الرئيسية / ينابيع الأنهار في فقه الكتاب والسنة والآثار / تخويف الفزع من فعل القزع
2024-10-29
تخويف الفزع من فعل القزع
|
||||
تخويف الفــــــزع
من
فعل القـــــــــزع
وبيان:
تحريم القزع في الإسلام، ونهي التشبه باليهود، والنصارى، والمجوس
والمشركين، والمبتدعين في عباداتهم وعاداتهم وملابسهم
تأليف:
أبي عبدالرحمن فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
اللهم يسر
درة نادرة
قال الإمام الحسن البصري /: (الإيمان: أن تعلم أن ما قاله الله عز وجل كما قال).
أثر حسن
أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في «التوبيخ والتنبيه» (ص260) من طريق أبي يعلى عن شيبان، نا المبارك بن فضالة، قال: سمعت الحسن البصري به.
قلت: وهذا سنده حسن.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
من اعتصم بالله نجا
ذكر الدليل على تحريم القزع في الشريعة المطهرة
لما فيه من التشبه بالكفار والفسقــــــــــــــــــــــــة
(1) عن ابن عمر ﭭ؛ (أن رسول الله r نهى عن القزع في الرأس)؛ يعني: شعر الرأس.
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج10 ص364)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص501)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص305)، والدوري في «التاريخ» (ج1 ص283)، وابن الأعرابي في «المعجم» (403)، والبغوي في «شرح السنة» (ج12 ص98)، وأبو يعلى في «المعجم» (250)، وابن ماجة في «سننه» (ج2 ص1201)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص67 و82) من طرق عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ﭭ به.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج2 ص583): (وقد نهى النبي r عن القزع، والنهي يشمل الذكر والأنثى). اهـ
(2) وعن ابن عمر ﭭ قال: (سمعت رسول الله r ينهى عن القزع).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج10 ص363)، ومسلم في «صحيحه» (2120)، وأبو داود في «سننه» (4193)، وابن ماجة في «سننه» (ج2 ص1202)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج5 ص408)، وفي «المجتبى» (ج8 ص130)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص4)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2684)، وابن عدي في «الكامل» (ج5 ص1819)، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (ج1 ص49)، والدوري في «التاريخ» (ج1 ص284)، وأبو عبيد في «غريب الحديث» (ج1 ص184)، والبزار في «المسند» (ج12 ص237 و138)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج5 ص206)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص305)، وفي «شعب الإيمان» (ج5 ص231)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج4 ص328)، وابن حبان في «صحيحه» (ج12 ص316)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» (273)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص231)، وفي «أخبار أصبهان» (ج2 ص51)، والخلال في «الترجل» (ص177) من طريق عمر بن نافع عن نافع مولى عبد الله؛ أنه سمع ابن عمر ﭭ به.
قال نافع: «القزع: هو يحلق بعض رأس الصبي، ويترك بعض شعره».([1])
قلت: والنهي يقتضي التحريم، كما هو مقرر في أصول الفقه، إلا أن يصرفه صارف من التحريم إلى الكراهة، ولا صارف للنهي هنا.([2])
وبوب عليه الحافظ النسائي / في «السنن الكبرى» (ج5 ص408)؛ ذكر النهي عن أن يحلق بعض شعر الصبي، ويترك بعضه.
قال جعفر بن محمد: سمعت أبا عبد الله -يعني الإمام أحمد- يسأل عن القزع، قال: (نهى رسول الله r عن القزع).([3])
وعن بكر بن محمد عن أبيه عن أبي عبدالله، وسأله عن القزع؛ فقال: (هو أن يحلق بعض الشعر، ويترك بعضه).([4])
قال الجوهري اللغوي / في «الصحاح» (ج3 ص1265): (القزع: قطع من السحاب رقيقة، الواحدة قزعة...والقزع: أيضا أن يحلق رأس الصبي، ويترك في مواضع منه الشعر متفرقا، وقد نهى عنه، وقزع رأسه تقزيعا، إذا حلق شعره، وبقيت منه بقايا في نواحي رأسه، ورجل مقزع: رقيق شعر الرأس متفرقه). اهـ
قلت: وكل قطعة من السحاب في السماء تسمى قزعة([5])؛ كما قال أنس بن مالك t: (والله ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعة)([6])؛ أي: قطعة من السحاب.
قال الحافظ ابن حجر/ في «فتح الباري» (ج10 ص364): (قوله: (باب القزع)؛ بفتح القاف، والزاي؛ ثم المهملة: جمع قزعة، وهي القطعة من السحاب، وسمي شعر الرأس إذا حلق بعضه، وترك بعضه قزعا؛ تشبيها بالسحاب المتفرق).اهـ
(4) وعن ابن عمر ﭭ؛ أن النبي r رأى صبيا حلق بعض شعره، وترك بعضه، فنهى عن ذلك، وقال r: (احلقوه كله، أو اتركوه كله).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2120)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص88)، والنسائي في «السنن الكبرى» (9296)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص130)، وأبو داود في «سننه» (4195)، وابن حبان في «صحيحه» (5508)، والبغوي في «شرح السنة» (3186)، وعبد الرزاق في «المصنف» (19564) من طريق معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ﭭ به.
وبوب عليه الحافظ النووي / في «رياض الصالحين» (ص619)؛ باب النهي عن القزع، وهو حلق بعض الرأس دون بعض.
ومنه؛ قول أنس بن مالك t في «حديث الاستسقاء»: (فلا والله ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعة).([7])
قوله: (ولا قزعة)؛ أي: ولا قطعة من سحاب، وجمعه قزع.([8])
قال الحافظ ابن الأثير / في «النهاية» (ج4 ص511): (وقوله: (وما في السماء قزعة)؛ أي: قطعة من الغيم، وجمعها: قزع؛ ... ومنه الحديث: (أنه نهى عن القزع)؛ هو أن يحلق رأس الصبي، ويترك منه مواضع متفرقة محلوقة، تشبيها بقزع السحاب). اهـ
قلت: فالقزعة: قطع السحاب المتفرقة.
ومنه الخريف: وهو يكون أول الشتاء، والسحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم، ولا مطبق، ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك.([9])
قال الإمام أبو عبيد / في «غريب الحديث» (ج1 ص185): (القزع: أن يحلق رأس الصبي، ويترك منه مواضع فيها الشعر متفرقة، وكذلك كل شيء يكون قطعا متفرقة؛ فهو قزع، ومنه قيل لقطع السحاب في السماء: قزع). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «جامع المسانيد» (ج4 ص328): (والقزع: أن يحلق الصبي، فيترك بعض شعره). اهـ
وقال الحكيم الترمذي / في «نوادر الأصول» (ج1 ص49): (والقزع: أن يحلق رأس الصبي، ويترك بعضه). اهـ
(5) وعن ابن عمر ﭭ قال: قال رسول الله r: إياكم والقزع، إياكم والقزع؛ قالوا: يا رسول الله؛ وما القزع؟؛ قال r: (أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه).
حديث صحيح
أخرجه اليونيني في «مشيخته» (ص61)، والصيداوي في «معجم الشيوخ» (ص98)، والذهبي في «السير» (ج15 ص539)، وابن المقرئ في «المعجم» (ص122) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به.
وأخرجه السهمي في «تاريخ جرجان» (ص168) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن مجبر عن نافع عن ابن عمر ﭭ قال: (نهى رسول الله r عن القزع).
وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج1 ص240)، ومن طريقه: ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج55 ص291) من طريق عبد الرحمن بن شيبة ثنا محمد بن مسلمة المدني سمع مالكا عن نافع عن ابن عمر ﭭ قال: (نهى النبي r عن القزع).
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح رياض الصالحين» (ج6 ص382): (القزع؛ أن يحلق بعض الرأس، ويترك بعضه، سواء كان من جانب واحد، أو من كل الجوانب، أو من فوق، ومن يمين، ومن شمال، ومن وراء، ومن أمام، فمتى حلق بعض الرأس، وترك بعضه؛ فهذا قزع وقد نهى عنه النبي r). اهـ
قلت: وحلق شعر الرأس بطريقة القزع، فيه شذوذ عن عرف البلد، بل القزع فيه تشبه باليهود والنصارى والمجوس!، وأهل المعاصي والشر، والله المستعان.([10])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج10 ص365): (واختلف في علة النهي؛ فقيل: لكونه يشوه الخلقة، وقيل: لأنه زي الشيطان، وقيل: لأنه زي اليهود، وقد جاء هذا في رواية لأبي داود). اهـ
قلت: لذلك ترى أبناء المسلمين من جهلهم بأحكام الدين منهم يفعلون هذا القزع، فيحلقون بعض الشعر، ويتركون بعضه، فوقعوا في الحرام، والعياذ بالله.
* فعلى هؤلاء أن ينتهوا عن القزع، لأن النبي r نهى عنه، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء.([11])
قال الحافظ القرطبي / في «المفهم» (ج5 ص441): (لا خلاف؛ أنه إذا حلق من الرأس مواضع، وأبقيت مواضع؛ أنه القزع المنهي عنه). اهـ
وقال العلامة أبو عبد الرحمن آبادي / في «عون المعبود» (ج11 ص247): (القزع: بفتح القاف، والزاي ثم المهملة؛ جمع قزعة، وهي القطعة من السحاب، وسمي شعر الرأس إذا حلق بعضه، وترك بعضه قزعا؛ تشبيها بالسحاب المتفرق... واختلف في علة النهي؛ فقيل لكونه يشوه الخلقة، وقيل: لأنه زي الشيطان، وقيل: لأنه زي اليهود). اهـ
وقال الفقيه ابن قدامة / في «المغني» (ج1 ص75): (قال المروذي: سألت أبا عبد الله - يعني الإمام أحمد - عن حلق القفا؛ فقال: (هو من فعل المجوس، ومن تشبه بقوم؛ فهو منهم). اهـ
قال الفقيه ابن مفلح الحنبلي / في «الآداب الشرعية» (ج3 ص335): (وهذا يقتضي التحريم). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «تحفة المودود» (ص165): (والقزع أربعة أنواع:
أحدها: أن يحلق من رأسه مواضع من هاهنا، وهاهنا، مأخوذ من تقزع السحاب، وهو تقطيعه.
الثاني: أن يحلق وسطه، ويترك جوانبه؛ كما يفعله شماسة النصارى.
الثالث: أن يحلق جوانبه، ويترك وسطه؛ كما يفعل كثير من الأوباش، والسفل.
الرابع: أن يحلق مقدمه، ويترك مؤخره.
فهذا كله من القزع). اهـ
قلت: والأصل حرمة فعل ما اختص به الكفار، وتقرر أن فعل القزع من خصائص اليهود، والنصارى، وغيرهم من الكفار.
قلت: ومما يشاهد في زماننا أن طوائف من شباب الكفرة الغربيين؛ كالخنافس، والهيبز دأبت على أنماط من التلاعب بشعر الرأس، ومنها: حلق مؤخرته، وإبقاء أعلاه، أو حلق جوانبه، وإبقاء خصلات في أعلاه ومؤخرته إلى غير ذلك مما لا تجده في بلاد المسلمين؛ إلا عند نفر من الشباب الضائعين المتأثرين بالغرب، فأصبح حلق الشعر بهذه الطريقة من التشبه بهم في هذا الزمان.([12])
قلت: والتشبه بعمومه من أخطر القضايا في حياة المسلمين، وخصوصا في هذه العصور المتأخرة، وذلك لاتساع دائرة علاقات المسلمين بغيرهم، واختلاط الشعوب، والبلدان ببعضها بصورة لم تعهد من قبل؛ فالحذر الحذر لأنه قد يفضي إليه أمر التشبه من محبة الكفار، أو العصاة، وما يسببه من ضياع للمسلم في هذه الحياة، اللهم سلم سلم.
قلت: والتشبه بالكفار منهي عنه.
فعن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: لتتبعن سنة من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم، قيل: يا رسول الله، اليهود، والنصارى؟ قال: فمن.([13])
قلت: وهذا يقتضي المنع من كل ما كان من خواص الكفار، لذم التشبه باليهود والنصارى.([14])
وعن عبد الله بن عمرو ﭭ؛ أن النبي r قال: له حين رأى عليه ثوبين معصفرين: (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها).([15])
قلت: فتعليله r للنهي بأن هذه الثياب من ثياب الكفار، يقتضي المنع من كل ما كان من خواص الكفار.
قال العلامة أحمد شاكر في «تعليقه على المسند» (ج10 ص19): (هذا الحديث يدل بالنص الصريح على حرمة التشبه بالكفار في الملبس، وفي الحياة والمظهر، ولم يختلف أهل العلم منذ الصدر الأول في هذا). اهـ
وعن ابن عمر ﭭ، قال: قال رسول الله r: (جعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم).([16])
قال العلامة الصنعاني / في «التنوير» (ج10 ص178): (قوله r: (من تشبه بقوم) ظاهرا في ملبوسه، وهيئته؛ (فهو منهم)؛ معدود إن كانوا من أهل الخير؛ فهو من أهله، أو من أهل الشر فكذلك). اهـ
وقال العلامة الصنعاني / في «سبل السلام» (ج4 ص347): (والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم، أو بالكفار، أو بالمبتدعة ([17])؛ في أي شيء مما يختصون به من ملبوس، أو مركوب، أو هيئة).. اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط» (ج1 ص237): (هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بأهل الكتاب، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم). اهـ
قلت: والتشبه يقع في الأمور القلبية من الاعتقادات، والإرادات، ويقع في الأمور الخارجية الظاهرة من العبادات، والعادات.([18])
قلت: والله تعالى جعل الذل، والخذلان لمن خالف أمر النبيr ، وهذا الخسران المبين في الدنيا والآخرة، اللهم غفرا.
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «تسهيل الإلمام» (ج6 ص211): (التشبه بقوم في أفعالهم بأن يفعل مثل فعلهم، أو يتصف بمثل صفاتهم، أو يتكلم بمثل كلامهم، فالتشبه: هو المحاكاة والمماثلة في أقوالهم، وأفعالهم، وصفاتهم، والواجب على المسلمين أن يعتزوا بدينهم، وبما شرعه الله لهم من الأحكام النافعة، وما أمرهم به من الأوامر التي فيها خيرهم، ويتجنبوا ما نهاهم عنه مما فيه ضررهم، وأن يتميزوا عن غيرهم من الناس؛ لأن الله أعزهم بالإسلام، قال تعالى: ]ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين[ [آل عمران:139]، فالإيمان يجعل الإنسان عاليا على غيره بالصفات والسمات الطيبة([19])، ... والمسلم أعطاه الله الميزة على غيره، فكيف يتنازل عن هذه المرتبة إلى ما دونها، مما ليس فيه له فائدة.
فقوله r: (من تشبه بقوم)؛ قوم هذا عام، هذا الحديث خرج مخرج النهي، أي: لا تشبهوا، (من تشبه بقوم)؛ يعم الكفار، والفساق، والعصاة ([20])، ففيه النهي عن التشبه بهؤلاء، نهي المسلم أن يتشبه بأحد هذه الأصناف، بل عليه أن يترفع بدينه، وخلقه، وإسلامه على أن يتشبه بكافر، أو يتشبه بالعصاة، لأنه إذا فعل ذلك فقد تنازل عن كرامته.
* والتشبه في الظاهر يدل على المحبة في الباطن؛ لأنه لو لم يكن يحب المتشبه به، لما تشبه به، وقد جاء في الحديث الآخر النهي عن التشبه باليهود والنصارى، وجاء الحديث بالنهي عن التشبه بالمشركين، والنهي عن التشبه بالمجوس، وبأي طائفة من طوائف الكفر كلها، المسلم لا يتشبه بهذه الطوائف الخاسرة: ]ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون[ [المنافقون:8].
* وهذا الحديث: فيه النهي عن التشبه بغير المسلمين، بما في ذلك من الانحطاط، والتنازل عن ما هو خير إلى ما هو أدنى، وقد ابتلي كثير من المسلمين بالتشبه بالكفار، والتشبه يراد به التشبه بهم في عباداتهم، وفي دينهم، فنعمل مثل ما يعملون من البدع والمحدثات، لما أحدثوا الموالد صرنا نتشبه بهم فنعمل الموالد، هذا منحدر من المشركين، ومن اليهود والنصارى، لما كانوا يبنون على القبور، صار بعض المسلمين يبني على القبور، لأن البناء على القبور من عادة اليهود والنصارى، قال r: (إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا تلك الصور).([21]) فلما كان من عاداتهم البناء على معظميهم، صرنا نتشبه بهم، ولما كانوا يتتبعون الآثار، ويعظمون الآثار القديمة لعظمائهم من الرسل، أو من العباد، أو من الملوك، صرنا نفعل مثل فعلهم، فنحيي الآثار، وقد نهانا النبي r عن ذلك؛ لأن إحياء الآثار للمعظمين يجز إلى الشرك، ولو على المدى البعيد، تأتي أجيال تظن أن من هذه الآثار ما هو نافع، وما هو ضار، يزين لهم شياطين الجن والإنس ذلك.
* فنحن منهيون عن التشبه بالكفار في دينهم، وفي عاداتهم المختصة بهم، كالتشبه بهم في اللباس([22])، والتشبه بهم في الكلام، التشبه بهم في ما هو من خصائصهم، في العبادات وفي العادات، أما الأشياء التي ليست من خصائصهم، إنما هي عامة، فهذا ليس من التشبه مثل طلب الرزق، وتعلم الصناعات، وتعلم الحرف المفيدة، وصناعة الأسلحة، هذا مشترك بين بني آدم، بل ديننا أمرنا بذلك، وليس هذا من التشبه بهم، إنما التشبه بهم فيما لا فائدة فيه، لا في الدين، ولا في الدنيا، وإنما هو من العادات السيئة.([23])
قوله r: (فهو منهم)؛ أقل أحواله التحريم، لأن ظاهره أنه يقتدي بالكفار، لقوله: (فهو منهم)، هذا ظاهره أنه يكفر، إذا تشبه بهم، ولكن أقل أحواله أنه يفيد التحريم؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية /، يقول: «أقل أحواله أنه يفيد التحريم، وإن كان ظاهره أنه يفيد الكفر لقوله r: (فهو منهم)؛ كما قال تعالى: ]ومن يتولهم منكم فإنه منهم[ [المائدة:51].
فهذا الحديث: هو أصل عظيم لاعتزاز المسلمين بدينهم، وتمسكهم بما شرفهم الله به من هذا الدين وآدابه، وفيه التحذير من التشبه بالكفار ([24])). اهـ
وقال الحكيم الترمذي / في «نوادر الأصول» (ج1 ص50): (فالقزع: أن يحلق وسط رأس الصبي، ويترك ما حوله، وكان هذا فعل القسيس، وهم ضرب من النصارى، وهم الذين ذكروا في التنزيل، فقال الله تعالى: ]ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون[ [المائدة:82].
* وأما حلق أوساط الرؤوس، فذلك علامة لهم، وهو فعل مذموم أحدثوه فيما بينهم، وهو ضرب منهم ... فإنما نهى رسول الله r في شأن الصبي أن يحلق وسط رأسه للتشبيه بهؤلاء الذين وصفناهم([25])). اهـ
قلت: والنهي عند الإطلاق يقتضي التحريم، وفساد المنهي عنه، ويقتضي المبادرة إلى ترك المنهي عنه على الفور، لكي يرتفع الإثم([26]) عن فاعله، وإلا فلا.([27])
قال العلامة الشوكاني / في «إرشاد الفحول» (ص97): (والحق أن كل نهي من غير فرق بين العبادات، والمعاملات؛ يقتضي تحريم المنهي عنه، وفساده للبطلان). اهـ
وقال القاضي أبو يعلى / في «العدة» (ج1 ص426): (ويدل عليه- يعني النهي- إجماع الصحابة؛ فإنهم كانوا يرجعون إلى ظواهر النواهي في ترك الشيء).اهـ
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي – جل وعلا – أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
درة نادرة................................................................................................... |
5 |
2) |
ذكر الدليل على تحريم القزع في الشريعة المطهرة لما فيه من التشبه بالكفار والفسقــــــــــــــــــــــــة.................................................... |
16 |
([1]) وانظر: «تحفة المودود بأحكام المولود» لابن القيم (ص164)، و«نوادر الأصول» للحكيم الترمذي (ج1 ص49)، و«حلية الأولياء» لأبي نعيم (ج9 ص231)، و«المعجم» لابن الأعرابي (ج3 ص412)، و«طبقات المحدثين بأصبهان» لأبي الشيخ (ج2 ص333).
([2]) وانظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (ص97)، و«العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج1 ص428)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ص81)، و«الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج3 ص335).
([5]) وانظر: «شرح صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج5 ص583)، و«شرح صحيح مسلم» له (ج6 ص564)، و«شرح رياض الصالحين» له أيضا (ج6 ص382).
([10]) وانظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج6 ص648 و649)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج6 ص79)، و«اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ج1 ص180)، و«المغني» لابن قدامة (ج1 ص75)، و«السنن» لأبي داود (ج6 ص262)، و«تحفة المودود بأحكام المولود» لابن القيم (ص164).
([11]) وانظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج6 ص648)، و«المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (ج5 ص441)، و«المنهاج» للنووي (ج14 ص101)، و«عمدة القاري» للعيني (ج22 ص57)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج10 ص300)، و«المنتخب من معجم الشيوخ» للسمعاني (ج2 ص1209).
([14]) وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ج1 ص482).
قلت: وإن التشبه يكون جزئيا؛ كما يكون كليا، والله المستعان.
وانظر: «فيض القدير» للمناوي (ج6 ص104).
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج12 ص351)، والذهبي في «السير» (ج15 ص509)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج34 ص324)، والهروي في «ذم الكلام» (467)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (1199)، وابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص212)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (766)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج11 ص67)، والطبراني في «مسند الشاميين» (216)، والدينوري في «المجالسة» (ج1 ص461)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج67 ص257)، وابن الأعرابي في «المعجم» (1137)، وتمام الرازي في «الفوائد» (770)، وأحمد في «المسند» (ج7 ص121)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (ج2 ص50)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص44)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص88)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص445)، وابن حذلم في «حديث الأوزاعي» (31).
وإسناده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج5 ص109)، والسيوطي في «الجامع الصغير» (ج2 ص522)، والذهبي في «السير» (ج15 ص509).
وجود إسناده ابن تيمية في «اقتضاء الصراط» (ج1 ص236)، وفي «الفتاوى» (ج25 ص331)، وصححه العراقي في «المغني» (ج2 ص63)، والشيخ أحمد شاكر في «تعليقه على المسند» (ج7 ص121).
وقال ابن حجر في «فتح الباري» (ج6 ص271): (أخرجه أبو داود: بسند حسن).
وقال الذهبي في «السير» (ج15 ص509): (إسناده صالح).
([17]) كــ«الأزهريين» الذين يلبسون لباسا خاصا يشذون به عن لباس المسلمين، فلا يجوز التشبه بهؤلاء المبتدعة في لباسهم.
([19]) قلت: فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه، لذلك فعلى المسلم أن يكون في المرتبة العالية، ولا ينزل إلى ما دونها.
([20]) كــ:«لباس الجامعيين»؛ أثناء توزيع الشهادات عليهم؛ فيلبسون اللباس الأسود الذي يختص به النصارى لكنائهم، فهذا فيه التشبه بهم، فيحرم لبسه، والله المستعان.
([25]) قلت: لا يجوز التشبه بمظاهر الكفار في الخارج، وبمظاهر المبتدعة في الداخل؛ لما فيها من الشذوذ عن الخلق المكرم، اللهم سلم سلم.