الرئيسية / شرح كتاب الجمعة من صحيح مسلم / الجزء (21) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: وقت الإنصات لخطبة الجمعة ومتى يشرع الكلام
2024-08-12
الجزء (21) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: وقت الإنصات لخطبة الجمعة ومتى يشرع الكلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن الإنصات يوم الجمعة في الخطبة، وبينا ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت))، وبينا هذا الأمر، وقلنا أن الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب واجب، والكلام واللغو محرم وبينا هذا، فالإنصات واجب والكلام محرم، هذان حكمان في حكم واحد.
وفي هذا الدرس نتكلم عن متى يجب الإنصات، فبينا يجب الإنصات، لكن متى ينصت العبد؟ ما يصير نسكت الناس جذي، لازم فيه شرع وضع شروط وقواعد وأصول لكي لا يشق على الناس، فهذا الدين كله يسر، وهذه السنن ما تتبدل نهائيا، السنن في هذه الحياة من الأمم السالفة إلى أمة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ما تتبدل، في بعض الأشياء تختلف لكن أصول هذه الحياة وأمور هذه الحياة ما تتبدل، فالله سبحانه وتعالى يسر للأمم السالفة، فكذلك الله سبحانه وتعالى يسر لهذه الأمة، ووضع عنها كل شيء الأغلال والآثام وأشياء كثيرة تيسيرا على هذه الأمة، فالناس يشق عليهم الإنصات وعدم الكلام، خاصة من كبار السن حتى في الخطبة يتكلمون ما يسكتوا، فالشارع وضع ضوابط وقواعد لكي ما يشق على الناس.
فيجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة، فلا يكره الكلام قبل شروع الإمام في الخطبة، فإذا عندنا الآن يجب الإنصات إذا شرع الإمام في الخطبة، فإذا قبل الخطبة فيجوز للناس أن يتكلموا إذا شاءوا فلا بأس، وبعد ذلك بعد الخطبة كذلك إذا انتهت فيجوز للناس أن يتكلموا قبل أن يكبر لصلاة الجمعة، فالناس يحتاجون قبل الخطبة يحتاجون للحديث، يحتاجون لأشياء حاجات عندهم، وبعد الخطبة يجوز لهم أن يتكلموا، فلا يجوز لنا أن نمنع الناس ونأمرهم بالإنصات قبل أن يشرع الإمام في الخطبة، ولا نمنعهم بعد الخطبة ما تنتهي مثلا قبل الصلاة قبل أن يشرع في التكبير فلا بأس كذلك بالتحدث للحاجات، ليس المعنى أن يتكلموا في أي شيء لا، في حاجاتهم، ممكن شخص مثلا يقول لصاحبه: بس أريدك ضروري بعد الصلاة، مثلا أشياء ضرورية بين الناس، فهكذا يعني مثل هذا الأمر.
فإذا يجب الإنصات من حين يأخذ الإمام الخطبة، فإذا شرع الإمام في الخطبة فلا يجوز لأي مصلي أن يتكلم ولا في شيء، وتأتي الأشياء الضرورية يعني الكلام فيها فلا بأس، أما الآن الحكم العام لا يجوز، فالإنصات واجب والكلام محرم واللغو واللعب واللهو وتحريك الحصى والنوى والمسباح، هذه كلها محرمة.
فإذا يجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة فلا يكره الكلام قبل شروع الإمام في الخطبة، وهو قول جمهور العلماء، وهو الراجح، هذا قول جمهور العلماء، خالف بذلك أبو حنيفة رحمه الله تعالى ولم يصب قال: لا يجب الإنصات قبل شروع الإمام في الخطبة، يعني إذا دخل ورأوه الإمام دخل من باب المحراب يقول الجميع ينصت لا يجوز، لكن هذا فيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين هذا الأمر، واستدل بحديث ضعيف بيأتي الآن.
* وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والإمام يخطب)) يخص النهي بوقت الخطبة، هذا تقييد وتخصيص، فقول النبي صلى الله عليه وسلم ((والإمام يخطب)) إنصات والإمام يخطب يخص النهي هنا بوقت الخطبة إذا خطب، فهنا الشارع نهى الناس أن يتكلموا، والكلام إنما حرم لأجل الإنصات للخطبة فلا وجه لتحريمه مع عدمها، فإذا لم يكن الإمام يخطب فلا يجوز أن نحرم على الناس الكلام أو الحديث، أو يتكلمون في حاجاتهم ومآربهم؛ لأن إنما حرم لأجل الإنصات للخطبة، فإذا قيد هذا الآمر بالخطبة فإذا كان الإمام لم يخطب فلا حاجة إلى هذا التحريم؛ لأن التحريم في شروع الإمام في الخطبة، فيكون هنا الأمر.
وإلى هذا ذهب الإمام مالك، والإمام إبراهيم النخعي، والإمام الشافعي، والإمام طاووس، والإمام محمد بن الحسن، وغيرهم، وخلق من أهل الحديث يعني بينوا متى الإنصات، فيكون يجب الإنصات إذا شرع الإمام في الخطبة، قبل فلا بأس يعني قبل الخطبة فلا بأس وبعد الخطبة فلا بأس بالكلام.
وانظر: «شرح الموطأ» للزرقاني (ج1 ص 317)، و«المغني» لابن قدامة (ج2 ص240)، و«عمدة القاري» للعيني (ج5 ص 333)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص 414)، و«نصب الراية» للزيلعي (ج2 ص201)، و«الموطأ» للإمام مالك (ج1 ص 79).
وهذا بخلاف من قال بمنع الكلام، ويجب الإنصات بمجرد دخول الإمام، وهو قول أبي حنيفة وفيه نظر، واستدل في حديث ((إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام)) وهو حديث منكر، أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى»، وهو حديث منكر فلا يصح الاحتجاج به.
والأحاديث التي عندكم في «صحيح مسلم».
ويقول موسى بن طلحة: ((رأيت عثمان والمؤذن يؤذن وهو يحدث الناس يسألهم ويستخبرهم عن الأسعار والأخبار)) أخرجه ابن سعد «الطبقات الكبرى» وإسناده صحيح، يعني فلا بأس يبين هذا الأثر ما فيه بأس بالكلام للحاجة قبل أن يخطب الإمام فلا بأس، فهذا عثمان رضي الله عنه أمير المؤمنين يتحدث والمؤذن يؤذن يعني قبل خطبة الإمام.
وعن السائب بن يزيد قال: ((كنا نصلي في زمن عمر يوم الجمعة فإذا خرج عمر وجلس على المنبر قطعنا الصلاة، وكنا نتحدث ويحدثنا، فإذا سكت المؤذن خطب فلم نتكلم حتى يفرغ من خطبته))، أخرجه إسحاق ابن راهويه في «مسنده»، وإسناده صحيح.
وقال ابن حجر في «المطالب العالية» (ج1 ص 292): (هذا إسناد صحيح موقوف)، فهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم والسلف قبل يخطب الخطيب كانوا يتكلمون في حاجاتهم، فإذا شرع الإمام في الخطبة سكتوا ولم يتكلم أحد منهم، فأين الناس هؤلاء عن اتباع السلف والاقتداء بالسلف! فهذا يدل على أن هؤلاء يجهلون فقه السلف في كل الدين وفي كل أحكام الدين، فهكذا كان السلف، ((فإذا سكت المؤذن خطب فلم نتكلم حتى يفرغ من خطبته)) فإذا فرق من الخطبة تكلم الناس في حاجاتهم يعني ليس في أي شيء، هي الصحيحة.
فهذا عندنا في هذه المسألة متى الإنصات، ولعل في أحكام أخرى نتكلم عنها الدرس القادم.
هذا بالنسبة إذا سلم رجل والإمام يخطب فلا يرد عليه السلام، قبل أن يخطب إذا سلم فلا بأس، وبعد مثلا دخل رجل بعدما انتهى من الخطبة وسلم فلا بأس بالسلام عليه، ثم كذلك لا بد على الناس أن ينتبهوا، يعني فيه أناس الآن إذا دخلوا من باب المسجد سلموا بصوت مرتفع، فهذا ما ينبغي، فهذه البيوت بيوت الله سبحانه وتعالى لا بد أن تحترم وتوقر، فلا يرفع صوته هكذا، فإذا اقترب من مكانه الذي سوف يصلي فيه يسلم بصوت منخفض، كذلك الذين يريدون السلام عليه يسلمون بصوت منخفض، كذلك من جهل الناس الذين يردون عليه السلام كذلك بصوت مرتفع يرفعون أصواتهم، فيسلم الناس الذين بقربه بسلام منخفض، فهكذا يكون الأمر.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.