القائمة الرئيسة
الرئيسية / الشرح الكبير على بلوغ المرام / الجزء (32) الشرح الكبير على بلوغ المرام: تخريج حديث أبي قتادة في سؤر الهرة "إنها من الطوافين عليكم"

2025-01-04

صورة 1
الجزء (32) الشرح الكبير على بلوغ المرام: تخريج حديث أبي قتادة في سؤر الهرة "إنها من الطوافين عليكم"

المتن:

وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الهرة: «إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم».

 أخرجه الأربعة، وصححه الترمذي. وابن خزيمة.

الشرح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وتكلمنا في الدروس التي سلفت عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ولوغ الكلب، وبينا ذلك جملة وتفصيلا مع الأحكام، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى حديث أبي قتادة في سؤر الهرة، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الهرة: «إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم». أخرجه الأربعة، وصححه الترمذي. وابن خزيمة.

فهذا الحديث يذكر ابن حجر رحمه الله تعالى أنه أخرجه الأربعة وهم: أبو داود في «سننه»، والترمذي في «سننه»، والنسائي في «سننه»، وابن ماجة في «سننه»، وهذا الحديث تخريجه طويل، وعليه اختلاف وأمور سوف نذكرها، ولعل نخرج الحديث ونتكلم عليه باختصار.

وأصل الحديث هذا من حديث كبشة بنت كعب ابن مالك وكانت زوجة ابن أبي قتادة الأنصاري، وابنه هو عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري، والرواية التي ذكرها الحافظ ابن حجر مختصرة، ولعل يأتي الكلام عليها، يعني: القصة هذه في الأحكام، والأصل في هذا الحديث من رواية مالك بن أنس في «الموطأ»، والإمام مالك رواه في «الموطأ» من رواية يحيى بن أبي يحيى الليثي، وهذه الرواية هي الأصل عند العلماء وابن عبد البر شرح هذه الرواية، يعني: رواية الإمام مالك برواية يحيى بن أبي يحيى الليثي، وكذلك أخرج الإمام مالك هذا الحديث من رواية القعنبي الموطأ، ورواية الحدثاني للموطأ، ورواية ابن قاسم للموطأ، ومحمد بن الحسن في الموطأ، هذه كلها الموطآت للإمام مالك بهذه الروايات.

وبينت لكم الحديث هذا الأصل فيه من رواية كبشة، وبيأتي الكلام على ذلك، هي بنت كعب ابن مالك، كعب بن مالك كذلك الصحابي المعروف كعب بن مالك صاحب التوبة مع صاحبيه، فكبشة هذه بنت كعب، وعلى الصحيح أنها صحابية، وهذا الحديث من رواية فقط مالك بن أنس الحديث صحيح، ما في غيره، الروايات الأخرى والطرق الأخرى كلها ضعيفة بيأتي الكلام عليها.

وهذا الحديث حديث كبشة بنت كعب بن مالك أخرجه مالك في «الموطأ»، وأبو داود في «سننه»، والترمذي في «سننه»، والنسائي في «السنن الكبرى»، و«السنن الصغرى»، وابن ماجة في «سننه»، وأحمد في «المسند»، والدارمي في «المسند»، وأبو أحمد الحاكم الكبير في «عوالي مالك»، وأبو عبيد في «الطهور»، والطحاوي في «شرح معاني الآثار»، وابن الجارود في «المنتقى»، والشافعي في «الأم»، وفي «المسند»، وابن سعد في «الطبقات الكبرى»، وابن دقيق العيد في «الإمام»، كتاب اسمه الإمام هكذا، والبيهقي في «الخلافيات»، وفي «السنن الكبرى»، وفي «معرفة السنن»، والطوسي في «مختصر الأحكام»، والجوهري في «مسند الموطأ»، كلهم من طريق مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك به بهذا الحديث.

فأنت ترى أن الراوي هذا الحديث ليس أبو قتادة ابتداء، كبشة بنت كعب بن مالك، وأبو قتادة بعد ذلك رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بيأتي الكلام عليه بالتفصيل في ذكر الأحكام، فهذا الحديث الآن عن مالك عن إسحاق بن عبد الله عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة، فهذا الحديث أخرجه مالك بن أنس في «الموطآت»، وعنه أهل السنن، وهم: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد في «السنن»، وغيرهم كما رأيتم من طريق إسحاق بن عبد الله عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب به.

فهذا الطريق هو الطريق الصحيح المحفوظ في هذا الحديث، غيره لا يصح، وهناك في متابعة لمالك بن أنس، وتابع مالكا عليه حسين المعلم وهمام بن يحيى، فالرواية رواية الإمام مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وحسين المعلم ثقة، وهمام كذلك، تابعا مالك على هذا الحديث، وهي متابعة تامة وقوية في حفظ رواية الإمام مالك، وأن طريق مالك هو المحفوظ الصحيح، ومن خالف الإمام مالك فالإسناد غلط أو شاذ.

ورواية حسين المعلم وهمام بن يحيى أخرجها عنهما البيهقي في «السنن الكبرى»، وأخرجه عن حسين المعلم أبو يعلى في «مسنده»، وهذا الطريق ذكره ابن حجر في «التلخيص الحبير»، وفي «النكت الظراف على تحفة الأشراف»، وتابعهما أيضا -يعني: حسين وهمام- يونس بن عبيد وإبراهيم بن أبي يحيى كما ذكره الدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» الذي يسمى العلل، فهذا الآن الطريق المحفوظ في هذا الحديث وهؤلاء كلهم ثقات، وفي كلام بيأتي الآن الرد عليهم -يعني من تكلم على هذا الإسناد- فهذا الطريق هو الطريق المحفوظ، وفي يعني متابعات للإمام مالك وهذا الطريق صححه الأئمة والحفاظ.

قال الترمذي: سألت محمدا -يعني البخاري- يعني عن هذا الحديث، فقال: جود مالك بن أنس هذا الحديث، وروايته أصح من رواية غيره، يعني: يشير إلى أن هناك طرق أخرى غير رواية الإمام مالك، فأنت أيها طالب العلم إذا قرأت في الكتب، لعلك تقرأ في كتاب، في كتابين، مثل كلام الترمذي، وأنت وقعت على طريق واحد، فاعلم أن هناك طرق أخرى، فابحث ولا تقلد، راكنين إلى الجمود المتحزبة والمتعالمة والمتمذهبة، الجمود في الدين.

ويقولون: الذي عندنا هو الدين، وهو ليس من الدين، أصابوا في قليل وأخطئوا في كثير ولا بد، مادام هؤلاء يقلدون، وأهل الحديث أصابوا كثيرا وأخطئوا قليلا، والخطأ لا بد منه، ما في أحد يفلت، فاعلم ذلك، لماذا؟ لأن أهل الحديث يتبعون النبي صلى الله عليه وسلم، ويبحثون ويقرأون وينظرون، لكن المقلد يمكن ما يشوف، فلذلك اعرف هذه الأمور.

فما دام الإمام البخاري قال: وروايته أصح من رواية غيره، فاعلم أن هناك طرق أخرى لا بد من البحث عنها إلى أن تجدها؛ لكي تعرف أن الحديث قد اختلف عليه، فجود الإمام مالك يقول هذا الحديث، لماذا؟ لأن الإمام مالك أحفظ الناس لحديث أهل المدينة، فلما رواه الإمام مالك صح عند الإمام البخاري؛ لأن الإمام مالك حافظ وإمام وثقة وروى الحديث هذا من رواية المدنيين، هذا الحديث كلهم مدنيون، فهو أعلم؛ لأنه سكن المدينة ويعرف بالرواة ويعلم بالروايات.

فلذلك قال: جود مالك بن أنس هذا الحديث، يعني: صح؛ لأنه أعلم من غيره، فالذين رووه بروايات أخرى من غير رواية إسحاق عن حميدة عن كبشة كلهم أخطئوا؛ لأن الإمام مالك أحفظهم، وانظر بعد كذلك إلى متابعات الرواة الآخرين له، وهم كلهم ثقات، فروايته أصح من رواية غيره، يعني: لم يأتي به أحد أتم من مالك، لماذا؟ لأن هناك بعض الحفاظ ضعفوا الحديث بالاختلاف، وذكروا الاختلاف كله، ودمجوا، ضموا رواية الإمام مالك في الخلاف، فقالوا: هذا الحديث مضطرب وفيه اختلاف وفيه مجاهيل.

لكن المحفوظ من رواية مالك بيأتي تبيين أكثر، وقال الدارقطني: إسناد حسن، ورواته ثقات معروفون، وقال الدارقطني في «العلل»: فرواه مالك بن أنس عن إسحاق، فحفظ إسناده، فيبين الحافظ الدارقطني أن لما روى الإمام مالك هذا الحديث وهو مدني، الحديث مدني، والإمام مالك مدني، فحفظ هذا الحديث له، وصح من رواية الإمام مالك، والبقية كلها ضعيفة، وهذا لا بد ينتبه طالب العلم للترجيح في الرواة إذا اختلفوا، وفي الاختلاف؛ لأن في أناس يخرجون هذا الحديث ممكن ليس على التوسعة في ذكر الطرق، وينظر أن هذا الاختلاف يضر، ولا يستطيع يرجح فيضرب على الحديث.

لكن لا، لا بد من تتبع الطرق وكلام أهل العلم حتى يتبين هل في ترجيح أو لا، نستطيع أن نرجح؟ نعم، هناك قرائن، بيأتي لماذا رجحنا نحن؟ رواية الإمام مالك، وأهل العلم الحفاظ من قبل، فالدارقطني يبين أن رواية الإمام مالك محفوظة، فرفعه صحيح؛ لأن روي هذا موقوفا ومرسلا، والصحيح رفعه.

وقال البيهقي في «معرفة السنن»: إسناده صحيح والاعتماد عليه.

وقال ابن الملقن في «البدر المنير»: هذا الحديث صحيح مشهور رواه الأئمة الأعلام حفاظ الإسلام.

فلا بد النظر إلى الحفاظ والأئمة إذا رووا الحديث، فلا يضرب عليه هكذا، وهذا الأمر يبين أمر كذلك آخر أن هذا الحديث، أو هذه الأحاديث أو السنة ما تؤخذ إلا على الأئمة، حفاظ الإسلام، فإذا أخذ الناس من أهل الحديث هؤلاء الأئمة ثبتوا على الصواب، وكان صوابهم كثيرا، وخطأهم قليل.

لكن إذا أخذوا من هنا وهناك من المقلدة ومن كذا ومن المتعالمة ومن هؤلاء الخطباء ضلوا؛ ولذلك هذا الحديث يبينه أهل العلم أنه صحيح، وقال العقيلي في «الضعفاء الكبير»: إسناد ثابت صحيح، وهؤلاء كلهم الآن يوثقون الرواة؛ لأن عندنا حميدة، قال بعض الذين يخرجون هذا الحديث: إنها مجهولة، وتبين أنها موثقة، وهي في المرتبة الصدق، فهي صدوقة، وكذلك كبشة، يعني: بعض أهل العلم قالوا: مجهولة، وهي صحابية على الصحيح.

ولو قلنا: تابعية فهي صدوقة، لماذا؟ لكلام أهل العلم هذا، يعني: الآن الحافظ الدارقطني يقول: ورواته ثقات معروفون، يعني حميدة عنده ثقة، وكبشة، فإن قلنا مثلا تابعية فهي كذلك ثقة، وإسحاق من الأصل إسحاق بن عبد الله هذا ثقة، والإمام مالك حافظ معروف، وكذلك البيهقي إسناده صحيح، يعني: كلهم ثقات.

ابن الملقن يوثق الرواة، كذلك العقيلي شديد في هذه المسألة خاصة مسألة المجاهيل لو في شيء من الجهالة أو الغلط أو الشذوذ يبينه في كتابه الضعفاء الكبير، وهو للعلل والجرح والتعديل، فبين إسناد ثابت صحيح، يعني: الرواة كلهم ثقة، وقال النووي في «المجموع»: هذا حديث صحيح، وقال البغوي في «شرح السنة»: هذا حديث حسن صحيح.

فهذا كلام أهل العلم الآن في الإسناد يصححون الإسناد الإمام البخاري وغيره، وعندنا حميدة روى عنها مع إسحاق في نفس الحديث ابنه يحيى وهو الثقة، وثقه ابن معين وغيره، هذه حميدة، ويعني الصحيح في مرتبتها أنها صدوقة، وحميدة قد زالت جهالتها برواية زوجها إسحاق، وابنه يحيى عنها.

يعني: الآن الراوي إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة، الآن زوجها إسحاق راوي الحديث، يروي عن حميدة، فهذه من القرائن الآن أنها غير مجهولة ولا مستورة، ارتفعت الجهالة عنها برواية زوجها، وكذلك ابنها، الأب يروي عنها عن الزوجة، والابن كذلك وهذا يدل على أن القرون الفاضلة فيها نساء حافظات لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والسنة، يعني: يروي عنهن الحفاظ، فلذلك قل الآن من النسوة من تحدث في سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة.

أكثر شيء اللي يتكلمون الآن يسوون لكم سندويتشات كلش كلش في التواصل المرئي، ويطبخون، فلذلك هؤلاء ما عرفوا السنة ولن يعرفوا السنة، ما يعرفون إلا ما سمعتم، الآن عندنا الآن زوجها ثقة، وابنها ثقة رووا عن حميدة، وإخراج الإمام مالك حديثها في «الموطأ»، وهو الحكم في أهل المدينة وفي حديثهم، هذه يقوي أمرها، أنها غير مجهولة؛ لأن الإمام مالك أعلم الناس بالرواة برواة أهل المدينة.

وعندنا كبشة هي زوج عبد الله بن أبي قتادة، أبو قتادة الصحابي، عبد الله بن أبي قتادة، وكبشة يعني ذهب الحافظ ابن الحبان في «الثقات» إنها صحابية وكذلك ابن الأثير في «أسد الغابة»، وكذلك ابن حجر في «تقريب التهذيب»، أنها صحابية، وكبشة هذه رضي الله عنها وهي خالة حميدة؛ لأن حميدة تروي عن كبشة، وكبشة هذه خالة حميدة، وهذه من القرائن، نعرف أن حميدة هذه ليست مجهولة.

القرينة الأخير هذه أن الحديث رواية الأقارب، القرابات، إذا رووا القرابات، هذه قرينة قوية، ومعهم من؟ كبشة صحابية، ومعهم أبو قتادة في الحديث، وهم كلهم قرابة، إسحاق زوج حميدة، وحميدة خالتها كبشة، فهذه كذلك من القرائن اللي ترفع الجهالات عن بعض الرواة، القرابات، يعني: يعرفون بعض كما يقال، فيعرفون بعضهم بعضا، فلم يخرج الحديث عنهم إلى آخرين، فيدل على أنه معروف ومحفوظ في المدينة، هذه من القرائن، القرائن القرابات، يروي بعضهم عن بعض، وهم ثقات.

ويقال مثلا رجل أن هذا مجهول، نقول لهم: لا، هذه رفعت الجهالة وزالت عن هذا الراوي الجهالة، بماذا؟ بما بينا، الإمام مالك، رواية الإمام مالك لأهل المدينة، القرابات، كبشة تروي عن أبي قتادة هذه القصة، بيأتي الكلام عليها، فكبشة هذه خالة حميدة، يعني أقارب يروون هذا الحديث، فأكيد عرفوه.

وبين هذا الحافظ بن حبان في «الثقات»، وأن لها صحبة، فإذن فرواية مالك بن أنس أجود وأصح كما قال الإمام البخاري والإمام الترمذي والإمام الدارقطني وجماعة، وحميدة بنت عبيد هي امرأة إسحاق، ووالدة ولده يحيى بن إسحاق كما بينت لكم، روى عنها زوجها وولدها، حميدة هذه تكنى بأم يحيى، فلذلك هذه أم يحيى، تكنى بأم يحيى كما قال أبو حاتم وأبو زرعة، وكذلك الدارقطني.

وانظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد، و«علل الحديث» لابن أبي حاتم، و«الثقات» لابن حبان، و«تهذيب الكمال» للمزي، و«العلل الواردة في الأحاديث» للدارقطني، فإذن عندنا كبشة بنت كعب هي خالة حميدة، وهي ابنة الصحابي الجليل كعب بن مالك، وقد صحح الحديث كما بينت لكم حديث الباب هذا، حديث حميدة بنت عبيد ابن رفاعة، الذي صححه الحديث البخاري والترمذي والعقيلي وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم والجماعة.

وانظر: «السنن» للترمذي، و«الأوسط» لابن المنذر، و«المستدرك» للحاكم، و«معرفة السنن» للبيهقي، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي، و«العلل» للدارقطني، و«الصحيح» لابن حبان، و«الصحيح» لابن خزيمة، فهذا الأمر تصحيح هؤلاء الحفاظ للأئمة يقوي رواية الإمام مالك بلا شك مع القرائن، ونجمل القرائن على صحة رواية الإمام مالك باللفظ الذي ذكر.

أولا: استقامة المتن، ما ترى في المتن أي شيء مع القصة، والأصل في هذا ذكر الهرة وسؤر الهرة، أن الحديث يرويه أهل بيت واحد، وهذا من القرائن، كلهم أهل: إسحاق، حميدة، وكبشة، وأبو قتادة، كلهم أقارب يروون هذا الحديث، هذه من القرائن أن الحديث محفوظ، ما ذهب هنا وهناك كلهم أقارب.

وكذلك القرابة هذه في دار واحدة، كلهم رووا هذا الحديث، فلذلك هو المحفوظ، كذلك إنهم من أهل المدينة، وأهل المدينة أحفظ من غيرهم، ومن أعله بجهالة حميدة لم يصب، بالجهالة لم يصب أيضا، فمالك أعلم الناس بأهل المدينة، وجاء في مسائل ابن هانئ عن الإمام أحمد ما روى مالك.

يقول الإمام أحمد: ما روى مالك عن أحد إلا وهو ثقة، كل ما روى عنه مالك فهو ثقة، هذا في الغالب عاد، لكن الآن الكلام على هذا الحديث وأنه أعلم في أحاديث أهل المدينة وأن هذا الحديث مدني، وكلام الإمام أحمد ذكره ابن رجب، وزاد الإمام ابن رجب في «شرح علل الصغير» للترمذي بقوله: ولاسيما مدني، يعني: يبين لك خاصة إذا كان الحديث مدني، فالإمام مالك أحفظ، وذكر السيوطي في إسعاف المبطئ عن ابن الأعرابي.

يقول: كان يحيى بن معين يوثق الرجل لرواية مالك عنه، فإذا روى الإمام مالك عن رجل فيوثقه بناء على أن الإمام مالك روى عنه، وأخرج ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير بإسناد صحيح عن سفيان بن عيينة، قال: من نحن عند مالك؟ إنما كنا نتبع آثار مالك وننظر إلى الشيخ إن كان مالك كتب عنه وإلا تركناه، وهذا يدل على دائما في كل زمان خاصة في هذا الزمان يجب على كل مسلم يأخذ من كبار العلماء في زمانه، ولا يذهب هنا وهناك للجهلة، ويأخذ عنهم.

فدائما وأبدا إذا أراد المسلم النجاة في الدنيا وفي الآخرة وإلا إذا تلقط من هنا وهناك هذه الأحكام في الأصول والفروع فلا بد أن يزل ويضل، فلذلك كان السلف كيف نجوا؟ أنهم يتتبعون آثار كبار العلماء والأئمة، ويأخذون عنهم، وكم تكلمنا الآن من سبعة وعشرين سنة، ونتكلم عن هذه الأمور، والناس يسمعون، وبعد في أناس تزل وتذهب إلى الجهلة، وتأخذ من الجاهليين، فضلوا ضلالا بعيدا.

فلذلك اعرف من تأخذ، فهكذا كان السلف، وهذه الرواية رواية الإمام مالك عن إسحاق عن حميدة عن كبشة هي الأصل، وخالفه سفيان، يعني: خالف يونس وإبراهيم وحسين المعلم وغيرهم، وخالفه سفيان وكذلك خالف الإمام مالك عن إسحاق بن أبي عبد الله بن أبي طلحة، فتارة يقول سفيان بن عيينة عن إسحاق بن عبد الله عن امرأة عن أمها، وكانت عند أبي قتادة عن أبي قتادة، وهذه الرواية أخرجها عبد الرزاق في المصنف، صار الآن الإسناد فيه جهالة؛ لأن إسحاق في رواية الإمام مالك ذكر حميدة وهي معروفة، وذكر كبشة وهي معروفة.

أما سفيان بن عيينة خالف، قال: عن إسحاق عن امرأة، هذه المرأة مجهولة عن أمها مجهولة، الآن المرأة هذه في رواية الإمام مالك حميدة بنت عبيد، وعن خالتها كبشة، هنا عن أمها تغير الإسناد، وهذا يدل على أن سفيان بن عيينة لم يحفظ الحديث، وبعض المخرجين أتى بهذه الروايات وبعضها بعد، وخلط في المسألة وخبط ولا يعرف كيف يرجح، وضرب على كل الأسانيد على أنها خلاف.

لكن لو نظر إلى كلام أهل العلم وجمع كلام أهل العلم الذي نقلناه، ورأى المتابعين للإمام مالك، ونظر إلى القرائن، ما نظر إلى القرائن هذا، ما يعرف، وحتى الذين صححوا الحديث في الجملة أصابوا لكن ما ردوا على هذه الشبهة، التي وردت من قبل بعض أهل العلم ومن قبل بعض المخرجين في هذا العصر، فلذلك هذا يدل على أن رواية الإمام مالك أقوى وأصح، ورجحها الإمام البخاري وبقية الأئمة، رغم أن الإمام البخاري ذكر هذه الطرق، الدارقطني في العلل ذكر هذه الطرق، وغيرهم، وبينوا.

فهذه الرواية نذكرها لكم للفائدة، وإلا ما ترون هذه الرواية شيئا، الآن فهذه الرواية عن سفيان بن عيينة، فجعل الرواية هنا عن امرأة عن أمها، ولم يصب، وتارة يقول: سفيان بن عيينة عن إسحاق عن امرأة: أظنها امرأة عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة، هذا الإسناد كذلك مجهول، ويتبين أن سفيان بن عيينة لم يضبط الحديث.

الرواية الأخرى هذه رواية سفيان بن عيينة أخرجها الحميدي في المسند وأبو عبيد في الطهور، وهنا يشك ابن عيينة؛ لأنه قال عن إسحاق عن امرأة أظنها، على الشك، امرأة عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة، وما دام غير ضابط الإسناد نضرب عليه، فالإسناد ليس بصحيح، هذا الآن أمر.

الأمر الأول: أن في الأسانيد غلط، هذه الأسانيد غلط، هذا الأمر الأول.

والأمر الثاني: أن ابن عيينة شك في الراوية للحديث.

والمسألة هذه يقع عند الرواة الثقات الخطأ في القرابات في الأسانيد، والخطأ في القرابات المستورين أكثر من غيرهم، ولذلك القرابة خاصة في النساء يقع فيهن الجهالة، خاصة في التابعيات، أن هذه المرأة مجهولة، ويعني: بين أهل العلم، لماذا يصير الجهالة في أكثر النساء؟ لأن جالسن في البيوت، ما يعرفن، أما الرجال لا، يخرجون هنا وهناك ويرتحلون، ويجلسون مع هذا، ومع هذا الشيخ، ومع هذا كذا، فيعرفون، هؤلاء ما يعرفون.

ورواه هشام بن عروة واختلف عليه، فرواه ابن جريج عنه -يعني: عن هشام- عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الراوي عن حميدة، عن امرأته عن أمها عن أبي قتادة، وكبشة ليست الأم، كبشة الخالة، خالة حميدة لكن هنا الآن عن امرأته، إسحاق يروي عن امرأته عن أمها، غلط، ما في شيء أمها، وهذه الرواية أخرجها عبد الرزاق في المصنف، وصححه الدارقطني في الأفراد، هكذا يقال الأفراد، ليس الإفراد، الأفراد بفتح الهمزة، من حديث هشام بن عروة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، واستغربه من حديث ابن جريج عن هشام بن عروة؛ لأنه شنو جاب ابن جريج.

والرواية كذلك هشام بن عروة والحديث معروف عن مالك عن إسحاق عن حميدة عن كبشة عن أبي قتادة، فهنا الآن الرواة تغيروا، ما له دخل أصلا هشام بن عروة في هذا الحديث، ولا ابن جريج، ويدل على أن الإسناد هذا غلط، ورواه ابن نمير عن هشام به، ورواه أبو معاوية عن هشام عن إسحاق عن أبي قتادة مباشرة، يعني: لا في أم ولا في كبشة ولا في شيء، مباشرة.

وكذا رواه عبد الله بن إدريس وعبد الله بن داود عن هشام بن عروة به، ورواه حماد عن إسحاق عن أبي قتادة مرسلا، وهذه الطرق ذكرها الدارقطني في العلل، وهذا يدل على أن هؤلاء الرواة غير ضابطين الإسناد للحديث، فكيف تغير هكذا؟ فهم غير ضابطين حديث هشام بن عروة، فلذلك فأحيانا يرفع، وأحيانا يكون عن أبي قتادة موقوف، وأحيانا مرسل، هذا يدل على أن هذه الطرق كلها ضعيفة، ما تصح نهائيا.

لو ضبطوا الرواة هذا الحديث لضبطوا مع رواية الإمام مالك، فما دام أحيانا يرفعون الأحاديث، وأحيانا يوقفون الأحاديث، أحيانا يرسلونه، فرواية هشام بن عروة غير صحيحة كذلك، ورواية سفيان بن عيينة غير صحيحة، هذه كذلك من الخطأ الثاني.

الخطأ الثاني: رواية هشام بن عروة غلط من الرواة، ووقعت أخطاء في الأسانيد، لا بد على طالب الحديث يعرف هذا، عندنا رواية يحيى بن أبي يحيى الليثي في الموطأ عن الإمام مالك، فذكر يحيى في الموطأ عن حميدة بنت أبي عبيدة بن فروة، وهذا غلط الآن، الصحيح كما بين رواية الإمام مالك حميدة بنت عبيد بن رفاعة، هذا الاسم الصحيح عنها، أما هنا الآن بنت أبي عبيد،ة وكذلك ابن فروة، الصحيح ابن رفاعة، وهي حميدة بنت عبيد.

قال الحافظ بن عبد البر رحمه الله تعالى في «التمهيد»: لم يتابعه أحد على قوله ذلك وهو غلط منه، وأما سائر رواة الموطأ فيقولون: حميدة بنت عبيد بن رفاعة، يعني: يحيى بن يحيى الليثي في الموطأ أخطأ في ذكر أن حميدة بنت عبيد بن أبي فروة، فيبين الحافظ ابن عبد البر وهو يشرح الموطأ: لم يتابعه أحد -يعني: لم يتابع يحيى بن أبي يحيى الليثي على هذا الاسم صحف، تصحيف في الاسم- والاسم الصحيح حميدة بنت عبيد بن رفاعة هذا الاسم الصحيح وهو موجود عندكم في تقريب التهذيب لابن حجر.

وكذا قال الحافظ ابن عبد البر في «الاستذكار»، بين غلط يحيى في الموطأ؛ فلذلك لعل تقرأ في الموطأ الإمام مالك هذا الاسم، وترى كذلك في موطآت أخرى الاسم غير، فتعرف أن هذا تصحيف وغلط، والصحيح كما ذكرنا لكم، هذا كذلك من الأخطاء في الأسانيد.

الخطأ الآخر كذلك: وأخطأ زيد بن الحباب عن مالك بقوله: حميدة بنت عبيد بن رافع، والصحيح رفاعة، وذكر كذلك الحافظ بن عبد البر في التمهيد الصواب رفاعة بن رافع الأنصاري، وزيد بن الحباب هذا بعد من الثقات، لكنه بعد صحف في الاسم وأخطأ.

حميدة بنت عبيد بن رافع، هذا زيد يقول هكذا، والصحيح رفاعة، بن رفاعة بن رافع الأنصاري، يعني رافع جعله الأب، وهو رافع هذا الجد، ويؤيد هذا أن نفس زيد بن الحباب روى الحديث على الجادة، والاسم على الجادة.

اسمع: أخرجه ابن ماجة في «سننه» من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، وأخرجه كذلك الحاكم في «المستدرك» عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن الحسن بن علي بن عفان، وكلاهما عن زيد بن الحباب عن مالك به وفيه حميدة بنت عبيد بن رفاعة، فروى الاسم هنا صحيحا، لكن في الرواية الأخرى صحف، فالاسم الصحيح: حميدة بنت عبيد بن رفاعة بن رافع.

وفي غلط آخر كذلك: أخرج الدارمي من طريق الحكم بن المبارك عن مالك فجعل كبشة امرأة لأبي قتادة وهو غلط، والصواب أنها امرأة ابنه، وليست امرأته، الآن عندنا كبشة امرأة هي زوجة ابن أبي قتادة، وليست زوجة أبي قتادة الصحابي، هذا كذلك من رواية الحكم بن المبارك عن مالك، فترى هذه الأسانيد موجودة.

فالذي ما فهم هذه الطرق ظن أن هذه الطرق متساوية، وأنها مضطربة، واختلف عليها فضرب على الجميع، وما يدري أن هذه غلط في غلط، وأكبر دليل أن الحفاظ كلهم أو أكثرهم أثبتوا رواية الإمام مالك المتقدمة، عدد يسير اللي أعلوا الحديث بهذه الطرق، فالآن الحكم بن المبارك عن مالك جعل كبشة امرأة يعني زوجة أبي قتادة، وهي الأصل زوجة ابنه، وغلط آخر: ذكر ابن سعد في «الطبقات الكبرى» أن حميدة هي بنت كبشة، وهذا غلط، بل هي خالتها، بين أن كبشة ذي خالة حميدة، وليست حميدة هذه بنت كبشة، فهذا غلط آخر، هذا الأمر تراه في كتب أهل الحديث وفي الطبقات، وترى اضطراب وأشياء.

هذا يقول اسمها كذا، وهذا يقول اسمها كذا، وهذا خالتها، وهذا أمها، فلذلك اعرف هذه الأمور، فإذا صادك حيص بيص اسأل ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾[النحل:43]؛ لأن في أناس احتاروا في هالأسانيد، مرة يقول: الأم، مرة يقول: الخالة، مرة يقول: البنت، فاحتاروا، لكن ما يدرون أن هذه الروايات كلها غلط، اسمع ليش صار هذا الآن؟

أن حميدة يقول ابن سعيد: هي بنت كبشة، وهذا غلط بل هي خالتها، والغلط فيه من محمد بن عمر الواقدي وهو متروك، يخبط في التواريخ الأسماء، ولذلك انظر التعليق على علل ابن أبي حاتم لابن أبي عبد الهادي بين هذه الأمور، وكذلك غيره من أهل العلم، فكبشة هذه بنت كعب، وكبشة هذه خالة حميدة، فإذا بينا أن هذه الطرق كلها غلط، وليست بصحيحة بسبب الرواة، ضعف الرواة، وكذلك الشواهد والاختلاف.

ورجحنا رواية الإمام مالك ارتحت من كل هذه الطرق، بس نحن نذكرها للردود على هؤلاء الذين أعلوا الحديث كاملا، وكذلك الذين احتاروا في هالأسانيد، واحتاروا في كبشة، واحتاروا في حميدة، ومرة يجعلونها امرأة أبي قتادة، ومرة ابنه، ومرة الأم، ومرة الخالة، وإلى آخره كما سمعتم، فهذه الطرق كلها ليست بصحيحة، وهي مرجوحة، يعني: ألغيها بأكملها، وعليك برواية الإمام مالك التي صححها الأئمة والحفاظ، وينتهي الأمر.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ولعل نتكلم في شواهد الحديث كلها ضعيفة، ونبينها في الدرس القادم بعجلة، ثم ندخل في الأحكام، هذا الباب في آيار البهائم، الهرة وغيرها ونتكلم عليها بعد ذلك.

أحد الحضور: ...

الشيخ: لأن هو ثقة ومن رواية الإمام مالك، لا لا، رواية هشام، قصدك إسحاق ولا هشام؟.

أحد الحضور: ...

الشيخ: هشام بن عروة، نعم، لكن سفيان بن عيينة أخطأ في المرأة لم يسميها.

أحد الحضور: ...

الشيخ: لا لا لا، هو خطأ من سفيان؛ لأن سفيان خالف الإمام مالك، والإمام مالك إذا خالفه أي راوي في أهل المدينة في الغالب يكون الأمر الصحيح رواية الإمام مالك، ولذلك البخاري وغيرهم وغيرهم من الحفاظ لم يصححوا رواية ابن عيينة، وبين الإمام البخاري وغيره، والدارقطني في «العلل»، وغيره أن هذه الروايات كلها ضعيفة، والمحفوظ رواية الإمام مالك.

 


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan