الرئيسية / الشرح الكبير على بلوغ المرام / الجزء (60) الشرح الكبير على بلوغ المرام: تحرير رواية ابن عكيم وأنه تابعي مخضرم وليس بصحابي (تفريغ)
2025-05-18

الجزء (60) الشرح الكبير على بلوغ المرام: تحرير رواية ابن عكيم وأنه تابعي مخضرم وليس بصحابي (تفريغ)
المتن:
باب الآنية:
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة»، متفق عليه.
وعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم»، متفق عليه.
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وهذا باب الآنية.
ذكر المؤلف حديث حذيفة بن اليمان، وذكر حديث أم سلمة.
وحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما فيه اختلاف في الإسناد وفيه اختلاف في المتن، والمؤلف اختصر الحديث، لكن فيه قصة موجودة سوف نذكرها.
وهذا الحديث فيه ألفاظ شاذة، وكذلك أسانيد شاذة يأتي الكلام عليها، ولم أرى من تطرق إلى هذه الأسانيد وإلى هذه الألفاظ رغم أنها مهمة في نقدها، لكي لا يبنى عليها حكم.
واطلعت على التخاريج لبلوغ المرام والشروح فيعزون ويشرحون ولا يتطرقون إلى هذه الأمور وهي مهمة.
وهذا الحديث فيه قصة: فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أنه كان بالمدائن، فاستسقى حذيفة، يعني طلب ماء ليشرب، عطشان، فجاءه دهقان.
وهذا الدهقان زعيم القبيلة أو زعيم القرية، يسمى دهقانا.
فجاءه دهقان بشراب في إناء من فضة، فرماه به، يعني ضربه في وجهه، لماذا؟ لأن الشرب في الفضة حرام، والصحابة ما عندهم هذا.
وقال حذيفة: إني أخبركم أني قد أمرته ألا يسقيني فيه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشربوا في إناء الذهب والفضة، ولا تلبسوا الديباج والحرير، فإنه لهم في الدنيا، وهو لكم في الآخرة».
في لفظ: «وهو لكم في الآخرة يوم القيامة»، يوم القيامة شاذة، وتأتي ألفاظ أخرى.
والحديث بهذا اللفظ صحيح فقط، وفيه ألفاظ في «صحيح البخاري» وفيه ألفاظ في «صحيح مسلم» أيضا كلها شاذة، والإمام البخاري يعل الحديث بالكلية، والإمام مسلم يعل كذلك هذا الحديث بهذا اللفظ، ويعل الألفاظ الأخرى والأسانيد الأخرى.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن»، والنسائي في «السنن الكبرى»، وفي «المجتبى من السنن المسندة»، والحميدي في «المسند»، والبزار في «المسند»، وابن الجارود في «المنتقى في السنن المسندة»، والبيهقي في «السنن الكبرى»، وابن المنذر في «الأوسط»، وأبو عوانة في «المسند الصحيح»، والحداد في «الجمع بين الصحيحين»، والخطيب في «تاريخ بغداد»، والمزي في «تهذيب الكمال»، وابن العديم في «بغية الطلب في تاريخ حلب» من طريق سفيان بن عيينة وعبد الواحد بن زياد البصري، كلاهما عن أبي فروة الجهني قال: سمعت عبد الله بن عكيم به.
وهذا الوجه هو المحفوظ في حديث حذيفة من رواية عبد الله بن عكيم الجهني.
ورواه الإمام البخاري من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حذيفة، وذكر هذه القصة، لكن رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حذيفة معلولة.
وكذلك ما بينه الإمام مسلم سوف نبينه بعد ذلك وهو يعل الحديث في ألفاظ.
وما رأيت من تطرق إلى هذه الأمور، لكن فيه أمر مهم قبل أن ندخل في تفاصيل أسانيد حذيفة وألفاظ حديث حذيفة، وهذا أمر مهم:
هذا الحديث لا يصح إلا من طريق ابن عكيم عن حذيفة في هذه القصة التي ذكرتها لكم.
وهنا مشكلة لا بد من حلها، لماذا؟ لأن الحافظ الذهبي في «السير» قال: اختلفوا في صحبة عبد الله بن عكيم الجهني، وهنا لا بد أن نبين هذا الأمر ونحرر هذه المسألة.
لماذا؟ لأن رأيت عددا من أهل العلم يصححون حديث ابن عكيم على أنه صحابي وعاش مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع الصحابة، وهو في الحقيقة مرسل.
وعدد من أهل العلم الحفاظ ذكروا أن له صحبة، وهناك من ذكر أنه ليست له صحبة، وهو الصحيح، بل هو مخضرم: والمخضرم هو الذي عاش في الجاهلية شيئا من عمره وعاش في الإسلام شيئا من عمره، وسيأتي تفصيل هذا.
ورأيت عددا من أهل العلم يصححون له الأحاديث الأخرى، ليس هذا الحديث، هذا الحديث يروي عن حذيفة، لكن فيه حديثين أهل العلم صححوهما، وهذه الأحاديث ضعيفة لا تصح، لأنه يروي عن النبي عن عبد الله بن عكيم الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مرسل، وفيه اعتراض أصلا، لماذا؟
لأن حديث ابن عكيم ليس هذا في حديث الطهارة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تنتفعوا من الإيهاب للميتة إلا بعد دبغه في رواية أخرى، فالنبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عكيم نهى.
لكن هناك حديث ميمونة وحديث ابن عباس في الصحيحين يخالف هذا الحديث، فكيف يصحح؟ والنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن ينتفعوا من جلد الميتة بعد دبغه، وإن شاء الله هذا الحديث نتكلم فيه بعد ذلك.
فلا بد أن يعرف هذا، ما يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم يخالف في أحاديثه، فهذا الحديث يعارض هذا لا يصح، مرة يقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنتفعوا من جلد الميتة، ومرة يقول لهم: انتفعوا؟ لا يصح ذلك.
ولذلك بعض أهل العلم جمع بين هذين الحديثين.
تأتي مشكلة أخرى: كيف يجمع؟ فأي شيء عندهم يجمع، فهذا حديث ضعيف وهذه أحاديث صحاح في الانتفاع من جلد الميتة، ويأتي الكلام بعد هذين الحديثين عن دبغ الجلود.
لذا كيف يجمع؟ هذا فيه نهي، وهذا فيه الحل، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما تتعارض نهائيا، وأهل العلم يريدون فك التعارض، لكن الجمع ليس على إطلاقه هكذا، لا بد أن ننظر في هذه الأحاديث.
فاعلم أنه في الغالب إذا فيه أحاديث تعارض فاعلم أن الغالب فيها لا بد فيها أحاديث ضعيفة، لكن يدركها من يدركها ويعلمها من يعلم ويجهلها من يجهل.
ولذلك الناس يجتهدون في مثل هذه الأحاديث، وهي أحاديث ضعيفة، فكيف يجمع؟ فهؤلاء لا بد أن يريحوا أنفسهم من هذا العناء، ويرجعون إلى أهل الحديث ويبينون لهم أنه ليس فيه تعارض ولا فيه شيء.
حديث ابن عكيم في عدم الانتفاع من جلد الميتة حديث ضعيف، وحديث ميمونة وحديث ابن عباس في الصحيحين، وهو صحيح، وانتهى الأمر.
فيه أناس مطولين في هذا الأمر على لا شيء، فهؤلاء يتعبون أنفسهم على أمر ليس بشيء ولا شيء في الدين.
اثبتوا حديث ميمونة وحديث ابن عباس وأفتوا الناس بالجواز، وانتهى الأمر، ولا حاجة إلى الجمع، ولا حاجة إلى تصحيح هذا الحديث في حديث الإيهاب أي للجلد.
هذا أمر مهم لكي نبين ما رواه ابن عكيم في الحديثين، ليس هذا: هذا يرويه عن حذيفة، أما الحديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مرسل.
لكن لا بد من تحرير الاختلاف في صحبته، ولعلنا نبين ذلك حتى بعد ذلك ندخل في الموضوع، يعني في تخريج حديث حذيفة.
عن مسألة صحبة عبد الله بن عكيم الجهني، وهو ابن معبد الكوفي، جهني وسكن الكوفة، وسماه الحافظ البخاري في «الضعفاء الصغير» قال: هو عبد الله بن حكيم، عبد الله بن حكيم الجهني، وكذا قال الإمام أبو حاتم أنه عبد الله بن حكيم أبو معبد الجهني، وبقية الذين ترجموا له قالوا: عبد الله بن عكيم الجهني.
وعلى كل حال: هو يطلق عليه ابن عكيم، ويطلق عليه ابن حكيم، ولا إشكال في هذا.
الإشكال فيمن جعله من الصحابة، وهو ليس من الصحابة، بل هو مخضرم.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح سماعه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سوف يأتي تحقيق ذلك.
وابن عكيم روى له الجماعة سوى البخاري، روى له الإمام مسلم والإمام أبو داوود والإمام الترمذي والإمام النسائي والإمام ابن ماجه.
البخاري ما روى عنه، لماذا؟ لأنه يضعفه من طريقة عدم سماعه، لا من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من الصحابة.
ولذلك ما روى له في صحيحه طريق عبد الله بن عكيم عن حذيفة، رواه من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حذيفة.
الإمام مسلم رواه عن ابن عكيم عن حذيفة كما مر عليكم.
البخاري لم يروي عنه، ولذلك هو يعل رواية ابن عكيم عن حذيفة، لماذا؟ لعدم السماع، ويأتي كلامه الآن.
وابن عكيم توفي بالكوفة في ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي، والحجاج كانت ولايته على العراق عشرين سنة، عشرين سنة كان على العراق: من سنة خمسة وسبعين هجرية إلى أن مات في سنة خمسة وتسعين هجرية.
وانظر: «التاريخ» لابن الخياط، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي.
وابن عكيم قيل توفي في سنة ثماني وثمانين هجرية.
وقد اختلفوا في صحبته بسبب ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث، وهي ضعيفة لا تصح، والأسانيد مرسلة، وإن كان صححها بعض أهل العلم، حتى أن الإمام أحمد وضعه في «المسند» في الصحابة، وهذه بعد إشكال، لأن الإمام أحمد إذا قال شيء المقلدة يمشون ولا ينتبهون.
رغم أن الإمام أحمد بيأتي وذكر الأحاديث عن الإيهاب أنها مضطربة ولا تصح، لذلك لا بد أن نبين هذا الأمر لكي يتضح، وهذا يكون جزء كامل في تحرير هذه المسألة، كلام طويل واصبروا.
اختلفوا في صحبته:
قال الحافظ الذهبي في «تاريخ الإسلام» في حوادث وفيات: من سنة واحد وثمانين إلى مائة قال: اختلفوا في صحبته، وكذلك قال في السير.
والآن نأتي إلى تبيين هذا الأمر: فذكر الحافظ أبو عبد الله الحاكم ابن عكيم في كتاب معرفة الصحابة من كتابه «المستدرك على الصحيحين»، فذكر ثمانية وعشرين نفسا من الصحابة منهم: عبد الله بن عكيم، يعني الحاكم يعده من الصحابة.
وذكره في جملة الصحابة: الإمام خليفة بن خياط في كتابه «الطبقات» في الصحابة بالمدينة وفي تسمية من نزل في الكوفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هذا ابن خياط يذكره من الصحابة في الطبقات.
وهذه الكتب كلها مطبوعة.
وذكره في الصحابة: الحافظ ابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» في تسمية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هو بعد ذلك تراجع عنه بيأتي الكلام في التاريخ الكبير، تراجع عنه في التاريخ الكبير على أنه ليس بصحابي، ويأتي الكلام على هذا.
والحافظ الدولابي في «الكنى والأسماء» ذكر كنى المعروفين بالاسم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فذكر ابن عكيم، هذا أيضا الحافظ الدولابي يذكر عنه أنه من الصحابة.
وذكر الحافظ أبو القاسم البغوي في «معجم الصحابة»، وعد ابن عكيم أنه من الصحابة، وهذا في المنتخب من معجم الصحابة.
وذكره في الصحابة الحافظ الطبراني في «المعجم الكبير» من يكنى أبا معبد، وقد قيل أنه عبد الله عكيم، هذا الطبراني عنده من الصحابة.
وهؤلاء كلهم حفاظا، فيصير هنالك إشكالا عند الناس، وخاصة المقلدة يعدونه من الصحابة فيصححون أحاديثه، وهذه مشكلة، لأنه يعارض الأحاديث الصحيحة وهو حديث ضعيف، سيأتي الكلام عليه في تخريجه الآن.
وذكره الحافظ عبد الغني المقدسي في «الكمال في معرفة الرجال» أنه من الصحابة، وذكره في الصحابة الحافظ ابن عبد البر في «الاستيعاب في معرفة الأصحاب»، وغيرهم، كل هؤلاء يذكرون أنه من الصحابة.
وأخرج حديثه الإمام أحمد في «المسند» في الصحابة، الذي هو حديث الإيهاب، وهو الجلد، ليس هذا.
والصحيح: لم تثبت صحبته، بل هو مخضرم، والمخضرم هو: من مضى قسم من عمره في الجاهلية وقسم في الإسلام، يعني حياة هنا وحياة هنا، ومات على الإسلام، وهو ثقة، بمعنى من عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام، هذا هو المخضرم.
من عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام: كان في الجاهلية لم يمت وأسلم وصار في الإسلام، وكان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم لكنه لم يرى النبي صلى الله عليه وسلم، والمخضرمون كثر الذين لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم.
وهناك كتاب في ذلك، وكذلك كتب الرجال بينت هذه الأمور، فلا حاجة أن نذكرهم إلا إذا راوي مر علينا في إسناد نبين ذلك.
والمخضرمون طبقة مستقلة بين الصحابة وبين التابعين، وقيل: هم من كبار التابعين، ولا بأس أن يقال هذا، لأنه الآن عندنا ابن عكيم تابعي كبير، ولا بأس أن يقال عنه مخضرم هو الأصل وهو تابعي كبير، ليس فيه بأس، لأن أي راوي يروي عن الصحابة فهو تابعي.
ومعنى مخضرم في اللغة: المنقطع، هو الذي قطع عن نظائره الذين أدركوا الصحابة، أناس أدركوا الصحابة ورأوا النبي صلى الله عليه وسلم، فهو انقطع عنهم، المخضرم انقطع عنهم، فسمي مخضرما.
كيف مخضرم؟ الذي انقطع عن الصحابة، يعني ليس بصحابي.
فالمخضرم هو المنقطع في لغة العرب.
كذلك المخضرم في اللغة: هو الذي لم يختتن، ما قطعوا جلد فرجه، لم يطهر، فهو الذي قطع عن الصحابة ولم يصل إليهم، هذا هو معنى المخضرم في اللغة.
وهناك أئمة لم يثبتوا صحبة عبد الله بن عكيم الجهني: مثل الإمام البخاري، فالإمام البخاري إمام في مثل هذه الأمور، فإذا تحققنا أنه قال فالغالب القول قوله، حتى لو خالفه خلق من الناس، فهو معروف خاصة في مسألة السماع واللقى والصحبة، فهو ضابط لهذه الأمور، لكنه بعد ذلك هو بشر يخطئ ويصيب.
لكن هنا أصاب بلا شك، فالإمام البخاري يقول في «التاريخ الكبير» عن عبد الله بن عكيم الجهني: أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف له سماع صحيح، في مسألة السماع واللقيا والعلل يفوق الجميع، حتى يفوق المتقدمين الذين عليه، وإن كان هؤلاء بحورا في العلل، فلذلك كثير من الناس يحتجون بالإمام البخاري، ولا يعرف له سماع صحيح: لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة.
ولذلك لماذا؟ أكبر دليل أنه لم يروي رواية عبد الله عكيم الجهني عن حذيفة في صحيحه.
أما عبد الرحمن بن أبي ليلى فهو تابعي كبير معروف، يروي عن الصحابة، فلذلك روى هذه الرواية، وهذه الرواية معلولة بيأتي الكلام عليها.
وقال الإمام البخاري في «الضعفاء الصغير»: هو الآن وضع عبد الله بن عكيم الجهني في الضعفاء، لكن في الضعفاء الصغير، بسبب ماذا؟ عدم سماعه فقط، ولذلك وضعه في الضعفاء الصغير، هناك الضعفاء المتروكين ما وضعه، لو متروك أو ضعيف في نفسه لذكره في الضعفاء والمتروكين.
فيقول الإمام البخاري في «الضعفاء الصغير»: عبد الله بن حكيم الجهني، سماه بدل عبد الله بن عكيم عبد الله بن حكيم الجهني، يقول: أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف له سماع صحيح، في التاريخ ذكر هذا وفي الضعفاء الصغير.
يعني البخاري ما يرى صحبة ابن عكيم.
وقال الحافظ ابن سعد في «الطبقات الكبرى» عنه: كان كبيرا قد أدرك الجاهلية، فذكره في الطبقة الأولى من أهل الكوفة بعد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يعني ذكر الصحابة ثم بعد ذلك ذكر ابن عكيم، فيتبين أنه مخضرم وتابعي، ليس له صحبة، وإلا لو كانت له صحبة لذكره مع الصحابة ولكن ذكره بعد الصحابة.
وقال الحافظ العجلي في «معرفة الثقات»: جاهلي، يعني أدرك الجاهلية.
الجاهلية يعني أدرك الجاهلية، أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وسمع من عمر، ولم يسمع، لكن لا نذكر هذه الأمور لكي يتضح.
فأسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره.
هذا ذكره الحافظ العجلي يذكر عنه أنه مخضرم وليس بصحابي.
وقال الحافظ أبو زرعة كما في «المراسيل» لابن أبي حاتم: لم يسمع ابن عكيم من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في زمانه.
وهذا الأمر فيه رد على أهل التقليد الذين يرون سماع التلميذ من شيخه بالمعاصرة، وبينا هذا ورددنا على فرقة التقليد، فرقة العرفية، وهذا عندنا كتاب يمكن يقع في مجلدين أو ثلاثة في الرد على هذه الفرقة، لماذا؟ لأنها حاربت أهل السنة كما ترون من قديم، وحاربناهم كما ترون، وقمعناهم من أولهم إلى آخرهم في الردود عليهم على أن صوم عرفة من البدع، لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صام عرفة ولا الصحابة ولا التابعين، وبينا هذا، فلحربهم وضعناهم أنه فرقة العرفية.
مثل فرقة الحدادية فعلنا كتابا وأشياء أخرى، ويأتي كتاب عن الفرقة السرورية، أمورهم كلها ذكرناها، هؤلاء مبتدعة مخربون مفسدون في الأوطان، وينهبون أموال المسلمين سرا وعلانية، والمفترض أنهم ينفقون من أموالهم لله على الفقراء والمساكين سرا وعلانية، لكن الله حرمهم من الأجور العظيمة، والويل لهم في قبورهم.
أناس منهم ذهبوا إلى قبورهم انتهوا، وأناس بيأتي يومهم الذي يوعدون، ويدعون أنهم أهل تدين وأنهم أهل علم ومشايخ وخطباء ودعاة، وهم دعاة إلى أبواب جهنم، فحذرهم من حذرهم، وهلك من هلك معهم، فلذلك لا بد على بقية الأحياء ينتبهون لهم جيدا، هؤلاء عندهم مغريات، عندهم أشياء دنيوية خطيرة، الجاهل لا يدري.
مثل الطير إذا أتى إلى الفخ، ما يدري على باله أن هذا فيه طعام، يأكل الطعام فإذا الفخ يقع على رقبته، الجاهل الذي يمشي مع بعض هؤلاء، ولا أقول أن الجهال تذهب عقولكم إلى الشياب وكبار السن، لا بل هؤلاء الشباب الملتحين الذين يذهبون لهم، هؤلاء وقعوا معهم.
فلذلك لا بد على البقية ينتبهون لهذا الأمر، ولا بد من الوعظ في ذلك.
فهذا الآن أبو زرعة يبين أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قول الإمام البخاري.
أطلنا لكم اليوم لأن مثل هذه المجالس مجالس طلبة العلم ومجالس تحفها الملائكة، هذا هو الأفضل، الملائكة يسمعون الآن هذا الدرس ولابد، والنبي صلى الله عليه وسلم بين هذه الأمور، فماذا يريد المسلم مع طلبة العلم ومع أهل العلم ومع الملائكة جالسا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
في لهو ولعب الآن، جالسين مع من؟ مع الفسقة والعصاة أو المبتدعة والشياطين نازلة عليهم.
فلذلك مثل هذه المجالس الله سبحانه وتعالى ما يسوق لها هكذا أناس معرضين، الله يجعلهم مع شياطين الإنس والجن في الخارج ويسوق من شاء الله سبحانه وتعالى لهم الخير إلى مثل هذه المجالس، فهي نعمة، فلا بد من شكرها والالتزام بها.
وحتى الذين في الانترنت يسمعون الآن هؤلاء داخلون في مجالسة الملائكة ومجالسة طلبة العلم أو طالبات العلم، ومجالسة أهل العلم، وأجور ليس لها أول ولا آخر، لا تقول نتحصل على حسنة أو حسنتين أو أجر أو أجرين، أجور مثل الجبال.
لذلك أحيانا النبي صلى الله عليه وسلم يبين شيئا يقول فيه من الأجور كجبل أحد، وبينا هذه الأمور.
فلذلك فليحمد الناس الذين وفقوا إلى الحلقات العلمية، لأن الله حرم خلقا من الناس من ذلك، الملايين الملايين في العالم وأنت وفقت في أن تسمع كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة رضي الله عنهم.
ليس هناك أعظم من كلام الله سبحانه وتعالى، فتسمعه صحيحا موثوقا من كتب أهل الحديث، ونحن ننقل من كتب أهل الحديث هؤلاء، لا ننقل هكذا تقليدا بدون بحث، بحوث هذه، فلذلك أجور كالجبال، وآخر هذا المجلس: قوموا مغفورا لكم.
والناس يتصدقون أو يصلون أو كذا يريدون شيئا من غفران الذنوب، ولا فيه غفران الذنوب: صلى خطأ، إنفاق على أهل البدع أو شيء هكذا، أذكار بدعية، أحاديث ضعيفة يتعبدون بها.
ما فيه غفران الذنوب إلا من أمور صحيحة، ويعاندون، ولذلك يقول لنا أناس: نحن نسبح الله صباحا ومساء، أذكار الصباح والمساء، وتجده في كآبة، وحالات نفسية، نقول لهم: لماذا هذا؟ لأنكم تذكرون الله سبحانه وتعالى بالأحاديث الضعيفة في المساء والصباح، وتزداد عليكم الأمور.
