الرئيسية / الشرح الكبير على بلوغ المرام / الجزء (16) الشرح الكبير على بلوغ المرام: الماء الكثير لا ينجس والقليل حتى تتغير أحد أوصافه الثلاثة
2024-12-08
الجزء (16) الشرح الكبير على بلوغ المرام: الماء الكثير لا ينجس والقليل حتى تتغير أحد أوصافه الثلاثة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولعل نشرع في شرح بلوغ المرام، كتاب الطهارة يكون في كل خميس، فبينا في الأحاديث عن القلتين وعن أوصاف الماء، فعندنا في هذا الدرس بالنسبة للماء الكثير إذا لاقته نجاسة فلم تغيره، فالأصل في هذا إذا هذا الماء الكثير لاقته نجاسة فلم تغيره، وهذا بيكون في الأصل أن الماء الكثير إذا قلنا: كثير، والكثير في العرف كالبرك سباحة، كالبحار، كالآبار، كالأنهار، وما شابه ذلك.
فهذا الماء الكثير إذا لاقى النجاسة ما بيتغير أصلا، مستحيل يتغير، فإذا كان كذلك فإنه طهور إجماعا، ولذلك يعني بعض الفقهاء يقولون عن الماء الكبير: إذا تغير فهو نجس، أصلا يستحيل يتغير، فلماذا؟ لأن الماء الكثير كالأنهار والبحار والبرك وغير ذلك مهما يكون، فلا يتغير ولم نسمع بذلك لا قديما ولا حديثا تغير هذا الماء، فلذلك هذا الأمر بينه عدد من الفقهاء.
من هؤلاء الفقهاء: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلا في بعض الأشياء لا حاجة أن نذكرها، لكن هذا الأصل، أن الماء الكثير إذا لاقته نجاسة ما يتغير نهائيا؛ ولأن هذه المياه تجري مثل الأنهار، مثل البحار، وكذلك البرك هذه الناس يغتسلون فيها، ثم إذا خرجوا تتغير، يغير أصلا الماء.
لا تأتيك مثلا بركة الآن وترد عليها النجاسات وهي ثابتة مثلا شهر كامل، ما يكون هذا أصلا، هذه البركة أكيد بتتغير بعد شهر تلاقي هذه النجاسات، مثلا السباع وما شابه ذلك، فهذا أكيد لكن المقصد من هذا أن ترد لها نجاسة مثلا خاصة مثلا من الصغار، طيب، يغتسلون في هذه البركة يبولون، فلا تتغير أصلا، وبعد ذلك إذا خرجوا سوف تغير، ويأتي أناس آخرين وهكذا، فهي ليس هذا الماء ثابت.
لكن إذا كان الماء قليل مثل الآن الماء سعة قلتين مثلا أو أكثر، ولاقى من النجاسة المائعة وغير ذلك، فهذا أكيد بينجس؛ لأنه لا بد تتغير أوصافه، ريحه أو طعمه أو لونه، فلا بد، فلذلك الماء الكثير في الأصل لا يتغير مهما يكون؛ ولذلك يقول: ويقول ابن الهمام للإجماع على أن الكثير لا ينجس إلا به -يعني: بالتغير- هذا إذا كان قليل، أما إذا كان كثير كيف يتغير؟ والكثير على عرف الناس، وكذلك هذا ابن الهمام في شرح فتح القدير، وكذلك ابن المنذر في الإجماع، وكذلك في الأوسط ذكر أجمعوا على أن الماء الكثير من النيل والبحر ونحو ذلك، إذا وقعت فيه نجاسة فلم تغير له لونا ولا طعما ولا ريحا، إنه بحالة يتطهر منه.
أصلا هذا يستحيل، البحار والأنهار مهما تأتي عليهم من النجاسات أصلا؛ لأن هذا الماء يجري أصلا، ويمشي، ويأتي بعد ذلك إذا سقطت النجاسة تذهب، ويأتي ماء طاهر بدلها، وهكذا، 24 ساعة؛ فلذلك الماء الكثير هذا مهما تقع من النجاسات ما يتغير كالبحار، الأنهار وبنحو ذلك، فكيف يقال: إذا سقطت فيه نجاسة وغيرته، كيف يتغير نهر وبحر وبرك كبيرة، فكيف يتغير؟ لا يتغير أصلا.
فلا يقال: فلم تغير له طعما ولا لونا ولا ريحا، لا حاجة في ذلك، هذا الأمر في الماء القليل، إذا وقعت فيه نجاسة فلا بد أن يتغير من طعمه أو لونه أو ريحه لا بد، من قلتين فأكثر وكذلك يعني بين أهل العلم كالعيني في «البناية»، وكذلك «الحاشية» للخرشي، و«البحر الرائق» لابن نجيم، ونقل الإجماع كذلك ابن عبد البر في «التمهيد»، وكذلك ابن رشد في «بداية المجتهد».
يقول: واتفقوا على أن الماء الكثير المستبحر لا تضره النجاسة التي لم تغير أحد أوصافه، وأنه طاهر، فالماء الكثير أصلا ما يتغير، فلذلك فلا بأس بالاغتسال منه، والوضوء منه، حتى لو رأيت شخص بال فيه، بعد توضأ؛ لأن النجاسة تذهب ولا ترى أصلا، ويستحيل نهر أو بحر أو بركة يعني تتغير بهذه الأوصاف؛ فلذلك اعرف هذه الأمور؛ لأن ممكن أن يأتيك من أصحاب هؤلاء المذاهب ويقول لك: مادام نجاسة وقعت في هذه البركة خلاص لا يجوز الوضوء منها ولا الاغتسال منها، ويقول لك: الماء نجس.
لا، الماء طاهر، والنبي صلى الله عليه وسلم بين للناس كل شيء، ما في شيء إلا بينه النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول الحطاب في مواهب الجليل: الماء الكثير إذا خالطه شيء نجس ولم يغيره فإنه باق على طهوريته، فمهما تخالط البحر أو النهر أو ما شابه ذلك من أي نجاسة أن يتغير، أصلا ما يتغير، وكذلك نقل الإجماع طوائف من العلماء منهم: الطبري في «تهذيب الآثار»، وابن حزم في «مراتب الإجماع»، وشيخ الإسلام ابن تيمية في «نقد مراتب الإجماع»، وابن قدامة في «المغني»، وابن دقيق العيد في «إحكام الأحكام»، وابن رجب في «القواعد»، والعراقي في «طرح التثريب»، والشوكاني في «نيل الأوطار»، وخلق من أهل العلم.
الماء الكثير هذا لو وقعت فيه نجاسة طاهر، فيجوز أن يتطهر منه الناس ويغتسلون.
بعد ذلك بالنسبة للماء الراكد إذا لاقته نجاسة فلم تغيره، هذا الأمر -أنا أترك الخلافيات هذه والخلاف ما أتيه لكم؛ لأن لا حاجة أصلا لنا باختلف العلماء واختلف الفقهاء وما شابه ذلك- خذ القول الصحيح من الكتاب والسنة وخلاص، وانتهى الأمر.
إذا كان الماء قليلا فإنه ينجس مادام لقته نجاسة وهو قليل أكيد ينجس، أما الكثير فلا كما بينت لكم؛ لأن بعض أهل العلم يقولون: إذا كان الماء قليلا فإنه ينجس ولو لم يتغير، ما يصير، مادام قلنا الماء قليل، وكيف نعرف إن الماء قليل، على العرف، مادام الناس يقولون هذا قليل، ولاقته نجاسة فلا بد أن يتغير خاصة من المائعات، وإذا كان كثيرا فإنه لا ينجس، ولا حاجة أن نقول: لا ينجس إلا بالتغير؛ لأن الماء الكثير خلاص انتهى الأمر، وأنه طهور.
ويعني بين أهل العلم هذه الأمور وإن كان لهم كلام في خلاف ما نقوله، ولكن ما في أي أدلة على ذلك، وكما ذكر هذا ابن الهمام في «شرح فتح القدير»، والزيلعي في «تبيين الحقائق»، وكذلك النووي في «المجموع»، والبهوتي في «كشاف القناع»، وابن قدامة في «المغني»، ولهم كلام كثير، فأن أهذب كلامهم ونسهل كلامهم ونبين الشيء الصحيح.
فلذلك إذا كان الماء قليل، ولاقته نجاسة، إذا قلنا: نجاسة، تكون أكبر من أجزاء الماء، أما لو كان قلتين مثلا، وسقطت نجاسة بول قليلة نقطة أو نقطتين، فهذا الآن بيكون طاهر أكيد؛ لأن المعروف أن النجاسة تكون النجاسة المعتبرة، يعني: بيأتيك مثلا شخص وبيبول في الماء هذا الراكد؛ لأن ما بينزل منه نقطة أو نقطتين، لا، يعني النجاسة المعتبرة، نتكلم عن النجاسة المعتبرة، فهذا إذا لاقته مثل البول الآن شخص يبول في ماء قليل أكيد شنو؟ بيتغير طعمه ولونه وريحه، ولا بد لأنه قليل.
فنحن لا نتكلم النجاسة نقطة أو نقطتين، أصلا ما في، فالنجاسة المعتبرة مثلا شخص بيتغوط، مو بنتفة قطعة وقطعتين، لا، تعرفون بعد، فهذا هو المقصد الآن من ملاقاة النجاسة، وكذلك انظر إلى الحيوانات من الحمير؛ لأن نحن بعد ما نتكلم عن بلدنا، لا، نتكلم عن البلدان الثانية، عندهم حمير وسباع وكلاب وأشياء كثيرة يبولون في المياه، فالمقصد أن النجاسة المعتبرة، فإذن نقول: إن لاقت نجاسة مو بقطرة أو قطرتين من البول، فإذا كان مثل هذه النجاسة تلاقي الماء القليل فأكيد بينجس.
لكن في الماء الكثير مثل الأنهار، البحار، فلا يضرها ذلك، فلا يضرها ما ترون أنتم في النيل، حمير، جثث مرمية، ولا يضر النهر هذا شيء؛ فلذلك اعرف أصلا يجري كثير، فلا حاجة إذا تغير، شو يتغير أصلا، ما يتغير، فلذلك لكن بالنسبة للقليل لا بد يتغير، فهذا نجس، والأمر الآخر أن الماء لا ينجس إلا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة، هذه قاعدة، لكن إذا قلنا: كثير، لا انتهى الأمر، مستحيل يتغير بهذه الأوصاف، بأحد هذه الأوصاف.
لكن المقصد الماء هنا القليل، أو مثلا بقعة مطر نسميه النقعة وما شابه ذلك، فإذا لقى نجاسة فلا بد ننظر إليها، فهل تغير لون الماء أو طعم الماء أو ريح الماء؛ فلذلك ما يسمى الآن في تكرير ماء المجاري، هذا نجس، ولا يجوز الاغتسال به ولا الوضوء به ولا شيء؛ لأنه مهما يكون هذا نجس في نفسه أصلا الماء، ما يصلح أصلا، مستحيل يعزلون النجاسة عن الماء، وأكبر دليل مر في الطرقات يصبون مثل هذا الماء ويسقون الزرع تمر رائحة المجاري موجودة، هذا يدل على أن الريح موجود، متغير ريحه وطعمه، فلا يجوز.
ولذلك سمعنا أن منهم من يفتي أن هذا يجوز وأن التكرير هذا يعزل النجاسة كليا، يستحيل هذا أصلا، فمثل هذه المياه نجسة بلا شك؛ فلذلك اعرف هذا الأمر، وبين أهل العلم أن الماء لا ينجس إلا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة، وبين هذا أهل العلم هذا الأمر كما ذكر الكاساني في «بدائع الصنائع»، والعيني في «البناية»، والسرخسي في «المبسوط»، وابن نجيم في «البحر الرائق»، وكذلك نقلوا عن الإمام مالك هذا الأمر في «المدونة الكبرى»، وبين هذا ابن عبد البر في «التمهيد»، وفي «الاستذكار»، والخرشي في «حاشيته»، وكذلك ابن رشد في «بداية المجتهد»، وكذلك ابن المنذر في «الأوسط»، والنووي في «المجموع».
لكن الماء القليل إذا لاقته النجاسة المعتبرة المعروفة فلا بد أن تغيره فهذا الماء غير طاهر، وبين هذا كذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى، وكذلك إذا كانت النجاسة بول آدمي أو غيطه المائع فإنه ينجس، وهذا بيكون في الماء القليل، أما الماء الكثير كما بينت لكم، هذا لا يكون مثلا دون القلتين، أو قلتين أو أكثر، هذا لاقته نجاسة هذا يعتبر قليل، في العرف ينجس وممكن أن ينظر كذلك: «الفروع» لابن مفلح، و«المبدع» لأبي إسحاق بن مفلح، والمرداوي في «الإنصاف»، والبهوتي في «كشاف القناع».
وبينت لكم بالنسبة للماء الكثير يستحيل أن النجاسة تغيره، وهذا الذي بينه الطحاوي في «شرح معاني الآثار»، أجمعوا على أن النجاسة إذا وقعت في البئر فغلبت على طعام ماءها أو ريحه أو لونه، إن ماءه قد فسد، هذا يكون في الماء القليل، أما الماء الكثير فلا، فلا يفسد كما بينت لكم، لكن النجاسة إذا وقعت على الماء القليل ولا بد أن تغلب على هذا الماء، فتكون النجاسة أجزاؤها أكبر من الماء، أكبر من أجزاء الماء، فهذا لا بد ينجس، لكن إذا كان الماء أجزاءه أكبر من النجاسة مثل البحار والأنهار، فهذا الماء لا ينجس.
وبين الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في «الأم»، وما قلت من أنه إذا تغير طعم الماء أو ريحه أو لونه كان نجسا، فهذا الماء إذا رأيناه هكذا متغير فهذا نجس فلا يكون طاهرا، ولا يجوز الوضوء منه ولا الاغتسال منه، لكن الماء الكثير مثل الأنهار والآبار وما شابه ذلك فالناس يطمئنون في الاغتسال منها، وكذلك الوضوء وما شابه ذلك، لكن كما ذكر ابن العربي في عارضة الأحوذي: فإن تغير الماء لم يطهر إجماعا، وهذا يكون في القليل، فإذا تغير الماء لونه أو طعمه أو ريحه من هذه الأوصاف فبلا شك أن هذا نجس بالإجماع، وهذا بيكون في الماء القليل.
أما الماء الكثير فلا، وهذا الذي بينه كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، إذا وقع في الماء نجاسة فغيرته تنجس اتفاقا، هذا في «الفتاوى المصرية»، وذكر هذا الأمر ابن عبد البر في «التمهيد»، وفي «الاستذكار»، وكذلك الطبري في «تهذيب الآثار»، وابن المنذر في «الأوسط»، وذكر هذا ابن حبان في «صحيحه»: الإجماع على أن الماء قليلا كان أو كثيرا فغير طعمه أو لونه أو ريحه نجاسة وقعت فيها، أن ذلك الماء نجس بهذا الإجماع.
لكن ذكر أهل العلم الكثير مثل البحار وما شابه ذلك، فهذا ما ينجس، فهذا يعني ما عندنا في هذا الدرس، ولعل ندخل في أحاديث أخرى في الطهارة.
في أي سؤال؟.
سبحانك اللهم بحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.