القائمة الرئيسة
الرئيسية / شرح مسائل الجاهلية (تفريغ) / المسألة (9) - 4 شرح مسائل الجاهلية (تفريغ)

2025-11-18

صورة 1
المسألة (9) - 4 شرح مسائل الجاهلية (تفريغ)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

وما زلنا في المسألة، مسألة الاستدلال بقوم أعطوا قوة في الأفهام والأعمال، وفي الملك، والمال، والجاه، إلى آخره.

 وما زلنا في الكلام على شرح الشيخ صالح الفوزان فيقول حفظه الله تعالى: في قوله تعالى: ﴿وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا﴾ [ق:36] وقال تعالى: ﴿ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين﴾[الأنعام:6] فهذه الآيات وأمثالها تدل على أن العبرة ليست بالقوة، والمال إذا كان أهل ذلك على ضلال، فإن هذه القوة، وهذا المال، وهذا الثراء لا ينفعهم، فلذلك على قوة هؤلاء التي أعطاهم الله سبحانه وتعالى إياها فلم تنفعهم، ولم يستدل الله سبحانه وتعالى بقوتهم، وبأموالهم، وإلى آخره؛ بل العبرة بالدين فمن آمنه، وآمن بالله وبرسله فهذا هو الناجي، والله سبحانه وتعالى ما خلق الله سبحانه وتعالى الناس إلا للعبادة، والله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى ما أعطاهم من المال، ومن غيره؛ لكن الذين كفروا، ولم يؤمنوا فالله سبحانه وتعالى أهلكهم بذنوبهم، فليس العبرة بالقوة، والمال، وغير ذلك، ما دام هؤلاء على الضلال.

ومن هنا نعلم بأن العبد الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى هذه الدنيا من العلم مثلا الدنيوي، أو المال، أو الجاه، أو المركز، أو غير ذلك، ما دام هذا على ضلال، وما دام هذا لا يؤمن بالله، ولا بدينه، أو كان مسلما؛ لكنه عنده اغترار، أو عنده إلحاد، فهذا لا ينظر إليه، ولا يحتج به، ولا بعلمه في دين الله سبحانه وتعالى، دائما وأبدا العبرة بأهل الدين، فهؤلاء هم الذين نحتج بهم.

ولذلك الشيخ كذلك ذكر قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة﴾ [فصلت:15 فهؤلاء أعطاهم الله سبحانه وتعالى من القوة؛ لكن أهلكهم ولم ينظر الله سبحانه وتعالى إليهم، والذين آمنوا من الفقراء والمساكين في الأمم السالفة وليس عندهم شيء من القوة، والمال، والجاه؛ فالله سبحانه وتعالى أثنى عليهم؛ لأنهم أهل إيمان، والناس يحتجون بهم؛ ولذلك ترى بأن كثير من الناس يحتجون بابن مسعود، وبأبي هريرة، وغيرهما من الفقراء؛ مع أن هؤلاء ليس عندهم من القوة، والعلم الدنيوي؛ لكن هؤلاء عندهم علم الدين، فالناس يحتجون بهم، وهكذا في كل زمان نستدل بأهل العلم فقراء، أو أغنياء، ولا نغتر بالذين لم يكن عندهم شيئا من الدين، منهم من أهل الكفر، ومنهم من أهل البدع، ومنهم من أهل المعاصي، فهؤلاء لا نغتر بهم؛ لأن الاغترار بأمثال هؤلاء، والاحتجاج بهم فيه تشبه بأهل الجاهلية، ومع ذلك يعني بالمقابل نترك الاحتجاج بأهل الدين، وبأهل العلم، هؤلاء ليس عندهم شيئا من علوم الدنيا، أو علوم السياسة، أو غير ذلك فلا نحتج بهم، فهذا الأمر يضل به الناس ضلالا بعيدا، ومن ثم بعد ذلك يحتجون بأهل الباطل على ما عندهم من قوة ومال، وعلوم دنيوية، فهذا هو الأصل في ذلك، ويقول الشيخ صالح حفظه الله تعالى: فما كل من عرف الحق يعمل به، فقد يصرفه صارف إما الحسد، وإما الكبر، وإما الطمع في الدنيا، أو الطمع في الرياسة، هناك صوارف تصرف الإنسان عن الحق وهو يعرفه؛ فلذلك هؤلاء ممكن أن يعرفوا الحق؛ لكن لا يستطيع أن يعمل به؛ لأن هناك صوارف تمنع هؤلاء عن قبول الحق، من أهل الكفر، أو من أهل البدع، أو من أهل المعاصي، ومن هذه الصوارف:

 الحسد، فاليهود، والنصارى، وغيرهم من أهل الكفر حسدوا المسلمين، فلم ينقادوا إليهم، ولم يسلموا.

وكذلك الكبر فيتكبر على الحق ويعاند، ولا يقبل الحق من هؤلاء، لعل هؤلاء صغار عنده، وهو لعله يظن أنه من العلماء، أو يشار إليه بالبنان كما بين ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين منهم من ينتسب إلى العلم ويشار إليه بالبنان، فلا ينقاد إلى الأصغر منه علما، أو سنا، وهذا هو الكبر ولعله على باطل، أو بعض الباطل، فلا ينقاد إلى هذا الأمر بسبب الكبر، وهذا الأمر من صوارف الحق؛ لكنه تراه يقبل الباطل من أهل الباطل، ويخالطهم، ويأخذ عنهم، ويأخذون عنه.

  وإما الطمع في الدنيا فيطمع في المال، والمركز، فتأتي إليه بالحق فلا يقبله كأهل التحزب لا يقبلون أي شيء من الدين إلا ما يشتهوا، فهؤلاء صرفوا قلوبهم عن الحق.

 أو الطمع في الرياسة، فيحبوا الظهور، والشهرة، والإمارة، فهو يأمر وينهى، ويعلم أنه من الجهال، وخاصة إذا أصبح له أتباع، فإذا أتي إليه بالحق فلا يعمل به، ولا يأخذ به؛ لأن إن أخذ بالحق ذهبت رياسته، وإمارته، ولعل يكون من الأتباع بعدما كان من المتبوعين، ولعل يكون من أدنى الناس بعدما كان رئيسا للجماعة، أو رئيسا للجمعية، فلا يعمل بالحق؛ لأنه يخاف على الرياسة تذهب عليه، وهكذا كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: أتي الناس من أمور كثيرة أي لا يقبلون الحق، أما من الصداقة فإذا انحرف صديقه انحرف معه، وإذا استقام صديقه استقام معه،  هذا بسبب الصداقة، فإذا انحرف صديقه هذا انحرف معه، وتكلمه عن الحق فلا يعمل به؛ لأن اتجاهه غلط؛ لذلك النبي صلى الله عليه وسلم يحث على الصداقة الخيرية، الصالحة، هذا هو الأصل، وترك صداقة السوء، وجليس السوء، وهذا العبد عليه أن يصادق، ويجالس أهل الصلاح، فإن انحرف واحد منهم فيتبع الجماعة، وكذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: أوتي الناس كذلك من الرياسة، فلا يسمع كلاما، ولا نصيحة، ولا حقا، ولا آية، ولا حديثا؛ لحبه للرياسة، فلا يرجع، ولا يتوب، ولا يحل جماعته، ولا جمعيته البدعية، ولا يصحح فيها شيئا؛ بل إلى الوراء، وإلى الهوى، فيؤتى الناس بذلك.

 كذلك يؤتى الناس من قبل القبائل، انحرف مثلا يمني انحرف جميع اليمنيون إلا من رحمه الله سبحانه وتعالى مثلا يعني، وإذا انحرف مصري انحرف المصريون إلا ما شاء الله، وإذا انحرف أي شخص من بلد انحرفوا معه إلا ما شاء الله، وهكذا؛ فلذلك أوتى الناس كذلك بسبب القبائل، والوطنية، وإلى آخره، فهؤلاء ما يقبلون الحق؛ فلذلك علينا أن ننتبه لذلك، ولا تجالس إلا صالح، تقي، يدلك على الخير، وعلى معرفة الدليل من الكتاب والسنة، وآثار السلف، وإن بقيت لوحدك؛ لأن هذا أصل.

وأوتي كذلك الناس من قبل آبائهم وأمهاتهم، انحرف الأب انحرفت الأسرة، استقام استقامت، أو إذا كان الأب صوفيا كان الابن صوفيا، أو البنت، وإلى آخره، أو كان الأب إخوانيا أصبح هذا الأبن كذلك، وإلى آخره، فلو كان الأب إخوانيا كن أنت سلفيا؛ لأن لا أسوة في أهل البدع، ولا في الخطأ لا من أب، ولا صديق، ولا غير ذلك، فالأسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبالقرون الفاضلة؛ لأن هذا هو الأصل.

ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى: هناك صوارف تصرف الإنسان عن الحق كثيرة، فلابد على الناس أن ينتبهوا لذلك، ثم يقول: فالهداية والتوفيق من الله سبحانه وتعالى ليست عن المعرفة، وعن العلم والفهم، فالأمر راجع إلى الله سبحانه وتعالى ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: «يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك» فمجرد المعرفة، والعلم، والفهم والفقه كلها أسباب جيدة؛ لكنا لا نكتفي، فهذا مما يعطي المؤمن الحذر، وعدم الاغترار بعلمه، عدم الاغترار بفهمه، ويسأل ربه الثبات على الحق، والهداية للصواب دائما وأبدا، كما أنه لا يغتر بالقوة، ويقال هذه دولة قوية ما يمكن أن يتغلب عليها أحد؛ لأنها دولة قوية، محصنة بالأسلحة والذخيرة الفتاكة، والقنابل الذرية؛ فلذلك لا نغتر بذلك؛ لكن على أهل الإسلام أن يعدوا العدة في كل شيء؛ لكن بشرط أن تكون التقوى عندهم، ويكون الورع، والتمسك بالكتاب والسنة حق التمسك، والتوحيد، والأصل في ذلك الكتاب والسنة، ثم بعد ذلك نعد من العلوم الدنيوية، وغير ذلك مما نحتاج إليه في الدنيا لتحيا هذه الحياة، ونأخذ هذه الأمور على قدر الحاجة، فلا نغتر بهذه الأمور ما دام هؤلاء من دعاة الضلال.

  ولعل نختم هذه المسألة بقول الشيخ الألوسي في هذا الأمر، وذكر كذلك الآية ﴿ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم﴾ [الأنعام:6] وقال كذلك: كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة﴾ [الأحقاف:26] وبين بأن هذا السمع لم يتعرفوا به على الحق، فلم يسمعوا، فلم يفدهم هذا السمع شيئا إلا الإثم، ولم يستمعوا إلى الوحي، وإلى الرسل، وكذلك الأبصار لم يروا الآيات؛ مع أنهم يبصرون الكونية، وكذلك الأفئدة، القلوب لم يتعرفوا بها على الله سبحانه وتعالى، فلم يؤمنوا فلم تفدهم هذه الأمور شيئا، فلذلك هؤلاء الذين يسمعون من العلوم الدنيوية، ويبصرونها، ويفهمونها، فيغتر بنفسه وهو لا يؤمن، فهذه الأمور لا تفيده؛ بل عليه حجة؛ ولذلك يقول الألوسي رحمه الله تعالى: ألا ترى أن قوم عاد لما أخبر عنهم التنزيل كانوا من القوة، والبسطة في الأموال، والأبدان والإدراك، وسعة الأذهان، وغير ذلك ما لم يكن مثله للعرب الذين أدركوا الإسلام، ومع ذلك ضلوا عن سواء السبيل، وكذبوا الرسل بالأباطيل، فالتوفيق للإيمان بالله ورسله، والإذعان للحق، وسلوك سبله إنما هو فضل من الله، لا لكثرة مال، ولا حسن حال، إلى آخر كلامه؛ فلذلك هؤلاء مع ما عندهم أهلكهم الله سبحانه وتعالى، مع ما عندهم من القوة، والأموال، والأبدان، والأذهان، فالأصل في ذلك ما كان على الحق فهو الأصل، ومع ذلك ضلوا عن سواء السبيل، فالتوفيق للإيمان بالله سبحانه وتعالى، وعلينا بتصديق الرسل، والتأسي بهم، والاقتداء بهم، والإذعان للحق من الجميع، من الصغير، والكبير، من العالم، وطالب العلم، وسلوك سبيل هؤلاء الرسل، والذين اتبعوا الرسل، فإن فعل العبد فهذا من فضل الله عليه، فعليه أن يتمسك به، ويترك ما يوصل إليه إلى سبيل الجاهلية؛ لأن هذا يضله ضلالا بعيدا كما بينا.

فإذا تبين لنا بأن أهل الجاهلية كانوا يحتجون بما عنده من القوة، والمال، والجاه، وغير ذلك، فلا نتشبه بهؤلاء، ونستدل بأقوالهم وأفعالهم؛ بل علينا أبدا ودائما الاستدلال بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، فإن فعل العبد ذلك فهذا من فضل الله سبحانه وتعالى عليه، وينجوا بذلك.

وهذا آخر ما عندنا في هذه المسألة، ولعل نتكلم عن المسألة العاشرة بالدرس القادم إن شاء الله، نعم في أي سؤال؟

 سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan