القائمة الرئيسة
الرئيسية / الشرح الكبير على بلوغ المرام / الجزء (23) الشرح الكبير على بلوغ المرام: أحكام الماء المستعمل

2024-12-24

صورة 1
الجزء (23) الشرح الكبير على بلوغ المرام: أحكام الماء المستعمل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وتكلمنا عن الأحاديث حديث عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم وحديث ابن عباس، وكذلك الآخر حديث ابن عباس عند أصحاب السنن، وبينا بالنسبة لتخريج حديث رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث منكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو الرجل بفضل المرأة، وبينا هذا.

ويعارضه كما بينا في التخريج حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة رضي الله عنها، وهذا الحديث حديث صحيح أخرجه مسلم وغيره، وبينا هذا، وهو الصحيح، وهذا حديث ابن عباس، يعني: ذكر محقق من المحققين في هذا العصر أن عليه اختلاف، وليس فيه اختلاف ولا في شيء، لا في الإسناد، ولا في المتن.

وذكر متون أخرى ليست في هذا الحديث وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وكذلك خرجنا الحديث عند أصحاب السنن حديث ابن عباس رضي الله عنهما: اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة إلى آخر الحديث.

فالحديث الأول حديث عن رجل صحب النبي حديث منكر، وحديث ابن عباس في صحيح مسلم حديث صحيح، والحديث الآخر: اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة حديث منكر وبينا هذا.

وفي هذا الدرس سنتكلم عن أحكام هذه الأحاديث، والمعتمد في هذا حديث ابن عباس في اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم، ووضوء النبي صلى الله عليه وسلم بفضل ميمونة، وبتأتي أحاديث أخرى تبين أن هذا الحكم هو الصحيح، فعندنا أولا: مسألة الخلوة، إذا خلت المرأة بالماء، يعني: اغتسلت أو توضأت من الإناء، فتأخذ الماء من الإناء، فتغتسل وتتوضأ، فعند الفقهاء يسمون هذه خلوة، اختلت المرأة بالماء، فهل يجوز الوضوء بفضلها؟ بيأتي الكلام على هذا.

والخلوة انفراد المرأة باستعمال الماء، سواء شوهدت أم لا، وهو قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد، وهذه الرواية هي الصحيحة الموافقة للشرع، في رواية أخرى لكن كما بينت لكم كثيرا نحن نأخذ من أقوال العالم ما وافق الكتاب والسنة، وما خالف الكتاب والسنة لا نأخذ به، وهذا القول هو القول الصحيح، الخلوة انفراد المرأة باستعمال الماء سواء شوهدت أم لا، يعني: رآها الناس أو لا، يعني: الخلوة استعمال المرأة للماء من غير مشاركة الرجل في استعماله، يعني: هي تتوضأ من الإناء لوحدها، فالخلوة هي عدم المشاركة، يعني: عدم مشاركة الرجل معها.

لماذا؟ لأن أهل العلم كالإمام أحمد وغيره والحنابلة إذا كانت المرأة مع زوجها يتناولون الماء من الإناء، فهذا يجوزون أن يأتي آخر ويتوضأ من هذا الإناء، يعني: بالمشاركة، لماذا؟ لأن ما يصير من هذا خلوة، أما إذا اختلت المرأة لوحدها، فأخذت تتوضأ من الماء فلا يجوزون الحنابلة أن يأتي إنسان آخر فيتوضأ مثلا من هذا الماء المستعمل أو يغتسل، والكلام كثير في هذا لكن أنا سوف أختصر وأذكر شيئا من الخلافيات للفائدة وإلا سوف نذكر القول الصحيح من إجماع الصحابة رضي الله عنهم، وقول جمهور العلماء من المتأخرين.

والخلوة عند الحنابلة أن تخلو المرأة بالماء، فلا يشاهدها مميز، الخلوة عندهم عند الحنابلة إذا اختلت المرأة بالماء وهي تتوضأ أن تخلو المرأة بالماء فلا يشاهدها مميز، سواء كان ذكرا أم أنثى، وهو المشهور عند المتأخرين من الحنابلة.

أما الجمهور عندكم انفراد المرأة باستعمال الماء سواء شوهدت أم لا، وهذا القول الصحيح شوهدت أو ما شوهدت مثلا، أو إذا لم تشاهد هذه خلوة، هو الأصل عندنا شنو؟ استعمال هذا الماء الآن شوهدت أم لا، فهذه تسمى خلوة، وهذا الماء يعتبر مستعملا الآن، هذه بالنسبة الآن للخلوة، والخلوة عند الحنابلة كما بينت لكم أن تخلو المرأة بالماء فلا يشاهدها مميز، وهو المشهور عندهم كما ذكر ابن قدامة في «المغني»، والمرداوي في «الإنصاف».

والأجزاء أرقام الأجزاء والصفحات موجودة بس أنا ما أذكرها؛ لأن لا حاجة، أي واحد يريد فالأجزاء مذكورة والصفحات.

قال أبو داود في المسائل: سمعت أحمد سئل عن الوضوء بفضل وضوء المرأة، قال الإمام أحمد: إن خلت به فلا، يعني: ما يتوضأ الإنسان بعدها، هذا قول الإمام أحمد، قيل: فإن لم تخل؟ قال: فلا بأس، كان النبي صلى الله عليه وسلم والمرأة من نسائه يغتسلان جميعا من إناء واحد، فإذا خلت لوحدها ما يجوزون الحنابلة أن يتوضأ من هذا الماء؛ لأنهم عندهم طاهر، يعني: طاهر في نفسه غير مطهر لغيره، لكن الصحيح في المياه بينا أن الطهور والطاهر واحد، والطاهر كذلك حتى المستعمل طاهر في نفسه ومطهر لغيره وانتهى الأمر.

فالإمام أحمد إذا كان الرجل والمرأة يغتسلان جميعا من إناء واحد يجوز، فلو أتى آخر يتوضأ من هذا فلا بأس، لكن عنده إذا كان الرجل والمرأة يغتسلان جميعا من إناء واحد يقول: لا بأس بذلك للأحاديث، لكن الصحيح أن فضل وضوء المرأة طاهر، طاهر في نفسه ومطهر لغيره، وهذا بإجماع الصحابة وقول جمهور العلماء كما سوف يأتي، وأهل العلم يتكلمون والأئمة يتكلمون ونحن ننظر في الدليل، من وافق الدليل أخذنا بقوله، ومن لم يوافق قلنا: هذا عالم مجتهد فله أجر على اجتهاده.

وفي مسائل ابنه صالح قال: وسألت أبي -يعني: الإمام أحمد- عن فضل الجنب والحائض فقال الإمام أحمد: إذا خلت به فلا يعجبني، ولكن إذا كان جميعا فلا بأس به، وكذلك في مسائل ابنه عبد الله وهو يراها، يعني: لا بأس وهو يراها، يرى المرأة تستعمل هذا الماء، فهذا بالنسبة لقول الآن الإمام أحمد وهو قول كذلك الحنابلة للفائدة، وقول الجمهور هو القول الصحيح، الخلوة انفراد المرأة باستعمال الماء سواء شوهدت أم لا، وهو قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد.

الإمام أحمد يرى قول الجمهور وهذه الرواية هي الصحيحة الموافقة للشرع، فإذا الخلوة استعمال المرأة للماء من غير مشاركة الرجل في استعماله، فالخلوة هي عدم المشاركة، فهذه الآن معنى الخلوة عند العلماء إذا اختلت.

المسألة الثانية: يجوز الوضوء بفضل المرأة، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، ورواية الإمام أحمد، وهو الصحيح من أقوال العلماء بلا كراهة وبلا أي شيء، سواء كانت المرأة جنب أو كانت حائض وخلت بهذا الماء فيجوز للإنسان أن يتوضأ أو يغتسل بفضل هذه المرأة، حتى لو كانت جنبا أو كانت حائضا، لماذا أنا أقول هكذا؟ لأن في بعض العلماء يحرمون خاصة إذا كانت حائض أو جنب المرأة، ما يجوزون استعمال هذا الماء لا للوضوء ولا للغسل، لكن الصحيح يجوز، وأن هذا الماء المستعمل بسبب وضوء المرأة هذا الماء يكون طاهر وطهور.

فطاهر في نفسه، ومطهر لغيره، فأي واحد يريد أن يغتسل أو يتوضأ بعد وضوء المرأة وغسل المرأة فيجوز له في البقية من الماء، وعلى هذا فيكون هذا الماء المستعمل الذي هو فضل المرأة يرفع الحدث الأكبر والأصغر، ولا في دليل على من منع هذا الأمر كما بينت لكم، ولا في أي دليل، كل الأحاديث ضعيفة التي استدلوا بها، منها: حديث الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في نهي النبي صلى الله عليه وسلم.

فإذن عندنا الآن يجوز الوضوء بفضل المرأة وهو مذهب جمهور العلماء كما بينت لكم، وجوز أهل العلم ذلك منهم الزيلعي في «تبيين الحقائق»، والطحاوي في «شرح معاني الآثار»، والسرخسي في «المبسوط»، وابن عابدين في «حاشيته»، وكذلك صرح بذلك الخرشي في «حاشيته على مختصر الخليل»، وكذلك بين جواز الوضوء بفضل المرأة أو من فضل المرأة ابن رشد في «بداية المجتهد»، والباجي في «المنتقى شرح الموطأ»، وابن العربي في «أحكام القرآن»، وابن عبد البر في «الاستذكار».

كذلك جوز ذلك النووي في «المجموع»، والعراقي في «طرح التثريب»، وجوز كذلك هذا الأمر ابن المنذر في «الأوسط»، وغيرهم من العلماء، فيجوز الوضوء بفضل المرأة بدون أي كراهة، أي: يجوز مطلقا حتى لو كانت جنبا أو حائضا، فالماء طاهر، فهو طاهر في نفسه ومطهر لغيره، وإن كان الماء مستعملا فإذا الآن تبين من هذا أن يجوز للإنسان أن يستعمل فضل المرأة في الوضوء أو الاغتسال، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في «صحيح مسلم» صريح، وهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة، وهذا الحديث أخرجه مسلم في «صحيحه»، وأحمد في «المسند»، وابن خزيمة في «صحيحه»، والدارقطني في «السنن»، والبيهقي في «السنن الكبرى».

وبينا هذا التخريج في الدرس الذي سلف، فإذا الآن يجوز للإنسان أن يتوضأ بفضل المرأة، ولا في أي كراهة حتى لو كانت حائض أو كانت جنبا أو أي شيء، وهذه الأمور معروفة في الشرع، ولو تقرأ في كتب الفقهاء ترى اختلاف وكلام طويل وقيل وقال، فلا حاجة الناس إلى هذه الخلافيات، يذكر القول الراجح وينتهي الأمر، وبيأتي إجماع الصحابة الآن.

الآن كذلك إذا قلنا إنه يجوز الوضوء بفضل المرأة، كذلك يجوز أن يتوضأ المسلم من فضل ماء الرجل، فالرجل إذا خلا بالماء كذلك يجوز الإنسان أن يتوضأ من فضل هذا الرجل، وهذا بالإجماع بالنسبة لفضل الرجل بالإجماع، أما بالنسبة لفضل المرأة فالخلاف بين المتأخرين كما قلت لكم.

عند الحنفية والمالكية والشافعية يجوزون، الحنابلة ما يجوزون، أما بالنسبة أن يتوضأ المسلم من فضل ماء الرجل فهذا بالإجماع، الحنابلة يجوزون، ويرون أن المسلم يجوز له أن يتوضأ بفضل الرجل، ونقل هذا الإجماع ابن عبد البر في التمهيد، ويقول النووي في المجموع: واتفقوا على جواز وضوء الرجل والمرأة بفضل الرجل، فبالنسبة عن الرجل فاتفق العلماء على هذا، كما نقل الإجماع ابن عبد البر، والنووي، فيجوز للرجل والمرأة أن يغتسلان أو يتوضآن بفضل الرجل.

ولو رأيت هذا الأمر أن ما في فرق الآن بين فضل الرجل وفضل المرأة، لماذا؟ لأن المرأة إنسان، والرجل إنسان، فالحنابلة ما يجوزون أن يتوضأ الإنسان بفضل المرأة، لكن يجوزون للإنسان أن يتوضأ بفضل الرجل، وما هو الفرق بين فضل المرأة وفضل الرجل؟ الماء واحد، لكن بسبب هذه الأحاديث الضعيفة فأهل العلم يحكمون بها من اجتهاد منهم، وإلا يجوز أن يتوضأ الإنسان من فضل المرأة ويتوضأ الإنسان بفضل الرجل.

فالماء المستعمل بسبب استعمال الرجل والمرأة يجوز استعماله في الوضوء هذا أولا، ويجوز استعماله في الغسل من الجنابة، ويجوز استعماله في إزالة النجاسة، ويستعمل في رفع الحدث الأكبر والأصغر، فإذا الآن عندنا يتبين لنا أن الماء المستعمل أولا: أنه طاهر، طاهر في نفسه ومطهر لغيره، ولا كراهة ولا في أي شيء، ويجوز استعماله في الوضوء، هكذا على القول الصحيح، ويجوز استعماله في الغسل من الجنابة، ولا كراهة، ويجوز استعماله في إزالة النجاسة؛ لأن بعض أهل العلم يقولون إن هذا الماء المستعمل لا تزال به النجاسة، لكن الصحيح تزال به النجاسة؛ لأنه طاهر أصلا ليس بنجس، ويستعمل في رفع الحدث الأكبر والأصغر، حتى لو كان مستعملا حتى ترد عليه نجاسة وتتغير أوصافه، بعد ذلك نحكم أن هذا نجس فلا يجوز الوضوء منه.

لكن إذا ما طرأت عليه نجاسة ولم تغيره ولم يتغير هذا الماء المستعمل، فهذا ماء طاهر، طاهر في نفسه ومطهر لغيره، وهناك عدد من أهل العلم كرهوا الوضوء بفضل المرأة، وهذا قول الإمام سعيد بن المسيب، والحسن البصري.

روى عبد الرزاق في «المصنف» من طريق معمر عن قتادة قال: سألت الحسن وابن المسيب عن الوضوء بفضل المرأة، فكلاهما نهاني عنه، يعني: قال لي قتادة: لا تتوضأ من فضل المرأة، يعني: الماء المستعمل، فهذا الماء استعملته المرأة، لكن هذا قول ابن المسيب وقول الحسن البصري ليس بصحيح؛ لأن عندنا أدلة من النبي صلى الله عليه وسلم، وأدلة بإجماع الصحابة، فالأئمة هؤلاء يجتهدون، فمنهم من يصيب ومنهم من يخطئ.

وتابعه شعبة بن حجاج عن قتادة، تابع شعبة من؟ معمر بن راشد الأزدي، وفي رواية لشعبة يتابع معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن البصري أنهما يكرهان فضل طهورها، أخرجها -يعني: هذه الرواية- ابن أبي شيبة في المصنف، فالرواية الأولى صحيحة، والرواية الثانية صحيحة، وإن كان في كلام بالنسبة عن رواية معمر بن راشد عن قتادة، لكن شعبة تابعه في هذا.

وابن المسيب اجتهد، والحسن البصري اجتهد في هذا الأمر، والقول قول النبي صلى الله عليه وسلم، والفعل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[النساء:59].

وكذلك هناك أمر، نهى ابن عمر رضي الله عنها عن استعمال فضل طهور المرأة في الغسل، إذا كانت جنبا أو حائضا، وهذا صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما، أما إذا لم تكن المرأة حائضا ولا جنبا فيجوز الغسل أو الوضوء من فضل المرأة، فيكون هو مع الصحابة رضي الله عنهم، لكنه خصص عدم استعمال الماء المستعمل من المرأة الحائض أو الجنب؛ لأن الجنب إذا اغتسل، المرأة جنب الآن اغتسلت فابن عمر ما يجوز، لكن الحائض كذلك ما تصلي، لكن لو استعملت الماء لغسل أو ما شابه ذلك فابن عمر ما يجوز فضل المرأة هنا.

لكن الصحيح يجوز، ما في دليل على تخصيص المرأة الجنب ما نستعمل ماؤها، أو مثلا ما نستعمل ماء الحائض، ما في أي دليل، هذا اجتهاد صحابي، فعن نافع أن ابن عمر كان يقول: «لا بأس أن تغتسل بفضل المرأة ما لم تكن حائضا أو جنبا»، أخرجه الإمام مالك في «الموطأ» عن نافع وإسناده صحيح، هذا الأثر رواه الإمام مالك في «الموطأ»، ورواية مالك عن نافع عن ابن عمر السلسلة الذهبية، فالإسناد صحيح.

لكن هذا اجتهاد من ابن عمر، لكن الصحيح يجوز كما بينا والأدلة عندكم النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل ميمونة، وانتهى الأمر، والأحاديث التي قرأناها عليكم سوف تأتي الآن.

ودليل من قال: لا يغتسل الإنسان بفضل المرأة، استدلوا بحديث الرجل من الصحابة الذي عندكم في الكتاب، وهو حديث ضعيف؛ لأن في نهي، وحديث ابن عباس الآخر كذلك فيه نهي كذلك ضعيف؛ لأن ما يصير النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضل المرأة، ثم ينهى عنه، أو ينهى عنه ثم يفعله، فالسنة ما فيها أي تناقض؛ ولذلك من أسباب اختلاف العلماء الأحاديث الضعيفة هذه التي في كتب الناس، فيستدل بها العلماء اجتهاد منهم، ولا يدورن إنها ضعيفة، وكذلك استدلوا بحديث الحكم بن عمرو الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل من فضل وضوء المرأة، هو حديث منكر أخرجه أحمد في «المسند»، وأبو داود في «سننه»، والترمذي في «سننه»، وابن ماجه في «سننه»، والنسائي في «السنن»، واختلف في إسناده في رفعه ووقفه، ولا يصح فهو حديث مضطرب.

لذلك يقول الترمذي في «العلل الكبير»: سألت محمد -يعني: البخاري- عن هذا الحديث فقال: ليس بصحيح، يعني: أعله الإمام البخاري، انتهى أمره ولا أحد يبحث فيه بعد، ولا متعالم ولا مقلد يأتينا يقول: كذا وكذا، البخاري أعله وانتهى الأمر، خلاص إذا أعل شيء خلاص، وأعله الإمام أحمد كذلك، وأعله الإمام أحمد بالاضطراب، قلنا: حديث مضطرب، كما نقل عنه ابن حجر في «فتح الباري»، وكذلك أعله الدارقطني في «السنن»، هذا ثلاثة من الأئمة يضعفون هذا الحديث، فكيف يستدل به على النهي؟ أن يتوضأ الإنسان من فضل المرأة، هو حديث مضطرب منكر.

واستدلوا كذلك بحديث عبد الله بن سرجس هكذا بكسر الجيم: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل، حديث منكر، أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار»، والدارقطني في «السنن»، وابن حزم في «المحلى» وغيرهم، واختلف في رفعه ووقفه، وقد أعله الدارقطني في «السنن» بالوقف، وأعله البخاري الحديث المرفوع، وقال: الصحيح أنه موقوف، كما ذكر عنه البيهقي في «السنن الكبرى».

فهذه الأحاديث التي استدلوا بها كلها منكرة، ومضطربة لا تصح، وابن حزم له كذلك كلام آخر، هذا نذكر للفائدة، وابن حزم يمنع الوضوء بفضل المرأة مثل الحنابلة، فابن حزم والحنابلة يجوزون الوضوء بفضل الرجل، بفضل الرجل يجوزونه، بفضل المرأة ما يجوزونه، ابن حزم والحنابلة مع منعهم الوضوء بفضل المرأة.

يقول ابن حزم في «المحلى بالآثار»: كل ماء توضأت منه المرأة حائض أو غير حائض أو اغتسلت منه فأفضلت منه فضلا ثم لا يحل لرجل الوضوء من ذلك الفضل ولا الغسل، هذا قول ابن حزم، لكن كله اجتهاد من هؤلاء العلماء، ولذلك -يعني كما بينت لكم- القول الصحيح في هذا أنه يجوز للإنسان أن يتوضأ أو يغتسل بفضل المرأة، وكذلك يجوز الإنسان أن يتوضأ من فضل الرجل.

يقول الإمام ابن المنذر في «الأوسط»: والذي نقول به الرخصة في أن يغتسل كل واحد منهما ويتوضأ بفضل طهور صاحبه، وإن كانا جنبين وأحدهما، أو كانت المرأة حائضا سواء ذلك خلت به أو لم تخل به؛ لثبوت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على صحة ذلك، خلاص انتهى الأمر؛ لوجود الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأصل عندنا الرسول صلى الله عليه وسلم فعل فنفعل فيجوز.

فلذلك هذا الإمام ابن المنذر يبين، نقل الخلافيات، ونقل الأحاديث، ونقل الآثار ثم خلص الأمر إلى هذا، الرخصة في أن يغتسل كل واحد منهما ويتوضأ بفضل طهور صاحبه، فالمرأة يجوز لها أن تتوضأ بفضل الرجل، والرجل يجوز له أن يتوضأ بفضل المرأة، والأدلة هذه بيناها من قبل لكننا نذكرها، عندنا حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإناء الواحد جميعا».

وهذا الآن كما بين أهل العلم منهم ابن عبد البر في «التمهيد» وكذلك غيره، الآن المرأة إذا وضعت يدها في الإناء والرجل إذا وضع يده في الإناء واغتسلا جميعا، صار الماء هذا فضل، وصار الماء هذا مستعمل ومع هذا أن الرجل من الصحابة يغتسل منه، والمرأة من الصحابيات تغتسل منه، وابن عمر يبين هذا الأمر: «الرجال والنساء يتوضؤون وكذلك يغتسلون»، فالرجل يتوضأ بفضل المرأة والمرأة تتوضأ بفضل الرجل، فكيف نذهب إلى أحاديث ضعيفة وإلى قيل وقال واجتهادات؟.

وننقل هذا يكره ونقول هذا كذا، وهذا قول ابن المسيب وقول الحسن البصري وإلى آخره، كل هذه اجتهادات من العلماء أصلا، وأثر ابن عمر أخرجه البخاري في «صحيحه»، ومالك في «الموطأ»، وأبو داود في «سننه»، والنسائي في «السنن الكبرى»، وابن ماجة في «سننه»؛ فلذلك هذا الأمر من فعل الصحابة يعني بإجماع الصحابة، وأضف قول جمهور العلماء من المتأخرين يجوزون الوضوء بفضل المرأة، والمرأة يجوز لها أن تتوضأ بفضل الرجل، أو أي إنسان يتوضأ بفضل الرجل أو المرأة.

وكذلك في رواية عند أبي داود: كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ندلي فيه أيدينا، فيوضح ابن عمر رضي الله عنهما هذا الأمر، فمادام المرأة تضع يداها والرجل فهذا فضل، ومع هذا فيغتسلون، ويتوضؤون، وبينت لكم أن قول ابن عمر: كان الرجال والنساء، لا يعني أن الرجال الأجانب والنساء الأجانب يتوضؤون مع بعض، لا، المقصد أن الزوج مع زوجته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يتوضؤون من إناء واحد، ويغتسلون من إناء واحد في البيوت.

ولذلك نقل الطحاوي والقرطبي والنووي الإجماع على جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، فحتى الحنابلة من إناء واحد يجوزون، لكن يقولون: إذا خلت المرأة بالإناء، هنا عندهم ما يجوزون، أما إذا كان من إناء واحد فيجوزون، أصلا ما في فرق، في إناء أفضت فيه المرأة، أو استعمل الرجل والمرأة الوضوء أو الاغتسال من إناء واحد، ما في فرق أصلا ولا في أدلة على هذا الأمر.

ولذلك يقول الإمام ابن عبد البر في «التمهيد» عن حديث ابن عمر أنه كان يقول إن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، يقول ابن عبد البر: في هذا الحديث دليل واضح على إبطال قول من قال: لا يتوضأ بفضل المرأة؛ لأن المرأة والرجل إذا اغترفا جميعا من إناء واحد في الوضوء فمعلوم أن كل واحد منهما متوضأ بفضل صاحبه، يعني فضل.

فالآن استعمال الصحابة والصحابيات الماء هذا صار هذا فضل، فكيف يجوزونه إذا كان من إناء واحد، يغترف منه، وما يجوزون إذا كانت المرأة خلت به بالإناء، كيف يكون هذا الأمر؟ هذا فضل وهذا فضل، ابن عبد البر يقول: هذا فضل وهذا فضل، فكيف تنهون الناس عن هذا! فيتعجب ابن عبد البر، فلذلك يقول: إن كل واحد منهما متوضأ بفضل صاحبه، يعني في عهد النبي صلى الله عليه وسلم الرجال يغتسلون ويتوضؤون بفضل المرأة، والنساء يتوضأن بفضل الرجال، فكيف ننهى هنا ونجوز هنا، ما في فرق أصلا.

فلذلك لا بد على طلبة العلم يتفهمون الأمور، ولذلك يقول ابن عبد البر رحمه الله تعالى في التمهيد: وحديث عائشة في أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد هو الفرق والذي ذهب إليه جمهور العلماء وجماعة فقهاء الأمصار أنه لا بأس أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة، وتتوضأ المرأة بفضله، انفردت بالإناء أو لم تنفرد، وفي مثل هذه آثار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم صحاح.

والذي يذهب إليه إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما ظهر فيه من النجاسات، ثم يبين أمر مهم حق المسلمين وحق العلماء وطلبة العلم والمشايخ وعموم المسلمين يقول: أو غلب عليها منها، فلا وجه للاشتغال بما لا يصح من الآثار والأقوال، لا تشغل نفسك ولا شيء، وعلى المقلدين لا يشغلون العامة بهذه الأحاديث الضعيفة وقيل وقال وأقوال المذاهب واختلف العلماء في الإذاعات، وفي المساجد، وفي الخطب، وفي الجوامع، وأيام الجمع، واختلف العلماء واختلف العلماء، دوخوا رؤوسهم ودوخوا رؤوس العوام، والعوم للحين ما فهموا إسلامهم، فيبين أمر، فلا وجه للاشتغال بما لا يصح من الآثار والأقوال.

فلذلك على الناس وعلى طلبة العلم ألا يشغلون أنفسهم بالخلافيات ولا شيء، عليهم بالراجح وانتهى الأمر، خاصة إذا أجمع عليه الصحابة، وبينت لكم ترى جميع الدين في الأصول والفروع أجمع عليه الصحابة، إلا في مسائل يسيرة ترى، دقيقة، اختلفوا فيها الصحابة، وإلا الغالب ما في، كلها إجماع إجماع، أما عند المتأخرين كلها خلاف خلاف خلاف، ما اجمعوا إلا على أشياء يسيرة.

والمتعالمين الآن والمقلدة على هذا الأمر، على اختلف العلماء، اختلف الفقهاء، فلذلك لا تلتفت حق هذه الخلافيات، ولا قيل ولا قال، ثم يقول ابن عبد البر: وهذا على عمومه يجمعالانفراد وغير الانفراد، فانفردت أو لا المرأة، اختلت أو لا، شوهدت أو لا، فهذا الماء طاهر في نفسه ومطهر لغيره، فيجوز استعماله.

ونكمل هذه الأدلة وبيناها من قبل، لكننا نعيدها، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد فيبادرني، وفي رواية: وهما جنبان، فهذا يبين هذا الأمر، وهذا الحديث أخرجه مسلم في «صحيحه» من رواية عاصم الأحول عن معاذة، وكذلك أخرجه البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه» من رواية ابن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال: أخبرتني ميمونة أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وهذه كذلك من إناء واحد.

يعني: يكون الماء هذا من فضل ميمونة، ويكون الماء من فضل النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف لا نجوز! فنترك هذه الأحاديث الصحيحة ونقل الحفاظ الثقات، ونذهب إلى أحاديث ضعيفة، وكذلك في رواية ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار وذكر أن أبا الشعثاء أخبره أن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة، هذا في صحيح مسلم، والآخر كذلك حديث ابن عباس في صحيح البخاري ومسلم.

وفي الرواية رواية يحيى من أبي كثير قال: حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن زينت بنت أم سلمة حدثته أن أم سلمة حدثتها قالت: كانت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسلان في الإناء الواحد من الجنابة، هذا الحديث أخرجه البخاري في «صحيحه»، وأخرجه مسلم في «صحيحه»، فهذه من الأحاديث الصحيحة، النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضل عائشة، ويتوضأ بفضل ميمونة، ويتوضأ بفضل أم سلمة، فكيف ما نجوز، الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل هذا الأمر نفعل ونترك هذه الأحاديث الضعيفة وهذا أمر واضح.

كذلك عائشة تتوضأ بفضل النبي صلى الله عليه وسلم وهو رجل، كذلك ميمونة تتوضأ بفضل النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك أم سلمة تتوضأ بفضل النبي صلى الله عليه وسلم، فيجوز أن يتوضأ الإنسان بفضل المرأة ويجوز للمرأة أن تتوضأ بفضل الرجل، وهذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين، وفعل الصحابة والصحابيات، وهذا بالإجماع فلا نلتفت إلى الخلافيات.

وكذلك الروايات الأخرى من رواية عائشة رضي الله عنها كذلك فيه اغتسال عائشة والنبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية ابن وهن قال: أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي سلمة قال: قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل بدأ بيمينه فصب عليها من الماء فغسلها، ثم بعد ذلك تقول: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، ونحن جنبان، وهذه الرواية أخرجها الإمام مسلم، وكذلك أبو داود في «سننه»، وكذلك جاءت هذه الرواية من رواية يحيى بن سعيد القطان، وكذلك من رواية سفيان عن منصور عن إبراهيم النخعي عن الأسود وهذا عند أبي داود في «السنن».

وكذلك هذه الرواية رواية عائشة أخرجها النسائي في «السنن الكبرى»، والترمذي في «سننه»، وابن حبان في «صحيحه»، وأحمد في «المسند»، كذلك رواية عبد الله بن مسلمة بن قعنب يعني القعنبي قال: حدثنا أفلح بن حميد عن القاسمي بن محمد عن عائشة قال: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة»، يعني كل واحد يدخل يده في الماء في الإناء، فهذا يصير فضل أصلا، فضل امرأة وفضل الرجل، ومع هذا عائشة تبين هذا الأمر، هذه رواية عند مسلم في «صحيحه».

هذه كذلك الرواية الثانية عن عائشة روايات كثيرة والظاهر يكفي، هذه رواية ابن عباس التي عندكم حديث أخرجه مسلم في «صحيحه»، وأحمد في «المسند»، والبيهقي في «السنن الكبرى»، والدارقطني في «السنن»، وابن خزيمة في «صحيحه»، وهذا الحديث هو الصحيح والمحفوظ كما بينت لكم، وهذه أحكام، هذه الأحاديث تخريجا وفقها.

ولعل نتكلم في الدرس القادم عن حديث أبي هريرة وهو إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب، يعني ولوغ الكلب وهذا نتكلم فيه الدرس القادم، خلاص ما فيني شده، والظاهر الكلام خلاص واضح، وكلام الفقهاء كثير فهذا مهذب ومعروف.

سبحانك اللهم بحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

 


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan