الرئيسية / شرح كتاب الجمعة من صحيح مسلم / الجزء (27) شرح كتاب الجمعة من صحيح مسلم: تضعيف حديث أبي موسى رضي الله عنه في وقت الساعة يوم الجمعة
2024-08-20
الجزء (27) شرح كتاب الجمعة من صحيح مسلم: تضعيف حديث أبي موسى رضي الله عنه في وقت الساعة يوم الجمعة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وتكلمنا في الدروس التي سلفت عن الساعة التي يوم الجمعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي، يعني يدعو يسأل الله سبحانه وتعالى خيرا إلا أعطاه إياه، وبينا ذلك وشرحنا وبينا أن الساعة هذه التي يستجاب فيها العبد يوم الجمعة مخفية، وهي تنتقل ممكن أن تكون صباحا، وممكن أن تكون ظهرا، وممكن أن تكون عصرا وهكذا، وبينا بالنسبة للأمور التي ذكرها بعض أهل العلم وتعيينها، منهم من عينها من الفجر إلى غروب الشمس، ومنهم من قال الظهر، ومنهم من قال العصر وبينا أن ذلك ليس بصحيح، وكلها أحاديث ضعيفة، وبينا ذلك جملة وتفصيلا.
ولعل نختم هذا الباب في هذا الدرس بتبيين حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال لي عبد الله بن عمر أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة»، وهذا الحديث بينا في الدرس الذي سلف أنه حديث ضعيف، وإن كان في صحيح مسلم.
والأحاديث الصحيحة ونقل الثقات للحديث الصحيح حديث أبي هريرة يعل هذا الحديث، والإمام البخاري إذا ترك حديثا وروا حديثا في صحيحه بخلاف أي حديث في حكم واحد فهو يرى ضعف الحديث، ولذلك الإمام المسلم يتبين من كلامه ووضعه للحديث بعد حديث الباب الذي هو الصحيح حديث أبي هريرة، وأن الساعة مخفية؛ يدل على أنه ذكر الحديث في الشواهد، ويدل على أن الحديث حديث أبي موسى الأشعري فيه ضعف عند الإمام مسلم، ولذلك اعتمد أولا على حديث أبي هريرة، ولذلك بين الإمام مسلم كما نقل عنه ابن حجر وكذلك النووي أن الحديث هذا حديث أبي موسى يقول هو أحسن ما في الباب، وأصح ما في الباب، فهذا يدل على أنه ليس صحيحا فيه ضعف عنده، وأورده كشاهد.
ولعل نبين ضعف هذا الحديث حديث أبي موسى، وهذا الحديث لم يسنده غير مخرمة بن بكير عن أبيه يعني بكير عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك ترى الإسناد عندكم في الكتاب رواه ابن وهب قال أخبرنا مخرمة عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، بعد ذلك ذكر عن ابن عمر، لكن الحديث من رواية أبي موسى الأشعري، فهذا إسناد الحديث عند الإمام مسلم، فهو من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم يسنده يعني يجعله مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا مخرمة بن بكير، ومخرمة هذا ضعفه الإمام يحيى بن معين، ووثقه بعض أهل العلم، وهذا الطريق رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة مرفوعا مسندا لأنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه جماعة منهم يحيى بن سعيد القطان وغيره، ويحيى بن سعيد القطان من أئمة الحديث ومن أهل الحفظ، فخالف مخرمة بن بكير في هذا الحديث، ويحيى بن سعيد القطان جبل في الحفظ ومخرمة فيه شيء في حفظه.
فلذلك أئمة أهل الحديث كالدارقطني في كتابه «التتبع والإلزامات» أعل هذا الحديث، وبين أن الثقات الحفاظ خالفوا ابن بكير هذا وهم كثرة، ولذلك أهل الحديث قدموا رواية الجماعة على رواية مخرمة هذا، فتكون رواية مخرمة بن بكير شاذة، ولم يحفظ الحديث جيدا، فهو ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل كما عندكم هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة، لم يقل هذا قول أبي بردة، والثقات رووا هذا الحديث وجعلوه من قول أبي بردة، فالحديث مقطوع لأنه بينا أن الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هي المرفوعة، والأحاديث عن الصحابة هي الموقوفة، والأحاديث عن التابعين فمن دونهم مقطوعة، فالحديث هذا هو الصحيح أنه مقطوع من قول أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وهو الصحيح.
فيكون هذا الحكم فتوى من اجتهاد تابعي والعلماء يخطئون ويصيبون، فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر على اجتهاده، فلذلك أهل العلم ومنهم الصحابة رضي الله عنهم، وكذلك التابعون يرون أن الساعة هذه التي يوم الجمعة مخفية مثل ليلة القدر مخفية لكنها هي أحرى في الأوتار في العشر الأواخر من رمضان، كذلك ساعة الاستجابة يوم الجمعة مخفية بينت لكم لكي يجتهد الناس في هذا الدعاء.
وبينت لكم لا يلزم أن يجلس الشخص في المسجد ويدعو الله يوم الجمعة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولا يلزم أن يجلس مثلا في البيت يدعو الله سبحانه وتعالى في هذه الساعات؛ لأن الناس لهم حاجات وضروريات وأشياء يقومون بها، لكن بينت لكم الشخص يدعو في صلاته، ولا بد بيدعو في صلاته الخمسة صلوات، وهذه الخمسة صلوات في الصباح والظهر والعصر، فإذا دعا في صلاته يكفي ولابد يصيب هذه الساعة، كذلك هو في سيارته ولا يلزم رفع الأيدي مثلا في السيارة يدعو الله سبحانه وتعالى سرا، وكذلك مثلا في السوق أو في البيت، أو في كذا يدعو لا بد يصيب هذه الساعة، فلا يلزم الجلوس مثلا في المسجد ورافع يديه يدعو الله سبحانه وتعالى مستقبل القبلة، لا يلزم من هذا، ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم شيء من هذا، ولا الصحابة رضي الله عنهم.
فالدين هذا يسر، وأنت الله سبحانه وتعالى جعل لك أمور تفعلها في حدود الشريعة، وتقوم بعبادته ودعائه على قدر استطاعتك، والله سبحانه وتعالى يوفقك سواء لهذه الساعة أو غير ذلك من العبادات ومن الأدعية.
فهذا الأمر الآن أن مخرمة بن بكير خالف الرواة الثقات الحفاظ في هذا الأمر، فهو جعله عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله، والباقي جعلوه من قول أبي بردة من قوله، ورواه عن أبي بردة بن أبي موسى أبو إسحاق، وواصل الأحدب، ومجالد بن سعيد عن أبي بردة من قوله، وهو تابعي، ولم يجعلوا هذا الحديث من قول النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء كذلك عندك بعض الرواة كذلك أحفظ من مخرمة بن بكير، هؤلاء جعلوه من قول أبي بردة وهو وإن كان ثقة على الصحيح، لكنه خالف من هو أوثق منه، فإذا خالف الثقة من هو أوثق منه يكون قوله شاذ، وهذا تعريف الشاذ في مصطلح الحديث، تعريف الحديث الشاذ في مصطلح الحديث هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه.
وهذه من الأمور لا بد على طالب الحديث أن يتعلم هذه القواعد والأصول مصطلح الحديث لكي يعرف كيف يخرج الحديث وكيف يحكم، وليس عندنا في ديننا أي كتاب ما في خطأ، سواء صحيح البخاري، أو صحيح مسلم، أو سنن أبي داوود، أو سنن الترمذي، أو سنن النسائي، أو سنن ابن ماجه، أو مسند أحمد، أو مسند الحميدي جدنا، وغير ذلك من الكتب فيها صواب وفيها خطأ، كذلك كتاب الإمام مسلم فيه خطأ، وبين ذلك الأئمة كالإمام البخاري، كالحافظ ابن حجر، الحافظ الذهبي، الإمام ابن رجب، الإمام الخطابي، القاضي عياض، كل هؤلاء بينوا وغيرهم من الأئمة.
وهذا الحديث من الخطأ، ولذلك الإمام مسلم يشير أن هذا الحديث فيه ضعف، ولذلك ترى الآن المقلدة ينقلون هذا الحديث بدون دراية وبدون معرفة، وما يدرون أن الإمام مسلم يبين أن الحديث فيه ضعف فيوردونه أنه من الصحيح ووضعه في آخر الباب، وهذا يشير على أن الحديث فيه ضعف، وقدم لكم طرق حديث أبي هريرة أن ساعة الاستجابة في يوم الجمعة مخفية لأن هذه الطرق أقوى، وأن هذه الطرق تعل طريق مخرمة بن بكير.
فيتبين هذا الحديث أنه مقطوع على أبي بردة من قوله، ورواه النعمان بن عبدالسلام عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى موقوفا عليه، وهذا الطريق كذلك طريق شاذ ما يصح، وهو الصحيح أنه مقطوع على أبي بردة أصلا، فإذا لم يرفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير مخرمة بن بكير، وهو غير محفوظ وهو معلول.
ولذلك يقول الإمام أحمد عن حماد بن خالد: «قلت لمخرمة: سمعت من أبيك شيئا قال: لا»، هذا الإمام أحمد يروي عن حماد الراوي عن مخرمة بن بكير، هو الآن الراوي والتلميذ يسأل مخرمة: هل سمعت من أبيك شيئا؟ قال: لا، فالحديث منقطع، فهذا الحديث كذلك المرفوع الآن منقطع، ولم يصرح مخرمة بن بكير عن أبيه شيئا في جميع الأسانيد، فالإمام أحمد ينقل كذلك أنه لم يسمع من أبيه، ولذلك انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص421).
ثم نأتي إلى قول الإمام الدارقطني في هذا الحديث، فالإمام الدارقطني ضعف هذا الحديث وإن كان في صحيح مسلم، فذكر الإمام الدارقطني في التتبع كتابه وهو يتتبع أحاديث الإمام مسلم، ويتتبع الإمام البخاري، فأصاب في بعض الأحاديث التي ضعفها فهي ضعيفة وبعض الأحاديث لا، لكن هذا الحديث أصاب فيه الدارقطني رحمه الله تعالى، فيقول الحافظ الدارقطني في «التتبع» (ص272): (وأخرج مسلم حديث ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الساعة المستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة) ثم قال الحافظ الدارقطني: (وهذا الحديث لم يسنده غير مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة، وقد رواه جماعة عن أبي بردة من قوله، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يسنده)، فهذا يبين الآن أن الذي تفرد بالحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم مخرمة شاذ، وبين رواية الجماعة هي الصحيحة، والجماعة من الحفاظ والثقات رووا هذا الحديث موقوف على أبي بردة من قوله، فالحديث الصحيح موقوف، وأبو بردة هو الذي قال: «هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة»، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
ثم يقول بعد ذلك الحافظ الدارقطني: (والصواب من قول أبي بردة منقطع كذلك رواه يحيى بن سعيد القطان عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة وتابعه واصل الأحدب رواه عن أبي بردة قوله، قاله جرير عن المغيرة عن واصل، وتابعهم مجالد بن سعيد رواه عن أبي بردة كذلك)، وهذا يدل على أن هناك انقطاع بين مخرمة بن بكير وبين أبيه بكير، فمع شذوذ هذا الإسناد كذلك في الإسناد ماذا؟ انقطاع، فهذا عندنا الآن علتان:
العلة الأولى: الانقطاع بين مخرمة وبين أبيه يعني بكير؛ لأنه لم يسمع منه.
والعلة الثانية: أن الحديث هذا مقطوع من قول أبي بردة، هذا العلة الثانية.
العلة الثالثة: الشذوذ، أن مخرمة بن بكير هنا خالف الجماعة الثقات، فكذلك العلة الثالثة الشذوذ أن الحديث المرفوع هذا شاذ، والصحيح أن الحديث مقطوع على أبي بردة.
ثم يقول الحافظ الدارقطني: (وقال النعمان بن عبد السلام عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه موقوف: ولا يثبت قوله عن أبيه)، هذا الدارقطني يقول لم يثبت يعني الإسناد ضعيف، يعني حتى من قول أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ليس بصحيح، بل الصحيح من قول أبي بردة من قول ابنه، وكذلك ليس بصحيح أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمرفوع، هذا الآن علة أخرى كذلك، لا يصح الحديث لا مرفوع ولا موقوف على أبي موسى، بل الصحيح مقطوع على أبي بردة.
ثم يقول الحافظ الدارقطني: (ولم يرفعه غير مخرمة عن أبيه وقال أحمد بن حنبل عن حماد بن خالد: قلت لمخرمة سمعت من أبيك شيئا؟ قال: لا)، هذا الدارقطني ينقل عن مخرمة أنه قال لم يسمع أو لم أسمع من أبي شيئا، فلا يأتينا شخص ويقول أن مخرمة عاصر أبيه يعني بكير، ولا بد عاصره في البيت وغير ذلك، وكذلك في منطقته فلا يأتينا يقول تكفي المعاصرة، من قال لك؟ وهذا يدل على غلط الإمام مسلم في نقله في بعض الأحاديث في صحيحه، فلا تكفي المعاصرة وبينا هذا لا بد من اللقية والسماع، لا بد أن يلتقي التلميذ مع شيخه ويسمع التلميذ من شيخه، وإلا منقطع، فلا ينقل لنا المقلدة لزلات العلماء قال فلان وقال علان، وأثبت السماع، وأثبت اللقية وأثبت كذا، من قال لك ولم يثبت أصلا.
فلا بد من الرسوخ في معرفة قواعد وأصول أهل الحديث جملة وتفصيلا، ما يكفي على الإجمال، فالمقلدة عندهم علم في الإجمال لعلم الحديث واللقى والسماع، لكن إذا دخلوا في التفصيل خبطوا ظلمات بعضها فوق بعض، خلط وخبط، ويظنون أن هذا شيء صحيح وهو غلط، فنقول لهم الآن الإمام مسلم أخرج لكم هذا الحديث المرفوع آخر شيء، وقال هذا أحسن ما صح في هذا الباب، ولا يدل هذا على أن الحديث صحيح، أن هذا خفيف الضعف هو أحسن من غيره من الأحاديث؛ لأن عندنا أحاديث بالنسبة للساعة عينوها في الصباح في الظهر في العصر، لكن كلها أحاديث مناكير هذه أخفها، كما ذكر الإمام مسلم، لكن الصحيح أن هذه الساعة مخفية لا يعلم بها إلا الله، فعلى الناس أن يجتهدوا في الدعاء في يوم الجمعة.
وهذا يبين أن الإمام أحمد يرى هذا الإسناد منقطع، ومخرمة هو الذي يحدث عن نفسه أنه لم يسمع من أبيه فيأتينا مقلد يقول لا سمع، هو أحين الآن الابن يقول لم أسمع من أبي ويأتينا مقلد يقول يسمع، ليش؟ لأنه عاصره، والمعاصرة ممكنة، لا ليست ممكنة، فلذلك اعرف هذا الأمر جيدا، بعد ذلك هذا قول الحافظ الدارقطني، الحافظ الدارقطني يضعف الحديث، ماذا يقول الآن المقلد الردادي والعطاوي وغيره؟ لأنهم عند مسألة صوم عرفة يقولون أن الدارقطني ما ضعفه، ورغم أن الدارقطني بعد ضعفه، الآن ماذا بيقولون؟ يقولون أن الدارقطني ضعفه وهو في صحيح مسلم، يلا خذوا بقوله، ما يأخذون، يروحون حق ناس آخرين.
اسمع ماذا يقول الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج2 ص422) في الكلام على هذا الحديث يقول: (فإنه أعل بالانقطاع والاضطراب، أما الانقطاع فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه)، هذا الآن ابن حجر ينقل هذا، وإن أئمة الحديث أعلوا هذا الحديث أنه مخرمة لم يسمع من أبيه، هذا العلة الأولى، قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه، هو ينقل أنه لم يسمع.
ثم يقول الحافظ ابن حجر: (وكذا قال سعيد بن أبي مريم عن موسى بن سلمة عن مخرمة وزاد: إنما هي كتب كانت عندنا)، فالآن مخرمة بن بكير ينقل عن أبيه إن كان عندي كتب عن أبيه لم يسمع مخرمة من أبيه شيئا الذي هو بكير، فماذا يفعلون في هذه العلل؟ ومع هذا هؤلاء المقلدين يفتون للناس أن الدعاء مستجاب ما بين أن يأتي الإمام يجلس إلى أن تقضى الصلاة، وهذا الحديث ليس بصحيح أصلا.
والأحكام هذه خاصة الغيبية يعني دعاء يوم الجمعة شيء غيبي هذا، فلا بد لك من دليل لكي نعرف أن هذه الساعة التي يستجاب فيها في هذا الوقت المعين، لكن هذه الأحاديث بيناها أنها غير صحيحة، ثم يقول بعد ذلك ابن حجر: (وقال علي بن المديني لم أسمع أحدا من أهل المدينة يقول عن مخرمة أنه قال في شيء من حديثه سمعت أبي فلم يسمع منه)، وكذلك قوله: (ولا يقال مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة)، وهو كذلك هنا لأنا نقول وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع.
فلذلك يتبين أن الحديث هذا منقطع، يعني يبين ابن حجر أنه هنا لا نكتفي بالمعاصرة بين الابن الذي هو مخرمة بن بكير مع أبيه بكير، ولا نقول أنه عاصره، وبعد ذلك قال في دعوى الانقطاع لأن هذا الإسناد منقطع بين مخرمة ابن بكير وبين أبيه بكير، فهنا الإسناد منقطع، ثم يقول الحافظ ابن حجر: (وأما الاضطراب فقد رواه أبو إسحاق، وواصل الأحدب، ومعاوية بن قرة، وغيرهم)، الآن هنا زاد ابن حجر، ومعاوية بن قرة من الحفاظ الذين خالفوا من الآن؟ مخرمة بن بكير، هذا بعد زيادة لكي تعرف أن أكثر الحفاظ على أن الحديث مقطوع على أبي بردة من قوله، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم بعد ذلك يقول: (فقد رواه أبو إسحاق، وواصل الأحدب، ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله)، هذا ابن حجر كذلك ينقل ويقر أن الحديث هذا الحديث ليس بمرفوع، لكنه مقطوع على أبي بردة، ثم يقول: (هؤلاء من أهل الكوفة وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني، وهم عدد وهو واحد)، فما يصير نأخذ بقول الواحد ونترك قول الجماعة.
ثم يقول: (فلو كان عند أبي بردة مرفوعا لم يفد فيه برأيه بخلاف المرفوع، ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب)، فهذا ابن حجر كذلك يضعف هذا الحديث، والإمام أحمد يضعف هذا الحديث، والحفاظ كلهم يضعفون هذا الحديث.
وكذلك ذكر الحافظ ابن حجر في «بلوغ المرام» هذا الحديث بعد عزوه إلى مسلم: (ورجح الدارقطني أنه من قول أبي بردة)، فالحديث من قول أبي بردة.
ثم بعد ذلك الشيخ مقبل الوادعي يعلق على قول الدارقطني، وفي تعليق الشيخ مقبل للتتبع للدارقطني يقول: (وكلام الحافظ -يعني ابن حجر- كاف في ترجيح المقطوع)، يعني الشيخ مقبل كذلك يضعف هذا الحديث المرفوع، ويثبت أن الحديث مقطوع على أبي بردة، ثم يقول الشيخ مقبل: (وهنا الراجح المقطوع فهو من باب الشاذ وهو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه)، فالشيخ مقبل الوادعي يضعف هذا الحديث كذلك ويعتبره شاذا، فهذا يعني واضح.
فالدارقطني قد صرح بم استدل به ترجيحه لوقف الحديث على أبي بردة.
العلة الأولى: عدم سماع مخرمة من أبيه بكير، هذا العلة الأولى.
العلة الثانية: أن جماعة قد خالفوه فروا الحديث موقوفا على أبي بردة من قوله، هذا العلة الثانية.
وقد صرح ثلاثة منهم أبو إسحاق، وواصل الأحدب، ومجالد بن سعيد وإن كان مجالد فيه كلام لكن معه ثقات، وزاد ابن حجر معاوية بن قرة وغيرهم كما في فتح الباري، وهؤلاء الذين خالفوا مخرمة كلهم أحفظ منه، ومخرمة هذا ضعفه ابن معين ووثقه غيره، فهو مختلف فيه، إذا فالمتن لا يثبت من طريق مخرمة بل هو شاذ، ولا يوجد له متابع؛ لأن الحديث المرفوع هذا تفرد به مخرمة عن أبيه ولم يوجد متابع له على هذا المرفوع لكي نقويه، بل جميع المتابعات من الحفاظ على أن هذا من قول أبي بردة، فهو رواية الجماعة، ورووا هذا الحديث من قول أبي بردة، هذا الكلام باختصار، ولعل يأتي جزء كامل بالتفصيل في هذا الحديث، فإذا يتبين أن الحديث مرفوع لا يصح، والحديث أنه مقطوع.
ولعل الدرس القادم نتكلم عن باب فضل يوم الجمعة.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.