القائمة الرئيسة
الرئيسية / شرح كتاب الجمعة من صحيح مسلم / الجزء (66) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: تخريج شواهد حديث عمار في طول الصلاة وقصر خطبة الجمعة

2024-10-29

صورة 1
الجزء (66) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: تخريج شواهد حديث عمار في طول الصلاة وقصر خطبة الجمعة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وتكلمنا عن تخريج حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما في قصر الخطبة وطول الصلاة، وللحديث شواهد، لعلنا نتكلم عنها في هذه الدروس، فهناك شواهد للحديث من حديث ابن مسعود، وجابر بن سمرة، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبي أمامة، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم، فلعلنا نتكلم في هذا الدرس عن حديث ابن مسعود رضي الله عنه، والباقي في الدرس الذي سوف يأتي.

فحديث ابن مسعود رضي الله عنه روي مرفوعا وروي موقوفا، وأشرت إلى ذلك في الدروس التي سلفت وبينت هذا، وأن الحديث المرفوع حديث ضعيف، والصحيح أنه موقوف، وقد بين الدارقطني في كتابه «التتبع»، وفي كتابه «العلل» أن الحديث المرفوع ضعيف، والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود، وإليك التخريج.

فأخرجه البزار في «المسند»، وابن قتيبة في «عيون الأخبار»، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» من طريق قيس بن الربيع عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطب، وإن من البيان لسحر، وإنه سيأتي بعدكم قوم يطيلون الخطب ويقصرون الصلاة»، وإسناده منكر فيه قيس بن الربيع ليس بالقوي في الحديث كما بين أئمة الحديث، وقد وهم قيس بن الربيع في هذا الحديث فرفعه، فهذا الطريق ثبت مرفوعا، وهو لا يصح.

وأخرجه البزار أيضا في «المسند» من طريق قيس بن الربيع عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا به، وإسناده منكر فيه قيس بن الربيع وهو ضعيف الحديث كما مر بنا، وقد وهم في الإسنادين، فمرة يقول عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد، ومرة يقول عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد، وقد أعله البزار في «المسند» بتفرد قيس بن الربيع عن الأعمش بهذين الوجهين.

وقد أعله الدارقطني في «التتبع»، وفي «العلل»، وفي «الأفراد»، ففي الأفراد يقول تفرد به قيس بن الربيع عن الأعمش، فالآن عندنا هذان الطريقان ضعيفان، ففي الأول ذكر عن الأعمش عن عمارة بن عمير في الطريق الأول، الطريق الثاني عن الأعمش عن مالك بن الحارث فتغير الراوي، وهذا يدل على أنه غير ضابط الإسناد وهو ضعيف يعني، قيس وهم في الحديث المرفوع.

والصحيح موقوفا على ابن مسعود من قوله، فرواه سفيان الثوري وزائدة بن قدام عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «إن طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل» مئنة يعني علامة على فقه الرجل، وبيأتي الكلام في شرح الأحكام على هذا الأمر، هكذا روي موقوفا.

فأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى»، وفي «شعب الإيمان»، والطبراني في «المعجم الكبير»، والبلاذري في «أنساب الأشراف»، وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، فقيس بن الربيع خالف سفيان الثوري، وخالف زائدة بن قدامة، فرفع الحديث، والثوري وابن قدامة أوقفا الحديث وهو الصواب؛ لأن سفيان الثوري أحفظ منه وأعلم وأثبت، كذلك زائده أثبت منه، فأوقفا الحديث وهو الصحيح.

وخالف سفيان الثوري وزائدة بن قدامة في هذا الأثر أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، فرواه عن الأعمش عن شقيق أبي وائل قال قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إن قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل»، أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف»، وأبو عبيد في «غريب الحديث»، والسلفي في «معجم السفر»، فاقتصر أبو معاوية على أبي وائل شقيق عن ابن مسعود، والصحيح هناك عن شرحبيل كما بينت لكم.

ورواه الثوري وزائده ابن قدامة فزادا في إسناده عن أبي وائل عن أبي ميسرة عن ابن مسعود، فالثوري وزائدة رووا الحديث عن أبي ميسرة عن ابن مسعود، وأبو معاوية رواه عن الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود، والقول قول الثوري وزائدة، وهما اثنان من كبار الحفاظ المتقنين، فرواية أبي معاوية رواية شاذة، وإن كان أبو معاوية من أثبت الناس في الأعمش، فسفيان الثوري أحفظ منه وزائدة كذلك.

ويؤيد الوقف ما رواه وكيع بن الجراح، ويحيى بن سعيد القطان، وجعفر بن عون، وزائدة بن قدامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله بن مسعود قال: «أطيلوا هذه الصلاة وأقصروا هذه الخطبة» يعني صلاة الجمعة، هكذا موقوفا، أخرجه الحاكم في «المستدرك»، وابن أبي شيبة في «المصنف»، والدارقطني في «العلل»، والطبراني في «المعجم الكبير»، والبيهقي في «السنن الكبرى»، وإسناده صحيح، وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فهؤلاء كلهم حفاظ يروون الحديث موقوفا، وخالفهم قيس بن الربيع فرواه مرفوعا فأخطأ، وإلا جميع هؤلاء الرواة رووا الحديث على ابن مسعود، ولم ينقلوا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف»، والطبراني في «المعجم الكبير»، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» من طريق أبي إسحاق السبيعي قال سمعت أبا الأحوص عن ابن مسعود به موقوفا، وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد صرح أبو إسحاق بالتحديث، فهذا كذلك طريق آخر على أن الحديث موقوف على ابن مسعود، وهذا إسناده صحيح على شرط مسلم، وأبو إسحاق صرح بالتحديث، فالإسناد صحيح.

وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف»، وفي كتابه «الأدب»، والحاكم في «المستدرك»، وهناد في «الزهد»، والطبراني في «المعجم الكبير» من وجه آخر صحيح موقوفا، فجميع الرواة وهم حفاظ وأثبات متقنين كلهم رووا الحديث موقوفا، ما خالف في هذا إلا قيس بن الربيع تفرد بالمرفوع، فيدل على أن الحديث المرفوع منكر حديث منكر، والصحيح أنه من قول ابن مسعود موقوف عليه، وليس له حكم الرافع؛ لأن هذا تبيين الفقه والحكم.

والحديث المرفوع هو حديث عمار بن ياسر كما أسلفنا، والحديث المرفوع صححه الدارقطني في «التتبع»، وكذلك في «العلل»، فهذا تخريج حديث ابن مسعود، ولعل نتكلم فيما تبقى من الشواهد في الدرس القادم.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

 


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan