القائمة الرئيسة
الرئيسية / شرح كتاب الجمعة من صحيح مسلم / الجزء (12) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: حكم غسل الجمعة

2024-07-23

صورة 1
الجزء (12) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: حكم غسل الجمعة

المتن:

[باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال، وبيان ما أمروا به].

 قال المصنف رحمه الله:

حدثنا يحيى بن يحيى، قال قرأت على مالك عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم».

حدثني هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى قال حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن جعفر حدثه عن عروة بن الزبير، عن عائشة أنها قالت: «كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي، فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار، فتخرج منهم الريح، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا».

وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن عمرة، عن عائشة أنها قالت: «كان الناس أهل عمل، ولم يكن لهم كفاة، فكانوا يكونون لهم تفل فقيل لهم لو اغتسلتم يوم الجمعة».

الشرح:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن مشروعية الغسل لصلاة الجمعة، وبينا ذلك بالأدلة كما عندكم في الباب الأول، وفي هذا الباب كما هو في الكتاب «باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به»، فهذا قول النووي رحمه الله تعالى في «المنهاج»، وهذا من تبويبه وذكر قولا من أقوال أهل العلم في ذلك، وبعد ذلك إن شاء الله سوف ندخل في إلى حديث وبعض الأحكام فيها، ونتكلم في مسألة حكم الغسل يوم الجمعة:

* فاختلف العلماء من السلف والخلف في غسل الجمعة هل هو واجب أو هو مستحب، وكذلك وقع خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، فعندنا هنا:

القول الأول: فذهب جمهور الفقهاء من السلف والخلف على أن الغسل يوم الجمعة مستحب وليس بواجب، وهذا يعني المذهب، هو كذلك المعروف من مذهب الإمام مالك، والسلف هم الصحابة ومن بعدهم، والخلف هم المتأخرون من أصحاب المذاهب الأربعة المعروفة، فإذا عندنا الآن أكثر العلماء من السلف والخلف على أن الغسل مستحب وليس بواجب.

وهناك قول لبعض السلف يعني من الصحابة كذلك ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه، وكذلك هو مذهب الظاهرية قالوا أن غسل الجمعة واجب على كل محتلم، والمحتلم عندكم في الحديث هو البالغ المحتلم هو البالغ، وكذلك هذا القول اختاره الشوكاني في «نيل الأوطار».

والصحيح والراجح هو قول: جمهور العلماء من السلف والخلف على أن غسل الجمعة مستحب، والأدلة على ذلك كما يعني عندكم في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الباب الذي سلف، وأنه أنكر على عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما جاء إلى صلاة الجمعة وكان متأخرا أنكر عليه أنه لم يغتسل، وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا أخرجه البخاري في «صحيحه»، وكذلك عندكم أخرجه مسلم في «صحيحه».

وجه الجمهور هذا الحديث أن عمر رضي الله عنه أنكر عليه ترك الغسل لأنه سنة ولم يبين له الوجوب، ولا يخفى عليكم أن الصحابة رضي الله عنهم يبينون ما فرضه الله سبحانه وتعالى على الناس، فلو كان واجبا لبين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لعثمان رضي الله عنه هذا الأمر يعني الوجوب، ولذلك العلماء يقولون أنه لم يأمره بالخروج للغسل؛ لأنه لو كان واجبا لأمره فدل أن الأمر بالغسل للاختيار وليس لوجود التحتم يعني الوجوب، فليس بحتم، ولو كان واجبا لبين عمر رضي الله عنه لعثمان رضي الله عنه ذلك؛ لأنه راوي الأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكذلك الذي روى الأمر ابن عمر ﭭ: «من أتى الجمعة فليغتسل».

* «فليغتسل»؛ أمر، فدل أن هنا الأمر هذا كما سوف يأتي للإرشاد، وهو من الآداب، وقاعدة عند الفقهاء أن الآداب تحمل في الأحاديث على الاستحباب، فأي أدب يكون مستحب وسنة، وبيأتي الكلام على ذلك في أثناء الآن الشرح.

وكذلك بعض أهل العلم قالوا أن الأمر «فليغتسل» مصروف، إذا قلنا أنه واجب فإن الوجوب هذا مصروف من الوجوب إلى الاستحباب بالأحاديث الأخرى كحديث عمر، وتأتي بعض الأحاديث الآن، فيتوجه هذا الأمر «فليغتسل» بالوجه الأول أن هذا من الآداب، والآداب تحمل على الاستحباب، وكذلك هذا الأمر للإرشاد، كيف عرفنا؟ بالأحاديث الأخرى، كذلك الوجه الثاني على فرض أن هذا للوجوب فإنه مصروف من الوجوب إلى الاستحباب كما هو مقرر في أصول الفقه.

فإذا عندنا الآن يؤخذ من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الغسل للاختيار، لو كان واجبا لأمره بالخروج والغسل، ويأثم عليه الشخص؛ لأنه ترك واجبا، فلم يبين له عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك.

الأمر الثاني أن الحضور كان من الصحابة لهم وجود في خطبة عمر رضي الله عنه؛ لأنه كان خطيبا، ولو كان فيه شيئا من الوجوب لبينوا الصحابة رضي الله عنهم لعثمان، فلم يبينوا ذلك، ولم يقولوا بالغسل أنه واجب، ولم يقولوا كذلك بالإثم على من تركه، فتبين أن هنا الغسل مستحب، وكذلك الصحابة لهم وجود في هذه الخطبة لم يأمروه بالخروج، فتبين أنه مستحب.

وهذا الكلام الذي أنقله لكم بينه ابن خزيمة في صحيحه، والطحاوي في شرح معاني الآثار، وابن حبان في صحيحه، وابن عبد البر في التمهيد، وغيرهم من العلماء بينوا ووجهوا هذا الحديث حديث عمر بن الخطاب، وبينوا أنه يدل على أن الغسل لصلاة الجمعة مستحب.

كذلك عندنا حديث عائشة حديث العوالي الذي يأتون الناس من العوالي من المناطق البادية، العوالي مناطق البادية يأتون من منازلهم يصيبهم الغبار يصيبهم الأشياء، وعندكم الحديث موجود في «صحيح مسلم»، كذلك هذا الحديث حديث عائشة أخرجه البخاري في «صحيحه».

فالنبي صلى الله عليه وسلم لو كان واجبا لأمرهم بالغسل رغم أنه يصيبهم الغبار، ولا يخفى عليكم أن الغبار وما شابه ذلك يعني لا بد على الشخص أن يغتسل منه ليزول هذا الغبار، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم بين لهم الأفضلية وأن الغسل لكم أفضل، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا»، لو اغتسلتم لكان أفضل لكم، ولو كان واجبا لما جعل النبي صلى الله عليه وسلم فيه الأفضلية أن الغسل أفضل لكم، لكن لو لم يغتسلوا هؤلاء ليس عليهم شيء لأنه مستحب.

والنبي صلى الله عليه وسلم لا يؤخر يعني الأحكام عن وقت الحاجة حاجات الناس، الآن يحتاجون هؤلاء الذين أتوا من البادية إلى هذا الحكم هل هو واجب أو مستحب؟ لو فيه شيء من الوجوب لأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوجوب، وقال لهم: يجب عليكم الغسل كما في الأحاديث الأخرى وما فيها من الأمر، فهذا يدل أن الأمر مصروف من الوجوب إلى الاستحباب، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم علق على الأفضلية.

ولذلك يقول النووي في «شرح صحيح مسلم» (ج6 ص133 ): لو اغتسلتم أو تطهرتم يقتضي أنه ليس بواجب؛ لأن تقديره لكان أفضل وأكمل، ولو كان واجبا لما علق النبي صلى الله عليه وسلم على الكمال والأفضلية، لأوجب عليهم مباشرة، ولم يقل لهم أن أفضل لكم أن تغتسلوا، فهذا يعني الحديث مصروف يعني حديث ابن عمر السابق «فليغتسل»، مصروف بهذا الحديث؛ لأن شكلهم الآن وما أصابهم من غبار ورائحة توجب أمرهم بالغسل، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: أفضل لكم أن تتطهروا وتغتسلوا؛ فهذا يدل على أن الأمر بالاختيار، فالنبي صلى الله عليه وسلم خيرهم، وبين لهم أنكم أفضل لكم أن تغتسلوا وتزيلون هذه الرائحة وهذا الغبار.

فإذا تقديره «لكان أفضل وأكمل»، لو اغتسلتم لكان أكمل وأفضل، وهذا الحديث كذلك موجود عندكم.

الحديث الثالث: الذي استدل به الجمهور على أن غسل الجمعة مستحب وليس بواجب حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن توضأ -يعني لصلاة الجمعة- فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت إلى الحديث»، وهذا الحديث أخرج مسلم وبيأتي الكلام عليه بعد ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بالوضوء في هذه الرواية، فلو كان الغسل واجبا لم اكتفى به، ففيه دليل على أن الغسل ليس بواجب، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين للناس الوضوء، فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، لم يقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم من اغتسل وتوضأ فلم يأت بالغسل ولم يأمر به، فاكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء فقط ولم يذكر الغسل هنا.

ولذلك يقول ابن حجر في «التلخيص» أنه من أقوى ما استدل به على عدم وجوب الغسل يوم الجمعة، فهذا الحديث لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الغسل، لو كان واجبا لذكر لهم الأمر بالغسل والوضوء، فاكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء ولم يذكر لهم الغسل، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يترك البيان للناس وقت حاجاتهم، يريدون يعرفون الأحكام، يريدون يعرفون العلم، فلذلك لو كان الغسل واجبا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لهم.

عندنا الحديث الرابع الذي استدل به جمهور العلماء على استحباب الغسل حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: «من توضأ فبه ونعمة، ومن اغتسل فذاك أفضل»، فذاك أفضل هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي في «سننه»، وابن خزيمة في «صحيحه» وغيرهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر الأفضلية للغسل لو كان واجبا لما ذكر الأفضلية، لتحتم عليهم الغسل بدون أفضلية.

فإذا العبد لو اغتسل فالغسل أفضل له ولو تركه لا يؤثم، لو تركه ما يؤثم، فهذا الآن الحديث يبين هذا الأمر، وهذا أصل أن الغسل يوم الجمعة مستحب، ومن الأدلة التي استدل بها جمهور العلماء أثر ابن عباس رضي الله عنه «أنه سئل عن الغسل يوم الجمعة أواجب هو؟ فأجاب: ولكنه طهور وخير، فمن اغتسل فحسن، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب»، وهذا أثر صحيح، أخرجه أبو داود في «سننه»، والطحاوي في «شرح معاني الآثار»، وكذلك أخرجه ابن المنذر في «الأوسط»، وابن أبي شيبة في «المصنف»، وإسناده صحيح.

هذا ابن عباس يسأل ويبين للسائل، السائل سأل هل غسل الجمعة واجب أو مستحب؟ فبين له أنه طهور وخير، ومن اغتسل فحسن له أجر وطبق السنة، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، فنفى الوجوب في غسل الجمعة، فهذا يدل فليغتسل أمر إرشاد، وعلى فرض أنه للوجوب فهو مصروف من الوجوب إلى الاستحباب من الأحاديث التي ذكرناها وهذا الأثر.

فإذا عندنا الآن مما تبين من هذه الأحاديث أن الغسل ليس بواجب بل هو مستحب، وكذلك هناك آثار للصحابة تبين أن الغسل سنة:

عندك أثر ابن مسعود رضي الله عنه قال: «الغسل يوم الجمعة سنة»، أخرجه عبد الرزاق في «المصنف»، وإسناده صحيح، الغسل يوم الجمعة سنة هذا قول ابن مسعود رضي الله عنه، وهو من فقهاء الصحابة.

وكذلك ابن عباس رضي الله عنه يقول: «غسل يوم الجمعة ليس بمحتوم»، يعني ليس بواجب، يعني سنة ومستحب، وهذا الأثر أثر حسن، أخرجه ابن المنذر في «الأوسط»، وإسناده حسن.

فهذه الأثار كذلك تبين أن الراجح في هذا الخلاف الذي وقع بين الصحابة وبين التابعين وبين الفقهاء المتأخرين والمتقدمين أن الراجح قول الجمهور، وأن الغسل يوم الجمعة لصلاة الجمعة ليس بواجب بل مستحب، لو ذهب الشخص يوم الجمعة ولم يغتسل فليس عليه شيء، لكن نقول له الغسل أفضل لك، وطبق هذه السنة، لكن أحيانا لا يتسع الوقت للشخص استيقظ مثلا متأخر، أو كان عنده عمل في المنطقة أو منطقة أخرى، ثم أتى من منطقته مثلا ليصلي صلاة الجمعة لا يوجد وقت، هذا يعني ليس عليه شيء ولا يأثم ولا شيء؛ لأن الغسل ليس بواجب، وهذا عليه أن يتوضأ ويذهب لكي يلحق بصلاة الجمعة.

لكن نحن نتكلم عن الكلام العام عموم الناس في المناطق أن الغسل عليهم مستحب، فلذلك لا ينبغي لشخص ما دام عنده وقت متسع أن يترك غسل الجمعة؛ لأنه سنة مؤكدة، وفيه فضل عظيم، فعلى الناس أن يطبقوا السنة في هذا الأمر.

وعندكم الحديث حديث أبي سعيد الخدري في «صحيح مسلم»، كذلك أخرجه البخاري في «صحيحه»: «الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» كل محتلم يعني كل بالغ، وهنا واجب، يعني بين ابن القيم في «زاد المعاد» (ج1 ص207): (قوله: «واجب» صلى الله عليه وسلم لا يراد به الوجوب الذي بمعنى الفرض ليس هو بمعنى الفرض، بل هو سنة مؤكدة)، النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على الصحابة الغسل؛ لأنه يصيب الناس كما بينت لكم في الدرس الذي سلف أن الناس يصيبهم روائح وأوساخ وغبار وأشياء كثيرة، فيحتاج الناس إلى الغسل، فيحتم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ويؤكد عليهم، فالوجوب هنا ليس معنى الفرض.

كذلك لو قلنا أنه هنا أن الوجوب هو الفرض فهو مصروف، هذا الحديث مصروف من الوجوب إلى الاستحباب بالأحاديث التي ذكرناها، وهذا المعنى أن الوجوب هنا ليس بمعنى الفرض، بل بمعنى السنة المؤكدة ذكر هذا فقهاء المالكية كذلك، والغسل من الآداب كما بينت لكم، والآداب في الشرع مستحبة كما ذكر الشافعية في قاعدتهم في الآداب.

ولذلك بينت لكم في الدرس الذي سلف أن الغسل على من أتى صلاة الجمعة، أما الذي لا يأتي صلاة الجمعة لا حاجة أن يغتسل يعني يصلي في بيته منفردا صلاة الظهر، فلا حاجة أن يغتسل هذا، ولذلك يبين ابن عمر رضي الله عنه قال: «إنما الغسل على من أتى الجمعة»، وهذا ذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج8 ص143)، وذكر الإسناد، وإسناده حسن.

وبينت لكم في درس الذي سلف عن هذا الأمر أن الغسل سنة على من أتى الجمعة، ولذلك يبين الإمام الشافعي الغسل يوم الجمعة فضله على الاختيار لا على الوجوب.

فإذا يتبين لنا الآن من هذا الخلاف والراجح أن غسل يوم الجمعة مستحب، وهذا الحكم هو الصحيح وعليك أن تمشي عليه ولا تلتفت إلى القول الآخر، ولا تحتار فيه ولا شيء، حكم الدين وحكم الشارع أن غسل يوم الجمعة مستحب، وتنتهي إلى هذا ولا تشغل نفسك مع الخلافيات ولا ذاك، وإلا الكلام طويل في هذا الأمر، وكلام الفقهاء كلام طويل أنا اختصرت لك لكي لا تحتار ولا تنتقل هنا ولا هناك ولا كذا، ولا اختلف الفقهاء ولا شيء، ونحن بينا لكم كثيرا أن أحيانا نذكر الخلافيات للفائدة.

لكن هنا مسألة إذا كان على الشخص فيه رائحة شديدة كما قلت لكم من قبل كالعمال هؤلاء الذين يعملون في الطرقات ويحفرون خاصة في الصيف، أو غير هؤلاء؛ فهؤلاء يجب عليهم غسل يوم الجمعة لا على أن غسل يوم الجمعة واجب لا، لأن الناس يتضررون من هذه الرائحة فيتأذى المصلون، وتتأذى الملائكة في المسجد، فالناس ينفرون من الرائحة كما لا يخفى عليكم، فهؤلاء يجب عليهم أن يغتسلوا لهذا الأمر للضرر والأذية، كما أن الشخص لو أكل ثوما بين النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأتي إلى المسجد ويطرد، لذلك الصحابة كانوا يطردون اللي يأكل بصل وثوم، فلذلك ما يأتي، هذا مثل الذي في رائحة يحفر في الظهر تصير له رائحة يعني شديدة هذا أشد من البصل، هذا يجب عليه أن يغتسل لكي لا يؤذي الناس.

وإذا كان أصحاب العمل لا يرضون إلا إذا اقتربت الصلاة مثلا فلا يأتي الصلاة هذا معذور كما بينا كثيرا، ورخصة له أن يتخلف عن صلاة الجمعة، ويصلي في مكانه وفي عمله وشغله، ولا يأتون هؤلاء العمال إلى المسجد بهذه الرائحة فيؤذون الناس ويؤذون الملائكة، فيصلون مكانهم ظهرا أربعا، وإذا كان هؤلاء مسافرين يقصرون، أتوا للعمل وهم كلهم من بنجلاديش مثلا، نحن نبين الحكم يجوز لهم أن يقصروا صلاة الظهر ركعتين ويرجعون يحفروا، فهكذا يعني لكن هؤلاء ما يفهمون يصلوا أربعا لهم ظهرا؛ لأن القصر ليس بواجب، القصر سنةـ فيجوز أن يصلوا أربعا، ولا يأتون صلاة الجمعة ويؤذون الناس.

وهؤلاء في الحقيقة يأتون صلاة الجمعة ويؤذون الناس بسبب جهلهم، لا يوجد أحد يعلمهم أصلا في هذه الأماكن، فعندهم خلط وخبط في ديننا فما يفهمون، فلذلك فهذا الذي فيه الرائحة بسبب العمل وما شابه ذلك يجب عليه أن يغتسل، أما الحكم حكم الشرع في هذا الأمر حكم الشرع أن غسل يوم الجمعة مستحب، فلذلك يقع يعني من غالب الناس أو أناس شيئا من الرائحة لا تضر أصلا ولا تضر حتى الشخص، فلو لم يغتسل فله أن يأتي صلاة الجمعة، وأن اغتسل فالغسل له أفضل.

فهذا يعني المسألة باختصار، وإلا الكلام فيها طويل، ولعل نشرح شيئا من الأحاديث التي ذكرت الدرس القادم، ومن شاء أن يطلع ويتوسع ويقرأ ويتفقه في هذه المسألة ينظر: «المنهاج» للنووي (ج6 ص133)، و«المجموع» له (ج4 ص616)، و«الذخيرة» للقرافي (ج4 ص300)، و«الأم» للشافعي (ج1 ص174)، و«كشف القناع» للبهوتي (ج2 ص46)، و«المحلى» لابن حزم (ج2 ص12)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (ج1 ص472)، و«زاد المعاد» لابن القيم (ج1 ص207)، و«سبل السلام» للصنعاني (ج1 ص86)، و«شرح معاني الآثار» للطحاوي (ج1 ص115 )، و«المغني» لابن قدامة (ج2 ص256)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص386)، و«الصحيح» لابن خزيمة (ج3 ص125)، و«عمدة القاري» للعيني (ج15 ص285)، وغير ذلك من الكتب كتب الفقه، كذلك شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين تكلم في هذه المسألة في شرح الممتع، فمن أراد فيرجع إلى هذه المراجع.

فإذا الراجح في هذه المسألة أن غسل يوم الجمعة مستحب وليس بواجب وريح نفسك.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan