القائمة الرئيسة
الرئيسية / الشرح الكبير على بلوغ المرام / الجزء (4) الشرح الكبير على بلوغ المرام: الطهارة والنجاسة الحسية والمعنوية

2024-11-20

صورة 1
الجزء (4) الشرح الكبير على بلوغ المرام: الطهارة والنجاسة الحسية والمعنوية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ولعل درس أحكام الرياضة مضى فنقتصر على شرح بلوغ المرام، وعندكم إجازة يوم الأحد والاثنين ما في درس، نلتقي معكم يوم الأربعاء إن شاء الله.

فذكر شيخنا رحمه الله تعالى في «فتح ذي الجلال والإكرام»، كذلك مسألة طهارة القلب وهي الطهارة المعنوية، وطهارة الجسم وغير ذلك، وهذه الطهارة الحسية، ولعل كذلك نأخذ هذه الفائدة في اختصار من شرح شيخنا رحمه الله تعالى في فتح ذي الجلال والإكرام؛ لأن بينا كلامه في الشرح الممتع، وذكر كذلك الشيخ رحمه الله تعالى الطهارة المعنوية والطهارة الحسية، فيقول شيخنا رحمه الله تعالى في فتح ذي الجلال والإكرام بعدما ذكر النوع الأول الطهارة المعنوية، والنوع الثاني الطهارة الحسية.

قال: الطهارة المعنوية هي الطهارة من الشرك، ومن كل خلق رذيل بحيث لا يكون الإنسان مشركا بالله وليس عنده غل ولا حقد على المسلمين، فيكون قلبه طاهرا نظيفا كما قال سبحانه وتعالىٰ: ﴿أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم[المائدة:41]، وقال تعالى: ﴿إنما المشركون نجس[التوبة:28]، وهذه هي النجاسة المعنوية يقابلها الطهارة المعنوية، كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: «إن المؤمن لا ينجس»، وكقوله في حديث عمرو بن حزم: «لا يمس القرآن إلا طاهر»، يعني: إلا مؤمن على أحد القولين؛ لأن المؤمن طاهر.

هذه الطهارة المعنوية وهي الطهارة من الشرك ومن كل شيء سيء، وذكرنا تفصيل هذه الطهارة المعنوية في الدرس الذي سلف، لكن هذا باختصار، فهذه الطهارة المعنوية مهمة جدا لكل مسلم، فلا بد أن يسعى أن يطهر قلبه من الشرك، ومن كل خلق ذميم؛ ولذلك هذا القلب يرد عليه أمور، وممكن ترد عليه أمور من الشرك ولا يدري، أو من الكفر، أو من هذه الأمور السيئة.

فعليه دائما أن يحاسب نفسه، ودائما يطهر قلبه؛ لأن هذه الأشياء إذا لم يطهرها المسلم من قلبه لا بد أن تركن في قلبه، وتقع في قلبه، وهذه الأشياء الرذيلة من الشرك والكفر والمعاصي وغير ذلك، لا بد إذا تركها العبد تكثر على القلب، وإذا تركها القلب تكبر ولا بد، يعني: في هذه الحياة الدنيا كل شيء صغير يصير كبير، وهذه الأشياء معنوية في القلب، لكنه مع هذا يشعر بني آدم هذا أن هذه الأشياء تكبر في قلبه، وسنن الله سبحانه وتعالى ما تتغير في الخلق إلى قيام الساعة.

ولذلك أهل الشرك لم يقع فيهم هذا الشرك الأكبر هكذا تلقائيا، أولا: وقع الشرك الأصغر، وهذا الأمر يكون خطير على الإنسان، ولذلك انظر الآن مثلا الصوفية وابتداء أمورهم في الأمور الصغيرة حتى وقعوا في الشرك الأكبر، كانوا بزعمهم يحبون النبي صلى الله عليه وسلم، حتى عبدوه ووقعوا الآن في الشركيات والقبوريات كما ترون، يعبدون قبر النبي صلى الله عليه وسلم والقبور الأخرى كما بينت لكم كثيرا.

كيف وصل إليها هذا الصنف من الناس؟ بسبب الأمور الصغير لم تطهر من قلوبهم، كذلك المعاصي تكبر، الكفر من الأصغر يكون الأكبر وهكذا، فتطهير القلوب أمره مهم، ولا يتساهل العبد في هذه الأمور، فإن أكثر الناس والعياذ بالله من أهل البدع وقعوا الآن في الكفر الأكبر، والشرك الأكبر، والنفاق الأكبر، وهكذا بسبب إن هؤلاء المبتدعة بدأوا أولا بدعتهم بشيء صغير، وأدخلوا أمور في دين الله سبحانه وتعالى واستحسنوها وهي صغيرة حتى الآن كما ترون وقعوا في الأمور الكبرى المهلكات، وهذا ظاهر.

ولذلك بين شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» أن هؤلاء المبتدعة نفاقهم النفاق الأكبر، النفاق الأكبر يعني خارجين من الملة، لماذا؟ لأن هؤلاء لا يريدون أن يطهرون قلوبهم، ولا يسمعون كلام أهل السنة فيهم ولا وعظهم ولا نصحهم، فوصلوا إلى ما وصلوا إليه من المهلكات، وهؤلاء ما دام معاندون مكابرون فالله سبحانه وتعالى ما يريد لهم أن يطهر قلوبهم، ما دام معاندون معرضون، فالله سبحانه وتعالى ما يطهر قلوبهم نهائيا إلى أن يموتوا على الشرك، والعياذ بالله.

وهؤلاء المبتدعة مع أهل الكفر في نار جهنم خالدين فيها أبدا، ما في أحد يفلت منهم؛ لأن هؤلاء المبتدعة كفار وبينا كثيرا، وهؤلاء يحادون الله سبحانه وتعالى، يحادون النبي صلى الله عليه وسلم، يحادون الإسلام، الله سبحانه وتعالى وضع دين، وهم وضعوا دينا آخر، والله سبحانه وتعالى أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم ليتبع، هؤلاء يتبعون رؤوس الضلالة، وهكذا يحادون الله في كل شيء، ومع هذا يدعون الإسلام، وهؤلاء ينتسبون إلى الإسلام وليسوا بمسلمين.

وشرك هؤلاء معروف عند أهل الآثار؛ لأن أهل الأثر هم الذين يعرفون هذه الأشياء، وهذه الأمور، أن هؤلاء وقعوا في الشرك الأكبر، أما غيرهم ما يعرف شيء أصلا من أحكام الشرك، وأحكام التوحيد، وأحكام الكفر، وما شابه ذلك، وأكبر دليل أن هؤلاء المرجئة الآن الذي يقولون عن أنفسهم بأنهم سلفيين، وقعوا في هذه الشركيات، وجوزوا لأهل الشرك بسبب قاعدتهم الباطلة، العذر بالجهل.

هؤلاء ما فهموا الكفر، وما فهموا الشرك، هؤلاء المرجئة، فأهل الأثر هم الذين يعرفون من يبقى على الإسلام، ومن يخرج من الإسلام، ومن ليس بمسلم أصلا، مثل: الرافضي، يقولون أهل الأثر، يكفرون الرافضة، متى أسلموا لكي نكفرهم أصلا هؤلاء، متى أسلموا؟ هؤلاء أصلا ليسوا بمسلمين في الأصل، فالكفر باق عليهم، فهذا هو الأصل في هؤلاء المبتدعة، لماذا وقعوا في هذا؟ لأن هؤلاء لم يطهروا قلوبهم.

فأنت لا تقع فيما وقع هؤلاء، أنت طهر قلبك، رجالا ونساء، فعلى المسلمين أن يطهروا قلوبهم من أي شيء، ولا يركن؛ لأن لا بد يكبر، الآن الحقد هذا معصية، يكون صغيرا، فإذا أنت ما تطهر قلبك على هذا المسلم، وعلى هذا المسلم، يكبر الحقد؛ حتى يغلو في صدرك غليان الماء في الجدر، وإذا النار ما تنطفئ، يعني: الماء هذا لا بد عليه شنو؟ يستمر في الغليان ويكبر هذا الحقد وهذا النار في قلب هذا الحاقد على أخوه المسلم، وعلى المسلمين؛ حتى يكيد لهم، ولا بد أن يكون يوما من الأيام مبتدعا من أهل البدع.

ولا بد أي فتنة بعد ذلك تأتي هذا الحاقد يقع فيها، تنتظره الفتنة، فتنة الشخص ضال مضل تنتظره، فأي فتنة شخص تقع على المسلمين أول ما يقع فيها هذا الحاقد، وهو لا يشعر ويظن أنه على الحق بعد، على حقده ووساخة قلبه ويظن بعده على الحق، كيف يكون ذلك؟ كيف يكون ذلك وأنت حاقد؟

وبعد ذلك الحقد هذا وهذه الأشياء تجلب له الكبر والغل والبدع والضلالات المهلكات، وخذ بس ما يدركه الموت إلا وهو من الضالين والعياذ بالله، ومن المفسدين ولا بد وهذا عقاب له؛ فلذلك انظر إلى الرافضة، انظر إلى الصوفية، انظر إلى غيرهم، الله سبحانه وتعالى عاقبهم في عدم تطهير قلوبهم، فأنت لا تقع كما وقع هؤلاء، فلا بد من تدارك هذه الأمور، والناس في الحقيقة ما يشعرون بهذه الأشياء، فلا بد من تطهير القلوب يوميا.

بماذا؟ بطلب العلم، بمعرفة التوحيد، الاعتقاد الصحيح، بالأذكار المساء والصباح، الأذكار بعد الصلاة، قراءة القرآن، سماع القرآن، صحبة الأخيار، وغير ذلك من العبادات التي شرعها الله سبحانه وتعالى، صلواتك تطهر قلبك، النوافل تطهر قلبك، الصيام، الزكاة، العمرة، الحج، هذه كل الأمور تطهر القلوب، ما ران على هذا القلب تطهره.

فأنت لا بد أن تعرف هذه الأشياء، وهذه كل الأشياء تأتي على القلب وهي طيبة، نقية، بيضاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فالطاعة هذه نور من الله سبحانه وتعالى، فترد على القلب فتطهره، فيكون القلب أبيض فيه نور، فتخرج هذه الأشياء السيئة، وتأتي الأخلاق الحميدة، لكن الذين خاصة العوام هؤلاء ما ينتبهون لمثل هذه الأشياء، فتراه في لعب ولهو ومعاصي ومحرمات وأشياء أخرى، وغفلة، فيران على قلوبهم، ممكن أن يبقى هذا العامي مسلما، لكنه قلبه كذلك أسود بما يران عليه، ومقتصر على الصلاة.

بعد لو ترك الصلاة خلاص سلم عليك، فيقتصر على هذه الصلاة وباقي الأشياء عنده قليلة من الذكر وما شابه ذلك، فتراه كذلك هذا العامي يحقد عليك، ولو اختلفت معه في أي شيء عاداك العداء الشديد، هذا بسبب ماذا؟ بسبب ما ران على قلبه من الظلمات، والسواد، وإن كان في قلبه إيمان، لكنه ناقص، والإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فاعرف هذا الأمر.

وانظر لماذا العوام الرعاع الهمج هم أكثر الناس وقوعا مع رؤوس الضلالة، ويتبعون رؤوس الضلالة بسبب هذا، مقتصر على الصلاة، وشيئا من الأذكار، وأعرض عن أشياء كثيرة من التوحيد وطلب العلم وغير ذلك، ففتن رؤوس الضلالة تنتظر هذا الصنف من الناس، ما تصير فتنة إلا العوام أول ناس يشعلون فتنة هذا الضال، ويتبعونه، ويقومون بأمره، وهم يصلون، لماذا؟ هؤلاء لم يطهروا قلوبهم، ومعرضون عن طلب العلم.

فلذلك الطهارة المعنوية وتطهيرها أمر مهم جدا لكل مسلم، فلا بد أن يسعى، يسعى بما ذكرنا، والطهارة الحسية هي الطهارة من الأحداث والأنجاس، يقول الشيخ: هي الطهارة من الأحداث والأنجاس، فالطهارة من الأحداث هي الطهارة من الحدث الأصغر والحدث الأكبر، وهذا يعني بيناه بيأتي بعد ذلك.

وذكر شيخنا رحمه الله تعالى حديث أبي هريرة: «إن المؤمن لا ينجس»، ولعل نذكر تخريجه، فحديث أبي هريرة هذا يقول أبو هريرة رضي الله عنه أنه لقيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذكره الشيخ باختصار في «فتح ذي الجلال» أنه لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة، وهو جنب فانسل فذهب فاغتسل فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاءه قال: «أين كنت يا أبا هريرة؟»، قال: يا رسول الله لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس» أخرجه البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه»، واللفظ له، وأبو داود في «سننه»، والترمذي في «سننه»، والنسائي في «السنن الكبرى»، وفي «المجتبى»، وأحمد في «المسند»، والبيهقي في «السنن الكبرى»، وابن حبان في «صحيحه» من طرق عن حميد الطويل عن بكر بن عبد الله، عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه به.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ينجس» بضم الجيم وفتحها لغتان، وفي ماضيه لغتان، نجس ونجس، فمن كسرها في الماضي فتحها في المضارع، ومن ضمها في الماضي ضمها في المضارع أيضا كما ذكر القاضي عياض رحمه الله تعالى في إكمال المعلم بفوائد مسلم.

يقول النووي رحمه الله تعالى في «المنهاج»: (قوله صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن لا ينجس» يقال بضم الجيم وفتحها لغتان، يعني: يجوز بالضم ويجوز بالفتح، وفي ماضيه لغتان: نجس ونجس بكسر الجيم وضمها، فمن كسرها في الماضي فتحها في المضارع، ومن ضمها في الماضي ضمها في المضارع). اهـ

وله شاهد: هذا الحديث أخرجه مسلم في «صحيحه»، والنسائي في «السنن الكبرى»، وفي «المجتبى»، وابن حبان في «صحيحه»، وابن أبي شيبة في «المصنف» من طريق أبي وائل وأبي بردة عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب فحاد عنه فاغتسل ثم جاء فقال: كنت جنبا، فقال: «إن المسلم لا ينجس»،

قلت: فالمسلم لا ينجس حيا ولا ميتا، وهذا دليل بالنص.

وانظر: «المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج» للنووي (ج4 ص66).

يقول القاضي عياض رحمه الله تعالى في «إكمال المعلم لفوائد مسلم»: (وفيه -يعني الحديث- حجة على طهارة الأدمي حيا وميتا). اهـ

 قلت: فهذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيا وميتا، يعني: المسلم لا ينجس، وهذه أدلة منالنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأي شخص يفتي الناس مثلا بعدم للمسلم أن يمس القرآن بغير طهارة؛ لأن أصله طاهر.

فيجوز للمسلم أن يمس القرآن بغير طهارة، ويقرأ القرآن، ويحفظ القرآن وهو ليس بنجس، كذلك الجنب يجوز له أن يقرأ القرآن ويمس القرآن لأن المؤمن ليس بنجس، فلماذا لا يمسك القرآن؟ ويجعلون المؤمن على أنه ليس بطاهر، ولا يجوز له أن يلمس القرآن، وكلها أحاديث ضعيفة التي استدلوا بها، وكذلك المرأة الحائض يجوز لها أن تمس القرآن، وتقرأ القرآن؛ لأن المرأة المسلمة ليست بنجسه، فالمؤمن لا ينجس، وهذا الذي فهموه الصحابة رضي الله عنهم ابتداء، فأبو هريرة كان جنبا، فأعرض عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال للرسول: إني كنت جنبا، فبين له الرسول صلى الله عليه وسلم، أنت غير نجس أصلا.

المؤمن لا ينجس، فلا بأس أن تسلم، فلا بأس للجنب أن يسلم على غيره بالمصافحة، ويمس غيره، كذلك المرأة الحائض يجوز لها أن تصافح النساء، ليست بنجسة، المؤمن لا ينجس، كذلك الذي على الحدث الأصغر فيجوز له أن يصافح؛ لأن المؤمن ليس بنجس.

فهذه الأصناف الثلاثة صاحب الحدث الأصغر، والجنب، والحائض، يجوز لهم أن يمسوا القرآن؛ ولذلك أفتى السلف وبعض الخلف في جواز مس القرآن لصاحب الحدث الأصغر والجنب والحائض، وقولهم القول الصحيح من المتأخرين، وهذا نشق على الناس إذا منعناهم من قراءة القرآن وحفظ القرآن، هذا الجنب يريد أن يحفظ القرآن، يقرأ القرآن، يضطر، كذلك صاحب الحدث الأصغر؛ لأن خاصة عدد من الناس دائما يحدثون، ما يبقى عليهم الوضوء، فأنت تطلب منهم أن يتوضؤوا فيشق عليهم في كل مرة.

يعني: ممكن في اليوم إذا أراد أن يقرأ القرآن ويحفظ القرآن لعشرات المرات يتوضأ، كذلك المرأة الحائض تريد أن تقرأ القرآن أحيانا يطيل عليها الحيض من الأيام، تريد تقرأ القرآن، تحفظ القرآن، فلا بد أن تمس هذا القرآن، فيجوز لها؛ لأن فيه مشقة، والشارع وضع كل المشقات على الناس، في كل عبادة ما في مشقة، فالذي يفتي للناس بالمشقات فهذا خالف الإسلام؛ لأن الإسلام ما في شيء من المشقة، دين الإسلام هو اليسر، فالدين هو اليسر فليس اليسر أمرا مجمل، لا كل الدين هذا يسر في كل شيء.

وفي الحقيقة هذه كلها فتاوى مذهبية أصلا ليست شرعية، فلذلك هذا النبي صلى الله عليه وسلم يبين للصحابة، فإذا كانت المصافحة يجوز أن تصافح الجنب والحائض، وصاحب الحدث الأصغر، فيجوز كذلك أن يقرأ القرآن الجنب هذا، صاحب الحدث الأصغر الحائض تقرأ القرآن، وهذه أمور معروفة، وديننا ما يعتمد على هذه الخلافيات، اختلف العلماء، اختلف الفقهاء، لا القول واحد.

فالحق واحد ما يتعدد فلا يقول لنا شخص: لا والله في فتاوى، أنت خذ بهذه الفتاوى، خذ بها، أما أهل الأثر ما يأخذون إلا ما ثبت في الكتاب والسنة وبس، ما في شيء آخر، فلذلك فهذه الأحاديث تبين أن المسلم طاهر حيا أو ميتا، وذكر كذلك شيخنا حديث عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن «ألا يمس القرآن إلا طاهر» حديث ضعيف، أخرجه أبو داود في «المراسيل»، والحاكم في «المستدرك»، والبيهقي في «السنن الكبرى»، والدارمي في «المسند» من طريق سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده به.

قلت: وهذا سنده ضعيف في سليمان بن داود، وهو سليمان بن أرقم البصري وهو متروك الحديث، قال عنه أبو حاتم والترمذي والنسائي متروك الحديث، كما في «تهذيب التهذيب» لان حجر، و«تهذيب الكمال» للمزي، و«المجروحين» لابن حبان.

قال أبو داود في «المراسيل»: روي هذا الحديث مسندا ولا يصح، والحديث أعله أبو حاتم في «علل الحديث»، وأعله أبو داود في «المراسيل» بالإرسال أيضا، وهذه علة أخرى في ضعف الحديث؛ لذلك لم يصب من صححه من أهل العلم كالشيخ الألباني وغيره لضعف الحديث.

ولعلنا بنذكر الشواهد وكلها كذلك ضعيفة في الدرس القادم، فهذا الحديث يستدل به كثير من أهل العلم على عدم مس القرآن لصاحب الحدث الأصغر، وهو حديث ضعيف، كذلك تأويله: «لا يمس القرآن إلا طاهر» يعني: إلا مؤمن، لا يمس القرآن إلا مؤمن، يعني: حتى هذا الحديث ضد فتوتهم أصلا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن المؤمن يمس القرآن، وبعض أهل العلم فهم بالعكس، أنه لا يمس القرآن إلا طاهر، يعني: الذي لا بد أن يتطهر يتوضأ ولا يكون على الحدث الأصغر ولا الأكبر، وهو حديث كذلك ضعيف مرسل لا يصح وذكرت له شواهد.

ولعل في الدرس القادم نتكلم عنها، سبحانك اللهم بحمدك، أشهد أن لا إله إلا الله، أستغفرك وأتوب إليك.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan