الرئيسية / شرح مسائل الجاهلية (تفريغ) / شرح المسألة (8) من مسائل الجاهلية - للمحدّث العلامة الفقيه فوزي الأثري حفظه الله
2025-10-20
شرح المسألة (8) من مسائل الجاهلية - للمحدّث العلامة الفقيه فوزي الأثري حفظه الله
المتن:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (الثامنة الاستدلال على بطلان الشيء بكونه غريبا، فرد الله تعالى على ذلك بقوله في هود: ﴿فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين﴾ [هود:116]).
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
فالمؤلف رحمه الله تعالى بعد ذلك ذكر المسألة الثامنة: وهي الاستدلال على بطلان الشيء بكونه غريبا، وهذه المسألة الثامنة في نسخة الشيخ الألوسي؛ لكن في نسخة الشيخ صالح الفوزان في الخامسة، من ضمن الخامسة؛ لكن في لفظ ويستدلون على بطلان الشيء بغربته، وأخذنا المسألة الخامسة وشرحناها، وكذلك مؤلفات الشيخ في المسألة الخامسة كما في نسخة الشيخ صالح الفوزان، ويستدلون على بطلان الشيء بغربته، وقلة أهله؛ لكن في نسخة الألوسي رحمه الله تعالى جعلها في المسألة الثامنة، أي من المسألة الثامنة، الاستدلال على بطلان الشيء بكونه غريبا.
وهذه المسألة تكلمنا عنها جملة وتفصيلا في المسألة الخامسة، وتكلمنا عنها كذلك شيئا في المسألة السابعة، عندما ذكرنا مسألة القلة والكثرة، فلا داعي إلى شرحها مرة ثانية؛ لكن لعل نذكر بعض الفوائد من كتابي الأزهار المنثورة في هذه المسألة، ولعل الدرس القادم ندخل في المسألة التاسعة.
ومن أصول كما بيننا أهل الجاهلية بأنهم يحتجون دائما وأبدا بالكثرة، وإذا احتج البعض، أو القلة قالوا: هذا شيء غريب، لم نسمع به في الأولين، ولم نسمعه في آبائنا الأولين، وفي قومنا الآخرين، كما نسمع في هذا الزمان من الهمج إذا استدل أهل الحق بكتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: هذا شيء عجاب، شيء غريب، كتاب الله غريب، هذا قولكم غريب، سنة النبي غريب، فالشخص يذكر كتاب الله، وسنة النبي يقولون: هذا شيء عجاب، وهذا شيء غريب، قولكم غريب، وأنتم الغرباء في الإسلام؛ بسبب جهلكم بكتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأن من عرف الكتاب والسنة لا يقول هذا القول، فكتاب الله هو المهيمن في كل زمان، ومكان إلى قيام الساعة، وسنة النبي كذلك؛ لكن كما بين الحافظ الشاطبي من جهل شيئا عاداه، وكذلك ذكر هذا الحافظ ابن القيم، فهؤلاء الجهال والعياذ بالله يتشبهون بأهل الجاهلية، فتذكر الفتاوى من الكتاب والسنة يقول: هذا شيء غريب، وتقوم على السنة بنشرها، وتبينها، وتدريسها يقولون: هذا شيء غريب، وتصدع على أهل البدع يمنة ويسرة فيقولون: هذا شيء غريب، وهذا الأمر معروف عند أهل العلم، وهذا من منهج السلف، فالأقاويل المخالفة للكتاب والسنة، كأقاويل هذه الأحزاب التي تغلغلت علينا، وفي بلادنا، ويتكلمون بألسنتنا هي الغريبة على الإسلام، فلذلك هؤلاء يحتجون علينا بذلك، فنقول لهم: أنتم تشبهتم بأهل الجاهلية؛ لأن هذا الأمر معروف في الإسلام قديما وحديثا، وأنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وبينه، فلذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ، فطوبا للغرباء)) وهذا الحديث أخرجه مسلم في ((صحيحه))، وابن ماجه في ((السنن))، وأحمد في ((المسند))، وغيرهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يبين بأن هذا الإسلام بدأ غريبا في الجاهليين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك الجاهليون، الكافريون هؤلاء يقولون هذا الكلام للنبي صلى الله عليه وسلم، ويتعجبون من القرآن؛ ولذلك نسمع من الجاهليون العصريون بأن هذا غريب، تشابهت قلوبهم؛ فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم بين بأن هذا الإسلام سوف يعود كما بدأ، وهذا الذي نراه في هذا الزمان؛ لكن على الغرباء أن يثبتوا على الكتاب، وعلى السنة، وعلى هذا المنهج، فطوبى للغرباء؛ ولذلك هذا الإسلام بدأ من مكة غريب لقلة الرجال الذين حملوه آنذاك، وكانت هناك قوى الكفر أكثر من أهل الإيمان، وسيعود غريبا أي سيحمله رجال قلائل في آخر الزمان، في هذا الزمان، فيتمسكون فيه فهم فيه غرباء، في تمسكهم؛ ولذلك بين القاضي عياض رحمه الله تعالى: وظاهر الحديث العموم وإن الإسلام بدأ بآحاد من الناس، أو في آحاد من الناس، وقلة ثم انتشر، وظهر، ثم سيلحقه النقص، والإخلال حتى لا يبقى إلا في آحاد، وقلة أيضا كما بدأ؛ ولذلك نرى أهل البدع يخرجون هنا وهنا في التلفاز، في الجرائد، في الصحف، مهيمنين في البلدان كما ترون، لهم مراكز يغتر بها الجاهل، ويظن إن هؤلاء تمكنوا، وأن هؤلاء سعداء؛ لكن هذه سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه، في ذلك يتبين من هو الصادق، من هو الكاذب في دين الله سبحانه وتعالى، من الذي يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبدين النبي صلى الله عليه وسلم، وبسنته، ويتمسك بها ومن الذي يلحق بأهل البدع، أهل الدنيا، ويأخذ سننهم، فهنا يتبين من هو الصادق، من هو الكاذب، وظهر؛ ثم سيلحقه النقص، والإخلال، حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضا كما بدأ؛ لكن سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه هكذا يمتحن الناس، ولعل الجاهل يرى أن أهل الحق ليس لهم كما عند أهل البدع، وأهل التحزب؛ لكن الله سبحانه وتعالى يعلم بكل شيء، لابد أن تؤمن بذلك، وأن الله سبحانه وتعالى ناصر أهل الحق، وناصر دينه، وهو المدافع عن دينه، وعن المؤمنين، وهذا الحديث قد تحقق في زماننا هذا الغابر، فترى الرجل إذا تمسك بدينه صار غريبا ولعله يضطهد، وهذا قلة، فهذا يعتبر عزه، ويضطهد من أقرب الناس إليه، فقد يكون أبوه، أو أخوه وقد يصفونه بألفاظ كقولهم: متشدد، متنطع، متطرف، إلى آخره، وهؤلاء كالزرع الصالح الناضج في المنبت السوء، فلا تغتر بهم فلذلك ليس كل ذهب لامع.
فانتبه لذلك حتى السراب له لمعان فيأتيه الجاهل العطشان الحزبي فينكب عليه فإذا هو هالك، فإذا جاءه لم يجده شيئا، ما يجده شيء ما يجد التنظيم الحزبي شيء، ولا البدع، ولا دين الروافض، ولا الاباضية، ولا غيرهم فهؤلاء كالسراب والعياذ بالله؛ فلذلك لا تغتر بكثرتهم، وبأمثالهم فعليك بالقلة كما أسلفنا وبينا ذلك، فالغرباء الذين يتمسكون بدينهم، وبينا بأن هؤلاء هم أهل الحديث، وأسلفنا في ذلك.
ولذلك يقول سفيان الثوري رحمه الله تعالى: ((استوصوا بأهل السنة خيرا فإنهم غرباء))، وهذا الحديث أخرجه اللالكائي في ((الاعتقاد))، وابن الجوزي من ((تلبيس إبليس)) بإسناد صحيح.
فلذلك علينا أن نستوصي بأهل السنة وإن كانوا قلة فهم على خير، سواء كان الموجود واحد، أو أكثر، أو جماعة قليلة، أو كثيرة فهم فيهم خير فإنهم غرباء؛ فلذلك طوبى للغرباء هذا مدح لأهل الغربة وهم المتمسكون بالكتاب والسنة، فعليك بهؤلاء.
وكذلك بين هذا الأمر الحافظ الهروي رحمه الله تعالى في ((ذم الكلام)) (ج5 ص16)، بين بأن أهل الحديث هم الغرباء، يقول: وهم الغرباء الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ((طوبى لهم))، فهؤلاء طوبى لهم، وهم المعنيون في الأحاديث، وكذلك هم أهل الاجتماع، وهم أهل الألفة، وهم جماعة المسلمين، وهم أهل السنة، وهم أهل الحديث، وهم أهل الأثر؛ فلذلك عليك بهؤلاء.
وهذا ما عندنا في هذا الدرس، ولعل ندخل في المسألة التاسعة في الدرس القادم، نعم، في أي سؤال؟
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.