الرئيسية / شرح كتاب الجمعة من صحيح مسلم / الجزء (65) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: تخريج حديث عمار في طول الصلاة وقصر خطبة الجمعة
2024-10-29
الجزء (65) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: تخريج حديث عمار في طول الصلاة وقصر خطبة الجمعة
المتن:
حدثني سريج بن يونس حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر عن أبيه عن واصل بن حيان قال: قال أبو وائل خطبنا عمار فأوجز وأبلغ فلما نزل قلنا يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، وإن من البيان سحرا».
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وهذا حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما، فعمار هو بن ياسر رضي الله عنهما، والكلام على غريب الحديث سوف يأتي بعد التخريج وفي شرح الحديث.
وهذا الحديث يتكلم عن قصر الخطبة يوم الجمعة، وهذه السنة وبيأتي الكلام على هذا الأمر، «فأوجز وأبلغ» وهذا يدل على أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عندهم بلاغة وفصاحة وفقه، ولذلك بيأتي الكلام إذا رأيت خطيبا يطيل في الخطبة فاعلم إنه حمار وهذا كثر وبيأتي موعدهم إن شاء الله.
«مئنة» علامة على أنه فقيه وصاحب علم ليوجز ويقصر الخطبة، «وتنفست» أطلت يعني، وبيأتي إن شاء الله الكلام يعني على هذا بالتفصيل، وقبل أن ندخل في أحكام هذا الحديث لعل نخرج الحديث لأنه على هذا الحديث كلام من أهل العلم، لكن الصحيح أنه حديث صحيح بهذا اللفظ فقط، الألفاظ الأخرى سوف يأتي ذكرها لا تصح، ما يصح في حديث عمار إلا هذا، وهذا الطريق كذلك هو الصحيح، وبيأتي الكلام عليه الآن بالتفصيل.
حديث عمار هذا مما استدركه الحافظ الدارقطني على الإمام مسلم في صحيحه في كتابه «التتبع»، فلا بد أولا نذكر استدراك الحافظ الدارقطني على الإمام مسلم في ذكره لهذا الحديث في الصحيح، لماذا؟ لأن الحافظ الدارقطني مرة يضعف الحديث ومرة يصحح الحديث، وبالتتبع والتخاريج وجمع الطرق والألفاظ تبين أن الحديث صحيح، وأن الإمام الدارقطني روايته التي صحح هذا الحديث هي الصحيحة، ولا يلتفت إلى تضعيفه لأنه موافق للجماعة لجماعة الرواة.
فالحافظ الدارقطني في كتابه «التتبع» يقول: (وأخرج مسلم حديث ابن أبجر عن واصل عن أبي وائل عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم «طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه»)، هذا الآن الحديث يذكره الحافظ الدارقطني في «التتبع»، وهذا الحديث نفسه لكنه دائما يختصر.
ثم قال الحافظ الدارقطني: (وقال هذا الحديث تفرد به ابن أبجر عن واصل حدث به عنه ابنه عبد الرحمن، وسعيد بن بشير، وخالفه الأعمش وهو أحفظ لحديث أبي وائل منه رواه عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قوله غير مرفوع، قاله الثوري وغيره عن الأعمش)، هذا الآن يبين الدارقطني أن هذا الحديث تفرد به ابن أبجر عندكم في الكتاب، وخالفه الأعمش، الآن الأعمش يقول الحافظ هو أحفظ لحديث أبي وائل منه، رواه عن أبي وائل لا بالنسبة عن واصل، لكن المتفرد به ابن أبجر، وواصل روى عن أبي وائل، وخالفه الأعمش فرواه عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله اللي هو عبد الله بن مسعود، وبيأتي الكلام على هذا في الشواهد.
قوله «غير مرفوع»، والصحيح من حديث ابن مسعود الموقوف أما المرفوع لا يصح وبيأتي الكلام عليه، لكن هنا الآن أن الدارقطني يعل هذا الحديث حديث عمار بن ياسر بحديث ابن مسعود، والحافظ النووي في شرح صحيح مسلم ينتقد الدارقطني في هذا الأمر، فيقول النووي: (هذا الإسناد مما استدركه الدارقطني وقال تفرد به ابن أبجر عن واصل عن أبي وائل، وخالفه الأعمش وهو أحفظ لحديث أبي وائل، فحدث به عن أبي وائل عن ابن مسعود)، هذا كلام الدارقطني، وقد قدمنا أن مثل هذا الاستدراك مردود؛ لأن ابن أبجر ثقة يجب قبول روايته، فهو يرد على استدراك الدارقطني.
ولذلك الشيخ مقبل رحمه الله تعالى في «تعليقه على التتبع» في (ص260) يقول: (فالظاهر أن القولين محفوظان عن أبي وائل) يعني حديث عمار بن ياسر صحيح وحديث ابن مسعود صحيح، لكن حديث ابن مسعود لا يصح إلا الموقوف وبيأتي الكلام عليه بعد ذلك، فيقول الشيخ مقبل: (فالظاهر أن القولين محفوظان عن أبي وائل لا سيما ولحديث عمار شاهد أخرجه مسلم والحاكم من حديث جابر بن سمرة نحوه)، وبيأتي الكلام على حديث جابر في الشواهد.
هذا الآن عندنا بالنسبة لكلام الحافظ الدارقطني في «التتبع»، وبيأتي الكلام على كلامه في «العلل الواردة في الأحاديث».
وهذا الطريق الذي ذكره الإمام مسلم، وكذلك ذكره الدارقطني أخرجه مسلم في «المسند الصحيح» كما عندكم من طريق سريج بن يونس بن إبراهيم البغدادي ثقة عابد، روى له البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه، من الطبقة العشرة، قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن سعيد بن حيان بن أبجر الكوفي وهو ثقة من كبار الطبقة التاسعة، روى له مسلم في صحيحه والنسائي في السنن عن أبيه وهو عبد الملك بن سعيد الكوفي ثقة عابد من الطبقة السادسة، روى له مسلم في صحيحه دون البخاري.
فابن أبجر هذا روى له مسلم ولم يرو عنه البخاري، وعبد الملك بن سعيد الكوفي روى له مسلم ولم يرو عنه البخاري، فمن طريق عبد الملك بن سعيد الكوفي عن واصل بن حيان الأحدب الأسدي الكوفي ثقة ثبت من الطبقة السادسة روى عنه البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه، وأبو داوود في السنن، والترمذي في السنن، والنسائي في السنن، وابن ماجه في السنن، يعني روى له الجماعة وهو ثقة ثبت روى له هذا الحديث، فهذا يدل على صحة الحديث الآن.
فواصل بن حيان الأحدب الأسدي الكوفي ثقة ثبت، قال: قال شقيق بن سلم أبو وائل الكوفي وهو ثقة مخضرم روى له البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه، وأبو داود في السنن، والترمذي في السنن، والنسائي في السنن، وابن ماجه في السنن، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وقد أدرك عمار بن ياسر.
هذا الآن عندنا السند والرواة الذين رووا هذا الحديث، وليس عليهم أي غبار ولا شيء، ويتبين أبو وائل مخضرم يعني أدرك عمار بن ياسر وأدرك غيره كذلك، فهذا الآن الطريق في صحيح مسلم، فالدارقطني بين أن الأحدب والأعمش قد اختلفا في إسناد هذا الحديث، فالأحدب يرويه عن عمار مرفوعا، والأعمش سليمان بن مهران الأعمش الكوفي يرويه عن ابن مسعود موقوفا عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود به، هذا في كتابه «التتبع» يعل حديث عمار بن ياسر في صحيح مسلم؛ لأنه يقول خالفه الأعمش وهو أحفظ منه لحديث أبي وائل، لكن بينا أن الأحدب ثقة ثبت كذلك، فهو ثبت في حديث أبي وائل، فكلا الحديثين صحيح حديث عمار مرفوعا صحيح، وحديث ابن سعود موقوفا صحيح، وبيأتي المرفوع لا يصح.
لكن الحافظ الدارقطني في كتابه «الغرائب والأفراد» (ج2 ص101) صحح حديث عمار بن ياسر المرفوع، وصحح الموقوف على ابن مسعود، فقال الحافظ الدارقطني في «الغرائب والأفراد»: (غريب صحيح من حديث وائل بن حيان الأحدب عن أبي وائل عنه) يعني عن عمار، (تفرد به عبد الملك بن سعيد بن أبجر عنه، حدث به ابنه عبد الرحمن، وسعيد بن بشير، ورواه مسلم عن سريج بن يونس بهذا الإسناد، وهو عندنا بعلو عن سريج)، فالآن في التتبع الحافظ الدارقطني في كتابه «التتبع» يضعف هذا الحديث يعل هذا الحديث، في كتابه «الغرائب والأفراد» يصحح هذا الحديث، وهذا صريح يقول: غريب صحيح، يعني غريب فرد من طريق واحد صحيح يقول، ولذلك رأيت من أعل هذا الحديث لكنه لم يطلع على ماذا؟ على قول الدارقطني في الغرائب، بل اطلع على التتبع وأعل الحديث بناء على هذا، لكنه لا بد يتتبع كلام الأئمة جيدا لكي يعرف.
ثم يقول الدارقطني في «الغرائب»: (وروى هذا الحديث سليمان الأعمش عن أبي وائل عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود في طول الصلاة دون قوله «إن من البيان سحرا» موقوفا غير مرفوع)، انتهى كلام الدارقطني في الغرائب، وهذا يدل على أن حديث ابن مسعود رضي الله عنه، روي مرفوعا وروي موقوفا، ويبين أن الموقوف هو الصحيح أن الموقوف هو الصحيح، فهذا موطن من المواطن التي صحح الحافظ الدارقطني حديث عمار بن ياسر، في كتابه «التتبع» يضعفه.
ونرى الحافظ الدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» أن إسناد عمار بن ياسر محفوظ مرفوعا، وإسناد ابن مسعود محفوظ موقوفا، فهو الآن الدارقطني كذلك يصحح الحديث في العلل حديث عمار بن ياسر الذي في صحيح مسلم، يعني ضعفه في التتبع وصححه في كتابه الغرائب وصححه في كتابه العلل، فنأخذ قوله ماذا؟ اللي وافق فيه الأئمة والجماعة من الرواة، ونترك قوله في التتبع، وبيأتي الآن يعني كلامه في العلل بالتفصيل الآن.
فإذا الآن يقول الحافظ الدارقطني أن حديث عمار رضي الله عنه، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه محفوظين، وهذا هو الصحيح بأن كلا الروايتين صحيح، فالحافظ الدارقطني في «العلل» فذهب إلى تصحيح الحديثين جميعا، فجعلهما محفوظين عن أبي وائل حيث قال: (والقولان عن أبي وائل محفوظان قول الأعمش وقول واصل جميعا)، فهذا الدارقطني الآن في العلل يصحح هذا الحديث، فالحديث صحيح، كيف لو سردنا الآن الطرق والتخاريج يتبين صحة هذا الحديث.
فواصل الأحدب ثقة ثبت فلا يوهم بمخالفة الأعمش له عن ابن مسعود موقوفا؛ لأن الحافظ الدارقطني في «التتبع» يقول أن الأحدب خالفه الأعمش، لكن الأحدب ثقة ثبت، فلا نجعله أنه وهم في هذا الحديث، وما دام ثقة ثبت، فيقول الحافظ الدارقطني هنا في «العلل» الآن بالتفصيل بعدما سئل عن حديث عمرو بن شرحبيل عن ابن سعود أن طول الصلاة وقصر الخطبة من فقه الرجل فقال الحافظ الدارقطني: (أبو وائل واختلف عنه، فرواه الأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله)، يعني ابن مسعود، يقول: (رواه ابن فضيل عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله موقوفا)، وهذه الرواية الموقوفة أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي معاوية عن الأعمش.
ثم يقول الدارقطني: (وخالف الأعمش واصل، فرواه عن أبي وائل عن عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم)، وهذه الرواية عندكم في صحيح مسلم، وكذلك عند البزار في المسند، وبيأتي الكلام على هذه الرواية.
ثم يقول الحافظ الدارقطني: (تفرد به عبد الملك بن أبجر عن واصل، وقد روي هذا الكلام عن عبد الله من وجه آخر موقوفا أيضا، وروي عن عمار بن ياسر أيضا من وجه آخر رواه عدي بن ثابت واختلف عنه، فرواه العلاء بن صالح عن عدي بن ثابت عن أبي راشد عن عمار، ورواه مسعر عن عدي بن ثابت عن عمار مرسلا، والقولان عن أبي وائل محفوظان قول الأعمش وقول واصل جميعا).
ثم ذكر الموقوف من حديث ابن مسعود قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الوكيل قال حدثنا عمر قال حدثنا يحيى عن إسماعيل قال حدثنا قيس قال قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «أحسنوا هذه الصلاة وأقصروا هذه الخطب»). انتهى الكلام الدارقطني.
وروي هذا الكلام عن عبد الله من وجه آخر موقوفا كما يعني مر، وهذه الرواية أخرجها ابن أبي شيبة في «مصنفه»، ويقول: رواه عدي بن ثابت واختلف عنه فرواه العلاء بن صالح، وهذا العلاء بن صالح التيمي الكوفي صدوق له أوهام، وعن عدي عن ثابت عن أبي راشد وأبو راشد هذا عن عمار مقبول.
فإذا الآن في كتابه «العلل» يصحح حديث عمار اللي في صحيح مسلم هذا عندكم في الكتاب، ويصحح حديث الأعمش عن ابن مسعود موقوفا، هذا الآن تحرير كلام الدارقطني، ولذلك قدمته لأنه لا بد يحرر كلامه لعل طالب الحديث يطلع على التتبع ولا يطلع على الكتب الأخرى كما فعل بعض الباحثين، فنقل عن الدارقطني إنه يعل هذا الحديث، لكن في كتابه الغرائب يصحح هذا الحديث، وفي كتابه «العلل» يصحح هذا الحديث في صحيح مسلم، ولذلك يقول عنه محفوظ هذا في «العلل»، وفي كتابه «الغرائب» يقول: صحيح يعني حديث صحيح، وهذا القول هو القول الراجح، ويأتي الكلام الآن على تخريج هذا الحديث بالتفصيل.
فهذا الحديث حديث صحيح أخرجه مسلم في «المسند الصحيح»، وأحمد في «المسند»، وابن خزيمة في «مختصر المختصر من المسند الصحيح»، وأبو نعيم في «المسند المستخرج»، والحاكم في «المستدرك» ووهم في استدراكه لماذا؟ لأنه يستدرك أحاديث ليست في صحيح البخاري وليست في صحيح مسلم، وهذا حديث عمار أين؟ في صحيح مسلم، فلا بد ما يستدرك عليه فوهما في استدراكه.
وابن أبي شيبة في «المسند»، وابن أخي ميمي الدقاق في «الفوائد»، وابن الأعرابي في «معجم الشيوخ»، ويعقوب بن سفيان في «مشيخته»، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين»، وفي «ذكر الأقران»، وابن حبان في «المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع»، والمخلص في «المخلصيات» فالله يخلصنا من الحزبيات، والبيهقي في «السنن الكبرى»، وفي «شعب الإيمان»، وفي «الآداب»، والدارمي في «المسند»، والبزار في «المسند»، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»، وفي «معجم الشيوخ»، وأبو يعلى في «المسند»، وغيرهم من طريق أحمد الصفار الله يصفر وجوه الحزبيين وقريش بن إبراهيم الصيدلاني إن شاء الله ما يحصلون شيء في الصيدلية من أمراضهم، وسريج بن يونس، ومعلا الرازي، وسعيد بن سليمان الواسطي، والعلاء الجعفي، ويحيى بن عبد الرحمن بن مالك وغيرهم، كلهم عن عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر عن أبيه عبد الملك عن واصل بن حيان الأحدب عن أبي وائل قال خطبنا عمار رضي الله عنه فأبلغ وأوجز، إلى آخر الحديث، كما عندكم في صحيح مسلم.
كل هؤلاء الآن رووا الحديث عن عبد الرحمن بن أبجر وهم ثقات، فهؤلاء الرواة حفظوا الحديث، فهذا الآن عندنا الحديث بهذا اللفظ هو الصحيح، وهذه الطرق الآن عندنا في هذا الحديث، فأي لفظ بعد ذلك تراه غير هذا اللفظ فهو ضعيف، وإليك الآن التفاصيل.
وأخرجه البزار في «المسند»، وابن المنذر في «الأوسط»، وتمام الرازي في «الفوائد» من طريق سعيد بن بشير عن عبد الملك بن أبجر عن واصل عن أبي وائل عن عمار بن ياسر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طول الصلاة وقصر الخطبة من فقه الرجل»، وإسناده ضعيف فيه سعيد بن بشير الأزدي، وهو ضعيف الحديث؛ كما في «التقريب» لابن حجر.
فالآن سعيد ابن بشير هذا الضعيف تفرد بهذا اللفظ، فاللفظ الموجود عندكم صحيح مسلم يختلف عن هذا اللفظ، وهذا اللفظ «خطبنا عمار فأوجز وأبلغ» ثم بعد ذلك ذكر الحديث المرفوع، لكن هذا بذكر المرفوع وبدون القصة، وسعيد الأزدي هذا ضعيف لا يحتج به، وأخرجه أبو داود في «سننه»، والبيهقي في «السنن الكبرى»، والحاكم في «المستدرك على الصحيحين»، وابن عبد البر في «التمهيد» من طرق عن عبد الله بن نمير قال حدثنا العلاء بن صالح عن عدي بن ثابت عن أبي راشد عن عمار بن ياسر قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقصار الخطب» هكذا اللفظ، وهذا الطريق ذكره الدارقطني في «العلل»، وهذا لفظ أبي داود في «سننه»، وعندكم العلاء بن صالح له أوهام، وأبو راشد هذا مقبول.
وقد رواه عن عبد الله بن نمير محمد بن عبد الله بن نمير وعنه محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي وإسناده منكر لا يثبت بهذا اللفظ، فيه العلاء بن صالح الكوفي قال عنه ابن المديني: روى أحدث مناكير، وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر، و«ميزان الاعتدال» للذهبي.
وأبو راشد هذا لم يسم وهو مجهول، وذكره البخاري في «الكنى» ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذا ترجم له ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فهو مجهول، فهذا الحديث لا يصح كذلك اللفظ هذا «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقصار الخطب» ما يصح، والذي قبله كذلك ما يصح، لذلك قال الذهبي في «الميزان» عن أبي راشد هذا: (لا يعرف وعنه عدي بن ثابت)، وقد أتى بما ينكر عليه في هذا اللفظ، وخالف الثقات الأثبات في اللفظ كما هو ظاهر >أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقصار الخطب< ولم يأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك ولا شيء.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» هذا اللفظ الثالث، وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف»، وأحمد في «المسند»، وأبو يعلى في «المسند» من طريق عبد الله بن نمير قال حدثنا العلاء بن صالح عن عدي بن ثابت قال حدثنا أبو راشد قال: خطبنا عمار رضي الله عنه فتجوز في خطبته فقال له رجل من قريش: لقد قلت قولا شفاء، فلو أنك أطلت فقال: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن نطيل الخطبة»، فهذا فيه نهي النهي هذا ما يصح بالنهي، وإسناده كسابقه منكر لأن العلاء بن صالح له أوهام، وأبو راشد مجهول، وذكر كذلك هذه القصة قصة الرجل من قريش، وذكر نهي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي اللفظ الأول «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» وهذا منكر من القول ولا يصح الحديث.
والحديث أخرجه الدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث»، وأخرجه أبو يعلى في «المسند»، والبزار في «المسند» من طريق أبي أحمد الزبيري قال أخبرنا العلاء بن صالح به، وإسناده منكر كسابقه فيه العلاء بن صالح وهو منكر الحديث، وأبو راشد مجهول والحديث أعله بتفرد أبي راشد عن عمار البزار بقوله: (ولا نعلم روى أبو راشد عن عمار إلا هذا الحديث).
قال ابن حجر في «التقريب»: (العلاء بن صالح التيمي الكوفي صدوق له أوهام)، فقد وهم في هذا الحديث بهذا اللفظ.
وقد ذكر الحافظ الدارقطني في «العلل» أن العلاء بن صالح قد خولف في هذا الحديث، خالفه مسعر بن كدام وهو ثقة ثبت، فرواه عن عدي بن ثابت عن عمار مرسلا، وهذا هو المحفوظ أن الحديث مرسل لأن مسعر بن كدام أثبت بكثير من العلاء بن صالح رواه مرسلا، العلاء رفعه، ومسعر إمام معروف في الحفظ أرسله، فالقول قول مسعر، فهذا يكون كذلك معلول، والدارقطني يعل رواية العلاء بن صالح بقوله: (قد خولف في هذا الحديث).
وفي كذلك لفظ رابع وأخرجه أبو يعلى في «المسند»، وابن عبد البر في «التمهيد» من طريق سفيان بن عيينة عن عمر بن حبيب المكي عن عبد الله بن كثير المكي القارئ وهو ثقة، معروف ابن كثير المكي القارئ، وهو ثقة عن عمار بن ياسر، يروي عن عمار بن ياسر هذا القارئ قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقصر الخطبة ونطيل الصلاة» وإسناده ضعيف لانقطاعه، فإن عبد الله بن كثير القارئ لم يدرك عمار بن ياسر، فالإسناد منقطع، وهذا اللفظ لا يصح، هذا اللفظ الرابع.
فالآن عندنا رواية عبد الله بن كثير المكي القارئ عن عمار بن ياسر، والانقطاع بين ابن كثير وبين عمار، فإن بينهما في الوفاة ما يقارب من ثلاثة وثمانين سنة بينهم، ولذلك هذا الحديث منقطع، وانظر: «التاريخ» لابن معين رواية الدوري (ج3 ص108).
وأخرجه البزار في «المسند»، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» من طريق مسعود بن سليمان عن حبيب بن أبي ثابت به، وإسناده منكر فيه مسعود هذا وهو مجهول، وحبيب بن أبي ثابت مدلس، وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر.
هذا الآن عندنا تخريج حديث عمار بن ياسر، الطرق كلها ضعيفة إلا طريق الإمام مسلم هو الصحيح، الدرس القادم سوف نتكلم عن الشواهد، ونتكلم عنه هناك بالتفصيل حديث ابن مسعود المرفوع والموقوف.