القائمة الرئيسة
الرئيسية / الشرح الكبير على بلوغ المرام / الجزء (38) الشرح الكبير على بلوغ المرام: ذكر آثار الصحابة الصحيحة والضعيفة في سؤر السباع

2025-01-14

صورة 1
الجزء (38) الشرح الكبير على بلوغ المرام: ذكر آثار الصحابة الصحيحة والضعيفة في سؤر السباع

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

تكلمنا في الدرس الذي سلف عن الآثار، وبينا سؤر الآدمي، وقلنا: أجمع السلف على طهارته. وبينا ذلك جملة وتفصيلا، وكذلك بينا طهارة سؤر الحيوان المأكول اللحم، وقد أجمع الفقهاء على ذلك، وبينا هذا الأمر كذلك، وبينا كذلك عن سؤر الفأرة والحية في البيوت، وقلنا إنه نجس، لأن الفأرة نجسة، والحية كذلك، فكذلك لعاب الفأرة يكون نجسا، والحية كذلك نجس، والتي تؤكل، يعني الحيوانات التي يؤكل لحمها، لعابها يكون طاهرا، لأنها هي طاهرة.

وبينا بالنسبة عن سؤر الحمار أنه نجس على القول الراجح، وهو مذهب الحنابلة، لأن الحمار نجس قلنا، فلعابه نجس كذلك، وبينا كذلك بالنسبة عن سؤر السباع مثل الأسد والنمر والضبع والذئب والفهد والكلب وغير ذلك من الحيوانات التي لها ناب وتفترس وتأكل اللحم، فسؤر سباع البهائم نجس، لأن لعاب الأسد نجس، والضبع لعابه نجس، والذئب لعابه نجس، فيكون السؤر نجسا، وبينت لكم من قبل أن السؤر ما بقي من الشراب والطعام للحيوانات المفترسة وغير المفترسة.

واللعاب: هو الذي يخرج من اللسان، وبينا هذا، وهناك عدد من الفقهاء يرون أن سؤر السباع طاهر، وهذا ليس بصحيح وسيأتي الكلام على الآثار التي استدل بها هؤلاء الفقهاء، وكذلك القياس على الهرة، قالوا إن الهرة سبع وأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح سؤرها، وأن سؤرها طاهر، فبقية السباع سؤرهم طاهر قياسا على سؤر الهرة، لأن لعاب الهرة نجس، يقولون، وسؤرها طاهر، فقاسوا استثناء الهرة على بقية آسار الحيوانات النجسة، وهذا ليس بصحيح، لماذا؟.

لأن خرجت الهرة، لأن الهرة أصلها نجس لكن خرجت بالدليل وخرجت بالنص، وبينا كذلك للمشقة على الناس، لأنها تطوف كثيرا، وبين النبي صلى الله عليه وسلم لماذا لعابها أو سؤرها طاهر؟ لأنها من الطوافين عليكم والطوافات، فللمشقة عفا الله سبحانه وتعالىٰ عن نجاستها، وسيأتي الكلام على أقسام النجاسات، وأقسام النجاسات تسعة، وسيأتي الكلام عليها لعل الدرس القادم، بالكلام على حديث الأعرابي الذي بال في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث أبي هريرة سيأتي الكلام على هذا وكذلك حديث أنس.

فهذا الأمر استثناه الشرع بنص أما بقية السباع فلم يأت دليل على إخراجها من النجاسة، فلعاب الحيوانات المفترسة نجس فسؤرها نجس، ولا في نص، وسيأتي الكلام على هذا بعد ذلك، وبينا بالنسبة لسؤر الطيور الجارحة مثل النسر والصقر «الشاهي»"، فلعاب هذه الطيور نجس، فسؤرها كذلك نجس، وبينت لكم إذا هي شربت من الإناء الصغير الذي هو للوضوء، مو تشرب في أحواض وبرك وأنهار وبحيرات وغير ذلك، فهذا الماء لا ينجس، وبينت لكم التفصيل، ولا حاجة للإعادة.

والطيور هذه الجارحة، هي التي تفترس وتأكل اللحم ولها مخلب كما جاء في الحديث، فأي حيوان أو طير نجس فلعابه يكون نجسا وسؤره إذا شرب من الماء وبقي فيعتبر نجسا، كذلك تكلمنا عن سؤر الخنزير فذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة وقول في مذهب المالكية أنه نجس، وبينا هذا كذلك.

فبعد ذلك نتكلم عن الآثار كما بينت لكم في الدرس الذي سلف مثل أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأثر أبي هريرة رضي الله عنه؛ لأن هناك عدد من الفقهاء قالوا عن آسار السباع طاهرة، وأنه يشق كذلك، يقولون، على الناس، لكنه ما في أي دليل على هذا الأمر، ولا يشق على الناس هذا الأمر، ويستطيعون الاحتراز منهم، ليس كالقطوة، القطوة غير والسباع غير، لذلك خرجت الهرة هذه بدليل، لأنه فيه مشقة على الناس، وهذا أكبر دليل أن الشارع لا يشق على  الناس حتى في النجاسات رغم أن الهرة هذه القطوة نجسة، لأنها تأكل اللحم والقاذورات لا يخفي عليكم، ولعابها نجس.

ومع هذا سؤرها -القطة- إذا شربت منه، يعني من هذا الماء فهذا السؤر طاهر، لماذا؟ معفو عنه، فمن التسع النجاسات، التاسعة: النجاسات المعفو عنها. نجاسات لكنها معفو عنها، في ثوبك، في جسمك، في شرابك، مثل شراب الهرة إذا شربت من شرابك فهذا طاهر، يجوز لك أن تتوضأ منه وتشرب منه، ولا يضرك شيئا، كذلك الكلب لعابه بينت لكم في حديث أبي هريرة: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم». رغم أن الله سبحانه وتعالى جوز للناس بكلب الصيد، أن يصطاد طعام الناس من الحيوانات والطيور المباحة.

واصطياد الكلب يكون بفمه ليس برجله أو أي شيء، وهذا الصيد فيه ماذا قلنا؟ فيه لعاب الكلب، ولعاب الكلب نجس، لكنه معفو عنه، والله نسيتوا هذا، وبينا هذه الأمور، فهذه النجاسة قلنا معفو عنها، الناس مثلا يكرهون هذه الأشياء أو لا يستطيعون يأكلون كيفهم، لكننا نقول لهم: لا يجوز أي واحد يقول: هذا ما يجوز. نقول: لا يجوز شرعا. وهناك أدلة تستثني هذه الأمور، وسيأتي الكلام على النجاسات المعفو عنها، لكي نتكلم عنها ويستفيد منها الناس، لأن الناس الآن فيهم هذه الأمور، فيهم هذه النجاسات، فشقوا على أنفسهم هالعوام، بسبب جهلهم والوساوس، لعلنا نتكلم عنها، وهي معفو عنها.

فلذلك عندنا أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

 ولعلنا نذكر لكم هنا قول الحافظ بن عبد البر في «التمهيد» رحمه الله تعالى يقول: لا أعلم لمن كره سؤر الهرة حجة أحسن من أنه لم يبلغه حديث أبي قتادة في الهرة «هي من الطوافين عليكم» وبلغه حديث أبي هريرة في الكلب، فقاس الهرة على الكلب، فالآن هذا عدد من الفقهاء قاسوا حديث أبي هريرة في الكلب، فقاس الهرة على الكلب، يعني قال إن سؤر الهرة نجس ولعابها نجس، فسؤرها نجس بناء على الكلب، لعابه نجس فسؤره نجس.

وبينت لكم أنه استثني سؤر الهرة بالدليل، وبقي كذلك سؤر الكلب نجس بالدليل، ففرقت السنة بين هذا وهذا، فعلى طالب العلم أن ينتبه لهذه الأمور، فإنها مفيدة له في حياته، لكي لا يشق عليه الأمر، ويقول: تعبت. وهذا الدين يقول فيه مشقة وإلى آخر كما فعل أو تركوا الدين والعوام، وفيه أشياء يقولون: كذا وكذا. بسبب جهلهم تركوا الدين، فأنت تترخص، لكي لا تشق على نفسك وترتاح نفسك في العبادة، في صلاتك، في طهارتك، في حجك، في عمرتك، في كذا.

ما تروح تطوف لنا طواف العمرة وتخلص العمرة، وبعدين تسوي لك عشرين عمرة مثل العوام، ويتعب نفسه، آخر عمرة يفترش سيده المستشفى يودونه، يفترش للناس، خلاص ما يستطيع، ريوله جسمت البارقي جيمي، خله يستاهل جاهل، أو الذين نسمع عنهم 50 طوافا، الذين يسمونه التطوع حق أمه وأبيه وخمسة من أجداده، وناس خمسين من أجدادهم، لا منه فائدة ولا أجر ولا شيء، ما فيه إلا التعب، فيشقون على أنفسهم، يرجع بلده إما جنازة ميت أو مريض ولابد.

ولعلكم ترون هؤلاء الحجاج والمعتمرين، الذين يشقون على أنفسهم، حاطين لهم مليون إسعاف، فلذلك أنت ريح نفسك بتتبع السنة، والسنة بينت لك الآن مثلا عن سؤر الهرة، فلا تقول ولا تشك ولا توسوس الآن وتقول: الآن هذه الهرة سؤرها نجس ولعابها نجس، كيف نحن نقول إن سؤرها طاهر؟ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال، خلاص انتهى الأمر، سلم للرسول، وتقول لنا: لعاب الكلب نجس، فسؤره نجس، فكيف ذلك؟ الهرة نجسة والكلب نجس، كيف يكون سؤر الكلب نجسا وسؤر الهرة طاهر؟.

بالدليل، اسمع ماذا يقول لك ابن عبد البررحمه الله تعالى: وقد فرقت السنة بين الهرة والكلب. وانتهى الأمر، لماذا تشغل نفسك ليش وكيف مثل الشيوعيين ومثل المميعة ومثل أهل البدعة والذين في رؤوسهم نوء وأشياء أخرى، ما يطهر رأسه، نقول له: الدليل يقول كذا. تذهب إليه على اليمين يأتيك الشمال، الشمال اليمين، هذا يقول الله عنه: ﴿وأعرض عن الجاهلين﴾ [الأعراف:199]، وانتهى الأمر، تشغل نفسك.

فلذلك اعرف هذا الأمر، يقول الحافظ بن عبد البر: وقد فرقت السنة بين الهرة والكلب في باب التعبد، وجمعت بينهما من باب الاعتبار والنظر، ومن حجته السنة خاصمته، وما خالفها مطروح. انتهى كلام ابن عبد البر.

فإذن السنة هي التي تبين لك كل الأمور ولا يأتيك شيء في أي دليل، خلاص الرسول صلى الله عليه وسلم قال لك: هذا السؤر نجس. خلاص انتهى الأمر. وهذا السؤر طاهر. هذا من سبع وهذا من سبع، خلاص انتهى الأمر.

الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لك: لا توسوس ولا كذا. فهذه الأمور معروفة عند السلف الصالح، والذين يتبعون السلف الصالح.

وبعد ذلك نأتي إلى أثر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا الأثر من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه زيد قال: «أصابت عمر جنابة وهو على راحلته، ومعه عمرو بن العاص، فأسرعوا أتوا الماء، فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض أيرد حوضك السباع؟! فقال عمر رضي الله عنه: يا صاحب الحوض لا حاجة لنا بخبرك فإن السباع ترد علينا ونرد عليها، قال: فنزل فأسرع إليه فتوضأ واغتسل منه».

فهذا الأثر أثر ضعيف منكر لا يصح أخرجه الإمام مالك في «الموطأ»، ومن طريقه عبد الرزاق في «المصنف»، والبيهقي في السنن الكبرى.

وعلة الضعف له علتان، أولا: أن يحيى بن عبد الرحمن هو الذي نقل عن عمر في رواية الإمام مالك، لأنه من طريق يحيى بن عبد الرحمن عن عمر به، وهذه الرواية منقطعة، لماذا؟ لأن يحيى بن عبد الرحمن لم يدرك عمر رضي الله عنه، فالإسناد منقطع، وإذا كان منقطعا فالأثر ضعيف.

ولذلك يقول الحافظ بن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق»: في إسناده انقطاع. يعني بين يحيى بن عبد الرحمن وبين عمر رضي الله عنه.

كذلك الرواية الأخرى التي ذكرناها في رواية ابن أبي شيبة في «المصنف»، وعبد الرزاق في «المصنف»، في إسناده، وكذلك أبو عبيد في «الطهور»، كما ذكرت لكم الرواية هذه، عبد الرحمن بن زيد ضعيف، وقد أجمع أئمة أهل الحديث على ضعفه، ضعفه الإمام أحمد وكذلك ابن المديني وأبو داوود وأبو زرعة الرازي والدارقطني وابن حبان، وذكر هذا الحافظ المزي في «تهذيب الكمال»، وكذلك ابن حبان في «المجروحين»، والذهبي في «المغني في الضعفاء».

 فهذا عندك الحديث الذي استدل به عدد من الفقهاء على أن سؤر السباع طاهر، لماذا؟ لفعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه توضأ من هذا الحوض، وهذا الحوض ترد عليه السباع، ويشربون منه، والبقية هذا السؤر سؤر السباع، ومع هذا يقول الراوي فتوضأ عمر بن الخطاب واغتسل منه، وهذا مستحيل، وهذا الأثر منكر، لماذا؟ لأن الصحابة رضي الله عنهم يأخذون من النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم بين نجاسة الحيوانات الجارحة المفترسة -السباع-.

ويعلم الصحابة رضي الله عنهم أن لعاب هذه الحيوانات نجسة فسؤرها نجس، ولذلك بينا لكم في الدروس التي سلفت أن الصحابة رضي الله عنهم بالإجماع على أن سؤر الكلب نجس، لأنه نجس ولعابه ونجس، والصحابة ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهي أحاديث صحيحة، فكيف تترك هذه الأحاديث الصحيحة، التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم، وقالبها الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكيف عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتوضأ ويغتسل من آسار السباع، وآسارها نجسة.

فلذلك فلا تكون هذه الآسار طاهرة، وهذا الأثر كما بينت لكم ضعيف، رواية يحيى بن عبد الرحمن عن عمر منقطعة، والرواية الأخرى فيها عبد الرحمن بن زيد وهو ضعيف، ضعفه الأئمة كالإمام أحمد وغيره، فكيف نأخذ به ونترك الأحاديث الصحيحة، وهذا الأثر ما يقاوم الأحاديث الصحيحة، فلذلك على طالب العلم أن ينتبه لهذا الأمر، فليأخذ بالأحاديث المرفوعة الصحيحة، ويترك هذه الآثار الضعيفة، حتى لو قال بها عدد من أهل العلم أو بعض أهل العلم، فيتبين الآن أن آسار هذه الحيوانات نجسة ولم يفعل عمر بن الخطاب ولا شيء، ولذلك تجد كتب الفقه، وبعض الكتب ينقلون لك، يقول لك أن آسار الحيوانات المفترسة -أي السباع- طاهرة، لماذا؟ هذا قول عمر بن الخطاب، وليس بقوله ولا شيء.

الأثر ضعيف، وما أكثر الفقهاء هؤلاء الذين يستدلون بالأحاديث الضعيفة والآثار الضعيفة عن الصحابة وعن غيرهم.

كذلك هناك رواية أخرى من رواية عكرمة، وعكرمة من التابعين، قال: «أتى عمر إلى حوض من الأحياض، فأراد أن يتوضأ أو يشرب، فقال أهل الحوض: قد تلغ فيه الكلاب والسباع، فقال عمر رضي الله عنه: إنما لها ما ولغت في بطونها ونشرب ونتوضأ».

وهذه الرواية أخرجها ابن أبي شيبة في «المصنف»، وعبد الرزاق في «المصنف»، والبيهقي في «السنن الكبرى».

ثم قال البيهقي في «السنن الكبرى»: وهذه قصة مشهورة وإن كانت مرسلة.

كذلك أخرج هذه الرواية ابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار»، وعكرمة تابعي، يعني لم يدرك عمر بن الخطاب، أدرك بعض الصحابة كابن عباس وغيره، لكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أدركه، فالرواية هذه ضعيفة مرسلة، حتى البيهقي قال: مرسلة. فكيف نستدل بهذه الرواية، وهي ضعيفة، على أن آسار الحيوانات المفترسة هذه طاهرة، وعندنا أدلة هناك مرفوعة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها نجسة ولا يؤكل لحمها ولا شيء من ذلك.

هذه رواية عمر بن الخطاب يتبين لكم أنها ضعيفة لا يحتج بها، وعليكم بالأحاديث المرفوعة، وحتى في عدد كذلك من المقلدة، حتى الذين يعملون في علم الحديث في هذا العصر، صححوا هذه الروايات بناء على قول النووي أنها لها شواهد، ولا لها شواهد ولا شيء، والصحابة ما يتركون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فالحيوانات -أي السباع هذه- نجسة فسؤرها نجس ولعابها نجس، وانتهى الأمر عند الصحابة فلا يذهبون إلى قول فقيه ولا قول علم ولا متأخر ولا معاصر ولا شيء ولا يقلدون.

الصحابة لا يقلدون بل يأخذون بالنصوص من الكتاب والسنة، فلذلك هناك فقهاء ينقلون لكم أن هذه أقوال الصحابة، كلها آثار ضعيفة، وإذا ثبت نص عندك على أن هذا الأمر محرم حتى لو ينقل لك عن صحابي أنه أحله فاعلم أن الأثر ضعيف، وهذا في الغالب، لأن بعض الصحابة يجتهدون أحيانا، لماذا؟ لم يصل إليهم النص أو يصل إليه فيتأوله، كما ذكر الحافظ بن عبد البر في التمهيد، بين أن الذين قالوا عن سؤر الهرة -يعني بعض أهل العلم عن سؤر الهرة- أنه نجس بناء على اجتهادهم، وخفى عليهم حديث أبي قتادة وأن «الهرة من الطوافين عليكم والطوافات».

فيخفى عليهم، فأنت عليك بالنصوص -نصوص الشرع- فلذلك لابد أن تعرف هذا الأمر، ويستحيل الصحابة يتركون النصوص ثم يرجعون إلى الأمور فيقولون عن سؤر السباع مثلا طاهرة، وفي الأثر: «فيرد إليها السباع والكلاب». مستحيل أصلا أن عمر بن الخطاب يفعل هذا الأمر، وعنده نصوص بنجاسة السباع والكلاب، والأمر هذا يكون بكثرة، والحوض ليس بذات الحوض، وليس بحر ولا نهر ولا بحيرة، كي نقول إن هذا الماء حتى ترد عليه السباع والكلاب ما يضر، لأنه كثير، وخاصة أن البحر يذهب ويأتي وكذلك النهر يجري، فلذلك لابد يعرف طالب العلم هذه الأمور.

الأثر الثاني: الذي يستدل به عدد من الفقهاء على طهارة آسار السباع رواية ابن أبي عدي، ها هنا فيه زيادة عن أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه من رواية عكرمة أن «عمر بن الخطاب عندما أتى الحوض فقيل له: يا أمير المؤمنين إنما ولغ فيها الكلب آنفا، قال: إنما ولغ بلسانه فاشربوا منه وتوضؤوا». هذه رواية عبد الرزاق في «المصنف»، ورواية ابن أبي شيبة في «المصنف» إلا أنه قال: «فشرب وتوضأ». ومن طريق ميمون بلفظ: «ترده الكلاب والحمير، فقال عمر رضي الله عنه: لها ما حملت في بطونها، وما بقي فهو لنا طهور وشرب».

هذا يدل على أن كذلك المتن فيه نكارة واضطراب، فمستحيل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقولون له: ترده الكلاب والحمير والسباع. ويقول إنها لنا طهور، مستحيل، هذا فقط لو مسلم عادي حتى لو عامي هذا الحوض تقول له: ترد فيه الكلاب أو الحمير والسباع، فماذا سيقول؟ سيقول: نجس. فمعقول حتى فقط بالعقل أن هذا الأثر منكر، مستحيل يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الأمر، ما بالك بهذه الأسانيد التي ذكرناها ضعيفة.

فلا يكون هذا، والرواية الأخرى رواية أبي هريرة رضي الله عنه من رواية ابن أبي عدي عن حبيب بن شهاب عن أبيه قال: «قلت لأبي هريرة أرأيت السؤر من الحوض، يصدر عنها الإبل وتردها السباع، وتلغ فيها الكلاب، ويشرب منها الحمار، فهل أتطهر منه؟ قال أبو هريرة رضي الله عنه: «لا يحرم الماء شيء».

وهذا الأثر أخرجه أبو عبيد في كتابه «الطهور»، وابن المنذر في «الأوسط»، وابن أبي شيبة في «المصنف»، والطبري في «تهذيب الآثار»، وهذا الإسناد إسناد شاذ، والمتن كذلك شاذ.

أولا: بالنسبة للسند فيه حبيب بن شهاب، قال عنه الإمام أحمد: لا بأس به. يعني إذا وافق الثقات، كما ذكر ذلك ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»، وذكره البخاري في «التاريخ»، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهذا جرح من الإمام البخاري رحمه الله لم يوثقه، ووثقه ابن معين كما ذكر ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»، فإذن حبيب هذا لا يقاوم الأحاديث الصحيحة والآثار الصحيحة في آسار السبع ونجاسة السباع، والنبي صلى الله عليه وسلم حرم أكل السباع لأنها نجسة.

وهذا يتبين لنا من قول الإمام أحمد: لا بأس به. والإمام البخاري لم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فلا يؤخذ بتفرده ولا يحتمل التفرد، فلننتبه لمثل هذه الروايات، فالمقلدة والمتعالمة في الحديث يرون أنه وثقه ابن معين، فيصححون الحديث وأن الإمام أحمد قال عنه: لا بأس به. فيمشون الأسانيد بجهلهم، ما يرجعون إلى هل خالف الآثار المرفوعة والآثار الموقوفة أو لا؟ ما ينتبهون لمثل هذه الأمور، وهل يتحمل التفرد؟

فيه أئمة كبار كالإمام شعبة بن الحجاج والإمام سفيان الثوري وسفيان بن عيينة وغيرهم من الأئمة، أحيانا أهل العلم يعلون تفرد هذا وتفرد هذا، فما بالك بمثل هذا حبيب؟ ولذلك لم يروي عنه الإمام البخاري في «صحيحه»، ولم يروي عنه الإمام مسلم في «صحيحه»، ولم يروي عنه أبو داود في «سننه»، ولا الترمذي في «سننه»، ولا النسائي في «سننه»، ولا ابن ماجة في «سننه»، يعني ليس من رجال التهذيب، وهو صحيح ليس من الرجال الستة، فإذا هؤلاء الأئمة ما رووا عن شخص وهو عند البعض ثقة وخالف فلا يحتمل التفرد.

هذا لو إمام مشهور ومعروف خالف الثقات لاعتبرنا تفرده شنو؟ وحديثه شاذ، وأخذنا بمثل هذه المصطلحات كثيرا في مصطلح الحديث، وفي شروح الدروس، فلذلك ما يتحمل، وانظر ماذا نقل عن أبي هريرة؛ لأن هو نقل عن أبيه شهاب، أنه سأل أبا هريرة أن أرأيت السؤر من الحوض، يعني: ترد إليه الإبل والسباع والكلاب والحمير، ومع هذا معقولة أبو هريرة رضي الله عنه يقول: ما يحرم الماء شيء، وأبو هريرة نقل لكم شنو؟ ماء الكلب، يعني: سؤر الكلب عنده نجس في ولوغ الكلب، نقل لكم وبينا جملة وتفصيلا في هذا الأمر.

إذا أبو هريرة قال عن سؤر الهرة في رواية ذكرناها لكم أن سؤر الهرة نجس، فكيف يقول الذي هو سؤر الهرة طاهر، فكيف يقول عن الحمير والكلاب والسباع الماء يقول عنه طاهر ولا يحرمه شيء، وهو عن الهرة سؤرها شنو؟ طاهر، قال عنها شنو؟ نجس، وفي رواية أن سؤر الهرة طاهر، وبينت لكم أن نأخذ بالرواية التي وافقت الكتاب والسنة فإذا عند أبي هريرة في رواية أن سؤر الهرة نجس، فما بالك بالسباع والكلاب والحمير وغيره، كيف يقول إن سؤرها طاهر، ما يعقل.

فلذلك تفرد حبيب بن شهاب ما يتحمل هذا الأمر، هذه الأمور لا بد أئمة ينقلون هذه الأمور، وحفاظ، وأثبات، فنأخذ منهم، فلذلك أبو هريرة نقل لكم عن الكلب وعن غيره وأخذنا هذا الأمر، وأن الرواية الصحيحة عن أبي هريرة أن سؤر الهرة عنده نجس الرواية الثانية، فكيف يقول عن السباع والكلاب والحمير سؤرها طاهر، ما يصير.

فلذلك هذه الرواية صححها عدد من المعاصرين الذين يخرجون الأحاديث والآثار، نظر إلى الإسناد فقال: هذا الإسناد كله ثقات وصححه، لكنه ما نظر إلى شذوذ الإسناد وشذوذ المتن، وأن هذا القول معارض لما نقله أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في نجاسة السباع والكلب وغير ذلك.

فلذلك لا بد نعرف هذه الأمور، فإذا الأثر أبي هريرة ضعيف، هذا الأثر كذلك استدل به عدد من الفقهاء وجوزوا سؤر السباع، أثر عمر ضعيف، وأثر أبي هريرة ضعيف، فنأخذ بالأحاديث المرفوعة، ونترك هذه الآثار الضعيفة، ثم نبين لكم شيء مهم جدا في هذا الأمر؛ لكي يعرف طالب العلم الأقوال هذه ويحفظها، ويتبين له أن العلماء يجتهدون، والأصل في ذلك: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾ [النساء:59].

يقول أبو عبيد رحمه الله تعالى في كتابه «الطهور»: وقد اختلف الناس في هذا الباب، فكان مالك بن أنس ومن وافقه من أهل الحجاز لا يرون بسؤرها بأسا -يعني السباع- فالإمام مالك وأصحابه وأهل الحجاز يقولون عن آسار السباع من الأسد والنمر والذئاب، وكذلك عندك الكلاب، والحمير، يقولون إن آسار هذه الحيوانات طاهرة، وبينت لكم أنها نجسة، لماذا؟ لأن لعابها نجس؛ لأن هي نجسة، وعندك الأحاديث المرفوعة، وأجمع الصحابة على أن لعاب السباع نجس؛ لأنها نجسة.

وآسار السباع نجسة عند جميع الصحابة، فعليك بإجماع الصحابة، لذلك يعني هناك عدد من المعاصرين قرأت لهم، يقولون: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرب وتطهر من آسار السباع، ولم يوجد مخالف، يلا خذ، لم يوجد له مخالف، وأبو هريرة كذلك، كلها آثار ضعيفة، وبيأتي أقوال الصحابة الآن في هذا الأمر، وإن أسار السباع نجسة، فكيف ما يوجد مخالف؟ فالمخالف أنت؛ فلذلك اعرف هذه الأمور، فهذا القول بلا شك ليس بصحيح؛ لأنه مخالف للسنة.

يقول أبو عبيد: وأما سفيان -يعني الثوري- وأهل العراق من أصحاب الرأي، فإنهم يكرهون ذلك، ثم ذكر أبو عبيد مذهب الكارهين، ليش؟ يقول: ما روي عن النبي من النهي عن أكل لحومها فرأوا أنها أنجاس لذلك، ما دام الآن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن هذه السباع نجسة، يعني عن السباع لا تؤكل، ويحرم أكلها فهي نجسة، فلذلك سفيان الثوري وأهل العراق وغيرهم والصحابة كذلك من قبلهم كرهوا آسار السباع.

لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن هذه السباع نجسة ولا تؤكل، وينقل لكم أبو عبيد في كتابه «الطهور»، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحومها فرأوا أنها أنجاس لذلك، وقد صرح بذلك العيني في البناية في شرح الهداية، هذا الأمر، وهذا القول من السلف، من السلف أن آسار السباع نجسة، وهذا أمر موجود.

ويقول الإمام محمد بن نصر المروزي في «اختلاف العلماء»: وقال أهل المدينة منهم ربيعة ويحيى بن سعيد وأبو الزناد: لا بأس بسؤر البغل والحمار وجميع السباع إلا الكلب والخنزير، وهذا القول مرجوح، والراجح من أقوال أهل العلم الذين بعد الصحابة أن آسار السباع نجسة، وأجمع الصحابة على هذا، ولا يوجد مخالف أصلا للآثار المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والبغل بيأتي، البغل أكله حلال والحديث فيه ضعيف، في عدم أكله وأنه نجس فليس بنجس، والفرس كذلك سؤره ليس بنجس، لكن بالنسبة عن الحمار فهو نجس، والسباع والكلب والخنزير كما بينا، وبينت لكم بالنسبة عن قول سفيان الثوري وأهل الرأي، ومن أراد ذلك في أقوال أهل العلم في آسار السباع، ينظر: «اختلاف العلماء» للمروزي، و«الأوسط» لابن المنذر، و«المغني» لابن قدامة، و«تبيين الحقائق» للزيلعي، و«البحر الرائق» لابن نجيم، وهنا بالنسبة عن الحمار كما أخرج البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه» من حديث جابر، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، هذا هو الصحيح.

في رواية نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية والبغال، زيادة والبغال لا توجد في «صحيح البخاري» ولا مسلم، والبغال الرواية شاذة منكرة؛ ولذلك أكبر دليل أن الثقات رجال الإمام البخاري لم يرووا هذه الزيادة، البغال، بل الحمر الأهلية، يعني: الحمير، فإذن سفيان الثوري وأهل العراق قولهم هو الصحيح.

وذكر الإمام أبو عبيد في كتابه «الطهور» أن الأصل في آسار السباع النجاسة، إلا عند الاضطرار يقول، فيجوز للناس أن يتوضؤوا من هذا الحوض الذي وردت عليه السباع، لكن هذا القول فيه نظر، إذا ما في ماء طاهر، ولا طهور، وهناك حوض وردت إليه السباع والكلاب وغيرها، ماذا يفعل العبد؟ يتيمم، ما في شيء، الضرورة التيمم، لا الضرورة أن يتوضأ من ماء نجس، وإن كان هو يقول: إن سؤر السباع نجسة.

فالضرورة هنا تنتقل من الماء إلى التيمم، فنقول: له على الناس أن يتيمموا، وانتهى الأمر، ونقلوا عن عائشة رضي الله عنها أنها جوزت أكل لحوم الحمير، والرواية ضعيفة ولا تصح، ونقلها عدد من الفقهاء، ومستحيل عائشة رضي الله عنها تخالف الرواية، الرسول صلى الله عليه وسلم يحرم أكل اللحوم الأهلية هذه، وعائشة تقول: الحل! مستحيل؛ لذلك هذه الرواية غير صحيحة أصلا، ونقلوا كذلك عن ابن عباس رضي الله عنه أنه يحل أكل لحوم الحمر، والرواية كذلك عن ابن عباس ضعيفة ما تصح.

ولذلك يعني هذا أبو عبيد نقل عنهما، وكذلك نقل عن عائشة جواز أكل لحوم الحمير، وابن عباس كذلك، ابن رشد في بداية «المجتهد»، يقول: إن جمهور العلماء على تحريم لحوم الحمر الإنسية إلا ما روي عن ابن عباس وعائشة أنهما كانا يبيحانها، ولم تقل عائشة ولا شيء، ولم يقل ابن العباس ولا شيء، ولم تحل عائشة أكل لحوم الحمير، ولا ابن عباس، فيكون الأمر شنو؟ الصحابة بالإجماع على أن أكل لحوم الحمير الإنسية هذه أو الحمر محرمة؛ لأنها نجسة، وعندي كتاب في هذا الأمر.

فلذلك لا بد على طالب العلم ينتبه ولا يكون مثل المتعالمة، ولا المقلدة هؤلاء، خاصة المعاصرين الذين ينقلون لك، اختلف العلماء، واختلف الصحابة، ولا اختلفوا ولا شيء.

يقول لك عمر بن الخطاب يقول كذا، وابن العباس يقول كذا، ولا قال ابن عباس ولا شيء، ولا خالف عمر، الرواية ضعيفة، وأحيانا يقول لك: روي عن عمر وابن العباس وعائشة كذا كذا وكذا، في حل أو حرمة مثلا، ولا قالوا ولا شيء، الروايات كلها ضعيفة.

فلننتبه لكتب الفقهاء في هذا الأمر، وعليك بأهل الحديث في هذا العصر، أي شيء يشكل عليك اسألهم هم فقط، واضرب على الباقي، فلذلك الأصل في هذا كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لا بأقوال العلماء والفقهاء الذين اجتهدوا فأخطئوا، فالأصل أن نتعبد الله بالقرآن والسنة، وآثار الصحابة، هذا هو الأصل، ودع عنك قول فلان وعلان، فتوى فلان وعلان، اجتهادات، أهل العلم يجتهدون، فمنهم من يخطئ ومنهم من يصيب، أنت خذ بقول من أصاب.

ولذلك بالنسبة عن سؤر السباع كالكلب وغيره، هذه رواية يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كره سؤر الحمار والكلب والهر، الهر بينا في الدروس التي سلفت أن قول ابن عمر في رواية أن الهرة سؤرها طاهر، ورواية مثل هذه الرواية أن سؤرها نجس، لكن الرواية الصحيحة عن ابن عمر بينا؛ لأن ممكن أحيانا الصحابي ما يدري بالنص، فيفتيك بكذا، وأحيانا بعد ذلك مثلا بعد فترة يخبره صحابي أو تابعي عن حديث بخلاف قوله الذي قال به قبل فيتراجع.

فالرواية الصحيحة عن ابن عمر أن الهرة سؤرها طاهر، وهذه الرواية رواية ابن عمر رضي الله عنه أخرجها عبد الرزاق في «المصنف،» ومن طريقه ابن المنذر في «الأوسط»، وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» من طريق حجاج وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر وليس فيه ذكر الهرة، وهذا يدل على أن ابن عمر يقول عن سؤر الهرة طاهر، وليس بنجس، فرواية حجاج وعبيد الله لم يذكر الهرة بس ذكر كره سؤر الحمار والكلب، وهذا الرواية صحيحة إسنادها صحيح عن ابن عمر، فكيف يقولون هؤلاء أن عمر بن الخطاب على فرض أن رواية عمر بن الخطاب صحيحة مثلا أن ما يوجد مخالف.

اكا ابن عمر حرم سؤر الحمار والكلب، بناء على أدلة مرفوعة عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عمر لا يوجد له مخالف، ما في مخالف من الصحابة يقول عن سؤر السباع طاهرة، ما في، كلهم يقولون نجسة بناء على شنو؟ عن الأحاديث المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن لحوم الحمار والكلب وهو سبع، وأن الحيوانات المفترسة جسمها نجس، فلذلك هذا الأمر معروف عند الصحابة أن آسار السباع نجسة، وهذا ابن عمر ينقل لكم هذا الأمر عن الصحابة رضي الله عنهم.

وهذا كذلك عندك رواية هشام أو رواية هشيم قال: أخبرنا المغيرة عن إبراهيم -يعني النخغي- أنه كره سؤر الحمار، وهذا الأثر أخرجه أبو عبيد في «الطهور»، وكذلك ابن أبي شيبة في «المصنف»، وعبد الرزاق في «المصنف»، وهذا الأمر عندكم واضح.

فإذن عندنا الآن بإجماع الصحابة إن آسار السباع نجسة، وليست بطاهرة، وبين أبو عبيد رحمه الله تعالى في كتابه «الطهور» يقول: والذي عندنا فيه أنه بمنزلة سؤر السباع -يعني: سؤر الحمار-؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية كما نهى عن لحوم السباع.

وهذه الأحاديث كما بينت لكم عند البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه»، وأبو داود في «سننه»، والطيالسي في «المسند»، وأحمد في «المسند» وغيرهم.

وفيه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، وكل مخلب من الطير، فالصحابة يعلمون بهذه الأحاديث، ما دام الآن لحم الطير ما يؤكل، ولا لحم السباع يؤكل، فهي نجسة.

ومن أراد قول الإمام مالك وبعض أهل العلم ينتقل إلى: «المدونة الكبرى» له، و«اختلاف العلماء» للمروزي.

وبين الإمام أبو عبيد في كتابه «الطهور» بقوله: فأما الخيل فإن الأمر فيها أسهل، يبين أنه يجوز أكل لحم الخيل، وسؤرها طاهر؛ لأن لعابها طاهر، وبعض أهل العلم المتأخرين حرموا أكل لحوم الخيل، لكن هذا قولهم ليس بصحيح؛ لأن بينت حل أكل لحوم الخيل، وإن الصحابة أكلوا لحوم الخيل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لو كانت محرمة لنبي صلى الله عليه وسلم بين لهم هذا الأمر.

فلذلك افهموا هذه الأمور، ويقول هنا -هذه كلها فوائد من كتاب أبي عبيد كتاب «الطهور»- يقول أبو عبيد رحمه الله تعالى: وأما كل ما يؤكل لحمه من الأبقار وغير ذلك فسؤرها يقول: طاهر، وكذلك كل ما يؤكل لحمه من الطير سؤره كذلك طاهر، وهنا وهذا مذهب ابن عمر والحسن بن سيرين والحاكم كانوا لا يرون بسؤر الفرس بأسا.

وقال الإمام أحمد: أما سؤر الفرس والدابة والشاة والبعير والبقرة فلا بأس به، فأهل العلم يبينون هذه الأمور، وهذه أقاويلهم هي الأقاويل الصحيحة.

وممكن أن ينتقل العبد إلى: «الأوسط» لابن المنذر، و«مسائل الإمام أحمد» لابنه عبد الله، وكتاب «المجموع» للنووي، وقد بين الإجماع على ذلك ابن المنذر في كتابه «الإجماع»، و«الأوسط».

ويقول ابن قدامة في «المغني»: أجمعوا على أن سؤر ما أكل لحمه طاهر، ويجوز شربه والوضوء منه، فهذه الأمور معروفة، هذا آخر ما عندنا مما نقل لكم عن آثار الصحابة الضعيفة في أن آسار السباع طاهرة، وهي عندهم نجسة.

ولعل نأخذ حديث آخر، حديث الإعرابي الذي بال في المسجد في الدرس القادم نخرجه ونبين النجاسات في ذلك، وأن لا حاجة إلى الفرك وما أدري كيف، إذا بال الطفل أو بال شخص أو كذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن يسكبوا عليه الماء، وينتهي الأمر.

في عدد من العلماء يقول: لازم تحفر، تحفر يمكن تظهر ماء، وش لنحفر؟ أولا: تحفر، وبعدين، فبيأتي الكلام على هذه الأمور، وأنه يكفي الصب على البول الماء وخلاص، في ناس يفركون الزوجيه تفرك حتى الشعر مالها يروح، ولونها يطير، وبعد شنهو؟ بعد الحجية توسوس، فالمشكلة الآن الجهل بهذه الأمور، وبيأتي الكلام على هذه الأمور.

أحد الحضور: ...

الشيخ: عن الهرة، نعم في ذكرنا الرواية في الدروس التي سلفت، أن أبو هريرة كذلك يرى أن سؤر الهرة طاهر، فلذلك إذا الآن مثلا الإمام أحمد رحمه الله تعالى، يعني: أصحابه يقولون للإمام أحمد: الرواية الحل، رواية مثلا الحرمة، أو رواية كذا، ثلاث روايات، أربعة، فأنت تأخذ كما بين شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين شرح الممتع، خذ الرواية التي وافقت الكتاب والسنة، لماذا؟

يقول الإمام أحمد في هذه الروايات أحيانا لم يتبين له الحرمة، يتبين له الحل، ثم يأتيه نص، فيعرفه فيتراجع، فهكذا كان السلف، يتراجعون، فأصحابه ينقلون له ثلاث روايات، أربع روايات، لماذا؟ ما لنا حاجة، والإمام أحمد أصلا ما يرضى بهذا الأمر، الإمام أحمد كما نقلت لكم في كتابي عن تمسك الأئمة الأربعة، كلهم يقولون: لا بد الرجوع إلى الكتاب والسنة، ولا تأخذوا بقولنا، بعد أكبر من هذا دليل؟ آثار موجودة للأئمة الأربعة.

فلذلك لا بد على طالب العلم ينتبه؛ لأن خاصة هؤلاء الدكاترة الذين في إذاعات القرآن، دائما وأبدا وفي الغالب ينقلون لك الخلافيات، اختلف العلماء، واختلف الفقهاء، وتنازع الناس، وشله ننقل للناس هذه الأمور، فالناس تجتهد، وعليك بالكتاب والسنة في هذا الأمر، وينتهي الأمر ولا نشغل الناس بالخلافيات، القرآن نهى الأمر، السنة نهت الأمر، ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾ [النساء:59] خلاص انتهى الأمر.

فلذلك عليكم بالكتاب والسنة.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan