القائمة الرئيسة
الرئيسية / الزهر الفريد في أحكام التوحيد (تفريغ) / الجزء (1) الزهر الفريد في أحكام التوحيد: مقدمة في أهمية تعلم التوحيد (تفريغ)

2025-10-21

صورة 1
الجزء (1) الزهر الفريد في أحكام التوحيد: مقدمة في أهمية تعلم التوحيد (تفريغ)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ولعل في هذه الليلة نتكلم عن التوحيد.

والتوحيد: هو أعظم العلوم عند الله سبحانه وتعالى.

والله سبحانه وتعالى أرسل الرسل والأنبياء في الأمم السابقة وفي هذه الأمة لتحقيق التوحيد.

وأفضل الأوقات تذهب في دراسة التوحيد؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

والله سبحانه وتعالى فطر الناس على التوحيد؛ فيجب على الرجال والنساء أن يدرسوا علم التوحيد، وعلى الأبناء والبنات عليهم أن يدرسوا كذلك التوحيد، وعلى الرجال والنساء أن يدرسوا التوحيد.

والله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته؛ أي: لمعرفة التوحيد الذي بينه الله سبحانه وتعالى في القرآن، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم في السنة، وبينه الصحابة في الآثار؛ وذلك لعظم علم التوحيد، به سعادة الشعوب في البلدان في الدنيا وفي الآخرة.

ولا يخفى على الجميع أن الأوقات تذهب، فالساعات تمضي والأيام تسير والأسابيع تذهب والشهور على مر الدهور تمضي والسنوات كذلك.

فعلى العبد الصغير والكبير أن يهتموا بعلم التوحيد؛ لأن في ذلك سعادتهم في الدنيا وفي الآخرة.

وهذا الوقت لا يضيعه العبد في هذه الدنيا في شغل الدنيا ليلا ونهار، ولا في الأكل والشرب، ولا في كثرة النوم، ولا في كثرة اللهو واللعب، ولا في كثرة الكسل والخمول وترك النفس تفعل ما تشاء في يومها؛ فإن هذه الدنيا خلقت من أجل عبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.

ويأخذ العبد متاع الدنيا جملة وتفصيلا على حسب حاجته لكي يتقوى على طاعة الله سبحانه وتعالى، ثم بعد ذلك يشد المئزر لعبادة الله سبحانه وتعالى وحده، ويكون ذلك عن علم، ويبدأ بدراسة علم التوحيد، وخاصة الناشئة الذين يترعرعون في هذا الدين، لماذا؟

لأن هؤلاء الناشئة وكذلك عموم الناس إذا لم يتعلموا التوحيد الخالص ويجتهدون في طلب العلم فإن هناك من يترصد لهم ويحسب حسابهم ويوقعهم، أما في الكفر -والعياذ بالله- أو الشرك أو البدع أو المعاصي، بعدما يتركون التوحيد ودراسة التوحيد ومعرفة التوحيد جملة وتفصيلا؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {فماذا بعد الحق إلا الضلال} [يونس: 32].

فالذي لا يتمسك بالحق -وهو التوحيد- لابد أن يضل، وكيف ضل قوم نوح؟ من بعد ما كانوا موحدين وكانوا أمة واحدة، فترصد لهم الشيطان إبليس فأضلهم وجعلهم جماعات متفرقة، وحبب إليهم الشرك وعبادة الأصنام، حتى كان لهذا الشيطان جنود من الإنس في قوم نوح، وتدرج فيهم خطوة خطوة حتى أوقعهم في الشرك وأبعدهم عن التوحيد فهلكوا.

حتى الله سبحانه وتعالى أرسل إليهم نوح عليه السلام ودعاهم، وآمن معه قليل، والشيطان لا يأتي إلى الإنسان ويقول له اكفر أو أشرك أو ابتدع أو اعصي، لا، الشيطان يأتي إلى الناس خطوة خطوة إلى أن يوقعهم في هذا الأمر ثم يبتعد عنهم ويذهب إلى آخرين، والله سبحانه وتعالى يقول: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} [البقرة: 168].

فالشيطان هذا عدو، وشياطين الإنس والجن لهم وجود إلى قيام الساعة، والله سبحانه وتعالى يمتحن الناس.

فلذلك لابد على العبد أن يحصن نفسه بهذا العلم العظيم وهو توحيد الله سبحانه وتعالى والتركيز على هذا الأمر، ولا يتهاون العبد في دراسة التوحيد؛ لأنه الفقه الأكبر، وما أرسل الله سبحانه وتعالى رسولا ولا نبيا إلا ليحقق التوحيد في قومه.

ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36].

فما بعث الله سبحانه وتعالى نبي ورسول في قومه إلا ليعلمهم التوحيد؛ ولذلك لما ابتعد الناس من دراسة هذا التوحيد على التفصيل وقعوا في أمور كثيرة من الشركيات، حتى وصل بالناس أنهم يحلفون بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من الشرك.

والنبي صلى الله عليه وسلم بين هذا الأمر: «من كان حالفا فليحلف بالله».

ولذلك ترى أناس من الأطباء ومن المهندسين ومن المثقفين ومن الأذكياء ممن يجعل نفسه أنه يعرف في هذه الدنيا وهو من أهل المعرفة، لكن إذا أتيت إليه في التوحيد فهو جاهل، وتسمع من هؤلاء المثقفين يقول «والنبي».

ومنهم من بعض الأخوة تحدى منهم رجل أن لا يحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ويعطيه جائزة في مجلس، ففي أثناء الكلام وهو يتكلم يقول أنت فعلت هذا الأمر كما تقول «والنبي».

فمصيبة كبيرة هذه.

والذين يحلفون بالنعمة، والذين يحلفون برأس الأب والأم، والذين يعبدون القبور في البلدان الإسلامية ويطوفون عليها ويستغيثون بها ويقولون «مدد يا فلان»، ويقولون أن هؤلاء أولياء، وأنهم يتصرفون في الكون، ويقولون «يا حسين»، و«يا علي»، و«يا خميني»، ويا فلان ويا علان، ثم ينتسبون إلى الإسلام!

وهؤلاء خلق من الناس، كيف وقع هؤلاء وكيف أوقعهم هذا الشيطان في الشرك؟ فبسبب إن هؤلاء لم يدرسوا التوحيد؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، والله خلقهم لهذا التوحيد، فإذا هم يشركون بالله -والعياذ بالله-.

ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]؛ أي: إلا ليوحدون.

والله سبحانه وتعالى وعد في أهل التوحيد الذين يوحدونه أن الله سبحانه وتعالى يرضى عليهم ويدخلهم الجنة، ولن يدخل هذه الجنة إلا موحد؛ كما سوف يأتي ذكر هذا في أثناء هذه الدروس العظيمة من دروس التوحيد.

وكثير من الناس -والعياذ بالله- أعرضوا عن التوحيد، إلا يأخذون كلمة من هنا وحرفا من هناك، والله سبحانه وتعالى أمر الناس أن يدرسوا التوحيد على التفصيل، وله أحكام لابد على العبد أن يتعرف بهذا العلم العظيم الذي فيه سعادة الدنيا والآخرة ودخول الجنة.

ولذلك على العبد أن يحرص على أوقاته، ولا في أي مجال للعبد أن يضيع أوقاته في طلب الرزق، يكفيه عمل واحد في الصباح ثم يلتفت إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، يكفيه أن يأكل ويشرب على قدر حاجته، ولا يطلب أكثر من ذلك فتضيع أوقاته، ولا يجلس هنا وهناك في الطرقات وفي المجالس العامة التي تضيع وقته بلا فائدة وبالقيل وبالقال، فإذا مات ماذا يفعل؟! فهو مسئول.

وماذا يستفيد من هذه المجالس العامة؟ أو كثرة الجلوس عند التلفاز أو في القهاوي، أو كثرة اللعب واللهو ومشاهدة ما يسمى بهذه المباريات وما شابه ذلك، ما في وقت للعبد لهذا الأمر؛ لأن هذه الدنيا عمرها قصير.

ولذلك الخلق عمرهم قصير، ما في أحد يخلد، والآجال تأتي ولا تستأذن أحدا، الموت لا يستأذن أحد، فالموت يأتي بغتة، فلابد على العبد أن يكون له مستعد بعلم التوحيد لكي يجيب على هذه الأسئلة، وهي أسئلة عظيمة كلها في التوحيد، من ربك؟ من هو نبيك؟ ما هو الدين الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم؟ ما هو دينك؟

فغير الموحد فلا يستطيع، فلابد أن يكون أمرك وإيمانك كالجبال بعلم التوحيد ليثبت الله سبحانه وتعالى ويثبتك في هذا السؤال في القبر، وإلا إذا كان لا يلتفت إلى التوحيد وجاهل في التوحيد فلا ينفعه الدعاء وما شابه ذلك عند سؤاله.

فالأمور خطيرة جدا، فلا يضيع وقته لا الكبار ولا الصغار.

فالوقت له أهمية كبيرة في حياة المسلم، ولا مجال لتضيعيه أكثر من ذلك؛ لأن كما ترون لو تذهب الآن في الطرقات والمجالس والقهاوي ترى خلق من الناس ضيعوا أوقاتهم، وترى أناس إلى الآن لم يصلوا صلاة العشاء، ومنهم لا يصلي، فماذا هؤلاء يفعلون في حياة البرزخ وفي حياة الآخرة؟!

والله سبحانه وتعالى خلقنا في هذه الدنيا واستخلفنا فيها لينظر كيف نعمل، ولا شك أن التفريط في الوقت يأثم به المسلم لكونه لم يحافظ على الأمانة من وقت وغيره، فقد حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والعلماء من بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حفظ الوقت.

فحفظ الوقت هذا من أعظم الأمور ومن أعظم النعم على العبد إذا الله سبحانه وتعالى يسر له حفظ وقته، فهذه نعمة عظيمة على العبد؛ لأن بيكون وقته حتى لو كان في هذه الدنيا وينوي أن عمله عبادة، ونيته أنه يقوم على أهله وأولاده وأقاربه ووالده ووالدته، فهذا له أجر وإن كان يعمل في الصباح، إذا نام على الأذكار وعلى السنة نومه هذا عباده وله أجر، إذا كان يأكل ويشرب ونيته أنه يتقوى على عبادة الله سبحانه وتعالى يقوم بصلاته بقراءة القرآن بطلبه العلم؛ فيكون هذا الأكل والشرب عبادة، إذا يغدوا ويروح مع أهله وأولاده في سفر أو في هذا البلد في وقت محدود -كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة- يلهو ويلعب مع أهله ونيته أنه يرفه عن نفسه وعنهم -كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم-؛ فهذا يكون له أجر وعبادة.

فتكون هذه الحياة عبادة، ضف إلى ذلك إذا صلى وصام وحج واعتمر وذكر الله سبحانه وتعالى في المساء والصباح واليوم والليلة، وجعل ذلك خالصا لوجهه سبحانه وتعالى وقرأ القرآن؛ فهذا يكون له أجر.

ففي دنياه له أجر وفي آخرته له أجر، وهذا من توفيق الله سبحانه وتعالى للعبد وإنه من التوحيد؛ لأنه إذا رسخ التوحيد في قلب العبد جعل هذه الدنيا من أجل الآخرة، والذي في الحقيقة لم يرسخ في قلبه التوحيد فيجعل هذه الدنيا من أجله، يتمتع كما يتمتع كثير من الناس -والعياذ بالله-، ومنهم من يفعل المحرمات لأجل هذه الدنيا ويأكل الربا، ويفعل أشياء كثيرة لأجل شهوته ويتمتع.

انظر إلى اليهود والنصارى كيف يتمتعون وعندهم هذه الدنيا الكبيرة وليس لهم إلا الآثام، لماذا؟ هؤلاء لم يفهموا التوحيد.

انظر إلى أهل البدع كالرافضة وغيرهم على ما عندهم من الأموال والبيوت والسيارات والوظائف، ومع هذا هؤلاء مشركون ما عرفوا حقيقة التوحيد، هؤلاء يعملون ليلا ونهار -كما ترون- لأجل الدنيا، فليس لهم إلا النار -والعياذ بالله-.

فأما أهل السنة خلاف ذلك، يعرفون كيف يستخدمون هذه الدنيا، ويجعلون النوم والشغل والأكل والشرب، حتى اللهو واللعب لله سبحانه وتعالى فيه أجر، وبينا في أحكام اللهو واللعب كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل والصحابة رضي الله عنهم.

فالصغار ينشئون على التوحيد والكبار ينشئون على التوحيد، والكل يكمل الآخر، فيذهب الكبار ويأتي بعد ذلك الصغار، وهكذا تقوم هذه الدنيا مع الطائفة المنصورة على التوحيد.

فلذلك لابد من المحافظ على الوقت، ولا في مجال تضييع الأوقات إلى أكبر من ذلك، وعلينا بطلب العلم، وهذه العبادة تحتاج إلى علم وإلى بصيرة، لا سبيل إلا لذلك إلا بحفظ الوقت، ومن أضاع وقته ضاعت عليه العلوم المفيدة وانشغل فيما لا ينفعه، فمن أهمل وقته فلابد أن ينشغل بما لا فائدة فيه، ولابد.

فهذا الأمر لابد منه.

وهذا الذي بينه ابن القيم في «مدارج السالكين»، وكذلك الشيخ عبد الرحمن بن الحسن في «فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد» للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ»، وشيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى»، وابن قدامة في «توزيع العبادات على مقادير الأوقات»، وابن بطال في «شرح صحيح البخاري».

فبينوا أن الوقت أمره مهم، ولابد أن يجعله في العبادة، فإذا لم يجعله في العبادة فلابد أن يجعله في أمر لا فائدة منه، لعل مباح فلا يحصل له الأجر، أو في شيء محرم فيأثم عليه، لأن الناس خلقوا على ذلك، أما في عبادة أو في غير عبادة.

فالذي لم يصلي إذا دخل وقت صلاة العصر مثلا، فإذا لم يصلي مع الناس -إذا لم يكن معذورا- فهذا في الغالب لابد أن لا يصلي، والكل يعرف جيرانه وأهل منطقته والأشخاص الذين يصلون والذين لا يصلون.

ولذلك تقول لشخص عن شخص تسأله عنه يقول: هذا يصلي ونراه، وهذا الشخص يقول: هذا لا يصلي.

فهذا عبد الله سبحانه وتعالى فالله سبحانه وتعالى وفقه.

فلذلك لابد من هذا الأمر.

فالذي لم يطلب العلم الشرعي فلابد أن يطلب علوما أخرى، والذي يدخل عليه شهر رمضان ولم يصم -نعلم عنه لم يصم- فاعلم أنه ترك هذه العبادة إلى غير عبادة، يعني هذا لا يصوم، إذا ما صام هذا لا يصوم شهر رمضان.

لابد أن يبتلى العبد بذلك؛ لأن الصيام هذا صيام اجتماعي وجماعي، كل الأمة تصوم في رمضان، فالذي لم يصم فهذا ما صام، فلابد أن يبتلى بأمور أخرى.

فهذه العبادة إذا جعلناه في الأوقات المحددة شرعا وجعلنا هذا الوقت في عبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له؛ فهذا الوقت هو المفيد، وإلا العبد سوف يسأل عن هذه الأوقات التي يضيعها الناس -والعياذ بالله- بسبب جهلهم.

فلابد أن ننظر إلى هذا الأمر، وبسبب جهلهم يسهرون إلى الفجر بلا فائدة ويضيعون العلوم الشرعية والصلوات وما شابه ذلك.

فهؤلاء ضيعوا أوقاتهم، فلابد الحرص.

والعجيب ترى شخص يصلي ويطلب العلم يأتيه شخص مضيع وقته فيوقعه معه، ترى هذا يترك الصلاة ويترك طلب العلم أو يترك المركز وحفظ القرآن وما شابه ذلك ويلهو مع هذا الذي يضيع وقته، كيف يكون؟! المفروض أنت تجلب هذا إلى العبادة، ما بهذا الذي يجلبك إلى تضييع الأوقات.

فلابد النظر إلى هذا الأمر.

فيجب على المسلم أن يحفظ وقته، ولا ينسى هؤلاء قول الله سبحانه وتعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيدٌ} [ق: 18]؛ فالله سبحانه وتعالى جعل على الناس ملائكة يكتبون الحسنات ويكتبون السيئات.

ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول: {وإن عليكم لحافظين}؛ هؤلاء الملائكة، {وإن عليكم لحافظين (10) كراما كاتبين (11) يعلمون ما تفعلون} [الانفطار: 10-12]؛ الله أعلمهم كل شيء يفعله العباد فيكتبون، فيكون الوقت في العبادة ليكتب هؤلاء الملائكة حسناتك وأجورك، وتأتي يوم القيامة ولك سجل مد البصر فيه الأجور والعبادات، ليس فيه تضييع الأوقات والآثام والمحرمات.

فلينظر العبد إلى هذا الأمر، ومن كانت أعماله محفوظة وأقواله مكتوبة كيف يضيع الوقت؟! فجدير بمن هذا شأنه أن يحفظ وقته من الضياع، فلابد أن نحفظ أوقاتنا من الضياع.

ولذلك الله سبحانه وتعالى أقسم بالدهر، بالزمن، بالوقت، لعظم هذا الوقت، وللأسف أم كثير من الناس ما عرف قيمة هذا الوقت، فيضيعه في أي شيء.

ولذلك من جهل الجهلة يقول: تعال فلان، تعال فلان ضيع وقتنا، يلا خذ.

هؤلاء ماذا فهموا من خلق الله سبحانه وتعالى لهم وهذه الدنيا؟! وماذا فهموا من هذا الوقت العظيم؟! تعال نضيع الوقت وهو مسئول عنه!

فلذلك الله سبحانه وتعالى أقسم بالزمن والوقت: {والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر: 1-3].

فأقسم تعالى بالعصر؛ وهو الدهر وهو الزمن وهو الوقت؛ كما بين شيخنا رحمه الله تعالى في شرح ثلاثة الأصول.

فالمسلم إذا أراد أن ينال هذه الصفات الطيبة فعليه بحفظ وقته في طاعة الله تعالى، فإذا نال هذه الصفات الأربع صار من الربانيين في الدين، فليس مجرد راهب وليس مجرد عابد، فلابد أن يكون ربانيا، لا يموت إلا حتى يكون هذا العبد ربانيا ويموت رباني، ويلحق بالرفيق الأعلى سبحانه وتعالى وهو رباني ويبعث وهو رباني.

كثير من الناس -والعياذ بالله- وللأسف ما يفهمون هذا الأمر، مجرد أنه يموت مثلا يصلي أو كذا أو كذا، لكن لا، مع هذه العبادة والعبادات الأخرى أن تكون ربانيا، تعرف أحكام القرآن وتعرف أحكام السنة وتعرف أحكام الآثار آثار الصحابة- لكي تكون ربانيا في هذا الدين.

وقد عرض القرآن الكريم والسنة النبوية للزمن قيمة وأهمية وأوجه انتفاع في هذا الوقت؛ لأن هذا الوقت يقطع بسرعة -كما ترون-.

أنت تذهب تدرس عشر سنوات، ترى نفسك قد قطعت هذه السنوات وتعمل وأخذت مثلا- عشرين سنة في العمل، انظر، ولا تشعر بذلك بهذا الوقت، والناس يقولون أن اليوم يمر بسرعة، والأسبوع والسنة تنقضي، الآن دخلنا في هذه السنة الجديدة وقطعت نصفها الآن سنة (1436).

فالزمن إذا لم تقطعه قطعك، وانظر في هذا الأمر.

فلابد من استدراك الأمور والأوقات التي ضاعت وهذه السنوات التي ضاعت وتعرف كيف يكون وقتك؛ لأن القرآن جعل للزمن قيمة والسنة كذلك.

ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} [آل عمران: 140]، هذه الأيام يعني: الزمن.

الله سبحانه وتعالى يداول هذا الزمن بين الناس، وجعل الليل والنهار والحساب وما شابه ذلك.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ»؛ أي: نعمتان من نعم الله تعالى.

وهذا الحديث أخرجه البخاري في «صحيحه».

ومغبون؛ الغبن: النقص، يعني: كثير من الناس أضاعوا الوقت ولم ينتفعوا من صحتهم ولا من وقتهم، فيرى نفسه بعد ما كان صاحيا فإذا هو مريض.

والوقت بعد ذلك قطع في أشياء لم ينتفع بذلك، فرأى نفسه لا يستطيع أن ينتفع من هذا الوقت لأنه كبر أو أصابه مرض حتى لو كان شابا لا يستطيع أن يدعو إلى الله، أن يطلب العلم، ويقرأ الكتب الصحيحة كصحيح البخاري، صحيح مسلم، لا يستطيع أن يقرأ القرآن، لا يستطيع أن يقرأ السنة، ضاعت عليه الوقت؛ لأن لم يتعلم القراءة؛ قراءة القرآن، قراءة السنة، ما يحفظ، ما حفظ، ما يستطيع، فممكن صغيرا لا يرى، ممكن صغيرا لا يستطيع أن يتكلم، ممكن لا يستطيع يمشي، من حادث من كذا من كذا، فلابد من يعني اغتنام الصحة والفراغ.  

ولذلك ترى بعض الإخوة على زعمهم يخرجون ما يسمى بالتقاعد، ماذا يفعل في هذا التقاعد؟ لكي يتمتع، يغدوا ويروح وما شابه ذلك، لكن ماذا انتفع من هذا الوقت؟ لا شيء، إلا لعل يصلي ومن المسجد للبيت.

طيب الأمور الأخرى؟ أحكام كثيرة مكتوبة في القرآن، مكتوبة في السنة، طلب العلم، معرفة التوحيد، ما في شيء من ذلك.

بعد ذلك يتملل، بعد ذلك يريد أن يطلب العلم، بعد ذلك يريد أن يقرأ القرآن قراءة صحيحة.

فهذا ممكن أن يقوم بهذا الأمر وممكن لا.

فلذلك على الناس أن يغتنموا الصحة والفراغ، ما دام هذا صحيحا وعنده وقت وفراغ فليجعله في طلب العلم.

ولله الحمد.. الله سبحانه وتعالى يسر الآن العلم لم يتيسر في الأمم السابقة ولا في القديم، القرآن مطبوع بأفضل مصاحف والألوان، وممكن أن تسمع حتى في بيتك عن طريق الهاتف، وممكن الآن الناطق هذا بالقرآن الجهاز، وأسعار يسيرة.

كذلك التجويد، القراء كثر، وتعليم القرآن وتعليم السنة، تسمع صحيح البخاري كامل وأنت في السيارة.

لذلك لابد من هذه الأمور أن نستغلها الآن في طلب العلم، أي شيء تريده في الدين موجود، تجلس في غرفتك وتسمع ما تشاء، وأي مكان سوف تذهب ترى القرآن أمامك، في سيارتك، في بيتك، حتى في الفندق، في كل مكان، تسمع تتعلم.

والله سبحانه وتعالى ما جعل هذه الأمور وهذه الأجهزة هكذا ليتمتع الناس فقط، لا، هذه من باب إقامة الحجة على الناس كذلك.

ولذلك العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى بين في كتابه -في طلب العلم- أن في زمانه هذا في اليمن في عهد الشوكاني- يقول: تيسر لنا هذا بزمان الشوكاني- تيسر لنا طلب العلم لم يتيسر للذين من قبلنا.

هذا لو أتى الآن الشوكاني في هذا الزمان ماذا يقول؟! وما عساه أن يقول؟! إذا رأى هذه الأجهزة، ويرسل حق الأمم والناس الآن في العالم يسمعون هذا الآن في كل مكان، الذي يفتح يسمع الآن، فأي تيسير هذا على الناس! 

فيريدون يعني هؤلاء الناس نريد منهم فقط أن يجعلون أوقاتهم هذه اليسيرة في الحرص على طلب العلم، والله سبحانه وتعالى ييسر لهم.

يعني: إذا كان في القديم العلماء يبحثون في يعني سنة أو سنتين في أحاديث أنت الآن في خمس دقائق، انظر سنوات طوال!

الآن لو كنت مؤلف للكتب ممكن تؤلف كتابا مفيدا في أسبوع لوجود المراجع وكل شيء، وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى، لماذا العبد يضيع هذه الأوقات هكذا في القهاوي في كذا في كذا عند التلفاز؟!

اجعل هذه الدنيا يعني على قدر الحاجة والباقي للآخرة.

بعد ذلك كما قال الإمام أحمد: إذا وضعت رجلك في الجنة فهذا هو الفوز.  

بعد ذلك افعل ما تشاء، لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

فبعد ذلك تمتع ما تشاء، الآن للأسف أن الفقير في الدنيا ينظر إلى التاجر الغني، والأصل في الدين إذا كان علمك قليل تنظر إلى العالم لتصل إليه، فهذا هو الأصل: تنظر من هو أعلم منك لكي تصل إليه.

فإذا وصلت إلى هذا في العلم تتطلع على الآخر الذي أعلم من هذا وهكذا، لكن الآن الناس غير فهمانين، فينظرون إلى الأغنى والذي عنده هذه السيارة لابد أن نشتري مثلها، وإذا تزوج الشخص لابد أن يكون في هذا المكان وفي هذا الفندق وفي كذا وكذا.

والعمل، الشخص يعمل عملا طيبا لا يتطلع إلى أعمال أخرى، وترى يترك هذا العمل ويدخل في عمل ثاني، ويترك هذا العمل ويدخل عمل ثاني، ويصرف أوقاته كذلك في الدراسة كما يقال وتضيع الأوقات ولعل لا يحصل شيئا.

ولذلك تسمعون أنتم من كان في الدراسة يريد أن يكون يعني أعلى من هذا توفاه الله، وهذا يبني بيته فإذا كان البيت جاهز توفاه الله لم يسكن، وهكذا.

فلذلك على العبد أن يحرص على الصحة والفراغ ويجعل الصحة والفراغ في دين الله سبحانه وتعالى.

والنبي صلى الله عليه وسلم بين كثير من الناس فعلا، لو ترى كثير من الناس يعني ما عرفوا ماذا يفعلون في هذه الصحة وهذا الفراغ، رغم أنه فراغ طويل، وترى من أناس يعني سنوات طويلة ما حرك ساكنا في العلم.

ولذلك يقول شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين في «شرح صحيح البخاري» في شرحه لهذا الحديث: صدق النبي صلى الله عليه وسلم أنها فعلا نعمتين لمغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ؛ فإن أكثر الناس قد أضاعهما، تمضي عليه الأيام الطويلة وهو صحيح البدن فارغٌ وتضيع عليه، وهذا غبنٌ بلا شك -يعني: نقص- ولا يعرف هذا الغبن إلا إذا مرض.

يقول: كيف لم أفعل كذا في أيام صحتي، كيف راحت علي الأيام!

فلذلك على الناس الحرص على هذه الأوقات العظيمة.

ولذلك يقول ابن القيم في طريق الهجرتين: ومن أعظم الأشياء ضررا على العبد بطالته وفراغه، فإن النفس لا تقعد فارغة، بل إن لم يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره ولابد.

لقد هاج الفراغ عليك شغلا      

 

وأسباب البلاء من الفراغ

 

وللأسف ترى الآن الناشئة أو الشباب لكثرة فراغهم يقعون في أشياء، في التدخين، في المخدرات، في السهر، في كذا في كذا، وضاعوا، والذي مات مات، ومنهم من ينتظر.

فلذلك لابد من تأصيل الناشئة والناس على التوحيد.

فيقول ابن منازل رحمه الله تعالى: من اشتغل بالأوقات الماضية والآتية ذهب وقته بلا فائدة.

يشغلها في الأمور التي لم يأمر الله سبحانه وتعالى بها، فلابد أن تذهب عليه.

وهذا الأثر أثر حسن أخرجه البيهقي في «الزهد الكبير»، وإسناده حسن.

ولذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا».

وهذا الأثر أثر حسن لغيره، أخرجه ابن أبي الدنيا في «محاسبة النفس»، وأحمد في «الزهد»، وأبو نعيم في «حلية الأولياء»، وابن المبارك في «الزهد»، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»، وابن أبي شيبة في «المصنف»، وإسناده حسن لغيره.

فعلى العبد أن يحاسب نفسه.

ولذلك يقول الخراز رحمه الله تعالى: (الاشتغال بوقت ماض تضييع وقت ثاني). أخرجه البيهقي في «الزهد الكبير»، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»، وإسناده صحيح.

ولذلك يقول أبو القاسم رحمه الله تعالى: (مراعاة الأوقات من علامات التيقظ). أخرجه البيهقي في «الزهد الكبير»، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»، وإسناده حسن.

فالذي يعرف كيف يقضي أوقاته في عبادة الله هذا العبد متيقظ وذكي.

ولذلك يقول الداراني رحمه الله تعالى: (إذا غلب الرجاء على الخوف فسد الوقت). وهذا الأثر أثر حسن أخرجه السلمي في «طبقات الصوفية»، وإسناده حسن.

فإذا ترك الأمر العبد ويقول بعد ذلك سوف أسوي، أفعل، أطلب العلم، أقرأ القرآن، أصلي، وكذا؛ فهذا فسد وقته بلا فائدة، فيأتيه الموت وهو لا يشعر.

ولذلك يقول إبراهيم الزاهد رحمه الله تعالى: (من حفظ على نفسه أوقاته فلا يضيعها بما لا يرضي الله فيه حفظ الله عليه دينه ودنياه).

الله سبحانه وتعالى يحفظ عليه دينه ودنياه، وهذا أثر حسن أخرجه البيهقي في «الزهد الكبير».

فالذي يحفظ أوقاته في طاعة الله سبحانه وتعالى؛ فالله سبحانه وتعالى يحفظ عليه دنياه وآخرته، والذي يضيع أوقاته ضاعت عليه الدنيا والآخرة.

فلينظر هذا العبد في هذا الأمر، وهذه تكون مقدمة لتأصيل بعد ذلك علم التوحيد، وهو أعظم العلوم؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

وهذا ما عندنا في هذه الليلة.

الأسئلة:

السؤال: غير مسموع.

الجواب: بالنسبة إذا دخل العبد المسجد فلا توجد أي سنة إلا سنة تحية المسجد، وهناك إذا أراد أن يتطوع بعد تحية المسجد كمثلا قبل الخطبة يوم الجمع فله أن يتطوع، والسنن يعني الراتبة معروفة، قبل الصلوات المفروضة وبعدها، أما عند الدخول ما في إلا سنة تحية المسجد.

وهذا بالنسبة نصيحة لطلاب العلم في زمن الفتن، هذا الآن الدرس كله نصيحة في زمن الفتن، وهذا العصر زمن الفتن -والعياذ بالله- فتنة المال، فتنة النساء، فتنة الكفرة من اليهود والنصارى، فتنة أهل البدع من الرافضة وغيرهم، فتنة أهل الشهوانية والمعاصي فتنة كبيرة-، فتنة أهل اللهو واللعب، والفتن كثيرة -والعياذ بالله-.

فهذه نصيحة كيف يفعل العبد وأن الله سبحانه وتعالى يحفظه من هذه الفتن؟ بطلب العلم، وحفظ الوقت، وعليه بدراسة علم التوحيد، علم التوحيد إذا دخل في قلب العبد صار كالجبل لا أحد يستطيع عليه.

وإلا لماذا الآن يعني الناس دمروا بلدانهم بأنفسهم؟ يخربون بيوتهم بأيديهم، بسبب ماذا؟ ما عندهم علم التوحيد، ما يعرفون كيف يفعلون في بلدانهم فدمروها، خربوا بيوتهم بأيديهم لما فيها من الشرك والبدع، ما يعرفون، يظنون أن السياسيات في البلدان هي التي فيها الخير لهم، وهي فيها دمار لهم، وهذا ظاهر في الحروب السياسية.

فعلى الناس الاتباع.    

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.                                                


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan