الرئيسية / شرح كتاب الجمعة من صحيح مسلم / الجزء (35) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: تتمة باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة - وبيان فضل هذه الأمة
2024-09-10
الجزء (35) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: تتمة باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة - وبيان فضل هذه الأمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فتكلمنا في الدرس الذي تقدم عن باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، وذكر الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وذكره بعدة ألفاظ، وكذلك ذكره بعدة طرق، وكما بينت لكم كثيرا بالنسبة لتكرار الأئمة الألفاظ والأحاديث في كتبهم، وكذلك تكرار الطرق، فأما بالنسبة لتكرار الطرق لتقوية الحديث بالمتابعات وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا الحديث رواه يعني رواة كثر أو عدد من الرواة، وغير ذلك مما بيناه.
وكذلك بالنسبة للألفاظ كما قلت لكم أن هذه الألفاظ إذا تعددت يتبين منها اللفظ المجمل واللفظ المفسر أو المفسر، فيحمل هذا المجمل على المفسر أو المفصل لكي يتبين لك الحكم الصحيح في هذه الألفاظ.
ففي اللفظ الأول في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة»، وفي هذا يتبين أن هذه الأمة آخر أمة، وفي الآخرة هي الأمة السابقة، فعندكم «نحن الآخرون» غير مفسرة هل في الدنيا أو في الآخرة، فعندكم في الألفاظ الأخرى يتبين لكم ذلك أن هذا الأمر في الدنيا، ونحن السابقون يوم القيامة عندكم أول من يدخل الجنة، فعندكم بالنسبة لهذه الأمة آخر أمة في هذه الدنيا، وهذه الأمة سابقة، والسابقون يعني في الآخرة، ففي الدنيا آخر أمة وفي الآخرة أول أمة.
وكذلك الأمر المهم لهذه الأمة أن هذه الأمة أول ما تدخل الجنة رغم أنها آخر أمة، وهذا الحديث يدل على ماذا؟ فضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأمة، رغم أن الأمم السابقة متقدمة عليها، ولها فضائل، ولها كتب ولها أنبياء عظماء كموسى عليه السلام، كإبراهيم عليه السلام، كلوط، وغير ذلك من الأنبياء العظماء، ولهم أمم، ومع هذا الله سبحانه وتعالى جعل أمة النبي صلى الله عليه وسلم لها هذا الفضل أنها أول ما تدخل الجنة أمة النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك تعرف أهمية هذه الأمة، وعظم هذه الأمة عند الله سبحانه وتعالى، ولها فضل عظيم.
ولذلك لا بد على الناس أن يشكروا الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة أن جعلهم من أمة النبي صلى الله عليه وسلم، فيجتهدون في العبادة جملة وتفصيلا، يجتهدون في عبادة الصلاة، في عبادة الحج، في عبادة الصيام، في الدعوى إلى الله سبحانه وتعالى، عبادة الدعوى إلى الله، والاجتهاد وعدم الفتور وعدم الكسل في العبادة، وكذلك الهمة في طلب العلم، ومعرفة هذا الدين جملة وتفصيلا بأدلة الكتاب والسنة والآثار؛ لأن شكر النعمة هكذا، ليس شكر النعمة بالألفاظ لا، شكر النعمة باللفظ وبالعمل يعني بالقول وبالعمل، فعلى الناس يعني أن يشكروا الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة أن جعلهم من أمة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يختاروا اللهو واللعب والفتور والطعام والشراب مطلقا، والركون إلى هذه الدنيا والتجارات وما شابه ذلك.
فلا بد عليهم أن يجتهدوا أولا لعبادتهم، وبذلك يدخل الناس الجنة، أما الذي يترك العمل ويشرك بالله سبحانه وتعالى ويبتدع وينغمس في المحرمات والفتور وما شابه ذلك، فهذا يعني في خطر عظيم بلا شك، وأهل الشرك وغير ذلك هؤلاء ليس لهم إلا النار، فلا يدخلون الجنة، ولا يقولون نحن من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سوف ندخل الجنة أول الناس، هؤلاء يدخلون النار أول الناس والعياذ بالله، فلذلك الله سبحانه وتعالى أعطى هذه الأمة هذه النعمة أن تدخل الجنة أول الأمم، فعليهم أن يجتهدوا لكي يدخلوا أول الناس قبل الأمم السابقة، وهذا للمجتهد في عبادة الله سبحانه وتعالى.
وهذه الأمة هي أمة الإجابة التي استجابت لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولمنهج الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنه لا بد من فهم الكتاب والسنة على فهم الصحابة وبس؛ لأن ما تبقى من الناس بعد الصحابة تبعا للصحابة، فإذا رأيت المتأخرين والمعاصرين يسلكون منهج الصحابة ويرجعون إليهم فأنت معهم تكون، أما إذا خالفوا قالوا مذاهب وفرق وجماعات فاجتنب هؤلاء واهجرهم هجرا جميلا، وعليك بأمة الإجابة التي تسلك مسلك الصحابة في هذا الدين.
ويستحيل أن يعرف الناس والبلدان في العالم كله أن يعرفوا هذا الدين ويعرفوا القرآن والسنة بدون الصحابة من تلقاء أنفسهم، أو من مذاهبهم، أو من فرقهم، أو جمعياتهم، فلا يعرفون وليس عليك بكثرة الناس الذين يفتون بذلك تمذهب بمذهب وعليك بهذه الجماعة أو كذا أو كذا، ما عليك من هذا الكلام، فانظر أي جماعة سلكت مسلك الصحابة وترجع حق الصحابة في كل شيء، وهم أهل الأثر أهل الحديث، فعليك أن تنضم معهم وتعمل معهم وتدعو معهم، فأبشر بعد ذلك بدخولك مع الأمة أمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أول الأمم تدخل الجنة، وهي أمة الإجابة وليس أمة الفوضى أمة هؤلاء العوام، فلذلك اعرف هذا الأمر.
فنحن الآخرون يعني في الدنيا، والسابقون يوم القيامة يعني دخول الجنة، وهذه الألفاظ يعني تبين لكم هذا الأمر، فيقول القاضي عياض رحمه الله تعالى في «إكمال المعلم»: (فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب من قبلنا وأتيناه من بعدهم» يقول عن هذا الأمر: هكذا هذا الحرف بيد بفتح الباء وسكون الياء، ووقع عند السمرقندي في حديث عمر الناقد، وعند الطبري في حديث ابن أبي عمر بأيد بكسر الباء وبعدها همزة مفتوحة مثل قوله تعالى: ﴿والسماء بنيناها بأيد﴾ [الذاريات:47])، فهنا يبين أصل الكلمة كما بين النبي صلى الله عليه وسلم بفتح الباء بيد، وهذه كلمة عربية بيأتي الآن معنى هذه الكلمة، وكذلك يقال بأيد يعني بكسر الباء.
وقوله «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة» قيل الآخرون في الزمن السابقون بالفضل، فالآخرون في الزمن يعني في الدنيا، والسابقون بالفضل، وهذا يكون يعني الفضل فضل الأمة في الدنيا وفي الآخرة، وكذلك السابقون بدخول الجنة، فلذلك المسلم الذي من أمة النبي صلى الله عليه وسلم يسمع مثل هذا الكلام، فلا بد عليه أن يجتهد بإقامة الطاعة، وأن الله سبحانه وتعالى يسر لهذه الأمة هذه الطاعة ليس فيها مشقة ولا تعب كما يعني هو الواقع، حتى أن الناس يصلون مثلا في المساجد إذا أتى الشتاء في الدفايات عندهم لكي يذهب عنهم البرد، كذلك المساجد هذه فاخرة وسجاد فاخر وما شابه ذلك، يعني المساجد مهيئة للعبادة ويرتاح الشخص أن يصلي.
كذلك لو لم يستطع يصلي في البيت البيوت كذلك مهيئة ميسرة تصلي لوحدك ليس عليك ضغوطات، وليس عليك منع، ولا أحد يخوفك من الصلاة وإلى آخره كما كان الناس في السابق، كان بني إسرائيل يصلون في بيوتهم وأمرهم الله سبحانه وتعالى بذلك يخافون من فرعون، وكذلك كما لا يخف عليكم في القديم الناس يخافون يصلون لأن البلدان القائمة عليهم علمانيين وما شبه ذلك يخوفون الناس، يهددون الناس بالقتل والسجن وما شبه ذلك، الله سبحانه وتعالى الآن يسر العبادة في كل العالم حتى في دول الكفر دول الإلحاد، في كل مكان ميسرة الصلاة، الصيام، الحج، العمرة، الذكر، القرآن يعني بكتابة فاخرة ممكن الناس يقرؤون في المصحف الهاتف وأنت جالس في بيتك، في أي مكان، ممكن قبل ما تجد مصحفا الآن تفتح الهاتف في البر، في كل مكان، وتقرأ بيسر مرتاح.
فلذلك أشياء كثيرة العمرة الآن ميسرة، هناك طائرات، هناك سفن، هناك قطارات، سيارات، وأشياء كثيرة، فلذلك كل شيء ميسر، حتى الحرم ميسر الفنادق، السكن، الطعام، الشراب، فيه أشياء كثيرة ميسرة الآن، فكيف هذا يعني على تيسير الله سبحانه وتعالى أماكن العبادة والعبادة يكسل ويفتر لأجل لهو ولعب وكسل النفس وما شابه ذلك، ولا يريد أن يتعلم وقد أعرض عن طلب العلم لماذا؟ طلب العلم ميسر الآن حتى من طريق الهواتف، في كل مكان ممكن تسمع الدروس، فهذه فرصة لكل مسلم يدخل الجنة بيسر، ما دام هذا الدين هكذا ميسر له فبيسر بإذن الله سبحانه وتعالى سوف يدخله الجنة، وإلا في القديم كان الناس يشق عليهم.
فلا يخفى عليكم ذهاب الناس في القديم على الإبل إلى الحج إلى العمرة بالشهور الطويلة، الآن ممكن في يوم واحد تذهب تعتمر وترجع في نفس اليوم عن طريق الطائرات، انظر تيسير الله سبحانه وتعالى للناس، وهذا كذلك التيسير ليس فقط تيسير للناس هذا كذلك من باب إقامة الحجة على الناس على ما يسره الله سبحانه وتعالى لهم الحج والعمرة وغير ذلك، ومع هذا بعد كذلك لا يحجون، ولا يعتمرون، ولا يصلون، وهناك عدد كبير من هذا الصنف على هذا التيسير، فلذلك هذا الأمر ميسر.
ثم يقول بعد ذلك القاضي عياض: (وأول ما يقضى بينهم يوم القيامة)، وأول ما يقضى بين أمة النبي صلى الله عليه وسلم آخر أمة وأول أمة يقضى بينها، ثم يقول: (ويدخل الجنة قبل سائر الأمم على ما جاء في صحيح الأحاديث مفسرا)، فإذا الآن الإمام المسلم يذكر لك الألفاظ المجملة ويذكر لك الألفاظ المفسرة، فأنت لا تقرأ لفظ واحد من الأحاديث سواء في هذه الأحكام أو في غيرها، فلا بد أن تجمع جميع الألفاظ ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة الواحدة لكي يتبين لك الحكم، فلا تقرأ لنا حديث واحد من رياض الصالحين وتقول ما فهمت، أكيد ما تفهم لأن الحديث الذي قرأته لفظ واحد ولفظ مجمل، فأنت اجمع هذه الألفاظ في هذه الكتب، ثم بعد ذلك يتبين لك تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذا المجمل، سوف تعرف الحكم الصحيح.
وبسبب إعراض الناس عن طلب العلم فلم يفهموا دينهم فوقعوا في الحيرة، ووقعوا في الجهل، ما يعرفون يقرؤون الأحاديث المجملة والأحاديث العامة، فلا يعرفون الحكم، فلا يبحثون في الأحاديث المفسرة الأحاديث الخاصة، وكذلك الأحاديث المفصلة لكي يعرفون، فجهل الناس أشياء كثيرة من أصول الفقه، فلم يعرفوا الأحكام، فأعرضوا عن هذا الدين، وإلا لو قرأوا هذه الأحاديث، وكذلك شروح أهل العلم لتبين لهم هذا الأمر.
كذلك هذه الأمة هي الشهداء هي الشهيدة على الأمم السالفة في الدنيا وفي الآخرة، وبينت لكم في الدرس الذي سلف بالنسبة عن شهادة هذه الأمة، ويحكمون على الناس أن هذا كافر، وأن هذا مبتدع، وأن هذا كذا وهذا كذا، وبينت لكم ذلك.
يقول بعد ذلك القاضي عياض: (على ما جاء في صحيح الأحاديث مفسرا وذكره مسلم في بعضها)، فهو يبين لك أن الإمام مسلم وغيره من الأئمة كالإمام البخاري في صحيحه، كأبي داوود في سننه، والترمذي في سننه، وغير هؤلاء الأمة، يذكرون لك عدة أحاديث مكررة، فهذا التكرار ليس عبث، هذا التكرار مفسر مفصل، وكذلك كثرة الطرق يتبين لك ثبوت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، غير إذا كان من طريق واحد، فلذلك هؤلاء المحققون والشراح المعاصرون فيشرح لك حديث واحد، لكن ما يبحث فيه ما يبحث في الطرق لأنه ما يعرف، يعرف يشرح، فما يستطيع يجمع لك الطرق والمتون والألفاظ، يعتمد على لفظ واحد ويخرج لك عزوا، ويترك الناس فالناس يقرأون في شرحه ما يفهمون شيء إلا الأشياء اليسيرة.
فلذلك عليك بكتب أهل الحديث وأئمة أهل الحديث هؤلاء، فهؤلاء الذين شرحوا الحديث وبينوا الطرق وبينوا لك الألفاظ، خاصة الذين شرحوا صحيح البخاري وصحيح المسلم لكي يتبين لك الحكم الصحيح والمعاني الصحيحة، وتعرف الألفاظ الغريبة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فيبين لك على ما جاء في صحيح الأحاديث مفسرا وذكره مسلم في بعضها، فإذا طريقة الأئمة أئمة الحديث في جمع الطرق والألفاظ يفسرون لك ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم المجملة.
ويقول بعد ذلك القاضي عياض: (وقد يجيء على مساق الحديث الأول)، فهذا اللفظ يبين اللفظ الأول، وذكر السبب بقوله: (بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب) إلى آخر كلامه، فهذا معنى قوله الآخرون، فالأمة هذه آخر أمة، لكنها أول أمة في يوم القيامة، هذا اليوم الذي هدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، فانظر الآن هذه الأمة آخر أمة، لكن هذه الأمة يتبعها جميع الأمم السابقة، رغم أن الأمم السابقة قبلها، فهي الله أعطاها هذا الفضل وأن الأمم كلها تبع لها في الدنيا وفي الآخرة، فهذه الأمة يتبعها الأمم السابقة، وكذلك في الآخرة يسبقون هذه الأمم، فانظر إلى هذا الفضل لأمة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أضف أن النبي صلى الله عليه وسلم نبيها، وهو أفضل الأنبياء والرسل.
فأنت إذا سمعت مثل هذا الكلام، وأنك في أمة عظيمة، وأن الأمم السابقة التي تترا ما يعلم عددها إلا الله، لا تقول ملايين ما تستطيع أن تحصي هذه الأمم، فهذه الأمم على عظمها وعلى كثرتها تبعا لهذه الأمة، والأمة تسبقها يوم القيامة، وتدخل الجنة أول الأمم، فالمسلمون إذا دخلوا الجنة يدخلوا أول الأمم، فهذا يدلك على فضل هذه الأمة، فلا تعيش عبثا أنت في هذه الدنيا هكذا في أكل وشرب ولعب ولهو وكسل، اجتهد خاصة في طلب العلم، أن يمر عليك أيام وشهور وسنوات ما تكتب لك فائدة واحدة حتى لو في بيتك من هذه الأحكام، ما تقرأ، هذه مشكلة على هذا الفضل الذي أعطاك الله سبحانه وتعالى له فتهمل هذا الأمر هذا مشكلة.
فلذلك حتى يعني موسى عليه السلام لو كان في هذه الأمة لتبع النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك هذا الأمر يعني قل من يفهمه من هذه الأمة في هذا العصر، واخرج في الخارج وترى لهو هذه الأمة ولعب هذه الأمة، ولا تعرف شيء فيما ذكرناه من فضل هذه الأمة، فلذلك على الناس أن يجتهدوا.
ثم يقول بعد ذلك القاضي عياض: (فمفهوم الحديث أنه أخبر صلى الله عليه وسلم عن تأخرهم في الزمان والوجود وإعطاء الكتاب، وسبقهم بيوم الجمعة على الأيام بعدها التي هي تبع لهم مع هذا من ذاك)، وذكر بعد ذلك: (وقيل تصح رواية «بأيد» هاهنا)، فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم بين للناس وبين للأمة فضلها، فلا بد على هذه الأمة أن تجتهد.
ويقول بعد ذلك القاضي عياض بالنسبة لكلمة (بيد بفتح الباء، وكذلك يقال ميد بالميم وفتح الميم بمعنى غير)، ولذلك الآن في ألفاظ الحديث «بيد أنهم أوتوا الكتاب» يعني غير أنهم أوتوا الكتاب، بيد بمعنى غير، ويقال كذلك في لغة العرب وميد.
وهذا الذي بينه كذلك أبو عبيد رحمه الله تعالى في كتابه «غريب الحديث»، يقول: (تكون بيد بمعنى غير، وبمعنى على، وبمعنى من أجل، وهكذا على حسب السياق)، لكن الآن هنا عندنا في الحديث بمعنى ماذا؟ بمعنى غير، فبيد بمعنى غير.
كذلك يقول بعد ذلك القاضي عياض: (وقوله «كتب الله علينا» دليل على فرض الجمعة) في الصلاة وما شابه ذلك، وبينا هذا من قبل.
ويقول بعد ذلك القاضي عياض: (وهذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه: فيه دليل على فساد تعلق اليهود والنصارى بالآراء والاختلافيات)، وبينت لكم في الدرس الذي سلف عن هذا الأمر أن اليهود والنصارى بسبب ركوب رؤوسهم، وأنهم يريدون أن يمشون على أهوائهم وما يريدون، ليس على مراد الله سبحانه وتعالى يمشون، ولا على مراد رسلهم، فالله سبحانه وتعالى ابتلاهم وعاقبهم عقابات كثيرة لا تخفى عليكم مذكورة في القرآن ومذكورة في السنة، فهم بسبب اختلافهم على الجمعة، وكذلك النصارى الله ابتلاهم في اختلافهم، فاختاروا السبت اليهود، والأحد النصارى، والله سبحانه وتعالى بفضله ومنه على هذه الأمة أن هداها إلى يوم الجمعة، وهو أفضل الأيام، وكذلك اليهود أهل حيل واحتالوا يوم السبت، الله أعطاهم إياه، فبسبب اختلافهم الله عاقبهم، وإلا الله سبحانه وتعالى أعطاهم يوم الجمعة فاختلفوا.
وهذا يدل على أن الخلاف والاختلاف ليس من الدين، والله سبحانه وتعالى لا يريده، والله سبحانه وتعالى يذم الاختلاف سواء في الفروع أو في الأصول، فلا أحد يأتي من هؤلاء المقلدة الذين يريدون أن يمشوا على أهوائهم ويأخذون من أراء العلماء في الفقه أو في الأصول على ما يريدون، ويتعصبون على ما يريدون، فإن هذا غير مقبول أصلا، فهذا الاختلافيات مقبول للعلماء بالنسبة لاجتهادهم، ليس كذلك أن هذا الاختلاف للعلماء مقبول، غير مقبول أصلا في الدين، لكن الله سبحانه وتعالى أعطاهم أن يجتهدوا وهذا خاص بالعلماء، والنبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم أن يجتهدوا العلماء فقط العلماء المجتهدين، غير ما يجوز لهم أن يجتهدوا، فهذا يقول رأيه وهذا يقول وجهي ما يصير هذا غير مقبول.
فلذلك وكما تروا حرية الكلمة هؤلاء مبتلون ليس لهم في الجرائد وغير ذلك إلا الآثام، وهذا الكلام كلهم أهل الرأي في هذا الزمان أصحاب الجرائد وغيرهم سوف يرون كلامهم هذا في صحفهم يوم القيامة، ما في شيء مكتوب إلا مكتوب هناك، والويل يوم القيامة بعد ذلك الندامة، فلذلك اعرف هذا الأمر، فالأمور خطيرة أن يقول الشخص أنا أقول الكلمة ولي الحرية ولي رأي لا، ليس لك إلا النار نار جهنم، فالله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب لكي تحكم بالكتاب لا بالآراء ولا بالجرائد ولا غير ذلك.
الله سبحانه وتعالى أنزل السنة لكي تحكم بها ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾ [النساء:59]، إلى الله القرآن، وإلى الرسول السنة، فعند النزاع والآراء تداول الكلمات والأحكام فالرجوع فيه إلى القرآن والسنة، فالقرآن هو الذي يحكم والسنة هي التي تحكم، والاختلافات جملة وتفصيلا غير مقبولة حتى في العلماء، لكن أهل العلم ليس مرادهم أن يختلفوا أصلا، بل هذا بسبب اجتهادهم، وهناك أسباب اختلف العلماء بسببها فهم معذرون، لكن كلهم مرادهم الحق غير متعمدين على هذا الاختلاف وهذا الخلاف وهذه الخلافيات، بل كما تروا أجمع العلماء في أشياء كثيرة، وإذا علم العالم أنه أخطأ في شيء وأن غيره على الحق رجع عن هذا الخلاف إلى الإجماع، وهذا يدل على أن هؤلاء العلماء لا يريدون الخلاف أصلا، فكيف هؤلاء المقلدة والمعصبة والحزبية يحكمون بالخلافيات كلما سئل سؤال أو قال حكم قال اختلف الفقهاء، وتنازع الناس، واختلف العلماء، من أين لك هذا؟ أصلا العلماء لا يقبلون بهذه الخلافيات لكن يختلفون لأسباب.
فلذلك خلافيات العلماء وغير ذلك مذمومة عند الله سبحانه وتعالى في القرآن، ومذمومة عند النبي صلى الله عليه وسلم مذمومة في السنة أصلا، فلا يتعب هؤلاء أنفسهم لأن في الأخير المرجع إلى القرآن والسنة، والحكم لله سبحانه وتعالى، والحكم للنبي صلى الله عليه وسلم سواء في الدنيا أو في الآخرة، فالذي يحل مثلا لنا الربا ويقول اختلف العلماء المعاصرين ماذا يفيده هذا الخلاف؟ ما منه فائدة هذا الخلاف أصلا لماذا؟ لأن الحكم مرجعه إلى الله سبحانه وتعالى والله حرم الربا وانتهي الأمر، الرسول صلى الله عليه وسلم حرم الربا وانتهي الأمر، فخلافكم فيه غير فائدة بل مضرة عليكم أصلا.
فلا يجوز حكم الخلافيات لا المبتدعة أصحاب إذاعة القرآن ظهروا لنا الآن بما يسمى بالفقه المقارن، ويذكرون كل الخلافيات، هذا الفقه المقارن هذا من البدع ومن الضلالات في هذا الزمان، وإلا ليس له أصل يجب على الناس أن يحكموا بالكتاب والسنة، حكم الدين كذا والدليل كذا وخلاص انتهي الأمر، حتى في المسألة واحدة مجلد من ٦٠٠ صفحة كأنه كاتب الإنجيل والتوراة، مسألة واحدة في الفاتحة في حكم واحد مجلد ٦٠٠ صفحة، الحكم كله نصف صفحة، الفاتحة ركن في الصلاة الدليل كذا خلاص انتهي الأمر، فلذلك مطوية وخلاص وعرفوا الناس الحكم، ليش التطويل على الناس! حتى احتار العوام الآن، العوام ضاعوا الآن في كل العالم بسبب هؤلاء المبتدعة، كله اختلف العلماء اختلف العلماء، فلذلك اعرف هذا الأمر.
فكذلك يبين القاضي عياض رحمه الله تعالى، فبالنسبة لليهود اختاروا السبت، والنصارى اختاروا الأحد، وعينوا ذلك ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلف اجتهادهم ولم يهدهم الله سبحانه وتعالى اليوم الجمعة، فالأمة لم تختلف ولله الحمد عندما فرض عليهم يوم الجمعة واختار الله سبحانه وتعالى لهم يوم الجمعة لم تختلف أمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن الصحابة دائما مجتمعون، دائما عندهم إجماع في الأحكام، فلذلك فاز الصحابة في كل شيء، فازوا بالدنيا لاجتماعهم على الدين ولم يختلفوا إلا في أشياء يسيرة، ثم يرجعون إلى الكتاب والسنة عند اختلافهم ففازوا في الدنيا، وكذلك فازوا في الآخرة.
فالآن المتمسكة بمنهج الصحابة هم أمة الإجابة ففي كل زمان، فلذلك هؤلاء يعني هذه الأمة أمة الإجابة سوف تدخل الجنة بإذن الله؛ لأنهم سائرون بمثل الصحابة يرون الإجماع دائما، تركوا الخلافيات في الأصول في الفروع، حكموا بالقرآن، حكموا بالسنة، دعوا إلى الله بالكتاب والسنة لا بسياسيات ولا مناصب ولا أموال ولا بشيء، وأما أمة الفوضى العامة والغجر والهمج فهؤلاء ليس لهم إلا النار والعياذ بالله، وليسوا من أمة النبي إلا في الجملة، فأما أمة الإجابة هي التي سوف تدخل الجنة، وهي التي سوف تشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، أما هؤلاء العوام والغجر أهل الثورات وأهل السياسيات دمروا أنفسهم ودمروا بلدانهم، هؤلاء ليس لهم إلا النار، ولن يشربوا شيئا من حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
ويدعون أنهم سوف يشربون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم لا، بعض العوام بعد بجهل عظيم، وأنهم بزعمهم النبي صلى الله عليه وسلم سوف يسقهم بيده، كيف بيده فهذا أصلا لم يثبت شيء في ذلك بيد النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك أكواب بالألوف المؤلفة والملايين ولا يحصيها إلا الله سبحانه وتعالى، كل واحد سوف يشرب بنفسه، فلذلك لم يثبت، ولذلك خاصة الصوفية، وخاصة الحزبيين الخطباء، والأئمة هؤلاء الذين يعظون الناس والوعاظ، وحتى في الآن في الإنترنت وفي التواصل المرئي يخرج أناس هنا وهناك من الوعاظ والغجر يذكرون هذا الأمر، اللهم اسقنا بحوض النبي صلى الله عليه وسلم بيده، فكيف ما يثبت شيء من هذا الأمر.
فلذلك يعني اعرف أنت جهل الناس هذا الأمر حتى الوعاظ والخطباء، وهذا يدل على أن هؤلاء لا يعرفون شيء في ديننا خبط وخلط، فأنت تدعو الله سبحانه وتعالى أن الله يسقيك من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حوض الكوثر وانتهي الأمر، وأهل البدع النبي صلى الله عليه وسلم سوف يطردهم والملائكة يطردونهم من الحوض مثل طرد الإبل، والملائكة يعرفون أهل البدع.
وحتى سوف يأتي المنافقون يريدون أن يشربوا من حوض النبي صلى الله عليه وسلم فالملائكة تطردهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول أصحابي أصحابي فيبينون لماذا هؤلاء لا يشربون، لماذا هؤلاء طردوا؛ لأنه بدلوا الدين الى ديانات أخرى مثل الحزبيين الآن، مثل الجماعات الحزبية دين المرجئة، دين السرورية، دين القطبية، دين الإخوانية، دين التراثية، دين الداعشية، دين اللادنية، دين الصوفية، دين المرجئة، ديانات كثيرة، هؤلاء بدلوا ولن يشربوا من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يقال للرسول صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء بدلوا فيقول النبي صلى الله عليه وسلم >سحقا سحقا بعدا بعدا<، فالنبي بعد كذلك يطردهم بعدين، ويطرد أهل البدع وهم الآن يريدون أن يسقهم النبي صلى الله عليه وسلم بزعمهم بيده الشريفة، كيف وقد بدلتم!.
بل الآن وصل هؤلاء المبتدع الحزبية إلى نصرة أفكار اليهود النصرة في بلدان المسلمين، وإلى الافتتان بالحضارة الغربية وهم يدعون أن سوف يسقهم النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، وهؤلاء النبي يطردهم، وهذا يدل على أن هؤلاء ليسوا من أمة الإجابة ولن يدخلوا الجنة، ولن يسقى هؤلاء من الحوض، فانتبه لهذا اليوم، ولا بد أن ترعد وتخاف أن النبي يطردك من الحوض، والذي يطرد من الحوض أين له الجنة أو النار؟ ليس له إلا النار، ما في يطرد من الحوض يدخل الجنة كيف! هذا بدل الى دين جديد.
فلذلك لا تغتر بهؤلاء ويفتنك هؤلاء المبتدع أو رجل مبتدع من هؤلاء بدينه، أو امرأة تفتن النسوة أو تفتن امرأة بدينها الباطل، فلذلك على الرجال والنساء من أهل السنة أن ينتبهوا لهذا الأمر، فلا بد أنت تأتي يوم القيامة وتشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم بإذن الله، فهذا الأمر يريد جهد، يريد علم، اجتهاد، عدم الكسل، وإلا الذي سوف يطرد أو طرد فهذه مصيبة عظيمة ما بعدها مصيبة لأن الذين سوف يطردون المنافقون، والذين سوف يطردون المبتدعون، وما تبقى الذين سوف يسقون أعداد من الخلق ما يعلم بهم إلا الله، فلا تظن أن الناس قليل سوف يشربون من الحوض، أعداد ما تستطيع أن تحصيهم الذين وافقوا النبي صلى الله عليه وسلم، الذين تمسكوا بالقرآن والسنة.
وكذلك دخول الجنة أبواب الجنة ثمانية، وسعتها يعني لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى، ومع هذا سوف يكون هناك ازدحام على دخول الجنة، فلا تظن أن دخول الجنة أناس قليل كذلك لأن الناس يتصورون هكذا، من يدخل الجنة؟ من يشرب من الحوض؟ خلق من الناس، فأنت اجتهدلكي تشرب من الحوض، اجتهد لكي تدخل الجنة، وسوف ترى ازدحام الناس على الحوض، وسوف ترى ازدحام الناس دخولهم الجنة، فلذلك لا بد من الاجتهاد في هذا الأمر.
فاليهود والنصارى دائما في خلافيات ودائما يركبون رؤوسهم، فاليهود كلهم في النار، والنصارى كلهم في النار، وبين الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم بين، هذه الأمة أمة الإجابة وهي طائفة واحدة سوف تدخل الجنة، والطوائف الأخرى من هذه الأمة سوف يدخلون النار بسبب الخلافيات وقد ركبوا رؤوسهم كما ركبت اليهود والنصارى، اذهب إلى الحزبين وادعهم الى الكتاب والسنة ما يقبلون راكبين رؤوسهم إلا هذه الضلالات، فهؤلاء رؤوسهم كرؤوس اليهود والنصارى، واليهود تفرقت وأصبح عندها ديانات كثيرة، والنصارى كذلك تفرقت وأصبحت ديانات كثيرة عندهم، كذلك أمة الفوضى أمة الحزبية والمبتدعة كذلك تفرقت وأصبحت ديانات كثيرة كما ترون، والكل يدعو أنه على الحق، اليهود كذلك تقول على الحق، وكذلك النصارى، وكذلك الحزبية بجميع أنواعهم.
والنبي صلى الله عليه وسلم كتب لأمة واحدة أن تشرب من هذا الحوض وتدخل الجنة وهي المتمسكة بالكتاب والسنة، وهي أمة الإجابة ومن تابعها من المسلمين قديما وحديثا، فلذلك هذا الأمر مهم جدا، انظر كيف دخلت اليهود بسبب الخلافيات وركوب الرؤوس، فلا تركب رأسك في شيء أنت، إذا قال لك شخص قال الله قال الرسول اخضع ولين رأسك، ودائما وأبدا المؤمن لين هين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ولذلك هذا المؤمن للينه ولطفه يدخل الجنة بسهولة، لكن هؤلاء الذين ركبوا رؤوسهم الآن وأشركوا بالله وكفروا وابتدعوا ووقعوا في المحرمات، فليس مأوهم إلا النار والعياذ بالله فاعرف هذا الأمر.
فكن هينا لينا مع كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم لا تركب رأسك، فالأمر هكذا.
ولعل إن شاء الله نكمل الدرس القادم، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.