ما فيه يرفع الله سبحانه وتعالى مثل هذه الأمور إلا بالأذكار الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من أذكار الصباح والمساء وغير ذلك.
فلذلك الحالات النفسية كثيرة للمبتعدين عن الدين، ويقولون: نصلي ونصوم ونحج، أصلا تصومون غلط وتصلون غلط وتحجون غلط، فلذلك حياتكم في البلدان كما ترون، حتى منهم عندهم أموال كثيرة وهم عوائل كثيرة وعيشتهم ضنكه، الأموال ما ترفع هذه الأمور، ليس فيه إلا الدين الصحيح.
لكن أنتم تعاندون ولا تريدون أن تتفقهوا في الدين، اسألوا عن دينكم الصحيح، وإذا به يسأل من؟ القصاصين الذين يكذبون، ويقول: أنا عندي عسل مقري فيه، تعالى أقرأ عليك وأعطيك العسل فحالتك النفسية تتحسن، أكل العسل زادت الحالة النفسية.
فهؤلاء يذهبون إلى هؤلاء المشعوذين، يزعم أنهم موحدين من أهل السنة وكذا وملتحين، فهؤلاء هم المشعوذين أصلا.
فأنتم أيها الناس اتركوا هذا العناد، وكل واحد راكب رأسه من المثقفين والمقلدين والعوام وغيرهم، توبوا إلى الله كلكم التوبة النصوحة، ليست أي توبة: فلان تاب، فلان تراجع، فلان كذا، ولا تراجع ولا شيء، تراجع للأسوأ، أين التراجع؟ ليست فيه توبة.
حتى بعد أهل المعاصي من المغنين والممثلين وغيرهم وغيرهم، ليست هناك توبة صحيحة عندهم، فلذلك ما تقبل هذه التوبة، مثل توبة فرعون: ليست منها فائدة.
ولذلك إذا أتينا إلى أهل البدع نفس الشيء: فلان تاب، تاب عرعور، ولا توبة ولا شيء، هذا مرجئ الآن، أنا أرد عليه الآن في الإرجاء، يقول: أننا لا نكفر الروافض لا بد من إقامة الحجة عليهم.
كل القنوات الآن من سنين طويلة تتكلم وتبين ويتصل بك الروافض ويقولون كذا وكذا، إلى الآن ما أقمت عليهم الحجة؟
الله يسر القنوات ويسر الهواتف ويسر السبل لأجل إقامة الحجة: مرجئ بعد خايس لا تقول بعد كذا، وبيأتي الرد عليه.
وسبحان الله هؤلاء يدعون بالسلفية وأهل السنة، وقال: أنا أحب الشيخ ابن باز لكني أخالفه، لماذا؟ لأنه كفر الروافض، الشيخ ابن باز أعلم منك، أنت لست بشيء أصلا، الشيخ ابن باز عن بينة كفر هؤلاء، مشركون مبتدعون، يكفرون الصحابة، ما تكفرهم؟
لماذا أنت إذا ترد على الشيعة، مغترين فيه العوام، فلذلك هذه الردود على الشيعة ليست بشيء أصلا، هو أخس من الشيعي، فالشيعي معروف، ما فيه أحد يسمع كلامه، هو يغترون به العوام الجهلة الذي لا يعرفون شيئا، ومن الخوارج دمر سوريا تدميرا، وأخذ فلوسهم وهرب وشرد.
ولم يهتم بسفك الدماء ولا أشلاء الأطفال ولا عنده شيء رجال ولا نساء ولا شيء.
نرجع إلى درسنا.
وكذا قال الحافظ أبو حاتم: قال له ابنه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»: قال أحمد بن سنان أدخله في مسنده، يعني أدخل ابن عكيم في المسند، يعني مسند الصحابة.
قال أبو حاتم: من شاء أدخله في مسنده على المجاز، يعني تجوزا على أنه روى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعاصر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في زمنه عاش، يعني أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فأدخله تجوزا.
لكن يعلمون بالخلاف الذي حصل بين العلماء فيه، يعني في الجملة، وهذا كذلك ليس بصحيح، فذكروه في الصحابة بالوهم والغلط والاجتهاد.
لذلك قال الحافظ ابن حبان في «الثقات» في الصحابة، يعني ذكره في الصحابة وقال: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا، يعني يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
وقال الحافظ الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد»: أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم وكان ثقة، يعني ليس بصحابي عنده، يعني مخضرم أو كما يقال: تابعي كبير، لذلك هو ليس بصحابي.
وقال الحافظ الذهبي في «التجريد» أي تجريد الصحابة: أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره، يعني لم يسمع منه.
وذكره الحافظ ابن حجر في «التقريب» أنه مخضرم، يعني ليس من الصحابة.
وكذا قال الحافظ العراقي في «التقييد والإيضاح»، وهو الصحيح.
فهذا كلام أهل العلم فيه، وإن الصحيح أنه مخضرم وليس بصحابي.
ونأتي على الحديثين:
الحديث الأول: رواه ابن عكيم عن النبي، وفي حديث آخر ثاني رواه كذلك، والحديثان ضعيفان، لا يصحان في علم الحديث.
ونأتي على الحديث الأول والحديث الثاني إن شاء الله لكي يتبين أنه ليس بصحابي، كيف؟ بالبحث والرجوع إلى كتب أهل الحديث، والكلام عليه على طريقة أهل الحديث حتى يتبين هل هو صحابي أو غير صحابي.
الحديث الأول الذي يتبين أنه ليس بصحابي وأنه حديث مرسل: أخرجه أبو داوود في «سننه»، والنسائي في «السنن»، وابن ماجه في «السنن»، والطبراني في «المعجم الأوسط» وغيرهم عن شعبة عن الحكم بن عتيبة الكوفي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال: قرأ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض جهينة وأنا غلام شاب: ألا تستمتعوا من الميتة بإيهاب، وهذا لفظ أبي داوود في السنن.
الإيهاب هو الجلد.
الآن ابن عكيم يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذه القصة بتأتي الآن، فالحديث لا يصح، مرسل: قرأ علينا، لأنه يأتي الآن أن هناك طريقا قال: أخبرنا مشيخة، وفي رواية: أشياخ، هو يقول ابن عكيم، والأشياخ هؤلاء ينقلون عن النبي صلى الله عليه وسلم.
يعني ما أدركه، وكيف هذا يصحح؟ من المعاصرين من يصحح هذا الحديث وهو معارض لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الأخرى.
وعزاه الإمام ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» للدارقطني في السنن وهو غلط، لم يرويه الدارقطني، وتابعه عليه في العزو الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير» وهو غلط أيضا، وقبلهما الحافظ ابن كثير في «تحفة الطالب» وأخطأ في العزو.
فكل واحد يقلد الثاني، ولذلك أخطئوا، فالرواة ذكرناهم لكم: لأنه لا يوجد في السنن.
ولذلك لم ينسبه له الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة، ففي التلخيص الحبير عزاه إليه، وفي إتحاف المهرة لم يذكره، وهو الصحيح.
والحديث رجاله ثقات كما ترون، ولا يصح.
وقد صرح الحكم من سماعه من عبد الرحمن بن أبي ليلى عند الإمام أحمد في «المسند»، والحكم يدلس، لكن المشكلة في الإسناد وأنه مرسل، وأن ابن عكيم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فالإسناد منقطع.
وهو وقع فيه اختلاف واضطراب في أسانيده وألفاظه: فرواه عن الحكم بهذا الإسناد جماعة منهم، والحكم إمام معروف، روى منهم أبان بن تغلب عند ابن حبان في «المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع»، والطبراني في «المعجم الأوسط»، وفيه: قبل موته بشهر.
الآن اللفظ الأول: ليس فيه أنه قاله قبل موته بشهر أو شهرين، ليس فيه نهائيا.
الآن رواية أبان: أن الكتاب هذا أتى قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بشهر.
وفي رواية الطحاوي في «بيان مشكل أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم واستخراج ما فيها من الأحكام ونفي التضاد عنها»: هذا العنوان الكامل لكتاب مشكل الآثار.
بيان مشكل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخراج ما فيها من الأحكام ونفي التضاد عنها، هذا العنوان كاملا صحيحا.
وفيه قيل: قبل أن يموت بشهرين، ففيه رواية ليس فيه شيء من المدة، وفيه رواية قبل أن يموت بشهر، وفيه رواية قبل أن يموت بشهرين، وهذا يدل على أن الرواة مضطربون في هذا الحديث، اضطربوا واختلفوا.
وأيضا الذين رووا عن الحكم: الأعمش، وعبد الملك بن حميد بن أبي غنية، وأشعث بن سوار، وغيرهم، كلهم عن الحكم.
وفي الحديث الذي ذكر السياق لأحمد في المسند، هذا الوجه الأول.
الوجه الأول: مختلفين في ألفاظه.
الوجه الثاني: عن خالد الحذاء عن ناس عن عبد الله بن عكيم به، يعني مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا الوجه الثاني أخرجه أبو داود في «السنن»، والبيهقي في «السنن الكبرى»، والحازمي في «الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار» من طريق عبد الواحد بن عبد المجيد الثقفي عن خالد الحذاء عن الحكم أنه انطلق هو وأناس إلى عبد الله بن عكيم، رجل من جهينة، قال الحكم: فدخلوا فقعدت على الباب فخرجوا فأخبروني عن عبد الله بن عكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة قبل موته بشهر.
صار الآن هناك أناس مجهولين، مجاهيل، هذا الطريق لا يصح، فكيف يحسن وكيف يصحح؟ وكيف يعارض بأحاديث صحاح مثل حديث ميمونة وحديث ابن عباس؟ فلا يجمع بينهما.
ورواه خالد بن مهران الحذاء عن الحكم بن عتيبة، واختلف عليه على أوجه، أوجه نخرج مع آذانهم الفلكي الفجر، وهو غلط.
فالوجه الأول: عن خالد الحذاء عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به، كرواية الجماعة السابقين، نفس اللفظ، وهذا يدل على الاختلاف، وهذا الوجه أخرجه أحمد في «المسند»، وابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» من طريق عباد بن عباد، مثل إبراهيم علي علي.
تحتجون على عباد بن عباد، فمن طريق عباد بن عباد، قال: حدثنا خالد الحذاء عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم الجهني قال: أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض جهينة، قال: وأنا غلام شاب قبل وفاته بشهر أو شهرين، يعني على الشك.
هولاء الرواة ذكروها على الشك الآن، هكذا على الشك، يعني أسانيدها مضطربة مختلفة، وكذلك ألفاظه مضطربة، فكيف يحسن؟ وكيف يرادف حديث صحيح؟
فجعل عن أناس بدل عن ابن أبي ليلى في الطريق الذي سلف، فأسقط ابن أبي ليلى وصار الإسناد مجهولا.
وأخرج الطحاوي في «بيان مشكل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم» من طريق المعتمر بن سليمان عن خالد الحذاء، وفيه: قبل أن يموت بشهرين، بدون شك.
وهؤلاء الذين يروون هذه الطرق كلهم حفاظ، مثل المعتمر بن سليمان، كلهم حفاظ يضبطون الألفاظ الشاذة، ولنعلم أن هؤلاء الأئمة اضطربوا، لماذا؟ لتساوي الأوجه، كلهم حفاظ ينقلون، هذا ينقل بشهرين، وهذا ينقل على الشك، وهذا بشهر.
لذلك ما نستطيع أن نرجح، لأن هؤلاء حفاظ، فيتبين منهم علة الحديث من الاضطراب والاختلاف.
الوجه الثالث: عن خالد الحذاء عن الحكم عن عبد الله بن عكيم به، أخرجه أحمد في «المسند» من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن خالد الحذاء به، فأسقط من سنده ابن أبي ليلى، وصار الإسناد عن الحكم عن ابن عكيم بدل عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عكيم، أسقط، فالإسناد هنا منقطع، فالأسانيد مختلفة، والأسانيد مضطربة مع الألفاظ فكيف يحسن؟
تتعجب على المقلدة في هذا الزمان.
الوجه الرابع: عن خالد الحذاء عن الحكم عن عبد الله بن شداد عن عبد الله بن عكيم به.
أخرجه أبو نعيم في «معرفة الصحابة»، وفيه اختلاف، وأبو نعيم ذكر ابن عكيم في «معرفة الصحابة»، لكنه قال: لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، ما دام لم يسمع فليس من الصحابة عنده.
فذكره لكي يبين هذا الأمر، وأنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن شداد مكان ابن أبي ليلى، فهذا كله من الاختلاف والاضطراب، فلا يصح هذا الحديث.
ورواه هلال الوزان عن عبد الله عكيم به بلفظ: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهينة: ألا ينتفعوا من الميتة بإهاب، أخرجه النسائي في «السنن»، وأحمد في «المسند» وغيرهما، فهو حديث مضطرب لا يصح.
وهذا كذلك اختلف الراوي، وهي مختلفة، ولا نستطيع أصلا أن نرجح كلها مستوية.
ورواه القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن عكيم الجهني، قال: حدثتنا مشيخة لنا من جهينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليهم... إلى آخر الحديث، وهنا قال لهم: لا تنتفعوا من الميتة ولا بشيء.
وهذا يخالف الأحاديث الصحيحة: أننا ننتفع من جلد الميتة بعد دبغه، وسيأتي الكلام عليه في الأحاديث الأخرى، لأنه من ضمن أحكام الطهارة.
وهذا القسم من الأوجه أخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني»، وابن المنذر في «الأوسط»، والطبراني في «المعجم الأوسط» وغيرهم، وفيه جهالة المشيخة.
فيتبين أن ابن عكيم يروي واسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الواسطة مجهولة، لا يصح الإسناد.
واختلف على القاسم اختلافا شديدا، فلا حاجة إلى ذكر هذه الطويلة، هذا ترونه في الجزء بعد ذلك، لأن رواه القاسم عن ابن عكيم عن أشياخ من جهينة عن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياخ، يعني يروي عن واسطة.
فلذلك لا حاجة في الحقيقة إلى ذكر هذه الأمور، لكن المقصود كذا والذي نريد أن نبينه بيناه لكم، وقد أعل هذا الحديث الإمام أحمد بالاضطراب كما في رواية ابن الأثرم نقلها ابن الجوزي في إخبار أهل الرسوخ، ونقلها كذلك ابن عبد البر في التمهيد، وقال الحافظ الحازمي في الاعتبار: كثير الاضطراب، فكيف يصحح؟
وأيضا معلول في لفظه: فروي قبل موته بثلاثة أيام، وروي قبل موته بشهر، وروي بأربعين يوما، وروي بشهرين.
وانظر: «تخريج أحاديث الهداية» للزيلعي، وهو أيضا مرسل، وقد أعله جماعة من أهل العلم بالإرسال، يعني أعلوه بالاضطراب والاختلاف، وأعلوه بالإرسال، وأعلوه كذلك بالاضطراب في أسانيده وفي متونه، ولذلك قالوا عنه بأنه مرسل، فكيف يصحح أو يحسن؟
قال الإمام الخطابي في «معالم السنن»: ومذهب عامة العلماء على جواز دبغ الجلد، والحكم بطهارة الإهاب إذا دبغ، ووهنوا هذا الحديث، لأن عبد الله عكيم لم يلقى النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هو حكاية عن كتاب أتاهم.
هؤلاء العلماء كلهم الآن عامة العلماء أئمة وحفاظ يعلون هذا الحديث، فكيف نعارضه بأحاديث صحيحة في صحيح البخاري ومسلم وأصحاب السنن؟ فوهنوا هذا الحديث، وهو حديث مرسل.
مذهب عامة العلماء جواز دبغ الجلد يصير طاهرا، وسيأتي الكلام عليه.
وقال الحافظ البيهقي في «السنن الكبرى» عن حديث ابن عكيم، فهو مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأعله الإمام ابن معين، كما في السنن الكبرى للبيهقي بالجهالة في قوله: حدثنا أصحابنا، جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثتنا مشيخة، يعني بالجهالة.
الإمام ابن معين أعله بالجهالة كذلك، فيه مجهولين، أعاجيب التصحيح والتحسين الآن في هذا الزمان، فكيف ما نرد عليهم؟ لأن هؤلاء إذا ما نرد عليهم ونبين الأحاديث الصحيحة والضعيفة الناس يتعبدون بالأحاديث الضعيفة، وكل واحد يعرف بعد جهله في علم الحديث ويعرف خطؤه، وعرفنا لهم كثر، ورددنا عليهم وبينا: فيه أناس عاندوا وفيه أناس استفادوا، وهذا هو المطلوب: أن أمة الإجابة تنتبه لهم، ما تقع معهم وتستفيد، وهذا الذي حصل في كل العالم ولله الحمد، في البلدان.
وما ترى ذلك إلا في أهل الأثر، يأخذون بمنهج أهل الأثر وأهل الحديث، فقه الصحابة وبينا كثيرا في الكتب والأئمة يحتجون بإجماع الصحابة الذي هو فقه الصحابة، فإذا أرادوا أن يردوا على شخص خالف يذكرون أن هذا بإجماع الصحابة، حجتهم فقه الصحابة.
وهذا الذي ننشره في هذا الزمان، لأن هذا قمع في أفكار المقلدة وأحكام المقلدة وأحاديث المقلدة التي يحكمون عليها للعوام، أهلكوا العوام، بيأتون في قبورهم هم وعوامهم ورهبانهم، ما فيه هذا شيخ وهذا كذا وكذا، لا، الذي قال أنا شيخ صادق يترك الأحاديث الضعيفة، ولا يعاند، رددنا على خلق منهم، ويدرون أنهم مخطئون، أين التوبه، أين التراجع؟
انظر إلى الشيخ ابن باز: نقلنا عن الشيخ ابن باز كيف يرجع في أمور، ويبين ذلك، كذلك شيخنا الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين يرجع إلى أهل الحديث لكي يبينون له هل هذا الحديث صحيح أو ضعيف، ويقول: نرجع، كل شيء مبين منزل بأصواتهم، والشيخ الألباني يقول: رجعنا عن كذا وعن كذا، وأحاديث تراجع عنها صححها وضعفها، إلى الآن المقلدة يقلدونه على أن هذه الأحاديث صحيحة وهي ضعيفة، تراجع عنها، وهم يدرون، وبعضهم لا يدري.
وتقول له: الشيخ الألباني تراجع عن هذا الحديث، يعاند ويكابر، هلكت، الشيخ الألباني تبرأ منكم، وبين لكم لا تقلدونني، مثل الأئمة والحفاظ، وقلنا لكم من قبل: لا تقلدوننا ولا في شيء، قلدوا الصحابة، وبينا هذا: قلدوا الصحابة لأننا نحن نقلد الصحابة، وأهل الأثر مع الصحابة، وهذا الأمر بينه الإمام البربهاري وغيره في شرح السنة، قلد الصحابة يقول وارتاح.
والناس يجتهدون، فإذا اجتهدوا في نشر فقه الصحابة سوف يصيبون ولا بد كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وتبقى بعض الأخطاء في بعض الأحكام مثلا وتكون قليلة، ما تضر، هذا مغفور لك فيها، وبينا هذا.
طالب العلم اجتهد ويحكم بالكتاب والسنة وفقه الصحابة، وأحيانا يخطئ، فغير مؤاخذ: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286]، والله سبحانه وتعالى يقول: قد غفرت له.
لكن يصير خطأ قليل: خمسة في المائة، عشرة في المائة، ما يضر هذا، لكن إذا كان ثمانين في المائة تسعين في المائة خطأ واجتهاد وتقليد، وأصاب في عشرة في المائة: هذا يؤاخذ كائنا من كان، سموا شيخا، سموا عالما، سموا فقيها، والعوام يثنون عليهم، والأحزاب، وتعرف الأحزاب تثني على أجهل الجهلاء، ربما أجهل الجهلاء يثنون عليه على أنه عالم أو شيخ وهو ليس بشيء.
اسمع لهذا وربما لا يعرف يصلي، ويقولون: القائد الأعلى، ماذا تريدون؟ خلطوا حتى في الثناء والتزكيات، لا يعرف يصلي، سجود الشكر جماعي، ما فيه شكر جماعي، هذا من الجهل، يزعم أنه إذا أراد أن يسجد سجود شكر يسجد هو والباقي كل واحد بمفرده، لكن يسجد هو والناس معه وهو الإمام، هذا القائد الأعلى جاهل لا يعرف شيئا.
سجود الشكر هذا ليس فيه إمام وجماعة وخلفه مأمومين، ليس فيه ذلك، فلذلك ذهبت عليه العبادة، ما أحد قاله: دعهم ينفعونه.
مجوس إيران قالها الآن: رب ارجعون، لكن ليست فيه فائدة، وكيف يقال أنه شهيد هكذا؟ حتى لو كان شهيد لا يجوز لأحد أنه يقول شهيد، هذا في عالم الغيب الآن، لا يجوز أحد أن يقول، الذي مات يقال عنه شهيد أو غيره؟ هذا يتدخل في الربوبية ويتدخل في الألوهية، فلا يرضي الله سبحانه وتعالى، الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب وفقط، والله يطلع لبعض الرسل شيئا، لكن الله سبحانه وتعالى الذي يعلم الغيب وفقط.
فيقول واحد من الناس ذلك، ما الذي أدراكم أنه شهيد؟ فهؤلاء الذين يتقولون يقول كلمة يرمى في نار جهنم سبعين خريفا، فالأمر خطير جدا على هؤلاء الناس.
لذلك الإمام ابن معين عندما ذكر أن الحديث مرسل حديث ابن عكيم قال أيضا: لا يقاوم حديث ابن عباس وحديث ميمونة للانتفاع بالإهاب.
وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» ولم يصب، الحديث مضطرب ومعارض للأحاديث الصحيحة، فلا يصحح.
وصححه الإمام ابن حزم في «المحلى بالآثار»، وأخطأ في هذا.
وجمع بينهما الإمام ابن القيم في «تهذيب سنن أبي داود»، ولا يصح هذا الجمع أصلا، هو حديث ضعيف، ما يعارض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقال أن الجمع فرع عن التصحيح، أصلا الحديث لا يصح.
هذا الآن عندنا الحديث الأول.
هناك حديث ثاني نبينه لكم إن شاء الله لكم في الدرس القادم، وأنه حديث مرسل لا يصح ولا يعارض، وابن عكيم يروي عن الصحابة عن حذيفة، أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فمرسل.
ولعلنا نؤجل الأسئلة.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوبإليك.