الرئيسية / الشرح الكبير على بلوغ المرام / الجزء (37) الشرح الكبير على بلوغ المرام: حكم الآسار
2025-01-13

الجزء (37) الشرح الكبير على بلوغ المرام: حكم الآسار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن أحكام الجلالة، ومن قبل تكلمنا عن سؤر الهرة، وفي هذا الدرس سوف نتكلم عن الآثار كلها، عندنا سؤر الآدمي، ذهب جميع الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة وغيرهم إلى طهارة سؤر الآدمي مطلقا، سواء كان على وضوء أم لم يكن على وضوء، يعني: محدث، وسواء كان رجلا أو امرأة، حتى سؤر الآدمي حال شربه للخمر؛ لأن الخمر على الصحيح أنه ليس بنجس، وبيأتي الكلام عليه.
وسواء كان الآدمي هذا مسلما أو كافرا، فسؤره طاهرا، ولا بأس بسؤر الحائض والجنب والنفساء وما فضل منهم من وضوء أو غسل، حتى الحائض سؤرها طاهر، والجنب والنفساء سؤرهما طاهر، وانظر: «المبسوط» للسرخسي، و«تبيين الحقائق» للزيلعي، و«المجموع» للنووي، و«التاج والإكليل» للمواق، و«الإنصاف» للمرداوي، و«الفروع» لابن مفلح، و«مواهب الجليل» للحطاب، و«المفهم» للقرطبي، و«بدائع الصنائع» للكاساني، و«الشرح الممتع» لشيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
فهذا كلام أهل العلم على أن سؤر الآدمي مطلقا طاهر، لو فضل الماء بعد أن شرب منه الإنسان، من رجل أو امرأة أو مسلم أو كافر أو حائض أو جنب أو نفساء، هذا السؤر طاهر، يجوز للعبد أن يتوضأ منه، ويغتسل منه، ولو أصاب الماء هذا؛ لأن السؤر بقايا الماء بعد الشرب منه كما بينت لكم من قبل، فلو أصاب ثوب الإنسان فهذا الثوب باقي على طهوريته، فيجوز للعبد أن يصلي فيه.
ولماذا أقول ذلك؟.
لأن الظاهرية ومنهم ابن حزم يقول عن سؤر الكافر نجس، وفي الحقيقة هذا قول ضعيف، وفتوى ضعيفة، لا يلتفت إليها والإجماع قائم على طهورية سؤر الآدمي من إجماع الصحابة، وإجماع التابعين، وتابعي التابعين، والأئمة المتقدمين، والأئمة المتأخرين، ولذلك بينت لكم كثيرا أن الصحابة رضي الله عنهم إذا قالوا بحكم، فالقول قولهم، فلا يلتفت إلى خلاف أي شخص من العلماء.
ولذلك ما يقال: إن المسألة خلافية في مسألة سؤر الآدمي، فيقال إن المتأخرين جمهورهم على طهارة سؤر الآدمي، وابن حزم يقول عن طهارة سؤر الآدمي إلا الكافر، فلا يقال إن المسألة خلافية، ولا يلتفت إلى هذا الخلاف ولا شيء، ويقال: إن هذا بالإجماع، وقد أجمع والسلف على هذا الأمر، فعليك بفقه الصحابة رضي الله عنهم، وفقه السلف من التابعين، وتابعي التابعين، وغيرهم، هذا هو الأصل.
ولذلك الذين يذكرون عن سؤر الآدمي يذكرون أقوال المتأخرين ويأتون بالخلاف، ولا في خلاف ولا في شيء، فلذلك عليك بفقه الصحابة، وفقه السلف، والدليل على ذلك ما ثبت في «صحيح البخاري»، وفي «صحيح مسلم» من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو حديث طويل في شرب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وإعرابي لبنا من إناء واحد، وهو القدح.
فهذا الإعرابي وأبو بكر وعمر شربوا من إناء واحد، لو في سؤر الآدمي شيء؛ لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لهم، والنبي صلى الله عليه وسلم شرب معهم.
والدليل الثاني: ما ثبت في «صحيح البخاري» من حديث أبي هريرة في شرب أهل الصفة اللبن من إناء واحد، وهو حديث طويل مشهور معروف، وشرب منه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عندما شرب أهل الصفة.
فالصحابة رضي الله عنهم شرب بعضهم من سؤر بعض، ولو كان سؤر الآدمي نجسا لم يتناوله ولم يشرب منه صلى الله عليه وسلم، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى القدح هذا الذي من اللبن، أعطاه أبو هريرة، وشرب منه حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اشرب يا أبا هر» فقلت: لا، والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا، يعني: قدح صغير شرب منه أهل الصفة كلهم ولم ينقص، هذه من علامات النبوة، حتى شرب أبو هريرة وشرب النبي صلى الله عليه وسلم بعده، ولم ينقص.
وكذلك الدليل الآخر: حديث عائشة رضي الله عنها قال: «كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع في فيشرب» أخرجه مسلم في «صحيحه».
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم شرب من فضل عائشة، ومن سؤر عائشة رضي الله عنها، ولو في شيء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة، وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر للصحابة رضي الله عنهم.
* وطهارة سؤر الكافر فقد أباح الله سبحانه وتعالىٰ لنا نكاح نساء أهل الكتاب، ومعاشرة الرجل للمرأة يقضي منه أنه يخالف ريقه ريقها، وأن يمس بدنه بدنها، كما هو معروف، فلو في شيء لبينه الله سبحانه وتعالىٰ للناس، ولو في شيء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم للناس عن سؤر الكافر، والأمور المعاشرة مثلا لليهودية، النصرانية، معروف لا بد بيشرب من سؤرها، لا بد يمسها، لا بد كذا؛ لأن عند الظاهرية أن نجاسة الكافر نجاسة حسية كما قلت لكم.
* والنجاسة نجاسة المشرك الكافر نجاسة معنوية، ما تضرب، فلذلك هذا يدل على طهارة سؤر الآدمي المسلم والكافر، والحائض وغير ذلك، وكذلك الطعام والشراب لو في ذلك شيء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لنا؛ لأن لا بد الزوجة مثلا إذا كانت زوجة مسلم يهودية، نصرانية، ما تشرب شوربة؟ تشرب الشوربة، ممكن هذا المسلم يشرب الشوربة بعدها، عصير، أي شيء، فلذلك لا تلتف إلى الخلافيات هذه، عليك بالكتاب والسنة، وعليك بفقه الصحابة وإجماع الصحابة.
لأن كما بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في «العقيدة الواسطية»، وفي «الفتاوى»، أن الإجماع الذي ينضبط هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم، ويقول: ومن بعدهم اختلفوا كثيرا في الأحكام، فلا تلتفت إلى هذه الخلافيات ومن ينقلها بقوله: اختلف الفقهاء، واختلف العلماء، وتنازع الناس، ويجعل هذا الناس في حيرة خاصة العوام، وخاصة هؤلاء يذكرون الخلاف أو أكثرهم، ولا يرجحون للناس، ولا يبينون للناس الشيء الصحيح، فعليك بإجماع الصحابة، كل الأحكام في الأصول والفروع بينها الصحابة رضي الله عنهم، فعليك أن تسأل أهل الحديث عن فقه الصحابة ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾[النحل:43].
يقول الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى في «المغني»: الآدمي فهو طاهر، الآدمي طاهر، وسؤره طاهر، سواء كان مسلما أو كافرا عند عامة أهل العلم، وعند الصحابة، وعند السلف بالإجماع، والسؤر كما بينت لكم بقايا الماء والطعام بعد أن يشرب مثلا الآدمي أو الحيوان مأكول اللحم، أو الحيوان غير مأكول اللحم، وبيأتي الكلام على هذا، فلو أصاب ثوبا أو نحو ذلك فهو باق على طهارته، فيجوز أن تصلي في هذا الثوب.
فهذا بالنسبة عن سؤر الآدمي، والآدمي طاهر، وإذا قال أهل العلم إن الآدمي جسده كله طاهر، فيعني أعضاء وأجزاء الآدمي كلها طاهرة كما بينت لكم في الدرس الذي سلف، فلو خرج دم من الآدمي وهو يصلي، فهذا الدم طاهر، فعليه أن يواصل؛ لأن هالعوام هؤلاء للآن يسألون عن الدم إذا خرج منهم، هذا يقول: خرج مني دم وأنا أصلي، صلاتي صحيحة أو لا؟ وهذا كذلك، وهذه كذلك؛ وهذا بسبب الجهل، إن هؤلاء لم يطلبوا العلم عند أهل السنة والجماعة، ولم يسألوا عن دينهم، فوقعوا في هذه الحيرة، وفي هذا الجهل.
ولذلك بيأتي الكلام على مسألة الدم، والدم المسفوح وإلى آخره، والصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون بدمائهم في المعارك وفي الحروب بعدما تنتهي، لو في شيء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لهم، بعد ذلك عندنا سؤر الحيوان المأكول اللحم مثل: البعران، مثل: الأبقار، مثل: الأغنام، أي حيوان مأكول اللحم، ذهب الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة وغيرهم إلى طهارة سؤر ما يؤكل لحمه، فهذه البهائم كلها التي يأكل الناس لحمها، وهي حلال، كلها طاهرة، يعني: الأجزاء التي في الحيوانات، الأعضاء، الأجهزة، كلها هذه طاهرة من لحم وعضم وكبد، وإلى آخره، ما دام قلنا إنها تؤكل.
يعني: أي شيء فيها يجوز أكله، وبيأتي درس كامل نسرد الحيوانات التي تؤكل، والحيوانات التي لا تؤكل؛ لأن عدد من الفقهاء حرموا أشياء، وبعض الفقهاء أحلوا أشياء بأحاديث ضعيفة، والعوام هؤلاء ما يفقهون شيء، أي فتوى يسمعونها أو يقرؤونها يطبقون بدون أن يتحققوا من هل هذه الفتوى صحيحة أو لا، عليها دليل أو لا، أو هذا الدليل صحيح أو ضعيف، ما في، والله سبحانه وتعالىٰ أمرهم بالسؤال ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ [النحل:43].
ولذلك لا بد سؤال أهل الحديث عن هذه الأحاديث التي تنشر في العالم من قبل أهل العلم، من قبل الدكاترة، من قبل العوام؛ لأن منها الكثير أحاديث ضعيفة ومنكرة، فمن عمل بها في صلاته، في حجه، في أذكاره، في كذا، في كذا، ما له إلا الإثم، ولا يعذر بجهله، لا في دنياه ولا في قبره ولا يوم القيامة، لماذا؟ هذا مهمل في طلب العلم، في السؤال، يأخذ أي شيء، ينقل أي شيء، ولا يتثبت فلا يعذر بجهله، مهمل لأنه.
وأكبر دليل عدد منهم -يعني: من العامة هؤلاء- تبين له أن هذا الحديث ضعيف ومع هذا يعاند، يعني: يدري الآن ومع هذا يعاند وينشر مثل هذه الأحاديث الضعيفة بناء على أن فلان من العلماء قال به، وبينت لكم كثيرا، العالم عند أهل السنة والجماعة يخطئ ويصيب، والعالم يجتهد، إن أصاب له أجران، وإن أخطئ له أجر على اجتهاده، لكن ما يؤخذ بخطئه، هذا يبه عند الرافضة الشيعة يأخذون أي شيء، وعندهم مشايخهم معصومون.
أما عند أهل السنة فلا، فلذلك لا تنقل أي فتوى من أي عالم أو حديث حتى تتحقق أن هذه الفتوى صحيحة، موافقة لله سبحانه وتعالىٰ وللرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: موافقة لحكم الله، وحكم الرسول، فلا بد على الناس أن يفهموا هذه الأمور، وإلا ليس الناس متروكون يقولون أي شيء وينقلون أي شيء، ويفعلون أي شيء.
في ملكان يكتبان منهم من يكتب الحسنات ومنهم من يكتب السيئات، والناس متروكون هكذا الآن يقولون ما يشاؤون ويفعلون ما يشاؤون ويتعبدون بما يشاؤون، والحساب يوم القيامة، وقبل ذلك في قبر، والقبر الشخص ممكن أن ينتقل إلى قبره بعد دقيقة، بعد ساعة، بعد يوم، بعد شهر، بعد سنة، وهكذا، فلا ينظر الناس هؤلاء الجهلة أن يوم القيامة بعيد، لا، إذا مات الشخص خلاص انتهى أمره وبدأت قيامته فأما في جنة وأما في نار، هذا هو القبر.
فلذلك على الناس أن يتعلموا علم الكتاب والسنة والآثار؛ لكي يعرفوا دينهم ويعرف أنه قائم على الحق في دينه، وأنه يتعبد الله سبحانه وتعالىٰ العبادة الصحيحة، وأنه إن شاء الله في قبره ناجي، ويوم القيامة يدخل الجنة ويشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم ولا فرق بين الكوثر والحوض، الكوثر كما هو عقيدة أهل السنة والجماعة في الجنة، ويصب في الحوض خارج الجنة، فالنهر الذي في الحوض هو الكوثر الذي في الجنة.
وأناس مو بعارفين شنهو الحوض وشنهو الكوثر، وهل الحوض غير والكوثر غير؟ هذه أسئلة تأتينا، الكوثر النهر واحد ما في اثنين، والكوثر في الجنة، ويصب في الحوض، فالنهر الذي في الحوض هو شنهو؟ نهر الكوثر، فعلى طلبة العلم أن يعرفوا هذا الأمر، وهذا يدل على أن الناس يشربون من هذا الحوض من أمة الإجابة، والذين تمسكوا بالدين الصحيح في هذه الدنيا وصبروا على أذى أهل الكفر في الخارج وأذى أهل البدع في الداخل، ونشروا السنة والعلم ولا يخافون في الله لومة لائم، وصبروا على هذا الدين كدح وتعب فصبروا، فالله سبحانه وتعالىٰ يجازيهم أولا بالشرب من هذا النهر العظيم نهر الكوثر الذي يصب في الحوض خارج الجنة، فيشرب منه الناس الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم.
وبين أهل السنة والجماعة، ما يشرب المبتدعة من الحوض، ولا المنافقون، بل يطردون من الحوض، والملائكة تعرفهم وتعرف أمة الإجابةـ، أمة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية، فيشربون هؤلاء، والملائكة تعرف أهل البدع، وتعرف المنافقين، فتطردهم، حتى النبي صلى الله عليه وسلم عندما تطرد الملائكة المنافقين المبتدعين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أصحابي أصحابي» فيبينون له هؤلاء ليسوا أصحابك، هؤلاء بدلوا وغيروا في الدين، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بعدا بعدا، سحقا سحقا».
فالنبي صلى الله عليه وسلم يتبرأ منهم، ولا يجعلهم يشربون، فيحرمون، وهؤلاء إذا حرموا من شرب من نهر الكوثر فلا يدخلون الجنة، ما يدخلون الجنة، وما أكثر الناس الآن من أهل البدع الذين بدلوا في الدين، وبدلوا في السنة، ووضعوا لهم عبادات، وأذكار، وصلوات، من هالجماعات الحزبية الموجودة، فهؤلاء لن يشربوا من نهر الكوثر من الحوض، فعلى الناس إذا أرادوا أن يشربوا من نهر الكوثر فعليهم بالتمسك بالكتاب والسنة حقيقة، ما في سماع فلان ولا علان ولا هذه الجماعة، ولا هذه الجمعية، ولا غير ذلك، الذين يضلون الناس.
فاسمع كلام الله سبحانه وتعالىٰ، واسمع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن رفضك الناس، والناس من الذين يرفضونك؟ هم أهل البدع، فليرفضونك هؤلاء لكن المؤمنون خاصة أهل السنة ما يرفضونك، يستقبلونك ويحبونك ويتعاونون معك، فعليك بهؤلاء، فلذلك على الناس أن يفهموا هذا الأمر، فإذن طهارة سؤر الحيوان المأكول اللحم، وقد أجمع الفقهاء على طهارة سؤر ما يؤكل لحمه مثل البقرة والشاة والبعير والدجاجة والحمامة وغير ذلك، يعني من الحيوانات المعروفة ومن الطيور.
ولعاب الحيوان متحلب من لحمه ولحمه طاهر، فيكون سؤره طاهرا، وانظر: «المغني» لابن قدامة، و«مواهب الجليل» للحطاب، و«تبيين الحقائق» للزيلعي، و«الحاشية على مختصر خليل» الخرشي، و«المحلى بالآثار» لابن حزم، و«الشرح الممتع» لشيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وغير ذلك من الكتب كتب كثيرة تكلمت عن هذا الأمر.
قال الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى في «الإجماع»: (أجمعوا على سؤر ما أكل لحمه طاهر، ويجوز شربه والوضوء به)،
فلو شربت الحيوانات من الحوض، والسؤر بقايا الماء والطعام بعد الأغنام والأبقار، ضربوا في الماء هذه الحيوانات وراحوا، تيسروا وراحوا، بقى الآن بقايا في هذا الماء، هذا الماء الآن أجمع أهل العلم على طهارته، هو طاهر فيجوز لهم أن يتوضؤوا من هذا الماء؛ لأنه طاهر.
الناس يستقذرون هذا الماء لهم، ما يريدون يتوضؤون منه بكيفهم، يستقذرونه، لكنا نقول لهم: هذا الماء طاهر، خلاص، الله سبحانه وتعالىٰ حكم بطهارة هذا الماء، فلا أحد يقول: هذا مستقذر أو هذا نجس، أو هذا كذا، النبي صلى الله عليه وسلم حكم بطهارة هذا الماء، طهارة الحيوانات التي يؤكل لحمها، وانتهى الأمر، لا خلاف ولا شيء، والصحابة رضي الله عنهم على هذا الأمر، بإجماع الصحابة، وبتأتي الآثار في الدرس القادم من كلام الصحابة رضي الله عنهم في الآسار.
هذا الآن كلام الفقهاء، والأدلة على هذا الأمر.
ثالثا: سؤر الفأر أو الفأرة أو الحية في البيوت وفي غير البيوت، سؤر الفأرة نجس، وسؤر الحية نجس، على القول الصحيح من أقوال أهل العلم المتأخرين، لماذا؟ لأن بعض أهل العلم يقولون عن سؤر الفأرة طاهر، وسؤر الحية طاهر، لكن الصحيح أنه نجس، لماذا؟ لأن الفأرة بيأتي الكلام عليها على جسدها وأنها متولدة من نجاسة، وأنها تلاقي النجاسات وتأكل النجاسات في المجاري وفي غير ذلك، فكيف يكون سؤرها طاهر.
فالفأر هذا أصله نجس، يعني: جسمه نجس، وما خرج منه نجس، يعني: وما خرج من هذه الفأرة نجس مثل اللعاب فهو نجس، فهذا الفأر يشرب من هذا الماء، وهذا الماء لا بد يلاقي منه لعابه، فلعاب هذا الفأر يمس هذا الماء ويختلط بهذا الماء، فهذا الماء لا بد بينجس، فيكون سؤر الفأر أو الفأرة نجس؛ ولأنها تشرب بلسانها، ولسانها رطب من لعابها، ولعابها يتحلب من لحمها، ولحمها حرام وهو نجس، ولأن الفأرة تمس النجاسات وتأكل النجاسات، فسؤرها على القول الراجح من أقوال المتأخرين الفقهاء أنه نجس.
وبينت لكم بالنسبة للماء الطاهر والماء النجس في الدروس التي سلفت، وكتاب الطهارة في بلوغ المرام متصل بعضه بعضا، فلا بد عليك أن تتذكر الماء النجس، والماء الطاهر لكي تربط هذه الأحكام بالأحكام التي سلفت، وبينا من قبل أن لو ولغ الكلب أو حيوان نجس مثل الفأر في الإناء ونجسه؛ بيكون الإناء المعتاد المعروف الذي يتوضأ منه الناس ويكون هو صغير، فإذا شرب منه الفأر، وحل لعابه في الماء، وهذا الإناء صغير فينجس، فهذا الماء الذي نتكلم عنه.
أما إذا كان كثيرا كما قلنا لو شرب الفأر من بركة أو من حوض مثل الآن عندنا الطشت أو أكبر، وشرب الفأر بيكون الماء شنو؟ طاهر، لماذا؟ لأن النجاسة بتكون يسيرة من لعاب الفأر، ما تضر هذا الماء، فالنجاسة أجزائها صغيرة، والماء أجزاءه كبيرة وكثيرة، فلا يضر الماء هنا من شرب الفأر، أو أي حيوان نجس، ونقول: إن هذا الماء من الطشت أو الحوض أو البركة طاهر، حتى لو رأيت الفأر يشرب منه، أنت تستقذر هذا الماء، ما تريد تتوضأ منه، ما تريد مثلا تشرب منه، يعني الماء للشرب أو مثلا، ونتكلم على عموم البلدان.
يعني: الآن عندنا في الخليج يعني الماء في خزانات محكمة وفي أنابيب وغيره، يعني: ما في آنية، البلدان الأخرى في آسيا، إفريقيا، عندهم هذه الأمور للآن، في أواني، وتترك الأواني وينامون، يأتي الفأر يشرب، يأتي ما أدري شنو يشرب، حيات موجودة في البيوت، وللآن البيوت قديمة في هذه البلدان، فلا تنظر إلى نفسك وبيتك وبلدك، نحن نتكلم كلام عام للناس، والآنية مكشوفة.
وللآن الناس يتوضؤون من الآنية في هذه البلدان ورأيناهم، ذهبنا إلى هذه البلدان ورأينا هذه الأمور موجودون، ويتوضأ الناس حتى في المساجد، المسجد ما فيه يعني هذه الأنابيب وهذه الأمور، بئر محفور في المسجد، هناك بئر، البئر هذا كله حشرات وأشياء، والبئر ماءه يتغير، ويتحرك، وكثير، فلا يضر هذه الحشرات الموجودة، فهو طاهر، فالناس يتوضؤون، وما دام طاهر فيجوز الصلاة بهذا الوضوء.
فأنت لا تنظر إلى بلدك، انظر إلى البلدان الأخرى فيها هذه الأمور إلى الآن، وفي إفريقيا السباع نجسة، تأتي تشرب من المياه في القرية، في كذا، فلا بد على الناس هؤلاء أن يتعلموا هذه الأحكام لكي يعرفون الماء النجس، والماء الطاهر، من سؤر هذه الحيوانات التي تؤكل والتي لا تؤكل.
إذن لو شربت الفأرة من البئر فماء البئر هذا يعتبر طاهرا، ولا يضره شرب هذه الفأرة؛ لأنه كثير، فالكلام على الأمور المعتادة والماء المعتاد، والإناء المعتاد الصغير الذي يتوضأ منه الناس، وكذلك الكلام على الحية -يعني سؤر الحية- مثل سؤر الفأرة، الحية نجسة؛ لأنها متولدة من نجاسة، والحية سبع وتفترس وتأكل النجاسات، يعني: تحيا وتترعرع بهذه النجاسات، تكبر، فلحمها قذر، نجس، فأجزاءها نجسة، ولذلك الكوريين والفلبينيين وما أدري شنو ذلين يأكلون هذه النجاسات.
ولذلك لا يجوز أكل لحم الفأر؛ لأنه نجس، ولا يجوز أكل لحم الحية، وما دام إن الحية نجسة وتفترس، فسؤرها نجس؛ لأن اللعاب أو الماء الذي يخرج من الحية نجس؛ لأنه متحلب منها، متولد منها، فكيف يكون سؤر الحية طاهر؟ لأن في عدد من العلماء يقولون بطهارة ذلك، ما يصير.
فلذلك سؤر الحية كذلك نجس؛ لأنها نجسة وما خرج من نجس فهو نجس، ولها لعاب ولها ماء يخرج من فمها، وهذا اللعاب وهذا الماء يخرج من جسدها، فلا بد أن تعرف هذه الأمور، وعلى طالب العلم أن يتقن هذا الأمر، فإذن يتبين لنا أن سؤر الحية نجس، فإذا شربت الحية من الإناء الصغير هذا الذي فيه الماء الموضوع، المحطوط للوضوء فيكون نجسا، فلا بد من تغييره، فسؤر الحية نجس.
وانظر: «المبسوط» للسرخسي، و«الاستذكار» لابن عبد البر، و«التمهيد» له، و«الإنصاف» للمرداوي، وغير ذلك من كتب الفقه.
رابعا: سؤر الحمار، سؤر الحمار نجس على القول الراجح وهو مذهب الحنابلة، مذهب الحنابلة أن سؤر الحمار نجس، وأما البقية الشافعية والحنفية والمالكية وغيرهم على أن سؤر الحمار طاهر، والنبي صلى الله عليه وسلم بين للأمة، نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإلقاء الطعام الذي كان يطبخ من لحم الحمر في غزوة خيبر في صحيح البخاري ومسلم، لماذا؟.
لأن لحومها نجسة، وحرم النبي صلى الله عليه وسلم أكلها، فإذن هم يقولون بأن أكل لحم الحمر الأهلية محرمة، ومع هذا يقولون بطهارة سؤر الحمار، فالصحيح قول الحنابلة، وعلى هذا إجماع الصحابة، وبيأتي الكلام بعد ذلك عن الصحابة، فسؤر الحمار نجس؛ لأن الحمار نجس في عينه، عينه نجسة، فلعابه نجس أيضا، لماذا؟ لأن لعاب الحمار يخرج من جسمه، وجسمه نجس.
وما يخرج من مياه وأجزاء بينته لكم في الدرس الذي سلف عن الحيوانات النجسة، مثل الجلالة وغير ذلك، الأجزاء المنفصلة في جسمها أو تنفصل منها وتخرج مثل الدموع من العين، الدم من الجلد، واللعاب من الفم، وإلى آخره تعتبر نجسة، مادام الحيوان نجس، وإذا كان الحيوان طاهر مثل الآن البقرة، فدموعها ولعابها ودمها وإلى آخر طاهر؛ لأنه يخرج من جسم طاهر، وهذه الأمور المياه واللعاب وغير ذلك والدم، إذا خرج من حيوان نجس فهي نجسة، فلذلك إذا شرب الحمار من هذا الإناء الصغير الذي للوضوء فسؤره نجس؛ لأن لا بد أن يلاقي هذا الماء اللعاب ويختلط به، فيختلط اللعاب بالماء والماء باللعاب، فيكون نجس.
أما إذا شرب الحمار من الأحواض الكبيرة والبرك فلا يضر لعابه؛ لأن النجاسة يسيرة، والماء كثير فلا يضر كما بينت لكم، وعند الحنفية أن سؤر الحمار مشكوك فيه، يعني: استعمال سؤر الحمار مكروها عندهم، عند الحنفية، سؤر الحمار حرام ونجس ولا يجوز الوضوء منه، فلو أصاب الماء السؤر هذا، ثوب شخص، فالثوب هذا نجس، لماذا؟ لأن سؤر الحمار نجس، فلا بد أن يغسل هذه النجاسة ثم يصلي بهذا الثوب أو يبدله.
لكن لو الحيوان المأكول سؤره، يعني هذا الماء أصاب ثوب إنسان، هذا الثوب طاهر، لماذا؟ لأن هذا السؤر طاهر، والناس في البلدان يخالطون البعران، والأغنام، والأبقار، ويخالطون الحمير، وإلى آخره، ويصبون لهم الماء، ويصيبهم الماء بعد سؤر مثلا الحمار، والماء قليل وأصاب هذا الراعي في ثوبه، فلا يجوز له أن يصلي به، وتراهم يصلون عادي، ولا يدرون هذا نجس الثوب أو طاهر، ولا يدرون بهذه الأمور، وهذه الأحكام؛ لأن أكثر الناس أعرضوا عن العلم النافع، وأقبلوا على العلم الفاسد، غير نافع، كله بدع وأحاديث ضعيفة ومنكرة وأباطيل وعبادات باطلة، ويظنون أنهم يعبدون الله.
هؤلاء هم الرهبان والعباد الذين يعبدون الله سبحانه وتعالىٰ على حرف، على طرف، وعلى جهل، هؤلاء كما بين أهل العلم ليس لهم عبادات صحيحة، ولا يعذرون بجهلهم يوم القيامة، يأتي ليس له صلاة، ليس له صيام، يصلي بالنجاسات، ثياب نجسة، ويأكل المحرمات، ويأكل اللحوم المحرمة ولا يدري، فلذلك هؤلاء محاسبون.
ولذلك بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما ثبت في «صحيح البخاري» الآن يقول: «في الدنيا عمل بلا جزاء، افعل ما تشاء لكن محاسب، وغدا -يعني يقصد يوم القيامة- حساب ولا عمل»، فالناس محاسبون، فالغافلون هؤلاء لا يظنون أنهم متروكون يفعلون ما يشاؤون، يفعلون المحرمات، المنكرات، البدع، الشرك، وما يسمونه بحريات، يفعلون ما يشاء، نحن أحرار.
لا، أنتم لستم أحرار أصلا، الملائكة تكتب وعليكم سيئاتكم، فلذلك افعلوا ما شئتم، فالله سبحانه وتعالىٰ لكم بالمرصاد في دنياكم وفي قبوركم، ويوم القيامة، وسوف تحاسبون، فلذلك على المسلم الحق أن يرفع عن نفسه الغفلة، ولا ينظر إلى كثرة هؤلاء الغافلون عن الآخرة كما بينا في الدرس الذي سلف، يعملون من أجل دنياهم، ويغفلون عن الآخرة، وما أكثرهم، فلذلك لا تكن كذلك.
فعند الحنفية مشكوك في سؤر الحمار، وأما عند المالكية والشافعية فإن سؤر الحمار طاهرا، والصحيح أنه نجس؛ لأن الحمار متولد من نجس، فلعابه نجس أيضا، ويحرم أكل الحمار، فإذن عندنا الآن سؤر الحمار نجس، ومن قال إنه طاهر؟ وأي دليل؟ فما في أي دليل، والنبي صلى الله عليه وسلم حرم أكل لحوم الحمر الأهلية؛ لأنها نجسة ومضرة، مستقذرة، وتأكل القاذورات ولا يخفى عليكم.
أما الحمار الوحشي البري فهذا طاهر، فالحمار الوحشي في البر يجوز صيده والأكل منه، فيجوز أكل حمار الوحش، لماذا؟ لأنه طاهر، والله سبحانه وتعالىٰ حرم على الناس أكل الحمار الأهلي الذي في البيوت، في القرى، في البلدان داخل، أما في البراري في الغابات وغير ذلك، هذا الحمار الوحشي فهذا طاهر، فإذا كان طاهر فأجزاءه ولحمه وإلى آخره طاهر، وسؤره يكون طاهر، فلو شرب الحمار الوحشي من إناءك فيه ماء سؤره طاهر، أنت تستقذر هذا الماء لك، لكن نقول لك: سؤر الحمار الوحشي هذا طاهر؛ لأنه طاهر ويجوز أكله.
وانظر: «الإنصاف» للمرداوي، و«المجموع» للنووي، و«الفروع» لابن مفلح، و«كشاف القناع» للبهوتي، و«المنتقى» للباجي، ومنتقى شرح الموطأ، و«البحر الرائق» لابن نجيم.
خامسا: سؤر السباع مثل الأسد، النمر، الضبع، الذئب، الفهد، الكلب، وغير ذلك من السباع، والسباع التي لها ناب، فأي حيوان له ناب فهو سبع، والسباع التي تفترس وتأكل اللحم، فسؤر سباع البهائم نجس، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، وهو الراجح.
الشافعية والمالكية يقولون: طاهر، لو شرب الأسد من هذا الإناء، النمر، الفهد، الذئب، طاهر يقولون، وبيأتي الكلام على الأحاديث التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم حرمة أكل السباع الذي له ناب، والطيور المعروفة التي تسمى الطيور الجارحة، هذه نجسة محرمة الأكل من ذي مخلب، فالسباع هذه نجسة، ومحرمة الأكل.
والقول الراجح إنها نجسة؛ لأن أعيانها نجسة، فما خرج منها فهو نجس، مثل: السؤر؛ لأن لعابها نجس، والسباع تشرب بلسانها، والذي يكون فيه رطوبة من لعابها وهو نجس، فلذلك ولم يصح عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا أو توضؤوا من الماء من سؤر السباع، ونقل أحدهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لكن الأثر ضعيف وبيأتي الكلام على الآثار في الدرس القادم، وهذا يدل على أن سؤر السباع عند الصحابة نجس، وكذلك عند العلماء المتقدمين والعلماء المتأخرين من الحنفية والحنابلة أنه نجس، وهذا القول هو القول الصحيح.
فهذه الأمور لا بد لها من دليل على طهارة أو نجاسة؛ وكذلك الضبع الآن عندنا عدد من الفقهاء وخاصة من المعاصرين يقولون عن الضبع إنه طاهر، وإنه يجوز أكل لحمه، ولذلك البدو ضرب فيه، يسلخونه في الصحراء، في الخيمة، ويشوونه على الرز وضرب فيه، وكلها أمراض فيهم، أحلوه على حديث ضعيف، ولا يصح، وبيأتي الكلام على أحاديث البغل وكذلك أحاديث الضبع، وأن الضبع نجس ولا يجوز أكله؛ لأنه من السباع.
لماذا؟
أولا: أنه يأكل اللحم.
ثانيا: أنه يفترس.
ثالثا: له ناب.
والعجيب هؤلاء العلماء الذين أحلوا أكله يقولون: وإن كان له ناب، لكنه مستثنى، مستثنى من حديث ضعيف، وهذه المشكلة، والبدو الآن ما يفهمون شيء، ولا يفقهون شيء، صايدين في الضبع هذا، تقصب فيهم وأكل، وكله أمراض في أمراض بتصيدهم؛ بسبب الجهل، الجهل هلاك كما بين ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الواقعين، ولذلك هؤلاء يقولون لنا الآن لا بد نستخدم الوسائل وكذا، فأنت استخدم الوسائل، وانظر في الفيديوهات أن الضبع هذا له ناب بالرؤية، ويفترس ويأكل اللحم ويأكل النجاسات، والجيف، شيء بين، وتحكم بعد ذلك.
يعني: حتى الرؤية ما يقولون لهذا الطالب أو هذا المسلم أو كذا، أعطنا بنشوف هذا الضبع شنو يسوي، حتى هذه ما ينظرون، لا يبحثون، ولا ينظرون يشاهدون، يستخدموا هذه الوسائل في الفتوى والأحكام، ومع هذا ولا ينظرون ولا يبحثون، حتى المشاهدة شيء يسير، فإذا رأوا الافتراس وأكل اللحم والجيف وله ناب بيحرمون، بيعرفون أنه حرام، حتى هذه المشاهدة الضبع وهو يفترس وغير ما ينظرون، استخدموا هذه الوسائل، وإلا يستخدموا الوسائل شيء ويتركون شيء.
فهذه من نعم الله سبحانه وتعالىٰ على الناس، وعلى أهل العلم خاصة، أن ينظرون بعض الأشياء؛ لأن العلماء الأقدمين ما عندهم هذه المشاهدات، وهذه التليفزيونات، وما أدري شنو، والتليفونات الآن، يحكمون على ما سمعوا، ما أفتى به أهل العلم، لكن لم يشاهدوا الضبع، ولا كذا ولا كذا، فأنتم الآن عندك هذا الأمر، فلذلك هذا الضبع لا يجوز أكله وهو نجس، وهو من السباع، وله ناب، وهو أخس الحيوانات في الافتراس.
يحرمون أكل الأسد والنمر والذئب وإلى آخره، ويحلون الضبع؛ لأن يقولون إن هذا له ناب، وهذا يفترس وهذا كذا، وهو أخس الحيوانات في الافتراس، يأكل الفريسة وهي حية، أما الباقي لا، لا بد يقتلونها ثم يأكلونها، كالأسد وغيره، ويأكل الجيف منتهية، فهذا بالضبط تولد من نجاسة، فجسمه نجس، أجزاءه نجسة، لحمه نجس يا الأعراب، فعليكم أن تكفوا عن أكل الضبع وذبح الضبع، والله بتصيبكم أمراض وآثام لكم.
تأكلون المحرمات صرتوا كوريين، هؤلاء يجاهرون بالمعصية في الفيديوهات هذه الآن، هؤلاء يجاهرون بالمعصية ولا يستحون بسبب جهلهم، يعني: هؤلاء يأكلون اللحم المحرم أمام الناس، ولا يستحون، فيقعون في هذه الأمور، فتكبر الآثام عليهم أمام الناس.
نحن نعرف اللي يفعلون المحرمات يستخفون ويتسترون، هؤلاء أمام الناس فتزداد عليهم الآثام وهم لا يشعرون، فينتبه الناس من هذا الأمر، وهذا الفيديو كله فضائح لأهل البدع وأهل المعاصي كما بينت لكم في الدرس الذي سلف، فلذلك السباع هذه محرمة الأكل، وسؤرها نجس، جسمها نجس.
والعلماء متفقون على أن الماء الكثير إذا وقعت فيه النجاسة ولم تغيره فإنه طهور؛ لأن بينت لكم لا بد تتغير أوصاف الماء من لونه وطعمه وريحه، تتغير رائحة الماء تصير نتنة، كريهة، فبعد ذلك يصير نجس، أما إذا لم يتغير بهذه الأوصاف سواء كثيرا أو قليلا، فيكون طاهر، ولأن الأصل في الماء أنه طهور، ونقل الإجماع على أن الماء الكثير إذا وقعت فيه النجاسة ولم تغيره فإنه طاهر، لكن إذا تغير النجاسة حتى الماء الكثير فيعتبر نجسا، مثل المستنقعات هذه الصغيرة، فيها القاذورات، النجاسات السباع من البول والغائط، تتغير لونه، ريحه.
حتى لو الماء كثير، البركة كثيرة تتغير من أوصافها، رائحة كريهة، اللون، بسبب مثلا السباع تأتي تبول، تأتي تشرب، تتغوط، وغير ذلك، فهذه البركة نجسة، ما يجوز أن يتوضأ منها أو يغتسل منها الإنسان، ولو صاب الماء من هذه البركة الثوب، فهذا الثوب نجس ما يجوز الصلاة فيه.
والإجماع على أن الماء الكثير إذا وقعت فيه النجاسة ولم تغيره فإنه طهور، فنقل الإجماع ابن حزم في «مراتب الإجماع»، وكذلك نقل الإجماع الطبري في «تهذيب الآثار»، والشوكاني في «نيل الأوتار»، وابن قدامة في «المغني».
قال الحطاب في مواهب الجليل: الماء الكثير إذا خالطه شيء نجس ولم يتغير فإنه باق على طهوريته، فهو طاهر.
وكذلك ذكر الخرشي في «حاشيته على مختصر خليل» هذا الإجماع، وانظر: «طرح التثريب للعراقي».
وقال ابن رشد المالكي في «بداية المجتهد»: واتفقوا على أن الماء الكثير المستبحر لا تضره النجاسة التي لم تغير إحدى أوصافه وأنه طاهر.
وانظر: «الشرح الكبير» للدردير، و«تهذيب السنن» لابن القيم، و«فتح الباري» لابن حجر.
وانظر في سؤر السباع وطهارة الماء الكثير أو القليل، والنجاسة وغير ذلك: «المبسوط» للسرخسي، و«بدائع الصنائع» للكاساني، و«المنتقى» للباجي، و«أحكام القرآن» لابن العربي، و«عارضة الأحوذي» له، و«الحاشية على الشرح الكبير» للدسوقي، و«المجموع» للنووي، و«الإنصاف» للمرداوي، و«تهذيب الآثار» للطبري، و«نقد مراتب الإجماع» لشيخ الإسلام ابن تيمية.
واتفقوا -يعني الفقهاء- على أن الماء إذا تغير بالنجاسة فإنه ينجس مطلقا كثيرا أو قليلا، فالعلماء بينوا هذه الأمور للناس، فعلى الناس أن يتفقهوا في دينهم، فكل شيء مذكور في كتب الفقهاء، وكتب أهل الحديث، فعلى الناس أن يقرأوا ويتعلموا ويتفقهوا ويتعبدون الله على علم وفقه، فبعد ذلك بينجون، وإلا على الجهل فالجهلاء هالكون في الدنيا، وفي قبورهم، ويوم القيامة، ولا يعذرون بجهلهم، ولا يعذرون بغفلتهم هذه في هذه الدنيا.
إذن عندنا اتفق العلماء، إذا تغير الماء بالنجاسة يكون نجس، نقل هذا الإجماع الطحاوي في «شرح معاني الآثار»، والعيني في «البناية على الهداية»، وابن نجيم في «البحر الرائق».
قال ابن العربي في «عارضة الأحوذي»: فإن تغير الماء لم يطهر إجماعا، تغير بهذه الأوصاف الثلاثة، الطعم، الريح، اللون.
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية في «مختصر الفتاوى المصرية» بقوله: إذا وقع في الماء نجاسة فغيرته؛ تنجس اتفاقا، وانظر: «الأوسط» لابن المنذر، و«الإجماع» له، و«الحاوي الكبير» للماوردي، و«الأم» للشافعي.
وقال ابن حبان في «صحيحه»: الإجماع على أن الماء قليلا كان أو كثيرا، فغير طعمه أو لونه أو ريحه نجس أو نجاسة وقعت فيها، أن ذلك الماء نجس.
وانظر: «بداية المجتهد» لابن رشد، و«المدونة الكبرى» للإمام مالك، و«التمهيد» لابن عبد البر المالكي، و«الاستذكار» له، وانظر: «بدائع الفوائد» لابن القيم، و«الفتاوى» لابن تيمية، و«المبدع» لأبي إسحاق بن مفلح الحفيد، أما الجد صاحب الفروع ابن مفلح صاحب «الآداب الشرعية»، هذا الحفيد هذا صاحب كتاب «المبدع على المقنع»، وانظر: «القواعد الفقهية» لابن جزي.
نأخذ سؤر الطيور الجارحة الدرس القادم، ونشوفكم خلاص صفحتين، وننتهي من الآسار كلها، بقي عندنا سؤر الطيور الجارحة، سؤر الخنزير، ويكون أتينا على كل الآسار في العالم كله، وعلى حسب هذا تعرف سؤر هذا الحيوان نجس أو سؤر هذا الحيوان طاهر، كل الآسار أتينا عليها، والله نواصل نخلصها، نواصل.
سادسا: سؤر الطيور الجارحة، وهي التي تفترس وتأكل اللحم ولها مخلب، فسؤر الطيور الجارحة نجس، مثل الصقر، الشاهين، النسر، الشرياص، الشرياص هذا نجس وأكله حرام، والشاهين؛ لأنها تفترس، ولها مخلب، فهذه الطيور الآن الجارحة سؤرها نجس؛ لأنها متولدة من نجاسة، وهي نجسة في عينها، فالماء الذي يخرج من فمها نجس، وسؤر الطيور الجارحة، ونجاسة سؤرها هو مذهب الحنابلة، وهو الراجح.
وأما بقية العلماء يقولون: بطهارة سؤر الطيور الجارحة، لكن هذا الصحيح، لكن الآن لا يخفى عليكم شرب الطيور هذه قليل، يعني: السؤر والماء قليل جدا، فإذا كان يعني الإناء صغير جدا بيتنجس، أما إذا كان متوسطا وأتى شاهين أو أي طير وشرب من هذا الإناء، فلا يضر لماذا النجاسة بتكون يسيرة، والماء يسير، وخاصة إذا شرب الطير الجارح هذا من حوض كبير فلا يضر، فلذلك لا بد النظر إلى هذا الماء.
إذا قلنا قليل جدا بينجس من هذه الطيور الجارحة، أو من هذا الطير، وانظر: «كشاف القناع» للبهوتي، و«الإنصاف» للمرداوي.
سابعا: سؤر الخنزير، فذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، وقول في مذهب المالكية إلى أنه نجس، سؤر الخنزير نجس، وذهب المالكية في قول لهم أن سؤر الخنزير طاهر، والقول ليس بصحيح، والراجح: قول الجمهور وهو نجاسة سؤر الخنزير؛ لأن النجاسة عينية في جسمه، فالخنزير نجس، جسمه نجس، لحمه نجس، كذلك أجزاءه، الكبد، القلب، العظم، الشحم، كله نجس، فاللعاب هذا يتولد من الجسم، والجسم هذا ماذا؟ الجسم هذا نجس، فأي شيء كما بينت لكم يخرج من الحيوان النجس، فلا بد أن يكون نجس.
دموع الخنزير نجسة، مخاط الخنزير نجس، الماء الذي يخرج من أذن الخنزير نجس، الماء من دبره، من فرجه نجس، الدم الذي يخرج من الخنزير نجس، كذلك لعاب الخنزير نجس، فإذا شرب الخنزير من الإناء الصغير هذا الذي يتوضأ منه بينجس لا بد، فاعرف هذه الأمور جيدا.
ولأنه لا بد أن يظهر أثر اللعاب في الماء، سواء رأينه أم لا، ما دام اللعاب هذا خالط الماء فلا بد أن ينتشر هذا اللعاب في الماء؛ لأن الماء لطيف وخفيف، فيختلط فيه أي شيء، وأي لون، لو وضعت لون أحمر انقلب الماء أحمر، أو أزرق وهكذا، وكذلك اللعاب يختلط رآه الناس أو لا.
أما إذا في الحوض الكبير البرك وما شابه ذلك لو شرب الخنزير أو الخنازير من هذا الماء، البركة ما بيضر؛ لأن النجاسة بتكون قليلة، والماء كثير فلا ينجس، الناس يستقذرون هذا الأمر لهم، لكنا نقول لهم: الماء هذا للبركة طاهر، فلذلك اعرف هذا الأمر، فلا بد أن يختلط اللعاب داخل الماء، هذا آخر النجاسات، نجاسة الخنزير.
وانظر: «بدائع الصنائع» للكاساني، و«مغني المحتاج» للشربيني، و«الوسيط» للغزالي، و«الكافي» لابن قدامة، و«التمهيد» لابن عبد البر، و«المهذب» للشيرازي، و«أحكام القرآن» لابن العربي، و«الأم» للشافعي، و«البناية على الهداية» للعيني، و«رد المحتار» لابن عابدين، و«روضة الطالبين» للنووي، و«الشرح الكبير» للدردير، و«الشرح الممتع» لشيخنا الشيح محمد بن صالح العثيمين.
فهذه آخر الآسار.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.