شفا حفرة[ [آل عمران: 103].
قال الحافظ ابن الأثير / في «النهاية» (ج2 ص271): (وفي حديث أنس t (أن النبي r خطب أصحابه يوما، وقد كادت الشمس تغرب ولم يبق منها إلا شف)؛ أي شيء قليل. الشف والشفا والشفافة: بقية النهار).اهـ
وقال اللغوي الرازي / في «مختار الصحاح» (ص145): (يقال للرجل عند موته، وللقمر عند امحاقه، وللشمس عند غروبها ما بقي منه إلا شفا؛ أي: قليل).اهـ
وقال الإمام الحربي / في «غريب الحديث» (ج2 ص818): (قال أبو نصر: يقال: بقي من الشمس شفا: أي شيء([195])). اهـ
وقال الإمام الحربي / في «غريب الحديث» (ج2 ص819): (سمعت ابن الأعرابي يقول: أشفت الشمس على الغيوب, وشفت وضرعت, وضجعت, ودلكت).اهـ
وقال ابن منظور / في «لسان العرب» (ج19 ص166): (شفت الشمس تشفو: قاربت الغروب). اهـ
قلت: وهذا يعني أنها غربت، ودخل وقت صلاة المغرب، ووقت إفطار الصائم.
قال القلقشندي / في «صبح الأعشى» (ج2 ص367): (أما الطبيعي: فالليل من لدن غروب الشمس، واستتارها بحدبة الأرض إلى طلوعها، وظهورها من الأفق، والنهار من طلوع نصف قرص الشمس من المشرق إلى غيبوبة نصفها في الأفق في المغرب، وسائر الأمم يستعملونه كذلك.
وأما الشرعي: فالليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني، وهو المراد بالخيط الأبيض من قوله تعالى: ]وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر [ [البقرة: 187]، والنهار من الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وبذلك تتعلق الأحكام الشرعية من الصوم، والصلاة، وغيرهما). اهـ
23) وعن حاجب بن عمر قال: كنت أسمع الحكم بن الأعرج يسأل: درهما أبا هند؟([196]) فيقول درهم: (كنت أقبل من السوق فيتلقاني الناس منصرفين، قد صلى بهم معقل بن يسار t؛ فأتمارى غربت الشمس، أو لم تغرب).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص329) من طريق معاذ بن معاذ، عن حاجب بن عمر به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وهذا الصحابي معقل بن يسار المزني t ([197]) يصلي بالناس، ولم تغرب الشمس بالكلية، مما يدل على أن وجود قرص الشمس، أو بعضه يسمى غروبا عند السلف.
24) وعن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (كان عبد الله t، يصلي المغرب، ونحن نرى أن الشمس طالعة قال: فنظرنا يوما إلى ذلك فقال: ما تنظرون؟ قالوا: إلى الشمس، قال عبد الله: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة، ثم قال: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]، فهذا دلوك الشمس).
أثر صحيح
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص274)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص489) من طريق جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، وعمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين، وقد صححه العيني في «نخب الأفكار» (ج3 ص23)، والدارقطني في «العلل» (ج5 ص214).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، بهذه السياقة، ووافقه الذهبي.
وبهذا الوجه ذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (12856).
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص154 و155) من طريق حفص بن غياث عن الأعمش قال: ثنا إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وفي آخره ذكر حفص بن غياث: (أنه قيل للأعمش: قيل حدثكم عمارة أيضا؟ قال: نعم). وهذا تصريح بالتحديث من الأعمش من إبراهيم، وعمارة، ثم عنعنة الأعمش عن شيوخ أكثر عنهم تحمل على السماع، مثل: إبراهيم النخعي، وغيره، وهذه الرواية منها([198])، فتفطن لذلك.
قال الذهبي / في «الميزان» (ج2 ص224)؛ عن الأعمش: (وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف، ولا يدري به، فمتى قال: حدثنا فلا كلام، ومتى قال: «عن» تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان؛ فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال). اهـ
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9131) من طريق زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: «صلى عبد الله المغرب، فلما انصرف جعلنا نلتفت، فقال: ما لكم تلتفتون؟ قلنا: نرى أن الشمس طالعة، فقال: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة، ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل».
وإسناده صحيح.
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص50)؛ ثم قال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
وأخرجه المخلص في «المخلصيات» (1594) من طريق ابن نمير قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عبدالرحمن بن يزيد قال: (صلينا مع عبد الله t المغرب، فجعلنا نلتفت ننظر نرى أن الشمس طالعة، فقال عبد الله t: ما تنظرون؟ قالوا: نرى أن الشمس طالعة، فقال: هذا والذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة، ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] وقال: هذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل).
وإسناده صحيح.
قلت: فهذا ابن مسعود t يرى أن الشمس قد غربت، وهي لم تغب بالكلية، وهذا الغروب عند العرب من وجه.
واحتج عليهم ابن مسعود t بقوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ والدلوك: الميل، وهذه الشمس قد مالت جهة المغرب، وكادت أن تغيب، ولم تغب فهذا يسمى غروبا أيضا عند العرب.
فالشاهد: (ونحن نرى أن الشمس طالعة)؛ فهذا يسمى غروبا عند العرب، ولذلك اعتبر ابن مسعود t أن هذا المستوى للشمس من الأرض دخول وقت صلاة المغرب؛ لأنها مالت إلى جهة الغروب، وأوشكت أن تلامس الأرض، فصلى صلاة المغرب؛ لأن وقتها دخل شرعا، وصلى خلفه أصحابه، وهم فقهاء الأمة من التابعين، ولم ينكر أحد منهم عليه، ولم يتخلفوا عن الصلاة خلف ابن مسعود t، فافهم لهذا ترشد.
وقد تبين في لفظ قال: (صلى ابن مسعود بأصحابه المغرب حين غربت الشمس)؛ مع أنها كانت طالعة في اللفظ الأول.
أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص155) من طريق أبي الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: قال: عبد الرحمن بن يزيد: «صلى ابن مسعود بأصحابه المغرب حين غربت الشمس, ثم قال: هذا، والذي لا إله إلا هو، وقت هذه الصلاة».
وإسناده صحيح، وهذا الحديث؛ هو الحديث الأول سواء بسواء كلاهما من رواية عبد الرحمن بن يزيد، فافطن لهذا.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص154 و155) من طريق عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، عن الأعمش، قال: ثنا إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (صلى عبد الله بأصحابه صلاة المغرب, فقام أصحابه يتراءون الشمس؛ فقال: ما تنظرون؟ قالوا ننظر, أغابت الشمس([199]). فقال عبد الله: هذا, والله الذي لا إله إلا هو وقت هذه الصلاة , ثم قرأ عبد الله ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] وأشار بيده إلى المغرب فقال: هذا غسق الليل، وأشار بيده إلى المطلع, فقال: هذا دلوك الشمس).
وإسناده صحيح.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص136)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9132) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (صلى عبد الله ذات يوم، وجعل رجل ينظر هل غابت الشمس؟ فقال عبد الله: ما تنظرون هذا؟ والله الذي لا إله غيره ميقات هذه الصلاة؛ يقول الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل).
وإسناده صحيح، وليس اختلافا على الأعمش بل للأعمش فيه شيخان: وهما: عمارة بن عمير، وإبراهيم النخعي، وكلاهما يرويه عن عبد الرحمن بن يزيد.
وذكر لفظه الدارقطني في «العلل» (ج5 ص213 و214)؛ من حديث عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله t: (أنه صلى المغرب فلما انصرف جعلنا نتلفت فقال ما لكم، قلنا نرى أن الشمس طالعة؛ فقال: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة؛ ثم قرأ: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78]؛ ثم قال: يرويه الأعمش واختلف عنه؛
فرواه زائدة، وجرير، وابن مسهر، والثوري، وأبو شهاب، وأبو معاوية ومندل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله.
وخالفهم شعبة: فرواه عن الأعمش، عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد.
ورواه حفص بن غياث، عن الأعمش بتصحيح القولين جميعا؛ فقال: عن إبراهيم وعمارة عن عبد الرحمن بن يزيد؛ فصحت الأقاويل كلها.
ورواه سلمة بن كهيل، وإبراهيم بن مهاجر عن عبد الرحمن بن يزيد، وهو صحيح عنه). اهـ
وأخرجه الدارقطني في «العلل» (ج5 ص215) من طريق زفر، عن أشعث عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (كنت مع عبد الله بن مسعود فلما غربت الشمس قال هذا والذي لا إله إلا غيره حين حل لكل أكل ثم نزل فصلى المغرب ثم أقسم أن هذا وقتها).
قال الدارقطني: ورواه سلمة بن كهيل، وإبراهيم بن مهاجر عن عبد الرحمن بن يزيد وهو صحيح عنه.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص136)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9134)، و(9137) من طريقين عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد به.
وأخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص135)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9133) من طريق هشيم عن الشيباني سليمان بن أبي سلميان عن عبد الرحمن بن الأسود عن عمه عبد الرحمن بن يزيد به.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص311): وإسناده صحيح.
قال الإمام العيني / في «نخب الأفكار» (ج3 ص213): (أي قد روي ما ذكرنا من أن وقت المغرب عقب غروب الشمس أيضا عن الصحابة، فأخرج ذلك عن أربعة منهم، وهم: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وعثمان بن عفان y... وأما أثر عبد الله بن مسعود؛ فأخرجه من أربع طرق صحاح:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن عمر بن حفص أحد مشايخ البخاري ومسلم، عن أبيه حفص بن غياث بن طلق، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي.
وأخرجه البيهقي في سننه بإسناده: عن الأعمش، عن إبراهيم وعمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (كان ابن مسعود يصلي المغرب، ونحن نرى أن الشمس طالعة، قال: فنظرنا يوما إلى ذلك، فقال: ما تنظرون؟ قالوا: إلى الشمس، فقال عبد الله: هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة، ثم قال: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ فهذا دلوك الشمس).
قوله: (هل حدثكم عمارة أيضا؟ قال: نعم)؛ أراد أنهم سألوا الأعمش أن أثر ابن مسعود هذا حدثكم به عمارة أيضا؟ قال: نعم.
وأخرجه الطبراني بهذا الإسناد: ثنا محمد بن علي الصائغ، ثنا سعيد بن منصور، ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (صلى عبد الله ذات يوم، فجعل رجل ينظر، هل غابت الشمس؟ فقال: ما تنتظرون؟! هذا والذي لا إلا غيره ميقات هذه الصلاة، فيقول الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[؛ فهذا دلوك الشمس، وهذا غسق الليل). اهـ
قلت: ولا شك أن تفسير ابن مسعود t مقدم على تفسير غيره من الصحابة في هذا الباب، بالإضافة إلى موافقته لتفسير السنة النبوية أيضا، وآثار الصحابة الكرام في غروب الشمس في هذا المستوى من الأرض بطلوعها؛ أي: بارتفاعها عن الأرض من جهة الغروب.([200])
قلت: والتفسير الذي له حكم المرفوع دون تصريح برفع، فهو أن يفسر الصحابي الآية بلفظه، فيما ليس فيه مجال اجتهاد، دون أن يصرح برفع التفسير إلى النبي r.
ومنه: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص477)؛ عن عبد الله بن مسعود t؛ في تفسير: قوله تعالى: ]لقد رأى من آيات ربه الكبرى[ [النجم: 18]، قال: (رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء).
قلت: رأى r جبريل عليه السلام على رفرف أخضر؛ أي: في حلة من رفرف، وهو الديباج الرقيق الحسن الصنعة.([201])
قلت: ولنترك ابن مسعود t يتحدث عن نفسه في مجال التفسير.
فعن مسروق، قال: قال عبد الله بن مسعود t: (والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه).([202])
وعن شقيق بن سلمة، قال: قال ابن مسعود t فقال: (والله لقد أخذت من في رسول الله r بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي r أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم).
قال شقيق: (فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك).([203])
وعن أبي الأحوص، قال: (كنا في دار أبي موسى مع نفر من أصحاب عبد الله، وهم ينظرون في مصحف، فقام عبد الله، فقال أبو مسعود: ما أعلم رسول الله r ترك بعده أعلم بما أنزل الله من هذا القائم، -يعني: ابن مسعود- فقال أبو موسى: أما لئن قلت ذاك، لقد كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا).([204])
قلت: فمثل هذا حري أن يقدم تفسيره للآية الكريمة، وهي ]أقم الصلاة لدلوك الشمس [ [الإسراء: 78].
إذا: فتبين أن مراد الآية الكريمة: بأن «الدلوك: الميل»؛ أي: ميل الشمس في جهة الغروب.
قلت: فمجرد ميل الشمس إلى جهة الغروب يشعر بغروبها؛ أي: عقب الميل يسمى غروبا، وإن لم تغب بالكلية.
قلت: فهذا تفسير ابن مسعود t للآية: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس[ [الإسراء: 78]، فإن الدلوك في الآية يسمى زوالا.
ولا يتنافى هذا التفسير مع زوال الشمس في الظهيرة؛ لأن الآية تعني: أيضا زوال الشمس في وقت الظهر، وذلك لأن معنى الدلوك هو: الميل، فعند زوال الشمس يسمى ميلا، وعند غروب الشمس يسمى ميلا، فانتبه.([205])
وهذا من اختلاف التنويع، فيكون معنى الدلوك: الزوال، والغروب، فافهم لهذا ترشد.([206])
25) وعن الأسود بن يزيد النخعي قال: (كنت جالسا مع عبد الله t في بيته، فوجبت الشمس، فقال عبد الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78] ثم قال: هذا والله الذي لا إله غيره، حين أفطر الصائم، وبلغ وقت هذه الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص136) من طريق علي بن مسهر، عن الشيباني، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص226)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص252) من طريق أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الأسود قال: (كان عبد الله t يصلي المغرب حين تغرب الشمس، ويقول: هذا والذي لا إله إلا هو وقت هذه الصلاة).
وإسناده صحيح.
وأخرجه الحربي في «غريب الحديث» (ج2 ص879) من طريق أبي السائب, حدثنا وكيع, عن عمرو بن حسان, أخبرني عبد الرحمن بن الأسود, عن أبيه: (أن عبد لله بن مسعود t نظر إلى الشمس حين غربت ونشأ الليل فقال: هذا وقت المغرب).
وإسناده صحيح.
تنبيه: عن أبي عبيدة بن عبد الله، يقول: (كان ابن مسعود t يصلي المغرب إذا غاب حاجب الشمس([207]) ويحلف: والذي لا إله غيره إنه للوقت الذي قال الله عز وجل ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل[ [الإسراء: 78])، وفي رواية: (إن عبد الله بن مسعود: يصلي المغرب حين يغرب حاجب الشمس).
أثر ضعيف
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج1 ص553)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص137)، والبيهقي في «معرفة السنن» (ج2 ص196)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص230)، ومسدد في «المسند» (ج2 ص65-إتحاف الخيرة)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص24) من طرق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع أبا عبيدة بن عبد الله به.
قلت: وهذا سنده ضعيف، فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئا، وكان يوم توفى أبوه ابن سبع سنين، فلم يدركه أيضا للتحديث عن أفعاله([208])، فنتبه.
لذلك قال البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج2 ص65): هذا إسناد رجاله ثقات.
وأخرجه مجاعة بن الزبير في «حديثه» (ص95)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص24) من طريق قتادة عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود به.
قلت: وهذا سنده ضعيف كسابقه.
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج15 ص24) من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: قد ذكر لنا أن ابن مسعود t ... فذكره.
قلت: وهذا من باب الاختلاف على ابن مسعود t.
وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج1 ص553) من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن بعض أصحاب ابن مسعود به.
قلت: وهذا سنده ضعيف لجهالة أصحاب ابن مسعود، فهو منقطع.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9138) من طريق عمرو بن مرة.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9942) من طريق يحيى بن أبي كثير؛ كلاهما عن أبي عبيدة بن عبد الله به.
وإسناده ضعيف كما سبق.
26) وعن ابن مسعود t، قال: (دلوك الشمس: غروبها، تقول العرب إذا غربت الشمس: دلكت الشمس). وفي رواية: (دلوك الشمس حين تغيب).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص384)، وفي «المصنف» (2096)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص235 و236)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص323)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص363)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص22)، وابن وهب في «تفسير القرآن» (ج1 ص137)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9128)، و(2129) و(9130)، و(9136)، و(9137)، و(9138)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2341)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص135 و136)، وابن مردويه في «تفسير القرآن» (ج9 ص410-الدر المنثور)، والبغوي في «الجعديات» (2313)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص155)، والدارقطني في «العلل» (ج5 ص214)، والبيهقي في «معرفة السنن» (2356)، و(2357) من طرق عن ابن مسعود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص311)؛ ثم قال: وإسناده حسن.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص410)، وابن حجر في «إتحاف المهرة» (282)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج6 ص120)، والواحدي في «الوسيط» (ج3 ص120).
قال الثعلبي / في «تفسيره» (ج6 ص120): (ودليل هذا التأويل: حديث عبد الله بن مسعود t: (إنه كان إذا غربت الشمس صلى المغرب، وأفطر إن كان صائما)، ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو أن هذه الساعة لميقات هذه الصلاة؛ وهي التي قال الله: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس [ [الإسراء: 78]). اهـ
27) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (دلوكها: غروبها).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص384 و385)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (6328)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص23) من طريق سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره الواحدي في «الوسيط» (ج3 ص120)، والبغوي في «معالم التنزيل» (ج3 ص128).
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (6336) من طريق سعيد بن جبير عن عبد الله، وابن عباس رضي الله عنهما قالا: (دلوكها حين تغرب).
وإسناده صحيح، وسعيد بن جبير لم يدرك ابن مسعود، لكن الأثر الذي قبله يشهد له.
قال ابن المنذر في «الأوسط» (ج1 ص14): وقد روينا عن علي، وابن مسعود، وجماعة أنهم قالوا: دلوكها: غروبها.
28) وعن علي بن أبي طالب t، قال: (دلوكها: غروبها).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص336)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2342)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج9 ص411-الدر المنثور)، وفي «الأوسط» (ج1 ص14) من طريقين عن علي بن أبي طالب t.
قلت: وهذا سنده حسن.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص411)، والواحدي في «الوسيط» (ج3 ص120).
29) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (دلوكها: زوالها).
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص183)، وابن المنذر في «الأوسط» (937)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص364)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص25)، وابن وهب في «تفسير القرآن» (ج1 ص137)، والطبراني في «المعجم الكبير» (1371)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (6334) من طريق حصين، وأبي كدينة، وهشيم، وشعبة، وأبي عوانة، وخالد بن عبد الله عن مغيرة عن الشعبي عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص412)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج6 ص120).
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج5 ص27) من طريق الزهري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (دلوك الشمس: زيغها بعد نصف النهار).
وهذا إسناد منقطع؛ لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس.
انظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج1 ص23).
وأخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص11)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص235)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص10)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (ص345)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص358)، والقعنبي في «الموطأ» (ص88)، والحدثاني في «الموطأ» (ص62) من طريق داود بن حصين قال: أخبرني مخبر أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول: (دلوك الشمس، إذا فاء الفيء).
قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (ج1 ص271): (المخبر ههنا عكرمة ... وكان مالك يكتم اسمه لكلام سعيد ابن المسيب فيه).
فإن كان المخبر هو: «عكرمة مولى ابن عباس»؛ فإن رواية داود بن الحصين عن عكرمة متكلم فيها.
انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج8 ص380 و380).
30) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (دلوك الشمس: زوالها). وفي رواية: (دلوك الشمس: زياغها بعد نصف النهار). وفي رواية: (دلوك الشمس: ميلها). أي: وقت الزوال.
أثر صحيح
أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص11)، وعبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص384)، وفي «المصنف» (ج1 ص534)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص10)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص236)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص322)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص25)، والقعنبي في «الموطأ» (ص87)، وأبو الجهم في «جزئه» (ص42)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص364)، وابن بكار في «حديثه» (ص170)، والحدثاني في «الموطأ» (ج92)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (ص345) من طريق نافع، وسالم بن عبد الله به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص412).
وقال البزار في «المسند» (ج12 ص257): وهذا الحديث إنما يروى موقوفا عن ابن عمر رضي الله عنهما.
31) وعن مجاهد / قال: (دلوكها: زيغها حين تزيغ).
أثر صحيح
أخرجه آدم بن أبي إياس في «التفسير» (ص440) من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره الثعلبي في «الكشف والبيان» (ج6 ص120).
32) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (دلوك الشمس: ميلها).
أثر حسن لغيره
أخرجه محمد بن الحسن في «الموطأ» (ص345) من طريق مالك عن داود بن الحصين عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات، ودواد بن الحصين يروي عن عكرمة كما في رواية.
قال ابن العربي / في «أحكام القرآن» (ج3 ص1219): (وقد روى مالك في «الموطأ» عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: دلوك الشمس: ميلها). اهـ
وقال الإمام محمد بن الحسن / في «الموطأ» (ص345): (هذا قول ابن عمر، وابن عباس، وقال: عبد الله بن مسعود دلوكها: غروبها، وكل حسن). اهـ
33) وعن الحسن البصري / قال: في قوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس [ [الإسراء: 78]، قال: (دلوك الشمس إذا زالت عن بطن السماء، وكان لها فيء في الأرض).
أثر حسن لغيره
أخرجه ابن وهب في «تفسير القرآن» (ج2 ص120) من طريق الليث بن سعد أن الحسن البصري به.
قلت: وهذا سنده لا بأس به.
وذكره الثعلبي في «الكشف والبيان» (ج6 ص120).
قال الواحدي / في «الوسيط» (ج3 ص120): (قوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس[؛ دلوك الشمس زوالها، وميلها في وقت الظهر، وكذلك ميلها للغروب هو دلوكها أيضا، قال المبرد: دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها عند العرب). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى – قسم التفسير» (ج15 ص11): (مثال ذلك: قوله تعالى: ]أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل [ [البقرة: 187]، فسر: «الدلوك» بالزوال، وفسر: بالغروب، وليس بقولين؛ بل اللفظ يتناولهما معا؛ فإن الدلوك: هو الميل، ودلوك الشمس ميلها، ولهذا الميل: مبتدأ ومنتهى، فمبتدؤه الزوال، ومنتهاه الغروب، واللفظ متناول لهما بهذا الاعتبار). اهـ
قلت: فالآية عامة من ذلك كله، وهي دالة على معنيين.
أحدهما: الزوال.
والثاني: الغروب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى – قسم التفسير» (ج15 ص11): (هذا استعماله في حقيقته المتضمنة للأمرين جميعا، فتأمله فإنه موضوع عظيم النفع، وقل ما يفطن له، وأكثر آيات القرآن دالة على معنيين فصاعدا فهي من هذا القبيل).([209])اهـ
قلت: فمعنى الدلوك في كلام العرب الزوال والميل عند الظهيرة، وعند الغروب.([210])
34) وعن أنس بن مالك t قال: (ما أعرف فيكم اليوم شيئا كنت أعهده على عهد رسول الله r، ليس قولكم: لا إله إلا الله، قال: قلت: يا أبا حمزة الصلاة؟ قال: قد صليتم حين تغرب الشمس، أفكانت تلك صلاة رسول الله r؟ قال: فقال: على أني لم أر زمانا خيرا لعامل من زمانكم هذا، إلا أن يكون زمانا مع نبي).، وفي رواية: (إنكم تصلون الظهر مع المغرب، أهكذا كان رسول الله r يصلي؟!).
حديث صحيح
أخرجه أحمد في «الـمسند» (13861)، وابن الـمبارك في «الزهد» (1512)، وأبويعلى في «الـمسند» (3330)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (1723)، و(1724)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (3195) من طريق عفان، وعبدالله بن المبارك، وهدية بن خالد؛ كلهم عن سليمان بن الـمغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك t به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط مسلم.
وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج3 ص56).
والشاهد: قوله t: (قد صليتم حين تغرب الشمس)؛ يعني: صلوا صلاة العصر مع غروب الشمس، وهي طالعة كما بين أنس بن مالك t.
قلت: وسبب قول أنس بن مالك t هذا أن بعض الأمراء كان يؤخر صلاة الظهر، والعصر إلى آخر وقتها، وهذا هو الغروب مع أن الشمس طالعة بجهة المغرب، لأن هم يستحيل أن يصلوا صلاة العصر والشمس قد غربت بالكلية فلا ترى، فهم صلوا صلاة الظهر والعصر متأخرة في وقت غروب الشمس، وهي طالعة، فسماه أنس بن مالك t غروبا مع أن الشمس لم تغرب بالكلية، وقرصها يرى في الأفق.([211])
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (529)، و(530)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج13 ص366)، و(ج15 ص70)، وأبو يعلى في «الـمسند» (4149)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج2 ص208) من طريق غيلان بن جرير، وحصين بن عبدالله، والزهري، ومعاوية بن قرة؛ أربعتهم عن أنس بن مالك t قال: (ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبي r، قيل: الصلاة، قال: أليس صنعتم ما صنعتم فيها).
وفي رواية: (لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت).
وبوب الحافظ البخاري في «صحيحه» (ج2 ص13): (باب تضييع الصلاة عن وقتها).
قلت: وهذا يدل على أن صلاة الظهر ضيعت، لأنه جعلت في وقت غروب الشمس، وهذا وقت صلاة المغرب!.
قال الإمام العيني / في «عمدة القاري» (ج4 ص159): (باب تضييعالصلاة عن وقتها؛ أي: هذا باب في بيان تضييع الصلوات عن وقتها، وتضييعها: تأخيرها إلى أن يخرج وقتها، وقيل: تأخيرها عن وقتها المستحب، والأول أظهر؛ لأن التضييع إنما يظهر فيه). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص13): (قوله: (قيل الصلاة)؛ أي: قيل له الصلاة هي شيء مما كان على عهده r، وهي باقية، فكيف يصح هذا السلب العام؟، فأجاب: بأنهم غيروها أيضا بأن أخرجوها عن الوقت). اهـ
قال أبو عبد الرحمن الأثري: كيف لو أن أنس بن مالك t أدرك زماننا، ويرى كيف ضيعت أوقات الصلوات كلها عن طريق الفلكيين، لطار لبه!، فليبكي الناس على تضييع أوقات الصلوات المفروضة، اللهم غفرا.
فعن الزهري قال: (دخلت على أنس بن مالك t بدمشق، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (530)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج2 ص308).
وأخرجه أحمد في «الـمسند» (11977)، وأبو يعلى في «الـمسند» (4184)، والترمذي في «سننه» (2447) من طريق زياد بن الربيع ، ومحمد بن عبدالله بن بزيع عن ابن عمران الجوني يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: (ما أعرف شيئا اليوم مما كنا عليه على عهد رسول الله r. قال: قلنا له: فأين الصلاة؟ قال: أولم تصنعوا في الصلاة ما قد علمتم).
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج3 ص57).
ويؤيد ذلك: ما أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج2 ص13-فتح الباري) من طريق عبدالرحمن بن العريان الحارثي قال: سمعت ثابتا البناني قال: (كنا مع أنس بن مالك t، فأخر الحجاج([212]) الصلاة، فقام أنس بن مالك t يريد أن يكلمه، فنهاه إخوانه شفقة عليه منه، فخرج فركب دابته، فقال: في مسيره ذلك، والله ما أعرف شيئا مما كنا عليه على عهد النبي r إلا شهادة أن لا إله إلا الله، فقال رجل: فالصلاة يا أبا حمزة؟، قال: قد جعلتم الظهر عند المغرب، أفتلك كانت صلاة رسول الله r).
وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج2 ص13)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج2 ص208).
وأخرجه أحمد في «الـمسند» (13168) من طريق روح، حدثنا عثمان بن سعد، قال: سمعت أنس بن مالك t يقول: (ما أعرف شيئا مما عهدت مع رسول الله r اليوم، فقال أبو رافع: يا أبا حمزة ولا الصلاة؟، فقال: أوليس قد علمتم ما صنع الحجاج في الصلاة).
وإسناده حسن في الـمتابعات.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص116)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص119)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص301)، وفي «الخلافيات» (ج2 ص181 و182) من طريق شعبة، عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت محمد بن عمرو بن الحسن بن علي يقول: (لما قدم الحجاج بن يوسف كان يؤخر الصلاة... الحديث).
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج3 ص57): (وقد روي هذا الحديث عن أنس من وجوه متعددة). اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (ج3 ص57): (ويقال: أن الحجاج هو أول من أخر الصلاة عن وقتها بالكلية، فكان يصلي الظهر، والعصر مع غروب الشمس([213])، وربما كان يصلي الجمعة عند غروب الشمس، فتفوت الناس صلاة العصر). اهـ
وقوله: (إلا هذه الصلاة)؛ بالنصب، والـمراد أنه لا يعرف شيئا موجودا من الطاعات معمولا به على وجهه غير الصلاة.
وقوله: (وهذه الصلاة قد ضيعت)؛ أي: ضيعت الصلاة بتأخيرها عن وقتها الشرعي، الذي وقته النبي r.([214])
قال تعالى : ]فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة[ [مريم: 59]؛ أي: تركوها، أو أخروها عن وقتها الشرعي.([215])
قال الإمام العيني / في «عمدة القاري» (ج4 ص159): (قوله: (قيل: الصلاة)؛ أي: قيل له: الصلاة هي شيء مما كان على عهد رسول الله r، وهي باقية، فكيف تصدق القضية السالبة عامة؟ فأجاب بقوله: (أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها؟) يعني من تضييعها، وهو: خروجها عن وقتها).اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج2 ص14): (إطلاق أنس محمول على ما شاهده من أمراء الشام والبصرة خاصة). اهـ
قلت: لذلك يجب الرجوع إلى تفسير النبي r للقرآن، وتفسير الصحابة y، ويجب التسليم، وعدم التكلف في النصوص في الدين.
فعن أنس بن مالكt : أن عمر بن الخطاب t؛ قرأ على المنبر: ]وفاكهة، وأبا[ [عبس: 31]؛ فقال t: (هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟، ثم رجع إلى نفسه، فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر!).
أثر صحيح
أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ق/85/ط)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص59)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج3 ص327)، والبلاذري في «أنساب الأشراف» (ج10 ص406)، والمخلص في «المخلصيات» (366)، وابن الجوزي في «مناقب عمر بن الخطاب» (ص509)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص180)، والجوزقاني في «الأباطيل» (ج2 ص356)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج1 ص181) و(ج8 ص259)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص514)، والبخاري في «صحيحه» (ج13 ص264) مختصرا، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج10 ص512)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (2084) من طرق عن حميد الطويل وثابت البناني عن أنس بن مالك t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص14) ثم قال: إسناده صحيح.
وعن ابن المسيب /: (أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن).
أثر صحيح
أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ق/85/ط)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص59) من طريقين عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن عبيد الله بن عمر / قال: (لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليعظمون القول في التفسير).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج3 ص59) من طريق أحمد بن عبدة الضبي ثنا حماد بن زيد ثنا عبيد الله بن عمر به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن مسروق / قال: (اتقوا التفسير؛ فإنما هو الرواية عن الله تعالى).
أثر صحيح
أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ق/58/ط) من طريق هشيم حدثنا عمر بن أبي زائدة عن الشعبي عن مسروق به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: وهذه الآثار تدل على خطورة الكلام في كتاب الله تعالى بغير علم. ([216])
فعن إبراهيم النخعي /: (كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه!).
أثر صحيح
أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ق/58/ط)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج4 ص222)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج10 ص512)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (2089) من طريق الثوري وابن جرير كلاهما عن مغيرة عن إبراهيم النخعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فإجماع المسلمين قديما ثابت على خلاف ما كان عليه أهل التقليد؛ فإن السلف الصالح من صدر هذه الأمة؛ وهم: الصحابة الذين هم خير القرون، والتابعون لهم بإحسان، وأئمة الهدى من بعدهم كانوا مجمعين على إثبات ما أثبته الله تعالى في القرآن، أو أثبته له رسوله r في السنة، وعدم رد النصوص.
قال الإمام ابن قدامة / في «لمعة الاعتقاد» (ص39): (وقد أمرنا بالاقتفاء لآثارهم، والاهتداء بمنارهم، وحذرنا المحدثات، وأخبرنا أنها من الضلالات). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص175): (ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد r، ويؤثرون كلام الله على كلام غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد r على هدي كل أحد ... والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين، وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص346): (من قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة). اهـ
قلت: فمصادر المعرفة في الاعتقاد موقوفة على هذه الأصول الثلاثة عند السلف الصالح، فعنها يصدرون، ومنها ينهلون، إذ لا حاجة لهم إلى غيرها في تلك المطالب، فقد ضمن الله لعباده فيها الهدى والنور، والعصمة من الغي والضلال، وفيها الكفاية والرحمة والذكرى لمن طلب الحق وصح قصده: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص136): (وأما الأمور الإلهية، والمعارف الدينية؛ فهذه العلم فيها مأخذه عن الرسول؛ فالرسول أعلم الخلق بها، وأرغبهم في تعريف الخلق بها، وأقدرهم على بيانها وتعريفها، فهو فوق كل أحد في العلم والقدرة والإرادة، وهذه الثلاثة بها يتم المقصود). اهـ
وكــــــل خــــــيــــــر في اتبــــــــاع من سلف |
|
|
وكـــــــل شـــــــــر في ابـــتــــــداع من خلف |
قال الإمام أحمد / في «أصول السنة» (ص8): (لا يكون صاحبه من أهل السنة؛ حتى يدع الجدال، ويؤمن بالآثار). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص180): (فأما السلف، والأئمة، وأكابر أهل الحديث والسنة والجماعة؛ فهم أولى الطوائف بموافقة المعقول الصريح، والمنقول الصحيح). اهـ
قلت: وقد توعد رب العزة الذين يتبعون غير سبيلهم بالعذاب الأليم، فقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115]؛ ولا ريب أن سبيل المؤمنين هو سبيل الصحابة من المهاجرين والأنصار، ومن اتبعهم بإحسان.
فإذا كان الأمر كذلك فمن المحال أن يكون خير الناس وأفضل القرون قد قصروا في هذا الباب بزيادة أو نقصان؛ وهذا مما يدل على صحة مذهب السلف الصالح.
فالسلف الصالح من الصحابة، والتابعين هم: ورثة الأنبياء والمرسلين؛ فقد تلقوا علومهم من ينبوع الرسالة الإلهية؛ فالقرآن نزل بلغة الصحابة y وفي عصرهم، وهم أقرب الناس إلى معين النبوة الصافي، وهم أصفاهم قريحة، وأقلهم تكلفا، كيف وقد زكاهم الله تعالى في محكم تنزيله، وأثنى عليهم، وعلى التابعين لهم بإحسان، كما قال تعالى: ]والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان y ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم[ [التوبة: 100].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص186): (هذه الأحاديث قد رواها الثقات فنحن نرويها، ونؤمن بها. ولا نفسرها). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص15): (وديانتنا التي بها ندين: التمسك بكتاب الله عز وجل وبسنة نبيه r، وما روي عن الصحابة، والتابعين، وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص18): (نعول فيما اختلفنا فيه على كتاب الله تعالى وسنة نبيه r، وإجماع المسلمين، وما كان في معناه، ولا نبتدع في دين الله تعالى بدعة لم يأذن الله تعالى بها، ولا نقول على الله ما لا نعلم). اهـ
وعن محمد بن كعب قال: (أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر، وقد رحلت دابته، ولبس ثياب السفر، وقد تقارب غروب الشمس، فدعا بطعام فأكل منه ثم ركب، فقلت له: سنة؛ قال: نعم).
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج2 ص318)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص247)، والدارقطني في «السنن» (ج2 ص188) من طريق سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم، أخبرني محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «حديث إفطار الصائم ...» (ص22).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
فقوله: (وقد تقارب غروب الشمس)؛ يدل على أن الشمس لم تغرب بالكلية، بل يرى قرصها بقرب الأرض، وهذا يسمى غروبا؛ كما يدل عليه الأثر، وهذا مطابق لظاهر القرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار السلفية.([217])
قلت: إذا تقرر هذا فهنا أمر يجب التنبيه عليه، وهو كون الصحابي قال: «سنة» يكون حكمه حكم الحديث المرفوع([218]) على ما هو مقرر في الأصول.([219])
قال الحافظ الحاكم في «المستدرك» (ج1 ص358): (وقد أجمعوا على أن قول الصحابي سنة حديث مسند). اهـ؛ أي: مرفوع عن النبي r.
وقال الحافظ الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص22): (وقول الصحابي: «من السنة»، كذا وأشباه ما ذكرناه إذا قاله الصحابي المعروف بالصحبة فهو حديث مسند؛ أي: مرفوع، وكل ذلك مخرج في المسانيد). اهـ
وقال الحافظ الخطيب / في «الكفاية» (ص592): (وهذه الدلالة بعينها توجب حمل قوله: «من السنة كذا»؛ على أنها سنة الرسول r).اهـ
وقال الإمام أبو المظفر السمعاني / في «قواطع الأدلة» (ص82): (فإن قال الصحابي: «أمرنا بكذا»، أو «نهينا عن كذا»، أو «من السنة كذا» يكون مسندا، ويكون حجة).اهـ
وقال الحافظ ابن الأثير / في «جامع الأصول» (ص596): (وأما قوله: من السنة كذا، والسنة جارية بكذا فالظاهر أنه لا يريد إلا سنة رسول الله r). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج1 ص30): (إذا قال الصحابي: «أمرنا بكذا»، أو «نهينا عن كذا»، أو «من السنة كذا»، أو «مضت السنة كذا»، ونحو ذلك؛ فكله مرفوع إلى رسول الله r على المذهب الصحيح الذى قاله الجماهير من أصحاب الفنون). اهـ
قلت: فالحديث ورد بهذه الصيغة: (نعم سنة)، فله حكم الرفع، وقد أجمع الصحابة الكرام على أن ذلك من سنة النبي r، وبهذا قال جماهير العلماء من
المحدثين والفقهاء.([220])
قلت: فإذا أطلق الصحابي ذكر: (السنة)، فالمراد سنة رسول الله r بلا شك([221])؛ أي: فمطلق السنة منصرف إلى سنة الرسول r.([222])
قلت: والصحابي إنما يقصد بذلك الاحتجاج؛ لإثبات شرع، وحكم يجب كونه مشروعا.([223])
قال الفقيه البهوتي / في «كشاف القناع» (ج1 ص235): (وقت المغرب: وهو في الأصل: مصدر غربت الشمس؛ بـ«فتح الراء وضمها» غروبا، ومغربا، ويطلق في اللغة: على وقت الغروب ومكانه). اهـ
قلت: فالمغرب سمي بذلك لفعلها وقت الغروب؛ إذ الغروب في اللغة البعد، أو وقته، أو مكانه فإذا كانت الشمس بعيدة في مستوى الغروب، فهي قد غربت، وإن كان قرصها لم يغب([224])، لأن هذا يسمى غروبا.([225])
قال الفقيه ابن أبي الفتح / في «المطلع» (ص57): (المغرب في الأصل: مصدر غربت الشمس غروبا، ومغربا، ثم سميت الصلاة مغربا). اهـ
وقال الفقيه أبو إسحاق الحنبلي / في «المبدع» (ج1 ص343): (المغرب: وهو في الأصل مصدر غربت الشمس؛ بـ«فتح الراء»، و«ضمها» غروبا، ومغربا، ويطلق في اللغة على وقت الغروب، ومكانه، فسميت هذه بذلك لفعلها في هذا الوقت). اهـ
ومنه؛ قول الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص62): (والعرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج10 ص63): (فدل على أن قرب الشيء قد يعبر به عنه، والمراد مفهوم). اهـ
قلت: فهذا قرب قرص الشمس من الأرض، يعتبر هذا القرب غروبا، لأن العرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه.([226])
ومن هذا قول الله تعالى: ]فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن [ [الطلاق: 2]، وهذا على القرب عند الجميع.
ومنه؛ قوله تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187].
وهذا يدل على أن بقية النهار بعد غروب الشمس يسمى ليلا، مع أن النهار لم يغب بالكلية، أي: أنه لا عبرة بوجود شيء من آخر النهار([227])، وذلك لأن العرب تسمي ذلك ليلا؛ حتى مع وجود النهار([228])، فافهم لهذا.
قال تعالى: ]فاستبقوا الخيرات[ [البقرة: 178].
35) وعن حميد الطويل قال: (كنا عند أنس بن مالك t وكان صائما فدعا بعشائه، فالتفت ثابت البناني ينظر إلى الشمس، وهو يرى أن الشمس لم تغب([229])، فقال أنس لثابت: لو كنت عند عمر t لأحفظك). يعني: لغضب عليك.([230])
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في «الصيام» (ص56) من طريق محمد بن عبد الأعلى، حدثنا معتمر بن سليمان التيمي قال سمعت حميد الطويل([231]) به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
36) وعن مجاهد، قال: (إني كنت لآتي ابن عمر بفطره، فأغطيه استحياء من الناس أن يروه([232])).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص22) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه الفريابي في «الصيام» (ص58) من طريق جرير، عن منصور، عن مجاهد قال: (كنت آتي ابن عمر بشرابه، وإني لأخفيه من الناس من تعجيله إفطاره).
وإسناده صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226) من طريق ابن عيينة، عن منصور، أو ليث، عن مجاهد قال: (إن كنت لآتي ابن عمر بالقدح عند فطره فأستره من الناس، وما به إلا الحياء يقول: من سرعة ما يفطر).
وإسناده صحيح.
قلت: وهذا يدل على أن ابن عمر رضي الله عنهما في هذا اليوم أفطر على أمر غير معتاد لسرعته، وهو أنه عجل الفطر مع وجود قرص الشمس، وإلا لماذا يستتر عن أعين الناس إذا أفطر مع غروب الشمس بالكلية؟!، لأن الناس اعتادوا في الفطر بغروب الشمس بالكلية، وهذا أمر مألوف لديهم، وإنما الإنكار عليه إذا أفطر مع وجود قرص الشمس، فخاف من ذلك لجهلهم، فأمر مجاهدا أن يغطيه استحياء من الناس أن يروه على هذه الحالة، فافهم لهذا ترشد.([233])
قلت: فمن السنة التبكير في الإفطار([234])، والله المستعان.
37) وعن عمرو بن ميمون /، وهو من أكبر التابعين قال: (كان أصحاب محمد r أعجل الناس إفطارا، وأبطأهم سحورا).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص226)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص398)، والفريابي في «الصيام» (ص59)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج3 ص154-الزوائد)، والخلعي في «الخلعيات» (ص329) من طريق سفيان الثوري، وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن حجر في «فتح الباري» (ج4 ص199)، والنووي في«المجموع» (ج6 ص326)، واللكنوي في «التعليق الممجد» (ج2 ص204).
وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج3 ص154) ثم قال: رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله رجال الصحيح.
وذكره ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص104)، واللكنوي في «التعليق الممجد» (ج2 ص204).
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص118)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج3 ص154-الزوائد) من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حريث، قال: (كان أصحاب رسول الله r، أعجل الناس إفطارا، وأبطأهم سحورا).
وإسناده لا بأس به في المتابعات.
وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج3 ص154) ثم قال: رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله رجال الصحيح.
38) وعن سويد بن غفلة قال: قال عمر بن الخطاب t: (صلوا هذه الصلاة – يعني: المغرب - والفجاج([235]) مسفرة([236])).
أثر صحيح
أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص248) من طريق عبدالرحمن بن زياد قال: ثنا زهير بن معاوية عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص248) من طريق وهب قال: ثنا شعبة عن عمران بن مسلم فذكره مثله.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص249) من طريق حجاج قال: ثنا أبو عوانة عن عمران بن مسلم، فذكره مثله.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (ج3 ص159): (وهذا كله يدل على شدة تعجيل النبي r لصلاة المغرب، ولهذا كانت تسمى صلاة البصر([237])). اهـ
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج5 ص324): (ومعلوم أن من وافق سنة رسول الله r، فهو الأصوب لا شك). اهـ
وقال الفقيه ابن النقيب / في «عمدة السالك» (ص109): (والأفضل تعجيل الفطر إذا تحقق الغروب، ويفطر على تمرات وترا؛ فإن لم يجد فالماء أفضل). اهـ
وقال الفقيه المعبري / في «فتح المعين» (ص273): (وسن تعجيل فطر، إذا تيقن الغروب). اهـ
39) وعن حميد الطويل، عن أنس بن مالك t: (أنه لم يكن ينتظر المؤذن في الإفطار، وكان يعجل الفطر).
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في «الصيام» (ص57) من طريق وهب بن بقية، أخبرنا خالد، عن حميد الطويل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: وتأخير الإفطار عن غروب الشمس؛ إنما يفعل ذلك الكفرة: من اليهود والنصارى في الخارج، والمبتدعة: من الرافضة والإباضية والحزبية في الداخل.([238])
40) وعن عبد الله بن يزيد، قال: (لم أر أحدا كان أعجل إفطارا من سعيد بن المسيب، كان لا ينتظر مؤذنا، ويؤتى بقدح من ماء؛ فيشربه بنفس واحد، لا يقطعه حتى يفرغ منه).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص158)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج1 ص395) من طريق حاتم بن إسماعيل، عن عبد الله بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال ابن عبد البر: وهذا أصح عن سعيد بن المسيب.
وقال الإمام ابن قدامة في «ذم التأويل» (ص40): (وأما الإجماع: فإن الصحابة y أجمعوا على ترك التأويل بما ذكرناه عنهم، وكذلك أهل كل عصر بعدهم، ولم ينقل التأويل إلا عن مبتدع أو منسوب إلى بدعة). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص320):
يــــــا قـــــوم فــــانـــتـــبـــهوا لأنـــفــســـكم |
|
|
وخـــــلـــــوا الـــجهل والدعوى بلا برهان |
قلت: فالسلف الصالح من الصحابة، والتابعين لم ينقل عنهم أنهم اشتغلوا بالاجتهاد في أحكام الدين بدون دليل.
قال الإمام أبو يعلى الحنبلي / في «إبطال التأويلات» (ج1 ص71): (ويدل على إبطال التأويل: أن الصحابة، ومن بعدهم من التابعين حملوها على ظاهرها، ولم يتعرضوا لتأويلها، ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغا لكانوا إليه أسبق). اهـ
قلت: فلا يجوز رد هذه الأحاديث، ولا التشاغل بتأويلها.
قال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص149):
وتــــأولــــوا عــــلـــم الإلـــــه وقــــــولــــــه |
|
|
وصــفـــاتـــــه بالـــســــلــــب والـــبـــطلان
|
وقال فضيلة الشيخ محمد الجامي / في «الصفات الإلهية» (ص235): (تحديد مفهوم السلف، وأنهم كانوا يفهمون من هذه النصوص؛ كتابا وسنة ما تدل عليه بوضعها وبظاهرها باقية على حقيقتها، ولم يؤولوها، ولم يخرجوا بها عن ظاهرها كما يزعم الخلف). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج6 ص12): (وأهل السنة مجتمعون على الإيمان بهذه الآثار، واعتقادها وترك المجادلة فيها؛ وبالله العصمة والتوفيق). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص118): (ما جاء عن النبي r من نقل الثقات، وجاء عن الصحابة وصح عنهم؛ فهو علم يدان به، وما أحدث بعدهم ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم؛ فبدعة وضلالة).اهـ
قلت: وهم خير القرون بنص الرسول r عنهم، وإجماعهم حجة ملزمة، لأنه مقتضى الكتاب والسنة.
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص173):
واعــــلــــم بـــــأن طــــريقـــهـــــم عكــس |
|
|
الـــطــــريق الـــمـــســـتــقــيم لمن له عينان
|
وقال الإمام أحمد / في «أصول السنة» (ص7): (أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله r، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة). اهـ
41) وعن سهل بن سعد الساعدي t أن رسول الله r قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر). وفي رواية: (ما عجلوا الإفطار). وفي رواية: (لا تزال هذه الأمة بخير ما عجلوا الإفطار).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص241)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص711)، والترمذي في «سننه» (ج3 ص82)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3298)، وفي «الإغراب» (ص300 و301)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص541)، وابن القاسم في «الموطأ» (ص422)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص336 و337 و339)، والبغوي في «شرح السنة» (ج6 ص254)، وفي «مصابيح السنة» (ج2 ص72)، والحدثاني في «الموطأ» (ص413)، والفريابي في «الصيام» (ص50 و51)، وابن حبان في «صحيحه» (ج5 ص207 و208) من طريق أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي t به.
قلت: فإذا غربت الشمس، فليفطر الصائم، وذلك أن الخيرية منوطة بتعجيل الإفطار([239])، والله المستعان.
قال تعالى: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185].
قلت: فكل ما فيه خير للعباد، ورحمة، وتيسير لهم فهو في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وآثار الصحابة الكرام.
قال القـاضـي عـيـاض / في «إكمال المعلم» (ج4 ص33): (وقوله r: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)؛ ظاهره أنه عليه السلام أشار أن فساد الأمور يتعلق بتغير هذه السنة التي هي تعجيل الفطر، وأن تأخيره، ومخالفة السنة في ذلك؛ كالعلم على فساد الأمور). اهـ
وقال الإمام المازري / في «المعلم» (ج2 ص32): (قوله r: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)؛ ظاهره أنه r أشار إلى أن فساد الأمور يتعلق بتغير هذه السنة التي هي تعجيل الفطر، وأن تأخيره ومخالفة السنة في ذلك؛ كالعلم على فساد الأمور).اهـ
وقال الحافظ السيوطي / في «الديباج» (ج3 ص198): (قوله r: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)؛ لما فيه من المحافظة على السنة، فإذا خالفوها إلى البدعة كان ذلك علامة على إفساد يقعون فيه). اهـ
قلت: فإذا غربت الشمس، فأفطر؛ لأن تعجيل الفطر بالغروب من الفضائل، وهو من السنة النبوية.([240])
قلت: والحكمة في تعجيل الفطر لأمور منها:
1) أن الله تعالى هو الكريم، والكريم يحب أن يتمتع الناس بكرمه.
2) أن في ذلك مخالفة لأعداء الله تعالى في الخارج من اليهود والنصارى.
3) أن في ذلك مخالفة لأعداء الله تعالى في الداخل من الرافضة، والإباضية، والصوفية، والحزبية.
4) أن ذلك يقوي العبد على الطاعة، وعلى حاجاته، وأرحم به.
5) أن ذلك فيه اقتداء بالرسول r، والتأسي به r، وبصحابته y.
6) أن في ذلك ظهور الدين وعلوه.
7) أن في ذلك ظهور الخيرية في المسلمين.
8) أن في ذلك ظهور الخيرية في الفرد.
قال الفقـيـه ابـن الـصـواف / في «الخـصـال الـصغير» (ص50): (وفضائل الصوم: تقديم الإفطار، وتأخير السحور). اهـ
قال الفقيه الشيخ البسام / في «توضيح الأحكام» (ج3 ص153): (ما يؤخذ من الحديثين:
1) استحباب تعجيل الفطر، وقد اتفق العلماء على استحباب تعجيل الفطر، إذا تحقق غروب الشمس برؤية، أو بخبر ثقة، أو غلب على ظنه الغروب.
2) أن تعجيل الفطر دليل على بقاء الخير عند من عجله، وزوال الخير عمن أخره.
3) الخير المشار إليه هو اتباع السنة، ولا شك أنه سبب خيري الدنيا والآخرة ... فالشارع الحكيم يطلب من المسلمين ألا يشابهوا أهل الكتاب في عباداتهم، فتعجيل الفطر شعار يفرق بين صيام أهل الإسلام، وأهل الكتاب، وبين سوء المخالفة، وحسن الاتباع، والاقتداء.
4) هذا الحديث من المعجزات النبوية؛ فإن تأخير الإفطار هو طريقة بعض الفرق الضالة). اهـ
وقال العلامة الصنعاني / في «سبل السلام» (ج2 ص304): (والحديث دليل على استحباب تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار من يجوز العمل بقوله، وقد ذكر العلة وهي مخالفة اليهود والنصارى). اهـ
قلت: وتأخير الفطر عن غروب الشمس صار شعارا لأهل البدع المخالفين، وسمة لهم([241])، والعياذ بالله.
قلت: ويجوز الفطر بناء على غلبة الظن بغروب الشمس؛ ودليل ذلك: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (1823) عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: (أفطرنا على عهد النبي r يوم غيم، ثم طلعت الشمس)، فأنهم لم يفطروا على علم؛ لكن أفطروا على غلبة الظن، وأنهم لو أفطروا على علم ما طلعت الشمس.
قال الفقيه الشيخ البسام / في «توضيح الأحكام» (ج3 ص153): (قال تعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل[ [البقرة: 187]، فهذا يقتضي أن الإفطار عند غروب الشمس، فقد أجمعوا على أن الصوم ينقضي، ويتم بتمام الغروب، وأن السنة أن يفطر إذا تحقق الغروب، وأن له الفطر بغلبة الظن اتفاقا، إقامة له مقام اليقين). اهـ
قلت: وهذه قاعدة شرعية عظيمة في تعيين الغروب الذي يفطر عليه الصائم حتى بغلبة الظن، لأن الأصل هنا دخول الليل بغروب الشمس، ولو بالظن وذهاب النهار، ولا عبرة بالنور الباقي، والصفرة في السماء، فافهم لهذا ترشد.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج5 ص322): (هذا الحديث فيه تعجيل الإفطار، لكن قال العلماء رحمهم الله: بشرط أن يتيقن، أو يغلب على ظنه غروب الشمس؛ فـــ«يتيقن» إذا أمكنه المشاهدة؛ أو يغلب على ظنه إذا لم يمكنه المشاهدة؛ كما لو كان هناك غيم، أو حال بينه وبينها جبل، أو ما أشبه ذلك). اهـ
قلت: فإذا تيقن أن الشمس غربت، فيفطر، وإذا غلب على ظنه أنها غربت، فيفطر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج25 ص231): (ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر قالت: (أفطرنا يوما من رمضان في غيم على عهد رسول الله r ثم طلعت الشمس).
وهذا يدل على شيئين:
على أنه لا يستحب مع الغيم التأخير إلى أن يتيقن الغروب؛ فإنهم لم يفعلوا ذلك ولم يأمرهم به النبي r والصحابة مع نبيهم أعلم وأطوع لله ولرسوله ممن جاء بعدهم.
والثاني: لا يجب القضاء فإن النبي r لو أمرهم بالقضاء لشاع ذلك كما نقل فطرهم فلما لم ينقل ذلك دل على إنه لم يأمرهم به). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج5 ص324): (ومعلوم أن من وافق سنة رسول الله r، فهو الأصوب لا شك). اهـ
42) وعن رافع بن خديج t قال: (كنا نصلي المغرب مع النبي r، فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله).([242])
قوله r: (مواقع نبله)؛ إذا رميت بعيدا، ووقعت أي: حيث تقع.([243])
وهذا يدل على سرعة النبي r في تأدية صلاة المغرب في ضوء آخر النهار، وفي هذا الوقت يفطر الصائم في هذا المستوى من النهار لتعجيل فطره، ولإصابة السنة، ولا يؤخر إلى ظهور الليل، لأن ذلك خلاف السنة، والله ولي التوفيق.
قلت: فتعلموا من هذه الآثار، ومن تعلم منكم فليعمل بما علم، والله المستعان.
فعن عبد الله بن مسعود t قال: (السعيد من وعظ بغيره).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (3645)، وابن وهب في «القدر» (ص61 و63)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1047)، والفريابي في «القدر» (140)، والآجري في «الشريعة» (361)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج4 ص214 –إتحاف المهرة)، والطبراني في «المعجم الكبير» (3044)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1402)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (2644)، وابن حبان في «صحيحه» (6177)، وأبو داود في «الزهد» (170) من طرق عن ابن مسعود t به.
قلت: فعلى الناس أن يتحروا رؤية غروب الشمس، فإذا غربت أفطروا مباشرة، ولم ينتظروا الأذان الحالي الذي يؤذن على «التقويم الفلكي»، لأنه متأخر عن غروب الشمس، لأن للفطر وقتا كوقت الصلاة تماما، وإلا وقعوا في البدعة التي وقع فيها اليهود والنصارى، والرافضة والحزبية، وهي تأخير الإفطار عن غروب الشمس، اللهم سلم سلم.
فعن عبد الله بن مسعود t قال: (كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة).([244])
وقال أبو القاسم الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص395): (سبق بالكتاب الناطق من الله تعالى، ومن قول النبي r، ومن أقوال الصحابة y: أنا أمرنا بالاتباع وندبنا إليه، ونهينا عن الابتداع، وزجرنا عنه ). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «هداية الحيارى» (ص14): (ومن بعض حقوق اللـه تعالى على عبده رد الطاعنين على كتابه، ورسوله r، ودينه، ومجاهدتهم بالحجة والبيان، والسيف والسنان، والقلب والجنان، وليس وراء ذلك حبة خردل من الإيمان). اهـ
والله تعالى أمرنا عند التنازع أن نرد إلى القرآن الكريم، والسنة النبوية، فقال تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59].
فعن ميمون بن مهران / قال: في قول الله عز وجل ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59] قال: (الرد إلى الله عز وجل إلى كتابه، والرد إلى الرسول r إذا قبض إلى سنته).
أثر صحيح
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص474)، وابن شاهين في «شرح المذاهب» (ص44)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج2 ص528)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص144)، وابن جرير في «تفسيره» (ج5 ص151)، وابن حزم في «الإحكام» (ج8 ص1047)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص73)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص252)، وابن المنذر في «تفسيره» (ج2 ص768)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص68)، وابن عبد البر في «الجامع» (ج2 ص190) من طريق وكيع بن الجراح، ومحمد بن كناسة عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن مجاهد / قال: (في قول الله عز وجل ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59]، قال: كتاب الله، وسنة نبيه). وفي رواية: (فإن تنازع العلماء ردوه إلى الله والرسول).
أثر حسن لغيره
أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (ج5 ص151)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (ج1 ص242)، وسفيان الثوري في «تفسيره» (ص96)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص293)، وعبد الرزاق في «تفسيره» (ج1 ص167)، وسعيد بن منصور في «السنن» (ج4 ص1290)، وعبد بن حميد في «تفسيره» (ج2 ص579-الدر المنثور)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص151)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (ج3 ص990)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص73) من طرق عن الليث بن أبي سليم عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده حسن في الشواهد.
وفي لفظ اللالكائي: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59]، قال: (كتاب الله وسنة نبيه, ولا تردوا إلى أولي الأمر شيئا). يعني: إلى العلماء!.
وعن عطاء بن أبي رباح / قال: في قوله تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59]، قال: (إلى الله: إلى كتاب الله , وإلى الرسول إلى سنة رسول الله r).
أثر حسن
أخرجه الآجري في «الشريعة» (106)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص252)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص765) من طريق يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان , عن عطاء بن أبي رباح به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن السدي / قال: في قوله تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59]، قال: (إن كان الرسول حيا، وإلى الله إلى كتابه).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (ج3 ص990)، والطبري في «تفسيره» (ج5 ص151) من طريق أحمد بن مفضل، ثنا أسباط بن نصر عن السدي به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فالرجوع إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r عند الاختلاف شرط، لأن الكتاب والسنة حجة في الدين، يجب المصير إليهما عند الاختلاف، ويحرم مخالفتهما.([245])
قال أبو الفتح المقدسي / في «الحجة» (ج1 ص144): (قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء: 59] فدل على أن الرد يجب في حال الاختلاف والنزاع، ولا يجب في حال الاجتماع). اهـ
وقال أبو الفتح المقدسي / في «الحجة» (ج1 ص144): (قال أهل العلم: قوله تعالى: ]فردوه إلى الله[ [النساء: 59] إلى كتاب الله عز وجل، ]والرسول[ [النساء: 59] أي: إلى سنة رسول الله). اهـ
وعن عطاء بن أبي رباح / قال: (في قوله: ]أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم[ [النساء: 59] قال: (هم أهل العلم وأهل الفقه , وطاعة الرسول:
اتباع الكتاب والسنة).
أثر حسن
أخرجه الطبري في «تفسيره» (ج5 ص147)، وسعيد بن منصور في «السنن» (655)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص130 و131)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (ج3 ص987) من طرق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فقوله تعالى: ]فإن تنازعتم [ [النساء: 59]، أي: اختلفتم، ]في شيء[ [النساء: 59] من أمر دينكم.
والتنازع: اختلاف الآراء، ]فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59]، أي: إلى الكتاب والسنة، والرد عليهما واجب، ]إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء: 59]، أي: أحسن مآلا، وعاقبة.([246])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص112): (إذا تنازع المسلمون في مسألة وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول فأي القولين دل عليه الكتاب والسنة وجب اتباعه). اهـ
وقال ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص92): (قوله: ]فإن تنازعتم في شيء[ [النساء: 59] نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقه وجله، جليه وخفيه، ولو لم يكن في كتاب الله ورسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه، ولم يكن كافيا، لم يأمر بالرد إليه؛ إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالرد عند النزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع). اهـ
وقال ابن حزم / في «الإحكام» (ج5 ص192)؛ وهو يرد على المذهبيين الذين يستحسنون في الدين بآرائهم وعقولهم المخالفة للشريعة: (واحتج القائلون بالاستحسان بقول الله عز وجل: ]الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب[ [الزمر: 18]، وهذا الاحتجاج عليهم لا لهم؛ لأن الله تعالى لم يقل: (فيتبعون ما استحسنوا)، وإنما قال عز وجل: ]فيتبعون أحسنه[، وأحسن الأقوال ما وافق القرآن، وكلام الرسول r، هذا هو الإجماع المتيقن من كل مسلم، ومن قال غير هذا فليس مسلما، وهو الذي بينه عز وجل إذ يقول: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر[ [النساء: 59] ولم يقل تعالى: فردوه إلى ما تستحسنون). اهـ
وعن مجاهد / قال: في قوله تعالى: ]صراط علي مستقيم[ [الحجر: 41]، قال: (الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه).
أثر صحيح
أخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا (ج4 ص1736)، والطبري في «جامع البيان» (ج14 ص33)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (ج7 ص2264)، وآدم بن أبي إياس في «تفسير مجاهد» (ص416).
وقال الإمام أحمد بن حنبل /: (من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال).([247])
قال تعالى: ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا [ [الأحزاب: 36].
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج1 ص86)؛ في تفسير هذه الآية: (فأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار بعد قضائه، وقضاء رسوله، ومن تخير بعد ذلك فقد ضل ضلالا مبينا). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1140): (واعلم يا أخي أن السنن والقرآن هما أصل الرأي والعيار عليه، وليس الرأي بالعيار على السنة بل السنة عيار عليه، ومن جهل الأصل لم يصب الفرع أبدا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص202): (وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة النص والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية لا بأقوال بعض العلماء؛ فإن أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية، لا يحتج بها على الأدلة الشرعية). اهـ
قلت: فلابد لطالب العلم أن يترك الخصومة في الدين، وأن يجانب أهل الخصومات، وذلك لأن الخصومة مدعاة للفرقة والفتنة، ومجلبة للتعصب، واتباع الهوى، ومطية للانتصار للنفس، والتشفي من الآخرين، وذريعة للقول على الله تعالى بغير علم.
قال تعالى: ]وإن تطيعوه تهتدوا[ [النور: 54].
وقال تعالى: ]ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله[ [النور: 26].
قال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج17 ص252): (فإن الخير كل الخير في متابعة السنة، والتمسك بهدي الصحابة والتابعين y). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «النبذ» (ص61): (وبرهان ما قلنا من حمل الألفاظ على مفهومها من ظاهرها؛ قول الله تعالى في القرآن: ]بلسان عربي مبين[ [الشعراء: 195]. وقوله تعالى ]وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم[ [إبراهيم: 4]؛ فصح أن البيان لنا.
إنما هو حمل لفظ القرآن والسنة على ظاهرهما وموضوعهما؛ فمن أراد صرف شيء من ذلك الى تأويل بلا نص، ولا اجماع؛ فقد افترى على الله تعالى، وعلى رسوله r، وخالف القرآن، وحصل في الدعاوى، وحرف الكلم عن مواضعه). اهـ
قلت: والمقلد قد خالف السلف في ذلك فإنهم لم يقلدوا، اللهم غفرا.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص144): (يقال لمن قال بالتقليد: لم قلت به وخالفت السلف في ذلك؟ فإنهم لم يقلدوا فإن قال: قلدت؛ لأن كتاب الله عز وجل لا علم لي بتأويله، وسنة رسوله لم أحصها والذي قلدته قد علم ذلك فقلدت من هو أعلم مني قيل له: أما العلماء إذا اجتمعوا على شيء من تأويل الكتاب، أو حكاية سنة عن رسول الله r أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق لا شك فيه، ولكن قد اختلفوا فيما قلدت فيه بعضهم دون بعض، فما حجتك في تقليد بعض دون بعض، وكلهم عالم ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه).اهـ
وقال الإمام العز بن عبد السلام / في «قواعد الأحكام» (ج2 ص135): (ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، ومع هذا يقلده فيه، ويترك من الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبه جمودا على تقليد إمامه، بل يتحلل لدفع ظواهر الكتاب والسنة، ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده). اهـ
قلت: والمقلدون الجامدون اتخذوا ذلك دينا ومذهبا بحيث لو أقمت عليه ألف دليل من النصوص لا يصغى إليه، بل ينفر عنه كل النفور؛ كحمر مستنفرة فرت من قسورة.([248])
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص573): (وكانوا يسمون المقلد الإمعة ومحقب دينه([249])، ... وكانوا يسمونه الأعمى الذي لا بصيرة له، ويسمون المقلدين أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يركنوا إلى ركن وثيق ... كما سماه الشافعي حاطب ليل). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص554): (أن الاقتداء بهم –يعني: الصحابة- هو اتباع القرآن والسنة، والقبول من كل من دعا إليهما منهم؛ فإن الاقتداء بهم يحرم عليكم التقليد، ويوجب الاستدلال وتحكيم الدليل). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج1 ص492): (والمجتهد المخطئ أفضل عند الله تعالى من المقلد المصيب ... ذم الله التقليد جملة، فالمقلد عاص، والمجتهد مأجور، وليس من اتبع رسول الله r مقلدا لأنه فعل ما أمره الله تعالى به. وإنما المقلد من اتبع من دون رسول الله r؛ لأنه فعل ما لم يأمره الله تعالى به). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج1 ص488): (ولا يحل لأحد أن يقلد أحدا، لا حيا ولا ميتا). اهـ
وقال أبو القاسم الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص395): (سبق بالكتاب الناطق من الله تعالى، ومن قول النبي r، ومن أقوال الصحابة y: أنا أمرنا بالاتباع وندبنا إليه، ونهينا عن الابتداع، وزجرنا عنه ). اهـ
وعن الإمام الزهري / قال: (من الله العلم، وعلى رسول الله البلاغ، وعلينا التسليم، أمروا حديث رسول الله r كما جاءت([250])). وفي رواية: (أمروا أحاديث رسول الله r على ما جاءت).
أثر صحيح
أخرجه البخاري في «صحيحه» مجزوما به؛ في كتاب: «التوحيد» (ج6 ص2738)، وفي «خلق أفعال العباد» (332) تعليقا، والخلال في «السنة» (1001)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج6 ص14)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص369)، والحميدي في «النوادر» (ج13 ص504-فتح الباري)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (1370)، وابن حبان في «صحيحه» (186)، وابن أبي عاصم في «الأدب» (ج13 ص504-فتح الباري)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (520)، والسمعاني في «أدب الإملاء والاستملاء» (ص62)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج5 ص365)، وابن أبي حاتم في «علل الحديث» (ج2 ص209)، والذهبي في «السير» (ج5 ص346)، وأبو زرعة الدمشقي في «التاريخ» (ج1 ص620) من طرق عن الزهري به.
وإسناده صحيح.
وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج5 ص101).
وعن الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن / قال: (من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التصديق).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (655)، والعجلي في «تاريخ الثقات» (ص158)، والذهبي في «العلو» (ص98)، والخلال في «السنة» (ص306-الفتوى الحموية)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص408)، وابن قدامة في «إثبات صفة العلو» (ص164) من طرق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن به.
وإسناده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «العلو» (ص132).
وقال ابن تيمية في «الفتوى الحموية» (ص27): إسناده كلهم أئمة ثقات.
وقال ابن تيمية في «الفتاوى» (ج5 ص365): وهذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك.
وذكره ابن قدامة في «ذم التأويل» (ص25)، وابن تيمية في «درء التعارض» (ج6 ص264)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج6 ص421).
هذا آخر ما وفقني اللـه سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الجزء النافع المبارك -إن شاء اللـه - سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى اللـه وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد للـه رب العالمين.
ذكر الدليل بالصور
في موافقة الفلكيين للكتاب والسنة والآثار واللغة العربية
في درجات غروب الشمس
|
|||||
هذه أشكال غروب الشمس في العلم الفلكي، وهي دراسة من قبل علماء الفلكعلى الحساب الفلكي في الغرب والشرق في التواصل المرئي
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
ذكر الدليل على أن الإسلام سوف يعود في آخر الزمان غريبا بين الناس في البلدان الإسلامية في أحكام أصوله وفروعه، فإذا كان كذلك فلابد أن يعم الجهل في الناس؛ لغربة أحكام الدين عندهم من جميع الوجوه خاصة في المساجد، فيتعبدون الله تعالى بالمخالفات الشرعية، وينكرون الأحكام الشرعية الصحيحة، ولا يعملون بها لغربتها عندهم في بلدانهم إلا القليل منها ولا يكفي ذلك في الإسلام............................................. |
05 |
2) |
فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في أن من اتبع الصحابة في الأصول والفروع فقد حصل على الرضوان من الله تعالى ودخل الجنة، ومن خالفهم فقد وقع في سخط الله تعالى ودخل النار........................................................................................................... |
15 |
3) |
ذكر الدليل على وجوب التقيد بما عليه الصحابة السابقون من أحكام الإسلام في الأصول والفروع؛ لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد، ولم يبلغ درجة التمكن في العلم الشرعي.................................................................................................... |
17 |
4) |
درة نادرة: إن احتج متعالم علينا بما عليه الفقهاء المتأخرون فنحتج عليه بما كان عليه الصحابة السابقون!............................ |
30 |
5) |
المقدمة...................................................................................................... |
36 |
6) |
ذكر الدليل من الكتاب والسنة والآثار على سنية إفطار الصائم والشمس طالعة، وتأدية صلاة المغرب والشمس ظاهرة....................................................................................................... |
108 |
7) |
ذكر الدليل بالصور في موافقة الفلكيين للكتاب والسنة والآثار واللغة العربية في درجات غروب الشمس............................................ |
239 |
([1]) حيث تتجارى بهم الأهواء، وتتجارى بالناس الفتن: من فتن الشبهات، وفتن الشهوات، وفتن الضلالات، اللهم سلم سلم.
وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج18 ص291)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (ج3 ص224)، و«كشف الكربة في وصف أهل الغربة» لابن رجب (ص6 و7).
([2]) وانظر: «مدارج السالكين» لابن القيم (ج3 ص224)، و«طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (ج2 ص467)، و«مشكل الآثار» للطحاوي (ج1 ص229).
أخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في «طبقات الصوفية» (ص138)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص283).
وإسناده حسن.
([4]) وذلك لأن هذه العبادات التي يتعبدونها قد دخلها الشيء الكثير من الشركيات، والبدع، والضلالات، والمخالفات، اللهم غفرا.
أخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في «طبقات الصوفية» (ص138)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص283).
وإسناده حسن.
([7]) لذلك ترى كثيرا من الناس لا يعرفون كيف يصلون، ولا كيف يصومون، ولا كيف يحجون، ولا كيف يعتمرون، ولا غير ذلك من أحكام الدين!، إلا القليل منها مع جهل فيها، والله المستعان.
قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص224): (غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم). اهـ
([18]) قلت: من أي شخص كان إلى قيام الساعة فله هذا الفضل العظيم من الله تعالى.
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص474): (وتقليدهم –يعني: الصحابة- اتباع لهم، ففاعله ممن y). اهـ
([19]) وكذلك هذا هو الضابط الذي يلزم العامي في هذا العصر، أن يتبع عالما يتبع آثار الصحابة الكرام في الأصول والفروع، وينضبط بحكمه، ومنهجه، ودعوته؛ حتى لا ينفرد بفهم ليس له فيه سلف في حكم من أحكام الدين، وإلا كان مبتدعا في الدين، ومتبعا لغير سبيل المسلمين.
([20]) قلت: والمراد بالتقليد هنا: هو الاتباع، وهو التقليد المحمود، وليس هو من التقليد المذموم الذي عند المتأخرين والمعاصرين من المذهبيين، والحزبيين الذين هلكوا بسبب التقليد الأعمى لأفكارهم، والتعصب لها.
قلت: فالتقليد من غير دليل، ومن غير معرفة ما عليه المقلد من حق، أو باطل، فهذا هو التقليد المذموم، وهو المردود في الدين.
إذا فالتقليد بمعنى الاتباع ما عليه المقلد من الحق، فهذا محمود في الدين، لأنه تقليد للنبي r، وأصحابه y.
وانظر: «شرح السنة» للشيخ الفوزان (ص421).
([23]) قلت: والمراد من التقليد الاتباع للنبي r، وأصحابه الكرام في الدين.
فقلدهم واسترح، فلا تكلف نفسك فقد كفيت، فإنك على حق إذا قلدتهم.
وانظر: «شرح السنة» للشيخ الفوزان (ص422).
([28]) وانظر: «السنن» للترمذي (ج2 ص318)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص246)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج1 ص235)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص196).
([29]) وانظر: «الإشراف على مذاهب العلماء» لابن المنذر (ج3 ص156).
والفطر: ابتداء بالأول، واستئناف حال أخرى غير الصوم، وكل شيء ابتدأته فقد فطرته، وموضوعه هنا: قطع الصوم الشرعي بالأكل والشرب.
انظر: «الاقتضاب في غريب الموطأ» لليفرني (ج1 ص325).
([30]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج21 ص98)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (ج4 ص247)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج6 ص3225)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج3 ض412)، و«المصنف» لابن أبي شيبة (ج4 ص22)، و«السنن» للدارقطني (ج2 ص88).
([31]) وانظر: «المبدع» لأبي إسحاق الحنبلي (ج1 ص343)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج10 ص62 و63)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج1 ص235)، و«المصنف» لعبد الرزاق (ج4 ص226)، و«مختصر صحيح البخاري» للشيخ الألباني (ج1 ص571)، و«عمدة القاري» للعيني (ج9 ص130).
([32]) وإن من الغرائب أن يتوجه البعض اليوم إلى تحريف هذا الأثر وتأويله على غير ظاهره، وأن قوله: (وقد تقارب غروب الشمس)؛ يدل على طلوع الشمس في الأفق في مكان المغرب.
وفطر أنس بن مالك t في هذا المستوى من الشمس يدل أن أمر الغروب قد دخل عنده، فيجوز له الفطر، وليس الأمر بفطره أنه مسافر، بل أن الشمس عنده قد غربت فدعا بطعام فأكل منه لأن الفطر حل، ثم ذكر أن ذلك من السنة ؛ أي: الفطر بطلوع الشمس وهي في الأفق.
والصحابة الكرام هم عرب، ويتكلمون باللغة العربية، فيعرفون بلغتهم متى يصومون، ومتى يفطرون، لذلك فلا يتجرأ أحد من المقلدة، فيتقدم بين أيديهم في أحكام الدين لا في أقوالهم، ولا في أفعالهم، اللهم غفرا.
وانظر: «الصيام» للفريابي (ص56)، و«جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج1 ص616 و617)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج2 ص155)، و«المسند» للدارمي (ج1 ص79)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج19 ص194)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (ج1 ص489)، و«شرح معاني الآثار» للطحاوي (ج1 ص154).
([33]) قلت: وهذا كله واسع؛ فمن شاء أفطر قبل الصلاة على وجود قرص الشمس بيسير من الأرض، ومن شاء أفطر بمغيب قرص الشمس كله، وكل ذلك من تحقق غروب الشمس، ولا بأس من فعل هذا، وهذا، والله ولي التوفيق.
انظر منه؛ «الموطأ» للإمام محمد بن الحسن (ج2 ص205).
([34]) وانظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص246)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص230)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج6 ص3225)، و«المستدرك» للحاكم (ج4 ص274)، و«المخلصيات» للمخلص (1594)، و«جامع البيان» للطبري (ج15 ص22)، و«تفسير القرآن» لسعيد بن منصور (ج6 ص135)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (ج3 ص1219)، و«صبح الأعشى» للقلقشندي (ج2 ص367).
([38]) ومثله: غروب الشمس عند الصحابة الكرام يطلق عليه غروبا مع وجود قرص الشمس بيسير في آخر النهار، وهم عرب، فيعرفون كيف يطبقون أحكام الدين على معرفتهم بلغتهم، فهم يفطرون في هذا المستوى من الشمس، وأنتم تقولون لا نفطر على هذا ؛ لأن مذهبنا أصح!، فهل أنتم أهدى من أصحاب الرسول r: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص196)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج4 ص589)، و«الصيام» للفريابي (ص56)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج19 ص166).
([40]) وانظر: «المفهم» للأبي العباس القرطبي (ج2 ص459)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (ج1 ص19)، و«جامع البيان» للطبري (ج3 ص262)، و«جامع لأحكام القرآن» لأبي عبد الله القرطبي (ج10 ص368)، و«الوسيط» للواحدي (ج3 ص139)، و«غريب الحديث» للحربي (ج2 ض818)، و«تفسير القرآن» لابن وهب (ج1 ص137)، و«الصيام» للفريابي (ص56)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج3 ص416)، و«المصنف» لابن أبي شيبة (ج4 ص22)، و«نخب الأفكار» للعيني (ج3 ص23).
([42]) قلت: ولا يلتفت إلى من لم يفقه هذا الحكم في تعجيل الإفطار على هذه الطريقة في هذا العصـر، لأن النبي r أفطر ولم يلتفت إلى قول بلال t، والله المستعان.
([43]) لذلك لو تحقق لبلال بن رباح t أن الشمس قد غربت بالكلية ما توقف عن أمر الرسول r، لأنه يعرف حكم غروب الشمس بهذا المستوى لأذانه في المدينة لصلاة المغرب في المسجد النبوي، فهذا لا يخفى عليه، والذي خفي عليه أن وقت الغروب قد دخل مع طلوع الشمس، وحل الإفطار، وحلت صلاة المغرب، فأراد أن يستكشف عن حكم المسألة هذه، فعلمه النبي r صحة هذا الحكم وأنه الحق، وما كان عليه t إلا التسليم لأمر الرسول r.
وانظر: «القبس» لابن العربي (ج2 ص476)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص197).
([44])وهذا مطابق لظاهر القرآن، وشهادة الآثار السلفية له، وموافقته لأصل من أصول الشريعة الغراء: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185]، وعمل الصحابة y بهذا الحكم.
([45]) وهذا يدل أن الشمس في الأفق مرتفعة خلف مرتفع صغير من تل، أو سهل ونحوهما، وذلك من قوله لو ركب أحدنا على بعيره لرأى الشمس طالعة، وكما هو معلوم أن البعير ليس طوله بالعالي الذي يرى فوقه الشمس من خلف جبل مثلا، فانتبه.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص197).
([47]) وإن من العجب أن يتوجه البعض إلى إنكار هذه الألفاظ الصريحة في الحكم، ويفسرها بأن المراد من قوله: (إن عليك نهارا)، وقوله: (الشمس يا رسول الله)؛ إنما قال ذلك لأنه رأى آثار الضياء والحمرة التي بعد غروب الشمس بالكلية!.
قلت: وهؤلاء بقولهم هذا يتهمون وهم لا يشعرون بلال بن رباح t بأنه لا يميز بين صفة الشمس، وبين صفة الحمرة في الأفق؛ أي: أنه لا يعرف في شكل الشمس، وشكل الحمرة: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
لو كان كذلك لقال: يا رسول الله الحمرة، أو الضياء، لأنه يعرف شكل الشمس، ولذلك قال: (الشمس يا رسول الله)، ولم يقل: (الحمرة)؛ لمعرفته بصفة الشمس، وصفة الحمرة، فافهم لهذا.
([48]) وهذا يدل على أن الشمس لم تغب بالكلية، فلذلك سأل بلال بن رباح t النبي r عن هذا الحكم الجديد في تعجيل الإفطار بهذا المستوى من الشمس.
([50]) والمسألة هذه هي إفطار الصائم مع وجود قرص الشمس.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وموضع الدلالة منه ما يشعر به سياقه من مراجعة الرجل له بكون الشمس لم تغرب). اهـ؛ يعني: لم تغرب بالكلية.
([51]) قلت: وعليك بمجانبة كل مذهب، لا يذهب إليه السلف الصالح في أصول الدين وفروعه.
وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص24).
([52]) قلت: وأول من احتج بهذه الآية هو الإمام الشافعي /، ولعله كان أول من احتج للإجماع بنص من الكتاب، وبها احتج أكثر علماء الأصول.
([53]) وانظر: «أحكام القرآن» للشافعي (ج1 ص53)، و«الرسالة» له (ص475)، و«العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1064)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص155)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل ابن تيمية (ج1 ص615)، و«الإحكام» للآمدي (ج1 ص200).
([54]) قلت: والضلال المبين مخالفة سبيل المؤمنين، والتدين بما لم يتدينوا به، والضلالة هي أخذ غير سبيلهم، ونهج غير طريقهم!.
([56]) قلت: وكان ذنب من يعرف الحق، ويزيغ عنه أعظم من ذنب الجاهل، فهو أعظم جرما؛ لأنه اطلع على الحق، وعمل بخلاف ما يقتضيه على سبيل العناد للـه تعالى.
قلت: وسبيل المؤمنين: هو الدين الحنيفي الذي هم عليه، فمن يشاقق الرسول r هو متبع غير سبيل المؤمنين ضرورة، ولكنه بدأ بالأعظم في الإثم، وأتبع بلازمه توكيدا.
وانظر: «البحر المحيط» لأبي حيان (ج3 ص496)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج5 ص385).
([59]) قلت: وزعموا بئسما زعموا: أن أقوال غير المذاهب المختلفة درست، وذهبت، فحكموا على من يخالف هذا المذاهب بالضلال، والشذوذ، فضيعوا آثار الصحابة الكرام وفقههم، وإجماعهم في الدين، ونسبوا إلى الخلافيات المذهبية؛ الحفظ والصحة، وكأنها بمنزلة الذكر الذي تكفل الله بحفظه، فاعتبر!.
([60]) قلت: لأنه لا معنى لمشاقة الرسول r؛ إلا ترك الإيمان، وذلك لأن ترك الاتباع بالكلية هو من اتباع غير سبيل الرسول r، وهذا من الشقاق، بل هو اتباع غير سبيل الصحابة الكرام أيضا، فمن اختاره لنفسه، فقد اختار غير سبيل المؤمنين.
وانظر: «نهاية السول شرح منهاج الوصول» للأسنوي (ج2 ص282)، و«الإبهاج في شرح المنهاج» للسبكي (ج2 ص357).
([61]) انظر: «الإبهاج في شرح المنهاج» للسبكي (ج2 ص354)، و«معراج المنهاج شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول» للجزري (ج2 ص75)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج1 ص338)، و«نهاية السول شرح منهاج الوصول» للأسنوي (ج2 ص281)، و«الإجماع» الباحسين (ص220)، و«الأحكام» للآمدي (ج1 ص208).
([62]) وانظر: «روح المعاني» للآلوسي (ج5 ص132)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج1 ص463)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج3 ص496).
([63]) قلت: وهذا الخلاف محرم، وهو كل ما أقام الله تعالى به الحجة في كتابه، أو على لسان نبيه r منصوصا بينا، فلم يحل الاختلاف فيه لمن علمه.
وانظر: «الرسالة» للشافعي (ص560).
([65]) وانظر: «تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص403)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ج1 ص578)، و«الصحيحة» للشيخ الألباني (ج6 ص904).
([67]) لعل ذلك يكون في موضع آخر.
قلت: وقد ذكرت التفصيل في تخريج قصة: وفد ثقيف في هذا الكتاب نفسه، فرجع إليه.
([68]) وهذا الحديث يدل على شهرة قصة وفد ثقيف على رسول الله r في شهر رمضان وإسلامهم، وأنهم صاموا في رمضان، وقدم وفد ثقيف في سنة تسع من الهجرة.
وانظر: «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (ج5 ص275)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج5 ص32)، و«الروض الأنف» للسهيلي (ج7 ص418).
([69]) قلت: والغروب الثاني كما جاء في الروايات الأخرى، وثبت في هذه الروايات أيضا الغروب الأول، والشمس طالعة حين أفطر الصائم.
([71]) قلت: ففطر الصائم بقرب الغروب ؛ أي: والشمس قرب الأرض من جهة الغروب، كما تدل عليه: (كاد)؛ أي: (حتى كادت الشمس تغرب، وذلك بعد ما أفطر الصائم)، فذكر ذلك للفائدة.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص123).
([73]) قلت: وهذا يدل على أن أثناء مخاطبة عمر بن الخطاب t للنبي r كان وقت إفطار الصائم، وهو أثناء الغروب الأول، والشمس طالعة؛ لأن لا فائدة من ذكر ذلك إذا كان يعني بعد غروب الشمس بالكلية، لأن تكررت كلمة: (بعد ما غربت الشمس)، أي: الغروب الكلي، وهذا الذي دلت عليه الألفاظ الأخرى في نفس يوم الخندق وغيره، والله ولي التوفيق.
([74]) وعلى هذا لا يلتفت إلى المقلدة المتشددة الذين لا يجوزون للصائم أن يفطر في هذا المستوى من الشمس.
([75]) قلت: وذهب عدد من أهل العلم إلى تأويل الأحاديث بالتأويلات البعيدة في إصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق، والصحيح أن الأحاديث تبقى على ظاهرها في دخول وقت صلاة المغرب، وهي طالعة في الأفق لم يغب قرصها في الأرض.
وانظر: «إكمال المعلم» للقاضي عياض (ج2 ص570و571و572)، و«المفهم» للقرطبي (ج2 ص236و237).
([76]) يعني: الشمس طالعة، وهذا يدل أن الشمس لم تغب بالكلية، وهذا وقت دخول صلاة المغرب، وإفطار الصائم.
([77]) قلت: إذا جمعت الروايات المرفوعة، مع الروايات الموقوفة؛ تبين لك أن آخر وقت صلاة العصر عند اصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق بيسير عن الأرض، ومن هنا يتبين لك أنه لا إشكال في كون دخول وقت صلاة المغرب بهذا المستوى من الشمس؛ أي: لم يسقط قرصها كله.
قال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج2 ص573)؛ عن آخر وقت العصر: (وبالاصفرار قال جمهور أئمة الفتوى). اهـ
([78]) قلت: والمراد بقرنها أعلى قرص الشمس.
وانظر: «المفهم» للقرطبي (ج2 ص 236)، و«إكمال إكمال المعلم» للوشتاني (ج2 ص541).
قلت: وصلاة المغرب يجب أن يبكر بها، وتعجل في أول وقتها؛ أي: بمجرد غروب الشمس حتى ننصرف والمنطقة مسفرة جدا، وحتى يرمي أحدنا نبله، فيبصر موقعه لبقاء الضوء الشديد.
([80]) وهذا الغروب هو الثاني، وهو أن الشمس غربت بالكلية.
لذلك لا يجوز التقليد في دخول وقت صلاة المغرب لوضوحه حتى للعوام إذا تدبروا الأدلة.
قال الإمام القرافي /: (منع ابن القصار / التقليد في دخول وقت الظهر لوضوحه حتى للعوام، ولا يرد أن يقال المغرب أوضح؛ لأن المقصود معرفة الوقت من حيث إيقاع الصلاة فيه). اهـ
انظر: «إكمال إكمال المعلم» للوشتاني (ج2 ص542).
([81]) فيقول شيخنا ابن عثيمين / بالغروبين، عند اصفرار الشمس، وهذا الوقت الأول، وعند خفائها، وهذا الوقت الثاني، وهذا هو المراد من ذكر قول شيخنا هنا، أنه ذكر الوقتين للشمس في جهة الغروب، وهذا موافق للسنة والآثار، وإن كان ذكر الغروب الكلي لدخول صلاة المغرب.
([82]) قلت: ولا تدخل الصفرة في الشمس إلا بعد أن تكون في جهة الغرب، وهي طالعة، وهذا وقت دخول صلاة المغرب الأول، كما في الروايات الأخرى، أيضا.
([84]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج18 ص447)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج6 ص343)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج6 ص19)، و«التاريخ» للدوري (ج2 ص376).
([85]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج3 ص451)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج1 ص318)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج1 ص284)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج1 ص345).
([86]) قلت: ولا يستطيع أحد ممن يزعم أنه يعجل الفطر في هذا الزمان ممن ينتسب إلى العلم؛ أن يفطر وقرص الشمس لم يغيب، لأن يصيبه وسواس في نفسه، هل صومه صحيح، أو لا؟!، بل هؤلاء لم يفطروا بغروب الشمس بالكلية؛ لأنهم يفطرون مع الأذان الذي هو متأخر عن غروب الشمس؛ أي: على التقويم الفلكي، اللهم غفرا.
أخرجه البزار في «المسند» (ج7 ص81-تفسير ابن كثير)، وسمويه في «فوائده» (ص77)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج7 ص121).
وذكره السيوطي في «الجامع الكبير» (ج10 ص616).
وله شواهد.
وأورده ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج7 ص81) ثم قال: (هذا حديث مداره على خلف بن موسى بن خلف العمي عن أبيه، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: ربما أخطأ). اهـ
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص311)، ثم قال: رواه البزار عن طريق خلف بن موسى عن أبيه، وقد وثقا، وبقية رجاله رجال الصحيح.
([89]) وانظر: «الجامع الكبير» للسيوطي (ج10 ص616)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص144 و145)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج19 ص166)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج11 ص291).
([90]) وهذا وإن بقى من الشمس يسيرا ترى بالعيون، إلا أنه عند العرب في حكم الغروب، فانتبه.
وانظر: «تهذيب اللغة» للأزهري (ج11 ص291)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج4 ص165).
([95]) قلت: ولا يستطيع أحد ممن يزعم أنه يعجل الفطر في هذا الزمان ممن ينتسب إلى العلم؛ أن يفطر وقرص الشمس لم يغيب، لأن يصيبه وسواس في نفسه، هل صومه صحيح، أو لا؟!، بل هؤلاء لم يفطروا بغروب الشمس بالكلية؛ لأنهم يفطرون مع الأذان الذي هو متأخر عن غروب الشمس، اللهم غفرا.
([97]) وتصحف: «الطويل» إلى «الحارث»؛ ولعل الناسخ أخطأ في نسبته، لأن من شيوخ المعتمر؛ حميد الطويل، ولا يوجد من شيوخه حميد الحارث.
انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص250).
([100]) وانظر: «الحاشية على شرح الخرشي» للعدوي (ج3 ص18)، و«مرقاة المفاتيح» للقاري (ج4 ص478)، و«المنتقى في شرح الموطأ» للباجي (ج2 ص42)، و«القبس» لابن العربي (ج2 ص478).
([107]) وانظر: «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» لابن القيم (ج2 ص208 و210)، و(ج4 ص1453)، و«التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» لابن عبد البر (ج7 ص145).
([109]) وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج5 ص143)، و«جامع البيان» لابن جرير (ج15 ص212)، و«تغليق التعليق» لابن حجر (ج4 ص244)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج10 ص368)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج7 ص2352)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج5 ص121)، و«الوسيط» للواحدي (ج3 ص139)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج6 ص107)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص159)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج31 ص89).
([110]) انظر: «الوسيط في تفسير القرآن» للواحدي (ج3 ص139)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج21 ص86)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج10 ص241)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج3 ص154)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص159)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج15 ص222)، و«تذكرة الأريب» لابن الجوزي (ج1 ص314)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج6 ص107)، و«تفسير المشكل من غريب القرآن» للقيسـي (ص142)، و«تأويل مشكل القرآن» لابن قتيبة (ص264)، و«جامع البيان» لابن جرير (ج15 ص212).
([111]) قلت: فهي تميل وتتحرك عنه شمالا لوجودها، أما إذا اختفت بالكلية، فكيف تميل عن الكهف؟!: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
([112]) وانظر: «الإشراف على مذاهب العلماء» لابن المنذر (ج3 ص156).
والفطر: ابتداء بالأول، واستئناف حال أخرى غير الصوم، وكل شيء ابتدأته فقد فطرته، وموضوعه هنا: قطع الصوم الشرعي بالأكل والشرب.
انظر: «الاقتضاب في غريب الموطأ» لليفرني (ج1 ص325).
([113]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج21 ص98)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (ج4 ص247)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج6 ص3225)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج3 ض412)، و«المصنف» لابن أبي شيبة (ج4 ص22)، و«السنن» للدارقطني (ج2 ص88).
([116]) ومثله: غروب الشمس عند الصحابة الكرام يطلق عليه غروبا مع وجود قرص الشمس بيسير في آخر النهار، والله المستعان.
([117]) وانظر: «المبدع» لأبي إسحاق الحنبلي (ج1 ص343)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج10 ص62 و63)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج1 ص235)، و«المصنف» لعبد الرزاق (ج4 ص226)، و«مختصر صحيح البخاري» للشيخ الألباني (ج1 ص571)، و«عمدة القاري» للعيني (ج9 ص130).
([121]) وانظر: «تحفة الباري» للأنصاري (ج2 ص527)، و«الكواكب الدراري» للكرماني (ج9 ص124)، و«فيض الباري» للكشميري (ج4 ص102)، و«تحفة الأحوذي» للمباركفوري (ج3 ص384)، و«عون المعبود» لأبي عبدالرحمن العظيم آبادي (ج6 ص478).
([122]) قوله r: «فاجدح»؛ بالجيم ثم حاء المهملة، والجدح تحريك السويق بالماء، ويحرك حتى يستوي بالعود يقال له: المجدح، مجنح الرأس يخاض به الأشربة وتستوي، والجدح: خلط الشئ بغيره، والمجدحة: الملعقة.
انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص197)، و«عون المعبود» لأبي عبدالرحمن العظيم آبادي (ج6 ص479)، و«معالم السنن» للخطابي (ج2 ص161)، و«النهاية في غريب الحديث» لأبن الأثير (ج1 ص239)، و«المعلم بفوائد مسلم» للمازري (ج2 ص33)، و«المفصح» لابن هشام (ص87).
([124]) قلت: ولا يلتفت إلى من لم يفقه هذا الحكم في تعجيل الإفطار على هذه الطريقة في هذا العصـر،لأن النبي r أفطر ولم يلتفت إلى قول بلال t، والله المستعان.
([125]) لذلك لو تحقق لبلال بن رباح t أن الشمس قد غربت بالكلية ما توقف عن أمر الرسول r، لأنه يعرف حكم غروب الشمس بهذا المستوى لأذانه في المدينة لصلاة المغرب في المسجد النبوي، فهذا لا يخفى عليه، والذي خفي عليه أن وقت الغروب قد دخل مع طلوع الشمس، وحل الإفطار، وحلت صلاة المغرب، فأراد أن يستكشف عن حكم المسألة هذه، فعلمه النبي r صحة هذا الحكم وأنه الحق، وما كان عليه t إلا التسليم لأمر الرسول r.
وانظر: «القبس» لابن العربي (ج2 ص476)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص197).
([126])وهذا مطابق لظاهر القرآن، وشهادة الآثار السلفية له، وموافقته لأصل من أصول الشريعة الغراء: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185]، وعمل الصحابة y بهذا الحكم.
([127]) وهذا يدل أن الشمس في الأفق مرتفعة خلف مرتفع صغير من تل، أو سهل ونحوهما، وذلك من قوله لو ركب أحدنا على بعيره لرأى الشمس طالعة، وكما هو معلوم أن البعير ليس طوله بالعالي الذي يرى فوقه الشمس من خلف جبل مثلا، فانتبه.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص197).
([129]) وإن من العجب أن يتوجه البعض إلى إنكار هذه الألفاظ الصريحة في الحكم، ويفسرها بأن المراد من قوله: (إن عليك نهارا)، وقوله: (الشمس يا رسول الله)؛ إنما قال ذلك لأنه رأى آثار الضياء والحمرة التي بعد غروب الشمس بالكلية!: ]إن هذا لشيء يراد[ [ص: 6].
قلت: وهؤلاء بقولهم هذا يتهمون وهم لا يشعرون بلال بن رباح t بأنه لا يميز بين صفة الشمس، وبين صفة الحمرة في الأفق؛ أي: أنه لا يعرف في شكل الشمس، وشكل الحمرة: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
لو كان كذلك لقال: يا رسول الله الحمرة، أو الضياء، لأنه يعرف شكل الشمس، ولذلك قال: (الشمس يا رسول الله)، ولم يقل: (الحمرة)؛ لمعرفته بصفة الشمس، وصفة الحمرة، فافهم لهذا.
([130]) وهذا يدل على أن الشمس لم تغب بالكلية، فلذلك سأل بلال بن رباح t النبي r عن هذا الحكم الجديد في تعجيل الإفطار بهذا المستوى من الشمس.
([132]) والمسألة هذه هي إفطار الصائم مع وجود قرص الشمس.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص197): (وموضع الدلالة منه ما يشعر به سياقه من مراجعة الرجل له بكون الشمس لم تغرب). اهـ؛ يعني: لم تغرب بالكلية.
([133]) قلت: وعليك بمجانبة كل مذهب، لا يذهب إليه السلف الصالح في أصول الدين وفروعه.
وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص24).
([136]) وانظر: «تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص403)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ج1 ص578)، و«الصحيحة» للشيخ الألباني (ج6 ص904).
([137]) وقد وهم الحافظ ابن حجر / من عده صحابيا؛ كالطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص448)، وأبي نعيم في «معرفة الصحابة» (3279)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج3 ص43)، وغيرهم.
قال الحافظ ابن حجر / في «التقريب» (ص681): (عطية بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي، صدوق، من الثالثة، ووهم من عده صحابيا). اهـ
([139]) لذلك قول الحافظ الذهبي / في «الكاشف» (ج2 ص235)؛ فيه جهالة فيه نظر لما بينه عنه العلماء في أصول الحديث، لكن سكت عنه الذهبي في «الميزان» (ج3 ص477).
([141]) مثل: وفد ثقيف، فالوفد هذا من الصحابة.
وانظر: «السنن» لابن ماجه (ج2 ص642)، و«السيرة النبوية» لابن هشام (ج4 ص185)، و«الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (ج5 ص275).
([142]) وانظر: للاختلاف: «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (5072)، و«المصنف» لعبد الرزاق (27616)، و«الآحاد والمثاني» لابن أبي عاصم (1371). و«الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (ج4 ص454).
([146]) لعل ذلك يكون في موضع آخر.
قلت: وقد ذكرت التفصيل في تخريج قصة: وفد ثقيف في هذا الكتاب نفسه، فرجع إليه.
([147]) وهذا الحديث يدل على شهرة قصة وفد ثقيف على رسول الله r في شهر رمضان وإسلامهم، وأنهم صاموا في رمضان، وقدم وفد ثقيف في سنة تسع من الهجرة.
وانظر: «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (ج5 ص275)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج5 ص32)، و«الروض الأنف» للسهيلي (ج7 ص418)، و«تاريخ الأمم» للطبري (ج2 ص179)، و«المنتظم في تاريخ الأمم» لابن الجوزي (ج3 ص352 و355)، و«التاريخ الكبير» للبخاري (ج7 ص10).
([148]) قلت: فقد أقر السهيلي قصة وفد ثقيف في عهد رسول الله r، وصومهم في رمضان، وإفطارهم والشمس لم تغب بالكلية.
([149]) قلت: ولم ينكر ابن أبي بكر الحرضي الفطر مع وجود قرص الشمس في الأفق وهي طالعة في قوله: (ما نرى الشمس ذهبت كلها بعد)، بل قال ذلك من السنة.
([150]) قلت: وهذا إقرار ابن كثير في ثبوت قصة وفد ثقيف، ولم ينكر إفطارهم والشمس وهي طالعة بجهة المغرب في عهد النبي r.
([152]) قلت: والغروب الثاني كما جاء في الروايات الأخرى، وثبت في هذه الروايات أيضا الغروب الأول، والشمس طالعة حين أفطر الصائم.
([154]) قلت: ففطر الصائم بقرب الغروب ؛ أي: والشمس قرب الأرض من جهة الغروب، كما تدل عليه: (كاد)؛ أي: (حتى كادت الشمس تغرب، وذلك بعد ما أفطر الصائم)، فذكر ذلك للفائدة.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص123).
([156]) قلت: وهذا يدل على أن أثناء مخاطبة عمر بن الخطاب t للنبي r كان وقت إفطار الصائم، وهو أثناء الغروب الأول، والشمس طالعة؛ لأن لا فائدة من ذكر ذلك إذا كان يعني بعد غروب الشمس بالكلية، لأن تكررت كلمة: (بعد ما غربت الشمس)، أي: الغروب الكلي، وهذا الذي دلت عليه الألفاظ الأخرى في نفس يوم الخندق وغيره، والله ولي التوفيق.
([157]) وعلى هذا لا يلتفت إلى المقلدة المتشددة الذين لا يجوزون للصائم أن يفطر في هذا المستوى من الشمس.
([158]) قلت: وذهب عدد من أهل العلم إلى تأويل الأحاديث بالتأويلات البعيدة في إصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق، والصحيح أن الأحاديث تبقى على ظاهرها في دخول وقت صلاة المغرب، وهي طالعة في الأفق لم يغب قرصها في الأرض.
وانظر: «إكمال المعلم» للقاضي عياض (ج2 ص570و571و572)، و«المفهم» للقرطبي (ج2 ص236و237).
([159]) يعني: الشمس طالعة، وهذا يدل أن الشمس لم تغب بالكلية، وهذا وقت دخول صلاة المغرب، وإفطار الصائم.
([160]) قلت: إذا جمعت الروايات المرفوعة، مع الروايات الموقوفة؛ تبين لك أن آخر وقت صلاة العصر عند اصفرار الشمس، وهي طالعة في الأفق بيسير عن الأرض، ومن هنا يتبين لك أنه لا إشكال في كون دخول وقت صلاة المغرب بهذا المستوى من الشمس؛ أي: لم يسقط قرصها كله.
قال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج2 ص573)؛ عن آخر وقت العصر: (وبالاصفرار قال جمهور أئمة الفتوى). اهـ
([161]) قلت: والمراد بقرنها أعلى قرص الشمس.
وانظر: «المفهم» للقرطبي (ج2 ص 236)، و«إكمال إكمال المعلم» للوشتاني (ج2 ص541).
قلت: وصلاة المغرب يجب أن يبكر بها، وتعجل في أول وقتها؛ أي: بمجرد غروب الشمس حتى ننصرف والمنطقة مسفرة جدا، وحتى يرمي أحدنا نبله، فيبصر موقعه لبقاء الضوء الشديد.
([163]) وهذا الغروب هو الثاني، وهو أن الشمس غربت بالكلية.
لذلك لا يجوز التقليد في دخول وقت صلاة المغرب لوضوحه حتى للعوام إذا تدبروا الأدلة.
قال الإمام القرافي /: (منع ابن القصار / التقليد في دخول وقت الظهر لوضوحه حتى للعوام، ولا يرد أن يقال المغرب أوضح؛ لأن المقصود معرفة الوقت من حيث إيقاع الصلاة فيه). اهـ
انظر: «إكمال إكمال المعلم» للوشتاني (ج2 ص542).
([164]) فيقول شيخنا ابن عثيمين / بالغروبين، عند اصفرار الشمس، وهذا الوقت الأول، وعند خفائها، وهذا الوقت الثاني، وهذا هو المراد من ذكر قول شيخنا هنا، أنه ذكر الوقتين للشمس في جهة الغروب، وهذا موافق للسنة والآثار، وإن كان ذكر الغروب الكلي لدخول صلاة المغرب.
([165]) قلت: ولا تدخل الصفرة في الشمس إلا بعد أن تكون في جهة الغرب، وهي طالعة، وهذا وقت دخول صلاة المغرب الأول، كما في الروايات الأخرى، أيضا.
([167]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج18 ص447)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج6 ص343)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج6 ص19)، و«التاريخ» للدوري (ج2 ص376).
([168]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج3 ص451)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج1 ص318)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج1 ص284)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج1 ص345).
([169]) قلت: ولا يستطيع أحد ممن يزعم أنه يعجل الفطر في هذا الزمان ممن ينتسب إلى العلم؛ أن يفطر وقرص الشمس لم يغيب، لأن يصيبه وسواس في نفسه، هل صومه صحيح، أو لا؟!، بل هؤلاء لم يفطروا بغروب الشمس بالكلية؛ لأنهم يفطرون مع الأذان الذي هو متأخر عن غروب الشمس؛ أي: على التقويم الفلكي، اللهم غفرا.
([170]) طبق السنة في هذا المستوى من الشمس، أحيانا، ولا تلتفت إلى من لا يستطيع أن يطبقها، اللهم غفرا.
([172]) وانظر: «التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج4 ص401)، و«السنن» للترمذي (ج2 ص318)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص196)، و«تغليق التعليق» له (ج3 ص195)، و«الصيام» للفريابي (ص56).
([174]) قدر أهل العلم هذا الارتفاع بمقدار رمح.
انظر: «شرح صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص183).
([175]) وانظر: «شرح صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص183)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (ج10 ص489)، و(ج4 ص247)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج1 ص235)، و«المصنف» لعبدالرزاق (ج4 ص226)، و«المصنف» لابن أبي شيبة (ج4 ص22)، و«المستدرك» للحاكم (ج4 ص274)، و«صبح الأعشى» للقلقشندي (ج2 ص367)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج3 ص416)، و«الصيام» للفريابي (ص56).
([176]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (831)، وأبو داود في «سننه» (3192)، والترمذي في «سننه» (1030)، والنسائي في «السنن الكبرى» (1151)، وفي «المجتبى» (560)، وابن ماجه في «سننه» (1519)، وأحمد في «المسند» (17377)، والثقفي في «الثقفيات» (150)، والفاكهي في «الفوائد» (15)، والسراج في «حديثه» (1543)، و(2340)، وابن بشران في «الأمالي» (ج2 ص113)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (1776)، والروياني في «المسند» (201)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص331)..
([177]) وانظر: «إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج3 ص181)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج2 ص208 و209 و211)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج2 ص260 و261)، و«التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج4 ص401).
([178]) قلت: فالميل هذا في نفسه يسمى غروبا عند العرب.
وانظر: «المعلم بفوائد مسلم» للمازري (ج1 ص311)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج7 ص2343)، و«المصنف» لابن أبي شيبة (ج2 ص336)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج1 ص14)، و«الوسيط» للواحدي (ج3 ص120)، و«تفسير القرآن» لعبدالرزاق (ج1 ص384)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص120)، و«جامع البيان» للطبري (ج15 ص22).
([180]) قلت: وفي هذا القدر من ارتفاع الشمس من الأرض يسمى غروبا عند العرب، وهذا الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة والآثار.
([185]) وانظر: «عمدة القاري» للعيني (ج2 ص234 و236)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج3 ص265 و266)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج2 ص258)، و«فيض الباري» للكشميري (ج1 ص316)، و«المنهاج» للنووي (ج2 ص366).
([186]) فحواجب الشمس: نواحيها؛ الحاجب الأعلى، والحاجب الأسفل، وغير ذلك.
انظر: «عمدة القاري» للعيني (ج4 ص234).
قال الجوهري / في «الصحاح» (ج1 ص107): (حواجب الشمس نواحيها). اهـ
([191]) وانظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج3 ص203)، و«التعليق على صحيح البخاري» للشيخ ابن باز (ج2 ص175)، و«أعلام الحديث» للخطابي (ج1 ص437)، و«إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج3 ص203)، و«مكمل إكمال الإكمال» للسنوسي (ج3 ص178)، و«المفهم» للقرطبي (ج2 ص457)، و«التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج4 ص395)، و«المعلم بفوائد مسلم» للمازري (ج1 ص310).
أخرجه البزار في «المسند» (ج7 ص81-تفسير ابن كثير)، وسمويه في «فوائده» (ص77)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج7 ص121).
وذكره السيوطي في «الجامع الكبير» (ج10 ص616).
وأورده ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج7 ص81) ثم قال: (هذا حديث مداره على خلف بن موسى بن خلف العمي عن أبيه، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: ربما أخطأ). اهـ
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص311)، ثم قال: رواه البزار عن طريق خلف بن موسى عن أبيه، وقد وثقا، وبقية رجاله رجال الصحيح.
([194]) وانظر: «الجامع الكبير» للسيوطي (ج10 ص616)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص144 و145)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج19 ص166)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج11 ص291).
([195]) وهذا وإن بقى من الشمس يسيرا ترى بالعيون، إلا أنه عند العرب في حكم الغروب، فانتبه.
وانظر: «تهذيب اللغة» للأزهري (ج11 ص291)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج4 ص165).
([200]) وانظر: «الكاشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص120)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج7 ص81)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج7 ص2342)، و«جامع البيان» للطبري (ج5 ص22)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج3 ص128)، و«تفسير القرآن» لابن وهب (ج1 ص137)، و«تفسير القرآن» لسعيد بن منصور (ج6 ص135).
([205]) فلما مالت الشمس إلى جهة الغروب، وزالت وأصحبت بالقرب من الأرض، فهذا يسمى غروبا عند العرب، وإن كانت طالعة لم تغب بالكلية.
([206]) فهذه الآية تعني دخول وقت صلاة الظهر، ودخول وقت صلاة المغرب، والله ولي التوفيق.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن أبي زمنين (ج3 ص34)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (ج6 ص120)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص1412)، و«الصحاح» للجوهري (ج4 ص1584)، و«الوسيط» للواحدي (ج3 ص120)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج21 ص21)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج10 ص196)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج6 ص70).
([207]) فقوله: «إذا غاب حاجب الشمس ... حين يغرب حاجب الشمس»؛ رواية شاذة، لأن جميع الروايات الثابتة عن ابن مسعود كان يصلي وقد غربت الشمس، وهي طالعة، فالشمس غربت، أو وهي طالعة بمعنى واحد بالنسبة للغروب، فانتبه.
([208]) وانظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص1174)، و«تهذيب التهذيب» له (ج5 ص76)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج14 ص61)، و«التاريخ» للدوري (ج2 ص288).
([209]) ثم ذكر المثال المذكور أعلاه.
قلت: وهذا يعرفه من درس أصول التفسير على يد علماء السنة.
وانظر: «التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج4 ص401).
([210]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج2 ص1412)، و«الصحاح» للجوهري (ج4 ص1584)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج10 ص191) و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج6 ص70)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج21 ص21)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج4 ص195)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج3 ص128).
([211]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص13)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج2 ص209)، و«عمدة القاري» للعيني (ج4 ص159).
([212]) كان قدوم أنس بن مالك t دمشق في إمارة الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق.
وكان الحجاج بن يوسف، وأميره الوليد بن عبدالملك وغيرهما يؤخرون الصلاة عن وقتها المعتاد.
انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص13)، و«عمدة القاري» للعيني (ج4 ص159).
([214]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص13و14)، و«المحلى بالآثار» لابن حزم (ج3 ص309)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج2 ص207)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج3 ص56 و57)، و«عمدة القاري» للعيني (ج4 ص159)، و«تحفة الباري» للأنصاري (ج1 ص379).
([215]) وانظر: «تفسير القرآن» لابن وهب (ج2 ص72)، و«جامع البيان» للطبري (ج15 ص569)، و«تعظيم قدر الصلاة» للمروزي (ج1 ص123)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج5 ص239)، و«أنوار التنزيل» للبيضاوي (ج2 ص35).
([217]) قلت: وهذا كله واسع؛ فمن شاء أفطر قبل الصلاة على وجود قرص الشمس بيسير من الأرض، ومن شاء أفطر بمغيب قرص الشمس كله، وكل ذلك من تحقق غروب الشمس، ولا بأس من فعل هذا، وهذا، والله ولي التوفيق.
انظر منه؛ «الموطأ» للإمام محمد بن الحسن (ج2 ص205).
([219]) وانظر: «تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر» للشيخ الألباني (ص7 و8)، و«اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص65)، و«الكفاية» للخطيب (ص591)، و«النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص523)، و«المجموع» للنووي (ج1 ص95).
([220]) وانظر: «الكفاية» للخطيب (ص591)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص45)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص208)، و«فتح المغيث» للسخاوي (ج1 ص127)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ج1 ص579)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ص48).
([221]) فإذا قال الصحابي: (سنة)؛ فهو مسند مرفوع، لأنه لا يريد به إلا سنة رسول الله r، وما يجب اتباعه.
([222]) وانظر: «علوم الحديث» لابن الصلاح (ص45)، و«المنهاج» للنووي (ج1 ص30)، و«المجموع» له (ج1 ص59)، و«النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص523)، و«نصب الراية» للزيلعي (ج1 ص314)، و«نهاية السول» للأسنوي (ج3 ص187 و188)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ج1 ص579).
([223]) وانظر: «النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص523)، و«جامع الأصول» لابن الأثير (ج1 ص94 و95)، و«قواطع الأدلة في أصول الفقه» للسمعاني (ص821 و824)، و«التبصرة في أصول الفقه» للشيرازي (ص332)، و«الكفاية في معرفة أصول علم الرواية» للخطيب (ص591 و592).
([228]) ومثله: غروب الشمس عند الصحابة الكرام يطلق عليه غروبا مع وجود قرص الشمس بيسير في آخر النهار، والله المستعان.
([229]) قلت: ولا يستطيع أحد ممن يزعم أنه يعجل الفطر في هذا الزمان ممن ينتسب إلى العلم؛ أن يفطر وقرص الشمس لم يغيب، لأن يصيبه وسواس في نفسه، هل صومه صحيح، أو لا؟!، بل هؤلاء لم يفطروا بغروب الشمس بالكلية؛ لأنهم يفطرون مع الأذان الذي هو متأخر عن غروب الشمس، اللهم غفرا.
([230]) طبق السنة في هذا المستوى من الشمس، أحيانا، ولا تلتفت إلى من لا يستطيع أن يطبقها، اللهم غفرا.
([231]) وتصحف: «الطويل» إلى «الحارث»؛ ولعل الناسخ أخطأ في نسبته، لأن من شيوخ المعتمر؛ حميد الطويل، ولا يوجد من شيوخه حميد الحارث.
انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص250).
([233]) فإذا أفطر الناس جميعا بغروب قرص الشمس بالكلية، فلا حاجة لابن عمر رضي الله عنهما أن يأمر مجاهدا بتغطيته عن الناس، لأنهم اعتادوا الفطر بخفاء قرص الشمس بالكلية، فافطن لهذا.
([236]) الفجاج مسفرة؛ أي بينة مبصرة لا تخفى.
وفي الحديث: (صلاة المغرب) يقال لها: (صلاة البصر)؛ لأنها تؤدى قبل ظلمة الليل الحائلة بين الإبصار والشخوص.
انظر: «تهذيب اللغة» للأزهري (ج12 ص279)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج3 ص159).
([240]) وانظر: «الثمر الداني» للآبي (ص176)، و«شرح مختـصر خليل» للخرشي (ج3 ص17)، و«الحاشية على شرح الخرشي» للعدوي (ج3 ص17)، و«تبيين الحقائق» للزيلعي (ج2 ص211)، و«فيض القدير» للمناوي (ج2 ص1416)، و«رمز الحقائق» للعيني (ج1 ص135)، و«النهر الفائق» لابن نجيم (ج2 ص5)، و«الحاشية على منهج الطلاب» للجمل (ج3 ص432).
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (126)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (205)، والمروزي في «السنة» (836)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (191).
وإسناده صحيح.
([246]) انظر: «معالم التنزيل» للبغوي (ج2 ص242)، و«الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج3 ص826).
قال ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص91): (أمر تعالى برد ما تنازع فيه المؤمنون إلى الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأخبرهم أن ذلك خير لهم في العاجل وأحسن تأويلا في العاقبة). اهـ
نقله عنه ابن تيمية في «الفتاوى» (ج20 ص212)، وابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص470).