الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / المنهج السوي في صفة عمرة النبي صلى الله عليه وسلم

المنهج السوي في صفة عمرة النبي صلى الله عليه وسلم
المنهج السوي
في
صفة عمرة النبي r
تأليف
فضيلة الشيخ أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
ومعه: فوائد للمعتمرين وهي:
(1) إضاءة في اتباع الرسول r في صفة العمرة.
(2) شروط الالتحاق بالحملة للعمرة المباركة.
(3) توجيهات للمعتمرين أثناء السفر.
(4) آداب السفر.
(5) أحكام السفر.
(6) إرشادات للمعتمرين عند الوصول إلى الفندق.
(7) نصائح للمعتمرين.
(8) نصائح للنساء.
(9) فضل العمرة.
(10) أداء العمرة بالصور.
(11) المختصر في كيفية أداء العمرة.
(12) آداب المسافر عند رجوعه إلى بلده.
بسم الله الرحمن الرحيم
الله تعالى عوني، وبه توفيقي
إضاءة
في اتباع الرسول r في صفة العمرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحابته، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد،
فمن فضل هذا البيت الحرام، وشرفه عند الله، وعظم قدره أنه لا يأتيه زائر بحج، أو عمرة إلا خاضعا خاشعا متذللا في ظاهره، وباطنه معظما لحرمته مجلا له، ولقدره، فشرع له عند زيارته أن يتبع النبي r، بأن يؤدي كل عبادة على الوجه المشروع، فيتقيد المسلم بما بينه النبي r من أحكام وفقه الدين.
لأن التفقه بالأحكام في الدين من أفضل الأعمال، وهو علامة الخير.
فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (من يرد الله به خيرا، يفقهه في الدين).([1])
وذلك لأن التفقه في الدين يحصل به العلم النافع الذي يقوم عليه العمل الصالح.
قال تعالى: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق﴾ [الفتح:28].
فالهدى: هو العلم النافع.
ودين الحق: هو العمل الصالح.([2])
وقد أمر الله تعالى نبيه r أن يسأله الزيادة من العلم.
فقال تعالى: ﴿وقل رب زدني علما﴾ [طه:114].
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (ج1 ص187): (وقوله عز وجل: ﴿وقل رب زدني علما﴾ واضح الدلالة في فضل العلم؛ لأن الله لم يأمر نبيه r بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم). اهـ
ثم اعلم أيها القارئ الكريم: أن العلم النافع إنما يستمد من الكتاب والسنة، تفهما وتدبرا، مع الاستعانة على ذلك بالمشايخ الناصحين.
وإليك الدليل على اتباع النبي في صفة العمرة:
(1) قال تعالى: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ [الحشر:7].
(2) وقال تعالى: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم﴾ [آل عمران:31].
(3) وقال تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا﴾ [الأحزاب:21].
(4) وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن النبي r قال: (لتأخذوا مناسككم). [رواه مسلم في صحيحه (1297)].
(5) وعن عمر بن الخطاب t قال: (نأخذ بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام قال الله: ﴿وأتموا الحج والعمرة لله﴾ وإن نأخذ بسنة النبي r). [رواه البخاري في صحيحه (ج2 ص565)].
والله ولي التوفيق
بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا بالله
ذكر شروط الالتحاق بالحملة
أثناء الرحلة إلى العمرة المباركة
الحمد لله الذي شرح صدورنا بالهداية إلى الإسلام، ووفقنا للتفقه في الدين، وما شرعه من بديع الأحكام، والصلاة والسلام على رسوله محمد المبعوث رحمة للأنام، وعلى آله وصحبه الكرام.
أما بعد،
فإنه لما كان بيت الله تعالى الحرام معظما مشرفا جعلنا له بعض الشروط المفيدة لمن أراد العمرة مع الحملة شرفها الله تعالى، حتى تكون عمرة العبد قربة صحيحة إلى الله تعالى في حله وترحاله لينال بذلك رضى الله تعالى، وثوابه في الدنيا والآخرة.
وإليكم - وفقكم الله - هذه الشروط التي نقصد من ورائها راحة المعتمرين أثناء رحلة العمرة، وهي كما يلي:
(1) الحرص على تعليم صفة عمرة النبي r.
(2) الالتزام بالأخلاق الحميدة.
(3) الالتزام بالتعاون على البر والتقوى مع المعتمرين.
(4) الاستماع إلى أوامر، وتوجيهات، وإرشادات المسؤولين والمسؤولات في الحافلة والفندق.
(5) الالتزام بالهدوء في الحافلة، وفي الفندق أثناء رحلة العمرة المباركة.
(6) عدم التأخر في المحطات أثناء النـزول فيها لتأدية الصلاة، أو قضاء الحوائج.
(7) ضبط الأطفال في الفندق قدر المستطاع، وعدم إزعاج المسلمين.
(8) الحرص على الالتزام بأنظمة الحملة لتكون قدوة للمعتمرين.
(9) الحرص على اغتنام الأوقات في الطاعات قدر المستطاع.
(10) يجب على المرأة أن تعتمر مع محرم بالغ.
(11) عدم الإكثار من المزاح مع المعتمرين.
(12) عدم الإكثار من الضحك.
(13) عدم النـزول في جسر الملك فهد إلا بأذن المسؤولين والمسؤولات في الحافلة.
(14) عدم النـزول عند مكتب الجوازات إلا بأذن مسؤولي الجوازات.
(15) التزام المعتمرين – بارك الله فيهم – بوقت الحضور والمغادرة في السفر، وفي الفندق، وفي الدروس وفي الرحلات الترفيهية، وسوف يحدد لهم الوقت في جميع هذه الأمور في أثناء الرحلة.
(16) الالتزام بالتعاون في حمل العفش في الحافلة، وتنـزيله منها في الفندق.
(17) عدم التدخين أثناء الرحلة نهائيا.
(18) عدم سهر الشباب في أي غرفة من غرف الفندق، حتى لا يحدث أي إزعاج للمعتمرين، وزوار الفندق.
(19) من أراد أي خدمة في الفندق فعليه أن يبلغ موظفي الفندق، أو مسؤولي الحملة.
(20) المحافظة على الصلوات الخمس أثناء الرحلة.
(21) عدم جلوس الشباب في ممرات الفندق.
(22) عدم جلوس الشابات في ممرات الفندق.
(23) المحافظة على أجزاء الحافلة، وأجزاء الفندق، فأي كسر، أو تلف لذلك، فيلتزم به صاحبه بدفع غرامة لأصحاب الحافلة، ولأصحاب الفندق.
(24) التزام جميع المعتمرين بارك الله فيهم بحضور الدروس العلمية على رسم الجداول التي توزع عليهم من مسؤولي الحملة.
(25) اجتناب الفتن ما ظهر منها وما بطن أثناء الرحلة.
(26) عدم تضيع الوقت بكثرة الذهاب إلى السوق أثناء الرحلة.
(27) الاهتمام بالعبادة أثناء الرحلة.
(28) يجب على المعتمرات الكريمات –بارك الله فيهن- الالتزام بالحجاب الشرعي، أثناء السفر، وتأدية العمرة، والذهاب للحرم، والسوق وغير ذلك.
(29) عدم خروج المرأة للسوق إلا مع محرمها، أو برفقة نساء.
(30) على أولياء أمور الأطفال إرشادهم دائما أثناء الرحلة، وعدم اللعب بالمصاعد، أو بجزئيات الفندق أثناء الرحلة.
(31) حث الأطفال على الدروس العلمية، والالتزام بوقتها على حسب الجدول المرسوم لهم.
(32) الحرص على القدوة، لتكون أيها المعتمر الكريم قدوة للمسلمين في كل مكان.
فهذه ضوابط للمعتمرين - وفقهم الله - عليهم باستغلالها في أثناء الرحلة للحرص على النظام وبذلك يعم الخير للفئام.
وختاما نسأل الله تعالى أن يوفق المعتمرين لما يحب ويرضى، ويأخذ بنواصيهم للبر والتقوى، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبالله أستعين، وحسبي الله ونعم الوكيل
ذكر التوجيهات الأثرية الصحيحة
للمعتمرين الكرام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله r، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد،
فهذه توجيهات نذكرها للمسافر الكريم في سفره الميمون، وهي توجيهات سديدة، وإرشادات فريدة، وفوائد لطيفة، نسديها إليك داعين الله تعالى أن يجعل عمرتك مبرورة.
وإليك التوجيهات:
(1) أخذ التطعيم من أقرب مركز صحي في مدينتك قبل السفر بإسبوع؛ لحفظ صحتك، وسلامة جسمك من الأمراض بإذن الله تعالى الشافي.
(2) لا تشرب الماء إلا من مصدر تطمئن من سلامته من التلوث؛ لأن استعمال مياه غير معروفة المصدر قد تكون ملوثة؛ فتضر بصحتك.
(3) عليك بأكل الفاكهة، والخضار، فهي صيدلية متنقلة كاملة، تزود الجسم بالصحة والعافية، وترفع مناعته، ولا تأكل خضارا، أو فاكهة قبل غسلها جيدا، لأن عدم غسلها قد تكون ملوثة فتضر بصحتك.
(4) اغسل يديك جيدا بالماء، والصابون العشبي قبل تناول الطعام وبعده، وعدم تناول الأطعمة غير المضمونة المصدر.
(5) لكي يكون طعامك مأمونا اعتمد بقدر الإمكان على حديث الصنع، والمشروبات الطبيعية السليمة.
(6) اشرب السوائل الطبيعية، وبكميات كافية يمكن الاستفادة منها عند اشتداد درجة حرارة الجو، وارتفاع نسبة الرطوبة فيه أثناء السفر.
(7) تحلية المشروبات بالسكر الأسمر الطبيعي، والعسل الطبيعي، والامتناع عن السكر الأبيض - إلا عند الحاجة - لمضرته على الأسنان، والعظام، والجسم عموما.
(8) العناية بنظافة الفم، والأسنان عن طريق السواك، أو المعجون أثناء السفر.
(9) أكل الروب مع كل وجبة إن أمكن، لتفادي أضرار التسمم، لأن الروب يحتوي على مضادات حيوية طبيعية.
(10) أكل التمر والزبيب، فإنهما يساعدان على نشاط الجسم أثناء السفر.
(11) الاهتمام بنخالة القمح في كل وجبة إن أمكن، لتجنب الإمساك، وتخفيف الأمراض المزمنة، وتقوية العظام والمفاصل.
(12) عند الأمراض يمكن العلاج بالمضادات الحيوية الطبيعية كـ (العسل، أو القسط، أو الحبة السوداء، أو خل التفاح الطبيعي، أو الشعير، أو الزنجبيل، أو حبوب اللقاح).([3])
(13) شرب ماء زمزم، لحفظ الصحة، ونيل الأجر، وتطبيق السنة.
(14) شرب منقوع الزعتر، أو الميرمية؛ لعلاج كثير من العلل، وحفظ الجهاز الهضمي من الجراثيم، وإخراج الغازات من البطن.
(15) التقليل ما أمكن من شرب المياه الغازية، والمعلبات، والحلويات، والدهون والنشويات؛ لأنها ضارة لصحة الجسم إذا كثرت، وأكل بعدها الخضروات، أو الفواكه.
(16) أكل الخبز الأسمر، وعدم أكل الخبز الأبيض - وإن كان لابد - فيؤكل معه بعض الأطعمة المفيدة التي سبق ذكرها.
(17) عدم الإكثار من الأدوية المصنعة لأنها مضرة - إلا عند الضرورة، أو الآلام التي قد تطول عند المريض - بعد محاولات من أخذ الأدوية الطبيعية.
(18) تنشيط المناعة بالرياضة؛ لأن ممارسة الأنشطة الرياضية المعقولة من أهم العوامل التي تساعد على وقاية العبد من الأمراض العضوية والنفسية، حيث يترتب على التنشيط المستمر للجسم إمداد الأعضاء، والأنسجة المختلفة إمدادا وفيرا بالعناصر الحيوية، مثل: الأكسجين، والسكر، والأحماض الأمينية، والدهنيات، والفيتامينات، والعناصر المعدنية.
وتنتقل هذه المواد إلى خلايا الجسم، وأنسجته بواسطة الدم الذي يساعد على النشاط الرياضي المعقول على تدفقه، ووصوله إلى الأنسجة، والعضلات.
ولذلك نجد أن ممارسة الرياضة المعقولة تجدد حيوية العضلات، والقلب، والجهاز الهضمي، والغدد، والجهاز التنفسي، والكبد، والكلية، والمخ، والأعصاب، وتزيد نشاطها، كما تساعد على صحة وسلامة العظام، والأوعية الدموية، والجهاز المناعي.
(19) يستحسن أثناء السفر أن يكون الأكل خفيفا؛ لأنه أسهل للهضم، وعدم ترك الأكل مكشوفا.
(20) احذر من تلوث الحليب، واللبن، والروب أثناء السفر.
(21) احرص على حماية نفسك من تقلبات الطقس، فلا تعرض نفسك لنـزلات البرد، أو ضربات الشمس، والتركيز على المشروبات الساخنة الطبيعية، مثل: الزنجبيل، والكركديه، والشاي الأخضر، والنعناع وغير ذلك.
(22) سارع إلى الطبيب عند إحساسك بأي توعك، أو مرض؛ لأن اهتمام المعتمر بصحته يعتبر واجبا دينيا لا يصح إهداره.
(23) يستحسن أن تكون الملابس قطنية خفيفة واسعة تلبس أثناء السفر... والتي تساعد على امتصاص العرق مرة بعد مرة، وبالتالي تنخفض درجة حرارة الجسم.
(24) لابد من استحضار المستلزمات الضرورية، من: مقص، وفوط صغيرة، وقطن، وشاش، ولزقات، وقفازات، وورق محارم العادي والمعطر، ومطهر، وغير ذلك.
(25) الابتعاد عن الازدحام، وإذا اضطر المسافر فلا يطيل فيه، ولا يتعرض للشمس فترات طويلة.
(26) لا تنسى نصيبك من الراحة، وأعط جسدك قسطا كافيا من النوم الهادئ؛ لأن الإفراط في السهر يرهق، ويؤثر على طاقة المعتمر... فإن لبدنك عليك حقا، فيجب مراعاة ذلك قدر الإمكان.
(27) الالتزام بالراحة التامة عند الإصابة بأي مرض خاصة إذا كان مصحوبا بارتفاع درجة الحرارة.
(28) يستحسن تحريك القدمين أثناء الجلوس؛ فيحرك القدم إلى أعلى مع رفع الكعب، وتثبيت أصابع القدم على الأرض، ثم العكس بضغط الكعب على الأرض، ورفع القدم إلى أعلى، وذلك طوال فترة الجلوس؛ لأن تحريك عضلات الساق يساعد في دفع الدم داخل الأوردة في مساره الطبيعي، ويستحسن الاستغناء عن لبس الحذاء، أو أي ملابس ضيقة طوال الرحلة.
(29) لا تحبس البول لمدة طويلة خصوصا أثناء السفر؛ كحرص منك على الاحتفاظ بوضوئك لفترة طويلة؛ لأن ذلك يؤدي إلى احتقان الجهاز البولي ككل، وسهولة إصابته بالالتهابات.
(30) الوقوف للراحة، وتحريك المفاصل عند وقوف الحافلة للتزود بالوقود، أو الاستراحة.
(31) اعلم أن الصداع يزول بالراحة؛ فعليك بذلك، ولا يلزم له دواء.
(32) اعلم أن آلام المفاصل تزول بالحركة بين فترة، وأخرى.
(33) عدم التعرض لتيار هوائي مستمر أثناء السفر.
(34) الإقلال من المجهود العضلي؛ كالمشي في الأسواق ساعات عديدة عند اشتداد درجة حرارة الجو.
جعل الله التوفيق حليفك، والتسديد رفيقك، وجنبك مضلات الأهواء، والفتن ما ظهر منها وما بطن.
بسم الله الرحمن الرحيم
رب سهل يا كريم
ذكر الدليل على الآداب الصحيحة
في السفر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فهذه آداب شرعية ليقتدي المسافر بها على الطريقة المثلى، ولمن أراد أن يتمسك بالعروة الوثقى، ويقتفي سبيل الهدى والرشاد، ويحسن سفره بالانقياد، وبأوفر عتاد وزاد.
وإليك آداب السفر:
(1) المسافر يتزود لسفره:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: ﴿وتزودوا فإن خير الزاد التقوى﴾ [البقرة:197]. [رواه البخاري في صحيحه (1523) ].
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح (ج3 ص384): (قال المهلب في هذا الحديث من الفوائد: إن ترك السؤال من التقوى، ويؤيده أن الله مدح من لم يسأل الناس إلحافا، أي: تزودوا واتقوا أذى الناس بسؤالكم إياهم والإثم في ذلك). اهـ
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (خرجنا ونحن ثلاث مائة نحمل زادنا على رقابنا) [رواه البخاري في صحيحه (983) ومسلم في صحيحه (1935)].
قلت: فعلى المسافر أن يتزود بالمال، والطعام، والشراب وغير ذلك من حاجيات السفر للعمرة.
قال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص52): (يستحب أن يستكثر من الزاد، والنفقة ليواسي منه المحتاجين، وليكن طيبا لقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم﴾ [البقرة:267]). اهـ
قلت: والطيب: الجيد.
(2) دعاء توديع المسافر:
فعن عبدالله الخطمي t قال: كان النبي r إذا أراد أن يستودع الجيش قال: (أستودع الله دينكم، وأمانتكم، وخواتيم أعمالكم) [حديث صحيح، رواه أبو داود في سننه (2601) بإسناد صحيح ].
وعن موسى بن وردان قال: أتيت أبا هريرة أودعه لسفر أريده، فقال أبو هريرة t: ألا أعلمك يا ابن أخي شيئا علمنيه رسول الله r أقوله عند الوداع؟ قلت: بلى، قال: (قل أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه). وفي رواية: (قل أستودعك الله...). [حديث حسن، رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (508)، وأحمد في المسند (ج2 ص403)].
قال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص62): (يستحب أن يودع أهله، وجيرانه، وأصدقاءه، أن يودعوه، ويقول كل واحد منهم لصاحبه: أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتم عملك). اهـ
قلت: ولا بأس أن يقال له: زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيث كنت.
(3) الدعاء للمسافر بالتثبيت والهداية:
فعن جرير بن عبد الله t - عندما أرسله النبي r في غزوة – قال: وكنت لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري، وقال النبي r: (اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا) [رواه البخاري في صحيحه (3020) ومسلم في صحيحه (2476) ].
(4) الوصية قبل السفر المخوف:
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) [رواه البخاري في صحيحه (ج5 ص355) ومسلم في صحيحه (1627)].
قال النووي رحمه الله في المنهاج (ج11 ص84): (وقد أجمع المسلمون على الأمر بها، لكن مذهبنا، ومذهب الجمهور أنها مندوبة لا واجبة، لكن إن كان على الإنسان دين، أو حق، أو عنده وديعة، ونحوها لزمه الإيصاء بذلك، ويستحب تسجيلها، وأن يكتبها في صحيفته، ويشهد عليه فيها، ويكتب فيها ما يحتاج إليه، فإن تجدد له أمر يحتاج إلى الوصية به ألحقه بها). اهـ
وقال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص49): (ويكتب وصيته، ويشهد عليه بها، ويوكل من يقضي عنه ما لم يتمكن من قضائه من ديونه، ويترك لأهله، ومن تلزمه نفقته نفقتهم إلى حين رجوعه). اهـ
(5) الدعاء عند الركوب على الراحلة لمن أراد السفر:
قال تعالى: ﴿وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ÇÊËÈ لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ÇÊÌÈ وإنا إلى ربنا لمنقلبون﴾ [الزخرف:12-14].
وعن ابن عمر علمهم أن رسول الله r كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال ﴿سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ÇÊÌÈ وإنا إلى ربنا لمنقلبون﴾ اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون) [رواه مسلم في صحيحه (ج9 ص110)].
وعن عبد الله بن سرجس t قال: (كان رسول الله r إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال) [رواه مسلم في صحيحه (ج9 ص111)].
قال النووي رحمه الله في المنهاج (ج9 ص111): (مقرنين: مطيقين وعثاء بفتح الواو وسكون العين المهملة هي الشدة والكآبة هي تغير النفس من حزن وغيره، والمنقلب المرجع، والحور بعد الكور معناه الرجوع من الاستقامة، أو الزيادة إلى النقص، أو الرجوع من الخير إلى شيء من الشر). اهـ
(6) استحباب السفر يوم الخميس إذا تيسر السفر فيه:
فعن كعب بن مالك t أن النبي r: (خرج يوم الخميس في غزوة تبوك وكان يحب أن يخرج يوم الخميس). [رواه البخاري في صحيحه (ج6 ص113)].
وعن كعب بن مالك t كان يقول: (لقلما كان رسول الله r يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس) [رواه البخاري في صحيحه (ج6 ص113)].
قلت: ومعناه يكون خروجه r في السفر قليلا في الأيام، إلا يوم الخميس، وهذا يدل على استحباب السفر يوم الخميس.([4])
قال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص59): (يستحب أن يكون سفره يوم الخميس). اهـ
(7) البحث عن الرفقة الصالحة قبل السفر، وذلك لنهي المسلم عن السفر وحده:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي r قال: (لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده) [رواه البخاري في صحيحه (2998)].
قلت: في الحديث النهي عن سفر المسلم وحده، وعليه في سفره أن يسافر مع رفقة صالحة تعينه على الطاعة، ولا يسافر وحده إلا للضرورة.([5])
قال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص257): (ينبغي أن يطلب له رفيقا موافقا راغبا في الخير كارها للشر إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن تيسر مع هذا كونه من العلماء فليتمسك به فإنه يعينه على مبار الحج، ومكارم الأخلاق، ويمنعه بعلمه وعمله من سوء ما يطرأ على المسافر من مساوئ الأخلاق...). اهـ
وقال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص66): (كره رسول الله r الوحدة في السفر). اهـ
فينبغي أن يسير مع الناس، ولا ينفرد بطريق، ولا يركب بنيات الطريق([6])، فإنه يخاف عليه الآفات بسبب ذلك.
ويستحب أن يركب حافلة، أو سيارة قوية من الطراز الجديد، لكي لا يحصل له بذلك أي ضرر يلحقه أثناء السفر، كما يحصل الضرر من الحافلة، والسيارة الضعيفة القديمة، والله المستعان.
قال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص54): (يستحب أن يحصل مركوبا قويا، وطيئا). اهـ
قلت: فيجب على المسافر أن يتخير وسيلة المواصلات المناسبة والمريحة أثناء سفره، وذلك بما لا يشق عليه، حيث إن وسيلة المواصلات الضعيفة، أو القديمة، كالسيارة كثيرة الأعطال ونحوها، مما يضيق أخلاق المسافرين ويعطلهم عن أداء مصالحهم، بل قد يغري بينهم الشحناء والخلاف مما يفسد عليهم سفرهم.
(8) الإيثار في السفر:
فعن أبي موسى t قال: (خرجنا مع النبي r في غزوة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي وسقطت أظفاري، وكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا). [رواه البخاري في صحيحه (4128) ومسلم في صحيحه (1816)].
قلت: والحديث يدل على استحباب الإيثار، لأنه يعتبر إعانة للأخوة في السفر، لكي لا يشق عليهم.
والإيثار: من الأثرة، يقال: رجل أثر: يستأثر على غيره بالخير.([7])
قلت: فإذا كان من إخوانكم من لا مال له إلا اليسير، فاستأثروا عليه بشيء من مالكم، فإن ذلك يعينه على أداء الطاعة بأكمل وجه.
(9) تحريم الاختلاف في السفر:
فعن سعيد بن أبي بردة قال: سمعت أبي. - يعني أبا موسى - قال: بعث النبي r أبي ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقال: (يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا) [رواه البخاري في صحيحه (7172) ومسلم في صحيحه (1733)].
قلت: فعلى المسافرين أن يتفقوا على أن يكون الكتاب والسنة حكما فيما بينهم، لأنهما يؤلفا القلوب التي تؤدي إلى إتمام السفر بأكمل وجه من الحصول على الراحة والطمأنينة في أداء الطاعة.
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (ج13 ص162): (قوله: (وتطاوعا) أي توافقا في الحكم، ولا تختلفا، لأن ذلك يؤدي إلى اختلاف أتباعكما، فيفضي إلى العداوة ثم المحاربة، والمرجع في الاختلاف إلى ما جاء في الكتاب والسنة، كما قال تعالى: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾). اهـ
قلت: فاختلاف المسافرين يؤدي إلى ذهاب القوة، ويفضي إلى العداوة فيما بينهم، ويفرق الجماعة، ويشتت الأفكار، ومن ثم تضيع الطاعة عن الكل، أو البعض، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (ج13 ص163): (في الحديث الحض على الاتفاق لما فيه من ثبات المحبة، والألفة، والتعاون على الحق). اهـ
قلت: وفي الحديث الأمر بالتيسير في الأمور، والرفق بالمسافرين، وتحبيب الإيمان إليهم، وترك الشدة لئلا تنفر قلوبهم، ولا سيما فيمن كان قريب العهد بالإسلام، أو قارب حد التكليف من الصغار ليتمكن الإيمان من قلبه، ويتمرن على الطاعة.([8])
قال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص66): (وينبغي أن يستعمل الرفق، وحسن الخلق... ويتجنب المخاصمة والمخاشنة، ومزاحمة الناس في الطريق). اهـ
قلت: فينبغي للمسافر أن يحرص على رضا رفيقه في جميع طريقه، ويحتمل كل واحد صاحبه، ويرى لصاحبه عليه فضلا وحرمة، ولا يرى ذلك لنفسه، ويصبر عليه عند الخصام، والله المستعان.
(10) المسافر لا يصحب معه كلبا ولا جرسا ولا يستمع إلى الغناء مزامير الشيطان:
فعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس) [رواه مسلم في صحيحه (ج3 ص1672)].
وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (الجرس مزامير الشيطان) [رواه مسلم في صحيحه (ج3 ص1672)].
فنهى النبي r عن السفر مع رفقة فيها جرس، لأن الجرس مزامير الشيطان فعلم من ذلك أنه لا يجوز السفر مع رفقة فيها جرس، لأن الجرس مزامير الشيطان من الأغاني المحرمة التي تغضب ربنا عز وجل.([9])
قلت: فكن أيها المسلم الكريم لنفسك ناصحا أمينا صادقا في دين الله تعالى قبل أن يأتي عليك يوم تقول فيه ﴿يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله﴾ [الزمر:56].
(11) يستحب للمسافر إذا صعد كبر وإذا هبط سبح. وأرفق بنفسه، وصوته، لأنه يكره رفع الصوت في هذا الذكر:
فعن أبي موسى الأشعري t قال: (كنا مع رسول الله r فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا. فقال النبي r: (يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه معكم إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده) [رواه البخاري في صحيحه (2992) ومسلم في صحيحه (2705)].
قلت: ومعنى: (أربعوا على أنفسكم) أي أرفقوا بأنفسكم، واخفضوا أصواتكم.([10])
وبوب عليه البخاري رحمه الله في صحيحه (ج6 ص135): باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا) [رواه البخاري في صحيحه (2994)].
قال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص68): (السنة إذاعلا شرفا من الأرض كبر، وإذا هبط واديا ونحوه سبح، وتكره المبالغة برفع الصوت في هذا التكبير والتسبيح). اهـ
فمناسبة التسبيح في الأماكن المنخفضة من جهة أن التسبيح هو التنزيه، فناسب تنزيه الله عن صفات الانخفاض، كما ناسب تكبيره عند الأماكن المرتفعة.([11])
(12) ما يقول المسافر إذا نزل منزلا:([12])
فعن خولة بنت حكيم السلمية قالت: سمعت رسول الله r يقول: (من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) [رواه مسلم في صحيحه (2708)].
(13) كيفية نوم المسافر بالليل وقبل الفجر:
عن أبي قتادة t قال: (كان رسول الله r إذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفه) [رواه مسلم في صحيحه (683)].
قلت: إنما نصب ذراعه r لئلا يستغرق في النوم فتفوت صلاة الصبح عن وقتها.
وقوله: (وإذا عرس) أي نزل ليستريح.([13])
(14) ما يقول المسافر إذا أسحر:
عن أبي هريرة t أن النبي r كان إذا كان في سفر، وأسحر يقول: (سمع سامع بحمد الله، وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا، وأفضل علينا عائذا بالله من النار) [رواه مسلم في صحيحه (2718)].
قوله: (وأسحر) أي قام في السحر، أو انتهى في سيره إلى السحر، والسحر: قبيل الصبح.
وقوله: (سمع سامع) معناه: شهد شاهد على حمدنا لله تعالى على نعمه، وحسن بلائه.
وقوله: (صاحبنا): أي كن معنا معية خاصة، وأحفظنا، وأحطنا، وأفضل علينا بجزيل نعمك، واصرف عنا كل مكروه. ([14])
(15) المسلم يخدم المسافرين في السفر:
فعن أنس بن مالك t قال: (صحبت جرير بن عبد الله فكان يخدمني) وهو أكبر من أنس، قال جرير t: إني رأيت الأنصار يصنعون شيئا لا أجد أحدا منهم إلا أكرمته) [رواه البخاري في صحيحه (2888)].
وفي رواية لمسلم في صحيحه (2513): (آليت أن لا أصحب أحدا منهم إلا خدمته).
آليت: أي حلفت.([15])
(16) أجر من يحمل متاع المسافرين في السفر:
فعن أبي هريرة t عن النبي r قال: (كل سلامى عليه صدقة، كل يوم يعين الرجل في دابته يحامله عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة، وكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة، ودل الطريق صدقة) [رواه البخاري في صحيحه (2891) ومسلم في صحيحه (1009)].
(17) أمير المسافرين يطاع في المعروف:
فعن علي بن أبي طالب t قال: قال رسول الله r: (إنما الطاعة في المعروف). [رواه البخاري في صحيحه (7145) ومسلم في صحيحه (1840)].
قلت: فلا يطاع الأمير على الجماعة من الناس في السفر إلا إذا وافق الكتاب والسنة، في الفتاوى وغيرها، أما مجرد ذكره لآراء الرجال فلا يطاع، إنما الطاعة في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r بفهم السلف الصالح الصحيح.
لذلك فعلى الأمير في السفر أن يتعاهد الناس بالنصح السلفي، والوصايا السلفية، والأحكام الأثرية، والله ولي التوفيق.
قلت: وكان النبي r يؤمر أهل العلم على الناس في السفر إذا خرجوا للمغازي وغيرها.([16])
قال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص67): (فينبغي أن يؤمروا على أنفسهم أفضلهم وأجودهم رأيا ثم ليطيعوه). اهـ
قلت: لأنه حفظ مضار السفر، وهو المقصود بالذات، لأن التأمير إنما طلب لذلك.
(18) الطب والمداواة في السفر:
فعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: (كنا مع النبي r نسقي، ونداوي
الجرحى، ونرد القتلى) [رواه البخاري في صحيحه (2883)].
قلت: فكان من هديه r فعل التداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله، وأصحابه y أجمعين.
وكان علاجه للمرض ثلاثة أنواع:
أحدهما: بالأدوية الطبيعية، فاحتجم r وأعطى الحجام أجره وغير ذلك.
والثاني: بالأدوية الإلهية، فكان r يتعوذ من الجان، ومن العين، وأمر بالرقية للمريض وغير ذلك.
والثالث: بالمركب من الأمرين.
(19) الرفق بالنساء في السفر:
فعن أنس t أن النبي r كان في سفر، وكان غلام يحدو([17]) بهن يقال له أنجشة فقال: النبي r: (رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير) [رواه البخاري في صحيحه (6162) ومسلم في صحيحه (1812)].
وبوب عليه النووي في المنهاج (ج15 ص80): باب رحمته r النساء، والرفق بهن.
قال النووي المنهاج (ج15 ص80): (رويدك): ومعناه الأمر بالرفق بهن. (وسوقك): أي إرفق في سوقك بالقوارير). اهـ
قلت: والمراد من القوارير ضعفة النساء.
قلت: ولا بأس بـ (الحداء) للسرعة في السير، وتنشيط المسافرين وترويحهم، وتسهيل السير عليهم.([18])
(20) اتخاذ الدليل في السفر لمن لم يعرف الطريق:
فعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي r قالت: (لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين –فذكرت الحديث بطوله- وفيه: قالت: واستأجر رسول الله r، وأبو بكر t رجلا من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا، والخريت الماهر بالهداية) أي بالدلالة على الطريق. [رواه البخاري في صحيحه (3905)].
(21) المسافر يستتر عند قضاء الحاجة في السفر:
فعن عبد الله بن جعفر t قال: (أردفني رسول الله r ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله r لحاجته هدف، أو حائش نخل). [رواه مسلم في صحيحه (342)].
قلت: فهذا الحديث يدل على أن المسافر إذا أراد أن يقضي حاجته يبتعد عن طريق الناس، ويستتر عن رؤيتهم.
(22) الأمير على المسافرين يتفقد أحوالهم في السفر:
فعن جابر بن عبد الله t قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير فيزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم). [حديث صحيح. رواه أبو داود في سننه (2639)، والبيهقي في السنن الكبرى (ج5 ص257)، والحاكم في المستدرك (ج2 ص115) بإسناد صحيح].
فيزجي: أي يسوقهم.([19])
قلت: فعلى الأمير أن يرفق بالسائل، والضعيف، ولا ينهر أحدا، ولا يوبخه، بل يواسيه ويدعو له بالمعونة.
(23) كراهية تفرق المسافرين عند النزول حال سفرهم:
فعن أبي ثعلبة الخشني t قال: (كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله r: (إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان فلم ينزل بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال لو بسط عليهم ثوب لعمهم). [حديث صحيح. رواه أبو داود في سننه (2628)، وأحمد في المسند (ج4 ص193)، والنسائي في السنن الكبرى (8856)، والحاكم في المستدرك (ج2 ص115)، وابن حبان في صحيحه (2690) والبيهقي في السنن الكبرى (ج9 ص152)، بإسناد صحيح].
قلت: فانظر - رحمك الله - كيف نسب النبي r تفرق الصحابة y في المكان من حيث الظاهر، مع ائتلاف بواطنهم، كما قال تعالى: ﴿وألف بين قلوبهم﴾ [الأنفال:63].
لأن ذلك من الشيطان، وحسبك بفعل أضيف إلى الشيطان؛ فإنه لا يأمر إلا بالتحزب والتفرق والسوء والمنكر.
قلت: فكيف إذا كان الخلاف والتفرق بما هو أعظم من هذا التفرق في المكان؟!!!، كالخلاف في التوحيد والاعتقاد والمنهج والمسائل الفقهية الخلافية!!!.
ولقد ذم الله تعالى الاختلاف والتفرق مطلقا، فقال تعالى: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولـئك لهم عذاب عظيم﴾ [آل عمران:105].
قال الإمام المزني رحمه الله: (فذم الله الاختلاف، وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة، فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمه، ولو كان التنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع عنده إلى الكتاب والسنة).([20]) اهـ
وقال الطحاوي رحمه الله في عقيدته (ج2 ص775): (ونرى الجماعة حقا وصوابا، والفرقة زيغا وعذابا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج3 ص421): (فإن الجماعة رحمة، والفرقة عذاب). اهـ
(24) يجب تعلم صفة عمرة النبي r:
إذا أراد المسلم العمرة أن يتعلم كيفيتها، وهذا فرض عين، إذ لا تصح العبادة ممن لا يعرفها، وكل من بغير علم يعمل، أعماله مردودة لا تقبل، ويستحب أن يستصحب معه كتابا صحيحا واضحا في المناسك جامعا لمقاصدها، وأن يديم مطالعته، ويكررها في أثناء سفره ليحصل على العلم النافع.([21])
قلت: ومن أخل بهذا العلم خفنا عليه أن يرجع بلا عمرة لإخلاله بفريضة تعلم صفة العمرة النبوية... وربما قلد بعض العوام من المعتمرين، وتوهم أنهم يعرفون مناسك العمرة فاغتر بهم فوقع في خطأ فاحش في أثناء تأديته للعمرة والله المستعان.
هذا، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا للعلم النافع والعمل الصالح.
بسم الله الرحمن الرحيم
آمنت بالله، واعتصمت به، وتوكلت عليه
ذكر الدليل على الأحكام
الصحيحة في السفر
الحمد لله الذي أكمل دينه، وفصل أحكامه، فجعل للسفر أحكاما، وأحكاما للإقامة، تيسيرا على العباد، ولطفا بهم، فما أعظم فضله، وامتنانه.
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد r الذي بين أحكام الشرع، وأوضح برهانه، فوضحت سنته رخص السفر في أكمل بيانه.
أما بعد،
فإن مما لا شك فيه أن السفر مظنة المشقة والتعب، فهو قطعة من العذاب... ومهما تطورت وسائل النقل، وتوفرت أسباب الراحة فيها، فإن المشقة في السفر تبقى قائمة.
والسفر في الوقت نفسه مما لا تستغني عنه البشرية، ولا تنفك حياتهم عنه، فهو عارض أكيد للكثير من الناس، أو أغلبهم، فهو إما لأداء حج، أو عمرة، أو ابتغاء رزق، أو طلب علم، أو غير ذلك من الأمور المشروعة المباحة، الأمر الذي يؤكد أهميته، وحاجة الناس إليه.
ولهذا فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يجعل التكاليف الشرعية في السفر دون الحضر، فخفف على الناس ما فرض عليهم من أحكام العبادة في السفر.
ولذلك جمعت هذه المسائل المختصرة لتسهل على المسافرين معرفة أحكام السفر، ويتسنى لهم العمل بها.
فمن آوى إليها، فقد آوى إلى ركن شديد، وعز جديد، وظل مديد، ومنهج رشيد، ومرتع رغيد، ومحل مهيد، فهي وشي منثور، وروض ممطور، ودر منثور.
وإليك الدليل على أحكام السفر:
(1) تعريف السفر في اللغة:
إن المتتبع لمادة (سفر) يجد أنها ذات معان متعددة، لكننا لسنا في صدد استقصاء معانيها وبيان مراميها.
وإن من معانيها:
قطع المسافات، فالسفر ضد الحضر، وهو مشتق من ذلك لما فيه من الذهاب والمجيء، كما تذهب الريح بالسفير من الورق وتجيء، أي بما أسقط من ورق الشجر وتحات.
والجمع أسفار، ورجل سافر، ذو سفر، وقوم سافرة، وسفر، وأسفار بمعنى، وقد يكون السفر للواحد.
والسفير: الرسول المصلح بين القوم.
وأسفر الصبح إسفارا: أضاء.([22])
إذا السفر لغة: قطع المسافة، والجمع أسفار.
(2) تعريف السفر في الشرع:
هو قطع المسافات بنية السفر، ومفارقة محل الإقامة بنية الضرب في الأرض.([23])
(3) السفر يشق على النفس:
فعن أبي هريرة t عن النبي r قال: (السفر قطعة من العذاب) [رواه البخاري في صحيحه (1804) مسلم في صحيحه (1927)].
قال ابن حجر رحمه اله في فتح الباري (ج3 ص623): (السفر قطعة من العذاب: أي جزء منه، والمراد بالعذاب: الألم الناشئ عن المشقة، لما يحصل في الركوب، والمشي من ترك المألوف). اهـ
(4) أنواع أسفار النبي r:
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (ج1 ص462): (وكانت أسفاره r دائرة بين أربعة أسفار:
(1) سفره لهجرته.
(2) وسفره لجهاده، وهو أكثرها.
(3) وسفره للعمرة.
(4) وسفره للحج). اهـ
(5) حكم السفر بذاته:
الأصل في السفر الإباحة.
لكنه قد يكون:
(1) واجبا إذا كان لأداء فريضة الحج.
(2) أو مستحبا إذا كان لطلب العلم.
(3) أو محرما إذا كان لشد الرحل إلى زيارة القبور.
(4) أو مكروها كمن يسافر وحده بغير ضرورة. ([24])
(6) هديه r في العمرة:
اعتمر النبي r أربع مرات:
إحداها: عمرة الحديبية، فصده المشركون عن البيت، فنحر وحلق حيث صد وحل.
والثانية: عمرة القضاء؛ حيث قضاها في العام المقبل.
والثالثة: عمرته التي قرنها مع حجته.
والرابعة: عمرته من الجعرانة.
قلت: ولم يكن في عمره عمرة واحدة خارجا من مكة، وإنما كانت كلها داخلا إلى مكة.
ولم يحفظ عنه أنه اعتمر في السنة إلا مرة واحدة، ولم يعتمر في سنة مرتين.
وكانت عمره كلها في أشهر الحج.([25])
(7) يجب على المسافر أن يتحرى النفقة من المال الحلال:
فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال: ﴿يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم﴾، وقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم﴾، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك) [رواه مسلم في صحيحه (1015)].
قال النووي رحمه الله عن هذا الحديث في المنهاج (ج7 ص100): (معناه: أنه يطيل السفر في وجوه الطاعات كحج، وزيارة مستحبة، وصلة رحم، وغير ذلك، وقوله: (وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له)، أي: من أين يستجاب لمن هذه صفته، وكيف يستجاب له). اهـ
وقال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص51): (ليحرص على أن تكون نفقته حلالا خالصة من الشبهة). اهـ
قلت: فإن خالف واعتمر بما فيه شبهة، أو بمال محرم صحت عمرته وأثم لكنها ليست عمرة مبرورة.([26])
(8) المسافر يكتب له ما كان يعمل في إقامته:
فعن أبي موسى t قال: قال رسول الله r: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا). [رواه البخاري في صحيحه (2996)].
قلت: فالمسافر لا ينقص أجره فيما كان يفعله من العبادات أثناء إقامته في بلده، وهو مكتوب له عند الله تعالى.
(9) لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد:
فعن أبي هريرة t عن النبي r قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول r، ومسجد الأقصى) [رواه البخاري في صحيحه (1189) ومسلم في صحيحه (1397)].
قلت: ولما كان من السنة شد الرحال إلى زيارة المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، والمسجد النبوي، رأيت أن أبين بدعة بقصد زيارة قبر النبي r فقط بالسفر.
فيجب أن يعلم أن شد الرحال بقصد زيارة المسجد النبوي، فهذا أمر مشروع في السنة، وأما قصد زيارة قبر النبي r فقط دون زيارة مسجده r، فهذا ليس بمشروع، بل بدعة عند أهل السنة والجماعة، وقد خلط أهل الأهواء والبدع بينهما فتنبه.([27])
قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في مناسك الحج (ص147): (زيارة المسجد النبوي من الأمور المشروعة المستحبة، فهو ثاني المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها للصلاة فيها والعبادة). اهـ
وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في المنهج (ص31): (إذا أحب الحاج أن يزور المسجد النبوي قبل الحج، أو بعده فلينو زيارة المسجد النبوي لا زيارة القبر، فإن شد الرحال على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور، وإنما يكون للمساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى). اهـ
(10) تعليم علم التوحيد في السفر:
فعن أبي واقد الليثي t قال: خرجنا مع رسول الله r قبل حنين فمررنا بسدرة فقلت: يا نبي الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون بسلاحهم بسدرة، ويعكفون حولها، فقال النبي r: (الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى ﴿اجعل لنا إلها كما لهم آلهة﴾ [الأعراف:138] إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم). [حديث صحيح. رواه أحمد في المسند (ج5 ص218) والترمذي في سننه (2180) والحميدي في المسند (848) وابن حبان في صحيحه (6702) وأبو يعلى في المسند (ج3 ص130) بإسناد صحيح].
قلت: وعلم التوحيد هو أعظم العلوم... بل هو أصل العلم وأساسه... فهو الذي يزيد العبد معرفة بربه تعالى، وينير الطريق لسالكه، وحاجة العباد إلى التوحيد الخالص فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة، لأنه لا حياة للعباد وقلوبهم، ولا نعيم ولا طمأنينة، إلا بالتوحيد الخالص.
فيا أيها المسافرون هلموا إلى تعلم التوحيد الخالص، والدعوة إليه، فإن تعلمه
والدعوة إليه، والعمل به سبب لسعادة الدنيا والآخرة.([28])
(11) تحريم تقليد الكفار في السفر والتشبه بهم:
فعن أبي سعيد الخدري t عن النبي r قال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى، قال: فمن) [رواه البخاري في صحيحه (3456) ومسلم في صحيحه (2669)].
قلت: ومفهوم التشبه: هو مماثلة الكافرين بشتى أصنافهم في عقائدهم، أو عباداتهم، أو عاداتهم السيئة، أو أعيادهم الشركية، أو أخلاقهم السيئة، أو أزيائهم المحرمة، أو جماعاتهم وشعاراتهم الحزبية المفرقة، أو أفكارهم السياسية المفسدة التي هي من خصائصهم.
قلت: فالسنة النبوية المطهرة فصلت في أصناف الكفار الفساق على وجه التحديد، تحذيرا من مشابهتهم، وتقليدهم، واتباعهم.([29])
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (من تشبه بقوم فهو منهم). [حديث حسن. رواه أبو داود في سننه (4031) وأحمد في المسند (ج2 ص50) بإسناد حسن].
والمعنى: أي من تزيا بزيهم في ظاهره، وفي تخلقه بخلقهم، وسار بسيرهم، وهديهم في ملبسهم، وبعض أفعالهم فهو منهم: أي من شبه نفسه بالكفار الفجار فهو منهم في الإثم.([30])
قلت: فأعمال الكفار مبناها على الضلال والانحراف والفساد، في عقائدهم، وعاداتهم، وعباداتهم، وأعيادهم، وسلوكهم، وغير ذلك فتنبه.([31])([32])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم (ج1 ص241): (وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم). اهـ
قلت: والمشاركة في هدي الكفار الظاهر تورث تناسبا وتشاكلا بين المتشاركين، وهذا يصدقه الواقع اليوم، ويشهد به واقع بعض الناس؛ فإننا نجد المتشبهين بهم عندنا اليوم في لباسهم، وكلامهم وتصرفاتهم وأفكارهم لديهم ميول لسائر طباع الكفار وسلوكهم، بل وأفكارهم وعقائدهم وتصوراتهم في الغالب، ونجد البعض يكن لهم ويظهر لهم التعظيم والإجلال، وربما احتقر نفسه وأمته ودينه - بسبب جهله بالكتاب والسنة -، وشعر بالصغار أمام الكافرين، وهذا هو الضلال المبين، نعوذ بالله من الخذلان.
قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين﴾ [آل عمران:149].
قلت: ولقد حلل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم (ج1 ص81 و82 و83) أثر التشبه والتقليد، بين المتشبه والمتشبه به، والمقلد والمقلد، تحليلا علميا رائعا، ينبغي أن يكون قاعدة من قواعد علم الاجتماع.
حيث بين رحمه الله، وأكد أن المشاركة بين المتشابهين في الهدي الظاهر – وهو المظهر والسلوك – لابد أن يورث بينهما شعورا واضحا بالتقارب، والتعاطف، والتواد.
قلت: فإذا حدث أن مسلما تشبه بكافر في مظهره، وعاداته، وسلوكه، ولغته، أو شيئا من ذلك، فإنه لابد أن يورث بينهما شعورا بالتقارب، والمودة، وهذا ما شهد به الواقع في بلدان المسلمين، فضلا عن بيان الشرع، وموافقة العقل.
قلت: وهذا أمر محسوس، فإن اللابس لثياب الكفار، أو الموافق لأفكارهم وغير ذلك – مثلا – يجد في نفسه نوع انضمام إليهم، ويتخلق بأخلاقهم وأفكارهم، وتصرفاتهم، وأفعالهم... واللابس لثياب أهل العلم – مثلا – يجد في نفسه انضمام إليهم، ويتخلق بأخلاقهم وتصرفاتهم وأفعالهم، وهكذا.
قال تعالى: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولـئك لهم عذاب عظيم﴾ [آل عمران:105].
فالمسلم الذي يتشبه بالكفار، بأي نوع من أنواع التشبه الظاهر، في لباسه، أو عاداته، أو حركاته، أو أفكاره... فإن ذلك في الغالب يدل على أنه لديهم شعور باطني – إن لم يجاهر به – بمودة من يتشبه بهم، فإن التشبه إنما يصدر عن إعجاب، وإحساس بتفوق الآخرين عليه.
وعليه فمشابهة أهل الكتاب والأعاجم ونحوهم، لابد أن تورث عند المسلم نوع مودة لهم، أو هي على الأقل مظنة المودة، فتكون محرمة من هذا الوجه سدا للذريعة، وحسما لعادة حب الكافرين وتقليدهم، فضلا عن كونها محرمة من وجوه أخرى بالنصوص الواردة في الكتاب والسنة.([33])
وللعلم أن تشبه فئة من المسلمين بالكفار، أمر لابد أن يقع، مصداقا لإخبار الرسول r بذلك، وأن الله تعالى حذر من ذلك، وأمر المسلمين بالاستمساك بالحق، والثبات والصبر، رغم وقوع طوائف منهم بالمحذور.
واعلم - رحمك الله – أن سلفنا الصالح في القرون الفاضلة، كانوا قد فهموا هذه القاعدة، فهما جليا، وعملوا بها، وأجمعوا على تحذير المسلمين من مشابهة الكفار للأدلة من القرآن الكريم، ثم من السنة المطهرة الواردة في النهي عن تشبه المسلمين بالكفار.
قال تعالى: ﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم﴾ [النور:63].
قلت: وبهذا نعلم أن المسلمين اليوم، منهيون عما عليه أمم الكفر من حولهم، من عبادات، وأعمال سيئة، وعادات ضارة، وأخلاق فاسدة، وأزياء محرمة، وإن لم يكن ذلك موجودا في القديم أصلا، لا سيما وأن الكثير من مظاهر الحياة وأشكالها، تبدلت تبدلا كبيرا في عصرنا الحاضر، عن العصور الماضية.
قلت: وما يتشدق به بعض الجاهلين المتأثرين والمعجبين بالكفار، من أن الكفار يحملون بعض الصفات الحميدة، كالصدق، والوفاء، والأمانة وغير ذلك، فهذا – وإن كان يوجد في بعض الكفار، يفقده بعض المسلمين المتساهلين – فلا يعني أن الكفار أزكى من المسلمين على الإطلاق، ولا أنهم خير منهم على العموم، كما لا يعني أن ما عليه الكفار من اعتقادات، وأفكار، وأنظمة، وقوانين، وأخلاق، وعادات، سليم صحيح، كما أنه إذا وجدت في بعض الكفار تلك الخصال الحميدة، فلا يعني أنهم كلهم كذلك، ولا أن قلوبهم سليمة – كالمسلمين – وكيف تكون سليمة وهي خالية من التوحيد والإيمان؟!.
ثم لا نسلم بأن تلك الأخلاق الحميدة توجد بكثرة فعلا بين الكفار كما يصورها المعجبون، لكنها مظاهر توجد في حالات، وأفراد، وما يشهد به الواقع أن الكفار الآن عامة أخلاقهم فاسدة وخبيثة، ويكثر بينهم الحسد، والغدر، والخيانة، والبغضاء، والعداوة، والظلم، والفساد، والسرقة، والقتل، والكذب، والفجور وغير ذلك من الرذائل والفساد الأخلاقي، الذي يتذمرون منه هم، ويقلق مفكريهم، وعقلاءهم، ومصلحيهم، إن كان فيهم مصلحون.
قلت: ويجب على المسلمين اليوم، أن يدركوا هذا، ويعملوا به، وأن يكونوا حذرين من كل ما يصدر عن الكفار، من اعتقادات، وأفكار وسياسيات، وعادات، وأزياء، وشعارات وغيرها.
قال تعالى: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا﴾ [النساء:115].
فإن الكفار اليوم رغم ما هم عليه من تفوق في أمور دنياهم، ليس لديهم ما يسعد المسلمين، ويرشدهم إلى الحق، أو يهديهم إلى الصلاح، أو يهديهم لأسباب العزة والنصر والإصلاح والسعادة، فإن ذلك إنما يكون بالرجوع لكتاب الله تعالى وسنة رسوله r، والتمسك بالإسلام الصحيح حقا.
قال تعالى عن أعمال الكفار: ﴿وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا﴾ [الفرقان:23].
لذلك ينبغي للمسلمين اليوم، أن تكون لهم شخصيتهم المتميزة، وأخلاقهم، وعاداتهم الطيبة الكريمة، ولغتهم العربية الشريفة، وأن يستمدوا ذلك كله من شريعتهم الإسلامية، وهدي نبيهم r، وسلفهم الصالح.
فالشريعة الإسلامية جاءت بما فيه صلاح الناس، وإصلاحهم، وتميزت باليسر والسماحة، وتقدير المصالح، ودفع المضار.
تنبيه: أما الإفادة مما عند الكفار اليوم، من صناعات، وعلوم تطبيقية ونحوها، فهذا أمر آخر، لا علاقة له بموضوع التشبه، لأن هذه العلوم، والصناعات ليست من خصوصيات الكفار – وإن احتكروها – لأنها إمكانات بشرية لابد أن تتوفر عند من يحرص عليها، وينميها، ويجد في تحصيلها، سواء كان مسلما، أو كافرا فتنبه.
هذا وأسأل الله تعالى أن يحيينا مسلمين، وأن يميتنا مسلمين، وأن يحشرنا مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وأن يهدينا إلى صراطه المستقيم، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم، وطريق الضالين.
(12) المسافر الذي علم ببلد فيه وباء لا يقدم عليه:
فعن عبد الرحمن بن عوف t قال: سمعت رسول الله r يقول: (إذا سمعتم به –يعني الطاعون- بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه) [رواه البخاري في صحيحه (5729) ومسلم في صحيحه (2219)].
قلت: ولا بأس أن يدعو بهذا الدعاء إذا خاف قوما، أو شخصا آدميا، أو غيره: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم).
(13) تعليم العلم الشرعي في السفر:
فعن عبد الله بن عمرو t قال: (تخلف عنا النبي r في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار). [رواه البخاري في صحيحه (60) ومسلم في صحيحه (241)].
قلت: وهناك الأحاديث الكثيرة تبين تعليم النبي r للصحابة الكرام العلم الشرعي في السفر.([34])
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في الملخص الفقهي (ج1 ص7): (فإن التفقه في الدين من أفضل الأعمال، وهو علامة الخير، قال r: (من يرد الله به خيرا، يفقهه في الدين). [متفق عليه من حديث معاوية t]؛ وذلك لأن التفقه في الدين يحصل به العلم النافع الذي يقوم عليه العمل الصالح، قال تعالى: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق﴾ [الفتح:28]، فالهدى هو: العلم النافع، ودين الحق هو: العمل الصالح). اهـ
(14) فضل الخروج في طاعة الله عز وجل:
فقال تعالى: ﴿فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون﴾ [التوبة:122].
فعن أبي هريرة t عن النبي r قال: (ما من خارج يخرج يعني من بيته إلا بيده رايتان، راية بيد ملك، وراية بيد شيطان، فإن خرج لما يحب الله عز وجل اتبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج لما يسخط الله اتبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته). [حديث صحيح. رواه أحمد في المسند (ج3 ص209) بإسناد صحيح].
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة). [رواه مسلم في صحيحه (2699)].
وعن زر بن حبيش t قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي t فقال: ما حاجتك، قال: فقلت: جئت أطلب العلم، قال: فإني سمعت رسول الله t يقول: (ما من خارج يخرج من بيت في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع،... الحديث). [حديث حسن. رواه أحمد في المسند (ج4 ص239) وابن ماجة في سننه (266) وابن خزيمة في صحيحه (ج1 ص97) بإسناد حسن].
قلت: وقد تكاثر الوافدون على رسول الله r لطلب العلم الشرعي، مما يبين أهمية الخروج لطاعة الله تعالى. ([35])
(15) وجوب الطهارة للصلاة في السفر:
قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولـكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون﴾ [المائدة:6].
وعن المغيرة بن شعبة t: (أنه كان مع رسول الله r في سفر، وأنه ذهب لحاجة له، وأن مغيرة جعل يصب الماء عليه، وهو يتوضأ فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين). [رواه البخاري في صحيحه (182) ومسلم في صحيحه (274)].
قلت: والطهارة مفتاح الصلاة.
(16) يجب على المسافر أن يغتسل من الجنابة إذا أجنب:
فعن عمران بن حصين t قال: (كنا في سفر مع النبي r وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها فما أيقظنا إلا حر الشمس... فذكر الحديث بطوله وفيه: فسقى من شاء واستقى من شاء، وكان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء قال: (اذهب فأفرغه عليك) [رواه البخاري في صحيحه (344)].
قلت: والمرأة أيضا إذا أجنبت تغتسل من الجنابة، وتحثي على شعرها الماء، ولا تفك ضفائر شعرها.
وإليك الدليل:
فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) [رواه مسلم في صحيحه (331) وأبو داود في سننه (251)].
وعن عبيد بن عمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن. فقالت: (يا عجبا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله r من إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات) [رواه مسلم في صحيحه (331)].
قلت: ففي هذين الحديثين ما يشعر بأنهن لم يكن ينقضن الضفائر عند الغسل من الجنابة.
وعلى هذا فلا يجب على المرأة نقض ضفائرها عند غسلها من الجنابة.([36])
قال الترمذي رحمه الله في السنن (ج1 ص177): (والعمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها). اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن (ج1 ص426) معلقا على حديث أم سلمة رضي الله عنها: (يدل على أنه ليس على المرأة أن تنقض شعرها لغسل الجنابة). اهـ
قلت: ويستحب للمرأة أن تحل ضفائرها إذا اغتسلت من المحيض، وليس ذلك بواجب عليها إلا إذا كان حل الضفائر يساعد على وصول الماء إلى منابت الشعر فلا بأس بنقض الضفائر لتتأكد من وصول الماء إلى أصول شعرها أثناء غسلها من المحيض، سواء تحقق بنقض الضفائر أم بدونه؛ فإذا لم يتحقق إلا بنقض الضفائر نقضتها - ليس لأن نقض الضفائر واجب - وإنما لوصول الماء إلى أصول شعرها.([37])
قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم (ج1 ص243): (فإذا كانت المرأة ذات شعر تشد ضفرها فليس عليها أن تنقضه في غسل الجنابة، وغسلها من الحيض كغسلها من الجنابة لا يختلفان). اهـ
(17) يجب على المسلم المسافر التيمم للصلاة إن لم يجد الماء، فيصلي ولا إعادة عليه في طويل السفر وقصيره:([38])
اعلم - رحمك الله – أن التيمم رخصة من الله تعالى لهذه الأمة جعله من خصائصها رحمة بهم، وتيسيرا عليهم، والأصل أنه رخصة للمسافر، وقد يدخل فيها غيره كالمريض، وعادم الماء في الحضر ونحوه.
قلت: وأجمع السلف ومن بعدهم على أن التيمم مشروع للمسافر، ولغيره في حالات خاصة.([39])
فقال تعالى: ﴿وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا﴾ [المائدة:6].
وقول النبي r - لعمار بن ياسر رضي الله عنهما - في كيفية التيمم: (إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، فضرب بكفه ضربة على الأرض ثم نفضها ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه). [رواه البخاري في صحيحه (347) ومسلم في صحيحه (368)].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج21 ص398): (والمسافر إنما يتيمم إذا لم يجد الماء). اهـ
فيضرب المسلم ضربة واحدة على الصعيد فيمسح كفيه بعضهما ببعض ثم يمسح وجهه.([40])
قلت: ولا يتعمد تلويثها بالغبار الكثير، فمن علق بيديه غبار كثير في التيمم نفخه حتى يذهب أكثره، ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه، ثم يمسح كفيه براحتيه ملتزما بالترتيب المذكور في آية التيمم في قوله تعالى: ﴿فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه﴾ [المائدة:6].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى (ج4 ص396): (لا يجب فيه – يعني التيمم – الترتيب). اهـ
قلت: ولا يخص التيمم بالتراب، بل بكل ما تصاعد على وجه الأرض، لأن الصعيد كل ما تصاعد على وجه الأرض، فليس معنى الصعيد التراب فقط فتنبه.
والله تعالى يعلم أن الناس يطرقون في أسفارهم أراضي رملية، وحجرية، وترابية، وسطحية وغير ذلك فلم يخصص شيئا دون شيء.
ولذلك يجوز أن يتيمم العبد فيضرب على الجدران والجبال، والسجاد، والفرش... وكل ما تصاعد على الأرض.([41])
قلت: فيصح التيمم بكل أجزاء الأرض، ولا يشترط التراب.
قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب (ج1 ص31): (ومن لم يجد الماء تيمم مسافرا كان أم غير مسافر... ويتيمم بما على وجه الأرض ترابا كان أو غيره؛ كما تيمم عليه السلام بالحائط([42])... وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وغيرهما، واختاره ابن حزم (2/158-1619)، ويصلي به ما شاء من الصلوات الفرائض، والنوافل ما لم يجد الماء... فإذا وجد الماء فإنه لا يعيد ما صلى، وهو مذهب الأربعة... ولا يبطله إلا ما يبطل الوضوء من النواقض، وإلا وجدان الماء... ويتيمم الجنب للجرح مع وجود الماء، ويتيمم لخوف البرد...). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج21 ص354): (أنه لا ينقض التيمم إلا ما ينقض الوضوء، والقدرة على استعماله الماء). اهـ
قلت: وإذا وجد المسافر الماء بعد التيمم، وقبل الشروع في الصلاة، فإنه يبطل تيممه السابق، ويلزمه الوضوء، لأن التيمم طهارة شرعا إلى غاية وجود الماء، فإن وجد الماء في هذه الحالة بطل التيمم.
قلت: وإن وجد المسافر الماء في أثناء الصلاة، فإنه يستمر في صلاته، ولا تلزمه الإعادة، وذهب إلى هذا القول مالك، والشافعي، وداود وغيرهم، وهو الراجح([43])، وذلك أن التيمم طهارة بدلية تقوم مقام استعمال الماء في رفع الحدث الأصغر، والأكبر، فالطهارة به مشروعة تجب لما تجب به الطهارة بالماء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج21 ص436): (فإن الله تعالى جعل التيمم مطهرا كما جعل الماء مطهرا... ولأن التيمم بدل فيساوي مبدله إلا ما خرج بالدليل؛ فهو رافع للحدث مطهر لصاحبه، لكن رفعه مؤقت إلى أن يقدر على استعمال الماء). اهـ
قلت: والمسافر يتيمم ثم يجد الماء بعد خروجه من الصلاة؛ فإن صلاته صحيحة، ولا تلزمه الإعادة، وهذا القول مذهب جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية([44]) وهو الراجح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج21 ص436): (ويتيمم قبل الوقت كما يتوضأ قبل الوقت، ويبقى بعد الوقت كما تبقى طهارة الماء بعده... وهذا قول كثير من أهل العلم... وهو الصحيح، وعليه يدل الكتاب والسنة، والاعتبار؛ فإن الله جعل التيمم مطهرا كما جعل الماء مطهرا). اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (ج1 ص200): (لم يصح عنه r التيمم لكل صلاة، ولا أمر به، بل أطلق التيمم، وجعله قائما مقام الوضوء، وهذا يقتضي أن يكون حكمه حكمه؛ إلا فيما اقتضى الدليل خلافه). اهـ
قلت: ويجوز التيمم للنافلة مثل: صلاة الوتر، والضحى، ولقراءة القرآن وغير ذلك؛ لأن التيمم طهارة مشروعة لما يشرع له الوضوء تجب لما يجب له الوضوء، وتسن لما يسن له الوضوء.
قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (ج2 ص175): (والمتيمم يصلي بتيممه ما شاء من الصلوات: الفرض والنوافل ما لم ينتقض تيممه بحدث، أو بوجود الماء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات الفقهية (ص28): (ويجوز التيمم لمن يصلي التطوع بالليل وإن كان في البلد، ولا يؤخره ويرده إلى النهار، ويجوز لخوف فوات الجنازة، وهو رواية عن أحمد وإسحاق، وهو قول ابن عباس، ومذهب أبي حنيفة، وقد ثبت أنه r يتيمم لرد السلام، وألحق به من خاف فوات العيد، وقال أبو بكر عبدالعزيز، والأوزاعي، والحنفية: بل لمن خاف فوات الجمعة ممن انتقض وضوءه وهو في المسجد). اهـ
قلت: وإذا كان المسافر يدافع الغائط، أو البول، وهو على وضوء وليس عنده ماء؛ فينقض وضوءه، ويقضي حاجته، ثم يتيمم ويصلي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى (ج4 ص396): (بل يحدث ثم يتيمم؛ إذ الصلاة بالتيمم، وهو غير حاقن أفضل من صلاته بالوضوء وهو حاقن). اهـ
قلت: لأن الصلاة مع الخشوع والتيمم أفضل.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج21 ص362): (والتيمم كالوضوء فلا يبطل تيممه إلا ما يبطل الوضوء). اهـ
قلت: ويجوز تيمم جماعة من موضع واحد؛ لأن القول بطهورية الصعيد المستعمل؛ كالقول بطهورية الماء المستعمل.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (ج1 ص260): (ويجوز أن يتيمم جماعة من موضع واحد بغير خلاف؛ كما يجوز أن يتوضأ جماعة من حوض واحد). اهـ
قلت: ويجوز التيمم من شدة البرد مع وجود الماء البارد.
لحديث عمرو بن العاص t: (فقد أم قومه بعد أن تيمم من الجنابة في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل). [رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم (ج1 ص446) وأبو داود في سننه (324) بإسناد صحيح، وقد صححه ابن حجر في فتح الباري (ج1 ص4465)].
قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (ج1 ص325) – معلقا على حديث عمرو بن العاص -: (استدل بهذا الحديث الثوري، ومالك، وأبو حنيفة، وابن المنذر، على أن من تيمم لشدة البرد وصلى لا تجب عليه الإعادة، لأن النبي r لم يأمره بالإعادة، ولو كانت واجبة لأمره بها، ولأنه أتى بما أمر به وقدر عليه، فأشبه سائر من يصلي بالتيمم). اهـ
قلت: وكذلك على المسافر إذا أجنب، ولم يجد الماء يتيمم ويصلي، فليس عليه إلا ذلك، ويجوز له أن يجامع زوجته مع تيقنه من عدم وجود الماء، وذلك لأن التيمم طهارة تامة شرعية.([45])
قال تعالى: ﴿وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا﴾ [المائدة:6].
أو لامستم النساء: أي جامعتم النساء.([46])
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ﴿أو لامستم النساء﴾، قال: الجماع).
أثر صحيح
رواه الطبري في تفسيره (9583) من طريق محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
ورواه الطبري في تفسيره (9581) من طريق حميد بن مسعدة قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير به.
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص166).
قلت: وكذلك الحائض إذا طهرت، ولم تجد الماء في السفر؛ فإنها تتيمم وتصلي،
وكذلك النفساء.([47])
ويجوز لزوجها أن يجامعها مع تيقنه من عدم وجود الماء، وذلك لأن التيمم طهارة تامة شرعية.([48])
قلت: واتفق الفقهاء على أن عدم وجود الماء شرط لصحة التيمم فتنبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج21 ص350): (اتفق المسلمون على أنه إذا لم يجد الماء في السفر تيمم وصلى إلى أن يجد الماء، فإذا وجد الماء فعليه استعماله، وكذلك يتيمم الجنب، ذهب الأئمة الأربعة، وجماهير السلف والخلف؛ إلى أنه يتيمم إذا عدم الماء في السفر إلى أن يجد الماء، فإذا وجده كان عليه استعماله). اهـ
وقال ابن المنذر رحمه الله في الأوسط (ج2 ص28): (أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم؛ على أن المسافر إذا خشى على نفسه العطش ومعه مقدار ما يتطهر به من الماء؛ أنه يبقى ماءه للشرب ويتيمم). اهـ
وقال ابن حزم رحمه الله في المحلى (249): (ويتيمم الجنب والحائض، وكل من عليه غسل واجب؛ كما يتيمم المحدث ولا فرق). اهـ
وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني (ج1 ص261) عن تيمم الجنب: (وهو قول جمهور العلماء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج21 ص400): (وقد ثبت تيمم الجنب في أحاديث صحاح، وحسان كحديث عمار بن ياسر وهو في الصحيحين، وحديث عمران بن حصين وهو في البخاري، وحديث أبي ذر، وعمرو بن العاص، وصاحب الشجه وهو في السنن). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج21 ص399): (كما أن المسافر قد لا يكون معه إلا ما يكفيه لشربه وشرب دوابه، فهذا عند الجمهور عادم الماء فيتيمم). اهـ
(18) يتوضأ العبد من ماء البحر إذا كان مسافرا عن طريق البحر:
فعن أبي هريرة t يقول: (سأل رجل النبي r فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال: رسول الله r: هو الطهور ماؤه الحل ميتته). [حديث صحيح. رواه أبو داود في سننه (83) والترمذي في سننه (69) وابن ماجة في سننه (386) بإسناد صحيح].
قال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (ج16 ص221): (وقد أجمع جمهور العلماء، وجماعة أئمة الفتيا في الأمصار من الفقهاء أن البحر طهور ماؤه، وأن الوضوء جائز به...). اهـ
(19) يستحب للمسافر أن يمسح على خفيه، أو جوربيه ثلاثة أيام بلياليهن:([49])
فعن عوف بن مالك الأشجعي عن رسول الله r: (أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك: ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوم وليلة للمقيم). [حديث حسن. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص175) بإسناد حسن].
وعن زر بن حبيش قال: (أتيت صفوان بن عسال المرادي أسأله عن المسح على الخفين –فذكر الحديث إلى أن قال-: قال: نعم كان يأمرنا إذا كنا سفرا -أو مسافرين- أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة). [حديث حسن. رواه الترمذي في سننه (ج9 ص517 - تحفة الأشراف) بإسناد حسن].
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي r: (أنه رخص للمسافر إذا توضأ ولبس خفيه ثم أحدث وضوءا أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة). [حديث حسن. رواه ابن ماجة في سننه (ج1 ص184) بإسناد حسن].
فالمسح على الخفين من هدي النبي r، ومن الأمور الثابتة في الشريعة، والتي ما زاغ عنها إلا هالك.
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (ج1 ص130): (وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر). اهـ
وقد اقتضت شريعة الله تعالى التيسير، والتخفيف عن المكلفين الذين يشق عليهم نزع الخف، وغسل الرجلين خاصة في أوقات البرد الشديد، وفي السفر وما يصاحبه من الاستعجال، ومواصلة السير، ومن هنا جاء المسح على الخفين.
قلت: وله أن يصلي بالمسح الواحد ما شاء من الفرائض والنوافل.([50])
قلت: والمسح على الخفين، أو الجوربين يكون على ظاهر القدمين جميعا مرة واحدة، لا أسفل الخفين، أو الجوربين فتنبه.([51])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج21 ص182): (مسح الخف لا يستوعب فيه الخف، بل يجزي فيه مسح بعضه كما وردت به السنة، وهو مذهب الفقهاء قاطبة). اهـ
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي في إرشاد أولي البصائر (ص34): (وأما كيفية مسح ذلك: فلا يجب استيعابه، بل يكفي فيه أكثر ظاهر الخفين). اهـ
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب (ج1 ص14): (وكان - يعني النبي r - يمسح ظاهر الخفين). اهـ
ولا يشترط ستر القدمين في الخف، أو الجورب، لأن ذلك لم يثبت في السنة، ولذلك لو وصف بشرة القدم يصح المسح عليه.([52])
قلت: فلا يشترط أن يكون صفيقا فتنبه.
قلت: ولذلك يعفى عن الخروق التي لا تمنع أوساط الناس من لبسه؛ فإن كثيرا من الصحابة الكرام فقراء، وغالب الفقراء لا تخلو خفافهم من خروق، ولم يعرف أن النبي r نبههم إلى هذا.([53])
عن سفيان الثوري رحمه الله قال: (امسح عليهما ما تعلقت به رجلك، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة، مشققة، مرقعة). [أثر صحيح. رواه عبدالرزاق في المصنف (ج1 ص194) والبيهقي في السنن الكبرى (ج1 ص283) بإسناد صحيح].
وقال ابن حزم رحمه الله في المحلى (ج2 ص100): (فإن كان في الخفين، أو فيما لبس على الرجلين خرقا صغيرا، أو كبيرا طولا، أو عرضا؛ فظهر منه شيء من القدم؛ أقل القدم، أو أكثرها، أو كلاهما، فكل ذلك سواء، والمسح على كل ذلك جائز ما دام يتعلق بالرجلين منهما شيء، وهو قول سفيان الثوري، وداود، وأبي ثور، وإسحاق بن راهويه، ويزيد بن هارون). اهـ
ثم رد على أقوال المانعين، وبين أنها مما لا دليل عليها سوى الرأي والاجتهاد.
ثم قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (ج2 ص100): (لكن الحق في ذلك ما جاءت به السنة المبينة للقرآن من أن حكم القدمين اللتين ليس عليهما شيء ملبوس يمسح عليه أن يغسلا، وحكمهما إذا كان عليهما شيء ملبوس أن يمسح على ذلك الشيء.
بهذا جاءت السنة: ﴿وما كان ربك نسيا﴾ [مريم:64]، وقد علم رسول r إذا أمر بالمسح على الخفين، وما يلبس في الرجلين، ومسح على الجوربين أن من الخفاف والجوارب وغير ذلك مما يلبس على الرجلين المخرق خرقا فاحشا، أو غير فاحش، وغير المخرق، والأحمر والأسود والأبيض، والجديد والبالي، فما خص r بعض ذلك دون بعض، ولو كان حكم ذلك في الدين يختلف لما أغفله الله تعالى أن يوصى بها، ولا أهمله رسول الله r المفترض عليه البيان، حاشا له من ذلك.
فصح أن حكم ذلك على المسح على كل حال، والمسح لا يقتضي الاستيعاب في اللغة التي بها خطوبنا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات الفقهية (ص13): (ويجوز المسح على اللفائف في أحد الوجهين، حكاه ابن تميم وغيره، وعلى الخف المخرق ما دام اسمه باقيا، والمشي فيه ممكنا، وهو قديم قولي الشافعي، واختيار أبي البركات وغيره من العلماء). اهـ
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب (ج1 ص13): (ويجوز المسح عليهما، ولو كان مخروقين ما دام الاسم عليهما باقيا، والمشي فيهما ممكن؛ لإطلاق الشارع). اهـ
قلت: وعلى هذا فلا يشترط أن يكون الخف، أو الجورب ساترا سترا تاما ثخينا، لا فتق فيه، ولا خرق، لا صغير، ولا كبير.
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في إرشاد أولي البصائر (ص34): (والصحيح: عدم اعتبار هذا الشرط؛ لعمومات النصوص المبيحة للمسح عليها من دون قيد، مع أنه لو كان شرطا لبينه الشارع بيانا واضحا لشدة الحاجة إليه؛ ولأنه يعلم أن خفاف الصحابة y لا تخلو من فتق، أو شق). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج21 ص174) معلقا على حديث علي t -: (جعل له المسح على الخفين، فاطلق، ومعلوم أن الخفاف في العادة لا يخلو كثير منها عن فتق، أو خرق لا سيما مع تقادم عهدها، وكان كثير من الصحابة فقراء لم يكن يمكنهم تجديد ذلك...
ثم قال: وكان مقتضى لفظه أن كل خف يلبسه الناس ويمشون فيه: فلهم أن يمسحوا عليه، وإن كان مفتوقا، أو مخروقا من غير تحديد لمقدار ذلك، فإن التحديد لا بد له من دليل...
ثم قال: فأصحاب النبي r بلغوا سنته، وعملوا بها لم ينقل عن أحد منهم تقييد الخف بشيء من القيود، بل أطلقوا المسح على الخفين مع علمهم بالخفاف وأحوالها، فعلم أنهم كانوا قد فهموا عن نبيهم جواز المسح على الخفين مطلقا.
وأيضا فكثير من خفاف الناس لا يخلو من فتق، أو خرق يظهر منه بعض القدم؛ فلو لم يجز المسح عليها بطل مقصود الرخصة، لا سيما والذين يحتاجون إلى لبس ذلك هم المحتاجون؛ وهم أحق بالرخصة من غير المحتاجين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج21 ص183): (وإن قالوا بأن المسح إنما يكون على مستور، أو مغطى ونحو ذلك؛ كانت هذه كلها عبارات عن معنى واحد، وهو دعوى رأس المسألة بلا حجة أصلا، والشارع أمرنا بالمسح على الخفين مطلقا، ولم يقيد، والقياس يقتضي أنه لا يقيد). اهـ
ودليل المسح على الجوارب السنة، وآثار السلف كما سوف يأتي ذكرها.
قلت: ويجب لبس الخفين بعد الوضوء، يعني على طهارة.([54])
فعن المغيرة بن شعبة t: (أنه كان مع رسول الله r في سفر، وأنه ذهب لحاجة له، وأن مغيرة جعل يصب الماء عليه، وهو يتوضأ فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين). [رواه البخاري في صحيحه (182) ومسلم في صحيحه (274)].
وفي رواية لهما: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ومسح عليهما).
قال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص76): (ولا يجوز المسح إلا أن يلبسه على طهارة كاملة). اهـ
وقوله (ومسح على الخفين): أي مسح على ظاهر قدميه.
وعن الشعبي رحمه الله قال عن المسح: (يمسحهما من ظاهر قدميه إلى أطراف أصابعه). [أثر صحيح. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص352) بإسناد صحيح].
قلت: لذلك لا يشترط ستر القدمين في الخف، أو الجورب، لأن ذلك لم يثبت في السنة، ولذلك لو وصف بشرة القدم يصح المسح على الخف والجورب كما تقدم.
قلت: فعلى هذا لا يشترط أن يكون صفيقا كما سبق ذكر ذلك.
قال النووي رحمه الله في المجموع (ج1 ص500): (وحكى أصحابنا عن عمر، وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب، وإن كان رقيقا، وحكوه عن أبي يوسف، ومحمد، وإسحاق، وداود). اهـ
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (ج1 ص281): (لم يرد شيء يدل على اعتبار اشتراط الثخانة في الجوربين لجواز المسح عليهما). اهـ
قلت: وهذا اختيار ابن حزم رحمه الله في المحلى (ج2 ص86) وشيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (ج1 ص191).
قلت: والمسح يكون على الخفين، أو الجوربين مرة واحدة على ظاهر القدم، فيمرر يده من عند أصابع الرجل إلى الساق فقط، وعلى أي كيفية مسح أجزأه ذلك، لكن الأفضل أن يمسح اليمنى مع اليسرى معا.([55])
فعن الشعبي رحمه الله قال: (المسح على الخفين مرة). [أثر صحيح. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص3552) بإسناد صحيح].
وعن سليمان الأعمش قال: (رأيت إبراهيم النخعي توضأ، ومسح على خفيه مرة واحدة). [أثر صحيح. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص355) بإسناد صحيح].
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في إرشاد أولي البصائر (ص35): (ثم ما كان ممسوحا، لا يشرع فيه تكرار، بل مرة واحدة كافية). اهـ
قلت: وتبدأ المدة من أول مسح، وهو قول النووي وابن المنذر وغيرهما، وهو الصحيح.([56])
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في إرشاد ذوي البصائر (ص35): (وعلى الصحيح: الابتداء من أول المسح). اهـ
وقال أبو داود رحمه الله في المسائل (ص10): (سمعت أحمد سئل عن المسح على الخف؟ قال: يمسح من الوقت الذي مسح إلى مثلها من الغد). اهـ
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب (ج1 ص14): (وتبدأ مدة المسح من الوقت الذي مسح إلى مثله من الغد). اهـ
قلت: ودليل المسح على الجوارب السنة، وآثار السلف، وذلك بالقياس على الخف إذ لا فرق بينهما في حاجة القدم إليهما، والعلة فيهما واحدة، فيكون هذا من باب الشمول المعنوي، أو بالعموم اللفظي.([57])
وإليك الدليل:
فعن المغيرة بن شعبة t: (أن رسول الله r توضأ ومسح على الجوربين والنعلين)([58]) [حديث صحيح. رواه أبو داود في سننه (159) والترمذي في سننه (99) أحمد في المسند (ج4 ص252) وابن ماجة في سننه (559) والطحاوي في شرح معاني الآثار (ج1 ص58) والبيهقي في السنن الكبرى (ج1 ص283) وابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص358) بإسناد صحيح على شرط البخاري].
قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب (ج1 ص15): (وثبت عنه r أنه مسح على الجوربين، وهو حديث صحيح، ومن أعله فلا حجة له... والجوربان بمنزلة الخفين في المسح كما قال سعيد بن المسيب وغيره كما في ((المحلى)) (2/86)؛ فلهما حكمهما، ولا يشترط فيهما التجليد في أسفلهما، ولا أن يثبتا بأنفسهما، ولذلك نص أحمد: أنه يجوز المسح على الجوربين، وإن لم يثبتا بأنفسهما، بل إذا ثبتا بالنعلين جاز المسح عليهما؛ كما نقله شيخ الإسلام في الفتاوى (1/262)، وعليه يجوز المسح على الجوارب الرقيقة إذا كانت مشدودة بسوار من المطاط كما هو المستعمل اليوم، وصرح ابن حزم (2/81) بجواز ذلك حتى ولو كان من الحرير للمرأة خاصة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج21 ص214): (يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما سواء كان مجلدة، أو لم تكن. في أصح قولي العلماء).([59]) اهـ
قلت: فيجوز المسح على الجوارب المصنوعة من القماش كالقطن، أو الصوف، أو غيره، وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية (ج1 ص244).
وقد مسح على الجوربين: أبو مسعود، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وعلي بن أبي طالب، وسهل بن سعد y.
(1) أما أثر أبي مسعود الأنصاري t:
فأخرجه عبدالرزاق في المصنف (774) وابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص358) والبيهقي في السنن الكبرى (ج1 ص258) من طرق عن أبي مسعود t: (أنه كان يمسح على جوربين له ونعليه).
وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
(2) وأما أثر البراء بن عازب t:
فأخرجه عبدالرزاق في المصنف (778) وابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص360) والبيهقي في السنن الكبرى (ج1 ص258) من طريقين عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال: (رأيت البراء يمسح على جوربيه، ونعليه ثم صلى).
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
(3) وأما أثر أنس بن مالك t:
فأخرجه عبدالرزاق في المصنف (779) والدولابي في الكنى والأسماء (ج2 ص96) وابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص359) والبيهقي في السنن الكبرى (ج1 ص258) وابن حزم في المحلى (ج2 ص85) من طرق عن أنس بن مالك: (أنه كان يمسح على الجوربين، والخفين، والعمامة).
وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
(4) وأما أثر أبي أمامة t:
فأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص359) من طريق وكيع عن حماد بن سلمة عن أبي غالب قال: (رأيت أبا أمامة يمسح على الجوربين).
وإسناده حسن.
(5) وأما أثر علي بن أبي طالب t:
فأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص359) من طريق أبي بكر بن عياش عن عبدالله بن سعيد عن خلاس البحري – وهو ثقة - قال: (رأيت عليا بال، ثم مسح على جوربيه، ونعليه).
وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (ج1 ص285) وعبدالرزاق في المصنف (ج1 ص186 - نصب الراية) وابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص360) من طريقين عن كعب بن عبدالله قال: (رأيت عليا بال؛ فمسح على جوربيه، ونعليه، ثم قام يصلي).
وإسناده لا بأس به من أجل كعب بن عبدالله العبدي ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (ج7 ص162) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو شاهد للأثر الذي قبله.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص360) من طريق وكيع قال: حدثنا يزيد بن مردانبة عن الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث: (أن عليا توضأ، ومسح على الجوربين).
وإسناده حسن، وعمرو بن حريث هو المخزومي صحابي صغير.
انظر التقريب لابن حجر (ص733).
وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (ج1 ص58) والبيهقي في السنن الكبرى (ج1 ص287) من طريقين عن سلمة بن كهيل عن أبي ظبيان: (أنه رأى عليا بال قائما، ثم دعا بماء فتوضأ، ومسح على نعليه، ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى).
وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
(6) وأما أثر سهل بن سعد t:
فأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص361) من طريق زيد بن حباب عن هشام بن سعد عن أبي حازم عن سهل بن سعد: (أنه مسح على الجوربين).
وإسناده حسن.
وعن إبراهيم النخعي رحمه الله: (أنه كان يمسح على الجوربين).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص359) من طريق هشيم قال: أخبرنا حصين السلمي عن إبراهيم النخعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وعن عباد بن راشد البصري قال: (سألت نافعا عن المسح على الجوربين؟ فقال: (هما بمنزلة الخفين).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 361) من طريق أبي داود عن عباد بن راشد به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن فرات القزاز قال: (رأيت سعيد بن جبير توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص360) من طريق جعفر بن عون عن أبي العميس عن فرات القزاز به.
قلت: وهذا سنده حسن.
مسألة: والأفضل في حق كل أحد بحسب قدمه؛ فللابس الخف أن يمسح عليه، ولا ينزعهما اقتداء به r وأصحابه الكرام، ولمن قدماه مكشوفتان الغسل، ولا يتحرى لبسه ليمسح عليه، وكان r يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين، ويمسح إذا كان لابس الخفين.([60])
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (ج1 ص199): (لم يكن النبي r يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما، وإن كانتا مكشوفتين غسل القدمين، ولم يلبس الخف؛ ليمسح عليه، وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل: المسح، أو الغسل. قاله: شيخنا). اهـ يعني ابن تيمية رحمه الله.
قلت: ويمسح المسافر على أثر العمامة، وإن كانت ناصيته ظاهرة مسحها مع العمامة، ولا يجب المسح على الناصية، لكن يسن.([61])
فعن عمرو بن أمية t قال: (رأيت النبي r يمسح على عمامته وخفيه). [رواه البخاري في صحيحه (ج1 ص85)].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج21 ص187): (وقد ثبت المسح على العمامة عن النبي r من وجوه صحيحة). اهـ
وعن المغيرة بن شعبة t: أن النبي r (مسح على الخفين ومقدم رأسه وعلى عمامته). وفي رواية: (فمسح بناصيته وعلى العمامة). [رواه مسلم في صحيحه (274) وابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص48) والنسائي في السنن الكبرى (168)].
وعن عاصم الأحول قال: (رأيت أنسا يمسح على الخفين والعمامة). [أثر صحيح. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص46) وعبدالرزاق في المصنف (738) بإسناد صحيح].
وعن أبي غالب قال: (رأيت أبا أمامة يمسح على العمامة). [أثر حسن. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص45)].
قلت: ولا يشترط في العمامة أن تكون محنكة، أو ذات ذؤابة؛ لأنه لا دليل عليه، والنص الذي ثبت به المسح على العمامة مطلق من هذه القيود؛ فيبقى على إطلاقه، فمتى ثبتت العمامة جاز المسح عليها؛ ولأن الحكمة من المسح عليها مشقة النـزع، وربما لو حركها تنفل أكوارها.([62])
وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الفتاوى (ج4 ص170): (وأما ما يلبس في أيام الشتاء من القبع([63]) الشامل للرأس والأذنين، والذي قد تكون أسفله لفة على الرقبة فإن هذا مثل العمامة لمشقة نزعه فيمسح عليه). اهـ
قلت: ويجوز المسح على النعلين بشرط مشقة نزعهما.([64])
فعن المغيرة بن شعبة t: (أن رسول الله r توضأ ومسح على الجوربين والنعلين). [حديث صحيح. رواه أبو داود في سننه (159) والترمذي في سننه (99) وأحمد في المسند (ج4 ص252) وابن ماجة في سننه (559) والطحاوي في شرح معاني الآثار (ج1 ص58) والبيهقي في السنن الكبرى (ج1 ص283) وابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص358) بإسناد صحيح على شرط البخاري].
وثبت المسح على النعلين عن علي بن أبي طالب، وأبي مسعود الأنصاري، والبراء بن عازب y، وهي مخرجة بأسانيد صحيحة.
وذهب إلى جواز المسح على النعلين الأوزاعي، وكذا ابن حزم في المحلى (ج2 ص103)، واختاره الشيخ الألباني في الثمر المستطاب (ج1 ص21).
قلت: وتمسح المرأة على خمارها في الوضوء لمشقة نزعه.([65])
فعن أم سلمة زوج النبي r رضي الله عنها: (أنها كانت تمسح على خمارها). [أثر حسن. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص46) وابن حزم في المحلى (ج2 ص60) بإسناد حسن].
وعن الحسن البصري قال: (المرأة تمسح على ناصيتها([66])، وعلى خمارها). [أثر صحيح. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج1 ص50) بإسناد صحيح].
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في إرشاد أولي البصائر (ص33): (وكذلك الخمار للمرأة، حيث حصل نوع مشقة بنـزع ذلك). اهـ
وهو مذهب الحنابلة في جواز المسح على خمر النساء.([67])
فائدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات الفقهية (ص15): (ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف، والعمامة بنزعهما، ولا بانقضاء المدة). اهـ ما دام على طهارة.
مسألة: فيمن لبس الخف وهو مقيم ثم سافر:
فإذا استكمل مدة مسح الإقامة؛ فلا تتحول مدته إلى مدة سفر، لأنه في هذه الحالة قد استكمل مدة المقيم، ولم يتلبس بسفر.
وإذا لم يستكمل مدة الإقامة، فتتحول مدته إلى مدة سفر، فيمسح مسح مسافر ثلاثة أيام بلياليهن، لأنه سافر قبل كمال مدة المسح، فحكمه حكم المسافر.([68])
مسألة: فيمن لبس الخف وهو مسافر ثم أقام:
فإذا استكمل مدة مسح السفر، فيجب عليه نزع خفيه لانتهاء المسح، ولا يجوز له الاستمرار على المسح، وإن مسح وصلى فصلاته باطلة.
قلت: فإن كان مضى على مسحه يوم وليلة، ثم وصل بلده فإنه يخلع الخف أيضا، وإن مضى يومان خلع الخف أيضا، وإن مضى يوم بقي له ليلة، فيمسح مسح مقيم.([69])
مسألة: إذا شك هل مسح في الحضر، أو السفر:
بنى الأمر على أنه مسح في الحضر، لأن الأصل غسل الرجل والمسح رخصة بشرط التيقن، فإذا لم يتيقن بشرط الرخصة رجع إلى أصل الفرض، وهو الغسل، وبهذا قال الإمام الشافعي وأصحابه، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وهو الراجح.([70])
(20) يستحب للمسافر إذا أتى الجمعة أن يغتسل:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي r قال: (من أتى الجمعة فليغتسل) [رواه البخاري في صحيحه (894) ومسلم في صحيحه (844)].
(21) يجب على المسافر أن يؤذن للصلاة، ويقيم، ويصلي جماعة في السفر:([71])
فعن مالك بن الحويرث t قال: (أتى رجلان النبي r يريدان السفر، فقال النبي r: إذا أنتما خرجتما فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما). [رواه البخاري في صحيحه (630) ومسلم في صحيحه (674)].
وثبتت أحاديث كثيرة أخرى في صلاة المسافرين جماعة، وكذا صلاة الخوف شرعت في السفر فصلى بهم النبي r جماعة، وإنما أشرنا إليها، ولم نذكرها هنا اختصارا.
قلت: وصلاة الجماعة واجبة على الرجال الأحرار العاقلين القادرين عليها من غير حرج، وقد صرح بذلك كثير من علماء المذاهب الأربعة، ولا يرخص لأحد التأخر عنها إلا لعذر.([72])
قلت: وفي صلاة الجماعة في السفر والحضر تعويد المسلمين على النظام، والانضباط، والطاعة، ومحبة الاجتماع والألفة، ويستفاد ذلك من تسوية الصفوف، ومتابعة الإمام وغير ذلك في صلاة الجماعة.
قال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص73): (ومما يتأكد الأمر به المحافظة على الصلاة في أوقاتها المشروعة، وله أن يقصر ويجمع، وله ترك الجمع والقصر، وله فعل أحدهما، وترك الآخر، لكن الأفضل أن يقصر). اهـ
(22) يستحب للمسافرين أن يقصروا الصلاة الرباعية: الظهر والعصر والعشاء فيصلوها ركعتين، وأن يجمعوا بين الصلاتين في السفر تقديما، أو تأخيرا:([73])
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (صحبت رسول الله r فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر، وعمر، وعثمان كذلك). [رواه البخاري في صحيحه (1102) ومسلم في صحيحه (ج5 ص198)].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر). [رواه البخاري في صحيحه (350) ومسلم في صحيحه (ج1 ص478).
وذهب الجمهور إلى استحباب قصر الصلاة الرباعية، لأنه مباح، وهو صدقة ورخصة، وليس بواجب.([74])
قال تعالى: ﴿وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة﴾ [النساء:101].
قال الإمام الشافعي رحمه الله: لا يستعمل (لا جناح) إلا في المباح.([75])
وقال النبي r عن القصر: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته). [رواه البخاري في صحيحه (ج5 ص196) من حديث عمر بن الخطاب t].
وعن أنس بن مالك t قال: (كان النبي r إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم يجمع بينهما، وإذا زاغت صلى الظهر ثم ركب). [رواه البخاري في صحيحه (1111) ومسلم في صحيحه (704)].
وفي رواية لمسلم في صحيحه (704): (أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما).
قلت: وهذا الحديث يدل على جمع صلاة الظهر، وصلاة العصر تأخيرا.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله r يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء). [رواه البخاري في صحيحه (1107)].
وفي رواية لمسلم في صحيحه (706): (جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء). قال سعيد بن جبير: فقلت لابن عباس: ما حمله على ذلك، قال: (أراد أن لا يحرج أمته).
وعن معاذ بن جبل t قال: (خرجنا مع رسول الله r في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا). [رواه مسلم في صحيحه (706)].
قلت: وهذه الأحاديث تدل على الجمع بين الصلاة في السفر، بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، سواء كان تقديما، أو تأخيرا.([76])
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (ج1 ص464): (كان هديه r يقصر الصلاة الرباعية فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافرا إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفر البتة). اهـ
قلت: فالقصر جائز تخفيفا على المسافر لما يلحقه من مشقة السفر غالبا، ولأنه هذا هو هديه r حال سفره، فقد كان يقصر الصلاة الرباعية فيصليها ركعتين.
قلت: وثبت جمع التأخير بين المغرب والعشاء.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله r إذا أعجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء). وكان عبد الله بن عمر يفعله إذا أعجله السير. [رواه البخاري في صحيحه (1091) ومسلم في صحيحه (703)].
قال العظيم آبادي رحمه الله في عون المعبود (ج3 ص51): (قال الشافعي وأكثرون: يجوز الجمع بين الظهر والعصر في وقت أيتهما شاء، وبين المغرب والعشاء في وقت أيتهما شاء... قاله النووي). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج26 ص168): (ومن سنة رسول الله r أنه جمع بالمسلمين جميعهم بعرفة بين الظهر والعصر، وبمزدلفة بين المغرب والعشاء). اهـ
(23) الجمع للمسافر بأذان واحد، وإقامتين في السفر:([77])
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي r صلى الصلاتين بعرفة بأذان واحد، وإقامتين، وأتى المزدلفة فصلى بها المغرب). [رواه مسلم في صحيحه (1818)].
قال النووي رحمه الله في المنهاج (ج4 ص403): (الصحيح من مذهبنا: أنه يستحب الأذان للأولى منهما، ويقيم لكل واحدة إقامة؛ فيصليها بأذان وإقامتين). اهـ
وقال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص75): (إذا جمع في وقت الأولى أذن لها ثم أقام لكل واحدة منها). اهـ
(24) يقصر المسافر إذا خرج عن جميع بيوت البلد، سواء كانت المسافة قصيرة، أو طويلة، فيقصر ما دام يسمى في عرف البلد مسافرا:([78])
قال تعالى: ﴿وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة﴾ [النساء:101].
قلت: فعلق الله سبحانه وتعالى القصر بالضرب في الأرض، فمتى ضرب المسافر في الأرض فيجوز له أن يقصر الصلاة.([79])
وعن أنس بن مالك t قال: (صليت الظهر مع النبي r بالمدينة أربعا، وبذي الحليفة([80]) ركعتين). [رواه البخاري في صحيحه (1089) ومسلم في صحيحه (390)].
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (ج2 ص570): (واستدل به على استباحة قصر الصلاة في السفر القصير؛ لأن بين المدينة، وذي الحليفة ستة أميال). اهـ
يعني ما يساوي بـ (13) كيلو متر تقريبا.
وعن علي بن أبي طالب t: (أنه كان في سفر فقصر بأصحابه، وهم يرون البيوت، ثم رجع من سفره فقصر بهم، وهم يرون البيوت). [رواه البخاري في صحيحه معلقا بصيغة الجزم (ج2 ص569) وعبدالرزاق في المصنف (ج2 ص530)].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يقصر إذا خرج من بيوت المدينة). [أثر حسن. رواه عبدالرزاق في المصنف (ج2 ص530) بإسناد حسن].
قلت: فمن أراد السفر لا يشرع له القصر حتى يفارق بيوت بلده، ولو كان يراها، وإذا رجع يقصر، ولو كان يراها من بعيد، حتى يدخل بلده فيمتنع من القصر.([81])
فعن علي بن ربيعة الأسدي قال: (خرجنا مع علي بن أبي طالب t ونحن ننظر إلى الكوفة؛ فصلى ركعتين، ثم رجع فصلى ركعتين وهو ينظر إلى القرية، فقلنا له: ألا تصلي أربعا؟ قال: لا حتى ندخلها).
أثر حسن.
أخرجه عبدالرزاق في المصنف (ج2 ص530) من طريق سفيان الثوري عن وقاء بن إياس الأسدي قال: حدثني علي بن ربيعة الأسدي به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وقال ابن حجر في تغليق التعليق (ج2 ص421): (إسناده صحيح).
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (ج3 ص146) من طريق الحسين بن حفص عن سفيان الثوري عن وقاء بن إياس الأسدي ثنا علي بن ربيعة قال: (خرجنا مع علي بن أبي طالب t فقصرنا ونحن نرى البيوت، ثم رجعنا فقصرنا، ونحن نرى البيوت، فقلنا له، فقال علي t: نقصر حتى ندخلها).
وإسناده حسن.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (ج3 ص146) من طريق يزيد بن هارون ثنا وقاء بن إياس عن علي بن ربيعة قال: (خرجنا مع علي بن أبي طالب t متوجهين هاهنا، وأشار بيده إلى الشام، فصلى ركعتين ركعتين، حتى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة، حضرت الصلاة، فقالوا: يا أمير المؤمنين: هذه الكوفة نتم الصلاة، قال: لا، حتى ندخلها).
وإسناده حسن.
وذكره ابن حجر في فتح الباري (ج2 ص569).
وأخرجه البخاري في صحيحه معلقا (ج2 ص569) بلفظ: (وخرج علي فقصر، وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له: هذه الكوفة، قال: لا حتى ندخلها).
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (ج2 ص570): (لا حتى ندخلها، أي لا نزال نقصر حتى ندخلها، فإنا ما لم ندخلها في حكم المسافرين... ومناسبة أثر علي لحديث أنس، ثم لحديث عائشة: أن حديث علي دال على أن القصر يشرع بفراق الحضر، وكونه r لم يقصر حتى رأى ذا الحليفة...). اهـ
وبوب عليه البخاري رحمه الله في صحيحه (ج2 ص569) باب يقصر إذا خرج من موضعه.
قال ابن حجر رحمه الله معلقا في فتح الباري (ج2 ص569): (قول: (باب يقصر إذا خرج من موضعه) يعني إذا قصد سفرا تقصر في مثله الصلاة). اهـ
فيبدأ القصر إذا فارق عامر بلده، أو مدينته، أو قريته.
قلت: ولا يشترط مجاوزة المزارع التابعة للمدينة بعيدا عنها، ومتى كان المطار([82])، أو الميناء تابعا لمساكن المدينة لم يجز القصر فيه، وإن كان منفصلا عنها([83]) بعيدا جاز القصر فيه.
قلت: ولا يتم حتى يدخل أول بيوت بلده، أو مدينته، أو قريته.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في الملخص الفقهي (ج1 ص236): (ويبدأ القصر بخروج المسافر من عامر بلده؛ لأن الله أباح القصر لمن ضرب في الأرض، وقبل خروجه من بلده لا يكون ضاربا في الأرض ولا مسافرا، ولأن النبي r إنما كان يقصر إذا ارتحل، ولأن لفظ السفر معناه: الإسفار، أي: الخروج إلى الصحراء...). اهـ
قال ابن المنذر رحمه الله في الأوسط (ج4 ص351): (أجمع كل من نحفظ عنه على أن لمن يريد السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي يخرج منها). اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار (ج2 ص77): (وهو مذهب جماعة من العلماء إلا من شذ). اهـ
وقال النووي رحمه الله في المجموع (ج4 ص346): (ولا نعلم النبي r قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة). اهـ
عن أنس بن مالك t قال: (خرجنا مع رسول الله r من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع). [رواه البخاري في صحيحه (1081) مسلم في صحيحه (ج5 ص202)].
قلت: فهذه سنة النبي r في قصر الصلاة.
قال تعالى: ﴿ لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر﴾ [الممتحنة:6].
وقال تعالى: ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا﴾ [الأحزاب:21].
(25) يجب الرجوع في المسافة المعتبرة لقصر الصلاة للمسافر في السفر إلى ما يصدق عليه مسمى السفر في عرف البلد:
فعن أنس بن مالك t قال: (صليت الظهر مع النبي r بالمدينة أربعا، وبذي الحليفة ركعتين). [رواه البخاري في صحيحه (1089) ومسلم في صحيحه (390)].
قلت: ففي هذا الحديث بأن النبي r قصر في الحليفة، وكان هذا في أثناء السفر، ولم يكن فيه تحديد مسافة.
وقصر r في مسافات قصيرة وطويلة، وليس هذا غاية القصر المحدد بمسافة.([84])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج24 ص134): (فالتحديد بالمسافة لا أصل له في شرع، ولا لغة، ولا عرف، ولا عقل). اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (ج1 ص481): (ولم يحدد النبي r لأمته مسافة محددة للقصر والفطر، بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر، والضرب في الأرض، وأما ما يروى عنه في التحديد باليوم، أو اليومين، أو الثلاثة فلم يصح منها شيء). اهـ
وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (ج4 ص352): (فالصحيح أنه لا حد للمسافة، وإنما يرجع في ذلك إلى العرف). اهـ
قلت: فالحجة مع من أباح القصر لكل مسافر.([85])([86])
قلت: فلا يوجد نص على تحديد مسافة القصر... فيجب الرجوع إلى ما يصدق عليه مسمى السفر، ومسمى الضرب في الأرض في عرف الناس.
فمن سماه الناس مسافرا فهو مسافر له الأخذ برخص السفر.
وأن اعتبار العرف في هذه المسألة هو مقتضى قاعدة الأسماء المطلقة في الشريعة، ومقتضى هذه القاعدة هو اعتبار الحقيقة الشرعية، فإن لم يوجد فيها تحديد فاللغوية؛ فإن لم يوجد فيها تحديد فالعرفية.
قلت: فكل اسم ليس له حد في اللغة، ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف.([87])
وهذه هي طريقة الفقهاء في المسائل المماثلة التي اعتبروا فيها المعنى العرفي لتحديد المراد من نصوص الشريعة عند عدم الشرعي واللغوي؛ وذلك في مسائل كثيرة، وهي مثبوتة في أبواب الفقه كـ (الموالاة في الوضوء، والعمل في الصلاة، والفقر، ومقدار إطعام المسكين) وغير ذلك.([88])
قلت: فكان اعتبار العرف في هذه المسألة هو المناسب، وهذا ظاهر هديه r في اعتبار العرف في هذه المسألة فيترجح هذا القول على بقية الأقوال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج19 ص244): (فالسفر حال من أحوال السير لا يحد بمسافة، ولا زمان). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى عن حد السفر بالمسافة (ج24 ص13): (ولا يمكن أن يحد ذلك بحد صحيح... والواجب أن يطلق ما أطلقه صاحب الشرع r، ويقيد ما قيده، فيقصر المسافر الصلاة في كل سفر). اهـ
قلت: فلو خرج مسافر في مسافة قصيرة، أو طويلة فله أن يقصر وإن رجع في يومه، فهذه سنة نبيكم r.
قلت: فإذا طالت المسافة فصاحبها مسافر، ولو عاد من يومه دون مبيت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج24 ص123): (وكلام الصحابة يدل على أنهم لم يجعلوا قطع مسافة محدودة، أو زمان محدود يشترك فيه جميع الناس، بل كانوا يجيبون بحسب حال السائل؛ فمن رأوه مسافرا أثبتوا له حكم السفر، وإلا فلا). اهـ
قلت: وإن طال السفر، فلا يمنع الترخص في قصر الصلاة حال الإقامة في السفر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج24 ص136): (وأما الإقامة فهي خلاف السفر؛ فالناس رجلان مقيم ومسافر، ولهذا كانت أحكام الناس في الكتاب والسنة أحد هذين الحكمين إما حكم مقيم، وإما حكم مسافر). اهـ
قلت: فالسفر المبيح للقصر هو ما عده العرف سفرا من غير تقييد بمسافة، لأن التحديد يحتاج إلى توقيف، وليس في ذلك قول لمن يقتدى به في تحديد المسافة؛ فيرجع إلى العرف، وهو من أدلة الشرع فيما لم يرد له حد في النصوص.
قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في الضعيفة (ج1 ص441): (والحق أن السفر ليس له حد في اللغة، ولا في الشرع، فالمرجع فيه إلى العرف، فما كان سفرا في عرف الناس؛ فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى (ج4 ص434): (وتقصر الصلاة في كل ما يسمى سفرا، سواء قل أو كثر، ولا يتقدر بمدة، وهو مذهب الظاهرية، ونصره صاحب المغني فيه، وسواء كان مباحا، أو محرما، ونصره ابن عقيل في موضع). اهـ
وقرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج4 ص434) قاعدة نافعة وهي: أن ما أطلقه الشارع بعمل يطلق مسماه ووجوده، ولم يجز تقديره وتحديده بمدة.
قلت: فليس هناك حد للمسافة، ولا توقيت، والمرجع في ذلك للعرف، فما سماه العرف سفرا صار سفرا، يجوز قصر الصلاة فيه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من العلماء.
قلت: والعلة هي السفر([89])، فمتى قطع المسافر المسافة بسفره قصر، ولو كان يقطعها بطيران، أو بقطار، أو سيارة، ونحو ذلك.([90])
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إني لأسافر الساعة من النهار وأقصر). [أثر صحيح رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص482) بإسناد صحيح، وقد صححه ابن حجر في فتح الباري (ج2 ص567)].
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يقيم بمكة فإذا خرج إلى منى قصر). [أثر صحيح. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص492) بإسناد صحيح].
وقال البخاري في صحيحه (ج2 ص565): (وكان ابن عمر، وابن عباس y يقصران، ويفطران في أربعة برد).
والبرد: هي ستة عشر فرسخا.([91])
والبريد: يقدر بأربعة فراسخ.
والفرسخ: هو ثلاثة أميال، والميل من الأرض منتهى مد البصر؛ لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه.([92])
والميل: يساوي بالوحدات الزمنية المعاصرة (1848) م.
والمرحلة: مسافة تقدر ببريدين.([93])
والمرحلة: تساوي في الوحدات الزمنية المعاصرة (44) كم و(352) م.
والبريد: يقدر بالوحدات الزمنية المعاصرة (22) كم و(176) م.
والفرسخ: مسافة زمنية تساوي بالوحدات الزمنية المعاصرة (5) كم و(544) م.([94])
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لو خرجت ميلا؛ قصرت الصلاة). [أثر صحيح. ذكره ابن حجر في الفتح (ج2 ص567) وصححه].
وعن سالم أن ابن عمر: (خرج إلى أرض له بذات النصب([95])، فقصر وهي ستة عشر فرسخا). [أثر صحيح. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص482) بإسناد صحيح].
وعن عبدالرحمن بن حرملة قال: قلت: لسعيد بن المسيب: (أأقصر الصلاة، وأفطر في بريد من المدينة؟ قال: نعم والله أعلم). [أثر صحيح. رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص20) بإسناد صحيح].
قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في الصحيحة (ج1 ص310): (وقد دلت هذه الآثار على جواز القصر في أقل من المسافة التي دل عليها الحديث – يعني: كان رسول الله r إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ قصر الصلاة – وذلك من فقه الصحابة y؛ فإن السفر مطلق في الكتاب والسنة، لم يقصد بمسافة محدودة؛ كقوله تعالى: ﴿وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة﴾ [النساء:101]، وحينئذ؛ فلا تعارض بين الحديث، وهذه الآثار؛ لأنه لم ينف جواز القصر في أقل من المسافة المذكورة فيه). اهـ
قلت: فتكليف الناس بالقصر في سفر محدود بأيام، أو فراسخ، أو أميال، يستلزم تكليفهم بمعرفة مسافات الطرق التي قد يطرقونها، وهذا مما لا يستطيعه أكثر الناس، بل وهذا تكليف بما لا يستطيعونه لاسيما إذا كانت مما لم تطرق من قبل.([96])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فالتحديد بالأميال، والفراسخ يحتاج إلى معرفة مقدار مساحة الأرض، وهذا أمر لا يعلمه إلا خاصة الناس، ومن ذكر فإنما يخبر به عن غير تقليدا، وليس هو مما يقطع به، والنبي r لم يقدر الأرض بمساحة أصلا فكيف يقدر الشارع لأمته حدا لم يجر به له ذكر في كلامه، وهو مبعوث إلى جميع الناس فلابد أن يكون مقدار السلف معلوما علما عاما... وإذا كان كذلك فنقول كل اسم ليس له حد في اللغة، ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف فما كان سفرا في عرف الناس فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم).([97]) اهـ
لذلك قال أبو محمد المقدسي: لا أعلم لما ذهب إليه الأئمة وجها، وذلك فإن التحديد بذلك ليس ثابتا بنص، ولا إجماع، ولا قياس، وعامة هؤلاء يفرقون بين السفر الطويل، والسفر القصير، ويجعلون ذلك حدا للسفر الطويل، والسفر القصير، ويجعلون ذلك حدا للسفر الطويل، ومنهم من لا يسمي سفرا إلا ما بلغ هذا الحد، وما دون ذلك لا يسميه سفرا، ولكن هذا لا دليل عليه.([98])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الواجب أن هذه الأحكام لما علقها الشارع بمسمى السفر فهي تتعلق بكل سفر سواء كان ذلك السفر طويلا، أو قصيرا).([99]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – عن الفرق بين السفر الطويل والقصير -: (هذا الفرق لا أصل له في كتاب الله، ولا في سنة رسوله r، بل الأحكام التي علقها الله بالسفر علقها به مطلقا).([100]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما إذا قيل ليست محدودة بالمسافة بل الاعتبار بما هو سفر؛ فمن سافر ما يسمى سفرا قصر؛ وإلا فلا).([101]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (قد ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء أهل الحديث أن النبي r في حجة الوداع كان يقصر الصلاة بعرفة، ومزدلفة، وفي أيام منى، وكذلك أبو بكر وعمر بعده، وكان يصلي خلفهم أهل مكة، ولم يأمروهم بإتمام الصلاة).([102]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن السفر لم يحده الشارع، وليس له حد في اللغة فرجع فيه إلى ما يعرفه الناس، ويعتادونه فما كان عندهم سفرا، فهو سفر).([103]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج26 ص168): ( ومن سنة رسول الله r أنه جمع بالمسلمين جميعهم بعرفة بين الظهر والعصر، وبمزدلفة بين المغرب والعشاء، وكان معه خلق كثير ممن منزله دون مسافة القصر من أهل مكة وما حولها، ولم يأمر حاضري المسجد الحرام بتفريق كل صلاة في وقتها، ولا أن يعتزل المكيون ونحوهم فلم يصلوا معه العصر، وأن ينفردوا فيصلوها في أثناء الوقت دون سائر المسلمين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج24 ص12): (والقصر معلق بالسفر وجودا وعدما، فلا يصلي ركعتين إلا مسافر، وكل مسافر يصلي ركعتين).([104]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج24 ص135): (وهذا مما يعرفه الناس بعاداتهم، ليس له حد في الشرع، ولا اللغة، بل سموه سفرا؛ فهو سفر).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج24 ص18): (وإذا كان التحديد لا أصل له فما دام المسافر مسافرا فإنه يقصر الصلاة، ولو أقام في مكان شهورا). اهـ
قلت: وهذا هو الفقه الدقيق، والنظر المبني عن تحقيق، والله ولي التوفيق.
والخلاصة: أنه لا حد للمسافة التي تقصر فيها الصلاة، فيجب الرجوع إلى ما يسمى سفرا لغة وعرفا، وما كان ضربا في الأرض، يصدق عليه أنه سفر.
(26) المسافر إذا أقام ببلد يقصر إلى أن يرجع إلى البلد، وإن أتى عليه سنوات طويلة:
فعن أنس بن مالك t قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة. قلت: أقمتم بمكة شيئا؟ قال: أقمنا بها عشرا). يعني أقام بمكة عشرا يقصر الصلاة. [رواه البخاري في صحيحه 01081) ومسلم في صحيحه (ج5 ص202)].
قلت: ولو أقام أكثر من ذلك لقصر ما دام مترددا في السفر.
قال ابن القيم في زاد المعاد (ج3 ص488): (ولم يقل r للأمة لا يقصر الرجل الصلاة إذا قام أكثر من ذلك، ولكن اتفقت إقامته هذه المدة). اهـ
وقد أقام النبي r تسعة عشر لما فتح مكة يصلي بها ركعتين، عند البخاري في صحيحه (ج2 ص561) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد فعل السلف ذلك.
فعن سماك بن سلمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن أقمت في بلد خمسة أشهر فاقصر الصلاة).
أثر صحيح.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص396) من طريق جرير عن مغيرة عن سماك بن سلمة عن ابن عباس به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وعن أبي المنهال قال: قلت لابن عباس: (إني أقيم بالمدينة حولا - يعني سنة - لا أشد على سير؟ قال: صل ركعتين).
أثر صحيح.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج2 ص341) من طريق وكيع قال حدثنا سغية عن أبي التياح الضبعي عن أبي المنهال عبدالرحمن بن مطعم به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وعن أبي جمرة نصر بن عمران قال: قلت لا بن عباس: (إنا نطيل القيام بالغزو بخراسان، فكيف ترى؟ فقال: صل ركعتين، وإن أقمت عشر سنين).
أثر صحيح.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص496) من طريق وكيع ثنا المثنى بن سعيد عن أبي جمرة نصر بن عمران به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وعن مالك قال: قلت لجابر بن زيد - الفقيه المفسر -: (أقيم بكسكر([105]) السنة، والسنتين، وأنا شبه الآهل؟ فقال: صل ركعتين).
أثر صحيح.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص497) من طريق يحيى بن سعيد عن مالك به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وعن أبي وائل عن مسروق قال: (أقمت معه سنتين يصلي ركعتين بالسلسلة([106])، قال: فقلت له: ما حملك على هذا يا أبا عائشة؟ فقال: التماس السنة).
أثر صحيح.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص497) من طريق جرير عن منصور عن أبي وائل به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص497) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه أقام مجاهدا بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة).
أثر صحيح.
رواه عبدالرزاق في المصنف (4339).
قلت: وسنده صحيح، وقد صححه ابن حجر في التلخيص الحبير (ج2 ص554).
وعن إبراهيم النخعي قال: (كنت مع علقمة بخوارزم سنتين يصلي ركعتين).
أثر صحيح.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص497) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وعن عامر الشعبي قال: (أقام علقمة بمرو سنتين في الغزو يقصر الصلاة).
أثر صحيح.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص498) من طريق وكيع قال: ثنا زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
إذا فلا بأس بالقصر للمسافر إذا أقام في بلد أثناء السفر، ولو مضت عليه سنوات لثبوت هذه الآثار عن السلف، ولاشك أن فهمهم أقوى، وهم بالشرع أعلم وأدرى.([107])
قلت: فالاستدلال من هذه الآثار أنها دلت على مشروعية الترخص بالقصر في السفر مع المدة الطويلة.
قلت: ومديم السفر كالملاحين، والسائقين ونحوهم يجوز لهم القصر، ولهم الفطر في نهار رمضان، وغير ذلك من رخص السفر للأدلة المتقدمة. ([108])
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في الملخص الفقهي (ج1 ص238): (ويقصر المسافر الصلاة، ولو كان يتكرر سفره، كصاحب البريد، وسيارة الأجرة من يتردد أكثر وقته في الطريق بين البلدان). اهـ
(27) إذا نسي المسافر صلاته حال إقامته، وذكرها، وهو مسافر، فإنه يصليها أربعا، ولا يقصرها:
نقل ابن المنذر في الأوسط (ج4 ص368) إجماع العلماء على أن من نسي صلاة، وهو حضر، ذكرها في السفر أنه يصليها أربعا.
لأن الصلاة قد تعين عليه فعلها أربعا فسافر وهي باقية في ذمته تامة فعليه أداء ما في ذمته.([109])
مسألة: ومن نسي صلاة في السفر، وذكرها في الحضر، وهو مقيم، فإنه يصليها أربعا، لأنه مقيم، وهو قول الإمام أحمد، والإمام الأوزاعي، والإمام الشافعي، والإمام إسحاق بن راهويه، وغيرهم.([110])
مسألة: وإذا خرج المسافر فذكر حاجته في بيته، فرجع لها فأدركته الصلاة في بيته مع أنه يريد أخذ حاجته فقط، ويستمر في سفره، فلا يقصر حتى يفارق بيوت بلده مرة أخرى وهو قول الجمهور.
لقول الله تعالى: ﴿وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة﴾ [النساء:101].
فشرط الله عز وجل السفر لصحة القصر.([111])
مسألة: وإذا حضرت صلاة ووقتها موسع مثل: الظهر، والعشاء، ثم خرج إلى السفر بعد دخول الوقت، ولم يصل، فله أن يصليها قصرا، وهو قول جمهور العلماء.([112])
لقوله الله تعالى: ﴿وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة﴾ [النساء:101].
فإذا خرج أحد لسفر، وضرب في الأرض فله أن يقصر الصلاة.
مسألة: وإذا شرع في الصلاة، وهو مسافر على طائرة، أو سفينة، وفي أثناء صلاته وصل إلى بلده، وهو يصلي قصرا، فيكمله قصرا، وهو الراجح.([113])
(28) المسافر إذا ائتم بمقيم وجب عليه أن يتم، ولا يقصر:
فعن موسى بن سلمة الهذلي قال: (سألت ابن عباس رضي الله عنهما كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام؟ فقال: ركعتين سنة أبي القاسم r). [رواه مسلم في صحيحه (688)].
ورواه أحمد في المسند (ج1 ص216) عن موسى بن سلمة قال: (كنا مع ابن عباس بمكة، فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال: تلك سنة أبي القاسم r).
وإسناده حسن.
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي r قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به). [رواه البخاري في صحيحه (688) ومسلم في صحيحه (412)].
وعن نافع قال: (كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين). [رواه مسلم في صحيحه (694)].
قلت: فإذا صلى المسافر خلف مقيم فيجب عليه الإتمام، وهذا قول جمهور العلماء.([114])
مسألة: وإذا صلى مقيم خلف مسافر أتم.([115])
فعن عمر بن الخطاب t: (أنه كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم يقول: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر). [أثر صحيح. رواه عبدالرزاق في المصنف (ج2 ص540) والبيهقي في السنن الكبرى (ج3 ص126) وابن المنذر في الأوسط (ج4 ص365) بإسناد صحيح].
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: (أنه دخل على رجل من أهل مكة يعوده فحضرت الصلاة فصلى بهم ابن عمر ركعتين ثم التفت إليهم فقال: أتموا). [أثر صحيح. رواه عبدالرزاق في المصنف (ج2 ص540) والطحاوي في شرح معاني الآثار (ج1 ص245) بإسناد صحيح].
ونقل ابن المنذر في الأوسط (ج4 ص365) عدم الخلاف في ذلك.
مسألة: وإذا أم مسافر مقيمين ثم حصل له عذر يخرجه من الصلاة، وخلفه غير من المقيمين، فليصل بهم المقيم أربعا.
وهكذا لو صلى مقيم بمسافرين ثم خلفه مسافر لعذر يكمل بهم الركعتين، إلا إذا كان المقيم قد تجاوز الركعتين من الصلاة الرباعية، فليكمل بهم المسافر أربعا على الأصل المتقدم في الأدلة.
(29) يجب على المسافر أن يصلي صلاة الجمعة والجماعة في المسجد إذا أقام في البلد في سفره:([116])
قال تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله﴾ [الجمعة:9].
قلت: فالواجب علينا أن نصلي كما صلى النبي r.
قال النووي رحمه الله في الإيضاح (ص73): (ومما يتأكد الأمر به المحافظة على الصلاة في أوقاتها المشروعة). اهـ
أما في أثناء السفر فلا صلاة جمعة، ولا صلاة جماعة في المسجد.
قلت: ويجوز أن يسافر المسلم يوم الجمعة إذا اضطر إلى ذلك في أي وقت شاء المسافر وهو قول جمهور العلماء.([117])
قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في الضعيفة (ج1 ص386): (وليس في السنة ما يمنع السفر يوم الجمعة مطلقا). اهـ
قلت: ويصلي المسافر العيدين في السفر إذا أقام في البلد في سفره.
وكذلك يصلي من النوافل صلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء، وقيام الليل في السفر إذا أقام المسافر في سفره.([118])
قلت: ويصلي المسافر في أثناء سفره فقط من الرواتب صلاة الوتر، وسنة صلاة الفجر لثبوت ذلك في السنة عند البخاري في صحيحه (1104) و(1093) مسلم في صحيحه (701)، وكذلك في صحيح مسلم (ج1 ص471).
قلت: ويجوز التنفل على الراحلة في السفر الطويل، والسفر القصير لثبوت ذلك في السنة.([119])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما الصلاة على الراحلة فقد ثبت في الصحيح، بل استفاض عن النبي r أنه كان يصلي على راحلته في السفر أي وجه توجهت به، ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة).([120]) اهـ
قلت: ولا يجب ولا يستحب للمسافر عند تكبيرة الإحرام لصلاة النافلة أن يوجه راحلته إلى القبلة؛ لعدم ثبوت ذلك عن النبي r.([121])
(30) المسافر لا يجوز له أن يصلي الفريضة على المراكب البرية، ولا لغير القبلة إلا لعذر:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان النبي