القائمة الرئيسة
الرئيسية / شرح كتاب الجمعة من صحيح مسلم / الجزء (32) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: تتمة خصوصيات يوم الجمعة

2024-09-06

صورة 1
الجزء (32) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: تتمة خصوصيات يوم الجمعة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وما زلنا في تبين خصائص يوم الجمعة، وتكلمنا في الدرس الذي مضى عن الخصوصية الثامنة، وهي قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة، وبينا أن ذلك من خصائص يوم الجمعة، وهذه الخصوصية صحيحة، وبينا في ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وإن كان موقوفا عليه فله حكم الرفع، فيكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول، ولا يقولون ذلك برأيهم، فلا بد من نص.

وبينا أن قراءة سورة الكهف لا بد أن تكون القراءة صحيحة كما أنزلت، فإذا قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة كان له في ذلك نورا فيما بين المكان الذي قرأ فيه يوم الجمعة وبينه وبين البيت العتيق، وفي رواية «بينه وبين مكة»، وبينت لكم من قبل أن العوام ما يعرفون يقرأون سورة الكهف، ولم يتعلموا ولا يريدون أن يتعلمون فهم معرضون ومعاندون في هذا بسبب جهلهم، فالذي يقرأ سورة الكهف بجهل ولم يعرف قراءة سورة الكهف فليس له هذا النور، وليس له هذا الأمر العظيم؛ لأن في الحديث «كما أنزلت»، فلذلك على الناس أن ينتبهوا لهذا الأمر، فلا بد من قراءة سورة الكهف كما في القرآن.

بعد ذلك الخصوصية التاسعة وهي عدم كراهة فعل الصلاة وقت الزوال، وهذا اختيار الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وكذلك هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وكذلك قول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، وكذلك فعل ذلك السلف، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إقامة الصلاة في وقت الزوال؛ لأنه يكره وبينا هذا في دخول وقت الزوال لصلاة الظهر، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إقامة الصلاة في وقت الزوال، وبه أخذ جمهور الفقهاء إلا أن الإمام الشافعي وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم وغيرهما قالوا بجوازها، يعني يوم الجمعة يجوز عندهم أن تتطوع وتصلي ما تشاء حتى في وقت الزوال ولا يكره ذلك، وهؤلاء العلماء رفعوا كراهتها يعني الصلاة في وقت الزوال، لأن الصلاة في وقت الزوار يكره التطوع إلا يوم الجمعة عدم كراهة فعل الصلاة في وقت الزوال في يوم الجمعة، وهذه الخصوصية صحيحة، ومنع ذلك الجمهور لكن الصحيح أن عدم كراهة فعل الصلاة يعني صلاة التطوع في وقت الزوال في يوم الجمعة، وهذه الخصوصية ليوم الجمعة، أما في غير يوم الجمعة فيكره صلاة التطوع.

هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، واعتمد في ذلك على أن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام حتى يأتي الخطيب، والخطيب يأتي بعد الزوال لكي يصلي بالناس، فإذا زالت الشمس عن كبد السماء فيدخل وقت صلاة الجمعة كما هو يدخل وقت صلاة الظهر، فالإمام يأتي بعد الزوال، فيجوز في وقت الزوال أن تصلي صلاة التطوع إلى أن يأتي الخطيب؛ لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة فيتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهن، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين الاثنين، ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى»، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه.

وبين ابن القيم في «زاد المعاد» أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصلاة ما كتب له يعني التطوع، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام، وبه قال غير واحد من السلف، فإذا هذا يعني الدليل يبين أن ما في بأس أن يتطوع العبد في وقت الزوال، وهذا من خصائص يوم الجمعة، وهذا كذلك يعني يتبين من النص أن خروج الإمام يمنع من الصلاة، فإذا جاء الخطيب يخطب فلا ينبغي لأي مصل أن يتطوع ما دام هو في المسجد، والخطبة كذلك تمنع الكلام تمنع الصلاة وتمنع الكلام، فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام.

وبينت لكم من قبل أن إذا كان الشخص خارج المسجد وجاء ودخل فهنا يصل تحية المسجد ويتجوز فيهما، أما الذين داخل المسجد ودخل الإمام ما ينبغي لأي أحد أن يصل التطوع، ورغم أنه في بعض الجهلة وخاصة الأعاجم إذا جاء الإمام يقومون يصلون ركعتين لتطوع وهذا خلاف السنة، ولا يؤجرون ويؤثمون، فلذلك على الناس أن ينتبهوا لهذا الأمر.

وبين الإمام الشافعي من شأن الناس التبكير إلى الجمعة والصلاة إلى خروج الإمام، وكذلك بين ذلك البيهقي في السنن الكبرى أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في التبكير إلى الجمعة، وفي الصلاة يعني التطوع إلى خروج الإمام من غير استثناء، وهذا يعني الأمر صحيح.

الخصوصية العاشرة: أن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها، وهذه الخصوصية ليست بصحيحة، فيعني ذكر بعض أهل العلم كابن القيم أن من خصوصية يوم الجمعة أن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها، لكن هذه الخصوصية ليست بصحيحة، وذكروا حديث لكنه ضعيف فقد ورده عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ودنا من الإمام فأنصت كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها، وذلك على الله يسير»، وهذا الحديث حديث ضعيف أخرجه أبو داود لكن إسناده ضعيف لا يصح.

فإذا الخصوصية هذه ليست من خصائص يوم الجمعة، والخطباء والوعاظ ينشرون هذه الأشياء، وخاصة يزعمون أن هذه من الفضائل وأن هذا في الترغيب، وفي الحقيقة أن هذا الأصل ليس له أصل في ديننا، فإذا حكمنا فلا بد أن نحكم بأحاديث صحيحة، وكذلك إذا قال بها بعض أهل العلم لا يلزم من هذا من صحتها أو نقول بها فأهل العلم يجتهدون، فمنهم من يصيب ومنهم من يخطئ، وهذا الحديث ضعيف لا يصح، وأنا أذكر هذه الأشياء كما قلت لكم باختصار.

الخصوصية الحادية عشرة: مشروعية الكفارة لمن تركها، يعني من ترك صلاة الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار، وهذا حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار»، وهذا الحديث أخرجه أحمد في «المسند»، وأبو داود في «سننه»، والنسائي في «سننه»، وغيرهم، وهو حديث ضعيف لا يصح.

فإذا هذه الخصوصية ليست بصحيحة، وأنه لا يشرع من ترك صلاة الجمعة أن يتصدق بدينار، فأن يتصدق بدينار أو بنصف دينار فهذا في الحقيقة كذلك يفتح للكسالى وتاركين الصلاة أن يتركوا صلاة الجمعة، والدينار الآن سهل عند الناس، ونصف الدينار كذلك فيتركون الصلاة صلاة الجمعة ويتصدقون بدينار، وكذلك ممكن يعطون الدينار هذه واحد عيار بعد مشكلة أخرى، أو بنصف دينار، فلذلك هذا الحديث ضعيف لا يصح وهو حديث منكر، فلا يشرع الكفارة لمن ترك صلاة الجمعة لضعف الحديث، ولا يتصدق بدينار ولا بنصف دينار، فعليه أن يؤدي صلاة الجمعة، لكن إذا كان معذورا فلا بأس كما بينا كثيرا أن يتخلف عن صلاة الجمعة للعذر، وليس عليه شيء، ويحصل أجر صلاة الجمعة كاملة، فلذلك الخصوصية الحادية عشرة ليست بصحيحة، ذكرها السيوطي.

وهنا في رواية عن قدامة عند أبي داوود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فاتته الجمعة من غير عذر فليتصدق بدرهم أو نصف درهم، أو صاع حنطة أو نصف صاع»، وهذا كذلك الحديث لا يصح وهو منكر، ففي الحديث الأول يتصدق بدينار أو نصف دينار، وهنا بدرهم أو نصف درهم، ويدل على أن فيه اختلاف الألفاظ، وهذا الاختلاف يبين أن هذه الأحاديث مضطربة فلا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولعل نكمل الدرس القادم.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan