الرئيسية / شرح كتاب الجمعة من صحيح مسلم / الجزء (13) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: شرح الأحاديث في باب وجوب غسل الجمعة
2024-07-23
الجزء (13) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: شرح الأحاديث في باب وجوب غسل الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن حكم الغسل لصلاة الجمعة، وبينا أن الراجح من أقوال الصحابة رضي الله عنهم وأقوال الفقهاء أن الغسل مستحب لصلاة الجمعة، وهذا قول جمهور الصحابة وجمهور الفقهاء، وبينا ذلك في الدرس الذي سلف.
ولعل في هذا الدرس نتكلم عن معاني هذه الأحاديث التي سلفت، فعندنا هنا أثر عمر رضي الله عنه عندما كان يخطب الناس، ودخل عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان متأخرا لصلاة الجمعة، فناداه عمر رضي الله عنه، وفيه يقول عثمان رضي الله عنه: «إني شغلت اليوم»، وهذا يدل أن الناس من السلف والخلف ينشغلون أحيانا عن الصلاة سواء كانت صلاة الجمعة أو الصلوات المعروفة الخمس، فأحيانا يتأخرون، وهذا يقع حتى من السلف الصالح ولا بأس بذلك، وكذلك تقع الأعذار للتخلف عن صلاة الجمعة أو التخلف عن الصلوات الخمس، وبينا هذا كثيرا، فانشغل عثمان رضي الله عنه وجاء متأخرا، وهذه أمور معروفة من الخلق.
وقوله: «فلم أنقلب إلى أهلي»، الانقلاب هو الرجوع هنا، فلم أنقلب يعني فلم أرجع إلى أهلي وأذهب البيت، ثم بعد ذلك أغتسل وكذا لم أستطع بذلك، فجئت من الشغل إلى الصلاة، فلم أنقلب فلم أرجع، فالانقلاب هنا الرجوع كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وينقلب إلى أهله مسرورا﴾ [الانشقاق:9]، يعني فيرجع إلى أهل مسرور.
فيقول كذلك عثمان رضي الله عنه: «فلم أزد على أن توضأت، قال عمر: والوضوء أيضا» الوضوء هنا منصوب رغم أنه في بداية الكلام، والوضوء هو منصوب والتقدير أي: وتوضأت الوضوء، فهنا الكلام مستقيم في لغة العرب، أي: وتوضأت الوضوء فهذا هو التقدير.
وكذلك هنا بينا في الدرس الذي سلف عن الوجوب هنا، الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، واجب أي متأكد هنا، وفي حق هذا البالغ الذي يأتي صلاة الجمعة متأكد عليه ليس الوجوب هو الفرض كما قلت لكم، كما يقول الرجل لصاحبه: «حقك واجب علي» في اللغة، حقك واجب علي أي: متأكد فالوجوب هنا الشيء المتأكد، فالغسل لصلاة الجمعة سنة مؤكدة جدا كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في «زاد المعاد»، «على كل محتلم»، يعني بالغ على كل بالغ، المحتلم هنا البالغ.
وكذلك قول عائشة رضي الله عنها في الباب الثاني: «كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي» ينتابون الجمعة أي يأتونها، ينتابون يأتونها، يعني كان الناس ينتابون يعني يأتون الجمعة من منازلهم من العوالي، والعوالي هي القرى التي حول المدينة تسمى العوالي من البادية وغير ذلك، فيأتون في العبائي، جمع عباءة بالمد وعباية بزيادة لغتان مشهورتان، العباية معروفة.
* «ويصيبهم الغبار فتخرج منهم الريح» يعني الرائحة الكريهة، وهذا يدل على أن الناس يأتون لصلاة الجمعة من العوالي، ومن المدينة، ويصيبهم الغبار والرائحة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما بينت لكم بين لهم أن يتطهروا وهذا أفضل لهم، وهذا الحديث يدل على أن الغسل سنة لصلاة الجمعة، وليس الغسل ليوم الجمعة، كما هو قول الظاهرية وهؤلاء شاذون، وإلا أجمع الصحابة رضي الله عنهم، والتابعون، وأهل الحديث والفقهاء على أن الغسل سنة لصلاة الجمعة، ولم يسن ليوم الجمعة المعروف الذي هو الوقت، وهذا دليل على أن الناس يأتون لصلاة الجمعة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل، ولم يقل لهم فاغتسلوا يوم الجمعة المعروف، فهذا يعني دليل واضح وبإجماع الصحابة.
وهؤلاء الظاهرية يأتون بالأحاديث ويأخذونها على الظاهر، وبينت لكم أن المقصود هنا يوم الجمعة يعني بصلاة الجمعة، فيأخذون بالظاهر ويفتون الناس، فلذلك هذا قولهم مردود، وخالفوا السنة، وخالفوا الإجماع، فلا يلتفت إلى قولهم، وأن الغسل لصلاة الجمعة ليس ليوم الجمعة؛ لأن الناس يحتاجون إلى هذا الغسل، فيهم رائحة، فيهم تأذية للناس المصلين، وإلا إذا كان ليوم الجمعة فلا يحتاج الناس إلى هذا لأنه ممكن أن يكون فيه رائحة ولا يتأذى الناس، فيذهب هنا وهناك لوحده ثم ينصرف، لكن إذا اجتمع الناس في مكان الذي هو لصلاة الجمعة هنا يحتاج الناس إلى هذا الغسل لإزالة الرائحة، وبينت لكم ذلك، وبيأتي شيئا من هذا.
حديث عائشة كذلك الآخر «ولم يكن لهم كفاة»؛ كفاة: جمع كاف وهم الخدم الذين يكفونهم العمل، لم يكن لهم خدم، فهذا يدل على أن أهل القرى لم يكن لهم خدم يقومون على هؤلاء، وعلى ملابسهم، وعلى بيوتهم، وإلى آخره، فكانوا يكونون لهم تفل، تفل أي رائحة كريهة، «فقيل لهم لو اغتسلتم يوم الجمعة».
فهذه معنى الأحاديث.